كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 314

أيُّ ليلٍ ضمَّ للحــقّ رجــالا يرخِصون الروحَ أصحابــاً وآلا
ونساءً حُجِبـتْ في خـــدرِها واطمأنَّتْ في حِمى الصِيد عيـالا
وصغاراً هَوَّمَــتْ أعينُهـــا وعن الأقدار لم تُحفِ الســـؤالا
لو أطلّتْ لرأتْ خيـل العــدى ترمَحُ الأرضَ جنوباً وشمـــالا
عاهدتْ شيطانَها لـن تنثنـــي يومَها أو تطأ القـومَ مجـــالا
وبناتُ الوحي تُسبـى ذُعَّـــراً وخيامُ الوحيِ تنهدُّ اشتعــــالا
وبأطراف القنا رأسُ الهـــدى وعلى العُجْف السبايا تتوالـــى
وعليٌ يقدِمُ الركــبَ وفـــي عُنْقهَ من رجلهِ القيدُ استطـــالا
وله زينـبُ تشكــو ذُلَّهـــا وهُموماً عاينتْ منها المَحـــالا
صبرتْ واحتسبتْ مانالـهـــا في سبيل الله تلقــاه نـــوالا
حسبُها مـــن أهل بيتٍ شمسُهُمْ في مَدى التاريخ لم تغـربْ زوالا
كتب لله لـهــم أجــرَهُـــمُ ان يكونوا للكرامــاتِ مثــالا
ويشيدوا بالتقى دولــتــهــمْ آخرَ الدهر انتصافاً وسجـــالا
وإمامُ الحق في أشيــاعـــهِ يطلبُ الثاراثِ زحفاً واقتتـــالا

فرات الاسدي
6 / شعبان / 1416 هـ


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 315

الليلة الآخرة

على الرغم من حرصه أن تكون قصيدته منبرية التوجه لكنها أفلتت من القالب والنمط المنبري في مواضع عدة ، ولو تسنى لخطباء المنبر الحسيني أن يضخّوا دماً جديداً في شرايين إختياراتهم الشعرية لما عَدَوا هذه القصيدة أو ما نُسج على منوالها من قصائد الولاء للشعراء المعاصرين.
فالخطاب المنبري الموجّه الى الأجيال الشابة المتطلعة الى المستقبل يجب أن يفحص أدواته ويوظّف الوسائل الفاعلة في الأوساط التي يخاطبها وعلى سبيل المثال ليته يُعيد إختياراته لقصائد العزاء والمصيبة منحازاً الى المنبريات الجديدة من القصائد والأشعار التي تمثّل هذه القصيدة مثالاً لها.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 316

(3)
موت النهار
(1)

ليركضَ كالبحر مرّ المساء
ومرّتْ وراء خطاه النجوم التي أزهر الضوء في نسغها ،
والسماوات مبتلّةٌ بالبريقْ
لينهضَ كالبحر مدّ المساء مداه الغريقْ
والغى حرائقه السودَ في الطرقات
وفاجأ غلغلة الومض بالأسئلهْ
ومرَّ الى الدهشة المقبلهْ !
(2)

ليوغلَ كالليل دار الغبارْ !
وطوّق نبضَ التراب بأقدامه المثقَلهْ
وأقصى الغيومَ عن النوءِ والنهرَ عن مائهِ المستعارْ !
ودارَ الغبارْ.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 317

(3)

ـ وكانت هوادجهمْ تذرعُ الريحَ ، كان الحداءُ
يُخامرُ عشبَ الكلامِ النديّ ويشعل فيه الحنينْ
وكانوا يلمّون أرواحهم حفنةً حفنةً في ضياع السنينْ
يموتونَ.. يحيونَ.. ينطفئونَ
وها هو طقس الحكايا
يُخامرهم بالفرات وبالأخضر القادم ـ الآن ـ من دمهِ ،
الذاهب ـ الآن ـ من دمه والظمأْ
الى كوكبٍ آخرٍ ما انطفأْ
وما حرثَتْهُ مرايا الصدأْ ! ـ.
(4)

ليركضَ كالبحر مرّ بسحنته العاريهْ
مساءً من اللهفة المشتهاة الى وهجٍ مترَفٍ ،
أو ينابيعَ مغسولةٍ برماد الفجيعهْ
ـ رمادِ المياه المضاجعِ جمرتَها الذاويهْ !
(5)

ليوغلَ كالليلِ دار على الأرضِ
واشتبكتْ بالنخيل ملامحُه وتوارى

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 318

بقايا من الحزنِ
سرباً من الأغنيات الحيارى
ومرَّ الى النهر في خلسةٍ واستدارْ
.. إستدارا
ليشهدَ موتَ النهارْ !!.

فرات الاسدي
3 / 11 / 1417 هـ


موت النهار

أشعر أن فرات الأسدي قد وجد تعبيريته المناسبة في هذه القصيدة الرؤيوية المركّبة بإدهاش متقن فهو في معظم شعره لايقترب من البساطة المجردة ولا يتعامل معها أبداً ، فالأشياء في شعره أشياء ضمن علاقات بل هو يقارب بين الأشياء التي لا علاقة بينها في تراكيب لفظية لينشيء حداثته بتأمل شعري متفلسف ، فقصيدته لها منطق خاص بها ولو تجرأنا فاستخدمنا شيئاً من المنطق العام أو بعض معطياته لتوصّلنا الى كشف منطق قصيدته أو شيء مشابه لذلك ، فموت النهار قائم على تقابل الموت مع الحياة التي جاء النهار هنا معادلاً لها لكن وفقاً للمشيئة التركيبية التي يعمل بهار الشاعر.
سيكون الصراع بين الموت والحياة ظاهراً بعلاقاته التي لها أطرافها

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 319

المتشابكة ، فالنهار سيقابل المساء وهو غير المقابل المنطقي للنهار أي الليل ومن هنا تبدو خصوصية منطق القصيدة الذي يجعل هذا المساء يركض كالبحر وفق العلاقة التي ذكرناها ( العلاقة بين الأشياء التي لا علاقة بينها ) لتتولد معان جديدة ويحتدم الجدل المتفلسف فيعرو التأمل الفلسفي شيء من منطق الشعر بأسئلة لها ملامح الطفولة التي تُرجع الفلفسة الى بداياتها ، فتبدأ جدلية العناصر الأربعة ( الماء ، التراب ، النار ، الهواء ) فعندما يمرّ المساء تمرّ خلف خطاه النجوم التي يشكّلها الشاعر كشجرة لها نسغ يُزهر فيه الضوء فتبتلّ السماوات بالبريق في علاقة بين الماء و النار عبر البلل وهو من خصائص فعل الماء ، وبين البريق وهو من خصائص فعل النار ، وبعد ذلك أراد المساء أن ينهض لكن كالبحر أيضا فمدّ مداه الغريق ، والمدى من خصائص الأرض فعندما إبتلّت السماوات بالبريق كان نصيب الأرض الغرق في شكل مدى المساء ، هذا على مستوى المعاني ، أما المباني فسيكون هناك تقابل بين ( ليركض كالبحر مرّ المساء ) مع ( لينهض كالبحر مدّ المساء ) هناك نظام تقفية داخلي مغاير لنظام التقفية التقليدي مع النظر الى العلاقة في الجناس الناقص بين الفعلين ( مرّ ) و ( مدّ ) بنفس الفاعل ( المساء ) مع إستخدام نظام تقفية خارجي في ( البريق ـ الغريق ) في شكل من الزوميات التي لو تواصلت لأورد الشاعر مثلاً لفظتي ( الحريق ـ الطريق ) اللتين جاء بهما الشاعر في صيغة الجمع ليكسر نظام التقفية لكنهما عَلقا في أللاشعور فتداعتا تداعاً حرّاً في المقطع اللاحق ( وألغى حرائقه السود فى الطرقات ) طرائق جهنمية سوداء تجعل المساء يتساءل أسئلة مصيرية مندهشة اثر الإلغاء وما تبعه من غلغلة الومض ومفاجأته... وينتهي المقطع.
المقطع الثاني حركة دورانية للغبار وهو من جهة معادل للمساء ومن جهة

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 320

اخرى جدل عنصرين من العناصر الأربعة ( الهواء ـ التراب ) وهنا جرى تشبيهه بالليل في إيغاله ( ليوغل كالليل دار الغبار ) يطوّق نبض التراب ويقصي الغيوم من جهة والنهر عن مائه من جهة اخرى ، وهذه الحركة أو الدوران الغباري تمنع التراب من اللقاء بالماء لكيلا تنتهي العلاقة بولادة الطين الذي هو أصل الإنسان ، وتقصي النهر عن الماء حتى وأن كان ماءً مستعاراً لتمنع حركة الحياة ويتم للغبار ذلك.
في المقطع الثالث كانت الهوادج تقابل الريح والهوادج عادة تحمل النساء وهنّ حاضنات الإمتداد الإنساني بنوعه في ولادتهنّ ، ليعلن الشاعر جدلية الإنتصار ويكون الحداء مفعماً ونابضاً بالحياة فهو ينطق بكلام له نداوة العشب المشتعل بالحنين للنمو والولادة في تقابل آخر مع الريح ، وتكتمل صورة القافلة التي تواجه الريح في تشكّل الموقف أمام ضياع السنين في لملمة شتات الأرواح لمواجهة الأسئلة المصيرية ( يموتون يحيون ) والسؤال الأخير ( ينطفئون ) والإنطفاء يعني موت النور أو موت النهار أمام الريح في جدل آخر بين ( النار والهواء ) لكن الحكايا تؤكد طقوسها وإنكشاف وعودها بالنَمَاء المتشكّل من الفرات والإخضرار الحسيني المتحرك حركتين : حركة قدوم الى الحياة المنطلقة الى الشهادة ، وحركة ذهاب بالدم والظمأ الى الخلود الأبدي التي لا تستطيع المرايا الصدئة أن تعكسه ، وهي لو عكسته ـ جدلا ـ فذلك مساء لفعل الحرث السلبي المشوه لا الايجابي المساوق لفكرة النماء ، كل ذلك في تعبيريه حديثة مكثفة مثل ( حرثته مرايا الصدا ) ! .
في المقطع الرابع ستكون هناك حركة مرورية للمساء الذي يتلهف الى مصرع الوهج والينابيع أي مصرع النور والماة فيرى الماء وهو أصل الخلق ( وجعلنا من

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 321

الماء كل شي حي ) يراه مغسولاً برماد الفجيعة ونلاحظ هنا تركيب ( رماد المياه ) حيث العلاقة بين عناصر ثلاث من العناصر الأربعة فالرماد هو جدل ( النار ـ التراب ) وهو هنا خاص بالمياه فتتواشج العناصر الثلاثة ( النار ـ التراب ـ الماء ) في علاقة غائبة مع العنصر الرابع ( الهواء ) الذي عادلته الريح أو الغبار الراجع في المقطع الخامس ليوغل كالليل ويدور على الأرض فتشتبك ملامحه مع النخيل الذي هو الرمز الواقعي للعطاء في الارض التي قُتل فيها النهار لبمر على النهر وهو رمز آخر عن واقع الأرض يحدد جغرافيتها ويستدير ليشهد موت النهار....
الإيحاء والإيماء والرمز كطرق للتعبير تواصلت في تصوير ليلة عاشوراء باسلوب فني فذّ لا يمتّ للتسجيل الواقعي والتوثيق التأريخي بأدنى صلة ، فالنهار كان رمزاً للإمام الحسين(عليه السلام) به تنفتح بوابات النص أمام المتلقي الذي يواجه أحد أفضل النصوص التي تناغمت مع ليلة عاشوراء.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 322

ـ 23 ـ
الشيخ قاسم آل قاسم (1)
بكائية كربلاء

يومُ الحسين تناهى ذكــره ألمــا لو أنصف الدمعُ فيه لاستحال دمـا
بكت على رزئه الدنيا وما فتِئــتْ حتى اليراعُ إذا خطّ ( الحسين ) هما
يظل يمتد في عُمق الزمـان لظـىً يُثير بركانُها في قلبـه الحمـمــا
يُذكّي لهيبَ رزايا الطفّ ذاكرُهــا كأن قلب الهوى يسلو إذا اضطرمـا
تغيّرت صور الأشياء يومَ قضــى كأنّها قتلتهُ فانطــوت نـدمـــا
تبثّ آهاتِها خلفَ التــرابِ وقــد غالته غائلةٌ واستهدفتـه دُمـــى
وطالما بثّها أحزانَــه سحـــراً في الطفّ يُبدي لها من دهره سأمـا
أنا الحسينُ الذي أوصى النبيُّ بــه فأين ضاعت وصاياه وما رَسمـا ؟
أنا الحسينُ واُمّي فاطـمٌ وأبـــي كان الإمامَ الوصيَّ المُفردَ العلمــا
أنا الحسينُ ، فقالت زينبٌ وكفــى بذكركَ الخير يا أعلى الورى قِدمـا
فقال يا أخت ماذا جدّ مـن حـدثٍ حتى أموت غريب الدار مهتضما ؟
ماذا جنيتُ ؟ فقالت يا أخي وبكـت لأنك ابن عليٍّ والمصـابُ نمــا
فقلّبَ السيفَ في كفّيهِ وارتعــدتْ يدُ السماءِ وناداها : وهل أثِمــا ؟

(1) هو : الشاعر الفاضل الشيخ قاسم بن عبدالشهيد بن علي آل قاسم ، ولد في القديح ـ القطيف سنة 1382 هـ ، حاز على الشهادة الثانوية العامة ( القسم العلمي ) وإبتدأ دراسته الحوزوية في القطيف عام 1407 هـ ثم غادرها إلى قم المقدسة عام 1412 هـ حيث يحضر الآن مرحلة البحث الخارج ، ومن نتاجه الأدبي : 1 ـ ديوان شعر ( مخطوط ) ، ومن نتاجه العلمي : 2 ـ بحث في نشأة اللغة وحقيقة الوضع ، وله مشاركة في النوادي الثقافية والدينية.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 323

كأنهمْ نكروا منــه مواقفَـــهُ في حربِ آبائهم قِدماً وما رحمـا
لم يُثنه عزمُه عن قَطعِ دابـرهِم ولم يكن يرعَ في أعدائه ذِمَمــا
حتى تواصوا على إفناء عترتـه قتلاً وهتكاً وجاؤوا يركبون عمى
وما دروا أنّنا أسيافُ حيــدرةٍ أصداؤنا أورثتهم في الوغى صَمَما
وكيف نرضى بما تأباهُ عزّتُنــا لعصبةٍ لم نكن نرضى بهم خدمـا
فأسبلت عبراتٍ ملـؤها الـــمٌ كأنّما قلبها في دمعهـا انسجمــا
وفي غدٍ يتفانى جمعُكُم وأنـــا أراكُم جُثثاً فوق الثـرى رممــا
يا ليتما طال ليلي والحسينُ معي وذاكَ شبلُ عليٍّ يَحرسُ الخيمــا
لكنّها أشرقت شمسُ الصباحِ بهـا وظلَّ يقتاتُهم صرفُ الردى نَهِمـا
حتى تقضّت مناياهُمْ وأفردَهــا جورُ الزمان ، وساقوهُنّ سَوقَ إما
يومٌ تَكَشّفَ عن دُنيّـاً مزيّفــةٍ داست بأقدامها الإسـلام والقيمـا
عجبتُ كيف يواريه ثرى جـدثٍ وكيف تحويه أرضٌ والحسينُ سَما
أليس ذا وأخوه طالمـا ارتقيــا كتفَ النبيِّ « ونعم الراكبانِ هُما »
وكيف خَلّف أُختاً لا حياةَ لهــا إلاّ على قلبــه لكنــه انثلمــا
وكيف مرّت على أشلائه ورنت بنظرةٍ تتحرّى الكـفَّ والقَدَمــا
كانت به تُبصر الأشياءَ فانكسفت أنوارُه فاستوت في عينها عدمــا
كانت له ساعداً في يوم محنتــه وشاطرتُه الرزايا غُربةً وظمــا
لكنّها امرأةٌ مثكولــةٌ ورثــت على مصائبها الأيتامَ والحُرمــا

قاسم آل قاسم
الخميس 1 / 11 / 1416 هـ


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 324

الشيخ قاسم آل قاسم

قصيدة آل قاسم باحثة عن الجدوى مما حدث ومبينة للأسباب التي أوصلت النتائج فهي برهانية السجيّة ، منطقية الترتيب لبست هنا حلّة الشعر كأداة إيصال لبحثها وإستنتاجاتها فهي راقبت ماوراء الظواهر لكن لتصل الى الفحوى والعبرة واقتفاء الأثر ، فهي مهتمّة بما ينير الدرب للسالك الباحث عن الجدوى ، وهي زاهدة بالجمال العارض وإن كانت تجاوره وتحاوره وتساقيه بأكؤوسها العرفانية غير المليئة تماماً ، فهي تتعهد الجمال كحالة خيّرة ولا تُصاحبه إلا لأنّه وعاء لما هو حق صُراح ، لكن مجاهدته للحيلولة دون أن يفلت الجميل المحسوس من لسانه تبقى مجاهدة ناقصة فنلاحظ أنّ الجمالية تطغى على براهينه وسلوكه وزهده ومجاهدته لتقول له : ( إنني شعر تقوله شفتاك بعد أن إحتدم في داخلك وإنكشف أمام المتلقين مظهراً إزدواجية الجدوى وإنشطار السلوك وتشظّي المجاهدة لأن لي وجوداً أصيلاً فيك بلا تواضع ، وأسّاً غائراً في روحيتك بلا زهد ) ، وأنا كمتتبع لنتاج آل قاسم أراه قد كتب هذه القصيدة بأصابعه التي حملت قلمه ، سوى بعض الأبيات التي فرّت من أسار التعجل المقصود مثل :
عجبت كيف يواريه ثرى جدث وكيف تحويه أرض والحسين سما ؟

أو مثل هذين البيتين :
وكيف مرت على أشلائه ورنت بنظرة تتحرّى الكفّ والقدمــا
كانت به تُبصر الأشياء فانكسفت أنواره فاستوت في عينها عدما

لكننا رأينا في تجاربه الأخيرة منحى جديداً يعيده ـ إن لم يقدمه ـ الى مكانه في الصف الشعري المتقدم.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 325

ـ 24 ـ
للشيخ لطف الله الحكيم (1)
الشهب الزاهية

أبكي الحسينَ وآلَهُ في كربــلا قُتلوا على ظمأٍ دَوينَ المنـهــلِ
مَاتوا وَما بلّوا حرارات الحشـا إلا بطعنةِ ذابـلٍ أو منـصــلِ
يا كربلا مَا أنـتِ إلا كربــةٌ ذِكرَاك أحزنني وَساقَ الكربَ لي
مُذ أقبلَ الجيشُ اللَهـام كأنَــهُ قِطَعُ الغَمامِ وجُنحُ ليـلٍ أليّــل
بأبي وَبي أنصارَهُ مِنْ حَولــهِ كَالشُهبِ تزهوِ في ظَلامِ القسطلِ
أفديه وهو مُخاطبٌ أنصــارَهُ يَدعوهُمُ بلطيـفِ ذَاكَ المِقــولِ
يا قومُ مَنْ يَردِ السلامةَ فليجـدَّ السيرَ قَبلَ الصُبـحِ وليترَحــلِ
فالكُلُ قالَ لَهُ على الدُنيا العفـا والعيشُ بَعدكَ يا ربيعَ المُمحَـلِ
أنفرُّ عنكَ مخافةَ الموتِ الـذي لا بُدَ منهُ لمُسـرعٍ أو مُمهِــلِ
واللهِ طعمُ الموتِ دونَكَ عِندنـا حُلوٌ كطعمِ السلسبيـلِ السلسَـلِ
فجزاهُمُ خيراً وقال ألإ انهضوا هَيـا سُراعـاً للرحيــل الأوّلِ
فتوطأوا الجُردَ العُتاقَ وَجردُوا البيضَ الرقاقِ بسُمرِ خطٍ ذُبَّـلِ

(1) هو : المرحوم الشيخ لطف الله بن يحيى بن عبد الله بن راشد بن علي بن عبد علي بن محمد الحكيم الخُطي ، كان فاضلاً تقياً ورعاً ، له أياد بيضاء أوجبت محبتَهُ في القلوب ، له مَراثٍ كثيرة في أهل البيت عليهم السلام. أدب الطف للسيد جواد شبر : ج7 ، ص279.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 326

مِنْ فَوِقِ كُلِ آمونٍ عثـراتِ الخِطـى صافي الطلاءِ مُطهّــمٍ وَمحَجّـــلِ
ما زالَ صَدرُ الدستِ صدرَ الرتبةِ الـ عُلياء صدرَ الجيشِ صـدرَ المحفــل
يَتطاولـون كــأنَهُم اســـدٌ على حُمرٍ فتنفِــرُ كالنعَـــامِ الجُفَــلِ
وَمضوا على اسمِ الله بيـنَ مُكبــرٍ ومُسبــحٍ ومُقـــدسٍ ومُهلـــلِ
يَتسِابقونَ إلى المنــونِ تَسابقُ الهـ يمِ العِطـاش إلــى وَرِود المَنهَــلِ
حتى قَضوا فرضَ الجهادِ وصُرِعُـواِ فَوقَ الوِهَاد كُشهـب أُفــقٍ أفـــل
صَلى الالَهُ عَليهِـــمُ وَسلامُـــهُ وَسقى ثَراهُمْ صَوبَ كُلِ مُجلجـلِ (1)

(1) أدب الطف للسيد جواد شبر : ج7 ، ص279 ـ 280.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 327

ـ 23 ـ
للسيد مدين الموسوي (1)
ليلة الخلد

لا تتركي حجراً على حجـر يا ليلــة الأرزاء والكــدرِ
صُبّي على الدنيا وما حملتْ من نار غيضك مارق الشررِ
وتهتّكي مـن كلّ ساتــرةٍ لم تحفظي ستراً لمنستـــرِ
لا عاد صُبحك أو بدا أبـداً في ظل وجهك مشرقُ القمـرِ
يا ليلةً وقف الزمانُ بهــا وجلاً يُـدوِّن أروع الصـورِ
وقف الحسين بها ومَنْ معه جبلاً وهم كجنادل الحجــرِ
ما هزّهم عصفٌ ولا رعشت أعطافهم في داهم الخطــرِ
يتمايلون وليس من طـربٍ ويسامرون وليس في سمـرِ
إلاّ مع البيض التي رقصت بأكفّهم كمطالــع الزُهــرِ
يتلون سرّ الموت في سـورٍ لم يتلُها أحدٌ مـع الســورِ
ويرتلون الجرح في ولــهٍ فكأنه لحنٌ علــى وتــرِ
خفّوا لداعي الموت يسبقهـم عزمٌ تحدّى جامد الصخــرِ

(1) هو : الشاعر الاستاذ السيد مدين الموسوي ، ولد سنة 1378 هـ ، له مشاركة فعالة في النوادي الأدبية والثقافية والمناسبات الدينية ، ومن نتاجه الأدبي : 1 ـ الجُرح يالغة القرآن 2ـ أوراق الزمن الغائب 3 ـ كان لنا وطن 4 ـ لهم الشعر 5 ـ الحلي شاعراً.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 328

مذ بان جنـب الله مقعدهـم ورأوه ملء الروح والبصـر
هدروا كما تحمي لها أجمـاً أسدٌ دماة الناب والظـفــرِ
وبنــاتُ آل الله ترقبهــم بعيونها المرقـاة بالسهــرِ
يا نجمُ دونك عن منازلهـم لا تقتـربْ منها ولا تــدُرِ
لا تستمعْ لنــداء والهــةٍ مكلومةٍ من بطشة القــدرِ
أو تنظرنَّ إلـى معذبـــةٍ حرّى تودّع مهجـة العُمُـرِ
تسقي عيون البيد أدمعهــا لتظلَّ مورقةً مـن الشجـرِ
لله قـد نـذروا بقيّتهـــم وتسابقوا يوفون بالنُـــذُرِ
والموت يرقبهم على حـذرٍ منهم وهم منه بـلا حــذرِ
نامت عيون الكون أجمعهـا وعيونهم مشبوحـة النظـرِ
لله ترمقــه ويرمقهـــا كبراً وهم يعلون في كبــرِ
وأبو الفداء السبط يشحذهـا بالعزم يوقظ ساكن الغيــرِ
حتى إذا بان الصباح لهـم لم تدر هل بانوا من البشـرِ
أم هم ملائكـةٌ مطهــرةٌ يستمطرون الموت للطـهـرِ
هبطوا وعادوا للسماء معـاً في خيـر زادٍ عُدَّ للسفــرِ

مدين الموسوي
1 / ذو القعدة / 1416 هـ


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 329

السيد مدين الموسوي

( ليلة الخلد ) قصيدة موازاة ومضاهاة تحاذي النماذج الشعرية المتقدمة في العصر الحديث ، ولعلها تحاكي جوهر التجربة الجواهرية في أكثر من موضع مخلصةً ووفية للوقوف في موقع الماضي الذي تعتقده أفضل ، لتجذّر لإنطلاقها فهي رمية قوس وسهم كلما إرتدّ الى الوراء أكثر إكتسب طاقة وقدرة أكبر للإنطلاق إلى الأمام أكثر.
وهي تبجّل القوانين المعيارية والأعراف التي صنعت مجد القصيدة العربية في كل زمان ، وهي تديم زخم الإستمرار في محاكاة أفضل ما في التراث العربي الشعري وترى أن هذا الإستمرار أفضل من الإنشقاق والخروج غير المحسوب العواقب ، فهي تحاول أن تبني كلاسيكية جديدة لا تنافس تلك الكلاسيكية بل تساير نماذجها الخالدة مولية حركة الحياة إهتمامها في تأصيل يحفظ الثوابت ويراقب المتغيرات ومع خلق حالة التوازن بين متصارعات متعددة تبدو مهمة مدين الموسوي عسيرة وضاغطة في التحلّي تارة بما هو أصيل والتخلّي أُخرى عن ماهو طارىء حتى ولو كان فيه إغناء للتجربة وتعميق للمشاركة الوجدانية المحتدمة.
وبعد فالقصيدة في لغتها تحاذي وتحتذي أساليب النموذج في عملية إختيارها للألفاظ مع تحفّظ واضح من طريقة الكتابة قرب معجم مفتوح ، بل هي تفلت في أحيان كثيرة من هذا الأسار الضاغط لتقول :
يا ليلة وقف الزمان بها وجلاً يُدُوُّن أروع الصور

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 330

أو تقول :
ويرتّلون الجرح في ولهٍ فكأنه لحنٌ على وتــر

وتساهم إنسيابية بحر الكامل الأحذّ وترنّمه في فسح المجال أمام الشاعر لمضاهاة حتى بعض التراكيب أو الأنماط الشائعة مثل صيغة ( حتى إذا ) :
حتى إذا بان الصباح لهم لم تدرِ هل بانوا من البشر

في إختلاس حذر من الإستخدام الممتد من أبي تمّام وحتى مصطفى جمال الدين.
ونخلص إلى أن قصيدة مدين الموسوي حققت سندها في المتن الشعري.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 331

ـ 26 ـ
للسيد محسن الامين ـ عليه الرحمة ـ(1)
(1)
المهج الغوالي

وأتى المساءُ وقـد تجهّمَ وجهُـهُ واليوم محتشد البـلاء عصيـبُ
قال اذهبوا وانجوا وَنَجوا أهلَبيـ ـتي انني وحدي أنا المطلــوبُ
لا ذمـةٌ منـي عليــكم لا ولا حرجٌ ينالكــم ولا تثـريــبُ
فأبتْ نفوسُهُم الأبيّـة عنــد ذا أن يتركوه مع العِدى ويغيبــوا
وَتواثبت ابطالهـم وجميعـهــا بالحزم والقول السديد تجيــبُ
كلا فلسنا تاركيــكَ وما بــه يوم القيامـة للنبــي نجيــبُ
نفديكَ بالمهج الغوالي نبتغي الـر ضوان ما فينا بـذاك مُريــبُ
نيل الشهادة بالسعـادة كافــلٌ يومَ الحسابِ واجرُها مَجلــوبُ

(1) هو : الحجة الكبير العلم السيد محسن بن السيد عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي ، عالم شهير خدم بقلمه وبعلمه ، ولد في قرية شقراء في جنوب لبنان حدود سنة 1282 هـ ، درس المقدمات في مدارس جبل عامل على المشاهير من فضلائها ، وهاجر الى النجف الأشرف سنة 1308 هـ وحضر عند الشيخ آغا رضا الهمداني والخراساني وشيخ الشريعة ، وهاجر من النجف إلى الشام سنة 1319 هـ بطلب من أهلها ، ومن مؤلفاته القيمة 1 ـ نقض الوشيعة 2 ـ أعيان الشيعة 3 ـ مفتاح الجنات 4 ـ الدر النضيد 5 ـ المجالس السنية 6 ـ البرهان على وجود صاحب الزمان وغيرها ، توفي قدس سره في بيروت في سنة 1371 هـ ، ودفن في جوار السيدة زينب عليها السلام في دمشق راجع : أدب الطف للسيد جواد شبر :ج10 ، ص33 ـ 35.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 332

هَذي الجنـانُ تهيّـأت وَتزينــت للقائنــا ولريحِهـنَّ هُبـــوبُ
والطالبية للقِــراعِ تواثبـــتْ تَدعو وكـلٌ للنــزالِ طَلــوبُ
ماذا يقول لنا الورى ونقولـــه لهم وما عنـا يجيــب مجيــب
إنا تركنا شيخنــا وإمامنـــا بين العدا وحُسامُنـا مَقـــروبُ
يأبى لنا شرف الأرومة أن يـرى فينا مَشينٌ أو يكــون مَعيــبُ
فالعَيشُ بعـدَكَ قُبِّحَـتْ أيامُــه وَالموتُ فيكَ مُحبَّبٌ مَرغـــوبُ
بَاتوا وَباتَ إِمامُهُم ما بينَهـــمُ وَلهـم دَويٌّ حولَــه وَنحيــبُ
مِنْ راكعٍ أَو ساجدٍ أَو قــارىءٍ أو مَنْ يُناجي رَبَّـــه وَيُنيــبُ
وَبدا الصباحُ فأقبلتْ زُمَر العـدى نَحوَ الحسينِ لها الضلالُ جَنيــبُ
سامُوه وِردَ الضيمِ أو وردَ الردى فأبى الدنيةَ والنجيــبُ نَجيــبُ
يأبى له وردَ الدنيـةِ ضارعــاً شَرفٌ إِلى خيرِ الانامِ يـــؤوبُ
هيهاتَ ان يرضى مقامَ الـذلِ أَو يقتادهُ الترهيبُ والترغيــبُ (1)

(1) الدر النضيد : للسيد الأمين ص 23.

السابق السابق الفهرس التالي التالي