ديوان
الحاج جواد بدقت
ألأسدي

(المتوفى سنة 1281 هـ)

(قسم مدح ورثاء آل البيت عليهم السلام)

تحقيق
سلمان هادي آل طعمة


ديوان الحاج بدقت ألأسدي 1


ديوان
الحاج بدقت
ألأسدي



ديوان الحاج بدقت ألأسدي 2

الطبعة ألأولى
1419 هـ ـ 1999 م


ديوان الحاج بدقت ألأسدي 3


ديوان
الحاج جواد بدقت
ألأسدي

(المتوفى سنة 1281 هـ)

(قسم مدح ورثاء آل البيت عليهم السلام)

تحقيق
سلمان هادي آل طعمة


ديوان الحاج بدقت ألأسدي 4


بسم ألله الرحمن الرحيم


ديوان الحاج بدقت ألأسدي 5

بسم ألله الرحمن الرحيم

المقدمة

تمهيد . عصره . أسرته . مولده . مشايخه. أقوال العلماء وألأدباء فيه . صلته بأدباء عصره . آثاره وشعره . وفاته . مراثي الشعراء له .
ليس أحد منا من لا يدرك أهمية كربلاء المقدسة من حيث مدارسها العلمية ومكانتها الدينية ، وإتساع نطاق الحركة ألأدبية فيها ، بخاصة في القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) ذلك بما أنجبت من العلماء ألأفذاذ والشعراء الموهوبين ، فقد كانت لا تقل شأنا عن الحلة الفيحاء والنجف ألأشرف ، حيث كان التنافس بين هذه المدن الثلاث لا يفتر ولا يهدأ . وكان من نتائج هذه المنافسة النبيلة أن تطورت العلوم وألآداب ، وإزدهرت إزدهارا عظيما ، وإستحدثت الكثير من ألأفكار العلمية ، وغزت المحافل ألأدبية تلك القصائد الرنانة التي كان لها فعل السحر في القلوب ، قالها شعراء مبدعون ملكوا ناصية الشعر وأجادوا في قرضه أيما إجادة . فكانت كربلاء كأنها روضة غناء تصدح على أفنانها بلابل الشعر ، وقد بلغت ذروة صعودها ألإبداعي .
لقد كانت كربلاء في القرن الثالث عشر الهجري تزخر بالحركات الفكرية المختلفة وكانت حلقات الخلاف قائمة على قدم وساق بين أنصار الفرق ألإسلامية ، والنقاش يدور على أشده بين النحويين من كوفيين وبصريين وللمتصوفة ـ خانقاتهم ـ يباشرون بها طرقهم ، وكم كان لأنصار ـ وحدة الوجود ـ فيها جلبة وضوضاء بين محبذ لهم ومستنكر لأفعالهم ، وكذلك الحال كانت

ديوان الحاج بدقت ألأسدي 6

محاولات رجال الكيمياء لتحويل المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة قائمة بجد ومثابرة (1). وقد أثرت هذه الحركة على تفكير ونفسيات كثير من شعراء ذلك العصر ، وصادف قدوم سيد جليل إليها ذلك هو العلامة السيد كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي المتوفى سنة 1259 هـ ، ليقيم للعلم وزنا ومعنى ، وليفسر كلام ألله المجيد وأحاديث الرسول (ص) وألأئمة أطهار عليهم السلام ، وقام بتدريس كتب إستاذه العلامة الشيخ أحمد زين الدين ألإحسائي ، فإستطاع أن يجتذب إليه عدد كبيرا من أنصاره ومريديه ، وكانو أقرب إليه من ظله ، منهم شاعرنا الحاج جواد بدقت . فهو أحد دراري ألأدب الساطعة بأفق العراق ، ومن مشاهير أدباء القرن الثالث عشر الهجري وفحول شعرائه ، حيث كانت له المكانة المرموقة في أوساط العلماء والشعراء والمثقفين آنذاك . كان والده الحاج محمد حسين يمتهن بيع الحبوب ، وكان حيا سنة 1216 هـ ، يقول حسن عبدألأمير : دارت عجلة الزمن فطوت بين دواليبه الحاج محمد حسين ـ والد شاعرنا ـ فتركه مفجوعا حزينا ، دامع العين ، مكروب الفؤاد ، مكدود الذهن بين عمله الفكري الخصب وعمل والده الذي يجب أن يتفرغ له ويشمر عن ساعد الجد ، ليملأ علوة الحبوب بنشاط بدني وحيوية إقتصادية . بقي مدة يكدح في السوق ينجح مرة ويكبو مرات إلى أن عدم المال ، وضاق الحال بالشاعر المسكين ، فعد كالحمالين الذين في السوق يأكل مما يأكلون ويلبس مما يلبسون ، وكما صرح في إحدى قصائده ـ وأخيرا آل أمره بترك العمل والتفرغ للعمل الفكري في جوار إستاذه الرشتي إلى أن توفي عام 1259 هـ ، فإنتقلت ألأمور الدينية منه لولده الشاب السيد أحمد فقرب أنصار أبيه وأغدق عليهم من فيضه ، وجعلهم مستشاريه في أموره الدنيوية وأساتذته في العلوم ألأدبية والدينية (2).

(1) مجلة ـ رسالة الشرق ـ الكربلائية ـ مقال (شعراؤنا ـ الحاج جواد بدقت) بقلم : حسن عبدألأمير المهدي ـ العدد 1 السنة 1 (20 جمادي الثانية 1373 هـ ) .
(2) المصدر السابق ـ العدد 2 رجب 1273 هـ ص 62 .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 7

وهكذا مرت عليه ظروف قاسى فيها مرارة الحرمان وشغف العيش ، وعرف الضيق والحاجة حتى إستقر في ديوان آل الرشتي ليتنفس الصعداء ، يعيش من وارد بستانه (1)، ومن شعره الذي يتلوه في المحافل الكربلائية.
وآل بدگت إحدى الأسر العربية المعروفة في كربلاء تمت بنسبها إلى قبيلة (بني أسد) وكانت سابقا تمتهن شرف الخدمة في الروضتين المقدستين الحسينية والعباسية .
ولد شاعرنا في كربلاء ، ولم يتيسر لنا ألإطلاع على تاريخ مولده بالضبط ، فهناك روايات مختلفة لدى المؤرخين ، فمنهم من يذكر أن مولده كان في سنة 1210 هـ (2)، ورواية أخرى تشير إلى أنه ولد في سنة 1232 هـ فيكون عمره عند وفاته 49 سنة . ورواية ثالثة تشير إلى أنه ولد سنة 1221 هـ فيكون عمره عند رحيله 60 سنة أو 64 سنة وهي موضع شك .
ومهما يكن من أمر فإن مصادر ترجمته تشير إلى أنه ولد في كربلاء ونشأ وتربى في أحضان أسرة ذات مركز إجتماعي مقبول . ويبدو أن والده كان له تأثير في توجيهه وتثقيفه ، حتى صلب عوده وسمت منزلته ، وكأن ألله أودع في فطرته منذ ألأزل هذه الشاعرية الفياضة ، وعاش معه رهط من شعراء المدينة أمثال الشيخ محسن أبو الحب والحاج محسن الحميري والشيخ موسى ألأصفر والشيخ قاسم الهر والشيخ فليح حسون رحيم والشيخ علي الناصر والشيخ محمد علي كمونة والشيخ عمران عويد وآخرين غيرهم . ولم يلبث أن تعشق ألأدب العربي ، فأخذ الشعر ونبغ فيه ، وإندمج في صفوف الشعراء ، فزاده ذلك ميلا إلى إجادة الشعر والبراعة فيه ، حتى صار ينظم الشعر وأصبح في معرفة اللغة العربية وأسرارها نسيج وحده وعديم نده . فكان من شيوخ صناعة ألأدب ومن صدور رجالها .

(1) إطلعت على ورقة تحريرها في الثاني عشر من شوال 1267 هـ خاصة بأملاك آل سلطان الواقعة في عگد بليبل وهي محاددة لبستان الحاج جواد بدگت .
(2) شعراء كربلاء أو الحائريات / علي الخاقاني (مخطوط).
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 8

شجرة آل بدقت

ديوان الحاج بدقت ألأسدي 9

غزير المادة كثير ألإطلاع والوقوف على أشعار العرب وأيامهم الحافلة ، حافظا لسيرهم . وكان من بين أساتذته الذين نهل منهم ألأدب الشيخ محمد علي كمونة والشيخ عمران عويد . كما كان من معاصري الشيخ صالح الكواز الحلي والشيخ صالح التميمي وعبدالباقي العمري ... ثم بدأ نجمه يتألق في سماء المجتمع الكربلائي ، وأقبل على الشهرة إقبال المشوق وطلب المجد طلبة الملحاح ، وإتصل بالسيدين الجليلين السيد كاظم وولده السيد أحمد الرشتي ، فخلعا عليه حلل الثناء ، وأجزلا له أوفر العطاء ، وأحلاه في مجالسهم مكانة لائقة . وتشير أخباره إلى أن هذه الصلة كانت وطيدة وأن السيد أحمد كان معجبا بالرجل وبأدبه وبشخصيته .
ذكره السيد محسن ألأمين العاملي فقال : توفى سنة 1281 هـ كما في مسودة الكتاب ، وفي مجلة الغري أنه توفي سنة 1285 هـ وألله أعلم ، وكانت وفاته في كربلاء ودفن بها . وبدقت لقب جدهم الحاج مهدي أراد أن يقول عن الشمس بزغت فقال لتمتمة فيه بذقت (1) وقال فيه الشيخ محمد السماوي :
وكالجواد بن الحسين المنتمي لبدگت نبزا بكاف أعجمي
ألأسدي من أهالي كربلا فكم له من نظم عقد قد حلا
بكى وأبكى مقلا في محفل فأرخو (جنى رياض المقل)(2)

وذكره شيخنا العلامة أغا بزرك الطهراني بقوله : كان من مشاهير شعراء كربلاء له ديوان مخطوط كله من الجيد توفى في كربلاء (1285) ودفن بها(3).

(1) أعيان الشيعة / محسن ألأمين ج 17 ص 188 .
(2) مجالي اللطف بأرض الطف / الشيخ محمد السماوي ص 77 ، وهذا التاريخ الذي جاء به السماوي غير صحيح بحساب ألأبجد ، فإذا كتبت (جنا) بألألف فيكون مجموع (جنا رياض المقل : 1815 م ، وإذا كتبت بالياء (جني) فيكون مجموعها 1824 م وإذا كتبت بألألف المقصورة فيكون المجموع 1274 هـ .
(3) الكرام البررة / آغا بزرك الطهراني ج2 ص 278 .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 10

وهناك بعض المخطوطات التي تعرضت إلى سيرة حياته منها كتاب (الحصون المنيعة) جاء فيه : الحاج جواد بن الحاج محمد حسين بن الحاج عبدالنبي بن الحاج مهدي بن الحاج صالح بن الحاج علي ألأسدي ألأصل ، الحائري المسكن ، الملقب ببذقت للثغة كانت في لسان جده فأراد أن يقول : برقت الدنيا فقال بذقت فلقبوا بذلك ، وقد شاهدته أول صباي في الحائر وهو متوسط السن ، كان شاعرا بليغا أديبا كاملا تخرج في الشعر على المرحوم الحاج محمد علي كمونة النجفي ألأصل الحائري المسكن وجعل ينظم النظم الرائق . وقد نظم روضة في مدح ألإمام علي وأخرى في ذم أعدائه وبعض حروفها ، وقد تصدى ولده ألأديب الشاعر محمد حسين لجمع شعره توفى 1281 هـ عن سن 49 سنة ودفن في الرواق الحسيني بقرب مرقد ألأقا البهبهاني (1).وذكره صاحب الحصون أيضا في الجزء الثاني قائلا : كان شاعرا ماهرا من أكبر شعراء العراق ، حفاظة ، وكان من معاشري الشيخ صالح التميمي المشهور . تتلمذ وتخرج على يد الشيخ عمران عويد وكان يعترف له بالتقدم والجودة في نظم الشعر وعلى الحاج محمد علي كمونة ، وقد برع في الشعر بحيث فاق أقرانه من شعراء عصره ، وكان من حزب السيد كاظم الرشتي ومنقطعا إليه ، ثم إنقطع إلى إبنه السيد أحمد وأغلب شعره فيهما . وقد نظم روضته على غرار روضة الصفي . جمع أشعاره ولده محمد حسين توفى في كربلاء سنة 1281 هـ عن عمر يناهز الستين عاما ، ومخلف من الذكور وحده (2)ومعه عدة بنات .
ومن أخباره أن الشيخ علي ألأعور الشاعر المعروف بالناصر زاره يوما وأخذ ينظر في كتبه واحدا واحدا ثم أنشد يداعبه :
أيا إبن كروَّس يا نصف أعمى وأن تفخر فيا نصف البصير


(1) الحصون المنيعة ـ علي آل كاشف الغطاء ج7 ص 148 ـ مخطوط ـ في مكتبة آل كاشف الغطاء في النجف .
(2) وهذا مخالف لما هو معروف حقيقة ، فإن للحاج جواد ولدين هما : الشيخ محمد حسين والشيخ علي .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 11

أتبغضا لأنا غير لكنٍ وتهجونا لأنا غير عور؟

ومن نوادره : كان في بغداد منتدى مطل على دجلة يعرف بـ (القهوة) يجتمع فيه فريق من ألأدباء فحضر هناك أديب ثمل فأنشد بيتا للعرب مغلطا فأراد المترجم له أن يصلحه فجابهه الثمل بخشونة فما كان من جواد إلا أن خاطبه :
لقد أشبهت في شرب الحميّا يزيد فلا سقى غيثا يزيد
وفيها صرتما فرسي رهان فقل لي أن أيكما يزيد؟(1)

ووصفه الشيخ السماوي في كتابه المخطوط (الطليعة) فقال : الفاضل ألأديب الشاعر المحاضر المشهور بالمحبة لأهل البيت (ع) وذكره السيد جعفر الخرسان في مجموعته كما ذكر مرثيته للسيد حسن الخرسان المتوفى سنة 1265 هـ ووصفه بزبدة الشعراء وذكر أنه من أهل المربد(2).
وقال عمر رضا كحالة في معجمه ما هذا نصه : جوا د ويقال : (محمد جواد) إبن عبدالنبي بن مهدي بن صالح بن علي ألأسدي الحائري الشهير ببدْقت ( وفي رواية بذقت أو بدگت)أديب شاعر ، محاضر توفى في كربلاء ودفن بها . من آثاره ديوان شعره (3).
ومما تحسن ألإشارة إليه إني وجدت في ديوان الشيخ فليح حسون رحيم ، المخطوط ، هذا القول : وله وقد رأى في يد جناب ألأمجد جواد بذقت سفرجلة في غير أوان السفرجل فرغب فيها فقال :
مهما رأيت لدى جواد تحفة أملتها منه فجئه وأساله
سيجود فيما كنت قد أملته منه وإن كان المراد سفرجله(4)


(1) الحصون المنيعة ـ علي آل كاشف الغطاء (مخطوط) ج2 ص 140 وج9 ص 188 .
(2) الطليعة من شعراء الشيعة ـ للشيخ محمد السماوي (مخطوط) نسخته محفوظة في مكتبة الدراسات العليا بكلية ألآداب ـ جامعة بغداد.
(3) معجم المؤلفين ـ عمر رضا كحالة ج3 ص 168 .
(4) ديوان الشيخ فليح الجشعمي (مخطوط) نسخة مصورة توجد لدى محقق هذا الديوان .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 12


آثاره :

ترك الحاج جواد بدقت آثارا أدبية غنية عن التعريف ، بيد أنها متناثرة ، مشتتة ، لم تطبع . ومن هذه ألآثار :
1 ـ ديوان بدقت : يضم هذا الديوان كل شعره الذي أودعه ، وكان هذا الديوان مشهورا في العصر السابق ، كتبه نجله الشاعر الشيخ محمد حسين بدقت المتوفى سنة 1339 هـ ، وكانت نسخة ألأصل من محتويات مكتبة السيد عبدالحسين آل طعمة سادن الروضة الحسينية (1). وقد إحترق كما إحترق غيره من نفائس الكتب وذلك في حادثة حمزة بك سنة 1333 هـ .
لكن شعر الرجل بقي على ألسنة الناس وفي أفواههم ، يستشهد به ألأدباء والعلماء في مصنفاتهم ، ويتذاكرون به في حلبات مجالسهم ، غير أن أحدا لم ينهض لجمع ما تناثر من شعره من المضان والمحافظة عليه من الضياع والتشتيت . لكني شمرت عن ساعد الجد ، فبذلت من الجهد والطاقة الشيء الكثير ، ورحت أفتش هنا وهناك عن نتاج الشاعر حتى جمعت ما تيسر لي جمعه من شعره من مصادر شتى ومجاميع مخطوطة عثرت عليها في مكتبات كربلاء والنجف ، وكانت ثمرة هذا الصنع إسم الديوان اذي جوّزت لنفسي أن أطلق على هذا الصنع إسم ديوان الحاج جواد بدقت ، وكان عملي في ذلك مضنيا ، وذلك لأني حاولت أن أفك طلاسم طريقة القصائد ألإملائية التي كتبها أصحاب المجاميع المخطوطة ، فقرأتها عدة مرات حتى أتبين مواضع الغموض في الكتابة ، فكان هذا الذي بين يدي القارئ الكريم .
2 ـ الروضة : وللشاعر الحاج جواد بدقت روضة تشمل على 28 قصيدة وهي على غرار روضة الشاعر صفي الدين الحلي التي قالها في مدح ألإمام علي (ع) مسجلة في المجموعة المرقم (21) المحفوظ بمكتبة كاشف الغطاء في

(1) إنظر : ديوان الشيخ صالح الكواز الحلي ـ تحقيق : الشيخ محمد علي اليعقوبي ص 11 .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 13

النجف ، وهي مبوبة حسب حروف المعجم . فشددت الرحال إليها ونقلتها بخطي وألحقتها بالديوان .
وأللافت للنظر أن شيخنا العلامة أغا بزرك نعت الروضة هذه بـ (ديوان بدقت) فقال عنها في (الذريعة) ما يلي : ديوان بدقت وهو الحاج جواد الكربلائي ، وهي من قصائد مرتبة على نهاية حروف القوافي في مدايح ألأئمة (ع) رأيت نسخة ضمن مجموعة ضخمة عند الشيخ علي بن محمد رضا آل كاشف الغطاء في النجف(1).
وقد ألحقتها في آخر الديوان .
3 ـ الملحمة : للشاعر الحاج جواد بدقت ملحمة شعرية في مناقب أهل البيت عليهم السلام ، بلغ عدد أبياتها (1265) بيتا ، وهي على غرار هائية ألأزري الشيخ كاظم ومطلعها :
لمن الشمس في سماء علاها أخذت كل وجهة بسناها

وكانت نسخة ألأصل من هذه الملحمة موجودة في مكتبة السادة آل الرشتي لكنها مشحونة بألأخطاء .
أما النسخة الثانية من الملحمة فهي من محتويات مكتبة ألأديب حسن عبدألأمير المهدي .
وتوجد نسخة ثالثة من الملحمة في مكتبتي الخاصة ، وهي بخط المرحوم والدي طيب ألله ثراه.
وقد ألحقتها أيضا في آخر الديوان .

شاعريته :

صاحب الديوان شاعر مطبوع غير متكلف ، فرض نفسه على نقاد الشعر

(1) الذريعة / آغا بزرك الطهراني ج9 القسم 1 ص 327 .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 14

ورواته بشعره الجيد وشاعريته المتميزة ، فأثنوا عليه جزيل الثناء . في شعره سهولة مع فخامة العبارة ، وجزالة اللفظ ، وقرب المآخذ . كان له أبلغ ألأثر في نفوس سامعيه ، ويستطيع الدارس أن يلتمس عددا كبيرا من خصائص تلك الشخصية ومقوماتها من خلال أخباره وشعره ، فهو إنسان قادر على إنشاء العلاقات ألإجتماعية ، وكان لتدينه أثر في إسلوب معاملة الناس له ، وحسن إجابته وقضاء حوائجه ، تناول في شعره أغراض الشعر المألوفة كالغزل والتشبيب والمديح والرثاء والوصف إلى غير ذلك ، وأخذ كثيرا من معاني المتقدمين ، فتفنن فيها وزادها جمالا وروعة ، ومن خصائص شعره أنه إقتبس من الآيات الكريمة للقرآن وأدخلها في سياق شعره . ويمكن تقسيم شعره إلى ألأغراض التالية :
1 ـ الرثاء ـ فقد رثى شاعرنا ألإمام الحسين وآل البيت (ع) بجملة قصائد يرددها خطباء المنبر الحسيني ، وقد حلق في هذا الباب حتى سمت به مكانته الرفيعة ، فجعلته في مصاف كبار الشعراء الفطاحل.
2 ـ المدح ـ للشاعر عدة قصائد يهنئ بها السادة ألأماثل آل الرشتي في أفراحهم .
3 ـ الغزل والنسيب ـ قال شعرا كثيرا في هذا الباب ، صدر فيه عن نفس وثابة عرفت الحياة وخبرتها .
4 ـ ألأغراض ألأخر ى ـ قالها في الشكوى والعتاب وألإخوانيات وصدور المراسلات وما إلى ذلك ، أما وصف الطبيعة فلا ندري مبلغ إهتمامه بهذا الغرض على وجه التحديد ، غير أننا نلمس عنده أحيانا تعريجه على وصف الطبيعة في أثناء غرض المديح أو في مقدمات قصائده .
وقد وجدت خلال جمعي لقصائد الشاعر في أصل القصائد أخطاء كثيرة صححتها ، وأشرت إلى ذلك في الهامش ، ولاحظت في بعض النسخ تقديما وتأخيرا في بعض ألأبيات فقومتها كذلك ، وأشرت إليها في الهامش ، وقسمت

ديوان الحاج بدقت ألأسدي 15

الديوان حسب حروف المعجم . وهناك نص ظاهر في مواضع متفرقة من هذه النسخة قد يصل بعضها إلى أربعة أشطر أو أكثر . كما أن هناك بعض الكلمات الساقطة تركتها كما هي .
إن محاولة جمع شعر الشاعر ولم شتات ما تناثر من أخباره ، والوقوف على معالم حياته في دراسة مستقلة ، أمر يرسم لنا صورة الواقع المشرق الذي عاشه الشاعر إبان تلك الفترة .
وما دمنا بصدد الحديث عن شعره ، فمن الجدير بأن نشير إلى أن القصيدة القافية التي نسبت له في بعض المصادر المطبوعة ، وأولها :
وزاكية ممن أبوهن أحمد جرى الوجد في أحشائها جري سابق

هي ليست للحاج جواد بدقت ، إنما هي للشاعر الشيخ عبدالحسين شكر النجفي المعاصر له ، وهي مذكورة في ديوانه المطبوع ج2 ص 58 ، كما صرح بذلك جامع ديوانه المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي .

المراجع :

أما المراجع التي إعتمدتها في جمع شعره ، فيمكنني أن أصنفها إلى ما يأتي :
أ ـ المصادر المطبوعة :
1 ـ أعيان الشيعة ـ للسيد محسن ألأمين العاملي ج17 ص 188 ـ 194 (الطبعة ألأولى دمشق مطبعة إبن زيدون 1364 هـ ـ 1945 م ).
2 ـ الكرام البررة ـ للشيخ آغا بزرك الطهراني ج 2 / 278 .
3 ـ معجم المؤلفين ـ لعمر رضا كحالة ـ ج3 / 168 .
4 ـ مجلة الغري ـ السنة ألأولى 25 محرم 1359 هـ / 5 آذار 1940 م العدد 23 و24 ص 460 .

ديوان الحاج بدقت ألأسدي 16

5 ـ مجلة رسالة الشرق ـ السنة ألأولى 1373 هـ العدد 1 و2 و 3 و 4 .

ب ـ المصادر المخطوطة :

1 ـ الحصون المنيعة ـ للشيخ علي كاشف الغطاء (مكتبة كاشف الغطاء) النجف ج2 ص 140 وج 7 ص 148 ج 9 ص 188 .
2 ـ الطليعة من شعراء الشيعة ـ للشيخ محمد السماوي (مكتبة الدراسات العليا بكلية ألآداب ـ جامعة بغداد) تحت رقم 2002 .
3 ـ الحائريات ـ للشيخ عبدالمولى الطريحي ـ مكتبة الطريحي في النجف .
4 ـ شعراء كريلاء أو الحائريات ـ للشيخ علي الخاقاني ـ مكتبة الخاقاني في بغداد .
5 ـ مجموع آل الرشتي ـ للسيد أحمد بن السيد كاظم الحسيني الرشتي كتب سنة 1281 هـ . مكتبة السيد كاظم الرشتي بكربلاء يقع في 521 صفحة .
6 ـ مجموع البحراني ـ جمع وتأليف الشاعر الشيخ محمد بن وحيد البحراني كتبها سنة 1323 هـ .
7 ـ مجموع الفائزي ـ كتبه الشيخ عبدالكريم النايف سنة 1348 هـ (309) صفحة ـ مكتبة الخطيب السيد مصطفى الفائزي آل طعمة بكربلاء .
وأني لأرجو مخلصا أن يفيد من هذا الديوان الباحثون والدارسون . ولا أقول أني بلغت من أٌلإتقان في إخراجه غاية ما أريد ، على أنني لم آل جهدا في كل ما قمت به ، فطبيعة العمل في أمثال هذه الدواوين شاقة وعسيرة ، عسى أن أكون بعد هذا الجهد المتواضع قد أظهرت شيئا نافعا كان في زوايا الخمول والنسيان ينتظر النور ، وألقيت ضوئا كشافا على جانب من جوانب شخصية الشاعر الغامضة تسهل مسالك البحث للدارسين وأهل ألأدب ، وتسهم إسهاما فاعلا في حركة التراث العربي ، تخليدا لذكرى شاعر عبقري فذ عاش أياما خالدة من القرن الثالث عشر الهجري .

ديوان الحاج بدقت ألأسدي 17


وفاته :

على حين غرة هوى ذلك النجم المتألق نثارا على أرض البسيطة ، وسرعان ما إعترى سناه الأفول ، وأرخى النسيان عليه السدول ، فقد إخترمته يد المنون العاتية في كربلاء فجر عيد الفطر يوم ألأحد من عام 1281 هـ . ومثلما كان ألإختلاف بيّنا في مولده ، حصل ذلك في وفاته أيضا ، فقد ذكر عمر رضا كحالة في معجمه أن وفاته كانت في سنة 1281 هـ / 1864 م بينما أشار في الهامش بقوله : وفي رواية 1285 هـ ، وفي طبقات أعلام الشيعة توفى بعد 1285 هـ ، إلا أن الثابت لدى المؤرخين أنه توفى سنة 1281 هـ ، بدليل أن هناك بيتين للشاعر الشيخ فليح حسون رحيم ، وهو أحد المعاصرين للشاعر وزميله أيضا ، أدرج عدد أبيات ملحمة بدقت وتاريخها بتاريخ واحد ، فذكر السنة التي مات فيها فقال :
أنشأ جواد بدقت هائية تاريخها وعدها ما إختلفا
وقد أتم نظمها في سنة مات بها فحاز أرخ (غرفا)(1)

وعندما واروه التراب في رواق الفقهاء في الروضة الحسينية مما يلي مرقد السيد كاظم الرشتي ، أقام له العلامة السيد أحمد بن السيد كاظم الرشتي مجلس الفاتحة ثلاثة أيام في داره .

مراثي الشعراء له :

خلال تتبعي للمجاميع الخطية عثرت على جملة قصائد لنخبة بارزة من الشعراء الذين عاصروا المترجم ورثوه بقصائد حارة ، وقد وددت أن أنقلها بكاملها إتماما للفائدة :
قال الشيخ موسى ألأصفر المتوفى سنة 1289 هـ :

(1) ديوان الشيخ فليح حسون الجشعمي (مخطوط) .
ديوان الحاج بدقت ألأسدي 18

خذ بالبكاء ولا تسأل عن السبب وعزني أو فدعني في لهى النوب
وأي قاصمة للظهر قد طرقت في ليلة فجرها قد بان عن عطب
ويومها قد طوى منه الحمام لنا صحف البلاغة بل صحفا من ألأدب
والفضل باد شجا في عبرة سفحت قد غيض بحر لغات الفرس والعرب
وصوّح الروض روض المكرمات ضحى وغودرت قصبات السبق في قطب
أودى الجواد الذي أغنت فصاحته عن ذكرها لذوي ألألباب والرتب
وكم بيوت ملاها من قصائده مفاخرا قد سمت فيها إلى الشهب
قل للبلاغة لا نبغي به بدلا قد غاب مفزعها بالمنطق الذرب
قل للفصاحة قري في الصدور لقد أودى زعيمك فإنحادي عن الطلب
لو كنت أعلم غير ألله خالقها لقلت ذا واضع ألألفاظ للعرب
يلقي المعاني على ألألفاظ من قدر فيه تزان كزين السبك للذهب
آه لمفتقد ذا اليوم من بلد وإن كرمت بها ما زلت في كرب
ألبّةٍ بذكاء كان يحمله وجودة أحرقت أحشاه باللهب
لو عشت من بعده دهرا بلا نكد لعشت حقا بلا خل ولا صحب
يا أبحر الشعر غيضي بعد بؤرته من الدراري ومن للؤلؤ الرطب ؟
قل للقوافي قفي من بعده حزنا فإن بيتك منبوذ بلا سبب
إن العروض حواها بعد غيبته من لا يميز بين الضرب والظرب
قد غاب منتقد ألأشعار حافظها من غدر منتحل للشعر منتهب
لئن حجبت عن ألأبصار طلعته فإن غر المزايا غير منتحب
ظننت يا شعر لما أن أن ظفرت به سلبت منه علاء غير مستلب
يا بحتري زمان كنت نزهته لما قضيت زماني عاد في رهب
قد كنت في محفل ألآداب متقدا كالشمس في شرق والبدر في الشهب
لو أنصفتك بنو ألآداب لأبتدرت تفديك من نوب تفديك من شجب
جزيت عن روضة أودعتها دررا من المدائح جنات بلا نصب



الفهرس التالي التالي