لقد شيعني الحسين (ع) 228

عليا (ع) قد باشر في خلع عمال عثمان المتملقين .
وأما كعب بن مالك فاستعمله على صدقة مزينة وترك له ما أخذ منها (155) وكذلك فعل عبد الله بن سلام والمغيرة بن شعبة . فهذا الأخير ما فتئ يلعب على الحبال .
تسلم الإمام علي (ع) مقاليد الخلافة وألقى خطبته الشهيرة ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
(إن الله أنزل كتابا هاديا يبين فيه الخير والشر ، فخذوا بالخير ودعوا الشر ، الفرائض الفرائض ، أدوها إلى الله تعالى يؤدكم إلى الجنة ، إن الله حرم حرمات غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها ، وشد بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين ، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق ، لا يحل دم امرئ مسلم إلا بما يجب ، بادروا أمر العامة ، وخاصة أحدكم الموت ، فإن الناس أمامكم وأن ما خلفكم الساعة تحدوكم ، تخففوا تلحقوا ، فإنما ينتظر الناس أخراهم . اتقوا الله عباد الله في بلاده وعباده ، إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم . أطيعوا الله فلا تعصوه ، وإذا رأيتم الخير فخذوا به ، وإذا رأيتم الشر فدعوه ، (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض) .
كانت تلك صرخة روحية في مجتمع أنشد إلى طينة الأرض ونتانتها . كلمة رسالية مسؤولة في قوم غدا أكثرهم متداعي العزيمة . وييأس علي (ع) صدمة نفسية لمجتمع ، لانت عقيدته من فرط الاستغناء الفاحش بعد الفاقة المدقعة .
وبعد سنوات من النهب والأرستقراطية يأتي الإمام علي (ع) ليقول : (أيها الناس ، إنما أنا رجل منكم لي ما لكم ، وعلي ما عليكم ، وإني حاملكم على منهج نبيكم ومنفذ فيكم ما أمرت به . ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان ، وكل مال أعطاه من مال الله ، فهو مردود في بيت المال ، فإن الحق لا يبطله شئ . ولو وجدته قد تزوج به النساء ، وملك الإماء ، وفرق في البلدان لرددته . فإن في

(155) ابن الأثير .
لقد شيعني الحسين (ع) 229

العدل سعة ومن ضاق عليه الحق والجور عليه أضيق .
أيها الناس . ألا لا يقولون رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فامتلكوا العقار وفجروا الأنهار ، وركبوا الخيل ، واتخذوا الوصائف المرققة ، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه ، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون ، (حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا) . ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله يرى أن الفضل له على سواه بصحبته ، فإن الفضل غدا عند الله ، وثوابه وأجره على الله .
ألا وأيما رجل استجاب لله ولرسوله ، فصدق ملتنا ودخل ديننا واستقبل قبلتنا .
فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده ، فأنتم عباد الله ، والمال مال الله ، يقسم بينكم بالسوية ، ولا فضل فيه لأحد على أحد ، وللمتقين عند الله أحسن الجزاء) .
هذا هو علي (ع) وتلك هي البيئة التي وجد فيها . بيئة الثراء والاستغلال والامتيازات الطبقية .
أي الناس مستعد يومها ، لتسليم ما تراكم لديه خلال سنين الغفلة والنهب وصراع الامتيازات؟ .
أي إيمان تركه الجشع الأموي في المجتمع ، والتفقير المقابل في صفوف الطبقات الصغرى؟ .
وأي حرية تبقى بعد كل هذا القمع الذي أجراه الخلفاء على المجتمع ، فعلي (ع) جاء ليرفع صخورا ثقال ، إلى سماء الروح ، وليعطي للجميع حقه ، إنه شطب بالأحمر على إيديولوجية الجبر التي تقول : (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) . جاء ليعلمهم أن الفقير يعيش أعلى مستوى من الحاجة في مجتمع الإسلام . وإن كثيرا من الفقراء إنما وجدوا بسبب سوء التوزيع . كيف وهو القائل : (ما رأيت نعمة موفورة إلا وبجانبها حق مضيع) .
هذه الروح السامية ، وهذه الاجتماعية الإسلامية هي منهج الإمام علي (ع) في مجتمع إقطاعي! ، إنها النقلة البعيدة ، والطفرة العليا ، والمبادرة النقيضة ، ولذلك لم يرضوا عنه ، (يقول سيد قطب : ولقد كان من الطبيعي ألا يرضى المستنفعون عن

لقد شيعني الحسين (ع) 230

علي ، وأن يقنع بشرعة المساواة من اعتاد التفضيل ، ومن مردوا على الاستئثار ، فانحاز هؤلاء في النهاية إلى المعسكر الآخر : معسكر أمية ، حيث يجدون فيه تحقيقا لأطماعهم ، على حساب العدل والحق الذين يصر عليهما علي - رضي الله عنه هذا الاصرار) (156) .
ولذلك دخل الإمام علي (ع) في معركة تاريخية مع فئتين ، إحداهما إقطاعية ، والأخرى فقيرة انتهازية . وهو صراع بين الحق والباطل ، بين الإسلام والجاهلية! .
كان هناك ثلاثة نفر من قريش لم يبايعوا بعد ، وهم مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص . فقال أحدهم : يا هذا إنك قد وترتنا جميعا ، أما أنا فقتلت أبي صبرا يوم بدر وأما سعيد فقتلت أباه يوم بدر وكان أبوه من نور قريش ، وأما مروان فشتمت أباه وعبت على عثمان حين ضمه إليه . (157) .
ثم اشترطوا عليه في البيعة أن يضع عنهم ما أصابوا ويعفي لهم عما في أيديهم ، ثم تقتل قتلة عثمان ، ورد الإمام عند ذلك - غاضبا : أما ما ذكرت من وتري إياكم فالحق وتركم ، وأما وضعي عنكم ما أصبتم ، فليس لي أن أضع حق الله تعالى ، وأما إعفائي عما في أيديكم فما كان لله وللمسلمين فالعدل يسعكم ، وأما قتلي قتلة عثمان ، فلو لزمني قتلهم اليوم لزمن قتالهم غدا ، ولكن لكم أن أحملكم على كتاب الله وسنة نبيه ، فمن ضاق عليه الحق ، فالباطل عليه أضيق ، وإن شئتم فالحقوا بملاحقكم . فقال مروان : بل نبايعك ، ونقيم معك ، فترى ونرى .
وكان القوم يدبرون عملية الهرب إلى الشام ، ونقض البيعة . كانت كلمة الأشتر ، على مقتضى التصور الشيعي لأئمة أهل البيت (ع) ، حيث قال : أيها الناس ، هذا وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء ، العظيم البلاء ، الحسن

(156) العدالة الاجتماعية في الإسلام - ص 163 .
(157) اليعقوبي .
لقد شيعني الحسين (ع) 231

الغناء ، الذي شهد له كتاب الله بالإيمان ، ورسوله بجنة الرضوان . من كملت فيه الفضائل ، ولم يشك في سابقته وعلمه وفضله الأواخر ، ولا الأوائل (158) .
ثم قام الإمام بعدها بعزل عمال عثمان عن البلدان ، لقطع دابر الاستغلال .
فهو لم يأت في سياق خلفائي رسمي ليبقي على أزلام العهد البائد . إنها ثورة وتغيير للوضع من الجدور . .
ولهذا سيلجأ إلى عزل الجميع سوى موسى الأشعري لما أشار الأشتر على علي (ع) بالإبقاء عليه . واستبدلهم جميعا برموز الثورة . فولى قثم بن العباس مكة ، و عبد الله بن العباس اليمن ، وقيس بن سعد بن عبادة مصر ، وعثمان بن حنيف الأنصاري البصرة .
وتزلف كل من طلحة والزبير وطلبا من الإمام علي (ع) إشراكهما في الأمر .
فهما رجلان يلهثان وراء الدنيا . غير أن الإمام علي (ع) لم يأت إلى الخلافة ليعبث . أراد أن يعطيهما نموذجا للحق والالتزام . ليتركها صورة للأجيال حول سلوك الإمام ، ومدى اختلافها عن سلوك المغتصبين . وماذا يا ترى ، سيجدون من جواب عند الإمام علي (ع) الذي اختلطت زينة الحياة عنده وتدنت حتى لم يعد يفرز بين نعمة وأخرى ويقول عن الذهب والفضة كلاهما عندي حجر؟ ، كان جواب الإمام علي (ع) (أنتما شريكاي في القوة والاستقامة ، وعوناي على العجز والأود) (159) .
وما كان لطلحة ولا الزبير ، وقد فاضت عليهما الدنيا في زمن عثمان . ما كان لهما أن يشركا عليا (ع) في الزهد والتقشف . وأن ليندى الجبين لأنهما قد تمرغا في رغدهما ، وهو يكسر الكسر اليابسة بركبته ، ويقول للحسن ابنه (ع) : امشوي الكراكر عند علي بن أبي طالب . . لا والله ، ولمن يتركون الذهب في مخازنهم يكسر بالفؤوس . فأعلنا عند ذلك ، الرفض! ، بيد أنهما مشدودان إلى الواقع

(158) نفس المصدر .
(159) نفس المصدر .
لقد شيعني الحسين (ع) 232

الذي فرضته الوفود . فالتمسا من علي (ع) أن يأذن لهما في الذهاب إلى الحج ، وهو يعلم أنهما لا يريدانه . وإنما يريدان اللحاق بعائشة ، لقد انفتح الإمام علي (ع) عليهما ، وتعامل معهما على أساس المسؤولية والإيمان . ولكن أين أبو الحسن من واقع الرجلين . إنه ولى طلحة اليمن ، والزبير اليمامة والبحرين ، فلما دفع إليهما عهديهما قالا له : وصلتك رحم! .
وهذه هي الفلتة النفسية التي أظهرها الواقع وعلى ألسنتهما ، فالمسألة أصبحت تتحرك ضمن قوالب الأرحام . لم تعد القوانين والشرائع تجري وفق موازين العدل والانضباط . إنهما تعلما من الحقبة العثمانية ، إن المسؤولية صلة رحم يشكر عليها ، فهي عطاء وليست إدارة مسؤولية! ، ولم يكن الإمام علي (ع) ليضعف أمام نعرة إنما ابتلى بها الله ضعاف العقول ، وضيقي الآفاق أعطاهما درسا تاريخيا ، تنتصر فيه العقيدة على القرابة ، وتنتصر فيه المسؤولية على الرحم وتتكسر وشائج الدم والعرق على صخرة القانون! قال (ع) :
وإنما وصلتكما بولاية أمور المسلمين ، واسترد العهد منهم ، فعتبا من ذلك ، وقالا : آثرت علينا! فقال لهما : لولا ما ظهر من حرصكما لقد كان لي فيكما رأي (160) .
كان من المفروض وفق النظرية السياسية الداعية للتمسك بالممكن ، وأنصاف الحلول (والماكس - مين) و . . وأن يسكت عنهم الإمام علي (ع) أن يترك للزبير اليمامة والبحرين ، ثم لطلحة اليمن ، ولمعاوية الشام . فالقوم أصحاب دنيا ، فليشغلهم بها . لقد كان هذا هو الصواب ، هو السياسة!؟ .
غير أن الواقع يختلف ، والموضوع يتناقض مع مفهوم الممكن وأنصاف الحلول . فهذه غلطة وقع ضحيتها الكثير ، والسبب في ذلك ، إنهم لم يعيشوا شخصية الإمام علي (ع) بفضائها الأوسع ، وإنما اقتصروا على البعد الضيق منها . وكذلك حال العباقرة والعظماء . وحتى استطاع الرعاع فهم العبقرية في

(160) نفس المصدر .
لقد شيعني الحسين (ع) 233

كمالها . إن الإمام عليا (ع) لم يكن إماما لزمانه ، لجيله ، لإرضه ، . . للمستوى الذي يهيمن على ذلك الجيل وتلك الأرض ، إن الإمام علي (ع) إمام للإنسان ، ويخاطب النضج البشري في مختلف مراحله . يخاطب من وراء جيل من الرعاع ، وزمن غابر بسيط ، أجيالا متمدنة ، وأزمانا معقدة . لذلك لم يفهموه ، كما يفهمه الشيعي الذي عرف عليا من خلال النص ومن خلال العقل .
هنا أتفق بكل قوة مع الجابري ، في أن منطق القبيلة والغنيمة والعقيدة ، كان هو المحدد الرئيسي للعقل السياسي العربي . ولكنني لا اتفق معه في كثير من القضايا التي ترتبط بتلك المحددات . فالإمام علي (ع) بقي مرفوضا ، لأنه حكم منطق العقيدة . ولكنه لم يراع المتطلب القبلي والغنيمي . لذلك رفض من قبل قطاع كبير من الناس كما تقدم ، أولئك الذين تربوا في ترف الحقبة العثمانية .
إلا أن الشئ الذي غاب عن الكثير ممن استحمرتهم وأبهرت وعيهم ، لعبة (الشعرة) التي أرسى قواعدها معاوية بن أبي سفيان ، ليصبح بذلك الرجل القوي في المعارك السياسية ضد الإمام علي (ع) الذي بدا في عين الآخرين كأنه عديم الخبرة ، هو أنهم لم يفهموا الواقع الذي جاءت فيه الخلافة لعلي (ع) وشخصية علي (ع) كذلك .
فالخلافة جاءت لعلي (ع) والأمة كلها تحت الهيمنة الأموية . ولأن كان عثمان قد قتل ، فإن معاوية ومن حوله من الأمويين لا يزال مهيمنا على الشام . ثابت الأركان ذا نفوذ لا يطال . وأهل الشام لا يعرفون عن علي (ع) ولا غيره شيئا .
. وجاءت الخلافة لعلي (ع) والناس أشبه ما يكونون بالرجل المريض ، لا يسمعون ولا يطيعون . وضاقوا من شدة علي (ع) وتنمره . فراحوا إلى السكون ، والتمسوا السلام ، على كل المفاسد التي لا تزال تهدد صرح الأمة الإسلامية . إنه في قوم قال عنهم : (لقد أفسدتم علي رأيي بالعصيان) . وهو الذي ود لو يبدل أصحابه يومها ويصرف العدد الكبير منهم بواحد من أصحاب معاوية (161) .

(161) لوددت لو أصرفكم - بأصحاب معاوية - صرف الدينار بالدرهم .
لقد شيعني الحسين (ع) 234

أولئك الذين كانوا يطيعون معاوية طاعة عمياء . هذا العامل الأول ، الذي أربك كفتي الصراع بين علي ومعاوية . ولهذا لم يكن دهاء معاوية بالذي يجتاز على الإمام علي (ع) . دهاء يصدر عن نفس دنيئة ، خربة . مقابل بصيرة تصدر عن ذات تنظر بعين الله . وهمزات شيطانية لزنيم لفظته رمال الصحراء ، مقابل شفافية ولي ، نظرته السماء لهذه المهمة الإنسانية الكبرى . شتان ، شتان .
ولذلك يعلنها الإمام علي (ع) درسا للأجيال يقرع به منافذ الألباب : (والله ما معاوية بأدهى مني وأنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت أدهى الناس) . فالمسألة في جوهرها ليست مسألة سياسية تقتضي التواء وتحايلا ، للقبض على أسباب النفوذ . أنها مسألة أمة ، كتب لها أن تقوم على الحق وبالحق ليس إلا .
والإمام علي (ع) كان رجل عقيدة . يريد أن (يؤدلج) المجتمع بعقيدة الإسلام . لذلك لم يهتم بالفتوحات التي كانت مصدرا للغنيمة ، ولا بالتقرب إلى القبائل والأقرباء ، بتنصيب رموزها في الإمارات ، على هشاشتهم ، تزلفا ، ومرونة . . وفي ذلك مكسب سياسي مصدره - عائممل القبيلة وهو يدرك نتائج هذه الإجراءات تجاوز المكسب السياسي من أجل الانجاز الحضاري الكبير! .
كيف؟ .
الإمام علي (ع) كان رجل أيديولوجيا - عقيدة وليس سياسيا ، مخادعا . له رسالة حضارية يؤديها ، ويمارس دوره بوعي خاص ونظرة معينة . له معاييره في (الحقيقة) وليس في (اللعبة السياسية) أي إنه تجاوز (السياسي) من أجل (الأيديولوجي) من أجل التوجه الحضاري! ، خسران (دولة) بالنسبة للإمام علي (ع) شأنه كباقي العقائديين ، لا يعني شيئا . لأن دولة سياسية غير قادرة وغير قابلة لممارسة المهمة العقائدية ، تساوي اللاشئ . لذلك أراد أن يوقف المسيرة .
يوقف التاريخ التآمري معها . لتنضبط الأمور ، أو لا تنضبط . لكي يسير التاريخ في الوجهة المفضوحة الفصيحة . لا في خط التضليل والتلبيس! . الإمام علي (ع) بهذا المعنى كان استرايجيا ولم يكن سياسيا تكتيكيا .

لقد شيعني الحسين (ع) 235

إننا عندما نريد العودة إلى الذات . نبحث في تجربة الإمام علي (ع) لأنها تجسد مظاهر ثقافتنا ، وحضارتنا . وعندما يريد ضعافنا الحداثيون البحث عن النفاق السياسي ، للتعامل مع الأطراف الدولية يبحثون في تجربة النفاق الأموي ، لمعاوية . يبحث الثائر ، الناهض ، الغاضب ، في تراث علي (ع) ويبحث البورجوازي ، النفعي ، التبعي ، في تراث معاوية . وفي تراث الإمام علي (ع) السياسي ، تجربة يجب التفتيش عنها في فضائه الوسيع . . ومع كل ذلك ، فإن عليا شئ ومعاوية شئ آخر . ونحن ننعى الدهر كما نعاه الإمام نفسه لما قال :
(أنزلني الدهر حتى قيل علي ومعاوية)! .
أجل . لقد جاء من يفهم الحكم والسياسة على هذا الأساس . وكان المغيرة بن شعبة ، ومن نصح عليا (ع) بهذا الأمر . غير أن الإمام علي (ع) أبى إلا أن يمارس منهجه ، وموقفه الاستراتيجي . طلب منه ابن عباس ، أن يهادن معاوية ويعطيه إمارة الشام . فطلب الإمام من ابن عباس ، أن يطيعه - فقط - وأن ليس لمعاوية إلا السيف! .
خرج الزبير وطلحة إلى العمرة . لكن عليا (ع) أدرك أمرهما . وما همه ذلك . لأنه يسلك مخططا أبعد مما يتصوران . وقال لبعض أصحابه : والله ما أرادا العمرة ، ولكنهما أرادا الغدرة (162) . لحقا بعائشة في مكة وحرضاها على الخروج . وعائشة من ، ولماذا؟ .
كانت عائشة من الناقمين الأول على عثمان . ومرارا صاحت : اقتلوا نعثلا فقد كفر ، وهي أول من أطلق عليه ذلك الاسم (163) ، ولم تجب طلب مروان لها لنصرة عثمان والتوسط له مع القوم يوم الحصار ، وهي تتأهب للعمرة . وسارت تؤلب عليه الناس جميعا ، واعتبرت من أشد الناس عليه في ذلك الوقت . وعندما وقف عثمان مرة فخطب ، دلت عائشة قميص رسول الله ونادت :

(162) اليعقوبي وغيره .
(163) ابن الأثير في التاريخ وابن أبي الحديد في الشرح .
لقد شيعني الحسين (ع) 236

(يا معشر المسلمين هذا جلباب رسول الله لن يبل وقد أبلى عثمان سنته ، فقال عثمان ، رب اصرف عني كيدهن أن كيدهن عظيم) (164) .
وعندما سمعت بخبر مقتله ، قالت : بعدا لنعثل وسحقا (165) . ومن الجانب الآخر كان طلحة والزبير يتحينان الفرصة لمغادرة المدينة . فهما يهدفان إلى أكثر من إسقاط عثمان . يريدان الخلافة أو أقل أن يفضلهما علي (ع) على باقي المسلمين في العطايا . غير أنهما لم يفلحا في استدراج علي (ع) للمساومة ، فقال طلحة ، معربا عن حالة الفشل هذه : (ما لنا من هذا الأمر إلا كلحسة الكلب أنفه) (166) .
وخرج بعد ذلك كل من طلحة والزبير ، يبغيان الافلات من يد علي (ع) ، ليلتحقا بعائشة . وما أن التحقا بها حتى أقنعاها بالخروج معهما لقتال علي (ع) والتحق بهم كل من الأمويين وولاة عثمان الذين عزلهم الإمام علي (ع) . لم تكن عائشة تظن أن الأمر بعد عثمان سيؤول إلى علي (ع) . كانت تتصور أن جذوة الهاشميين قد انطفأت ، منذ أن أخذ منهم حقهم ، أبوها وفاروقه . ورغم ما قامت به من تحريض على عثمان . فهي ترى أن الأمر سيؤول لا محالة لابن عمها طلحة .
وعندما لم يتوفق في ذلك ، غيرت عائشة وجهة نظرها ، وتبنت خطا نقيضا ، وهو المطالبة بدم عثمان . فعندما بلغها خبر المقتل ، وكانت بمكة ، قالت : أبعده الله ، ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد ، وكانت تقول : أبعده الله ، قتله ذنبه ، وأقاده الله بعمله ، يا معشر قريش لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه ، إن أحق الناس بهذا الأمر ذو الإصبع - تقصد طلحة - ثم أقبلت مسرعة إلى المدينة وهي لا تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر ، وكانت تقول :
بعدا لنعثل وسحقا ، إيه ذا الإصبع ، إيه أبا شبل ، إيه ابن عم ، لله أبوك أما إنهم وجدوا طلحة لها كفؤا ، لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع ، حثوا الإبل

(164) اليعقوبي في التاريخ .
(165) ابن أبي الحديد في الشرح .
(166) الطبري في التاريخ
لقد شيعني الحسين (ع) 237

ودعدعوها . ولما انتهت إلى (سرف) قرب مكة في الطريق إلى المدينة ، لقيها عبيد بن أم كلاب (167) ، فأخبرها بمقتل عثمان وبإجماع على بيعة علي (ع) ، فقالت بعد ذلك ، وهي تولول : ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ، ويحك أنظر ما تقول؟! .
ثم قال لها : ما شأنك يا أم المؤمنين والله لا أعرف بين لابتيها أحد أولى بها منه ولا أحق ولا أرى له نظيرا في جميع حالاته فلماذا تكرهين ولايته؟ .
فراحت تقول : ردوني . ردوني . فانصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لأطلبن بدمه! فقال لها ابن أم كلاب : فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ، فلقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر ، قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأول ، فقال لها ابن أم كلاب :
فمنـك البـداء ومنك الغـير ومنـك الرياح و منك المطر
وأنت أمـرت بقتـل الإمـام و قلـت لنـا إنـه قد كفـر
فهبنـا أطعنـاك فـي قتـله و قاتلـه عنـدنـا مـن أمر
ولـم يسقط السقف من فوقنا ولـم تنكسف شمسنـا والقمر
وقد بايـع النـاس ذا تـدرأ يزيـل الشبـا ويقيـم الصعر
و يلـبس للحـرب أثوابهـا وما من وفي مثل من قد غدر

ويذكر البلاذري في أنسابه إنها راحت إلى مكة ونزلت على باب المسجد فقصدت الحجر فتسترت واجتمع الناس إليها ، فقالت :
يا أيها الناس إن عثمان قتل مظلوما والله لأطلبن بدمه . وكانت تقول : يا معشر قريش إن عثمان قد قتل ، قتله علي بن أبي طالب ، والله لأنملة - أو قالت - لليلة من

(167) أنظر الطبري ، وابن سعد .
لقد شيعني الحسين (ع) 238

عثمان خير من علي الدهر كله .
لحق طلحة والزبير ، بعد أن خسرا امتيازاتهما مع علي بن أبي طالب (ع) ، فانتهيا إلى مكة حيث عائشة تقوم بالشغب . فكانت فرصة لها ، ليجتمعا على مخطط يواجهون به علي (ع) . والغريب ، إنهما لم يكونا يفعلان هذا مع أبي بكر وعمر . إنهم يعلمان أن عليا (ع) رجل له أعداء في كل مكان ، وأن بلاءه في الإسلام لم يترك له حليفا . وهو القائل : ما ترك لي الحق من صديق! استغلا الفرصة للتأليب على أمير المؤمنين (ع) ، وزرع الفتنة في الأمة . وكان إلى جانب ذلك من العمال المعزولين من ليس له مصلحة في خلافة علي (ع) مثل ابن عامر ويعلي بن أمية وما أشبه . وكانا لا يزالان يملكان الثروة الفاحشة . فاستثمرا قسطا كبيرا منها في المعركة ضد علي (ع) ويذكر الطبري ، أن يعلى بن أمية - وكان علي (ع) قد عزله عن اليمن - ساهم بأربعمائة ألف ، أعطاها الزبير ، وحمل عائشة على جمل (عسكر) ، اشتراه بثمانين دينارا . كما ساهم ابن عامر بمال وفير وأربعمائة بعير .
واجتمعوا في بيت عائشة ، يخططون للخروج فكانت النتيجة أن يتجهوا بادئ ذي بدء إلى الكوفة حيث للزبير شيعة وأتباع ، وإلى البصرة حيث يوجد شيعة لطلحة . وساروا إلى المدينة بجيش يتألف من أهل المدينة والكوفة ، يتسع لثلاثة آلاف رجل .
ولما قدموا على البصرة منعهم عامل الإمام علي (ع) عليها - عثمان بن حنيف - فغدروا به ووثبوا عليه ، وهموا بقتله لولا أن خافوا غضب الأنصار ، فنتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه وضربوه وحبسوه (168) وبقي كذلك رهينة بين أيديهم ، ينتظرون قدوم الإمام علي (ع) .
ولما علم حكيم بن جبلة بما صنعوا بعثمان بن حنيف جاءهم في جماعة من عبد القيس وسار نحو دار الرزق . وقال : لست أخاف الله إن لم أنصره . وحدث بينه

(168) ابن الأثير ج 3 - ص 316 .
لقد شيعني الحسين (ع) 239

والقوم قتالا شديدا وقتل هو وابنه شر قتلة ، فهموا بقتل عثمان بن حنيف : فقال لهم : أما إن سهلا بالمدينة فإن قتلتموني انتصر ، فخلوا سبيله ، فقصد عليا (169) .
وكان علي (ع) في تلك الأثناء قد تجهز إلى الشام . فلما سمع الخبر ، دعا القوم إلى الجهاد . فتثاقل البعض وتحمس جماعة من الأنصار ومن بينهم أبو قتادة الأنصاري ، حيث قال لعلي (ع) : يا أمير المؤمنين إن رسول الله قلدني هذا السيف وقد أغمدته زمانا وقد حان تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لا يألون الأمة غشا ، وقد أحببت أن تقدمني فقدمني . وقالت أم سلمة زوجة الرسول صلى الله عليه وآله - : يا أمير المؤمنين لولا أن أعصي الله وأنك لا تقبله مني لخرجت معك ، وهذا ابن عمي ، وهو والله أعز علي من نفسي ، يخرج معك ويشهد مشاهدك . فخرج معه وهو لم يزل معه (170) .
كان ضمن معسكر الإمام علي (ع) اثنان من أقرب من عائشة ، وهما (أم سلمة زوج النبي) التي التزمت شرع الله ، وناصرت عليا (ع) وأخو عائشة محمد بن أبي بكر الذي قاتل معسكر أخته ولم تأخذه في نصرة علي (ع) قرابته لأخته ، وجاء في الخبر أيضا ، أن حفصة بنت عمر قد تهيأت للحاق بهم - أي بعائشة لولا أن نهاها أخوها في الطريق عبد الله بن عمر - ، فخرج الإمام علي (ع) في جيشه حتى انتهى إلى الربذة ، وكان الإمام علي (ع) يريد الاصلاح ، ويتجنب القتال ، حتى أرغموه عليه . وعندما سمع بخبر القوم بعث إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر وكتب إليهم : إني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث ، فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا وانهضوا إلينا ، فالإصلاح نريد لتعود هذه الأمة إخوانا .
وعند وصوله إلى ذي قار أتاه عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعرة فقال :
يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحية وقد جئتك أمرد ، فقال : أصبت أجرا وخيرا .

(169) نفس المصدر .
(170) نفس المصدر .
لقد شيعني الحسين (ع) 240

ورجع كل من محمد بن أبي بكر وابن جعفر بعد أن لم يوفقا في إقناع القوم ، فبعث لهم الإمام علي (ع) أشخاصا كثيرين ، كالأشتر وأبي موسى ، ثم الحسن وعمار . وبعد ما وقع من مشادات كلامية . كان لا بد للمعركة أن تشتعل .
وكان الإمام علي (ع) قد ذكر الزبير بالله ، فحاول الرجوع لولا أن اعترضه ابنه . وخرج طلحة وخرج إليهما علي حتى اختلفت أعناق دوابهم ، فقال علي :
لعمري لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا إن كنتما أعددتما عند الله عذرا فاتقيا الله ولا تكونا (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دمكما ، فهل من حدث أحل لكما دمي؟ .
قال طلحة : البت على عثمان . قال علي : (يومئذ يوفيكم الله دينهم الحق) .
يا طلحة ، تطلب بدم عثمان فلعن الله قتلة عثمان! يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله صلى الله عليه وآله تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت! أما بايعتني؟ قال :
بايعتك والسيف على عنقي ، فقال علي للزبير : يا زبير ما أخرجك؟ قال : أنت ، ولا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى به منا (171) ثم قال له : تذكر يوم مررت مع الرسول الله صلى الله عليه وآله في بني غنم فنظر إلي فضحك وضحكت إليه فقلت له لا يدع ابن أبي طالب زهوه ، فقال لك رسول الله صلى الله عليه وآله ليس به زهو ، لتقاتلنه وأنت له ظالم .
قال : اللهم نعم ، ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا ، والله لا أقاتلك أبدا ، وكان ابنه عبد الله قد اعترضه وقال له : لكنك خشيت رايات ابن أبي طالب وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد وأن تحتها الموت الأحمر فجبنت . وقال : إني حلفت أن لا أقاتله ، قال : كفر عن يمينك وقاتله . فأعتق غلامه مكحولا وقيل سرجس ، وذكروا أن الزبير عاد عن القتال لما سمع إن عمار بن ياسر في جيش علي (ع) فخاف أن يقتل عمار . وكانا قد تشابكا ولم يقتتلا ، فاعتزل الزبير القتال إلى عسكر الأحنف بن قيس ، فلحقه عمرو بن جرموز وقتله .
أما طلحة فقد قتله واحد من الأمويين الذين جاؤوا في جيش عائشة ، وهو

(171) ابن الأثير .
لقد شيعني الحسين (ع) 241

مروان بن الحكم .
كان الزبير رجلا مفتونا ، سرعان ما ولى ، لولا أن ابنه عبد الله قد ورد عليه ، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين : لا زال الزبير منا حتى ورد ابنه عبد الله ، هذا الأخير كان فتانا . لقد غرت الدنيا الزبير وانتصرت عليه ، فركب الفتنة وهو لما يفقد كل إيمانه . وذلك ما دفع الإمام إلى البكاء عليه حسرة . أما عائشة ، فإنها لم تذكر شيئا من الذكر الحكيم ، لترجع عن هذه الغوغاء . ولم يرجعها إلا (الهزيمة) يوم انتصر جيش علي (ع) وقتل جملها ، وسقطت من الهودج .
تصدى محمد بن أبي بكر أخو عائشة ، هو وعمار فاحتملا الهودج فنحياه .
وأدخل محمد يده فيه ، فقالت : من هذا؟ فقال : أخوك البر ، قالت : عقق!
قال : يا أخية هل أصابك شئ؟ قالت : وما أنت وذاك؟ قال : فمن إذا الضلال؟
قالت : بل الهداة . وقال لها عمار :
كيف رأيتي ضرب بنيك اليوم يا أماه؟ قالت : لست لك بأم . فأبرزوا هودجها فوضعوها ليس قربها أحد (172) . ثم كان إن اختار الإمام علي (ع) أربعين امرأة من نساء البصرة ليخرجن معها ، بزي الرجال (173) .
مات طلحة ابن عمها ، وأخوها محمد هو من أخلص شيعة علي (ع) ، وأنصارها الآخرون كلهم قد مات ، وما تبقى كان من العثمانية ، وهم إلى معاوية أميل . فبقيت عائشة معزولة ، وودت لو تتاح لها الفرصة للخروج عليه . وعندما قتل امتلأت أساريرها بابتسامة ، تخفي سنوات من الحقد والضغينة (174) .
وعلى كل حال ، فإن معركة الجمل لم تكن سوى حدث في الطريق ، ولا يزال الدهر يتحف أبا الحسن بصنوف الشدائد والنوائب .

(172) نفس المصدر .
(173) إن تفاصيل معركة الجمل يضيق بها المقام ، وهي من التفاصيل الفاضحات .
(174) لنا مع عائشة لا حقا - وقفة! .
لقد شيعني الحسين (ع) 242




لقد شيعني الحسين (ع) 243

صفين مأزق المآزق!

كانت حرب الجمل ، حربا تلقائية . تخطط لها عقول ارتجالية ، وتقودهم امرأة ضعيفة العقل . ولذلك سرعان ما افترق جيش عائشة إلى قسمين بعد خطبتها ، فالبرنامج البديل كانت تكسوه ضبابية . وكثيرا ما وقع التصارع بين القوم ، حول من يخلف هل الزبير أم طلحة؟ .
أما معاوية في الشام ، فإنه أدهى من هؤلاء جميعا ، وجمع إلى دهائه ، دهاء عمرو بن العاص ، ليهندسا أخطر الخطط لتدمير الإسلام ، كان الأمويين منذ البداية يدركون أهدافهم . ومنذ أن قرعت عليهم طبول الفتح ، كانوا يعرفون إنه لا بد من مخطط بعيد المدى ، يواجهون به نفوذ محمد صلى الله عليه وآله .
كان موقف الإمام علي (ع) من معاوية واضحا . هو أن يعزله مهما كانت مضاعفات هذا الأجراء . وحاول بعض (المتسيسة) أن يتوسطوا في الأمر ، ويقنعوا عليا (ع) بأن يعدل عن رأيه هذا ، وليزداد مرونة في سياسته . فأبى علي (ع) فلسفتهم السياسية ، وشد بالخمسة على قبضة الحسام . وأعلن الحرب على العصابة الأموية .
ولم يكن معاوية ، عاملا بسيطا في الشام ، فهو قلبها وروحها . بحكم بقائه الطويل في إمارتها .
فهو صاحب قرار مسموع ، وجيش عرمرم ، وعشيرة اكتسبت شوكة ومالا في

لقد شيعني الحسين (ع) 244

عصر الخلفاء .
انحاز إلى معسكر معاوية كل من أراد الأموال والضياع . وبقي مععلي (ع) عصبة ما زالت على دين محمد صلى الله عليه وآله وملته . واعتزل الحرب ، قوم ، تضببت الرؤية في أعينهم ، واستعصى عليهم اتخاذ المواقف الحاسمة ، وفضلوا الراحة ، ومثل هذا الواقع أحدهم قائلا : الأكل مع معاوية أدسم ، والصلاة مع علي أتم ، والوقوف على التل أسلم) .
هذه الفئة كانت متذبذبة ، خاذلة للحق! ولعل معاوية كان أوعى دينا من هؤلاء . إذ لما جاء إلى سعد بن أبي وقاص ، فقال له : ما منعك أن تقاتل معنا .
حاول أن يلتوي عليه ، مبررا ذلك بأنه يأبى الدخول في قتال بين المؤمنين ، فرد عليه معاوية بأن ليس إلا فئة مؤمنة وأخرى جائرة ، وبأن الواجب الإسلامي يقتضي الوقوف مع أحداهما (175) .
هذه العدمية ، كانت مرادفة للنفاق والخذلان . في مجتمع عقائدي متمذهب بالإسلام .
باشر معاوية ، بإرسال الكتب إلى عمال علي (ع) في الأمصار ، يروم استمالتهم . فكتب إلى قيس بن سعد والي علي (ع) على مصر كتابا يقول فيه :
سلام عليك ، أما بعد فإنكم نقمتم على عثمان ضربة بسوط أو شتيمة رجل أو تسيير آخر واستعمال فتى ، وقد علمتم أن دمه لا يصل لكم ، فقد ركبتم عظيما وجئتم أمرا إدا ، فتب إلى الله يا قيس ، فإنك من المجلبين على عثمان ، فأما صاحبك فإنا استيقنا أنه الذي أغرى الناس وحملهم حتى قتلوه ، وأنه لم يسلم من دمه عظم قومك ، فإن استطعت يا قيس أن تكون ممن يطالب بدم عثمان فافعل وتابعنا على أمرنا ولك سلطان العراقين إذا ظهرت ما بقيت ولمن أحببت من أهلك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان ، وسلني ما شئت فإني أعطيك واكتب إلي

(175) أنظر خصائص الإمام النسائي ، وقول سعد ، قال صلى الله عليه وآله في علي ثلاث لو كانت لي إحداهن خير لي من حمر النعم .

السابق السابق الفهرس التالي التالي