السجود على التربة الحسينية 1




السجود
على التربة الحسينية

السجود على التربة الحسينية 2




السجود على التربة الحسينية 3
سلسلة الكتب العقائدية
(120)


السجود على التربة الحسينية

تأليف

العلامة المجاهد الشيخ عبدالحسين الأميني رحمه الله

إعداد
مركز الأبحاث العقائدية


السجود على التربة الحسينية 4




السجود على التربة الحسينية 5


وصلى الله على محمد وآله الهداة وصحبه الميامين والتابعين لهم باحسان الى يوم الدين.



السجود على التربة الحسينية 6




السجود على التربة الحسينية 7

الإهداء

الى صاحب التربة الدامية الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: «حسين مني وأنا من حسين» والى روح فقيد الاسلام الأميني رضوان الله عليه.

السجود على التربة الحسينية 8




السجود على التربة الحسينية 9

مقدمة

ان الشيعة الإمامية الذين اظهروا حبهم وولاءهم لأهل البيت استجابة لقوله تعالى « قل لا أسألكم عليه اجراً الا المودة في القربى » أخرج الإمام أحمد والطبراني والحاكم عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: علي وفاطمة وابناهما (1) واكباراً لمقامهم لا يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) روى الترمذي عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وآله قال: لما نزلت هذه

(1) الاتحاف بحب الاشراف لمؤلفه الشيخ عبدالله الشبراوي الشافعي: 5.
السجود على التربة الحسينية 10

الآية انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت في بيت أم سلمة رضي الله عنها دعا فاطمة وحسناً وحسيناً وجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ثم قال «اللهم هؤلاء أهل بيتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» (1).
هؤلاء الشيعة يسجدون على قطع من الأرض مقولبة يحملونها معهم والتربة الحسينية وهي عبارة عن تراب اخذ من أرض كربلاء الشاسعة المترامية الأطراف للسجود عليها لا كما يظن البعض انها من تراب مزج بدم الإمام الحسين عليه السلام ولكن هذه الإضافة اكسبتها شرافة كالإضافة إلى سائر المقامات العالية وجرى العقلاء على الاهتمام بهذه الأمور الاعتبارية والشيعة الإمامية اعتادوا السجود على التربة الحسينية حيث اجتمعت فيها كل الشروط التي يجب توافرها في مسجد الجبهة من طهارة واباحة الى آخر الشروط المقررة في الموسوعات الفقهية وقد اجمع فقهاء الأمة الإسلامية على أن السجود على الأرض هو الأفضل فحملها البعض منهم

(1) الإتحاف بحب الأشراف: 5.
السجود على التربة الحسينية 11

معه رعاية للاحتياط وحرصاً على الأفضلية لأن البيوت اليوم والأماكن العامة كسيت أرضيتها بأبسطة قطنية أو بالسجاد الصوفي أو مسقلبة أو معبدة بما يخرجها عن كونها أرضاً فيقع المصلي بين محذورين إما فوات الأفضلية أو بطلان الصلاة كما سيأتي، ولم يكن السجود على التربة عند الشيعة من الواجبات في الصلاة ولذا نراهم في المسجد الحرام وفي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يسجدون على قاع المسجد لأن أرضية المسجدين الشريفين مبلطة بالحجر الطبيعي أو مفروشة بالحصى وكل منهما يسمى أرضاً ويصح السجود عليه ولكن من المؤسف أن بعض اخواننا المسلمين يرمي الشيعة بالشرك والمروق عن الدين لسجودهم على هذه القطعة من الأرض وقد قال تعالى « ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمناً »(1).
فكيف بمن يشهد الشهادتين ويؤدي الصلوات الخمس ويحج البيت الحرام إلى آخر فروع الدين وهل أن الاختلاف في الفروع الفقهية يوجب الخروج عن الدين والكفر بسنة سيد

(1) سورة النساء آية: 94.
السجود على التربة الحسينية 12

المرسلين في حين نرى أن المذهب الواحد قد يختلف فقهاؤه في كثير من الفروع الفقهية لأن كل فقيه يفتي بما يؤدي اليه نظره وما أدى إليه نظره فهو حكم الله الظاهري في حقه وهكذا بالنسبة إلى الفقيه الآخر ولا نرى أن أحدهما يكفر صاحبه بل قالوا من أخطأ فله حسنة ومن أصاب فله عشر حسنات والشيعة الإمامية تضع جباهها على التربة الحسينية لأنها أرض طبيعية والأرض أفضل المساجد وقد صح عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم انه قال (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) (1) ولو كان الشيعة يسجدون لها لكانوا يسجدون دونها لا أن يضعوا جباههم عليها وهناك فرق بين السجود لها والسجود عليها وليس كل مسجود عليه معبوداً والا لكان الساجد على البساط ساجداً له والساجد على السجاد عابداً له وهكذا … في حين لا يقول بذلك أحد وما أفاده العلامة المغفور له الشيخ عبد الحسين الأميني طاب ثراه (مؤلف موسوعة الغدير الكبرى) في محاضرة القاها في سوريا وهي التي بين يديك ـ قارئي العزيزـ يغني طالب الحقيقة ومن

(1) صحيح البخاري: 1/60.
السجود على التربة الحسينية 13

أراد أن يطلع على هذه المسألة الفقهية الهامة وقد خاض قدس سره في كل المسانيد والصحاح وأمهات الكتب الفقهية ثم عرض علينا في محاضرته هذه زبد هذا المخاض من الأحاديث الواردة في هذا الباب وناقشها مناقشة علمية ينجلي فيها الريب عن كل من له قلب أو القى السمع وهو شهيد وصنّف ما ورد من أحاديث في السجود إلى ثلاثة أقسام (1) السجود على الأرض (2) السجود على النبات كالحصير والفحل (حصير كبير مصنوع من سعف النخل) والخمرة (حصير صغير من سعف النخل يتخذ للصلاة) (3) السجود على الثياب القطنية أو الصوفية، وسلط الأضواء على هذا القسم الثالث وكانت روايات هذا القسم يفسرها ظرفها حيث كانت جميعها الاّ ما شذ صريحاً في أن السجود على الثوب كان اما في صيف قائظ شديد الحر أو في برد قارس يتعذر أو يتعسر مباشرة المصلين فيه للأرض اللاهبة أو القارسة وقاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام لها الحكومة على سائر الأدلة كما يقول الفقهاء وما ينجم عنه الضرر يحرم فعله ومن هذا نعلم أن السجود على الصوف أو القطن اختياراً يوقع المسلم في

السجود على التربة الحسينية 14

حيرة من أمره لأن ذلك لا يجوز على اساس أن العبادات توقيفية فالتعدي عنها الى غيرها ادخال ما ليس من الدين في الدين وهو بدعة محرمة وأمر محدث وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم شر الأمور محدثاتها وسوف يأتي تفصيل ذلك. وهناك فيض من روايات جاءت في كراهة نفخ موضع السجود غصت بها كتب الحديث تفيدنا أن المسلمين ما كانوا يسجدون على غير الارض وغير الحصر النباتية واليك قارئي الكريم بعضاً منها … فقد أورد الإمام مالك بن أنس في الموطأ قال (1) (حدثني يحيى عن مالك عن أبي جعفر القاريء أنه قال رأيت عبد الله ابن عمر اذا هوى ليسجد مسح الحصباء لموضع جبهته مسحاً خفيفاً). وأورد أيضاً قال (حدثني مالك عن يحيى بن سعيد انه بلغه أن أبا ذر كان يقول مسح الحصباء مسحة واحدة وتركها خير من حمر النعم) (2). والملاحظ في هذين الحديثين الالتزام بالسجود على الارض وأورد أيضاً الحافظ عبد العظيم

(1) موطأ الإمام مالك: 1/157 صححه وأخرج أحاديثه محمد فؤاد عبدالباقي.
(2) الأبل.
السجود على التربة الحسينية 15

المنذري في كتابه الترغيب والترهيب من الحديث الشريف في السجود على الحصى وكراهة نفخ موضع السجود نورد بعضاً منها.
1 ـ قال (عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم اذا قام احدكم في الصلاة فان الرحمة تواجهه فلا تحركوا الحصى رووه كلهم من رواية ابي الأحوص عنه).
2ـ وعن معيقب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تمسح الحصى وانت تصلي فان كنت لابد فاعلا فواحدة (تسوية الحصى) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابو داود وابن ماجة).
3 ـ وعن جابر رضي الله عنه قال سألت النبي عن مسح الحصى في الصلاة فقال: واحدة ولئن تمسك خير لك من مئة ناقة كلها سود الحدق رواه ابن خزيمة في صحيحه).
4 ـ وعن ابي صالح مولى طلحة رضي الله عنه قال كنت عند ام سلمة زوج النبي فأتى ذو قرابتها شاب ذو حجة فقام يصلي فلما اراد أن يسجد نفخ فقالت لا تفعل فان رسول الله صلى الله عليه وسلم

السجود على التربة الحسينية 16

كان يقول لغلام لنا أسود يا رباح ترب وجهك رواه ابن حيان في صحيحه (1).
ومن مجموعة روايات كراهة النفخ وما اكثرها جاء ذكر السجود على الأرض فيها في حين كان السجود بأماكن خاصة وأماكن عامة فمثلاً هذا الشاب قرابة أم سلمة الذي جاء ضيفاً إلى بيت رسول الله وعادة كما قيل ولكل قادم كرامة فلم لم تفرش له أم سلمة أجود بساط عندها ؟ ولا اعتقد ان أم سلمة تفتقد وجود بساط في بيتها ولو كانت صلاته بالمسجد لقلنا إن المسجد فرش بالحصى وكل المسلمين يسجدون عليه أما والشاب يصلي في بيت أم سلمة فلا يمكن أن يأتي هذا الافتراض ومع هذا تنهاه أم سلمة عن نفخ موضع سجوده وتريده أن يضع جبهته على الحصى ومع غباره والذي يقال في المقام ان الذين وفقهم الله لاستقصاء أحاديث السجود الواردة في مظانها وسبر المسانيد والموسوعات الفقهية لم يوافونا ولا بحديث واحد صريح في ان رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) الترغيب والترهيب 1/581 حققه محمد محيي الدين عبدالحميد.
السجود على التربة الحسينية 17

أو أحد أصحابه المكرمين سجد على بساط من القطن أو الصوف.. إذن والحالة هذه يتبين لنا أنه لا يجوز السجود.
على الصوف ولا على القطن ولا على أي شيء سوى الأرض وما انبتت ما لم يؤكل أو يلبس وعلى القرطاس دون غيرها والعبادات (قارئي الكريم) توقيفية يقتصر على فيها مورد النص وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله هو سنة بمثابة نص قرآني نعم قد يستفاد من بعض الاحاديث أن بعض الصحابة سجد على ثياب وقد تقدم انه يجوز ذلك عند الضرورة والضرورات تبيح المحظورات، كما وقد أورد عمدة القارئ شرح صحيح البخاري للشيخ بدر الدين العيني تعليقاً على حديث الخمرة قال (الرابع جواز الصلاة على الحمرة من غير كراهة) وعن ابن المسيب (الصلاة على الخمرة سنة) وقد فعل ذلك جابر وأبو ذر وزيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم (1) … وكانت سيرة الشيعة الإمامية العمل بالأفضل لذا يسجدون على تربة تصنع من أرض طابت وطهرت والأرض تشقى وتسعد يأخذونها من أرض كربلاء لما ورد

(1) عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 4/108.
السجود على التربة الحسينية 18

عنه صلى الله عليه وسلم (حسين مني وأنا من حسين) و(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) (1) وقد قضى الحسين مجاهداً عندما رأى أن الرذيلة استولت على الفضيلة والمادية على الروحية والعدالة ذبيحة والحق صريع وقد طغى على العالم الاسلامي استبداد أموي فنهض هو وأهل بيته وصحبه الغر الميامين لتصحيح المسار والعودة بالإسلام الى منابعه الأصيلة حتى تساقطوا صرعى في هذه البقعة الشريفة التي منها يأخذ الشيعة التربة فهي اذن توحي للمسلم الجهاد في سبيل الله والدفاع عن حياض العقيدة والجهاد باب من ابواب الجنة والجنة تحت ظلال الأسنة.
وورد في تفسير الآية الكريمة « في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه»(2) (آية 26 من سورة النور) عن الجلال السيوطي في الدر المنثور في تفسير هذه الآية قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بيت النبي وبيوت أهل بيته من

(1) الخصائص الكبرى لمؤلفه جلال الدين السيوطي: 3 /362 تحقيق الدكتور محمد خليل هراس.
(2) الشيعة في عقائدهم وأحكامهم لمؤلفه السيد أمير محمد القزويني: 7.
السجود على التربة الحسينية 19

أفاضلها واعلاها) فاكتسبت الأرض شرافة بالاجسام الطاهرة الثاوية في رحابها والمكان بالمكين كما قيل وقد ورد في الذخائر القدسية في زيارة خير البرية أن المسلمين كانوا يستشفون بتربة حمزة بن عبد المطلب وتربة صهيب الرومي قال ما نصه (1) (من ذلك الاستشقاء بتربة حمزة وتربة صهيب اللذين استثنيا من حرمة نقل تراب الحرم المدني إلى غيره فيجوز نقلها كما سننبه على ذلك … أما الأول فهو مجرب للصداع وأما الثاني فقد جربه العلماء للشفاء من الحمى شرباً وغسلاً لكن الشرب هو الوارد في حديث ابن النجار وغيره لما أصابت بني الحرث قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أين انتم من تراب صهيب قالوا وما نصنع به قال تجعلونه في الماء إلى آخر الحديث) ومن المعلوم أن مقام الحسين عليه السلام أجل واسمى من مقام الحمزة وصهيب رضوان الله عليهما عند الله وعند رسوله للاحاديث الواردة فيه من الرسول العظيم والتي تشيد بذكره وعلو مكانته. ولقائل أن يقول لماذا لم يحمل

(1) الذخائر القدسية في زيارة خير البرية لمؤلفه عبدالحميد بن محمد اقدس بن الخطيب المدرس بالجامع الحرام بمكة: 112.
السجود على التربة الحسينية 20

معهم الصحابة والسلف الصالح تربة من أرض الحرمين الشريفين في سفرهم و حضرهم نقول في جواب ذلك بما ذكره صاحب الذخائر القدسية من حرمة نقل تراب الحرم المدني وطبعاً الحرم المكي بطريق أولى فقد أورد رضوان الله عليه (1) (أن لا ينقل معه شيئاً من حجارة حرم المدينة وترابها فان ذلك حرام عند أئمتنا ولو الى مكة وان نوى رده اليه كما في التحفة نعم استثنوا من ذلك نقل تراب احتيج اليه للدواء كتراب مصرع حمزة رضي الله عنه للصداع وتربة صهيب رضي الله عنه كما مر التنبية عليه لاطباق السلف والخلف على نقل ذلك ومنه يعلم حرمة نقل الآجر والاكر والأواني المعمولة من تراب المدينة الا إن اضطر الى آنية لنحو ماء بأن لا يجد غيرها حساً وشرعاً والا وجب عليه ردها وان انكسرت الآنية كما استظهره في التحفة والا كان آثماً ولا ينقطع دوام عصيانه الا بردها مادام قادراً عليه) واجماع الفقهاء على المنع كما ذكره صاحب الذخائر القدسية عاق سكان الحرمين عن حمل تربة من هذه الديار المقدسة، ولو رجعنا الى

(1) نفس المصدر: 18.
السجود على التربة الحسينية 21

مذهب أهل البيت ورد فيهم ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض (1) لرأينا فيضاً من نصوص حديثية وردت عنهم عليهم السلام صريحة في ان ما يسجد عليه هو الارض او نباتها او القرطاس (الورق) وغير ذلك لا يجوز السجود عليه كصحيح هشام بن الحكم انه قال للامام جعفر الصادق عليه السلام اخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال عليه السلام لا يجوز السجود إلا على الارض او على ما انبت الارض إلا ما أكل او لبس فقال له عليه السلام جعلت فداك ما العلة في

(1) يقول السيد محمد تقي الحكيم في كتابه الاصول العامة للفقه المقارن 164. (وهذا الحديث يكاد يكون متواتراً بل هو متواتر فعلاً اذا لوحظ مجموع رواته من الشيعة والسنة في مختلف الطبقات) الى أن يقول وحسب الحديث لان يكون موضع اعتماد الباحثين ان يكون من رواته كل من صحيح مسلم وسنن الدارمي وخصائص النسائي، وسنن أبي داود وابن ماجة ومسند احمد ومستدرك الحاكم، وذخائر الطبري وحلية الاولياء وكنز العمال وغيرها،وان تعنى بروايته كتب المفسرين امثال الرازي والثعلبي والنيسابوري والخازن وابن كثير وغيرهم، واللغة والسير والتراجم.
السجود على التربة الحسينية 22

ذلك؟ قال عليه السلام لان السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل ويلبس لان ابناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها (1). والحقيقة ان الصلاة مظهر عبودي لله، علينا لان نكون مخلصين له الدين ولا نشرك بعبادة ربنا احداً ولذا قال الفقهاء ببطلان الصلاة مع الرياء لان نية القربة بدأت تتأرجح والمردد لا يقع فكذلك السجود على الملبوس والمأكول له انعكاسات على نية التقرب يمكن ان تأتي بمردود غير مستحسن تتساقط أمامه نية التقرب الى الله.
والخلاصة يصح للمسلم ان يسجد على ما يطلق عليه ارضاً سواء أكان تراباً او صخراً او رملاً او طيناً او على الرخام (الحجر الطبيعي) لان كل ذلك يسمى ارضاً وعلى كل نبات بشرط ان لا يكون مأكولاً كسائر الفواكه والبقول التي اعتاد الناس أكلها كالتمر والتفاح والبصل والبطاطا، اما النوى والقشور وورق الاشجار واخشابها

(1) مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الحكيم قدس سره: 5/338.
السجود على التربة الحسينية 23

وسعف النخل فلا مانع من السجود عليها كما لا يجوز السجود على ما يلبس كالقطن والكتان والقنب والمنسوج منهما، كما ويجوز السجود على القرطاس (الورق) فقد سأل داود ابن فرقد ابا الحسن عليه السلام عن القراطيس والكواغد المكتوب عليها هل يجوز السجود عليها ام لا؟ فكتب عليه السلام يجوز (1).
وقد يقال لماذا لم يكن رسول الله يحمل تربة معه؟ يجاب عن ذلك:
(اولاً) بناءاً على ما تقدم من عدم جواز نقل تراب الحرمين الى غيرهما حتى من احدهما الى الآخر.
(وثانياً) ان تصرفات الرسول الشخصية كلبس ثوب خاص وعمامة خاصة بشكلية خاصة، فنحن غير ملزمين بأن نلبس مثل ذلك لوناً وحجماً وشكلاً وإلا لما جاز ان نحمل أقلاماً في جيوبنا لان رسول الله يكن يحمل

(1) نفس المصدر السابق.
السجود على التربة الحسينية 24

قلماً في جيبه، ويقتضي ان لا يجوز لنا ان نطوق معاصمنا بساعات يدوية لان رسول الله لم يكن يطوق معصميه بساعة يدوية وعلينا ان نترك العوينات الطبية لان رسول الله لم يكن يستعملها وبطلانه واضح.
و(ثالثاً) قد تقدم ان كل الذين نقلوا لنا كيفية سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا انه كان في سجوده يباشر الارض بجبهته الشريفة او يسجد على الحصر وقد ورد ايضاً عن ابي حميد انّ النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا سجد امكن أنفه وجبهته من الارض، رواه ابو داود والترمذي وصححه (1). وكان مسجده الشريف في حينه مفروشاً بالحصباء فلماذا يتحمل عناء حمل تربة معه والتاريخ الصحيح والسنة النبوية النقية وكبار الفقهاء يشهدون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سجد على قطن او صوف نعم في حالة ان صحت فهي اضطرارية

(1) فقه السنة سيد سابق: ج1.
السجود على التربة الحسينية 25

حيث كانت في شدة حر او برد كما ورد في نفس الاحاديث، واما التي خلت من ذلك القيد وجاءت مطلقة فالذي يحب فيها ان تقيد بالتي ذكر فيها الحر والبرد على اصول الجمع بين الاحاديث كما يقرر ذلك أهل العلم من حمل المطلق على المقيد. وقد أورد القسطلاني في كتابه ارشاد الساري شرح صحيح البخاري قال روي ان عمر بن عبدالعزيز انه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليها (1).
وختاماً، اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم واكرمنا بنور الفهم، اللهم افتح علينا ابواب رحمتك ويسر علينا خزائن علومك برحمتك يا ارحم الراحمين.

محمد عبدالحكيم الموسوي الصافي



(1) ارشاد الساري شرح صحيح البخاري: 1/204 ـ 205.
السجود على التربة الحسينية 26




الفهرس التالي التالي