حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 25

سمي آدم آدم ، وحواء حواء ؟
قال : انما سمي آدم آدم لانه خلق من اديم الارض ، وذلك ان الله تبارك وتعالى بعث جبرئيل عليه السلام وامره ان يأتيه من اديم الارض باربع طينات : طينة بيضاء ، وطينة حمراء ، وطينة غبراء ، وطينة سوداء ، وذلك من سهلها وحزنها ، ثم امره ان ياتيه باربعة مياه : ماء عذب ، وماء ملح ، وماء مر ، وماء منتن .
ثم امره ان يفرغ الماء في الطين وادمه الله بقدرته فلم يفضل شيء من الطين يحتاج الى الماء ، ولا من الماء شيء بحتاج الى الطين .
فجعل الماء العذب في حلقه ، وجعل الماء المالح في عينه ، وجعل الماء المر في اذنه ، وجعل الماء المنتن في انفه .
وانما سميت حواء حواء لانها خلقت من الحيوان .(1)
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : «ان الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الارض فجاء بنو آدم على قدر الارض ، جاء منها الاحمر والابيض والاسود وبين ذلك ، والسهل والحزن والخبيث والطيب وبين ذلك» .(2)
كيف خلقت حواء ؟ :


واما كيفية خلق حواء ، هناك روايات واحاديث واقوال متعددة .
من يقول انها خلقت من ضلع آدم ، ومنهم من يقول خلقت من فاضل طين آدم عليه السلام ، الى غير ذلك ، ولكن المؤكد انها خلقت بعد آدم ، والله قادر على كل شيء .
وقد روي : ان الله تعالى خلق آدم من الطين ، وخلق حواء من آدم ، فهمة
1ـ نفس المصدر .
2ـ كنز العمال : ح15126.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 26

الرجال الارض ، وهمة النساء الرجال .(1)
وروي ايضا : ان الله خلق آدم من الماء والطين ، فهمة آدم في الماء والطين ، وان الله خلق حواء من آدم فهمة النساء في الرجال ، فحصنوهن في البيوت .
وروي كذلك : خلق الله حواء من جنب آدم وهو راقد .
وقيل ان الله عز وجل خلق حواء من قصير آدم ـ والقصير هو الضلع الاصغر ـ وابدل الله مكانه لحما .
وبالاسناد الى الصدوق باسناده الى وهب قال : ان الله تعالى خلق حواء من فضل طينة آدم على صورته ، وكان القي عليه النعاس واراه ذلك في منامه ، وهي اول رؤيا كانت في الارض فانتبه وهي جالسة عند راسه ، فقال عز وجل : يا آدم ما هذه الجالسة ؟ قال : الرؤيا التي اريتني في منامي ، فانِسَ بها وحمد الله ... .
عن عمرو بن ابي المقدام ، عن ابيه قال : سالت ابا جعفر عليه السلام : من اي شيء خلق الله حواء ؟ فقال : اي شيء يقول هذا الخلق ؟ قلت : يقولون : ان الله خلقها من ضلع من اضلاع آدم ، فقال : كذبوا ، كان يعجزه ان يخلقها من غير ضلعه ؟ فقلت : جعلت فداك يابن رسول الله من اي شيء خلقها ؟ فقال : اخبرني ابي ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ان الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه ـ وكلتا يديه يمين(2) ـ فخلق منها آدم ، وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء .(3)
بعدما خلق الله عز وجل القلم والعرش والنور والظلمات والماء والسماوات والارضين وما بينهما وبعد ان انتهى من خلق جميع الكائنات اراد ان يُعرف
1ـ البحار : ج11 ص113.
2ـ اي بقدرته .
3ـ تفسير العياشي مخطوط ، عنه البحار : ج11 ص116.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 27

وتظهر قدرته وعظمته ، فخلق آدم وحواء في آخر ما خلق ، وجعل آدم خليفته على الارض ، وانتشر بنو آدم في الارض وحكموها ...
وقد روي في حديث قدسي قوله تعالى : «كنت كنزا مخفيا فاردت ان اعرَف فخلقت الخَلقَ كي اعرف»(1) .

اول من عصى الله تعالى :


بعد ان انتهى الله عز وجل من خلق آدم عليه السلام حدثت الكارثة العظمى والمعصية الكبرى ، معصية اوامر الله تعالى ـ وذلك لما امر الله الملائكة ان تسجد لآدم ، فسجدوا وامتثلوا امر الله عز وجل الا ابليس «ابى واستكبر وكان من الكافرين ، وقال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين» .
كانت هذه اول معصية واول ذنب ارتكب على وجه الارض ، ومنه حدثت الكارثة والويلات على ابناء آدم حيث اخذ الشيطان يوسوس لهم ويبعدهم عن طاعة الله بعدما ابعده الله واخرجه من رحمته ، طلب منه ان يمهله الى يوم يبعثون :
«... قال فاخرج منها فانك رجيم ، وان عليك اللعنة الى يوم الدين ، قال رب فانظرني الى يوم يبعثون ، قال فانك من المنظرين ، الى يوم الوقت المعلوم ، قال رب بما اغويتني لازينن لهم في الارض ولاغوينهم اجمعين ، الا عبادك منهم المخلصين ...»(2) .
علما ان السجود لم يكن لشخص آدم ، بل كان لله عز وجل . وكذلك قول الملائكة لله تعالى : «اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ..» لم يكن
1ـ البحار : 84/198.
2ـ الحجر : 34ـ 40.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 28

اعتراض على الله بل كان استفسار وسؤال عما خفي عليهم من وجه الحكمة .
وسبب امتناع الشيطان من السجود لآدم هو الكبر والغرور والتعصب الذي استولى عليه حيث اعتقد انه افضل من آدم ، ولا ينبغي له ان يسجد لآدم ، بل ينبغي ان يؤمر آدم بالسجود له .
وهكذا كفر ابليس وذهبت عبادته وطاعته لله تعالى ادراج الرياح نتيجة تكبره وغروره ، وهكذا تكون دائما نتيجة الكبر والغرور .

علة خلق آدم عليه السلام وابليس «لع»


من سؤال الزنديق الذي سأل ابا عبد الله الصادق عليه السلام عن مسائل كثيرة انه قال :
«فلأي علة خلق الله الخلق وهو غير محتاج اليهم ، ولا مضطر الى خلقهم ، ولا يليق به التعبث بنا ؟
قال عليه السلام : خلقهم لاظهار حكمته وانفاذ علمه وامضاء تدبيره .
قال : افمن حكمته ان جعل لنفسه عدوا ، وقد كان ولا عدو له ، فخلق كما زعمت «ابليس» فسلطه على عبيده يدعوهم الى خلاف طاعته ، ويامرهم بمعصيته ، ويصل الى قلوبهم فيوسوس اليهم ... فلِم سلط عدوه على عبيده ، وجعل له السبيل الى اغوائهم ؟
قال عليه السلام : ان هذا العدو الذي ذكرت لا تضره عداوته ، ولا تنفعه ولايته ، وعداوته لا تنقص من ملكه شيئا ، وولايته لا تزيد فيه شيئا ، وانما يتقي العدو اذا كان في قوة يضر وينفع ، ان هم بملك اخذه ، او بسلطان قهره .
فاما ابليس فعبد ، خلقه ليعبده ويوحده ، وقد علم حين خلقه ما هو الى ما يصير اليه ، فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم ، فامتنع من ذلك

حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 29

حسدا ، وشقاوة غلبت عليه فلعنه عند ذلك ، واخرجه عن صفوف الملائكة ، وانزله الى الارض ملعونا مدحورا فصار عدو آدم وولده بذلك السبب ، وماله من السلطنة على ولده الا الوسوسة ، والدعاء الى غير السبيل ، وقد اقر مع معصيته لربه بربوبيته .
قال : أفيصلح السجود لغير الله ؟
قال عليه السلام : لا .
قال : فكيف امر الله الملائكة بالسجود لآدم ؟
فقال عليه السلام : ان من سجد بامر الله فقد سجد لله ، فكان سجوده لله اذا كان عن امر الله تعالى .(1) وذلك مثل سجود يعقوب وابنائه مقابل يوسف شكرا لله تعالى حيث قال عز وجل : «ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا ...»(2) فكان سجودهم هذا شكرا لله عز وجل على حسن العاقبة ومعرفة الحقيقة وارجاع يوسف لابويه وحصوله على هذه المنزلة العظيمة من الله تعالى ، كذلك كان سجود الملائكة لآدم عليه السلام سجودا بامر من الله ، وسجود عبادة خالصة لله عز وجل .

المرحلة الثانية :


اسكانهما في الجنة :


بعد ان انتهت المرحلة الاولى من حياة آدم عليه السلام وسجود الملائكة له وعصيان ابليس وامتناع من السجود ، تاتي المرحلة الثانية ، وهي اسكان آدم وحواء في الجنة ، حيث قال تعالى : «وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ...» .
1ـ الاحتجاج : ج2 ص217.
2ـ يوسف : 100.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 30

عندما اسكنهما الجنة اباح لهما كل شيء فيها سوى شجرة واحدة نهاهما من الاقتراب منها والاكل منها ، وقيل : كانت شجرة «السنبلة» .
استغل الشيطان هذه الفرصة واخذ يوسوس لهما لانه اقسم ان يغويهما وذريتهما ، واخذ يعده ويمنيه بالمغريات مثل الخلود في الحياة ، وباتخاذه شكل الملائكة ، الى غير ذلك ، واقسم لهما انه من الناصحين لهما .
ولما سمع آدم كلام الشيطان اخذ يفكر في هذا الامر ، وحيث انه لم يمتلك تجربة كافية عن الحياة ، ولم يكن قد وقع في حبائل الشيطان ، ولم يعرف انه كاذب ، كما انه لم يتصور انه يكذب بعد هذه الأيمان المغلّظة .
ولهذا وقع في حبائل الشيطان ، وانخدع بوسوسته للحصول على ماء الحياة الخالدة والملك الذي لا يبلى ، ولكنه لم يحصل على اي شيء من هذا ، بل سقط في ورطة المخالفة والعصيان للاوامر الالهية .
وبمجرد ان ذاق آدم وزوجته من تلك الشجرة الممنوعة تساقط عنهما ما كان عليهما من لباس وانكشفت سوءاتهما وجردا من لباس الجنة الذي هو لباس الكرامة الالهية لهما .
ولما راى آدم وحواء نفسيهما عاريين ، استحيا وعمدا فورا الى ستر نفسيهما باوراق الجنة : «وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة»(1) .
وفي نفس الوقت جاءهما نداء من الله يقول : الم احذركما من الاقتراب والاكل من هذه الشجرة ؟
الم اقل لكما : ان الشيطان عدو لكما ؟ فلماذا تناسيتم امري ووقعتم في مثل هذه الازمة : «قالا ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن
1ـ الاعراف : 22.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 31

من الخاسرين»
ولكن كان جواب الله لهم شديد ، حيث اخرجهما من جنته ومما كانا عليه من سعادة وهدوء البال : «قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين ، قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون»(1) .
وعندما عرف آدم وحواء بكيد ابليس ، وخطته ومكره ، فكرا في تلافي الامر ، وجبران ما صدر منها ، فسارعا الى التوبة ، فكان اول خطوة صدرت منهما هي : الاعتراف بظلمهما لنفسيهما امام الله حيث : «قالا ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين» .
التوبة والانابة الى الله تعالى واصلاح المفاسد هي : ان ينزل الانسان عن غروره ولجاجه ، ويعترف بخطأه اعترافا بنّاء ولا يعود عليه ولا يتكرر منه الخطا ، بل يسير في سبيل التكامل والصلاح .
ولا شك ان مخالفة اوامر الله ونواهيه ظلم يورده الانسان على نفسه ، ويبعده عن رحمة الله تعالى ، لان جميع الاوامر والنواهي الالهية يراد بها خير الانسان وسعادته في الدنيا والآخرة .
وآدم وحواء وان لم يذنبا ولم يرتكبا معصية ، ولكن نفس هذا الترك للاولى انزلهما من مقامهما الرفيع ، وان توبتهما الخالصة وان قبلت من جانب الله تعالى ، ولكنهما لم يستطيعا التخلص من الاثر الوضعي والنتيجة الطبيعية لعملهما ..
فقد امرا بمغادرة الجنة ، وشمل هذا الامر الشيطان ايضا : «قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو» .
فهبط آدم وحواء الى الارض وحدث ما حدث والى يومنا هذا وسوف
1ـ نفس المصدر : 25.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 32

يضل ابناء آدم يتصارعون مع ابليس وجنده الى ان تقوم الساعة ، والغلبة للذين آمنوا بالله وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .
ويستفاد من آيات القرآن ومن قصة آدم وحواء ، ان آدم خلق للعيش على هذه الارض التي خلقها تعالى ، ولكن الله شاء ان يسكنه الجنة قبل ذلك ، ولعل مرحلة مكوث آدم في الجنة كانت مرحلة تحضيرية من اجل تاهيل آدم لتحمل مسؤوليات المستقبل والصعوبات الحياتية ومشاكلها التي سيواجهها وذريته في المستقبل .
وكذلك اراد الله تعالى ان يعطي درسا لابناء آدم بامكان العودة والتوبة الى الله بعد المعصية ، وان ابواب التوبة مفتوح ولا تسد الى الابد والى آخر لحظة من حياة الانسان ، بشرط ان يسارع للتوبة ويعاهد الله ان لا يعود لمثلها ، وعند ذلك يعود الى النعم الالهية والسعادة الابدية .
سؤال : هل ارتكب آدم عليه السلام ذنبا عندما اكل من الشجرة وخالف كلام الله ؟
الجواب : يوجد ثلاث اجوبة :
1ـ ما ارتكبه آدم عليه السلام كان ـ تركا للاولى ـ كما ذكرنا ، حيث كان لا يليق بنبي الله آدم عليه السلام ان لا ياكل من تلك الشجرة ، وان كان الاكل منها غير محرم بل كان مكروها .
2ـ نهي الله عز وجل لآدم نهي ارشادي ، مثل قول الطبيب : لا تاكل الطعام الفلاني فتمرض ، والله سبحانه قال لآدم : لا تقرب هذه الشجرة فتخرج من الجنة ، وآدم عليه السلام في اكله من الشجرة خالف نهيا ارشاديا .
3ـ الجنة التي مكث فيها آدم لَم تكن محلا للتكليف ولم تكن جنة الخلد ، بل كانت دورة اختبارية وتمهيدية لآدم عليه السلام كي يهبط الى الارض ، وكان النهي ذا طابع اختياري .

حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 33

ثم ان آدم عليه السلام لم يكن يملك تجربة كافية عن الحياة ، ولم يكن قد وقع في حبائل الشيطان من قبل ، كما انه لم يصدق بان الشيطان ياتي بهذه الأيمان المغلظة والحلف كذبا .. «قاسمهما اني لكما لمن الناصحين» .

المرحلة الثالثة :


هبوطهما من الجنة الى الارض


نعم بعدما ازلهما الشيطان ووسوس لهما واخرجهما من الجنة حيث الراحة والهدوء والبعد عن الالم والتعب والعناء ، هبط الى الارض في جو مملوء بالتعب والمشقة والعناء .
وهنا اخذ آدم يفكر متألما لما صدر منه ، وكيفية تلافي الخطأ ، فاتجه بكل وجوده وجوارحه الى الله عز وجل وهو نادم اشد الندم ، وطلب منه التوبة والمغفرة لما صدر منه ، رافعا يديه متضرعا ومتوسلا الى الله ، هنا ادركته الرحمة الالهية «فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ، انه هو التواب الرحيم»(1) .
صحيح ان آدم عليه السلام لم يرتكب محرما ، ولكن ترك الاولى يعتبر معصية منه ـ كما ذكرنا ـ ولذلك سرعان ما تدارك الموقف وعاد الى خالقه .
واما الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه ما هي سوف نذكرها في محلها انشاء الله تعالى ؟ .
وقد روي ان آدم وحواء لما هبطا الى الارض ، نزل آدم على جبل الصفا بمكة ، ونزلت حواء على جبل المروة ، وذلك في رواية عن ابي عبد الله عليه السلام قال :
سمي الصفا صفا لان المصطفى آدم هبط عليه ، فقطع للجبل اسم من اسم
1ـ البقرة : 37.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 34

آدم عليه السلام ، يقول الله عز وجل : «ان الله اصطفى آدم ونوحا» ، وهبطت حواء على المروة ، وانما سميت المروة مروة لان المراة هبطت عليها ، فقطع للجبل اسم من اسم المراة .(1)
وروي عنه عليه السلام قال : رن ابليس اربع رنات : اولهن يوم لعن ، وحين اهبط الى الارض ، وحين بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم على حين فترة من الرسل ، وحين انزلت ام الكتاب .
ونخر نخرتين : حين اكل آدم من الشجرة ، وحين اهبط من الجنة(2) وذلك لشدة الفرح» .

الكلمات التي تلقاها آدم


«فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم»(3) .
ان الله عز وجل حين اهبط آدم وحواء الى الارض امره ان يحرث بيده فياكل من كده بعد نعيم الجنة .
فلبث يبكي ندما على ما صدر منه ، واخراجه من الجنة ، وكان يسجد لله تعالى تضرعا وتوسلا ويطول سجوده مدة من الزمن ، وكان يقول في سجوده ودعائه «لا اله الا انت سبحانك اني ظلمت نفسي فاغفر لي انك انت الغفور الرحيم» .
هذا وقد تعددت الآراء في تفسير الكلمات التي تلقاها آدم من ربه .
المعروف انها الكلمات المذكورة في سورة الاعراف ، آية 23.
1ـ علل الشرائع : 149 عنه البحار : ج11 ص205.
2ـ نفس المصدر .
3ـ البقرة : 37.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 35

«قالا ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين» وقيل : «اللهم لا اله الا انت سبحانك وبحمدك ، رب اني ظلمت نفسي ، فاغفر لي انك خير الغافرين» .
«اني ظلمت نفسي فارحمني انك خير الراحمين» .
«اني ظلمت نفسي فتب علي انك انت التواب الرحيم» .
«نفس الدعاء يكرره ثلاث مرات مع اختلاف في الكلمات الاخيرة» .
وقد روي ايضا عن طريق اهل البيت عليهم السلام ، المقصود من «الكلمات» هي : اسماء افضل مخلوقات الله وهم : محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ـ عليهم افضل الصلاة السلام توسل آدم بهذه الكلمات والاسماء الطاهرة فتاب عليه .
هذه التفاسير الثلاثة لا تتعارض مع بعضها ، ولعل آدم تلقى من ربه كل هذه الكلمات ، ليشمله بعد ذلك لطف الله ورحمته .
لما استقر آدم في الارض وتلقا الكلمات من ربه ، وتاب عليه الله ، امره ان يحرث الارض بيده فياكل من كده مما نبتت الارض حلالا طيبا ...

تزويج آدم من حواء وكيفية بدء النسل :


اراد الله عز وجل ان ينتشر ابناء آدم عليه السلام في الارض ويعمروها ، فامر آدم عليه السلام ان يواقع حواء ، فغشيها وولدت له هابيل ، وقابيل ، وشيث ، وغيرهم من الذكور والاناث .
وقد روي ان قابيل حسد اخيه هابيل وقربا قربانا الى الله فجاءت النار فاكلت قربان هابيل وتقبل قربانه فحسد قابيل هابيل وهدده بالقتل فقتله .
قال اليعقوبي في تاريخه : ان الله عز وجل انزل لهابيل حوراء من الجنة

حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 36

فزوجه بها ، واخرج لقابيل جنية فزوجه بها ، فحسد قابيل اخاه على الحوراء ، فقال لهما آدم : قربا قربانا فقرب قابيل من تبن زرعه ، وقرب هابيل افضل كبش في غنمه لله ، فقبل الله قربان هابيل ولم يقبل قربان قابيل ، فازداد حسدا فزين له الشيطان قتل اخيه فشدخه بالحجارة حتى قتل(1) .
وروي انه لما قتل قابيل هابيل ، تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به ، فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل احدهما صاحبه ، ثم حفر له بمنقاره وبرجله ، ثم القاه في الحفيرة وواراه ، وقابيل ينظر اليه ، فتعلم منه ودفن اخاه .
ذكرنا ان الله بعث الى قابيل جنية والى هابيل حورية ، فكثر النسل منهما .
وروي ايضا : لما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ، ولدت له حواء (شيثا) ـ وتفسيره هبة الله ـ وكان وصي آدم وولي عهده ، وهو اول وصي على وجه الارض من الآدميين ، ثم ولد لآدم من بعد شيث ، يافث ، فلما ادركا واراد الله عز وجل ان يبلغ بالنسل ما ترون وان يحكم بتحريم الزواج من الاخوات على الاخوة ، انزل الله بعد العصر من يوم الخميس ، حوراء من الجنة اسمها ـ بركة ـ فامر الله عز وجل آدم ان يزوجها من شيث ، فزوجها منه ، ثم انزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها ـ منزلة ـ او ـ نزلة ـ فامر الله عز وجل آدم ان يزوجها من يافث فزوجها منه ، فولد لشيث غلام وولد ليافث جارية ، فامر الله عز وجل آدم حين ادركا ان يزوج بنت يافث من ابن شيث ، ففعل ذلك فولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما ... .
ومن قال بزواج اخت قابيل من اخت هابيل ، او بزواج الاخوة من الاخوات فقد كذب ، ومعاذ الله ان يكون على ما قالوا ...
1ـ تاريخ اليعقوبي : ج1 ص2.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 37

قال ابو عبد الله عليه السلام عندما قيل له بزواج الاخوة من الاخوات قال : سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا يقول من قال هذا : بان الله عز وجل خلق صفوة خلقه واحباءه وانبياءه ورسله والمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات من حرام ، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من حلال ، وقد اخذ ميثاقهم على الحلال الطهر الطاهر الطيب .
فو الله لقد تبينت ان بعض البهائم تنكرت له اخته ، فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها ، فلما علم انها اخته ، اخرج غرموله ـ اي ذكره ـ ثم قبض عليه باسنانه حتى قطعه فخر ميتا ... الخ .(1)
الحيوان هكذا فعل ، فكيف الانسان في انسانيته وفضله وعلمه ؟!

وفاة ادم عليه السلام :


روي انه لما انقضت نبوة آدم عليه السلام ودنى اجله ، اوحى الله اليه : قد انقضت نبوتك وفنيت ايامك ، فانظر الى اسم الله الاعظم وما علمتك من الاسماء كلها ، وما يحتاج الناس اليه ، فادفعه الى شيث ، وامره ان يقبله بكتمان وتقية من اخيه لئلا يقتله كما قتل هابيل ، فانه قد سبق في علمي ان لا اخلي الارض من عالم يعرف به ديني ويكون فيه نجاة لمن تولاه فيما بينه وبين العالم الذي امره باظهار ديني ، واخرج ذلك من ذرية شيث وعقبه ...(2)
بعد ذلك دعى آدم عليه السلام ابنه شيث واخبره بدنو اجله واوصاه بكل ما اوصاه الله تعالى ، وقلده الخلافة بامر من الله واعلمه انه حجة الله بعده ، والخليفة في الارض ، والمؤدي حق الله الى اوصياءه ، واوصاه ان يخبئ الوصية في محل آمن
1ـ البحار : ج11 ص223.
2ـ المسعودي في اثبات الوصية ، عنه البحار : ج11 ص228.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 38
ولا يعلم به اخيه قابيل .
فخرج شيث فلقى جماعة من الملائكة ، فابلغهم بما امره آدم ، فقال جبرئيل : يا شيث ، آجرك الله في ابيك فقد قضى نحبه ، فاهبطنا لنحضر الصلاة على ابيك .
ذهب شيث مع الملائكة فوجد اباه قد مات ، فغسله مع جبرئيل عليه السلام وصلى عليه ودفنه .
وروي ان آدم توفي يوم الجمعة لست خلون من نيسان ، في الساعة التي كان فيها خلقه ، وكان عمر آدم عليه السلام تسع مائة وثلاثين سنة .
اختلفت الاقوال في قبره : فمنهم من قال : ان قبره بمنى وفي مسجد الخيف ، ومنهم قال : في كهف في جبل ابي قبيس ، وقيل : في النجف بجوار الامام علي عليه السلام ، وقيل : غير ذلك ، والله اعلم بحقيقة الامر .
وكذلك اختلفوا في عمره الشريف ، حيث قالوا : مرض آدم عليه السلام عشرة ايام بالحمى ، وتوفي يوم الجمعة لاحدى عشر يوما خلت من محرم ، ودفن في غار في جل ابي قبيس ، ووجهه الى الكعبة ، وان عمره عليه السلام من وقت نفخ فيه الروح الى وفاته : الف سنة وثلاثين ، وان حواء عليها السلام ما بقيت بعده الا سنة ثم مرضت خمسة عشر يوما ثم توفيت ودفنت الى جنب آدم عليهما السلام .(1)

حكمه وموعظه عليه السلام :


خير خلق الله :


روي انه اجتمع ولد آدم عليه السلام في بيت فتشاجروا ، فقال بعضهم : خير خلق
1ـ سعد السعود : 37 عنه البحار : ج11 ص269.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 39
الله ابونا آدم ، وقال بعضهم : الملائكة المقربون ، وقال بعضهم : حملة العرش ، اذ دخل عليهم هبة الله فقال بعضهم : لقد جاءكم من يفرج عنكم ، فسلم ثم جلس فقال : في اي شيء كنتم ؟ فقالوا : كنا نفكر في خير خلق الله فاخبروه ، فقال : اصبروا لي قليلا حتى ارجع اليكم ، فاتى اباه فقال : يا ابت اني دخلت على اخوتي وهم يتشاجرون في خير خلق الله ، فسالوني فلم يكن عندي ما اخبرهم ، فقلت : اصبروا حتى ارجع اليكم .
فقال آدم عليه السلام : يا بني وقفت بين يدي الله جل جلاله فنظرت الى سطر على وجه العرش مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم محمد وآل محمد خير من برأ الله . «اي محمد وآل محمد عليهم السلام خير خلق الله»(1) .

شر خلق الله :


روي عن علي بن محمد بن موسى الدقاق رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : «من شر خلق الله خمسة : ابليس ، وابن آدم الذي قتل اخاه ، وفرعون ذو الاوتاد ، ورجل من بني اسرائيل ردهم عن دينهم ، ورجل من هذه الامة يبايع على كفر عند باب لد»(2) قال : ثم قال : اني لما رايت معاوية يبايع عند باب لد ، ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلحقت بعلي عليه السلام فكنت معه .(3)

العلم كله في اربع كلمات


اوحى الله تعالى الى آدم عليه السلام : اني اجمع لك العلم كله في اربع كلمات :
1ـ البحار : ج11 ص114.
2ـ لد : قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين .
3ـ الخصال : ج1 ص319 باب الخمسة .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 40

واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة فيما بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين الناس .
فاما التي لي : فتعبدني لا تشرك بي شيئا .
واما التي لك : فاجزيك بعملك احوج ما تكون اليه .
واما التي فيما بيني وبينك : فعليك الدعاء وعلي الاجابة .
واما التي فيما بينك وبين الناس : فترضى للناس ما ترضى لنفسك .(1)

فضل الركوع لله :


عن ابي عبد الله عليه السلام قال :
لما اعطى الله تبارك وتعالى ابليس ما اعطاه من القوة ، قال آدم : يا رب سلطت ابليس على ولدي ، واجريته فيهم مجرى الدم في العروق ، واعطيته ما اعطيته ، فما لي ولولدي ؟ فقال : لك ولولدك السيئة بواحدة والحسنة بعشرة امثالها ، قال : يا رب زدني ، قال : التوبة مبسوطة الى ان تبلغ النفس الحلقوم ، قال : يا رب زدني ، قال : اغفر ولا ابالي ، قال : حسبي .
قال : قلت : جعلت فداك بماذا استوجب ابليس من الله ان اعطاه ما اعطاه ؟ فقال : بشيء كان منه ، شكره لله عليه ، قلت : وما كان منه جعلت فداك ؟ قال : ركعتين ركعهما في السماء في اربعة آلاف سنة .(2)

فضل السجود لله :


عن ابي جعفر صلوات الله عليه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ان الله عز وجل
1ـ نفس المصدر .
2ـ تفسير القمي : 2035 .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 41
حين اهبط آدم عليه السلام من الجنة امره ان يحرث بيده ، فياكل من كدها بعد نعيم الجنة ، فجعل يجأر(1) ويبكي على الجنة مائتي سنة ، ثم انه سجد لله سجدة ، فلم يرفع راسه ثلاثة ايام ولياليها .(2)

الانوار الخمسة :


قال الامام الحسين عليه السلام : .... ان الله تعالى لما خلق آدم وسواه وعلمه اسماء كل شيء وعرضهم على الملائكة ، جعل محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين اشباحا خمسة في ظهر آدم ، وكانت انوارهم تضيء في الآفاق من السموات والحجب والجنان والكرسي والعرش ، فامر الله الملائكة بالسجدة لآدم تعظيما له ، انه قد فضله بان جعله وعاء لتلك الاشباح التي قد عم انوارها في الآفاق ، فسجدوا الا ابليس ابى ان يتواضع لجلال عظمة الله وان يتواضع لانوارنا اهل البيت وقد تواضعت لها الملائكة كلها فاستكبر وترفع وكان بإبائه ذلك وتكبره من الكافرين .(3)
عن الباقر عليه السلام قال : ان آدم لما بنى الكعبة وطاف بها فقال : « اللهم ان لكل عامل اجرا ، اللهم واني قد عملت ، فقيل له : سل يا آدم ، فقال : اللهم اغفر لي ذنبي ، فقيل له : قد غفر لك يا آدم ، فقال : ولذريتي من بعدي ، فقيل له : يا آدم من باء(4) منهم بذنبه هاهنا كما بؤت ، غفرت له .(5)
1ـ جأر الى الله : التضرع والدعاء ورفع الصوت الى الله تعالى .
2ـ البحار : ج11 ص210 عنه قصص الانبياء ص49.
3ـ البحار : ج11 ص150.
4ـ باء بذنبه : اي رجع الى الله واعترف بذنبه .
5ـ نفس المصدر ص179.

السابق السابق الفهرس التالي التالي