دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 62

أقتصادي تستطيع معه أن تردم المستنقع التاريخي الذي يحيط بكربلاء وأن توقف الرمال الهائجة على النجف ، وإن تبني في سامراء جامعة وفي الكوفة جامعة ، والعراق في كل ذلك هو البلد المزار والقبلة المقصودة » (1). إن الإهمال وسوء الإدارة والتخطيط وللأسف ! كان على الدوام ديدن الحكومات العراقية في تعاملها وصلتها مع ملف العتبات المقدسة وخاصة مواسم الزيارات التي تتميز بضخامة عدد الزائرين في مقابل تدني الإستعدادات الحكومية اللازمة لاستقبالهم وعجزها عن مواكبة حدث الزيارة المتجدد كل عام ، بل وأكثر من ذلك فإنها سعت في الغالب إلى منع وتحجيم القطاع الخاص ومنعه من المبادرة إلى تقديم خدماته للزوار لسد هذا الخلل والقصور الحكومي .

(1) الشيعة والدولة القومية في العراق : 333 .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 63

الدور الفني للمراقد

إضافة إلى الجوانب العديدة التي ذكرت لهذه المراقد فإنها تحف فنية رائعة وآثار قديمة ونفيسة تعتز بها الأمم والشعوب وتعتبرها ثروة وطنية وإنسانية تخص عموم البشرية ويجب المحافظة عليها لما تحتويه من فن معماري رائع ورصيد تاريخي وروحي وديني زاخر، ومن شأن ذلك أن يجعلها مركزاً سياحياً مهماً يفد إليها الزوار والمهتمون من كل حدب وصوب .
وبغض النظر عن كون هذه المباني الفخمة تعد ثروة كبيرة بحد ذاتها فإنها استدعت جهود العباقرة من الفنانين والمهرة واستغرقت أجيالاً عديدة لتظهر بهذا البهاء والجلال ، وكانت محط أنظار وعناية ملايين المسلمين وسار على منارها المؤمنون من رجال التوحيد ، وتعد بحق آية من آيات الفن المعماري ويصف الخياط الفن المعماري المستخدم في الروضة الحسينية بقوله : « ولا غرو فإن السلف كانوا يمتازون بسمو الذوق المعماري وبعد النظر في فنون الريازة وقوة الإبداع فيها ، ولئن كان الملوك والأمراء ورجال الإحسان هم الذين بذلوا الأموال في سبيل إنشاء المباني الرائعة ، إلا أن المال وحده لايكفي في مثل هذه الحال ما لم يقترن بعبقريات الفنانين ومهرة الصناع أساتذة الفن الجميل من بنائين ونقاشين ومزوقين ومهندسين » .
وما من شك في أن تاريخ الفنون الجميلة قديم جداً ، وأما بخصوص العراق فإن الشعوب العديدة التي استوطنت واديه قد تضافرت على النهوض بالفن منذ الأجيال الغابرة .
ولقد بلغت الفنون أروع عزها حين أزدهار الحضارة الإسلامية في العراق ، فإن الفنانين ومهرة الصناع قد أجادوا وجودوا في ما أوجدوه من مباني جميلة .

دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 64

الريازة الزجاجية :


ومما يسترعي الإنتباه في مباني العتبات تلك الريازة الزجاجية الناعمة التي نشأت في زمان لم تكن فيه مكائن التصنيع متوفرة ، وقد شغلت في وقت كان العامل يعتمد في أعماله على الوسائط اليدوية العادية والأشياء البدائية البسيطة ، ومع ذلك فإن هذه الصناعة جاءت آية من آيات الفنون التي يندر أن نجد بيننا اليوم من يحسن صنع نظائرها على توافر الوسائل التي اشتهر بها عصرنا .
الفسيفساء :


وأما الفسيفساء ( الكاشي ) ففي الوسع القول بأن هذه المهنة ذهبت أسرار صناعتها مع الأوائل ، وإن التزاويق والألوان الزاهية الثابتة التي تقاوم الطوارئ الطبيعية بثباتها على أشكالها قد ذهب أمرها كما قلنا مع العمال الأوائل ، وليس بين أبناء عصرنا من يستطيع صنع مثل ذلك الفخار الملون والمنقوش بالأصباغ الثابتة .
التخاريم الخشبية :


وكذلك الأمر في صناعة القطع الخشبية الناعمة في التخاريم المنوعة في النوافذ والشبابيك والإطارات والأبواب المطعمة وغيرها ، هذه الصناعة القديمة معجزة يتحير أمامها عمال النجارة ( مشكين قلم ) (1) في العراق وإيران في عصرنا الحديث .
الصياغة :


إن صياغة الفضة والذهب وباقي المعادن الموجودة في شبكات الأضرحة وجوانب الرياض المقدسة يشتغل مثلها اليوم في إيران والعراق وباقي الممالك الإسلامية في الشرق ، ولكنهم يعجزون عن أن يضاهوا الصياغة القديمة الموجودة في فنون القطع لا سيما في القناديل والتيجان وجلود المصاحف الشريفة التي في خزائن العتبات ، وكذلك السيوف والدروع

(1) مشكين قلم : عبارة فارسية تعني المزوقين أو النقاشين .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 65

فإن لقضبانها وأغمادها من فن الصياغة ما يقضي بالعجب .
المرمر :


إن المرمر الموجود في بلاطات المشاهد وجبهاتها يستخرج أكثره من مناجم إيران ـ وبالأخص ـ من مقاطعة يزد (1). وكان يؤتى به إلى العراق من هاتيك الجهات وما زال الأمر على ذلك حتى اليوم (2)حيث يفد معه عماله وقسم من عمال العراق وذلك وفقاً للحاجة والطلب وصنوف هذا المرمر الملون اللماع تضاهي المستخرج من البلاد الأوروبية .
إن تاريخ ازدهار هذه المباني وتزويقها يبدأ بأوائل الحكم البويهي في سنة 367 للهجرة فهم الذين بدأوا بذلك وكانت المباني قبلهم موجودة ولكنها كانـت بسيطة للغايـة (3)، ولما جاء العهد الصفوي في عام 914 هـ بدأ الإهتمام بصورة أكثر بهذا الجانب كما سيأتي بيانه .
ويضيف الخياط في وصف المشهد الحسيني قائلاً : « هو بمثابة قلعة من القلاع التاريخية في العالم العربي ـ الإسلامي ـ والذي ينعم النظر في زخارفه وهندسته يشهد بعبقرية الأيدي التي أنشأته ، وهذا البناء الفخم يعد آية من آيات الفن والهندسة المعمارية »(4)ويقول أيضاً : « ويحق للعراق أن يفتخر بهذه الذخيرة الممتازة التي يحتضنها وأن يعتز بهذه المباني الرائعة ذات الطابع الممتاز والرونق الجذاب ، ويحق للعراق أن يمجد عبقريات الأولين الذين تعبوا على إخراج هذه المباني بهذا الشكل المخلد ، وخلفوها لنا لتبقى بيننا رمزاً للفنانين وأساتذة البناء والصاغة والمهرة والحذاق من بلاد إيران والعراق » (5).

(1) يزد : مدينة إيرانية جنوب شرق مدينة أصفهان على أطراف صحراء طبس ، تبعد عن طهران نحو 672 كم .
(2) جاء تاريخ تأليف الكتاب عام 1376 هـ ( 1957 م ) .
(3) نقلنا المقطوعة من كتاب تاريخ الروضة الحسينية المصورة لعبد الحميد الخياط بتصرف .
(4) تاريخ الروضة الحسينية المصور : 13 .
(5) تاريخ الروضة الحسينية المصور : 8.
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 66

دور المراقد في العمران والبناء

للمراقد كما للمساجد دور عمراني بارز في تطور المدن الإسلامية إذ انها قطب رحاها والركيزة الأولى لإنطلاق البناء ، ولربما كان للمرقد دور أكبر من المسجد في هذا المضمار باعتبار ان التمصير والعمران وتخطيط المدينة يستند أساساً إلى وجوده فتتوافد الناس إليه وتقصده وترابط عنده وحواليه عندها تبدأ بالتخطيط والبناء والعمران والسكن فيكون أساساً لمدينة حضرية جديدة ، وأما المسجد فلم يكن محوراً لتمصير المدينة ولاسبباً مباشراً لإنشائها وتأسيسها كما هو الحال في المرقد ، ولاشك ان للمسجد دوراً في تخطيط وعمران المدن الإسلامية كما هو الحال في المرقد فهو محور التخطيط ومركز المدينة منه ، يبدأ العمران وإليه تنتهي الطرق والشوارع .
يضاف إلى ذلك أن المساجد لم يدخلها الكثير من الفنون والزخرفة كما في المراقد حيث يجب أن تتسم المساجد بالبساطة والتجرد وعدم الكلفة ، ومن ناحية أخرى لو دققنا النظر في دراسة العمران وطراز البناء في المدن الإسلامية وتتبعنا تطور حلقاته لوجدناه متلازماً وله صلة أكيدة مع كل منسك وفريضة إسلامية ، حتى العبادات التي تظهر وكأنها لاعلاقة لها بحركة العمران والبناء إلا أنها لدى التمحيص والتدقيق يتضح دورها البارز والأكيد في كل مفصل من مفاصل البناء والهندسة .
فالمسلم ودون شعور منه يستمد التخطيط والهندسة وعمران بيته ومدينته من خزين المعرفة الدينية وخلفية تمسكه وأدائه للفرائض والمناسك والشعائر والعادات والتقاليد الإسلامية ، ولعلك تلاحظ ومن النظرة الأولى الفرق الشاسع بين الطابع العام المميز لأية مدينة إسلامية عند مقارنتها بالمدن من الديانات الأخرى .
لقد حفظ المسجد والمرقد ملف تطور العمارة الإسلامية على مر العصور وكان شاهداً حياً وسفراً خالداً ينطق بمراحل التطور العمراني والحضاري للمدن

دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 67

الإسلامية وفي ذلك يقول الولي (1) لدى بحثه عن المساجد : « وإن المساجد التي بنيت ، على مر الزمن في كل ناحية من أقطار المعمورة ، حفظت لنا التطورات التي عاشتها العمادة الدينية في الإسلام ، كما أعطتنا في الوقت نفسه فكرة عما يسمى في أيامنا بالمدارس الهندسية والفنية التي تجسدها هذه العمارة » (2).
فإذا أخذنا فريضة الصلاة مثلاً وحاولنا معرفة ارتباطها بالعمران لوجدنا انها تستوجب أن يقام مكان لإقامتها جماعة ويعرف المكان بالمسجد وهو بدوره يتطلب مكاناً مرتفعاً للمؤذن ومكاناً للخطيب ومكاناً لتحديد الكعبة والمحراب وعلى هذا الأثر ترتفع القباب والمآذن وتصنع المحاريب وقاعات الصلاة ، وبما أن للصلاة مقدمات كالطهارة مثلاً فهي إذاً بحاجة إلى إنشاء أماكن لذلك من مرافق صحية وأماكن للوضوء وأخرى للإغتسال وما إليها ، فالنتيجة النهائية كوّن المسجد أو المرقد مجموعة متكاملة من القاعات والمرافق الخدمية والإدارية الملحقة بأصل المبنى الذي يعتبر في نهاية الأمر من المرافق العامة للمدينة ومن علائمها المميزة ومكاناًَ تقام فيه الصلوات والاجتماعات الدينية والسياسية والندوات الإجتماعية والفكرية والنشاطات الثقافية الأخرى ويتخذ منها مراكز للعلم والأدب .
لقد أصبحت القبلة بمثابة البوصلة للبناء والعمران واتخذت لها مكانة خاصة بالغة التأثير في حياة المسلم العمرانية ، إذ غالباً ما كان المسلمون يبنون بيوتهم باتجاه القبلة كما المساجد والمراقد وهو امتثال عفوي وفطري للآية الكريمة« ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره»(3) ، ولعل من ميزة البناء في المدن الإسلامية هو البناء الأفقي أي ذات الطابق الواحد ومرد ذلك هو استحسان الروايات وتحريضها عليه لجهات مختلفة لعل منها الشكل العام والحفاظ على وحدة

(1) الولي : هومحمد ابن الشيخ طه ولد بطرابلس الشام عام 1340 هـ ودرس في بيروت والقاهرة تولى منصب مساعد القضاء في المحكمة الشرعية في بيروت ثم شغل منصب رئيس قسم الصحافة وغيرها ، له مؤلفات منها : الإسلام والمسلمون في ألمانيا ، والتراث الإسلامي في بيت المقدس .
(2) المساجد في الإسلام : 13 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 150 .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 68

الأسرة وعدم تفككها ، والحفاظ على صحتها ، ومراعاة التقاليد الإسلامية المحافظة وغيرها ، ولعلها ميزة إختصت بها المدن الإسلامية عن باقي المدن وهي تؤكد استقلالية الحضارة الإسلامية في مجال البناء والعمران .
وهكذا يظهر دور الفرائض ليس فقط في مجال العمارة والبناء بل في نواحي الحياة ومجالاتها كافة ، فبالأذان مثلاً تحدد الأوقات وتنظم الأمور وشؤون الحياة اليومية كماهو متعارف في كل البلدان الإسلامية .
وللمثال فهذا رسم بياني لدور عبادة الصلاة في تحريك عجلة البناء والعمران بالإضافة إلى أدوار أخرى .


دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 69

الزخرفة في العمارة الإسلامية

الزخرفة في البناء تعني التزيين والتحسين ، والزخرف تعني الذهب وجمعها زخارف ، وهذا المعنى هو مدار بحثنا .
لقد جاء الإسلام ليحث على البساطة في المأكل والملبس والمسكن دون بذخ أو إسراف لاحاجة له ، فلا يلهث الإنسان المسلم وراء سراب الكماليات ولا تدغدغ مشاعره أنواع الترف واللهو والعبث ، ولذلك لم يكن حرص قادة المسلمين منصباً وموجهاً للكماليات والهوامش من أمور الحياة والعيش بل كان جل أهتمامهم وعنايتهم موجه إلى ذات الإنسان وإلى بنائه عقائدياً وخلقياً وعلمياً ، البناء الذي تكمن في جوهرة السعادة الحقيقية لا المزيفة .
فما أن شق الإسلام طريقه في الحضارات والمجتمعات البائسة منها والغنية حتى أشاع روح البساطة في العيش و دعاهم إليها و اعتبرها من مكارم الأخلاق، ومنها بساطة البناء و السكن، فالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام وأصحابه الكرام يحيون حياتهم بمنتهى البساطة وعدم الكلفة فكانت بيوتهم لاتعدو كونها حيطان من طين يظلها سقف من جريد النخل تؤويهم وتقيهم حرالصيف وبرد الشتاء دون أدنى تعقيد ، كل هذا ليتعلم الإنسان البساطة والسهولة فلا يكلف نفسه ولا يلزمها بإصر التعقيدات التي لا حصر لها ولا يمكن كبت جموحها إن ترك الحبل على الغارب لا لأنه محرم في الشريعة بل لأن في البساطة إٍسعاد المرء وإطلاق حريته .
لقد كانت حياة أبي ذر الغفاري الصحابي الجليل مثالاً حياً وصادقاً للبساطة والزهد في العيش حتى عده الإشتراكيون المثل الأعلى للإشتراكية (1) .

(1) مع الأسف فإن الاشتراكيين لم يفهموا الإسلام على حقيقته فتصوروا أن الإسلام اشتراكي ، وقد غفلوا عن أن نظام يمكن له أن يلتقي بمبادئ نظام آخر في جانب من جوانبه فإن النظام الرأسمالي أيضاً يلتقي مع الإسلام في بعض الجوانب وخاصة فيما يتعلق بالحقوق ولكن ذلك لا يعني أن الإسلام رأسمالي أو اشتراكي =
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 70

وهذا علي عليه السلام ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وزوج ابنته الزهراء عليها السلام وخليفته حين تّزوج فاطمة عليها السلام سيدة النساء ، أسكنها في بيت كل تفاصيله ومحتوياته تنطق بالزهد والبساطة ، فهي دعوة صريحة من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و أهل بيته عليهم السلام لنبذ التعقيد والتكلف في الحياة ، ولكن الإسلام كغيره من الأديان والعقائد والتنظيمات تلقفه من لا يفهمه فسّيره على الشكل الذي حلا له وأخرجه من دوره الرائد الذي أراده الله ، ففي عهد عثمان بن عفان وعهد معاوية بن أبي سفيان ومن جاء بعدهم من الأمويين والعباسيين تم تغيير مسيرته الرائدة وأدخل الكثير من التعقيدات في حياة الإنسان المسلم ، فقد عمد الحكام ومن أجل التغطية على تصرفاتهم وأخطائهم الشخصية إلى تغيير السنة والسيرة المتبعة بدواعي الإصلاح وحجج التطوير والعمران والتوسعة وامتد أثر التغيير إلى كل شيء حتى المساجد .
ويذكر أن أول من أدخل الزخرفة في المسجد هو عثمان بن عفان وقد اعترض الأصحاب وسائر المسلمين على فعله هذا حيث روى مسلم في صحيحه :
« إن الناس كرهوا من عثمان ما فعله في المسجد (1)من الترميمات والزخارف وكانوا يفضلون لو أنه تركه على هيئته التي كان عليها أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر .
فقال عثمان : قد أكثرتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من بنى مسجداً لله عز وجل بنى الله له في الجنة مثله » (2).
ثم أن معاوية عمد إلى زخرفة المساجد وتزيينها وتصدى إلى تغيير كل مايتعلق بالأنظمة والعادات والسير المتبعة وكل شؤون الإدارة وطابعها السابق المتميز بالبساطة والزهد ، وإلى هذا يرشدنا ما رواه السمهودي (3)في كتابه

= بل هو نظام مستقل بذاته« راجع باب السياسة من هذه الموسوعة » .
(1) المسجد : أراد به مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة .
(2) المساجد في الإسلام : 337 عن خطط الشام : 6 / 172 .
(3) السمهودي : هو علي بن عبد الله بن أحمد بن علي الحسني ، الشافعي ، ( 844 ـ 911 هـ ) مؤرخ فقيه ولد في سمهود مصر ونشأ بها وتوفي بالمدينة ، ومن مؤلفاته جواهر العقدين ، اللؤلؤ المنثور ، ووفاء الوفا .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 71

وفاء الوفا (1)فيذكر : « ان عمر بن الخطاب لما دخل الشام تلقاه معاوية بعساكر وجنود كثيرة وخيول مسومة وأسلحة مخوصة (2)بالذهب والفضة ولبوس الحرير والديباج زينة حسنة كزينة الفرس والروم .
فقال عمر : ماهذا يامعاوية وما هذه الزينة والفخار لقد أتيت أمراً إمرا (3)وإرتقيت مرتقى (4) صعباً .
فاعتذر معاوية فيما اعتذر : إنا لنجد بذلك المظهر عليهم والذلة والصغار فيهم وإشربوا في قلوبهم الرعب حين يرون في مساجدنا محلاة بالذهب وسقوفها منطقة بقناديل الذهب » (5).
ويقول المستشرق الألماني كوهنل (6) : « حرص نبي الإسلام نفسه على تجنب كل مظهر للبذخ والترف فلما تولى معاوية الخلافة وجعل دمشق عاصمة لها رأى الأمر يتطلب تشييد مساجد لا تقل روعة عن قصور بيزنطيه (7) ، وعلى ذلك قامت في الدولة الجديدة حركة بناء نشطة وكان من السهل استيراد المواد واستقدام العمال والفنيين من مختلف أنحاء الدولة كما ساعد المعلمون السوريون والروم في تطبيق أصول الزخرفة وتطويرها في نطاق المظهر الشرقي » (8) وهكذا دخلت زخرفة المباني الدينية بل الرسمية والشخصية في الإسلام .
ويقول الولي : تعليقاً على فعلة معاوية » في كل زمان من كل مكان

(1) ويقال له خلاصة الوفاء .
(2) خوص الشيء : زينه بصفائح الذهب .
(3) الإمر : بالكسر ، والمنكر ، العجيب .
(4) المرتقى : موضع الإرتقاء أي الصعود .
(5) المساجد في الإسلام : 337 عن وفاء الوفا : 1/ 427 .
(6) كوهنل : هو أرنست كوهنل ( Ernest Kohnel) مستشرق ألماني له كتاب الفن الإسلامي ترجمه إلى العربية أحمد موسى .
(7) بيزنطية : اسم يطلقه المؤرخون إجمالاً على الدولة الإغريقية التي حكمت في القرون الوسطى ، وبيزنطية اسم لمستعمرة يونانية كانت عند مضيق البسفور وهي استانبول التركية اليوم ، أعاد بناءها قسطنطين الكبير عام 308 ق . هـ ( 324 م ) ودعاها القسطنطينية لتكون عاصمة الأمبراطورية البيزنطية وذلك عام 234 ق . هـ ( 395 م ) .
(8) المساجد في الإسلام : 337 عن الفن الإسلامي ترجمة أحمد موسى : 15 .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 72

الناس على دين ملوكهم ، وعندما رأى المسلمون أن الخليفة في دمشق بنى مسجدا ً ضخماً وجعل فيه النقوش وزينه بالرسوم والزخارف الجميلة فإنهم ما لبثوا أن حذوا حذوه في مساجدهم التي شيدوها في الأمصار » (1).
وفي كثير من الأحيان دخلت الزخرفة في المباني الدينية في الإسلام بشكل عفوي حين كانت القصور والكنائس المزخرفة تتحول إلى مساجد للعبادة (2)أو مراقد للعظماء والأولياء فتبقى تلك الزخرفة وتتحول كجزء من البناء المعماري كما هو الحال في كنيسة آيا صوفيا (3)في اسطنبول وكنيسة دمشق (4)ثم تطور ذلك بتطور الزمان فأدخلت الكتيبة الجدرانية المنقوشة بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة (5)وزينت المساجد بالقناديل الذهبية المعدنية والزجاجية المرصعة بالذهب والفضة والأحجار الكريمة .
ويذكر ان أول من أدخل القناديل المعدنية إلى مسجد الرسول هو تميم الدارمي (6)وذلك في عهد الرسول نفسه حيث حمل قنديلاً من الشام وعلقه

(1) المساجد في الإسلام : 337 .
(2) جاء في كتاب فنون الشرق في العصور الإسلامية لنعمة اسماعيل علام : 18 « أنه لما امتدت فتوحات العرب إلى خارج شبه الجزيرة العربية إستخدم المسلمون العرب بعض الكنائس التي وجدوها في سوريا كأمكنة للصلاة ، كما قاموا بتحويل بعض القصور الفارسية في إيران إلى مساجد بالرغم مما وجد فيها من أشكال حيوانية » ، ونقلت المؤلفة عن كتاب موجز العمارة الإسلامية في عمارة قصور الفرس الأكمنيين تأليف كريزويل باللغة الإنكليزية : 8« ان تاج أعمدة مسجد الجمعة في مدينة استخر كان على هيئة بقرة كما عرف مسجد قزوين بمسجد الثور » .
(3) آيا صوفيا : كنيسة في استنبول ( القسطنطينية ) بناها يوستينيانس الأول البيزنطي عام 93 ق.هـ ( 532 م) وحولها محمد الثاني العثماني إلى مسجد عام 857 هـ ( 1453 م ) ، أصبحت متحفاً عام 1354 هـ (1935 م ) من اروع نماذج الفن المعماري البيزنطي .
(4) كنيسة دمشق : وهي كنيسة كان يتعبد فيها زمن الروم وقد كانت قبلهم معبدا ً لأمم مختلفة إذ يزعم الكلدانيون أنها من بنائهم ، وعند مجيء الإسلام حول قسماً منها إلى مسجد ، وفي عام 586 هـ ( 705 م) بدأ الحاكم الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان بناء الجامع المعروف بالأموي عليها وانتهى من البناء عام 96 هـ ( 714 م ) .
(5) راجع كتاب الزخارف الجدارنية في آثار بغداد لخالد بن خليل الحموي .
(6) الدرامي : هو تميم بن أوس بن خارجة ، أسلم عام 9 للهجرة وانتقل إلى الشام بعد مقتل عثمان وسكن بيت المقدس توفي عام 40 للهجرة .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 73

في المسجد فلما غربت الشمس دخل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإذا هو بها تزهر ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «من فعل هذا ؟ قالوا : تميم الدارمي ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : نورت الإسلام وحليت مسجده ، نور الله عليك في الدنيا والآخرة » (1).
هذا وكانت المراقد تتطور بتطور المساجد في سائر أمورها ومنها فكرة الزخرفة والإنارة والكتيبة والنقوش ، وبما أن النهي الوارد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام وأصحابه رضي الله عنهم وارضاهم كان صريحا في زخرفة المساجد ـ إذ المراقد لم يكن لها دور آنذاك ـ فلذا لم يتأثر تطور زخرفة المراقد بتلك الأحاديث الناهية كما هو الحال بالمساجد فزينت بالمرايا والقاشاني والفسيفساء بالنقوش والتوريقات والخطوط الجميلة .
وبخصوص تطور مراقد أهل البيت عليهم السلام مما لا شك فيه أن للحكومات الإيرانية المتتالية وتواليها على العراق دور كبير في ذلك ، حيث تولت بناء المراقد بأفخر الطرز المعمارية والهندسية ومن تسمية القاشاني نستخلص أيضاً انها دخيلة الصنع حيث ان الكلمة معربة عن الكاشاني نسبة إلى مدينة كاشان (2)التي كانت ذات شهرة بصناعة هذا النوع من الخزف المزخرف ، ولا نريد القول ان أصل صناعة القاشاني منسوب إليهم دون غيرهم ولعل ثمة أقواماً سبقوهم إلى ذلك ولكن الذي يمكن قوله ، ان هذا النوع المتعارف عليه في البلاد العربية وبالأخص العراق ورد من هذه المدينة فنسبوه إليها عبر الملوك والسلاطين الذين كان لهم الدور الكبير في تعمير وتطوير العتبات المقدسة في العراق .

(1) المساجد في الإسلام : 341 عن وفاء الوفا : 1/ 743 .
(2) كاشان : مدينة أثرية إيرانية تقع إلى الجنوب من طهران العاصمة بحوالي 200 كم وإلى الشرق من قم المقدسة بحوالي 85 كم ، عرفت بصناعةالسجاد الفاخر إضافة إلى صناعة الخزف ( القاشاني ) ، فيها عيون وآثار جميلة .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 74

مفردات من العمارة الإسلامية

الرواق :


بكسر الراء وضمه ، تقدم البحث عن صيغته وتعريفه (1)، وهو أجمالاً يطلق على الصالات والأجنحة المحيطة بالمسجد أو المرقد أو ربما بلاط الملوك وقصور الرؤساء ، وقد زعم البعض ان فكرة الرواق إسلامية غير دخيلة(2)ولكنه كلف نفسه في ذلك حيث لا مجال لمثله (3)لأن الفكرة كانت متبعة في الكنائس والمؤسسات الكبيرة سواء الروحية منها أو الرسمية التي كانت لدى الحضارات التي سبقت الإسلام وسرعان ما أخذ المسلمون الفكرة وطبقوها في العمارة والهندسة الإسلامية ، ويذكر أن أول من أتخذ الأروقة للمسجد النبوي الشريف عثمان بن عفان عندما وسع المسجد (4) أيام حكومته (5).
ويظهر من هذا وغيره ان فكرة الأروقة جاءت كضرورة معمارية لتوسعة المساجد بشكل لا يمس أصل المسجد فالإضافات جانبية تضاف إلى أصل

(1) راجع باب قاموس النهضة الحسينية من هذه الموسوعة .
(2) لا يخفى أن لفظة الرواق عربية .
(3) من الغريب جداً أن التطرف اقتحم ساحة اللغة واشتقاقات الكلمات حيث مال البعض إلى الإفراط وآخرون إلى التفريط ، فمنهم من حاول أن يجعل الكلمات المحلية الدارجة كلها ذات أصول عربية ، وبعضهم حاول أن يجد لها أصلاً غير عربي ، وقد ضاع الكثير بسبب هذا الإفراط والتفريط . ولكن الواقع يرشدنا إلى خلاف ذلك حيث أن بعض الكلمات عربية الأساس وبعضها أعجمية الأساس وهذا لا يضر العربية بشيء كما أن ذلك لا يرفع من شأن العربية لو قلنا به .
(4) المساجد في الإسلام : 305 ، عن فتوح البلدان للبلاذري : 53 وأعلام الساجد بأعلام المساجد للزركشي : 57 .
(5) حكم عثمان بن عفان ما بين 23 ـ 35 هـ .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 75

البناء ولذا سمي الرواق ، ولا يخفى أن الحضارات السابقة كلها كانت تستخدم الأروقة في بنائها المعماري ، وعليه لا يمكن القول بأن المسلمين أخذوا الفكرة من حضارة بعينها ولكن الصحيح ان المسلمين اختلطوا بالعديد من الحضارات نتيجة الفتوحات ، ويوماً إثر يوم ولد هذا التمازج والتجانس حضارة خاصة بهم وأشكالاً معمارية يعتدون بها فأصبحت الأروقة أحد العناصر المعمارية التي يتألف منها المسجد والمرقد والبلاط فيزيدها بهاء وجمالاً وأدخل فيها الكثير من الفنون المعمارية حتى صارت روعة من الروائع الهندسية ومأثرة من المآثر المعمارية .
وخلال العصور المنصرمة استخدمت هذه الأروقة المحيطة بالمساجد أو المراقد تارة في إقامة مجالس الذكر ، وأخرى لإقامة مجالس الدرس والوعظ أو لأغراض وغايات أخرى لا تتنافى وقدسية المسجد أو المرقد .
وربما وسع المسجد أو المرقد فأحيط بعدد من الأروقة في كل جانب من جوانبه ، وذلك لتزايد عدد المصلين أو الزائرين ، وهذا بالفعل ما حصل في جوانب المراقد المقدسة لأئمة أهل البيت عليهم السلام ، وأخص منها مرقد الإمام الحسين عليه السلام الذي سيأتي الذكر عنه في بابه (1).
وهذه الأروقة إضافة إلى كونها زادت على جمالية المرقد فقد امتصت الزحام وقللته إلى حد يتناسب وعدد الزوار ، وساعدت في تكييف جو المرقد بشكل يتلاءم وأيام القيظ والبرد .
هذا وقد خصص في كل من أروقة الحرم الحسيني والعباسي قسم لتعبد النساء سعياً وراء عدم الإختلاط ، ومراعاة الطقوس الإسلامية السامية ، كما ودفن في بعضها الآخر كبار العلماء والسلاطين ورجالات الفكر والسياسة الذين كان لهم دور في بناء المرقد أو رقيه على تفصيل مر في محله (2).

(1) راجع فصل المرقد الحسيني والعباسي من هذا الباب .
(2) راجع فصل المقابر من باب أضواء على مدينة الحسين من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 76



رواق مسجد ابن طولون - القاهرة

السابق السابق الفهرس التالي التالي