الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 57

وإشراقات يفجّرها الامام ببيانه وبلاغته وصدق مناجاته ، ويحشدها حشداً على امتداد أدعية الصحيفة وكلماتها... وهو يقول : « إلهي اسكنتنا داراً حفرتَ لنا فيها حُفَر مكْرِها ، وعلّقتنا بأيدي المنايا في حبائل غدرها ، فإليك نلتجىء من مكائد خدعها ، وبك نعتصم من الاغترار بزخارف زينتها ، فإنّها المهلكة طلاّبها ، المُتلفة حُلاّلها ، المحشوّة بالآفات ، المشحونة بالنكبات.. إلهي فزهّدنا فيها وسلّمنا منها بتوفيقك وعصمتك ، وانزع عنا جلابيب مخالفتك ، وتولّ أمورنا بحسن كفايتك.. » .
5 ـ كان لابدّ للامام وهو يرى انتشار وباء التكالب على الدنيا وشهواتها ، وانتشار ظواهر التحللّ والميوعة والفساد ، أن يبحث عن لقاح مضاد نافع لكبح تيار الانحلال هذا ، وتعليم الناس أنّ الدنيا ليست كلّ شيء وإنّما وراءها يوم آخر غيّبته السياسة ، وأنّ ذلك اليوم هو خير وأبقى لمن ألقى السمع وهو شهيد ، فكان عليه السلام يقتنص الفرصة تلو الفرصة لتأكيد هذا المعنى في نفوس الناس.
روي عن الامام الباقر عليه السلام واصفاً عبادة أبيه أنّه قال :
« لم يذكر أبي نعمة لله إلاّ سجد ، ولا قرأ آية فيها سجدة إلاّ سجد ، ولا دفع الله عنه سوء إلاّ سجد ، ولا فرغ من صلاة إلاّ سجد ، ولا وفّق لاصلاح بين اثنين إلاّ سجد.. » (1).
ويُروى عنه عليه السلام أنّه حين كان يخرج مع الناس في بعض المنازل كان يصلّي ويسبّح في سجوده ، ويبكي حتى تبتلّ لحيته بدموع عينيه وهو يقول : « يامن تُحلُّ به عُقد المكاره ، ويا من يُفتأ به حدّ الشدائد ، ويا من يُلتمس منه المخرج إلى روح الفرج. ذلّت لقدرتك الصعاب ، وتسبّبت بلطفك

(1) معاني الأخبار / الصدوق : 24 .
الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 58
الاَسباب ، وجرى بقدرتك القضاء ، ومضت على إرادتك الاَشياء ، فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة ، وبإرادتك دون نهيك منزجرة ، أنت المدعو للمهمّات ، وأنت المفزع في الملمّات ، لا يندفع منها إلاّ ما دفعت ، ولا ينكشف منها إلاّ ما كشفت... » (1).
وغير ذلك من تضرّع ومناجاة وتبتّل ، كانت لها أكبر الآثار في شدّ الناس بالله تعالى وتذكيرهم بعظمته وجبروته ، وتحذيرهم من الكفر به وتجاوز حدوده... خاصة إذا كان مثالها مصداقاً عملياً للدعاء الصادق أو التبتّل الطاهر الذي لا يرجو صاحبه بدعائه وتبتّله ومناجاته إلاّ رضا الله تعالى وتحكيم دينه في دنيا الناس ، رأفةً بهم وحبّاً لهم ، وامتثالاً لقوله عزَّ من قائل : ( فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر لهم ان الله غفور رحيم ) (2) .

مضامين دعائه عليه السلام :

وحتى دعائه عليه السلام لم يسلم هو الآخر من النقد والتجريح من قبل السفهاء والمسطّحين ، فبعد أن اعتبره بعضهم إعتزالاً سلبياً ، وانكفاءً وابتعاداً عن هموم الناس وآلامهم ، راح آخرون يؤكدون على الجانب العرفاني فيه فقط ، ناسين أو متناسين أن دعاءه عليه السلام كان في معظمه رسالة مفتوحة ، إلى الناس كل الناس ، بثّ لهم فيها شجونه وأهدافه ورسالته وعلى كلِّ الاطر والاصعدة ، وعلى طريقة ( إياك أعني واسمعي يا جارة )...
ولعلنا من قراءة سريعة لسطور وكلمات أدعيته المأثورة نكتشف سِفراً

1) الصحيفة السجادية / الإمام زين العابدين دعاء ( 7 ) .
2) سورة النور : 24 / 62 .
الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 59

خالداً ـ سنأتي على ذكر بعض تفاصيله لاحقاً ـ من التربية والتهذيب والتصدّي والدعوة إلى الاِصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة حدود الله واستحضار قيم الدين وتفعيل مضامينه وبثّ الروح في مواعظه وإرشاداته.
ولم يُخطئ من وصف ( الصحيفة السجادية ) للامام زين العابدين عليه السلام بأنّها ( زبور آل محمد ) ، ولم يُجانب الصواب كثيراً من قرأ الامام السجاد من زاوية التهجّد والعرفان وعلاقته عليه السلام مع السماء فقط ، فلعله عليه السلام أراد بتلك الاَدعية ـ كما قلنا ـ كبح الانجرار الهابط إلى وحل الاَرض وطينها ، والوقوف أمام التيار المادي الجارف الذي روّجه وعزف عليه وأشاعه الاِعلام الاَموي المتلفّع بشعارات الدين زوراً وإفكاً...
ومن قراءة سريعة في هذه « الصحيفة الخالدة » يكتشف المرء عمق العلاقة بين الامام زين العابدين وربّه ، وكيف انه غاص في أعماق النفس الانسانية ، وراح يشدّ حبلها بحبل السماء الذي قطعته السياسة الاموية ، ومزّقت أوصاله تداعياتها ، وانحطاط رجالها وتهافتهم على الدنيا وحطامها..
نعم ، استطاع الامام السجاد عليه السلام بهذا الاتجاه وبسبب الاَجواء الخانقة التي أشرنا إليها تلميحاً أن يترك لنا سفراً خالداً في المناجاة والتبتّل والابتهال ، فأعاد موازنة العقل مع القلب ، والفكر مع الروح ، واستطاع بصدقه ودموعه وشجونه ولوعته أن يرسم لنا لوحةً صادقةً عن العرفان الهادف ، والتصوف الصادق ، والاتصال المسؤول الذي يهفو إلى السماء ولا ينسى الاَرض ، ويسأل الله سعادة أهل الآخرة ، ولا ينسى شقاء أهل الدنيا ، ويطلب رضا الخالق فيما يناشد ضمائر المخلوقين..

الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 60

نعم ، جاءت أدعية الامام زين العابدين عليه السلام لمواجهة موجات الرخاء والهبوط التي تعرّض لها المجتمع الاسلامي في بداية الحكم الاموي ، فقام عليه السلام بما امتلكه من بلاغة فريدة وقدرة فائقة على استخدام اللغة ، وذهنية ربانية تفتّقت عن أعذب المعاني وأروعها في تصوير صلة الانسان بخالقه وهيامه به ، وانشداده بالمبدأ والمعاد ، فأوجد من خلال الدعاء فضاءً روحياً عظيماً لابناء المجتمع الاِسلامي استطاع بواسطته تثبيت الانسان المسلم وشدّه بالسماء وخاصة حين تعصف به المغريات وتجرّه إلى الارض.
فكان عليه السلام يخطب الناس في مجلسه كل جمعة ، يعضهم ويزهّدهم في الدنيا ، وهو سيد الزاهدين ، ويُرغّبهم في الآخرة وهو أشدّ الراغبين ، ويقرع أسماعهم بتلك اللوحات الفنيّة البالغة التأثير التي مثّلت بحق العبودية الخالصة لله تعالى ، فضلاً عن كونها عملاً اجتماعياً عظيماً فرضته ضرورة المرحلة التي كان يمرّ بها ، حتى أضحت تلك الادعية تراثاً ربانياً فريداً للسالكين طريق الله ، ومصدر عطاء وهداية لكلِّ من ينشد الحق ويرغب في معرفة الله حقّ معرفته ، إضافة إلى كونها دروس أخلاق وتهذيب ، سيظل أهل الدنيا ينهلون من معينها العذب ما دام هناك صراع بين قوى الخير وقوى الشرّ ، أو بين مثابات الهدى ومعسكرات الضلال...
وهكذا نسمعه عليه السلام في فصاحته وبيانه وبلاغته ، له في كل صباح ومساء دعاء ، وله في المهمّات دعاء ، وفي الاعترافات والظلامات دعاء ، وعند المرض والعافية دعاء ، وعند الشدّة والفزع دعاء ، وعند ذكر الموت وسماع الرعد والرهبة دعاء ، وفي استقبال شهر رمضان المبارك وتوديعه دعاء ، وعند ختم القرآن ويوم عرفة وأيام الاسبوع دعاء ودعاء ، وهكذا

الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 61

في كل موقف وموطن وفي كلِّ نبضة قلب ورمشة جفن ، وكأنه قطعة من كيانٍ وجزءٍ من كلِّ ، لا ينقطع ولا يكلّ ولا يملّ ، حتى يقول :
« يا إلهي لو بكيت إليك حتى تسقط أشفار عيني ، وانتحبتُ حتى ينقطع صوتي ، وقمت لك حتى تنتثر قدماي ، وركعتُ لك حتى ينخلع صلبي ، وسجدتُ لك حتى تتفقأ حدقتاي ، وأكلتُ تراب الارض طول عمري ، وشربتُ ماء الرماد آخر دهري ، وذكرتك في خلال ذلك حتى يكلُّ لساني ، ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياءً منك ، ما استوجبت بذلك محو سيئة واحدة من سيئاتي...
فارحم يا ربِّ طول تضرّعي وشدة مسكنتي وسوء موقفي ، واستعملني بالطاعة ، وارزقني حُسن الاِنابة ، وطهرني بالتوبة ، وأيّدني بالعصمة ، واستصلحني بالعافية ، وأذقني حلاوة المغفرة ، واجعلني طليق عفوك ، وعتيق رحمتك ، واكتب لي أماناً من سخطك ، وبشرني بذلك في العاجل دون الآجل ، إنّك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد ، وإنك على كلِّ شيء قدير... » .
إذن ، وباختصار شديد وبكلمات أكثر تفصيلاً يمكن القول ان الصحيفة السجادية التي تركها الامام زين العابدين عليه السلام جاءت لتشكّل مساحة منهجية رائدة وكبيرة ، بكبر القضية التي انتُدب لها أولاً ، وبحجم دوره عليه السلام في ريادة هذه القضية وتوجيهها وتعميقها في نفوس الناس ثانياً.
نعم ، جاءت هذه الصحيفة لتكون شوطاً آخر من أشواط الجهاد الذي قطع مشواره المرّ الطويل هذا الامام العظيم في تبيئة المفهوم الاِسلامي ـ كما يقولون اليوم ـ وتأصيل جذوره في الاُمّة والمجتمع بعدما انكمش دوره في دائرة القوالب المشوّهة التي صاغها الاَمويون ، وداسوا القيم

الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 62

العظيمة التي جاء من أجلها بل لاَجلها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، واستشهد لاَجلها سيد الشهداء عليه السلام .
جاء الامام السجاد في صحيفته هذه ليمزج العاطفة بالوجدان ، والقلب بالعقل ، ويحمل الجميع إلى الحقيقة الاِلهية المتعالية بلا رتوش أو أصباغ أو قوالب يتماهى معها أدعياء هذه الحقيقة فيستغرقون ويُغرقون الناس معهم في مفاهيم غائمة لا مصاديق لها ، أو يغوصون في عبارات سائبة عائمة لا تستقر في قعر ولا تركن إلى حصنٍ منيع.
ونكتفي بالاِشارة ، والاِشارة فقط إلى بعض مضامين دعائه التي لم تحلّق في السماء فقط ، وإنّما نزلت إلى الاَرض تقارع الظالمين وتنتصر للمظلومين ، تستنهض الهمم وتدعو لتحكيم دين الله ، ولم تكتفِ ، بل لم تجنح إلى « التهويمات » التي يطير فيها بعض المتصوفين ممن لا علاقة لهم بالناس ، ولا وشيجة لهم مع أُمّة أو مجتمع...
وسنتناول فيما يلي ثلاثة مضامين تناولها الامام عليه السلام وسعى إلى ترسيخها في أذهان الاُمّة ، وقد تمثّلت في العقائد والاَخلاق وأخيراً المضمون العبادي الذي يعطي العبادة دورها الفعّال والحيوي في إحياء المجتمع وتزكيته ، وهذه تُعدُّ من أهم ركائز المجتمع الاِسلامي :

1 ـ المضامين العقائدية :


ولعلَّ أول ما يطالعنا في هذا السفر الخالد هو قدرة الامام زين العابدين عليه السلام الفائقة على تجسيد العلاقة بين العبد وربّه ، أو بين الخالق والمخلوق ، وباسلوب أدبي رفيع ومناجاة عذبة صادقة يصدق أن يُقال فيها ما قيل في أقوال جدّه علي بن أبي طالب عليه السلام أنّها تحت كلام الخالق

الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 63

وفوق كلام المخلوق فعلاً..
لنستمع قليلاً إلى بعض ما جاء في هذه الاَدعية : « الحمدُ لله الذي خلق الليل والنهار بقوته ، وميّز بينهما بقدرته ، وجعل لكلِّ واحدٍ منهما حدّاً محدوداً وأمداً ممدوداً... اللهمَّ فلك الحمدُ على ما فلقت لنا من الاِصباح ، ومتّعتنا به من ضوء النهار ، وبصّرتنا فيه من مطالب الاَقوات ، ووقيتنا فيه من طوارق الآفات... » .
ويرسم الامام لنا لوحةً اُخرى عن عظمة الخالق سبحانه ، وكيف أنّه جلَّ وعلا أكبر ، ولكنّه أكبر من كلِّ كبير ، وليس أكبر من كلِّ صغير ، وأنّه عزَّ وجلَّ أعلى ، ولكنّه أعلى من كلِّ عالٍ أو متعال وليس أعلى من كلِّ مسكين واطىء ضعيف...
فيقول عليه السلام : « الحمدُ لله الذي تجلّى للقلوب بالعظمة ، واحتجب عن الاَبصار بالعزة ، واقتدر على الاَشياء بالقدرة ، فلا الاَبصار تثبُت لرؤيته ، ولا الاَوهام تبلغ كنه عظمته. تجبّر بالعظمة والكبرياء ، وتعطّف بالعز والبر والجلال ، وتقدّس بالحُسن والجمال ، وتمجّد بالفخر والبهاء ، وتهلل بالمجد والآلاء ، واستخلص بالنور والضياء. خالق لا نظير له ، وواحد لا ندّ له ، وماجد لا ضدّ له ، وصمد لا كفو له ، وإله لا ثاني له ، وفاطر لا شريك له ورازق لا معين له ، والاَول بلا زوال ، والدائم بلا فناء ، والقائم بلا عناء والباقي بلا نهاية ، والمبدئ بلا أمد ، والصانع بلا ظهير ، والرب بلا شريك.. ليس له حدّ في مكان ، ولا غاية في زمان ، لم يزل ولا يزول ولن يزال ، كذلك أبداً هو الاِله الحي القيوم الدائم القديم.. » (1).
أما توحيد الباري جلّ وعلا فإنّ الامام عليه السلام يصبّه في قالب دعاء يوجّه

(1) الصحيفة السجادية الجامعة : 21 و 25/ الدعاء 2 و 7.
الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 64

من خلاله الاِنسان بهدوء وبساطة إلى وحدانية الله تبارك وتعالى من خلال استقراء ظواهر طبيعية حسيّة هي مع الاِنسان في وجوده ، يحملها معه في كلِّ آن ، ولا يستغني عنها لحظة..
فيقول في ذلك : « إلهي بدت قدرتك ولم تبدُ هيئة جلالك ، فجهلوك وقدّروك بالتقدير على غير ما أنت به ، شبهوك وأنا بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ، ليس كمثلك شيء إلهي ولم يدركوك ، وظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك لو عرفوك ، وفي خلقك يا إلهي مندوحة عن أن ينالوك بل ساووك بخلقك ، فمن ثمَّ لم يعرفوك ، واتخذوا بعض آياتك ربّاً ، فبذلك وصفوك ، فتعاليت يا إلهي عمّا به المشبّهون نعتوك » (1).

2 ـ المضامين الاَخلاقية :


لاشكّ أن المتدبّر في أدعية الصحيفة السجادية سوف يجد آثاراً واضحة تتركها مجمل أدعيته عليه السلام على طبيعة سلوكه بشكل عام. فإنّه عليه السلام قد ضرب أروع الاَمثلة في الخلق الاِسلامي الرفيع ، وجسّد الشخصية الاِسلامية المثالية..
وهكذا سعى عليه السلام إلى الارتفاع بالنفس المؤمنة في مدارج الكمال عبر بلورة المفاهيم الاَخلاقية التربوية من خلال نسجهما بشكل دعاء فيه من الضراعة والخشوع لله تعالى واستمداد العون منه في شحذ النفس بالتعلق بأخلاق السماء ، والتعالي عن كل وضيع ، والارتفاع عن كلِّ دنيء.
ولقد أرسى الامام عليه السلام عبر أدعيته في مختلف مظانها مناهج التغيير الذاتي ، بمحاكاته العقل والوجدان الاِنساني وتربيتهما رسالياً ، وهذه

(1) الصحيفة السجادية الجامعة : 22 دعاء (3).
الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 65

مهمة الاَنبياء والمصلحين الاِلهيين الكبار ، فهي إلى جانب شدّ الاِنسان وربطه بالسماء ، تجعله في الاَرض بؤرة خير ورحمة ، شديد البأس في ذات الله لا يرضى بظلم ، ولا يرضخ إلى باطل ، قوي العزيمة ، وإنّك لتلمس هذا المنهج بين ثنايا دعائه عليه السلام في مكارم الاَخلاق ومرضي الاَفعال..
ففي هذا الدعاء ـ مثلاً ـ نلتقي بقوله عليه السلام وهو ينشدُّ إلى أعماق الاَرض ، بقدر انشداده إلى آفاق السماء ، ويغوص في عمق الاِنسان فيما هو غارق في عمق العرفان ، فنسمعه يقول : « وأجرِ للناس على يدي الخير ، ولا تمحقه بالمنّ ، وهب لي معالي الاَخلاق ، واعصمني من الفخر. اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد ولا ترفعني في الناس درجة إلاّ حططتني عند نفسي مثلها ، ولا تُحدث لي عزّاً ظاهراً إلاّ أحدثت لي ذلّةً باطنةً عند نفسي بقدرها.. » .
فالكلمات التي يعرضها الامام السجاد عليه السلام هنا ـ كما في غيرها ـ تعبّر تعبيراً دقيقاً عن منهج سلوكي عظيم غارقٍ في الشفافية والروح من جهة ، ومستغرقٍ في الفكر والواقع من جهة اُخرى ، فكما أنّه ارتباط عاطفي شديد الصلة متين الانشداد بربِّ العزّة تبارك وتعالى ، ولكنّه من زاوية اُخرى عميق الغوص في الجانب التربوي والاَخلاقي والمعرفي الذي لايكتفي صاحبه خلاله بالعرفان المجرّد و (تهويماته) الجميلة ، بل يسحبه إلى الواقع المعاش بكلِّ تفاصيله وخيوطه ونسيجه المعقّد.
« ولا ترفعني في الناس درجة إلاّ حططتني عند نفسي مثلها » وهذه أسمى وأرفع سبل تربية الذات ، ودحض الاَنا ، وتجاوز الكبر ، والاِجهاز على كل أشكال الغرور والهوى والغطرسة الذاتية.

الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 66

وبكلمة اُخرى استطاع الامام السجاد عليه السلام بهذه العبارة أن يواجه بُعدين ، كلّ منهما سيف ذو حدّين : بُعد الذات التي هي ألدُّ أعداء المرء (1)من جهة ، وهي كرامته وكبرياؤه وعزّته من جهة اُخرى ، وبُعدُ الناس الذين هم ميزان العلاقة ومعيار إنسانية الاِنسان من جانبٍ ، وهم الهمج الرعاع الذين يصعب إرضاؤهم وربما يستحيل (2) من جانب آخر...
وهذا يعني أنّه لم يختفِ أو يحاول الاختفاء ، وراء النص ، كما يفعل الكثيرون ، ولم يحاول التخلّق بأخلاقٍ عالية ربما يكون شعارها النص ومضمونها المخاتلة به والتماهي معه ، وإنّما أراد أن يكون شعاره وخلقه ، نصّه ومضمونه ، متوازنين لا تطغى فيه كفّة على اُخرى ، ولا زعم على واقع ، أو واقع على ادّعاء.
وهكذا ، ومن هذا النص وغيره ، وكما يقول بعض المحللين لشخصية الامام السجّاد عليه السلام ، إنّه استطاع في الظروف العصيبة التي عاشها عليه السلام أن يوظّف كل الجهود الممكنة وفي منهج إحيائي حركي لتعميم الثقافة الاِسلامية المطلوبة ، وإشاعة التفكير الاِسلامي السليم ، أي عبر الدعوة للتفكير الصحيح من خلال الدعاء الذي ورد في هذه الصحيفة التي تنوّعت أبعاده وتعددت آفاقه ليشكل بمجموعه منهجاً كاملاً يأخذ طابع المدرسة الشاملة والثقافة الشمولية المتكاملة التي تملأ كل الفراغات وتغطي كل الثغرات في جسم المجتمع الاِسلامي والنموذج المسلم.
فهو ، من جانب ، يغوص في أعماق النفس الاِنسانية مدغدغاً أدقّ نوازعها محلحلاً بواطنها ومكنوناتها ، كابحاً لشططها وطيشها وشطحاتها

(1) كما روي في الحديث الشريف : « ألدُّ أعداء المرء نفسه التي بين جنبيه » .
(2) ( رضا الناس غايةٌ لا تدرك ).
الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 67

« لا ترفعني... إلاّ حططتني... » وهو من جانب آخر يسعى إلى توضيح وتيسير المفاهيم الاِسلامية العامّة ، وبالتالي استيعاب حاجات الفرد المؤمن المادية والروحية ، وصولاً لاحتواء متطلبات المجتمع المسلم المادية والروحية أيضاً ، وبدون ابتسار أو تعسف أو اختزال..
وهكذا في العشرات بل المئات من المقطوعات المأثورة والبيانات الصريحة التي تعبّر عن اندكاكه بهموم الاُمّة ولوعته في مناشدة الضمائر الحيّة لمقارعة أهل الظلم والجور أياً كانوا وحيثما وجدوا.
فمما روي عنه عليه السلام قوله : « يامن اتقيتم سلطان الاَرض ، ألا تتقون سلطان السماء ؟ يامن أرهبكم عذاب الدنيا ، ألا ترهبون عذاب الآخرة ، إذ الاغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ؟ » .
« أتخشون ملكاً تعصونه مرّة ولا تخشون ملك الملوك ، وأنتم في كلِّ يوم له عاصون ؟ » .
« اللهمَّ من تهيأ وتعبأ واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده ونوافله وطلب نيله وجائزته ، فإليك يامولاي كانت اليوم تهيئتي وتعبئتي وإعدادي واستعدادي رجاء عفوك ورفدك وطلب نيلك وجائزتك... » (1).

3 ـ المضمون العبادي :


ومما يؤكد حرص الامام على إنزال الدعاء من السماء إلى الاَرض ، وشدّه بين واجبات الاِنسان على الاَرض وتطلّعه نحو السماء ، إنّه لم ينفكّ يدعو إلى التواصل والجمع بينهما من أجل توفير الحالة الدينية

(1) الصحيفة السجادية الكاملة ، دعاؤه يوم الاَضحى ويوم الجمعة.
الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 68

المسؤولة ، وتعبئة الاُمّة لحفظ هذا التواصل وإذكاء جذوته وإبقائه في نفوس الناس...
فلا يكاد المرء يستمع إلى مواعظه إلاّ ويستشعر نكهتها التربوية والاجتماعية والسياسية ، ودورها في تهذيب النفوس وتنقيتها ، فهي من جانب تدعو إلى التسامي والترفّع ، ومن جانب آخر إلى التصدّي للظالمين والثورة عليهم ، وتؤكد كذلك على مسؤولية الاِنسان في هذه الحياة الدنيا ودوره فيها.. الاَمر الذي يعطي العبادة دورها في إحياء المجتمع والفرد من خلال فتح الاَبواب إلى مضامينها وأهدافها التي قد لا يدركها إلاّ القليل ممن تذوّق روح الشريعة الاِسلامية وأبصر أبعادها.
يقول عليه السلام وعلى سبيل المثال لا الحصر :
1 ـ « أصبحت مطلوباً بثمان : الله يطالبني بالفرائض ، والنبي بالسُنّة ، والعيال بالقوت ، والنفس بالشهوة ، والشيطان باتّباعه ، والحافظان بصدق العمل ، وملك الموت بالروح ، والقبر بالجسد . . فأنا بين هذه الخصال مطلوب . . . » (1) .
2 ـ « أيُّها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في الدنيا ، المائلون إليها ، المفتونون بها ، المقبلون عليها ، احذروا ما حذّركم الله منها ، وازهدوا في ما زهّدكم الله فيه منها ، ولا تركنوا إلى مافي هذه الدنيا ركون من أعدّها داراً وتوهّمها قراراً... » (2).
3 ـ وقال عليه السلام واصفاً أهل الدنيا ، مصنّفاً لهم : « الناس في زماننا ستّ طبقات : أُسد وذئاب وثعالب وكلاب وخنازير وشياه : فأما الاُسد فملوك

(1) أمالي ابن الشيخ : 410.
(2) تحف العقول : 252.
الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 69

أهل الدنيا ، يحبّ كلّ واحدٍ منهم أن يَغلِب ولا يُغلَب ، وأما الذئاب فتُجّاركم يذمّون إذا اشتروا ، ويمدحون إذا باعوا ، وأما الثعالب فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم ، ولا يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم ، وأما الكلاب فيهرّون على الناس بألسنتهم ، فيكرمهم الناس من شرّها ، وأما الخنازير فهؤلاء المخنّثون وأشباههم لا يُدعون إلى فاحشةٍ إلاّ أجابوا... ، أما الشياه فهم المؤمنون الذين تجزّ شعورهم ، وتؤكل لحومهم ، وتُكسر عظامهم... » .
ثمّ يتساءل متوجّعاً متألماً مشفقاً على المؤمنين : « فكيف تصنع الشاة بين أسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير... » (1).
ويقول مخاطباً أصحابه وشيعته :
4 ـ « ... أيُّها الناس ، اتقوا الله ، واعلموا أنكم إليه راجعون ، فتجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً... ويحذّركم الله نفسه... ويحك ابن آدم ، إن أجلك أسرع شيء إليك ، ويوشك أن يدركك ، فكأنك قد أوفيت أجلك ، وقد قبض الملك روحك ، وصُيّرت إلى قبرك وحيداً... فان كنت عارفاً بدينك متّبعاً للصادقين ، موالياً لاَولياء الله ، لقّنك الله حجتك ، وأنطق لسانك بالصواب ، فأحسنت الجواب ، وبُشّرت بالجنّة والرضوان من الله ، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان ، وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ، ودُحضت حجتك ، وعييت عن الجواب وبُشرت بالنار ، واستقبلتك ملائكة العذاب بنُزُلٍ من حميم ، وتصلية جحيم.. » (2). ولعلّ أروع مادوّنه الامام السجاد في معرفة النفس الاِنسانية وسبره

(1) الخصال للشيخ محمد بن علي الصدوق : أبواب السنة ، الحديث الاَخير فيها.
(2) تحف العقول : 249 ـ 252. وأمالي الطوسي : 301. وروضة الكافي : 160. وأمالي الصدوق : 356.
الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 70

أغوارها وتفريقه بين زيفها وصدقها ، وكشفه الفاصلة بين الواقع والادعاء ، والظاهر والباطن ، هو المقطوعة البليغة التالية :
5 ـ « إذا رأيتم الرجل قد حسُنَ سمتُه وهديه ، وتمادى في منطقه وتخاضع في حركاته ، فرويداً لا يغرنكم ، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام فيها ، لضعف بنيته ومهانته وجبن قلبه ، فنصبَ الدين فخاً له ، فهو لا يزال يُختل الناس بظاهره ، فإنّ تمكن من حرام اقتحمه ، وإذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام فرويداً لا يغرّنّكم ، فإنّ شهوات الخلق مختلفة ، فما أكثر من يتأبّى من الحرام وإن كثر ، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة ، فيأتي منها محرماً ، فإذا رأيتموه كذلك ، فرويداً حتى لا يغرّنّكم عقده وعقله ، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثمّ لا يرجع إلى عقل متين ، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله... فإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغرنكم حتى تنظروا أيكون هواه على عقله ، أم يكون عقله على هواه ؟ وكيف محبته للرياسة الباطلة وزهده فيها ؟ فإنّ في الناس من يترك الدنيا للدنيا ، ويرى لذّة الرياسة الباطلة أفضل من رياسة الاموال والنعم المباحة المحللة ، فيترك ذلك أجمع طلباً للرياسة ، حتى إذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالاثم فحسبه جهنم وبئس المهاد... فهو يحلّ ما حرم الله ، ويحرم ما أحلَّ الله لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرياسة التي قد شقي من أجلها ، فاولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذاباً أليما... » (1) .
هكذا كان الامام عليه السلام في تشخيصه لنوازع وزوايا النفس البشرية المعتمة.. وهكذا كان دعاؤه وعبادته ومواعظه.. غوص بارع في العمق ،

(1) تنبيه الخواطر : 316. والاحتجاج 2 : 175.
الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية71

وتضميد هادىء للجرح ، اشارة دقيقة مركّزة هنا ، واسترسال هادف هناك ، ينتزع أدقّ الاشواك ، ويداعب أغلظ الاوتار ، ويقطع الطريق على أكثر المرائين قدرةً على التمثيل والتنطّع والرياء . .



الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية72




الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية73

الفصل الرابع

فلسفة الإمام عليه السلام في الانفاق وتحرير العبيد


كان الرقّ نظاماً متّبعاً قبل الاِسلام وجاء الاِسلام لعلاجه واجتثاثه «فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فكُ رقبة »(1) ، كما أنّه كان نتيجة طبيعية للفتوحات الاِسلامية ووقوع الآلاف من أبناء البلدان المفتوحة أسرى بأيدي المسلمين ، الاَمر الذي لابدّ منه لمساومة حكّام البلدان الاُخرى على تحرير أسرى المسلمين.. فضلاً عن كونه حالة طبيعية في الوسط الاجتماعي آنذاك...
فقد قيل إن الزبير بن العوّام مثلاً كان يملك ألف عبد وألف أمة (2) ، وإن عملية فتح واحدة للمسلمين ، كان فيها نصيب الدولة الاِسلامية من العبيد ستين ألفاً ، وإن امرأة واحدة من المسلمين اشترت خمسمائة عبد (3) ، إذ كان العبد الواحد يُباع أحياناً بقبضة من فلفل المطبخ... (4).
ولما كان هؤلاء العبيد يشكّلون شريحة اجتماعية مهمة يُنظر إليها نظرة ازدراء ودونية طبعاً ، وكان معظمهم لا يستطيع التمرد على سيده بحكم

(1) سورة البلد : 90/ 13.
(2) فجر الاِسلام/ أحمد أمين : 90.
(3) الاِمامة والسياسة : 137 فصل الفتوحات ـ القسم الثاني ـ السجاد.
(4) الاِمامة والسياسة ، فتح الاندلس وشمال أفريقيا...
الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية 74

النظام الاجتماعي القائم ، ولا يجد بدّاً من العمل معه أوله مقابل لقيمات يسدُّ بها رمقه ، أو أمانٍ يحفظ له حياته ، من خلال انتمائه لهذا البيت أو هذا الرجل ، كان على الاِمام زين العابدين أن يتعامل مع الظاهرة من موقع المسؤولية ؛ إذ عليه أولاً أن يُعاملهم كبشر لا يختلفون عن غيرهم في طموحاتهم وتطلعاتهم وآمالهم ، وأيضاً في تطلعاته هو عليه السلام لكسب ودّهم وتربيتهم وزرع القيم الرسالية في نفوسهم...
وحين كان الواحد من هؤلاء يُخاطب بكلمة « يا عبدي ويا أمتي » كان عليه السلام يخاطبهم « يا فتاي ويا فتاتي » ؛ إذ كان يرى فيهم رصيداً اجتماعياً مؤثراً لنشر الاِسلام وقيمه وتعاليمه...

هدف الاِمام عليه السلام من التعامل مع الظاهرة :

ومن هنا كان رأي الاِمام أن يتعامل معهم وفق الاُسس التالية :
1 ـ التأكيد على قيم الاِسلام في نظرته إلى البشر بأنهم جميعاً لآدم وآدم من تراب..«يا أيُّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا » وأن : « الناس سواسية كأسنان المشط » وأنه « لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى » و « لا فضل لابن البيضاء على ابن السوداء إلاّ بالحق » وأن « الناس صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق » ، وبالتالي فإنّ على الاِمام عليه السلام تجسيد هذه المثل النبيلة في التعامل مع أولئك العبيد ورعايتهم وتربيتهم وأخيراً تحريرهم ، أي عتقهم ، وبثّهم في ربوع العالم الاِسلامي لاَداء الاَمانة وتبليغ الرسالة...
2 ـ تربية المسلمين وحثّهم على إنهاء هذه الظاهرة غير الممدوحة عبر تشجيعهم على شراء العبيد وعتقهم ، وكل ذلك بعد تأكيده على عدم

الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية75

التعالي عليهم ومعاملتهم معاملة إنسانية ، أي بآدمية ورفق كما هو شأن القيم الاِسلامية في النظر إلى الضعيف أو المستضعف ممّن لا مال لديه ولا أهل ولا عشيرة..
3 ـ السعي إلى زجِّ هؤلاء العبيد في المجتمع من خلال تبنّيهم ورعاية شؤونهم واحتضانهم واجتثاث عقدة النقص من نفوسهم ، وكذلك اجتثاث جذور الفوقية والعرقية من نفوس أسيادهم بغية استثمار المؤهلين منهم في الوسط الاجتماعي كقادة ومربين ومبلّغين ، فضلاً عن هدف الاِمام العظيم لمواجهة الحالة العنصرية التي أوجدتها السياسة الاَموية في التفريق بين العرب والموالي أو تفضيل العرب على غيرهم ، باعتبارهم (مادة الاِسلام) كما زعموا ، أو زعم بعضهم.
وهكذا فقد أوجد الاِمام السجاد عليه السلام تشكيلاً أو وجوداً اجتماعياً مؤثراً ، كان يحترم الاِمام ويكنّ له كل ألوان التقدير والاِعتزاز والحبّ ، وخاصة حين تأتي تفاصيل تلك المعاملة الاَخوية من السموِّ والمثالية مابقي يُذكر على امتداد الدهور والاَزمان..

التربية العالية والخلق الرفيع :

كان عليه السلام يُعامل عبيده كأخوة وأصدقاء وأبناء ، وكان يجالسهم ويؤاكلهم ويمازحهم ويزوّجهم ، ويزرع فيهم الثقة والاعتزاز بالنفس وبالدين.
ومن مصاديق ذلك قصته مع خادمه الذي استعجل بشواء جاء به إليه لضيوفه ، وسقوط سفود الشواء على رأس طفل له وقتله في الحال ، وحين رأى الاِمام تغيُّر حال الغلام واضطرابه عاجله بقوله : « لا عليك.. إنّك لم

السابق السابق الفهرس التالي التالي