جهاد الامام السجاد عليه السلام 253


الملاحق



الملحق ألأول : رسالة الحقوق
الملحق الثاني : من تقاريظ الكتاب نثرا ونظما
الملحق الثالث : تقرير موجز عن المبارات الكتابية عن الإمام السجّاد عليه السلام



جهاد الامام السجاد عليه السلام 254




جهاد الامام السجاد عليه السلام 255

الملحق (1)

رسالة الحقوق
عن الإمام السجّاد عليه السلام
برواية أبي حمزة الثُمالي


بسم الله الرحمن الرحيم

توثيق الرسالة :

اتّفقت المصادر الحديثيّة ـ كافة ـ على نسبة هذا الكتاب الى الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
برواية أبي حمزة الثُمالي ثابت بن دينار الشهير بابن أبي صفيّة الأزدي الكوفي ، صاحب الدعاء المشهور باسمه الذي يتلى في اسحار شهر رمضان المبارك ، وقد توفّي عام ( 150 ) ، لقي من الائمة السجّاد والباقر والصادق والكاظم عليهم السلام.
قال النجاشي : كان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث وروى عنه العامّة (1).
وقد نسبه إليه النجاشي باسم « رسالة الحقوق » عن علي بن الحسين عليه السلام ، ثم أسند روايتها اليه (2).
لكن المنقول عن الكليني أنّه أوردها في ما جمعه باسم « رسائل الأئمة عليهم السلام » مما يدلّ على كون الكتاب « رسالة » بعثها الإمام عليه السلام الى بعض أصحابه (3) ، وبهذا جاء

(1) رجال النجاشي ( ص 115 ) رقم 296.
لكنهم انهالوا عليه قدحا وجرحا ، وبما انا لم نجد في ماروي عنه ، وبطريقه ما يقتضي ذمّه ، فضلا عن جرحه ، نعرف أنه لا سبب لموقفهم منه إلاّ التعصب المذهبي والطائفية البغيضة ، وإلاّ فالرجل كما وصفه النجاشيّ وغيره من علماء الرجال الإمامية ، وقد حرم العامّة أنفسهم من معارف أهل البيت عليهم السلام بمثل هذه المواقف الظالمة.
(2) المصدر ( ص 116 ).
(3) نقله في مستدرك الوسائل ( 11/169 ) عن فلاح السائل ابن طاوس ، وسيأتي.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 256

التصريح في بعض أسانيد الرسالة (1).
ولعل المرسل إليه هو أبو حمزة نفسه وبذلك يوجّه اختصاص روايتها به ، وانتهاء الأسانيد كلّها إليه.

مصادر الرسالة :

تعدّدت مصادر هذه الرسالة :
فأوردها من القدماء الشيخ الصدوق في العديد من كتبه : أعظمها كتاب من لا يحضره الفقيه ، الذي هو من الاُصول الحديثية الأربعة ، وأوردها في الخصال ، والأمالي.
والشيخ الصدوق أسند رواية الكتاب الى أبي حمزة الثمالي في الخصال والأمالي ، إلاّ أنه حذف الإسناد في الفقيه ، على دأبه فيه حيث أنه يحذف الأسانيد ويحيل على المشيخة التي أعدّها لذكرها ، فلا يعدّ الحديث ـ في هذا الفرض ـ مرسلا.
وقد أورد أسانيده الى أبي حمزة الثمالي في المشيخة وقال : وطرقي إليه كثيرة ولكنني اقتصرت على طريق واحد منها (2).
وأما الكليني :
فالمنقول عن ابن طاوس في فلاح السائل من قوله : « روّينا بإسنادنا في كتاب ( الرسائل ) عن محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده الى مولانا زين العابدين عليه السلام » (3) يدلّ على كون الحديث مسندا عند الكليني.
إلاّ أن كتاب ( الرسائل ) مفقود ، وابن طاوس نقل عنه هكذا بحذف الإسناد.
ومن المحتمل قويّا أن يكون الكليني قد رواه عن شيخه علي بن أبراهيم ، الذي يروي الرسالة كما في سند النجاشي ، كما سيأتي.
وقد أورد ابن شعبة الحرّاني الحسن بن علي بن الحسين أبو محمد هذه ( الرسالة ) في كتابه العظيم ( تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ) وهي مرسلة شأن كلّ ما

(1) الخصال ( ص 564 ) رقم ( 1 ).
(2) شرح مشيخة الفقيه ( ص 36 ) من المطبوع مع الفقيه ، الجزء الرابع.
(3) لاحظ مستدرك الوسائل ( 11/169 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 257

في الكتاب.
إلاّ أن من المطمأن به كون رواياته في الأصل مسندة ، لأمرين :
الأول : لقوله في مقدّمة الكتاب : وأسقطت الأسانيد ، تخفيفا وإيجازا ، وإن كان أكثره لي سماعا ، ولأن أكثره آداب وحكم تشهد لأنفسها (1).
فقد حذف الأسانيد تخفيفا ، وهذا أمر متداول عند المؤلّفين ، بعد عصر التدوين ، لثبوت الأسانيد في مواضعها من الأصول المنقول منها ، وإن كانت المحافظة على الأسانيد وإثباتها أحوط ، لما يتعرّض له التراث من الآفات.
وكذلك حَذَفَ الأسانيد ، لأن الحاجة اليها إنما هي ماسّة في باب الأحكام ومسائل الشريعة ، وأمّا الآداب والحكم فلا تكون الأحاديث فيها إلاّ مرشدة الى ما يقتضيه العقل والحكمة والتدبير ، والمضامين تشهد بصحة الأحاديث من دون تأثير الاسانيد في ذلك.
فأحاديث الكتاب وإن كانت على ظاهر الإرسال إلاّ أنّها مسندة واقعا.
الثاني : إنّ أحاديث الكتاب مرويّة بأسانيدها في المصادر المتقدّمة ، ولا يرتاب الناظر الى كتاب ( تحف العقول ) في كون مؤلّفه على جانب كبير من العلم والمعرفة بالحديث وشؤونه ، مما يربأ به من إثبات ما لا سند له في كتابه مع تصريحه بنسبة ما أثبته الى الأئمة عليهم السلام ، ومن المعلوم أن النسبة لا يمكن الجزم بها إلاّ مع ثبوت الأسانيد.
وفي خصوص رواية ( رسالة الحقوق ) فإن ما أثبته من النصّ موافق لما نقله ابن طاوس عن ( رسائل ) الكليني (2) وقد عرفت كون روايته مسندة.
وقد سماّها ابن شعبة بـ ( رسالة الحقوق ) (3) وهو الاسم الذي ذكره النجاشي لها ، عندما أسند إليها ، كما مرّ.

(1) تحف العقول ( ص 3 ).
(2) لاحظ مستدرك الوسائل ( 11/169 ).
(3) تحف العقول ( ص 255 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 258


مجموعة الأسانيد :


1 ـ سند الصدوق في الخصال :
قال الصدوق : حدّثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه ، قال : حدّثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري ، قال : حدّثنا خيران بن داهر ، قال : حدّثني أحمد بن علي بن سليمان الجبلي ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي ، عن محمد بن فضيل ، عن أبي حمزة الثُمالي ، قال : هذه رسالة علي بن الحسين عليه السلام الى بعض أصحابه (1).
2 ـ سند الصدوق في الأمالي :
قال الصدوق : حدّثنا علي بن أحمد بن موسى ، قال حدثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسدي ، قال : حدّثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا عبدالله بن أحمد ، قال : حدّثنا إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : (2)

3 ـ سند النجاشي :
قال : أخبرنا أحمد بن علي ، قال : حدّثنا الحسن بن حمزة ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليهما السلام (3)
أما سند الصدوق في ( الفقيه ) :
فقد ذكر في موضع الحديث ما نصّه : روى إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار ، عن سيّد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال (4)
ممّا يدل على كون سنده إليه هو سند الأمالي المنتهي الى إسماعيل بن الفضل ، لكنه

(1) الخصال ( ص 564 ) رقم (1).
(2) الأمالي للصدوق ( ص 302 ) وهو تمام المجلس (59) في ربيع الآخر سنة ( 368 ).
(3) رجال النجاشي ( ص 116 ) رقم (296).
(4) من لا يحضره الفقيه ( 2/376 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 259

قال في المشيخة : « وما كان فيه : عن أبي حمزة الثُمالي ، فقد رويته عن أبي رضي الله عنه ، عن سعد بن عبدالله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثًمالي ، ثابت بن دينار الثمالي (1).
وهذا السند يختلف عن أسانيد الصدوق السابقة ، فيظهر الاختلاف بين ما أثبته في الكتاب ، وبين السند المثبت في المشيخة.
ولو كان إرجاع الصدوق في المشيخة على طريقه الى ( إسماعيل بن الفضل ) وهو الهاشمي ، فقد قال : رويته عن جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه عن الحسين بن محمد أبن عامر ، عن عمّه عبدالله بن عامر ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبدالرحمان بن محمد ، عن الفضل بن إسماعيل بن الفضل ، عن أبيه إسماعيل بن الفضل الهاشمي (2).
وهذا السند لا يجتمع مع أسانيده السابقة في شيء ، فالأمر كما قلنا مرتبك ، إلاّ أن يتدارك بما أفاده بقوله : « وطرقي إليه كثيرة ولكنني اقتصرت على طريق واحد منها » (3) وجعل ذلك دالا على التزامه بنظرية « التعويض » بين الأسانيد.
وقد صرّح المجلسيّ الأول المولى محمد تقي في قول الصدوق في الفقيه « روى إسماعيل بن الفضل بإسناده » بقوله : « القويّ كالصحيح » (4).
والظاهر حكمه على سند الصدوق في الأمالي المنتهي الى إسماعيل.
وقال النوري في سند النجاشي : إنّه أعلى وأصح من طريق الصدوق في الخصال الى محمد بن الفضيل (5).
ويظهر من المشجّرة التي رتّبناها أن سند النجاشي ليس أعلى من سند الصدوق في الأمالي ، لاستواء عدد الرواة من كلّ منهما الى أبي حمزة.
مع أن النجاشي ليس سالما من النقد ، من جهة رواية ( إبراهيم بن هاشم ) مباشرة عن ( محمد بن الفضيل ) فان المعروف مكرّرا روايته عن البزنطي ، ورواية

(1) مشيخة الفقيه ( ص 36 ) طبع مع الجزء الرابع من ( من لا يحضره الفقيه ).
(2) مشيخة الفقيه ( ص 102 ).
(3) مشيخة الفقيه ( ص 36 ).
(4) روضة المتقين ( 5/500 ).
(5) مستدرك الوسائل ( 11/169 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 260

البزنطي عن ( محمد بن الفضيل ) كما ورد في سند الصدوق في المشيخة الى أبي حمزة.
ومع ذلك فإن السيّد الإمام البروجردي قال في ( طبقات رجال النجاشي ) عند ذكر محمد بن الفضيل : « عن أبي حمزة ، عنه إبراهيم بن هاشم ، كانّه من السادسة » وعلّق : وروايته عن أبي حمزة محلّ ريب (1).
ومهما يكن ، فإن تعدّد الأسانيد والطرق الى أبي حمزة ، لم يدع مجالا للبحث السندي في هذا الكتاب ، خصوصا على المنهج المختار من عدم اللجوء الى المعالجات الرجاليّة إلاّ في مواقع استقرار التعارض بعدم المرجّحات ، والمفروض هنا عدم وجود ما يعارض مضامين هذه الرواية أصلا.
مضافا الى ما عرفت من أن أمثال هذه المضامين ، الدائرة حول الآداب والحكم ليست بحاجة الى الأسانيد ، لشهادة الوجدان بما فيها.
والأهم من كل ذلك تلقّى كبار المحدّثين لها بالقبول بإيرادها في كتبهم ، المؤلّفة للعمل ، خصوصا كتاب الفقيه الذي وضعه المؤلف على أن يكون حجّة بينه وبين الله تقدّس ذكره ، وأن جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع (2) وهذا كاف في تجويز النسبة المعتبرة في الكتب.

(1) الموسوعة الرجالية (6) رجال أسانيد فهرست الشيخ النجاشي ( ص 613 ) السطر الأول.
(2) من لا يحضره الفقيه ( 1/3 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 261

محتوى المتن :

تحتوي الرسالة على ( خمسين حقا ).
وقد جاء التصريح بهذا العدد ، في خاتمة المتن الذي أورده في تحف العقول ، فقال : « فهذه خمسون حقا محيطا بك » (1).
والصدوق لم يورد هذه الخاتمة في رواياته ، إلاّ أنه التزم بكون عدد الحقوق « خمسين حقا » في كتابه الخصال حيث عنون للباب الذي أورد الرسالة فيه بأبواب الخمسين فما فوقه ، وذكر الرسالة في أول حديث في الباب ، وقال : الحقوق الخمسون التي كتب بها علي بن الحسين سيّد العابدين عليه السلام الى بعض أصحابه (2).
وقد التزم أكثر المعاصرين الذين أوردوا متن الرسالة في مطبوعاتهم بترقيم الحقوق ، فزاد بعضهم رقما واحدا فكان العدد ( 51 ).
والسبب في ذلك أن الصدوق ذكر في رواياته « حق الحجّ » وهذا لم يرد في رواية تحف العقول ، فلمّا جمع المؤلّفون بين الروايتين ، اعتقادا بوحدة الرسالة ، زاد عندهم هذا العدد الواحد.
ووجود « حقّ الحجّ » ضروريّ :
1 ـ لأنه من فروع الدين الهامّة ، ومما بُنِيَ عليه الإسلام من العبادات الخمس الواجبة ، كما في روايات كثيرة (3) فلابدّ من ذكره ، كما ذكرت حقوق بقيّة العبادات.
2 ـ أن الشيخ الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ، أورد هذه الرسالة في ملحقات كتاب الحجّ ، ولا ريب في لزوم وجود ارتباط بينها وبين الحجّ ، ولو بهذا المقدار ، فليلاحظ.
ثم إن المؤلّفين المعاصرين ارتبكوا كثيرا في ترقيم سائر الحقوق ، فلم يرقّموا ما هو

(1) تحف العقول ( ص 272 ).
(2) الخصال ( ص 564 ).
(3) راجع وسائل الشيعة ( 1/14 ـ 29 ) الباب الأول ( وجوب العبادات الخمس ) من أبواب مقدمة العبادات.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 262

حق من جهة ، ورقموا ما ليس بحق من جهة اُخرى ، وإليك بيان ذلك :
1 ـ عدّ جميع المؤلّفين « حقّ نفسك » بالرقم [ 2 ] مع أنه ليس حقا مستقلا ، وإنما المراد منه حقّ أعضاء نفس الإنسان ، بقرينة قوله ـ في المقدّمة ـ في جوامع الحقوق : « [ب] ثم ما أوجبه الله عزّوجل لنفسك من قرنك الى قدمك على اختلاف جوارحك ، فجعل للسانك... » (1).
وهذا واضح في كون المراد بحقّ النفس ، حقّ ما لنفس الإنسان ، أي في جوارحه ، في مقابل قوله بعد ذلك : « ثم تخرج الحقوق منك الى غيرك » (2)
ثمّ إنه ذكر عند تفصيل حقوق الأعضاء : ما نصّه : « وأما حقّ نفسك عليك أن تستعملها في طاعة الله : فتؤدي الى لسانك حقّه » (3) ، فوجد الفاء في « فتؤدي » يقتضي كون ما بعدها تفريعا وتفصيلا لما قبلها.
ومن الواضح أنّه لم يذكر للنفس حقا غير استعمال الجوارح ، فيدل على أن المراد بالنفس « شخص الإنسان » لا النفس الناطقة ، فليس المراد وضع حقّ خاص لها ، دون الجوارح حتى يضاف على حقوقها.
والغريب أن طابع « تحف العقول » عدّ هذا الحقّ برقم [ 2 ] بينما لم يذكر « حق الحجّ » فأخلّ بالحقّين كما سيتضح.
2 ـ ذكر في مقدّمة الرسالة ، في جوامع الحقوق : « [ ج ] ثم جعل عزّوجل لأفعالك عليك حقوقا » ثم ذكر الواجبات وقال في آخرها : « ولأفعالك عليك حقا » (4) فتكون الحقوق المذكورة « ستة » آخرها « حق الأفعال ».
وقد ذكر في تحف العقول « حق الافعال » بعد [ 13 ] « حق الهدي » بقوله : « واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير... » إلى آخره (5).

(1) لاحظ الرسالة ( ص 271 ).
(2) لاحظ الرسالة ، المقدمة ( ص 271 ).
(3) لاحظ الرسالة ( ص 273 ).
(4) لاحظ الرسالة ( ص 271 ).
(5) تحف العقول ( ص 255 ) لاحظ الرسالة الحق رقم [ 14 ].
جهاد الامام السجاد عليه السلام 263

فلا بدّ أن يكون حق الأفعال ، مستقلا ، غير حق الواجبات الخمسة المذكورة أولا ، ويؤيده أن محتواه لا يرتبط بما سبقه بشكل مستقيم ، بل هو أمر عام لها ولغيرها.
والظاهر أن المراد بحق الأفعال هو حدّ العمل الذي يجب على الإنسان القيام به في كلّ مجال ، حتى في غير الواجبات الخمسة المذكورة أولا ، وهذا أصل عظيم له دور كبير في حياة الإنسان.
لكن جميع المؤلّفين أهملوا هذا الحق في الترقيم ، كما أن روايات الصدوق لم تورده إطلاقا ، وهو الحق [ 14 ] بترقيمنا.
3 ـ اعتبر المؤلّفون « حقّ المملوك » برقم مستقل [ 21 ] بينما هو داخل في حقّ الرعية بالملك ، وله موردان : ( الزوجة والمملوك ) وهذا هو ثالث حقوق الرعيّة : بالسلطان ، وبالعلم ، وبالملك ، وقد صرّح في المقدّمة ـ في اصول الحقوق ـ بعنوان [ هـ ] بان حقوق الرعيّة ثلاثة.
بينما تصير حسب ترقيمهم ، أربعة !
والظاهر ان الموجب لهذا الارتباك هو ملاحظتهم لكلمة « حقّ » وعدّهم لها ـ حيث وقعت ـ برقم مستقل ، من دون تأمل في المعاني.
وقد وفقنا الله لتلافي كلّ هذا الارتباك فرتّبنا النصّ الى اُصول الحقوق ، وهي السبعة المُعْلَمَة برموز من حروف ( أ ، ب ، ج ، د ، هـ ، و ، ز ).
والى فروع الحقوق ، وهو الخمسون ، مرقمة بالأعداد ، ومطبوعة بالحروف البارزة.
والى بنود الحقوق ، وهي موادّها المذكورة تحت عنوان كلّ حقّ ، ذكرنا كلّ مادة منها في سطر مستقل مبدوءا بشريط في أول السطر : ( ـ : ).
وبما أن النص الذي أثبتناه هو جامع بين كلّ الروايات الواردة وملفّق منها ، وهي رواية تحف العقول التي اتّخذناها أصلا ، وروايات الصدوق.
* فقد وضعنا المعقوفين ليحتويا ما ورد في روايات الصدوق زيادة على ما في تحف العقول.
* ووضعنا بين القوسين ما اختصّت به رواية تحف العقول ، ولم يرد في

جهاد الامام السجاد عليه السلام 264

روايات الصدوق.
* وما خرج عن المعقوفين والقوسين ، فهو مشترك بين النصين ووارد في جميع الروايات.
* وما أضفناه من العناوين وغيرها ، فقد نبّهنا على وجه إضافته.

اختلاف النسخ :

ثم إن من الملاحظ وجود اختلاف بين ما أورده في تحف العقول وبين روايات الصدوق ، من جهة ، وبين رواية الصدوق في بعض كتبه وبين ما أورده في بعضها الآخر ، في عبارات من متن الحديث زيادة وحذفا تارة ، وإجمالا وتفصيلا اُخرى.
ووقوع مثل هذا الاختلاف في الأحاديث الطوال أمر غير عزيز ، يعود ذلك أساسا الى اعتماد الرواة على النقل بالمعنى ، لأن أمثال هذه الروايات تهدف الى إبلاغ معانيها ، وأداء مضامينها ، ولا يدخل في القصد منها ما يوجب المحافظة على ألفاظها بنصوصها ، وليست كما هو المفروض في الكلمات القصار ، والخطب البلاغية المبتنية على إعمال الصناعات اللفظية والمحسّنات البديعية المؤثرة في نفوس السامعين الى جانب المعاني والمؤدّيات.
ومن المحتمل أيضا أن يلجأ بعض الرواة الى الاختصار لأمثال هذه الأحاديث الطوال ، والاقتصار على الجمل المهمّة فقط.
وقد حمّل بعض المتأخرين الشيخ الصدوق مسؤولية القيام بالاختصار ، قائلا : « إنه يختصر الخبر الطويل ، ويسقط منه ما أدّى نظره الى إسقاطه » (1).
لكن هذا تحامل على الشيخ الصدوق المعترف له بكثرة النقل للأخبار والحفظ والمعرفة بالحديث والرجال والآثار (2).
ومع احتمال النقل بالمعنى كما ذكرناه ، لم تصل النوبة الى احتمال الاختصار أصلا.
مع أن اصل الاختصار أمر جائز لا مانع منه ، إذ هو عبارة عن تقطيع الحديث ، المعمول به ، والمقبول من دون نزاع ، لتعلّق غرض المحدّث ببعض الحديث

(1) مستدرك الوسائل ( 11/170 ).
(2) لاحظ الخلاصة ، رجال العلامة الحلي ( ص 147 ) رقم ( 44 ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 265

فيقتصر عليه.
مضافا الى أنه لا دليل على نسبة الاختصار ـ المفروض ـ الى الشيخ الصدوق.
فمن المحتمل ـ قويّا ـ أن يكون بعض الرواة السابقين على الصدوق ، قد اختصر النصّ ، ورووه له مختصرا.
ويشهد لهذا الاحتمال : أن روايات الصدوق في كتبه المختلفة هي في نفسها متفاوتة.
مع أن الأصل هو رواية اللفظ.
إلاّ أن المقارنة بين النصّين تعطي اطمئنانا بأن الرواة مع اختصارهم للنصّ ،عمدوا الى نقل مقاطع بطريق رواية المعنى ، فالنصّان لا يختلفان في المعنى عند اختلافهما في اللفظ ، وعند اتفاقهما في اللفظ فالاختصار ملحوظ.
وأما وحدة النصّ الصادر من الإمام عليه السلام ، فالدليل عليه أمران :
الاول : الاتبعاد الواضح في أن توجّه رسالة بنصّين مختلفين الى شخص معيّن ، ويرويهما راوٍ واحد ، من دون ذكر التفاوت بينهما.
الثاني : تطابق أكثر عبارات النصّين لفظا من دون أدنى تفاوت مما يدّل على وجود أصل مشترك بينهما ، وعلى أخذ المختصر من المفصّل.

النصّ المختار :

ومهما يكن ، فإنا تمكنّا بالمقارنة الدقيقة بين النصّين من انتخاب نصّ جامع ، بالتلفيق بينهما ، بحيث لا يشذّ عنه شيء من عبارتيهما ، ولا كلمة واحدة مؤثّرة في المعنى.
وبما أن نصّ ( تحف العقول ) هو أوفى ، وأجمع ، وأسبك ، وأكثر تفصيلا فقد جعلناه ( الأصل ) وأوعزنا الى ما في روايات الصدوق من الفوائد والزوائد ، بما لا يفوت معه شيء مما له دخل في جميع أبعاد النصّ.
وقد أشرنا الى الرموز المستعملة في عملنا سابقا.
ولم نشر الى الأخطاء الواضحة ، ولا الاختلافات المرجوحة ، تخفيفا للهوامش. نسخ الرسالة :
لقد تداول الأعلام هذه الرسالة القيّمة بالرعاية والعناية ، وتناقلوها على طولها في

جهاد الامام السجاد عليه السلام 266

مؤلّفاتهم ، فقد وردت في الكتب التالية مخطوطها ومطبوعها ، كما نشرت مستقلة أيضا ، وإليك ما وقفنا عليه من طبعاتها :
1 ـ كتاب من لا يحضره الفقيه ، للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين ( ت 381 ) وقد أوردها في نهاية كتاب الحج ، بعنوان ( باب الحقوق ) فلاحظ ( ج 2 ص 371 ـ 381 ) من طبعة النجف.
2 ـ روضة المتقين شرح الفقيه ، للمحدث المولى محمد تقي المجلسي الأول ( ت 1070 ) في ( ج 5 ص 500 ـ 527 ) مشروحة.
3 ـ الخصال ، للشيخ الصدوق ، في أبواب الخمسين فما فوقه ( ص 564 ـ 570 ).
4 ـ الأمالي ، للشيخ الصدوق ، في المجلس ( 59 ) ( ص 301 ـ 306 ).
5 ـ تحف العقول ، لابن شعبة الحراني ( ق 4 ) ( ص 255 ـ 272 ).
6 ـ مكارم الأخلاق ، للطبرسي صاحب مجمع البيان ( ق 6 ) ( ص 455 ).
7 ـ بحار الأنوار ، للعلامة المجلسي محمد باقر بن محمد تقي ( ت 1110 ) في الجزء ( 74 ).
8 ـ عوالم العلوم والمعارف ، للشيخ عبدالله البحراني ( ق 12 ) في الجزء ( 18 ).
9 ـ مستدرك الوسائل ، للمحدّث النوري حسين بن محمد تقي ( ت 1320 ) في ( 2/274 ) من الطبعة الأولى و ( 11/154 ) من الطبعة الحديثة.
10 ـ أعيان الشيعة ، للإمام السيد محسن الأمين العاملي ( ج 4 ص 215 ـ 230 ).
11 ـ بلاغة علي بن الحسين عليه السلام ، للشيخ جعفر عباس الحائري ( المعاصر ) ( ص 130 ـ 163 ).
12 ـ الإمام زين العابدين عليه السلام ، للسيد عبدالرزاق المقرّم الموسوي ( ت 1391 هـ ) ( ص 118 ـ 135 ).
13 ـ حياة الإمام زين العابدين عليه السلام للشيخ باقر شريف القرشي ( المعاصر ) ( ص 477 ـ 511 ).
14 ـ شرح رسالة الحقوق ، للخطيب السيد حسن القبانچي الحسيني فقد شرح الرسالة في مجلدين ، طبعا في النجف ، واُعيدا في قم ( 1406 ) وبيروت.

جهاد الامام السجاد عليه السلام 267

15 ـ وتنسب الى الإمام زيد الشهيد باسم « الرسالة الناصحة والحقوق الواضحة » وتشبه أن تكون مختصرةً من رسالة الحقوق المروية عن والده الإمام زين العابدين عليه السلام ، كما جاء في مؤلفات الزيدية ( 2/44 ) رقم ( 1608 ) لصديقنا العلامة السيّد أحمد الحسيني.
وذكر صديقنا الكاتب المعجمي الشيخ عبدالجبّار الرفاعي كتاب الحقوق للإمام زيد بن علي ، في كتابه : معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام ( ج 8 ص 181 ) برقم ( 20453 ) وقال : مخطوط في الجامع الكبير في صنعاء برقم 2364.
كما ذكرها في هذا الجزء بعنوان « رسالة الحقوق » برقم ( 20491 ) وأورد طبعاتها ، ومنها : بغداد 1369 هـ ( 179 ص ) تحقيق عبدالهادي المختار ، سلسلة حديث الشهر ( 6 ).
والأعمال المؤلّفة حول ( رسالة الحقوق ) ضمن ما أورده الشيخ الرفاعيّ مما كتب عن الإمام السجاد عليه السلام في هذا المجلّد هي بالارقام :
* 20372 : رسالة إمام زين العابدين ( بالاردو ).
* 20399 : رسالة حقوق إخوان ( ترجمة فارسية ).
* 20400 : رسالة حقوق ( ترجمة فارسية ).
* 20489 : رسالة الحقوق ( ترجمة فارسية ).
* 20490 : رسالة الحقوق ( بالاردو ).
* 20742 : النَهْجَيْن في شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين عليه السلام ، للشيخ صالح بن مهدي الساعدي...
سندنا الى رواية الرسالة :
لقد مَنّ الله على الأمة الإسلامية ببذل الجهد والعناية في حفظ التراث الإسلامي ، وخصوص الحديث الشريف ، بالمراقبة التامّة عليه ، وتحمّله بكلّ دقّة وأدائه بكلّ احتياط ، وقد وفّقنا الله تعالى للسلوك في السلسلة الشريفة لِرواة الحديث بطريقة الإجازة المتداولة بين الأعلام والمتعارف عليها بين علماء الإسلام ، وبذلك تتّصل

جهاد الامام السجاد عليه السلام 268

بطرق مشايخنا الكرام الى رواية هذه الرسالة.
فأروي عن مشايخي الكرام وهم عدّة ممّن لقيتهم من المشايخ ، وأوّلهم وأعلاهم سندا شيخ مشايخ الحديث في القرن الرابع عشر الإمام الشيخ آقا بزرك الطهراني ( 1293 ـ 1389 ) وآخرهم سيّد مشايخ العصر الحجّة النسّابة السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشيّ ( 1315 ـ 1411 ) بطرقهما المتّصلة بالعنعنة المقدّسة ، الى ابن طاوس ، وابن شعبة ، والنجاشي ، والصدوق ، والكليني ، أئمة الحديث الذين أثبتوا هذه الرسالة في مؤلّفاتهم ، بأسانيدهم التي أثبتناها سابقا.
وقد فصّلنا ذكر الطرق والمشايخ الى المؤلّفات والاُصول والكتب في ثبتنا الكبير « ثبت الاسانيد العوالي من مروّيات الجلالي » والحمد لله على توفيقه.
وبعد :
فإن ما نقدّمه اليوم هو أوثق ما طبع حتى الآن لهذه الرسالة من النصوص ـ سواء ما جاء ضمن المؤلفات أم ما طبع مستقلا ؟ ـ بالنسبة الى المقارنة الدقيقة بين جميع النسخ والمروّيات ، والى انتخاب النصّ الموحّد الجامع لكل ما جاء فيها ، والى إخراجه وتنظيمه وترقيمه.
وأمَلُنا أن نكون بتقديمه ، قد أدّينا بعض ما يجب علينا تجاه التراث الإسلامي العزيز ، من واجبات التحمّل والصيانة ، والضبط والتحقيق ، والأداء والتبليغ.
والحمد لله على نعمه المتواترة ، حمدا كما هو أهله وكما يحبّ أن يُحْمَد ، ونصلّي ونسلّم على سيّدنا رسول الله محمد ، وعلى الأئمة الأطهار من آله الأخيار أولي العدل والفضل والمَجْد.
حُرِّر في السابع عشر من ربيع المولود عام 1417 هـ.

وكتب
السيد محمّد رضا الحسيني
الجلالي



السابق السابق الفهرس التالي التالي