جهاد الامام السجاد عليه السلام 56

وأصبحت قريش تعدّ (1) : أن لها الفضل على العرب ، لأن محمدا منها ، لا يعدّ لها فضل إلاّ به ، وأصبحت العرب مقرّة (2) لهم بذلك.
وأصبحت العرب تعدّ (3) أن لها الفضل على العجم ، لأن محمدا منها ، لا يعدّ لها فضل إلاّ به ، وأصبحت العجم مقرّة (4)
فإن كانت العرب صدقت أنّ لها الفضل على العجم ، وصدقت قريش أنّ لها الفضل على العرب لأنّ محمّدا منها : إن لنا ـ أهل البيت ـ الفضل على قريش ، لأن محمدا منّا.
فأضحوا يأخذون بحقّنا ، ولا يعرفون لنا حقّا.
فهكذا أصبحنا ، إن لم يعلم : كيف أصبحنا ؟!

قال المنهال : فظننت أنّه أراد أن يسمع من في البيت ! (5)
ويصرّح في موقف مماثل يسأل فيه عن الركب الذي هو فيه ، فيقول :
« إنا من أهل البيت ، الذين افترض الله مودّتهم على كل مسلم ، فقال تبارك وتعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم :« قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا » [ سورة الشورى 42 الآية «23» فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت » (6).
الى غير ذلك من المواقف التي كان لها أثر حاسم في تغيير سياسة يزيد تجاه هذا الركب المأسور ، حتى أرجعه الى المدينة !
إنّ هذه المواقف لم تكن تصدر من قلب مليء بالرعب ، أو شخص يفضّل السلامة ، أو يميل الى الهدوء والراحة ، او المسالمة مع العدو أو الركون الى الظالمين !

(1) كذا الصواب وكان في المختصر : ( بعد ).
(2) كذا الصواب وكان في المختصر : ( معيرة ).
(3) كذا الصواب وكان في المختصر : ( بعد ).
(4) كذا الصواب وكان في المختصر : ( معيرة ).
(5) تاريخ دمشق ( الحديث 120 ) مختصر ابن منظور ( 17 : 245 ) ورواه الحافظ محمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ( ج 2 ص 108 ) رقم (598) ولاحظ طبقات ابن سعد ( 5/219 ). ورواه السيد الموفق بالله في الاعتبار وسلوة العارفين (ص 186).
(6) المستدرك على الصحيحين ، للحاكم ( 3 : 172 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 57

إنّما صاحب هذه المواقف ذو روح متطلّعة وثابة هادفة ، إذا لم يتح له ـ بعد كربلاء ـ أن يأخذ بقائمة السيف ، فسنان المنطق لا يزال في قدرته ، يهتك به ظلام التعتيم الإعلامي المضلّل !
وقد اتّبع الإمام السجّاد عليه السلام هذه الخطّة بحكمة وتدبير عن علم بالأمر ، وعمد له ، وكشف عن أنه انتهجه سياسة مدبرة مدروسة.

فلمّا سئل عن : « الكلام ، والسكوت » أيّهما أفضل ؟ لم يدل بما يعتبره الحكماء من : أن الكلام إذا كان من فضة فالسكوت من ذهب ، وإنمّا قال :
« لكل واحد منهما آفات ، وإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت ».
ولمّا سئل عن سبب ذلك مع مخالفته لاعتبار الحكماء المستقر في أذهان الناس من فضل السكوت ؟ قال :
« لأن الله ـ عز وجل ـ ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت ، وإنّما بعثهم بالكلام .
ولا استحقت الجنة بالسكوت.
ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت.
ولا توقّيت النار بالسكوت.
ولا يجنّب سخط الله بالسكوت.
إنما كلّه بالكلام ! وما كنت لأعدل القمر بالشمس !
إنك تصف فضل السكوت بالكلام ، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت ! (1)
     وهكذا طبق الإمام عليه السلام هذه الحكمة البالغة ، وأدّى رسالته الإلهية من خلال خطبه وكلماته ومواعظه وأحاديثه ، في جميع المواقف العظيمة التي وقفها ، وهو في الأسر.
وإذا كان الظالمون يعتدون على المصلحين والأحرار بالقتل والسجن ، فإنّما ذلك ليخنقوا كل صوت في الحناجر ، ولئلا يسمع الناس حديثهم وكلامهم (2).

(1) الاحتجاج للطبرسي ( ص 315 ).
(2) لاحظ أن الحجّاج ختم على مجموعة من الصحابة كي لا يسمعهم الناس ، في اسد الغابة ( 2 : 471 ) ترجمة سهل الساعدي.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 58

وإذا ذبح الحسين عليه السلام وقتل في كربلاء ، فإنّ نداءاته ظلّت تدوّي من حنجرة الإمام السجّاد عليه السلام في مسيرة الأسرى ، وفي قلب مجالس الحكّام.
وليس من الإنصاف ، في القاموس السياسي ، أن يوصف من يؤدي هذا الدور ، بالانعزال عن السياسة ، أو الابتعاد عن الحركة والنضال !
بل ، أذا كانت حركة الإمام الحسين عليه السلام سياسية ، كما هي كذلك بلا ريب فكما قال القرشي : إن الإمام زين العابدين عليه السلام من أقوى العوامل في تخليد الثورة الحسينية ، وتفاعلها مع عواطف المجتمع وأحاسيسه ، وذلك بمواقفه الرائعة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا في دنيا الشجاعة والبطولات ! أمّا خطابه في بلاط يزيد فإنه من أروع الوثائق السياسية في الإسلام (1).
وبرز الإمام زين العابدين عليه السلام على مسرح الحياة الإسلامية كألمع سياسي إسلامي عرفه التاريخ ، فقد استطاع بمهارة فائقة ـ وهو في قيد المرض والأسر ـ أن ينشر أهداف الثورة العظمى التي فجّرها أبوه الإمام الحسين القائد الملهم للمسيرة الإسلامية الظافرة ، فأبرز قيمها الأصلية بأسلوب مشرق كان في منتهى التقنين ، والأصالة ، والإبداع (2).

(1) حياة الإمام زين العابدين ، للقرشي ( 1 : 8 ).
(2) حياة الإمام زين العابدين ، للقرشي ( 1 : 7 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 59



ثالثا : في المدينة

رجع الإمام السجّاد الى المدينة :
ليرى المدينة واجمة ، موحشة من أهله وذويه ، رجالات أهل البيت عليهم السلام ، والناس كذلك واجمون ، بعد أن رأوا ركب أهل البيت يرجع ليس فيهم إلاّ علي بن الحسين عليه السلام ، وليس معه ألاّ أطفال ونساء !! أما الرجال فقد ذبحوا على يد العصبة الاموية !؟
وإذا لم يتورّع آل اُمية من إراقة دم الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هكذا ، وفي وضح النهار ، وهو من هو ! فمن سوف يأمن بغيهم وسطوتهم !؟
إنّ الإمام السجاد عليه السلام ، وهو الوارث الشرعي لدماء كلّ المقتولين ، الشهداء الذين ذبحوا في كربلاء ، وهو الشاهد الوحيد على كلّ ما جرى في تلك الواقعة الرهيبة ، لابدّ أن عين الرقابة تلاحقه ، وتتربّص به ، وتنظر الى تصرفاته بريبة واتهام.

والناس ـ على عادتهم في الابتعاد والتخوّف من مواضع التهمة ، ومواقع الخطر ـ قد تركوا علي بن الحسين ، وابتعدوا عنه ، حتى من كان يعلن الحبّ لأهل البيت عليهم السلام قبل كربلاء ، لم يكد يفصح عن ودّه بعد كربلاء.
وقد عبّر الإمام السجّاد عليه السلام عن ذلك بقوله : « ما بمكة والمدينة عشرون رجلا يحبّنا » (1)
وإذا كان عدد الملتزمين بالولاء الصادق لأهل البيت ، في عاصمة الإسلام قليلا الى هذا الحدّ ، فكيف بالبلدان القاصية عن مركز وجود أهل البيت عليهم السلام ؟!

وقد رجع الإمام السجّاد عليه السلام حاملا معه أعباءا ثقالا :
فأعباء كربلاء ، بمآسيها ، وذكرياتها ، وأتعابها ، وجروحها ، والأثقل من كلّ ذلك ( أهدفها ) ونتائجها ، فقد هبط المدينة وهو الوحيد الباقي من رجال تلك المعركة ،

(1) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ( 4 : 140 ). ولاحظ الغارات للثقفي (ص 573) وبحار الأنوار ( 46/143 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 60

فعليه أداء رسالتها العظيمة.
وأعباء العائلة المهضومة ، المكثورة ، ما بين ثكالى وأرامل وأيتام ، ودموع لابدّ أن يكفكفها ، وعواطف مخدوشة ، وقلوب صغيرة مروّعة ، وعيون موحشة ، وجروح وأمراض وآلام ، تحتاج الى مداراة ومداواة والتيام !
ولابدّ أن يسترجع القوى !
وأعباء الإمامة ، تلك المسؤولية الإلهية ، والتاريخية الملقاة على عاتقه ، والتي لابدّ أن ينهض بها ، فيلملم كوادرها ويردم الصدمات العنيفة التي هزّ كيانها ، ويرأب الصدع الذي أصاب بناء نظام الإمامة الشامخ ، الذي يمثّل الخط الصحيح للإسلام.
وقد حمل الإمام السجّاد عليه السلام ، في وحدته ، كلّ هذه الأعباء ، وبفضل حكمته وتدبيره خرج من عهدتها بأفضل الأشكال.

ففي السنين الأولى :
وقبل كل هذه المهمات الهائلة الثقال ، وبعدها : كانت ملاحقة الدولة ، أهمّ ما كان على الإمام السجّاد عليه السلام أن يوقفها عند حدّ ، حتى يتمكّن من أداء واجب تلك الإعباء الصعبة بشكل صحيح ومطلوب.
ولابدّ أن أصابع الاتّهام كانت موجهة إليه ما دام موجودا في المدينة ، أو أي بلد إسلامي آخر ، تلاحق حركاته وسكناته ، وتحصي أنفاسه وكلماته.

الإجراء الفريد :
فلذلك اتّخذ إجراءا فريدا في حياة الأئمة ، وبأسلوب غريب جدّا ، لمواجهة الموقف ، ولإبعاد نفسه عن وجهة تلك الأتهامات والملاحقات التي لا يمكن صرفها هي ولا تغيير وجهتها.
فأبعد بذلك الإجراء الأخطار الموجهة إليه من الملاحقات ، وبدأ بعيدا عنها بالاستعداد لما يتوجّبه حمل تلك الأعباء ، ويتأهب للقيام بدوره ، كوارث لكربلاء ، وكمعيل كفيل لعوائل الشهداء ، وكإمام يقود الأمة ويحافظ على تعاليم السماء.
كان ذلك الإجراء الفريد أنه أتخذ بيتا من « شعر » في البادية ، خارج المدينة !

جهاد الامام السجاد عليه السلام 61

قال ابن أبي قرّة في ( مزاره ) بسنده عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام ، قال : كان أبي علي بن الحسين عليه السلام ، قد اتّخذ منزله ـ من بعد مقتل أبيه الحسين بن علي عليه السلام ـ بيتا من شعر ، وأقام بالبادية ، فلبث بها عدّة سنين ، كراهية لمخالطة الناس (1) وملاقاتهم.
وكان يصير من البادية بمقامه الى العراق زائرا لأبيه وجدّه عليهما السلام ، ولا يشعر بذلك من فعله (2).
إنه تصرّف غريب في طول تاريخ الإمامة ، لم نجد له مثيلا ، لكنه ـ كما تكشف عنه الأحداث المتتالية ـ عمل عظيم ينمّ عن حنكة سياسية ، وتدبير دقيق للإمام عليه السلام.
فإذا كان الإمام عليه السلام يعيش خارج المدينة ، وكان ينزل البادية :
فإن الدولة لا تتمكّن من اتهامه بشيء يحدث في المدينة ، ويكون من العبث ملاحقته وملاحظته ، في محل مكشوف مثل البادية !
وأمّا هو عليه السلام : فخير له أن يتخذ منتجعا مؤقتا بعيدا عن الناس ، حتى تهدأ الأوضاع وتستقرّ ، وتعود المياه الى مجاريها.
وبعيدا عن الناس ، للاستجمام ، ولاستجماع قواه ، كي ينتعش مما أبلاه في سفره ذلك من النصب والتعب ، ليتمكّن من مداومة مسيره ـ بعد ذلك ـ بقوة وجدّ.
وهو عليه السلام بحاجة بعد ذلك العناء والضنى الى راحة جسدية ، وهدوء بال وخاطر ، حتى يبلّ من مرضه أو يداوي جراحاته.
ثم ، إن المدينة التي دخلها الإمام السجّاد عليه السلام وهو غلام ابن (23) سنة ـ أو نحو ذلك ـ لم تكن لتعرف للإمام مكانته كإمام ، وهو ـ بعد ـ لم يعاشرهم ، ولم يداخلهم ، وما تداولوا حديثه ، ولم تظهر لهم خصائصه ، كي ينطلقوا معه كقائم بالإمامة !
ولعدم وجود العدد اللازم من الإعوان والأنصار ، بالقدر الكافي لإعداد حركة

(1) يلاحظ أن كلمة ( الناس ) في حديث أهل البيت عليهم السلام ـ خاصة ـ يطلق على غير المعتقدين بالإمامة ، في أغلب الأحيان.
(2) فرحة الغري ، لابن طاوس (ص 43) الإمام زين العبادين ، للمقرّم (ص 42) ولاحظ الكافي للكليني ، قسم الروضة (ص 255) حيث جاء فيها حديث زيارة الإمام السجّاد عليه السلام لقبر أمير المؤمنين عليه السلام ولقاء أبي حمزة الثمالي له ، فليلاحظ.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 62

مستقلة يعلنها الإمام ، وحفاظا على العدد الضئيل الباقي على ولائه للإمام.

فقد بنى الإمام زين العابدين عليه السلام سياسته ، في ابتداء إمامته على أساس الابتعاد عن الناس ، ودعوتهم الى الابتعاد عنه عليه السلام.
وقد أعلن الإمام عن هذه السياسة ، في أول لقاء له مع مجموعة من شيعته ومواليه في الكوفة ، عندما عرضوا عليه ولاءهم ، وقالوا له بأجمعهم : نحن كلنا يابن رسول الله ، سامعون ، مطيعون ، حافظون لذمامك ، غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك ، رحمك الله ، فإنّا حرب لحربك ، وسلم لسلمك ، لنأخذنّ تِرَتك وتِرَتنا ممن ظلمك وظلمنا.
فقال عليه السلام : هيهات.. ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا (1).
إن الإمام عليه السلام أخذ عليهم ، سائلا ، أن يأخذوا في تلك الفترة ، جانب الحياد تجاه أهل البيت عليهم السلام ، لا لهم ، ولا عليهم.
إذ ، لو رأت السلطة أدنى تجمّع حول الإمام عليه السلام ، لاتّخذت ذلك مبررا لها أن تستأصل وجوده ومن معه ، فإنّ من الهيّن عليها قتل علي بن الحسين وهو ضعيف ، بعد أن قتلت الحسين عليه السلام وهو اقوى موقعا في الأمة !
كان مغزى هذا التدبير السياسي المؤقت : أن لا يبقى الإمام عليه السلام داخل المدينة ، حتى لا تلاحقه أوهام الدولة وتخمينات رجالها وحتى يبتعد عن طنونهم السيئة ، بل خرج الى فضاء البادية المفتوح ، وخارج البلد ، يسكن في بيت من ( شَعر ) ليرفع عن نفسه سهام الريب ، ويدفع عن ساحته اهتمام رجال الدولة ، كوارث للشهداء.
ولقد طالت هذه الحالة « عدّة سنين » حسب النصّ ، ولعلّها بدأت من سنة (61) عندما رجع أهل البيت الى المدينة ، وحتى نهاية سنة (63) عندما انتهت مجزرة الحرّة الرهيبة.

(1) الأحتجاج للطبرسي (ص 306) وانظر اللهوف لابن طاوس (ص 6 ـ 67) ويبدو أن هذا الاجتماع كان بعد عودة الإمام عليه السلام من الشام الى الكوفة أو في بعض أسفاره السرية الى العراق !.
وانظر فضل الكوفة من مزار ابن المشهدي (ص 78).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 63

وأما بعد هذه الفترة ، فلم يعرف عن هذا البيت من الشَعر خبر في تاريخ الإمام عليه السلام ، ولا أثر !

وأبرز ما أثمرته هذه الظاهرة الغريبة ، أنّ القائد الاموي السفّاك مسلم بن عقبة ، في هجومه الوحشي الكاسح على المدينة وأهلها ، لم يمسّ الإمام بسوء ، وعدّه « خيرا لا شرّ فيه ».
وواضح ، أن المراد من « خير وشر » في منطق هذا الأموي السفاح ، ماهو ؟! مع أنّ الإمام كان مستهدفا بالذات في ذلك الهجوم ، كما سنوضحه في ما بعد !
ولقد استنفد الإمام السجاد عليه السلام جلّ أغراضه وأهدافه من هذا الإجراء الفريد ، فرجع الى المدينة ، وقد انقلبت ظنون رجال الحكم السيئة ، الى حالة مألوفة ، وأصبح الإمام في نظرهم مواطنا ، يمكنه أن يسكن المدينة ، من دون أن تنصب له الدوائر ، ولا أن تجعل عليه العيون.
بل ، انقلب البغض الدفين ، الذي كان يكنّه الأمويون تجاه بني هاشم ، وركّزه معاوية في أهل بيت الرسول ، وصبّه على أمير المؤمنين علي وأولاده ، وجسّده يزيد في الفاجعة المروّعة بقتل شيخ العترة وسيّدها الحسين بن علي عليه السلام ، وقتل خيرة رجالات أهل بيته ، وأصحابه ، في مجزرة كربلاء.
انقلب كل ذلك ـ في نهاية المطاف ـ بفضل سياسة الإمام زين العابدين عليه السلام ، الى أن يكون علي بن الحسين أحبّ الناس الى حكّام بني أمية (1).
وبهذا يمكن أن نفسّر النصّ الوارد في إعلام إمامة علي بن الحسين عليه السلام المعروف بحديث اللوح الذي رواه جابر بن عبدالله الأنصاري حيث جاء فيه :
« أطرق ، واصمت ، والزم منزلك ، واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين » (2).
فلابد أن تحدّد فترة ذلك بأول عهد إمامة الإمام السجاد عليه السلام حين كان يواجه

(1) كان علي بن الحسين أحبّ الناس الى مروان وابنه عبدالملك. طبقات ابن سعد ( 5 : 159 ) تاريخ دمشق ( الاحاديث 38 ـ 40 ) وابن كثير في البداية والنهاية ( 9 : 106 ) وتذكرة الحفاظ ( 1 : 75 ).
(2) الإمامة والتبصرة من الحيرة ، لابن بابويه (ص 167) الحديث (20) ، وانظر مصادر تخريجه. ولاحظ أمالي الطوسي ( 1/297 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 64

تلك الأخطار والتهديدات.
و « الإطراق» و «الصمت» معبّران عن التزام السكون ، والهدوء ، والتخطيط للمستقبل ، والابتعاد عن لقاء الناس.
وهذا هو الذي عبّر عنه إسماعيل بن علي أبو سهل النوبختي بقوله :
وقتل الحسين عليه السلام وخلّف علي بن الحسين عليه السلام متقارب السنّ ـ كانت سنّه أقل من عشرين سنة ! ـ ثم انقبض عن الناس ، فلم يلق أحدا ، ولا كان يلقاه إلاّ خواصّ أصحابه ، وكان في نهاية العبادة ، ولم يخرج عنه من العلم إلاّ يسير ، لصعوبة الزمان وجور بني أمية (1).
فهو شرح عيني لحالة هذه الفترة بالذات.
وإلاّ ، فإنّ الفترة التالية من حياة الإمام السجّاد عليه السلام نراها مليئة بكلّ أغراض الكلام والخطب والأدعية والمواعظ.
فأين الصمت
ونجد في حياته الأسفار المكرّرة الى الحجّ ، والنشاط العملي الجادّ في الإنفاق ، والإعتاق ، والحضور في المسجد النبوي ، والخطبة كلّ جمعة ، والمراسلات والمساجلات والاحتجاجات.
فأين الإطراق
ولا يمكن لأحد أن يعبّر عن العلم الذي خرج عن الإمام عليه السلام بأنّه « يسير» وهو يجد أمامه : الصحيفة السجّادية ، ورسالة الحقوق ، ومناسك الحج ، مضافا الى الخطب والكلمات والرسائل التي احتوتها « بلاغة علي بن الحسين عليه السلام » وجمعتها كتب تراثيّة عديدة (2).

(1) نقله الصدوق في إكمال الدين (ص 91) عن كتاب ( التنبيه ) للنوبختي.
(2) لاحظ تدوين السنة الشريفة ( ص 150 ـ 152 ) وراجع معجم ما كتب.. للرفاعي بالأرقام : 20397 باسم ( التذكرة ) و 20415 باسم التعقيبات ، و 20482 باسم الديوان ، و 20688 باسم المخمسّات. و 20733 ـ 20736 باسم ( الندبة ) و 20737 و 20738 باسم نسخة.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 65

وجمع أسماء من روى عنه في كتب أخرى (1) ومجموع من ذكرهم الشيخ الطوسي ـ فقط ـ من الرواة عن الإمام عليه السلام بلغوا (170) راويا (2).
ولا ريب أنّ مجموع هذا العلم ليس يسيرا ، فلابدّ أن يكون ذلك قد حصل بعد تلك الفترة القصيرة فقط.
إنّ كلّ تلك الفعاليات الكلامية ـ والعملية ـ لما يتيقّن معها بأن الإمام السجاد عليه السلام ـ بعد تلك الفترة ـ لم يسكن مطرقا ، ولم يسكت صامتا ، ولم ينعزل عن الناس ، بل زاول نشاطا واسعا في الحياة العامة ، بل ـ كما ذكره النسّابة ـ قد روى الحديث ، وروي عنه ، وأفاد علما جمّا (3).
وستتكفل الفصول القادمة في هذا الكتاب ذكر الشواهد على كل هذا النشاط بعون الله.

ومع وقعة الحرة :
ورجع الإمام السجاد عليه السلام الى المدينة :
ليستقبله أهلها ، بالبكاء والتعزية ، ويستفيد الإمام من هذه العواطف لينشر أنباء حوادث كربلاء ، ويركّزها في الأذهان من طريق القلوب ، كي لا يطالها التشويش والإنكار ، بمرور الأعصار ، كما طال كثيرا من الوقائع والحوادث ، فأصبحت مغمورة أو مبتورة !
فأرسل بشر بن حذيم (4) الى المدينة وأهلها ناعيا الحسين عليه السلام ومعرفا إيّاهم بمكان الإمام السجاد عليه السلام.
قال بشر : فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلاّ برزن من خدورهن ،... ، فلم

(1) لاحظ معجم ما كتب بالأرقام : 20483 باسم ذكر من روى عن الإمام عليه السلام للصدوق ، و 20714 كتاب من روى عنه عليه السلام لابن عقدة
(2) رجال الطوسي ( ص 107 ـ 120 ) الارقام ( 1058 ـ 1228 ) وهم مائة وسبعون راويا ، لعلم الإمام عليه السلام.
(3) المجدي في أنساب الطالبيّين (ص 92).
(4) كذا في بعض نسخ المصدر ، ويظهر من هذه الرواية أن أباه كان شاعرا وقد ترحّم عليه الإمام عليه السلام ، وفي أصحابه : حذيم بن شريك الأسدي ، وجاء في نسخ أخرى : بشير بن حذلم.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 66

أر باكيا أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوما أمرّ على المسلمين منه.
قال : فخرج علي بن الحسين ، ومعه خرقة يمسح بها دموعه ، وخلفه خادم معه كرسيّ ، فوضعه له وجلس عليه ، وهو لا يتمالك عن العَبرة ، وارتفعت أصوات الناس بالبكاء ، وحنين النسوان والجواري ، والناس يعزّونه من كل ناحية ، فضجّت تلك البقعة ضجّة واحدة ، فأومأ بيده : أن اسكنوا ، فسكنت فورتهم ، فقال :

« الحمد لله ربّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، بارىء الخلق أجمعين ، الذي بعد فارتفع في السماوات العلا ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الأمور ، وفجائع الدهور ، وألم الفجائع ، ومضاضة اللواذع ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب الفاظعة ، الكاظّة ، الفادحة الجائحة.
أيّها القوم ! إن الله تعالى ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبو عبد الله ، الحسين ، وعترته ، وسبيت نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية.
أيها الناس ! فأيّ رجالات منكم يسرّون بعد قتله ؟ أم أيّ فؤاد لا يحزن من أجله ؟ أم اية عين منكم تحبس دمعها ، وتضنّ عن انهمالها ؟
فلقد بكت السبع الشداد لقتله ! وبكت البحار بأمواجها ! والسماوات بأركانها ! والأرض بارجائها ! والاشجار بأغصانها ! والحيتان في لجج البحار ! والملائكة المقرّبون ! وأهل السماوات أجمعون !
أيّها الناس ! أصبحنا مشرّدين ، مطرودين ، مذودين ، شاسعين عن الأمصار ، كأنّنا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، إن هذا إلاّ اختلاق.
والله ! لو أنّ النبيّ تقدّم إليهم في قتالنا ، كما تقدّم إليهم في الوصية بنا ، لما زادوا على ما فعلوا بنا.
فإنا لله وإنا إليه راجعون ، من مصيبة ما أعظمها ، وافجعها ، وأكظها ، وأفظعها ، وأمرّها ، وأفدحها !

جهاد الامام السجاد عليه السلام 67

فعنده نحتسب ما اصابنا ، فإنّه عزيز ذو انتقام
(1)

ولم تذكر المصادر شيئا عن رجالات المدينة المعروفين ، إلاّ أن صوحان بن صعصعة بن صوحان قام فاعتذر إليه ، فترحّم الإمام على أبيه !
والظاهر أنّ رجال المدينة اكتفوا في مواجهة الإمام السجّاد عليه السلام بالعواطف الحارّة فقط ، وأنهم لم يتجاوزا ذلك ، إذ لم يجدوا مبرّرا في التورّط مع الحكومة ، ولو بعد قتل الحسين عليه السلام بهذه الصورة التي شرحها لهم الإمام السجاد عليه السلام.

ويظهر من البيان الذي أصدره أهل المدينة عند تحرّكهم ضدّ يزيد وحكومته أنهم قبل ذلك لم يعرفوا من يزيد ما ينكر من فعل أو ترك ، حتى وفدوا عليه ، وحضروا بلاطه ، ورأوا بأمّ أعينهم ما رأوا ، فرجعوا ، وثاروا عليه.
وقد جاء في إعلانهم الأول ما نصّه : « إنّا قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، ويعزف بالطنابير ، وتضرب عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، ويسامر الخرّاب ، والفتيان ، وإنّا نشهدكم أنا قد خلعناه».
وأتوا عبدالله بن الغسيل ، فبايعوه وولّوه عليهم (2).
فليس في بيانهم ذكر الحسين عليه السلام ، ولا الظلم الذي جرى على أهل البيت عليهم السلام وأما الذي ذكروه من يزيد وإلحاده وفسقه وفجوره ، فقد أعلنه الإمام الحسين عليه السلام قبل سنين في كتابه الى معاوية (3).
فأين كان أهل المدينة يومذاك ؟!
ولماذا لم يتحرّكوا من أجله حينذاك ؟
ثم إن من يحرّكه شرب الخمر ، والفسق ، والفجور ، لماذا لا يتحرّك من أجل قتل الحسين عليه السلام والفجائع التي صبّت على أهل البيت عليهم السلام ، والتي أدّى علي بن الحسين عليهم السلام حق بلاغها في خطبته تلك ؟

(1) اللهوف لابن طاوس ( ص 4 ـ 85 ) وانظر كامل الزيارات ( ص 100 ).
(2) أيام العرب في الإسلام ( ص 420 ) وانظر تاريخ الطبري ( 4 : 368 ) ولاحظ طبقات ابن سعد ( 5 : 47 ).
(3) الاحتجاج للطبرسي ( 7 ـ 298 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 68

بل ، إن المسعودي يذكر : ان حركة أهل المدينة وإخراجهم بني أمية وعامل يزيد ، من المدينة ، كان عن إذن ابن الزبير (1).

فلم يكن لأهل البيت ، ولا للإمام السجاد عليه السلام ، دور ولا موقع في أهداف أهل المدينة ، وأصحاب الحرّة ، لماّ تحرّكوا ضد حكم يزيد !
بينما كان دخول الإمام عليه السلام معهم ـ في التحرك ـ توقيعا على شرعيّة حركتهم.
والحقّ أن أهل المدينة جفوا الإمام السجاد عليه السلام بعد كربلاء ، وهذه الحقيقة كانت واضحة ، حتى أعلنها الإمام في قوله : « ما بمكّة والمدينة عشرون رجلا يحبّنا» (2)
ولعل علم الإمام عليه السلام بما كان عليه أهل المدينة من ضعف وقلّة ، في مواجهة ما كان عليه أهل الشام من كثرة وبطش وقسوة ، من دواعي حياده عليه السلام.
مضافا الى أن اتّخاذه القرار السابق ، بالابتعاد عن المدينة ، للأسباب والمبرّرات التي ذكرناها سابقا ، كان كافيا لعدم تورّطه في هذه الحركة.

ويظهر أن الدولة التي واجهت هذه المرّة حركة أهل المدينة ، كانت على علم بجفاء أهل المدينة لأهل البيت عليهم السلام ، وبما أنها قد أسرفت من قبل في إراقة دماء أهل البيت عليهم السلام ، أرادت أن تستفيد من الوضع ، بالتزلّف الى علي بن الحسين والتودّد إليه ، لامتصاص النقمة ، فلم تتحرّش به ، بل حاولت أن يتمثّل الناس به ، حسب نظر رجال الدولة !
ثم إن اختيار أهل الحرّة للمدينة بالذات مركزا للتحرّك ، كان من أخطر الأخطاء التي ارتكبوها ، كما أخطأ ابن الزبير في اتخاذه مكّة ، والمسجد الحرام بالخصوص ، مركزا لتحركه ، حتى عرّضوا هذين المكانين الحرمين المقدّسين لهجمات أهل الشام اللئام وانتهاك الأمويين الحاقدين على الإسلام ومقدّساته.

بينما أهل البيت عامة ، بدءا بالإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام ، ومرورا بالإمام

(1) مروج الذهب ( 3 : 78 ).
(2) شرح نهج البلاغة ( 4 : 104 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 69

الحسين عليه السلام ، وكذلك كل العلويين الذين ثاروا على الحكّام ، إنما خرجوا في حركاتهم عن الحرمين ، حفاظا على كرامتهما من أن يهدر فيهما دم ، وتهتك لهما حرمة ، وإبعادا لأهالي الحرمين من ويلات الحروب ومآسيها ، ونقمة الجيوش وبطشها (1).
وهذه مأثرة لأهل البيت عليهم السلام لابد أن يذكرها لهم التاريخ ! لكنّ أهل الحرّة ، لم يصلوا الى المستوى اللائق كي يدركوا هذه الحقائق ، لبعدهم عن الإمام السجاد عليه السلام الذي كان في عمر (26) سنة.

ولقد هيأ هذا البعد بين أهل المدينة والإمام السجاد عليه السلام أمرين كانا في صالح الإمام عليه السلام ، ولهما الأثر في مجاري عمله وتخطيطه للمستقبل :
أحدهما : النجاة من اتّهام السلطات له بالتورّط في الحركة ، ولذلك لم تضعه في القائمة السوداء ، فإن الحكومة ـ وحسب بعض المصادر ـ كانت تعرف ابتعاده عنها.
الثاني : تمكّن الإمام عليه السلام من تخليص كثير من الرؤوس أن تقطع ، وكثير من الحرمات أن تهتك.
ومن يدري ؟ فلعلّ اشتراك الإمام السجاد عليه السلام في تلك الحركة كان يؤدي الى إبادة أهل البيت النبوي والعلوي ، إبادة شاملة ، تلك التي كانت من أماني آل أمية ؟!
فتمكّن الإمام السجاد عليه السلام بحياده ذلك من الوقوف في وجه هذا العمل.
ولقد كان الإمام عليه السلام ملجأ للكثير من العوائل الأخرى ، حتى من عوائل بني أمية نفسها.
ففي الخبر أنه عليه السلام ضمّ الى نفسه أربعماءة منافيّة يعولهن الى أن تفرّق الجيش (2).
وكان في من آواهن عائلة مروان بن الحكم ، وزوجته هي عائشة بنت عثمان بن عفّان الأموي ، فكان مروان شاكرا لعلي بن الحسين ذلك (3).

(1) علّق سماحة السيد بدرالدين الحوثي دام علاه هنا : « ولعلّ ما صدر من الإمام النفس الزكية كان اضطراريا ، لان قيامه أيضا كان اضطراريا » تمت
(2) كشف الغمة للاربلي ( 2/7 ) وانظر ربيع الأبرار للزمخشري ( 1 : 427 ).
(3) أيام العرب في الإسلام (ص 424) هامش (1).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 70

ويحاول بعض الكتّاب أن يجعل من حياد الإمام عليه السلام ، وتصرّفاته مع مروان ، وعدم تعرّضه من قبل الجيش بسوء ، دليلا على عدم تحرّكه عليه السلام ضدّ الحكم الأموي ؟!
لكنّها محاولة مخالفة للحقيقة :
فإن الإمام عليه السلام إنّما ينطلق في تصرّفاته ، من منطلق الحكمة والتدبير ، وما ذكرناه من الشواهد كاف لأن نبرّر موقفه الحيادي من حركة الحرّة ، فكل من يدرك تلك الحقائق ويقف عليها يتبيّن له أن التحرّز من عمل تكون عواقبه مرئية وواضحة ومكشوفة ، هو الواجب والمتعيّن ، فلو دخل في الحركة ، فإما أن ينسحق تحت وطأة الجيش الظالم ، أو تنجح الحركة التي لم تبتن على الحق في دعواها ، وإنما تبنّاها من لا يعرف لأهل البيت حرمة ولا كرامة ولا حقا في الإمامة !

مع أن من النصوص ما يدلّ على أن الإمام كان مستهدفا :
قال الشيخ المفيد : قدم مسرف (1) بن عقبة المدينة ، وكان يقال : « إنه لايريد غير علي بن الحسين عليه السلام» (2).
ولا ريب أن الحكم الأموي الذي استأصل أهل البيت عليهم السلام في كربلاء ، لم يكن يخاف الإمام السجاد عليه السلام ، لما هو معلوم من وحدته وغربته ، ومع ذلك فقد كانت الدولة تراقبه ، لأنه الوارث الوحيد لأهل البيت بما لهم من ثارات ودماء ، وبما لهم من مكانة مرموقة في أعين محبّيهم ، الذين يترقّبون فيهم من الإمامة !
فلا ريب أن الإمام السجاد عليه السلام كان مستهدفا !
وهذا النصّ قبل كل شيء يدل على أن الإمام السجاد عليه السلام كان في نظر الناس عنصرا معارضا للحكم والدولة ، ولم يكن مستسلما قط ، حتى كان الناس يرون أن

(1) هو المتسّمي باسم ( مسلم ) معدود من الصحابة ، وهذا واحد من المحسوبين على الصحابة من الفسقة والمجرمين ، سمّي لعنه الله بمجرم ومسرف ، لما كان من إجرامه بأهل المدينة وإسرافه في قتلهم وإباحتها ثلاثة أيام بأمر يزيد لعنهما الله وقد سمّى المدينة ( نتنة ) خلافا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي سماها طيّبة ، مروج الذهب ( 3 : 78 ) وقد انفضّ فيها ألف عذراء ، دلائل البيهقي ( 6 : 475 ).
(2) الإرشاد للمفيد (ص 292).

السابق السابق الفهرس التالي التالي