كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 403

لا نُخليكَ أو نُخلـي الأعــادي تتخلى رؤوسُها عـن طلاهـــا
أو تنـــالَ السيوفُ منّا غذاها أو تروي الرمـــاحُ منّا ظماها
ثم مع ذاك لم يكن قد قضينــا من حقوقٍ لزمْننـــا أدناهــا
كيف تقضي العبيدُ من حقِ مولىً شكرُ نعماهُ نعمــةً أولاهـــا
فجزاها خيراً فليــت لنفســي بعضُ حظٍ مما به قـد جزاهــا
واستباتـت على الوفا تتواصاه وأضحى كما تواصت وفاهـــا
تتهادى إلى الطعانٍ اشتياقـــاً ليت شعري هل في فناها بقاهـا
ولقد أخبـــر الرواةُ حديثــاً صحَّ لي عن طريقتي وهداهــا
أنه لم يُصــب حُسيناً من القوم جـراحٌ إلاٌ عقيــبَ فناهـــا
لم تكن ترتقـي إليـه سهـــامٌ دون أن نفتدي حشـــاهُ حشاها
تتلقى نحورُها البيضَ والسمــرَ ومقصودُها لنحــرٍ سواهـــا
ذاكَ حتـى ثوتْ موزَّعةَ الأشلاءِ صرعى سافي الرماح كساها (1)

(1) ديوان الشيخ هاشم الكعبي : ص 13 ـ 14.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 404

ـ 42 ـ
للسيد وائل الهندي (1)
ليلة الوجل

قِفْ حاسراً ودر المطيةَ وارتجلْ في حقِّ من أدمى المدامعَ والمُقلْ
واحلل هُنالك ما حَييتَ موفيّــاً رُزءاً بكتُه المعصراتُ ولم يـزلْ
وذرِ القوافي تستدُر بُحورَهــا بدمٍ يُسالُ مدى الزمان وما انبتـلْ
واخطب هُنالك في فيافي كربلا لا زال يفتُكُ سيفُ حُقدكِ لم يُكَلْ
أفلا علمتِ بأن ثقــلَ محمـدٍ بكِ قد أقرَّ ركابَه أمنـاً وحَــلْ
أفهل ضيوفٌ مثلُ آلِ محمــدٍ قَدِمُوا عليكِ ليستضيفُوا أو أجـلْ
حرمُ الرسولِ فجودُ يُمناكِ الوَجلْ مالي أراكِ وقد عَبستِ فجُعجَعت
ما خلتُ ذكراهُم وقد سُدلَ الدُجى إلا وداجي الحزن في قلبي انسدلْ
تالله لا أنسى العيـالَ وزينبــاً وبكاءَها خلفَ الحسينِ وقد رحلْ
أفلا يُهيجك يا حسين بكاؤنــا أم حِرتَ بين إجابةٍ ولقا الأجلْ ؟؟
نادتك شرساءُ المنيةِ عاجــلاً فأجّبت صارخةَ النداءِ بلا وَجـلْ
أفلا ترى الأطفــالَ ليلةَ عاشرٍ إذ غار في أحداقها ومضُ الأملْ

(1) هو : الشاعر السيد وائل بن السيد هادي بن السيد حسين بن السيد باقر الهندي الشاعر الحسيني المعروف ، ولد سنة 1394 هـ في الكاظمية ـ العراق ، أكمل الاعدادية ، التحق بالحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة سنة 1411 هـ ، له مجموعة شعرية وله مشاركات في النوادي الأدبية والدينية.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 405

هذا يُنادي واحسيــنُ وآخــرٌ يبكي واُخرى لا تقوم من العلـلْ
وتصيح اُخرى من يصون خدورنا مَن ذا يغيرُ على العدو إذا حمـلْ
أَأُخيَّ صاحت زينبٌ من ذا لنـا ؟ فيكون كهفاً إن أتـى رِزءٌ جلـلْ
أتُرى تكونُ كهوفُنا سِرب القنــا ويكون مُؤِينا الخباءُ لو اشتعلْ ؟!
ونفرُ بالبيدا ونحــنُ حواســرٌ< ويكونُ حامينا العليلُ وقد حجلْ !
اليوم يحمينا الحسيــنُ يُظلّنــا وغداً حيارى دون حامٍ أو ظُلـَلْ
نبكي ولكن لا يــرقُ لشجونــا غير السياط كخطف برقٍ قد نزلْ

وائل الموسوي
9 / ذو القعدة / 1416 هـ


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 406

ـ 43 ـ
للشاعر الأستاذ يقين البصري (1)
مخاض النجوم

قلبٌ على شِفَةِ الرملِ الحَرُوق صبا فعاد من هَمْسِهِ المذبوح شوطَ إبـا
يجتـازُ أفياءَ دنيانا الى خَلَدٍ... لمكفهرِّ المنايــا يبتغي طلبـــا
يُطلُّ من لغةٍ ضميــاء مُلهِمَــةٍ بيانُها مُخْرِسٌ من قــالَ أو خطبا
وقد تجحفـلَ شوكُ الأرضِ أجمعُهُ يحاصرُ الدينَ والأخــلاق والكُتبا
تملمــلَ الفَلـكُ الدوّارُ معتـذراً أنْ يُطلعَ الفجرَ أو أنَ يكشف الحُجبا
وطالَ ليلٌ كأنَّ الدهر عـضَّ بـهِ على نواجذهِ اليَهماء واضطـربــا
هنا تَبتّـلَ انجيـــلٌ فرتلّـــهُ فمُ الّزبور مع القـران مُنتحبـــا
هنا على النهر ترنو ألفُ مشنقـةٍ إلى الصباح لتُطْفي الشمسَ والشُهُبا
هنا زفيرُ المنايا الحُمرِ منتظــرٌ مخاضَةُ الصعب مزهـوّاً ومنتِصبا
وقد تدافَعت الدنيــا بكلكلهـــا على ابنِ فاطمةٍ مـا اهتزَّ وارتعبـا
تجوبُ وارفـةُ الآمـالِ خيمتَــهُ بذي الفجاج ويزدادُ الأسى طربــا
ويرمقُ الأفقَ يُذكي جمرَهُ عَطشـاً فيستطيبُ احتدام المجـد واللهبــا
غداً تمزقني هذي السيوف لمـن ؟ لتكتسي الزبد المزدول والكذبـــا

(1) هو: الشاعر المبدع الأستاذ يقين البصري ، ولد في البصرة سنة 1370 هـ ، أنهى دراسته الأولية فيها ، ودخل جامعة بغداد ـ كلية القانون ـ سنة 1391 هـ وتخرج منها سنة 1395 هـ ، وله مشاركات في الاحتفالات والمنتديات الأدبية والثقافية، ومن نتاجه الأدبي ديوان شعر مخطوط وكتابات اخرى.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 407

غداً ستنتهـبُ الذؤبــان أفئـــدةً هي النجومُ العذاري لحمَهــا نَهَبـــا
غداً سأُطعمُ أسيافَ العدى جســدي وأخوتي الشُمَّ والأبنـــاء والصُحُبـا
أنا على ضفةِ الأمـواج مَشرعَــةٌ عطشى تؤمّل أنْ تُعطـي وأنْ تهبــا
يا دهرُ بئسَ خليلٍ أنتَ منطويـــاً على مخالبِ ذئـبٍ فاعـــلٌ عجبـا
لم ترعَ أيَّ ذمامٍ حــقَّ صاحبــهِ عن الحتوف وترضى الزيـف والرِّيَبا
علـى حوار ضميرِ الكون قد فَزَعَتْ بنتُ النبي بقلـبٍ غـــصَّ وارتهبا
أراكَ تُسْلِمُ للموت الــزؤام دمـــاً مُقدّساً والطهورَ القلـبَ والحَسبـــا
فقالَ لا تجزعي وعدٌ وعِدْتُ بـــه لأرقأ الليلَ أو أعطي الزمـــان صِبا
وحولَهُ العصبةُ العظمى مجنّحـــةٌ هيَ الليوث تُزيـلُ السهــلَ والصَعِبا
يا مطلعَ الشمسِ هذا الليـل تُغرقُنــا أمواجُهُ والصراعُ الفـذُ مـــا اقتربا
لَنُشعِلَنَّ غداً دنيا الفــداءِ لظـــىً والحربَ اسطورةً ما مثلهُـا كُتبـــا
دونَ الحسين نُروّي كـلَّ لاهبـــةٍ من الرمالِ ونُغري المــوتَ أنْ يثبـا
لننصبنَّ منـاراً مــن دمٍ شــرسٍ مدى الزمانِ عصّياً ثائراً صَلِبـاً...
يا ليلةً يا مخاضَ الدهر يا حقبـــاً قدسيةً يا نضـالاً مورقــاً ذهبـــا
يا ليلـة من عذابـــاتٍ مُطــرّزةٍ ا لكبرياءِ شَطَبْتِ المَحْل ، والجَدَبـا..
يا ليلةً عمرُها التأريــخ أجمعُـــهُ والمجدُ أشرفُهُ بالعِـــزِّ ما اكتُسِبــا
ويا حديثً المدى الأقصى بما نضَحَتْ مكارمُ السبطِ حدّثني حديــثَ إِبـــا

يقين البصري
14 / 8 / 1416 هـ


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 408

الاستاد يقين البصري

قصيدة البصري حادة سجالية تتصارع فيها قيم ومثل وسلوكات المشاهد الوجودية المختلفة ونرى فيها الشاعر واقفاً بكل انحياز إلى الطرف الشاخص المعب عن مكارم الأخلاق... فالشعر عنده وسيلة توصيل وإخبار عن معانٍ توظّف كل ما هو جمالي لصالح الخير والحق ضدّ الشّر والباطل ، وهو يستخدم الجمال ليصارع به قباحة الحياد وظلاميته معلناً هتافه المتطرّف بشموخ البطولة والفروسية صائناً للمثال الذي لا يعاصره زمنياً ، فهو إمّا؛ غائر في أصداء الماضي المخنوق ، أو ناءٍ في نداءات المستقبل الذي لم يصله الشاعر بعد ، وبين هذا وذاك ينقل الشاعر توقه وحنينه بوثوقية ويقين المنتظِر مفلسفاً إنتظاره في خطاب أخلاقي يصل حدّ الهتاف في الوجوه التي تحاصره وتطوقه.
ولأنه مشغول بالايصال في عالمٍ يحتاج أن يُسمّي الأشياء بأسمائها فهو يُقلّص موقفه الجمالي إلى معجمية مباشرة ، فلا وقت عنده للتأملات الشاردة الباحثة عن آفاقها خلف الأشياء ، فهناك منايا مكفهرّة وهناك أيضاً ما يهدد كل شيء ويُهمّشه :
هنا على النهر ترنو ألف مشنقة إلى الصباح لتطفي الشمس والشهبا
هنا زفير المنايا الحمر منتظِـر مخاضه الصعبَ مزهوّاً ومنتصبـا

فلات ساعة شرود أمام إغتيال الدم المقدّس والنجوم العذارى بمخالب الذئاب ، لابد من عذابات مطرّزة بالكبرياء تشطب المَحْل والجدب الروحي والاخلاقي والقيمي ، لابد من إنتصاب المنار ـ المثال حتى لو كان من الدم الشرس العصيّ الثائر الصلب ،

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 409

لابد من الصراع الفذ مع أشواك الارض المتجحفلة ، فإن حركة الطبيعة إعتذرت عن الولادة والمخاض وإنقطعت الديانات الاخرى وتبتّلت عن أن تجيب أسئلة الهتّاف الشاهق ، وكان لابد من لغة يُخْرِس بيانها كل الخطابات المتهرئة.
فهذا حوار ضمير الكون يقف بعطشه أمام أمواج الليل فلا يرى إلا الزبد المرذول.
وعوداً على بدء تتبدّى قصيدة ( مخاض النجوم ) هتافاً أخلاقياً يحاذي الفقدان بتعبيرية تزاوج صدى النائي ونداء المرتقَب ، ويكتفي يقين البصري بهذا الوعي المكثّف مزيحاً عن قصيدته ما يعتقده ترفاً يورثه تآكلاً على مستوى القيم.

السابق السابق الفهرس