جهاد الامام السجاد عليه السلام 25

المنطق « شرطا » لشيء ، فضلا عن الإمامة !
إلاّ أنّه يحتوي على فضيلة هذه العناوين كلّها بأعظم شكل ، إذ أنه يُعدّ في قاموس النهضات « بطولة » وفي وجدان الشعوب « تضحية » وفي روح الدين « فداءا » وعلى صفحات التاريخ « خلودا » ويكون قاعدة لإصلاحات كبيرة ، وبارودا لانفجارات مهيبة ، بعيدة أو قريبة ، كما كانت نهضة الإمام الحسين الشهيد عليه السلام. (1)
وأخيرا : فإنّ من الممكن نفي اشتراط الإمامة بـ « الخروج بالسيف » خاصّة ، على أساس المفهوم من حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ دالا على إمامة الحسن والحسين عليهما السلام ـ بقوله : « ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا». (2)
فإن القيام لو كان شرطا للإمامة ، والقعود لو كان منافيا لها ، لما كان ـ حتى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن يثبتها للحسنين عليهما السلام مع فرض القعود !.
ثم إنّ الحسنين عليهما السلام ، قد استجمعا هذا الشرط ، فقاما وناضلا ، فما هو المبرّر لفرض القعود في حقّهما ؟ وإبراز إمامتهما مع القعود ؟ فليس من الحكمة إظهار هذا المعنى ، لو كان حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم موجّها إليهما بالخصوص.
إلاّ أنّ من الواضح أنّ المراد تعميم الحكم المذكور على الإمامة نفسها ، باعتبارها واقعا واحدا ، وعلى الأئمة جميعهم ، باعتبارهم قائمين بأمر بعينه.
والمفهوم من الحديث : أنّ الإمامة إذا ثبتتْ حسب الموازين المتّفق عليها ، التي أهمّها النصّ ، فإنّ القيام بالأمر والقعود ، متساويان.

(1) تحدّثنا عن ذلك في رسالة « ذكرى عاشوراء والاستلهام من معطياتها فقهيا وأدبيا ». ولا تزال مخطوطة.
(2) حديث متفق عليه بين المسلمين : صرّح بذلك الشيخ المفيد في النكت (ص 48) الفقرة (82) ورواه الصدوق في علل الشرائع (1 : 211) عن الحسن عليه السلام ، والخزّاز في كفاية الأثر (ص117) من حديث أبي أيّوب الأنصاري ، والمفيد في الإرشاد (ص 220) وابن شهر آشوب في المناقب (3 : 394) وقال : أجمع عليه أهل القبلة ، ورواه مجد الدين في التحف (ص 22) وأرسله في حاشية شرح الأزهار (4 : 522) نقلا عن كتاب الرياض ، ورواه الناصر في ينابيع النصيحة (ص237) وقال : لا شبهة في كون هذا الخبر مما تلقته الامة بالقبول وبلغ حدّ التواتر فصحّ الاحتجاج به.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 26

إذن :
فالذي يمكن أن يكون شرطا لابدّ أن يعمّ الحركة المسلّحة المباشرة ، وأن تكون هي وحدة تمثّل تحقّق ذلك الشرط الذي تبتني عليه الإمامة ، بل هي متعيّنة ، عندما تتهيّأ ظروفها وتتكامل إمكاناتها ، أو كما يشخص الإمام نفسه ضرورة القيام بها.
ويتحقّق ذلك الشرط ضمن وحدات اُخرى تمثّله ، وتوصل الى الأهداف المطلوبة لأجلها الإمامة.
وذلك الشرط هو « الإصلاح » في الأمة.

وقد عبّر عنه في مصادر قدماء الزيدية بـ « الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ».
في ما رواه الإمام الهادي الى الحق يحيى بن الحسين ، قال : بُلّغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : « من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذرّيتي فهو خليفة الله في أرضه ، وخليفة كتابه ، وخليفة رسوله». (1)
ولم يختلف أحد من الأمة ـ خاصة الشيعة : إمامية وزيدية ـ في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا على الامام فحسب ، بل على الأمة جمعاء. (2)
لكن هذا الواجب :
أولا : ليس من أصول الدين ، بل من فروع العمل ، ولذا كان وجوبه عامّا على كلّ الأمة ، فلا يمكن أن يؤخذ شرطا خاصا ، لأصل دينّي ، كالإمامة ، ولا على شخص معيّن : كالإمام.
ثانيا : إنّ وجوبه ليس مطلقا ، بل هو مشروط ومقيّد بحالات (3) ، فلا يعلّق عليه أمر ضروري مطلق ، كالإمامة التي يعدّها الشيعة من أثافي الاسلام وأعمدته (4).

(1) درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية (ص48).
(2) شرح الأزهار ( 4 : 582 ).
(3) شرح الأزهار ( 4 : 582 ).
(4) لاحظ وسائل الشيعة ( ج1 ص 13 ـ 29 ) الباب الأول.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 27

فمن القيود ، عدم التقية :
قال الإمام السجّاد عليه السلام : التارك للأمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، كنابذ كتاب الله وراء ظهره ، إلاّ أن يتقي تقاته.
قيل : وما تقاته ؟
قال عليه السلام : ( يخاف جبّارا عنيدا ، أن يفرط عليه أو أن يطغى ) (1). ومنها ، ظنّ التاثير:
فإن لم يكن يظنّ لم يجب.
بل جعل منها في الفقه الزيدي شرط : أن لا يؤدي الى مثله أو أنكر ، أو تلفه ، أو عضو منه ، فيقبح غالبا.
واحترز بقيد « الغالب » عمّا لو حصل بتلف القائم إعزاز الدين ، كما كان من الحسين عليه السلام وزيد عليه السلام (2).
فهو قد جعل حركة الحسين وزيد عليهما السلام مثلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا ريب في أنهما كذلك ، وفي المنظار العام ، بل هما من أروع الأمثلة وأعلاها !
وذكره للإمام الحسين عليه السلام مع أنّ إمامته ثابتة بالنصّ ـ عند الشيعة إمامية وزيديّة ـ دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واجبّ آخر ، من دون دخالة له في أمر الإمامة.

والذي نستخلصه من هذا البحث :
أنّ الإمامة إنّما هي منصب إلهي يعتمد على النصّ ـ خاصا كما يقوله الإمامية ، أو عاما كما يقوله الزّيدية ـ وإذا ثبت النصّ على إمام بعينه كان الحجة على الامة ، مهما فعل من قيام أو قعود.
نعم ، إن من المستلزمات الواضحة للإعلان عن الإمامة هو التحرّك في سبيل مصلحة الدين والمسلمين ، والتحرّق من أجل مشاكلهم ومآسيهم ، والسعي في حلّ

(1) حلية الأولياء ، لأبي نعيم (3 : 140).
(2) شرح الإزهار (4 ـ 5854) وانظر الاعتصام (5 ـ 425 و 543).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 28

أزماتهم بكلّ الطرق والسبل ، ولو بتجريد السيف !
ولعلّ اشتراط الخروج والدعوة الذي يظهر من كلمات الزيدية ، يراد كونه شرطا لتعريف الأمّة بالإمام ، والإعلان عن بدء حركته الجهاديّة ، لا شرطا في الإمامة وثبوتها للإمام ، وبهذا يقترب المذهبان.
ولنختم هذا البحث بكلام واحد من كبار علمائنا الذين عاشوا في القرن الرابع الهجريّ ، وهو الشيخ المحدّث الحافظ ، المتكلّم ، الفقيه ، أبو القاسم ، علي بن محمد بن علي الخزّاز القمي ، الذي قال في كتابه القيّم « كفاية الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر » بعدما أورد النصوص المتضافرة على إمامتهم عليهم السلام ما نصّه :
فإن قال قائل : فزيد بن علي ، إذا سمع هذه الأخبار ، وهذه الأحاديث من ثقات المعصومين ، وآمن بها ، واعتقدها ، فلماذا خرج بالسيف ؟ وادّعى الإمامة لنفسه ؟ وأظهر الخلاف على جعفر بن محمد ؟ وهو بالمحلّ الشريف الجليل ، معروف بالستر والصلاح ، مشهور ـ عند الخاص والعام ـ بالعلم والزهد ؟ وهذا ما لا يفعله إلاّ معاند أو جاحد ، وحاشا زيدا أن يكون بهذا المحلّ.
فأقول في ذلك ، وبالله التوفيق :
إن زيد بن علي عليه السلام خرج على سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا على سبيل المخالفة لابن أخيه جعفر بن محمد عليهما السلام.
وإنما وقع الخلاف من جهة الناس ، وذلك أنّ زيد بن علي عليه السلام لمّا خرج ، ولم يخرج جعفر بن محمد عليهما السلام توهّم قوم من الشيعة أنّ امتناع جعفر كان للمخالفة !
وإنما كان لضرب من التدبير.
فلمّا رأى الذين صاروا للزيدية سلفا قالوا : ليس الإمام « من جلس في بيته وأغلق بابه وأرخى ستره » وإنّما الإمام « من خرج بسيفه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ».
فهذا كان سبب وقوع الخلاف بين الشيعة ، وأما جعفر وزيد عليهما السلام ، فما كان بينهما خلاف

(1) كفاية الأثر للخزّاز ( ص 300 ـ 302 ) وانظر ثورة زيد بن علي ( ص 140 ـ 147 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 29

التمـهــيد:

البحث الثاني : إمامة السجّاد زين العابدين عليه السلام


اتّفق الشيعة الإمامية على إمامة زين العابدين عليه السلام:
قال الشيخ المفيد : واتفقت الإمامية على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصّ على علي بن الحسين ، وأن أباه وجّده نصّا عليه كما نصّ عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه كان بذلك إماما للمؤمنين (1).
وقد أقاموا الحجج وجمعوا النصوص الدالة على إمامته عليه السلام في كتبهم (2).
ثمّ إن خصال الفضل ـ الموجب للتقدّم ـ ووجوهه ، في عصر التابعين ، هي : العلم بالدين ، والإنفاق في سبيل الله ، والزهد في الدنيا (3).
وقد اجتمعت كلّها في شخص الإمام زين العابدين عليه السلام.
ولا أظنّ أنّ القول بإمامة السجاد عليه السلام في عقيدة الشيعة الإمامية بحاجة الى الاستدلال ، بعد وضوح ذلك ، والاتفاق الذي نقله الشيخ المفيد ، وإثبات النصوص في صحاحهم المعتمدة.

(1) أوائل المقالات في المذاهب المختارات (ص47).
(2) الكافي للكليني ( 1 : 1 ـ 242 ) والإمامة والتبصرة (ص193) الباب (10) وكفاية الأثر للخزّاز ( ص 230 ـ 235 ) والغيبة للطوسي (ص 5 ـ 196) وإثبات الهداة للحر العاملي ( 3 : 1 ـ 32 ).
(3) راجع الإفصاح للمفيد (ص 231).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 30

وأمّا الزيديّة :
فالذي يظهر من كلام الهادي الى الحق يحيى بن الحسين ( المتوفى 298 ) أنه يلتزم بإمامة السجاد عليه السلام بالنصّ على الوصية إليه حيث ذكره باسمه الصريح ، فقد قال : إن الله عز وجل أوصى بخلقه على لسان النبي الى علي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، والى الأخيار من ذريّة الحسن والحسين ، أولهم علي بن الحسين ، وآخرهم المهدي ، ثم الأئمة في ما بينهما (1).
فهذا الكلام صريح الدلالة على أن الوصية كانت الى الإمام السجاد عليه السلام كما كانت لابيه وعمّه وجدّه ، بالتعيين من الله تعالى فهو عليه السلام من الأوصياء الذين اختارهم الله للإمامة وثبتت لهم بالأختيار الإلهي.

لكنّ بعض العلماء المعاصرين ، من فضلاء الزيدية حاول صرف هذا الكلام عن صريح لفظه ، الى أن سيد الساجدين علي بن الحسين صلوات الله عليه من دعاة الأئمة (2) ولم يذكره في عداد الأئمة.
فبالرغم من عدم وجود قرينة على هذا الحمل ، فإنه يقتضي أن يكون « المهدي » أيضا من دعاة الأئمة ، وهو ما لا يلتزم به أحد من الأُمة !

ونقل السيّد بدرالدين الحوثي عن القاسم عليه السلام ما نصّه :
وجرى الأمر في ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصفوة بعد الصفوة ، لا يكون إلاّ في خير أهل زمانه وأكثرهم اجتهادا وأكثرهم تعبّدا وأطوعهم لله وأعرفهم بحلال الله وحرامه وأقومهم بحقّ الله وأزهدهم في الدنيا وأرغبهم في الآخرة وأشوقهم للقاء الله ، فهذه صفة الإمام ، فمن استبان منه هذه الخصال فقد وجبت طاعته على الخلائق ، فتفهّموا وانظروا :
هل بيننا وبينكم اختلاف في علي بن أبي طالب ثم بعده الحسن بن علي ؟

(1) كتاب فيه معرفة الله والعدل والتوحيد ، للهادي ، مطبوع في رسائل العدل والتوحيد (2 : 82). وأورده بنصه في المجموعة الفاخرة (ص221). ونقله السيد بدرالدين الحوثي في رسالة ( الزيدية في اليمن ) (ص 17).
(2) التحف شرح الزلف (ص 25).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 31

أو هل اختلفنا من بعده في الحسين بن علي ؟
أو هل اختلفنا في علي بن الحسين ؟
أو هل اختلفنا في محمد بن علي ؟
أو هل ظهر منهم رغبة في الدنيا ؟! أو طلب اموال الناس ؟
الى قوله عليه السلام : فلو أردنا أن نجحد الحقّ لجحدناهم من بعد الحسين بن علي ، وصيّرناه في أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامّة (1).
وهذا النصّ أصرح في التزام الزيدية بامامة علي بن الحسين السجاد ومحمد بن علي الباقر عليهما السلام ، حالهم حال الإمامية بلا خلاف في القول بامامتهم الخاصة.
والذي يظهر من تتبّع أقوال خبراء الملل والنحل أن الزيدية القدماء كانوا يلتزمون بإمامة السجاد عليه السلام ، ولم يختلف الشيعة في إمامته :
فالشهرستاني ـ لما ذكر الاختلاف في الإمامة ، وذكر من قال بالنصّ على الحسن والحسين ـ قال : ثم اختلفوا : فمنهم من أجرى الإمامة في أولاد الحسن عليه السلام ، فقال بعده بإمامة ابنه الحسن [ المثنى ] ثم ابنه عبدالله...
ومنهم من أجرى الوصية في أولاد الحسين ، وقال بعده بإمامة ابنه علي بن الحسين زين العابدين ، نصّا عليه ، ثم اختلفوا بعده : فقالت الزيدية بإمامة زيد ، وإمّا الإمامية فقالوا بإمامة ابنه محمد بن علي الباقر ، نصّا عليه (2).
وقال في الجارودية : فساق بعضهم الإمامة من علي الى الحسن ، ثم الى الحسين ، ثم الى علي بن الحسين زين العابدين ، ثم الى ابنه زيد... (3).
وقال القاضي النعمان المصري : الزيدية من الشيعة زعموا أنّ من دعا الى الله عزّ وجلّ من آل محمد فهو إمام مفترض الطاعة.
قالوا : وكان علي إماما حين دعا الناس الى نفسه ، ثم الحسن والحسين ، ثم زين

(1) الزيدية في اليمن (ص 17 ـ 18) عن كتاب ( الرد على الروافض من الغلاة ـ المخطوط ـ ص 264 ـ 265 ).
(2) الملل والنحل (1 : 27).
(3) الملل والنحل (1 : 158).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 32

العابدين ، ثم زيد بن علي... (1).
ويظهر التزام زيد بإمامة أبيه من الحوار الذي جرى بينه وبين أخيه الإمام الباقر ، والذي نقله الشهرستاني ، فإنّ زيدا كان يرى الخروج شرطا في كون الإمام إماما ، فقال له الباقر يوما : مقتضى مذهبك : والدك ليس بإمام ! فإنه لم يخرج قط ! ولا تعرّض للخروج (2).
فلو لم يكن زيد ملتزما بإمامة والده السجاد عليه السلام ، لم يتمّ إلزامه بما في هذا الحوار.
لكنّ الزيدية المتأخرين خالفوا ذلك : ففي المعاصرين من لم يلتزم بإمامة السجاد عليه السلام بل يعدّه من دعاة الأئمة !
وهؤلاء يسوقون الإمامة من الحسين عليه السلام الشهيد في كربلاء ( سنة 61 ) الى الحسن المثنى بن الحسن المجتبى عليه السلام ويلقبونه بـ « الرضا » ثم الى زيد (3).
ويبدوا أن الألتزام بعدم إمامة السجاد عليه السلام أصبح مذهبا للجارودية في الفترة المتأخرة عن عهد الهادي الى الحق ، فإنّ الشيخ المفيد نقل إنكارهم أن يكون علي بن الحسين عليه السلام إماما للاُمة بما توجب به الإمامة لأحد من أئمة المسلمين (4).
وقال السيد ما نكديم أحمد بن الحسين بن هاشم الحسيني ششديو ، في تعيين الإمام : إعلم أن مذهبنا أن الإمام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم : علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم زيد بن علي ، ثم من سار بسيرتهم (5).
والملاحظ عدم ذكره للحسن المثنى.

(1) شرح الأخبار للقاضي ( 3 : 317 ).
(2) الملل والنحل ( 1 ـ 156 ).
(3) التحف شرح الزلف ( ص 22 و 24 ـ 25 ).
(4) أوائل المقالات (ص 47) ولاحظ أجوبة ابن قبة الرازي على كتاب ( الأشهاد ) لأبي زيد العلوي الزيدي المطبوع في إكمال الدين (ص 113) اذ قال له : وأنت لا تعترف بإمامة مثل علي بن الحسين عليه السلام ! ، مع محله في العلم والفضل عند المخالف والموافق.
(5) شرح الأصول الخمسة ، للقاضي (ص 757).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 33

ومع أن هذه النصوص تدلّ على الخلاف الكبير بين الزيدية في تعيين الإمام بعد الحسين عليه السلام ، فإنا يمكننا الوصول الى رأي واحد من خلال الملاحظات التالية :
فعلى الرأي الأخير ، فإن منصب الإمامة يبقى شاغرا عمّن يتولاّه من سنة (61) مقتل الإمام الحسين عليه السلام ، الى سنة (121) مخرج زيد عليه السلام.
وحتى على الرأي الثاني ، فالمنصب يبقى شاغرا من سنة (61) الى سنة (83) مخرج ابن الأشعث ودعوته الى الحسن المثنى ، على الفرض (1).

ومن المعروف ـ وحسب الأحاديث الصريحة ـ أنّ الارض لا تخلو من حجّة (2).

ودلالة الأحاديث المشهورة : « من مات لا يعرف إمامه» أو « وليس له أمام ، مات ميتة جاهلية » (3) على أنّه لا بدّ للاُمة ـ في كل زمان ـ من إمام عدل يعرفونه ، ويدينون بإمامته وولايته ، وأن الجاهل بالإمام خارج عن ملّة الإسلام ، واضحة صريحة.
فخلوّ الفترة بين (61) الى (83) أمر لا ينطبق على هذه الأصول.

على أنّ القول بإمامة الحسن المثنى ، وإن التزم به بعض المتأخرّين من الزيدية ، استنادا الى ما قيل من أن : عبد الرحمن بن الاشعث قد دعا إليه ، وبايعه ، فلّما قُتل

(1) ولا يمكن الالتزام بإمامة الحسن ولا زيد قبل خروجهما ، إذا كان الخروج شرطا للإمامة ، كما يقول هؤلاء ، وحسب تفسيرهم للخروج !.
(2) الكافي ( 1ص 6 ـ 137 ) والإمامة والتبصرة ( ص 157 ـ 163 ) ب (2) واكمال الدين (ص 10).
(3) الكافي ( 1 ص 308 ) والإمامة والتبصرة ( ص 219 ـ 220 ) ب (18) وح 50 ب 11 وانظر : بحار الأنوار ( ج 23 ص 76 ـ 95 ) ورواه في ( الجامع الكافي ) كما في الاعتصام ( 5 : 409 ) وقال : رواه الهادي في الاحكام ( 2 : 466 ) ودرر الأحاديث اليحيوية ( ص 177 ) ورواه المفيد في الأفصاح (ص28) وعبّر عنه بالمتواتر ، وعبّر عنه الشهيد الثاني بقوله : « من مشاهير الاحاديث بين العامّة والخاصّة وقد أوردها العامّة في كتب اُصولهم وفروعهم » جاء ذلك في كتاب : حقايق الإيمان ( ص 151 ). ورواه من العامة الحاكم في المستدرك على الصحيحين (1 : 77 و 117 ) والطبراني في المعجم الزوائد ( 10 : 350 ) رقم (10687) وبلفظ ( بغير إمام ) في ( 19 : 388 ) رقم (910) ومجمع الزوائد ( 5 : 225 ) وقد جمع الحديث بالفاظه المختلفة الشيخ مهدي الفقيه في كتابه ( شناخت امام ) باللغة الفارسية وهو مطبوع.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 34

عبد الرحمن توارى الحسن حتى دسّ اليه من سقاه السمّ ، فمات ، وعمره ثلاث وخمسون سنة (1) ، فهو أمرّ لم يثبت.
لأن الشيخ المفيد قال : ومضى الحسن [ المثنى ] ولم يدّع الإمامة ، ولا أدّعاها له مدّع (2).
ولو فرضنا صحّة الدعوة منه ، أو اليه ، فهل مجّرد الدعوة ثمّ الأختفاء والموت يكفي لإسناد منصب الإمامة العظيم الى شخص ؟ !
وهل يقنع العقل بمجرد ذلك لإسناد الإمامة الى شخص غير الإمام السجّاد ؟ فيُعرض عن ملاحظة الإنجازات السياسية والدينية الهائلة التي قدّمها الإمام السجّاد عليه السلام طيلة فترة إمامته (61 ـ 95 ) والتي سنستعرضها في الفصول القادمة ؟ !.
وهل تُقاس هذه الجهود بمجرد الدعوة ثم الأختفاء والموت ؟!
وهل مثل تلك الدعوة ـ على قصرها ـ تحقّق المطلوب من روح شرط « الخروج » ؟!
مع أنّ الإمام السجاد عليه السلام قد أعلن الدعوة صريحة الى إمامة نفسه ، وعلى رؤوس الأشهاد ، وعلى مدى أربع وثلاثين عاما ! كما سيأتي.

وأما العامّة :
فقد قال الذهبي في ترجمة الإمام السجاد : السيد الإمام ، زين العابدين ، وكان له جلالة عجيبة ، وحقّ له ذلك ، فقد كان أهلا للإمامة العظمى : لشرفه ، وسؤدده ، وعلمه ، وتالّهه ، وكمال عقله (3).
وقال المناوي : زين العابدين ، إمام ، سند ، اشتهرت أياديه ومكارمه ، وطارت بالجوّ في الوجود حمائمه ، كان عظيم القدر ، رحب الساحة والصدر ، رأساً لجسد

(1) عمدة الطالب ( 100 ـ 101 ) وانظر هامشه.
(2) الإرشاد الى ائمة العباد للمفيد (ص 197) وقد فصل الحديث عنه وقال : كان جليلا رئيسا فاضلا ورعا وكان يلي صدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في وقته ، وله مع الحجّاج خبر ( الارشاد ص 196 ).
(3) سير أعلام النبلاء ( 4 : 398 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 35

الرئاسة ، مؤمّلا للإيالة والسياسة (1).
وقال الجاحظ : أمّا علي بن الحسين بن علي : فلم أر الخارجي في أمره إلاّ كالشيعي ، ولم أر الشيعي إلاّ كالمعتزلي ، ولم أر المعتزلي إلاّ كالعامي ، ولم أر العامي إلاّ كالخاصيّ ، ولم أجد أحدا يتمارى في تفضيله ويشكّ في تقديمه (2).
وقال الجاحظ أيضا : وأمّا علي بن الحسين عليه السلام فالناس على اختلاف مذاهبهم مجمعون عليه لايمتري أحد في تدبيره ، ولا يشكّ أحد في تقديمه (3).
وقد ترجم له عليه السلام أعلام العامة فلم يذكروه إلاّ بالسيادة والشرف ، والتقى والعلم ، والعبادة والفضل ، والحلم والكرم ، والتدبير والحكمة ، وكثير منهم وصفه بالإمامة (4).
وهل يشكّ مسلم مؤمن بالكتاب والسنة ، ومزدان بالعقل والعدل ، في تقدّم هذا الإمام على خلفاء عصره ، وأولويّته بالإمامة والخلافة والحكم ؟

الإشارة الى إمامة السجّاد :
ولنختم هذا البحث بحديث اتفقت المذاهب الإسلامية الكبيرة علي روايته ونقله :

1 ـ من طرق الإمامية :
روى الشيخ أبو جعفر الصدوق محمّد بن علي ابن بابويه القمي ، مسندا ، عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين زين العابدين ؟ فكأني أنظر الى ولدي عليّ بن الحسين بن علي أبي طالب يخطر بين الصفوف (5).
وروى الصدوق أيضا ، مسندا عن عمران بن سليم ، قال : كان الزهري إذا حدّث عن علي بن الحسين عليه السلام قال : « حدّثني زين العابدين علي بن الحسين » فقال له

(1) الكواكب الدريّة ( 2 : 139 ).
(2) عمدة الطالب ( 3 ـ 194 ) عن ( رسالة ) الجاحظ في فضل بني هاشم ، وانظر العلم الشامخ للمقبلي (ص10).
(3) رسالة الجاحظ ، ونقله عنه في كشف الغمّة ( 1 : 31 ).
(4) انظر : طبقات ابن سعد ( 5/211 ) المعارف لابن قتيبة ( ص 214 ) حلية الأولياء (3 : 133 ) تذكرة الحفاظ ( 1 : 74 ) تهذيب التهذيب ( 7 : 304 ) النجوم الزاهرة ( 1 : 229 ) وغيرها.
(5) أمالي الصدوق ( ص 272 ) نهاية المجلس (53) وعنه في بحار الأنوار ( 46 ص 3 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 36

سنيان بن عيينة : ولم تقول له : « زين العابدين » ؟
قال : لأني سمعت سعيد بن المسيّب ، يحدّث عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا كان... (1) وروى الحديث بلفظه.
ورواه في العلل أيضا مسندا إلى الصادق عليه السلام موقوفا عليه (2).

2 ـ من طرق العامة :
روى الحافظ ابن عساكر ، بسنده ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي الزبير قال : كنّا عند جابر ، فدخل عليه علي بن الحسين ، فقال له جابر : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فدخل الحسين ، فضمّه اليه وقبّله وأقعده الى جنبه ، ثم قال : يولد لابني هذا ابن يقال له « علي بن الحسين » إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : « ليقم سيّد العابدين» فيقوم هو (3).
وروى ابن المديني عن جابر أنه قال للامام الباقر محمد بن علي ، وهو صغير : « رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلّم عليك» فقيل له : وكيف ذاك ؟
قال : كنت جالسا عنده ، والحسين في حجره وهو يداعبه ، فقال : يا جابر ، يولد له مولود اسمه عليّ ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد : « ليقم سيّد العابدين » فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فإن أدركته ـ يا جابر ـ فأقرئه منّي السلام (4).

3 ـ من طرق الزيدية:
روى السيد الموفق بالله قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد : أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله : اخبرنا الحسن بن علي بن زكريا : حدثّنا العباس بن بكّار : حدثّنا أبو بكر الهذلي ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

(1) علل الشرائع (ص 87) وعنه في بحار الأنوار ( 46 ص 2 ـ 3 ) وعوالم العلوم (ص 17).
(2) علل الشرائع ( 1 : 229 ) وعنه بحار الأنوار (46 ص 3).
(3) تاريخ دمشق ص 26 الحديث 34 ( من ترجمة الإمام زين العابدين ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 234 ).
(4) الصواعق المحرقة (ص 120) ولسان الميزان ( 5 : 168 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 37

يولد للحسين ابن يقال له علي ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم سيد العابدين (1).
ورواه الشهيد المحلّي أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : « ليقم سيّد العابدين » فيقوم عليّ بن الحسين (2).
الدلالة :
وهذا الحديث مع تعدّد طرقه وشواهده ، التي يؤيّد بعضها بعضا ، فيه الإشارة الى الإمام السجاد ، من نوع النصّ الخفّي ـ الذي يلتزم به كثير من الزيدية ـ على إمامته وإلاّ فدلالته على تشخّصه وفضله وشرفه على أهل عصره ، مما لا يرتاب فيه.

خير أهل الأرض :
وروى الباقر عليه السلام عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لابنه الحسين لّما أخذ شهربانُويه ـ اُم علي بن الحسين ـ : يا أبا عبد الله ، لتلدنّ لك خير أهل الأرض.
فولد عليّ بن الحسين عليه السلام (3).
ومن المعلوم أن خير أهل الأرض في عصره لابدّ أن يكون هو الإمام ، لأنه الأفضل.

دعوة الإمام الى إمامة نفسه :
ثم إن الإمام السجاد عليه السلام قد دعا الى إمامة نفسه في كثير من أقواله وتصريحاته ومنها قوله : نحن أبواب الله ، ونحن الصراط المستقيم ، ونحن عيبة علمه ، ونحن تراجمة وحيه ، ونحن أركان توحيده ، ونحن مواضع سرّه... (4).
وغير ذلك من النصوص التي سنذكر بعضها (5).

(1) كتاب الاعتبار وسلوة العارفين (ص 185).
(2) الحدائق الوردية (ص 137).
(3) الكافي للكليني ( 1 : 466 ) وإثبات الوصيّة للمسعودي (ص 145) وانظر : محاضرات الراغب الاصفهاني ( 1 : 347 ) ط بيروت وقد نقله في العوالم (ص 6) عن بصائر الدرجات للصفار ( ص 335 ـ 355 ) وانظر البحار ( 46/19 /2 ).
(4) معاني الأخبار للصدوق (ص31).]
(5) لاحظ نهاية الفصل الثاني من كتابنا هذا.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 38

ومهما يكن :
فلو التزمنا بإمامة الإمام السجاد عليه السلام ، كما تقول به الشيعة الإمامية ، وقدماء الزيدية.
أو التزمنا بأهليّته للإمامة ، كما نصّ عليه العامة.
أو قلنا إنه من دعاة الأئمة ، كما يقول به المعاصرون من الزيدية !
فإن حياة مثله لا يمكن أن تفرّغ من التحرّك السياسي ، الذي عرفنا أنه من مهمات « الإمامة » بل من صميم معناها !
وبعد :
فلو أعرضنا عن كل ذلك ، فإن ما نستعرضه في الفصول القادمة ، تعطينا الأدلة والبراهين الصادقة ، والشواهد العينية البيّنة ، على أنّ الإمام السجاد عليه السلام ، لا لأنّه لم يعتزل السياسة ولم يبتعد عن شؤونها ، فحسب ، بل إنه خطط لعمله السياسي أدقّ الخطط ، ودخل معمعة السياسة من الأبواب الواسعة ، والخطيرة ، بما حقّق أهداف الإمامة بأحسن شكل.
وأهم ميزات هذه الخطط أنها كانت دقيقة حتى أنها خفيت على الكثيرين من المؤرّخين والدارسين ، فراحوا ينكرونها وينفونها.
وأمّا الحكّام والساسة المعاصرون للإمام ، فقد أربكتهم تلك السياسة الدقيقة ، ولم يتمكّنوا من مقاومتها ، ولا الوقوف في وجهها ، فلم يكن منهم إلا مسايرتها ، والتسليم أمامها ، وبالتالي التراجع عن كثير من مواقع السلطة التي بنوا عليها نظام حكمهم ، واسّسوا عليها أساس ظلمهم وغصبهم للخلافة.
وتفصيل هذا الإجمال ، تتكفّله الفصول التالية ، بعون الله.

ويبدو أنّ البحث عن إثبات إمامة السجّاد عليه السلام قد كان مُثارا منذ القرن الرابع فقد قام واحد من كبار علماء الإمامية وهو العيّاشي السمرقندي محمد بن مسعود السلمي صاحب التفسير المعروف ، بتأليف كتاب باسم « إثبات إمامة علي بن الحسين عليه السلام » ذكره النجاشي في رجاله (ص 352) رقم (944) وانظر الفهرست للطوسي (ص164) رقم (605) ولاحظ الفهرست لابن النديم (ص 325).

السابق السابق الفهرس التالي التالي