خصائص ألأئمة عليهم السلام 71

بالموسم ، فقال له : صف عليا قال : أو تعفني ؟ قال : لابد أن تصفه لي ، قال : كان والله أمير المؤمنين عليه السلام طويل المدى ، شديد القوى ، كثير الفكرة ، غزير العبرة ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطلق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس بالليل ووحشته ، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا دعوناه ويعطينا إذا سألناه ، ونحن والله مع قربه لا نكلمه لهيبته ، ولاندنو منه تعظيما له ، فإن تبسم فعن غير أشر ولا اختيال ، وإن نطق فعن الحكمة وفصل الخطاب ، يعظم أهل الدين ويحب المساكين ، ولا يطمع الغني في باطله ، ولا يوئس الضعيف من حقه ، فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابض على لحيته ، يتململ تملل السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول :
يادنيا ، يادنيا ، إليك عني أبي تعرضت ؟ أم لي تشوقت ؟ لا حان حينك ، هيهات ، غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير ، آه من قلة الزاد وطول المجاز ، وبعد السفر وعظيم المورد.
قال : فوكفت دموع معاوية ما يملكها ، وهو يقول : هكذا كان علي عليه السلام ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزني عليه والله حزن من ذبح واحدها في حجرها فلا ترقأ دمعتها ولا تسكن حرارتها (1).
وبإسناد مرفوع إلى عبد الله بن العباس رحمه الله قال : نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ( «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا » (2) قال : محبة في قلوب المؤمنين (3).

(1) مناقب ابن شهراشوب 2/103. حلية الاولياء 1/84. الاستيعاب 2/463. الرياض النضرة 2/212.
(2) سورة مريم/96.
(3) الغدير 2/55. الرياض النضرة 2/207. الصواعق المحرقة/102. نور الابصار/101. فضائل الخمسة 1/323. مجمع الزوائد 9/125 وقال : رواه الطبراني في الاوسط.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 72

حدثني هارون بن موسى ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عمار العجلي الكوفي ، قال : حدثني عيسى الضرير عن أبي الحسن عن أبيه ، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حين دفع الوصية إلى علي ، يا علي أعد لهذا جوابا غدا بين يدي ذي العرش ، فإني محاجك يوم القيامة بكتاب الله ، حلاله وحرامه ومحكمه ومتشابهه على ما أنزل الله ، وعلى تبليغه من أمرتك بتبليغه ، وعلى فرائض الله كما أنزلت وعلى أحكامه كلها من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتحاض عليه وإحيائه مع إقامة حدود الله كلها ، وطاعته في الامور بأسرها ، وإقام الصلاة لاوقاتها ، وإيتاء الزكاة أهلها ، والحج إلى بيت الله ، والجهاد في سبيله ، فما أنت صانع يا علي ؟ قال : فقلت بأبي وأمي إني أرجو بكرامة الله تعالى ، ومنزلتك عنده ونعمته عليك ، أن يعينني ربي عزوجل ، ويثبتني فلا ألقاك بين يدي الله مقصرا ولا متوانيا ولا مفرطا ولا أمعر ، وجهك وقاؤه وجهي ووجوه آبائي وأمهاتي.
بل تجدني بأبي وامي مشمرا لوصيتك إن شاء الله ، وعلى طريقك ما دمت حيا حتى أقدم عليك ، ثم الاول فالاول من ولدي غير مقصرين ولا مفرطين ، ثم أغمي عليه صلوات الله عليه وآله ، قال : فانكببت على صدره ووجهه ، وأنا أقول واوحشتاه بعدك بأبي أنت وأمي ووحشة إبنتك وإبنيك ، واطول غماه بعدك يا حبيبي ، إنقطعت عن منزلي أخبار السماء ، وفقدت بعدك جبرئيل فلا أحس به ، ثم أفاق صلى الله عليه وآله.
حدثني هارون بن موسى ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عمار ، قال : حدثني أبو موسى الضرير البجلي ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألت أبي فقلت له ما كان بعد إفاقته صلى الله عليه ؟ قال : دخل عليه النساء يبكين ، وارتفعت الاصوات وضج الناس بالباب المهاجرون والانصار.
قال علي عليه السلام : فبينا أنا كذلك إذ نودي أين علي ؟ فأقبلت حتى دخلت إليه ، فانكببت عليه ، فقال لي : يا أخي فهمك الله وسددك ، ووفقك

خصائص ألأئمة عليهم السلام 73

وارشدك ، واعانك وغفر ذنبك ، ورفع ذكرك ، ثم قال : يا أخي إن القوم سيشغلهم عني ما يريدون من عرض الدنيا ، وهم عليه قادرون ، فلا يشغلك عني ما شغلهم ، فإنما مثلك في الامة مثل الكعبة نصبها الله علما ، وإنما تؤتى من كل فج عميق ، وناد سحيق ، وإنما أنت العلم علم الهدى ، ونور الدين ، وهو نور الله ، يا أخي والذي بعثني بالحق لقد قدمت إليهم بالوعيد ، ولقد اخبرت رجلا رجلا بما افترض الله عليهم من حقك ، وألزمهم من طاعتك فكل أجاب إليك وسلم الامر إليك ، وإني لاعرف خلاف قولهم.
فإذا قبضت ، وفرغت من جميع ما وصيتك به ، وغيبتني في قبري فالزم بيتك ، واجمع القرآن على تأليفه ، والفرائض والاحكام على تنزيله ، ثم امض ذلك على عزائمه وعلى ما أمرتك به ، وعليك بالصبر على ما ينزل بك منهم حتى تقدم علي.

قال عيسى : فسألته وقلت : جعلت فداك قد أكثر الناس قولهم في أن النبي عليه السلام ، أمر أبا بكر بالصلاة ثم أمر عمر ، فأطرق عني طويلا ، ثم قال : ليس كما ذكر الناس ولكنك يا عيسى كثير البحث عن الامور لا ترضى إلا بكشفها ، فقلت : بأبي أنت وامي ، من أسأل عما أنتفع به في ديني ، وتهتدي به نفسي مخافة أن أضل غيرك ؟ وهل أجد أحدا يكشف لي المشكلات مثلك ؟ فقال : إن النبي صلى الله عليه وآله لما ثقل في مرضه دعا عليا عليه السلام ، فوضع رأسه في حجره واغمي عليه ، وحضرت الصلاة فأذن بها فخرجت عائشة فقالت : يا عمر اخرج فصل بالناس ، فقال لها : أبوك أولى بها مني ، فقالت : صدقت ، ولكنه رجل لين ، وأكره أن يواثبه القوم ، فصل أنت ، فقال لها : بل يصلي هو ، وأنا أكفيه إن وثب واثب ، أو تحرك متحرك ، مع أن رسول الله مغمى عليه ، ولا أراه يفيق منها ، والرجل مشغول به ، لا يقدر أن يفارقه ـ يعني عليا عليه السلام ـ فبادروا بالصلاة قبل أن يفيق فإنه إن أفاق خفت أن يأمر عليا بالصلاة ، وقد سمعت مناجاته له منذ الليلة ، وفي آخر كلامه يقول لعلي عليه السلام : الصلاة ، الصلاة.

خصائص ألأئمة عليهم السلام 74

قال : فخرج أبو بكر يصلي بالناس ، فظنوا أنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم يكبر حتى أفاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : أدعو لي عمي ـ يعني العباس ، رضي الله عنه ـ فدعى له فحمله وعلي عليه السلام ، حتى أخرجاه فصلى بالناس وإنه لقاعد ، ثم حمل فوضع على المنبر بعد ذلك فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والانصار حتى برزت العواتق من خدورها ، فبين باك وصائح ، ومسترجع ، وواجم ، والنبي عليه السلام يخطب ساعة ، ويسكت ساعة ، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال :

يا معشر المهاجرين والانصار ، ومن حضر في يومي هذا ، وفي ساعتي هذه من الانس والجن ليبلغ شاهدكم غائبكم ، ألا إني قد خلفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدى ، والبيان لما فرض الله تبارك وتعالى من شيء حجة الله عليكم وحجتي وحجة وليي. وخلفت فيكم العلم الاكبر ، علم الدين ، ونور الهدى ، وضياءه وهو علي بن أبي طالب ، ألا وهو حبل الله ( فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) (1).
أيها الناس هذا علي من أحبه وتولاه اليوم ، وبعد اليوم ، فقد أوفى بما عاهد عليه الله ، ومن عاداه وأبغضه اليوم ، وبعد اليوم جاء يوم القيامة أصم وأعمى ، لا حجة له عند الله.
أيها الناس لا تأتوني غدا بالدنيا تزفونها زفا ، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا مقهورين مظلومين تسيل دماؤهم ، إياكم واتباع الضلالة والشورى للجهالة ، ألا وإن هذا الامر له أصحاب قد سماهم الله عزوجل لي وعرفنيهم وأبلغتكم ما أرسلت به اليكم ولكني أراكم قوما تجهلون (2).

(1) سورة آل عمران/103.
(2) سورة الاحقاف/23.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 75

لا ترجعوا بعدي كفارا مرتدين تتاولون الكتاب على غير معرفة ، وتبتدعون السنة بالاهواء ، وكل سنة وحديث وكلام خالف القرآن فهو زور وباطل.
القرآن إمام هاد ، وله قائد يهدى به ، ويدعو إليه ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهو علي بن أبي طالب ، وهو ولي الامر بعدي ، ووارث علمي ، وحكمتي ، و سري ، وعلانيتي ، وما ورثه النبيون قبلي ، وأنا وارث ومورث فلا تكذبنكم أنفسكم.
أيها الناس الله الله في أهل بيتي ، وأنهم أركان الدين ، ومصابيح الظلام ، ومعادن العلم.
علي أخي ، ووزيري ، وأميني والقائم من بعدي بأمر الله ، والموفي بذمتي ، ومحيي سنتي ، وهو أول الناس إيمانا بي ، وآخرهم بي عهدا عند الموت ، وأولهم لقاء إلي يوم القيامة ، فليبلغ شاهدكم غائبكم.
أيها الناس من كانت له تبعة فها أناذا ، ومن كانت له عدة أو دين فليأت علي بن أبي طالب ، فأنه ضامن له كله حتى لا يبقى لاحد قبلي تبعة (1).

وحكي أن معاوية بن أبي سفيان سأل عبد الله بن العباس رحمة الله عليه ، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال إبن عباس : هيهات ، عقم النساء أن يأتين بمثله ، والله ما رأيت رئيسا مجربا يوزن به ، ولقد رأيته في بعض أيام صفين ، وعلى رأسه عمامة بيضاء تبرق وقد أرخى طرفيها على صدره وظهره ، وكانّما عيناه سراجا كسليط ، وهو يقف على كتيبة كتيبة حتى انتهى إلي وأنا في كنف من القوم وهو يقول :
معاشر المسلمين إستشعروا الخشية ، وتجلببوا بالسكينة ، وعضوا على النواجذ (2) فإنه أنبى للسيوف عن الهام (3) واكملوا اللامة (4) وقلقلوا السيوف في أغمادها

(1) البحار 22/482 ـ 284. الطرف/29 ـ 34.
(2) النواجذ : جمع ناجذ وهو أقصى الاضراس.
(3) ألهام : جمع هامة وهي الرأس.
(4) أللامة : الدرع.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 76

قبل سلها ، والحضوا لخزر (1) واطعنوا لشزر (2) ونافحوا بالظبا (3) وصلوا السيوف بالخطى ، واعلموا أنكم بعين الله ، ومع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فعاودوا الكرة ، واستحيوا من الفر ، فانه عار من الاعقاب ، ونار يوم الحساب ، وطيبوا عن أنفسكم نفسا ، وامشوا إلى الموت مشيا سجحا (4) ، وعليكم بهذا السواد الاعظم ، والرواق المطنب ، فاضربوا ثبجه (5) فان الشيطان كامن في كسره ، قد قدم للوثبة يدا ، وأخر للنكوص رجلا ، فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق ، وأنتم الاعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم (6) وأنشأ يقول :
إذا المشكـلات تصدين لـي كشفت غوامـضها بالنظر
وإن برقت في مخيل الظنون عمياء لا تجتليهـا الفـكر
مـقنعـة بغيـوب الامـور وضعت عليهـا حسام العبر
معي اصمع كظبى المرهفات افري به عن بنـات الستر
لسان كشقشقـة الارحبـي أو كالحسام اليمـاني الذكر
ولكنـني مدره الاصغـرين أقيس بما قد مضى ما غبر
ولست بامعة في الرجال اسا ئـل هـذا وذا مـا الخبر

( الاصغران القلب واللسان ) ثم غاب عني عليه السلام ، ثم رأيته قد أقبل وسيفه ينطف دما وهو يقرأ : «قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون» (7).
وباسناد مرفوع إلى الاعمش عن عطية قال : لما خرج عمر بن الخطاب

(1) الخزر : النظر وهو علامة الغضب.
(2) الشزر : الجوانب يمينا وشمالا.
(3) نافحوا : كافحوا وضاربوا ، الظبا : السيف.
(4) السجح : السهل.
(5) الثبج : الوسط.
(6) سورة محمد/35.
(7) سورة التوبة/12.
الغدير 6/194. شرح إبن أبي الحديد 5/168. مجمع الامثال 2/358. شرح إبن ميثم 2/178.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 77

إلى الشام وكان العباس بن عبد المطلب معه يسايره ، فكان من يستقبله ينزل فيبدأ بالعباس فيسلم عليه يقدر الناس إنه هو الخليفة لجماله وبهائه ، وهيبته ، فقال عمر : لعلك تقدر إنك أحق بهذا الامر مني ؟ فقال له العباس بن عبد المطلب : أحق به مني ومنك من خلفناه بالمدينة ، فقال عمر : ومن ذاك ؟ قال : من ضربنا بسيفه حتى قادنا إلى الاسلام ( يعني أمير المؤمنين عليا عليه السلام ) (1).
حدثني أبو محمد هارون بن موسى ، قال : حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، قال : حدثني أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، قال : حدثني الحسن بن علي بن محمد ابن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام ، قال : حدثني أبي علي قال : حدثني أبي محمد قال : حدثني أبي علي ، قال : حدثني أبي موسى ، قال : حدثني أبي جعفر ، قال : حدثني أبي محمد ، قال : حدثني أبي علي ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلام ، والصلاة ، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي مثلكم في الناس مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، فمن أحبكم يا علي نجا ، ومن أبغضكم ورفض محبتكم هوى في النار.
ومثلكم يا علي مثل بيت الله الحرام ، من دخله كان آمنا فمن أحبكم و والاكم كان آمنا من عذاب النار ، ومن أبغضكم ألقي في النار يا علي ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) (2) ومن كان له عذر فله عذره ، ومن كان فقيرا فله عذره ، ومن كان مريضا فله عذره ، وان الله لا يعذر غنيا ، ولا فقيرا ، ولا مريضا ، ولا صحيحا ، ولا أعمى ، ولا بصيرا في تفريطه في موالاتكم ومحبتكم (3).

(1) فضائل الخمسة 2/83 و 87.
(2)سورة آل عمران/97.
(3) مستدرك الصحيحين 2/343. ذخائر العقبى/20. وقد تواترت أحاديث بهذا الشأن بألفاظ شتى ، وتعابير مختلفة. وأسانيد كثيرة تجدها في كتاب فضائل الخمسة 2/83 و 87 و 64 و 66.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 78

وبهذا الاسناد عن أبي محمد مرفوعا إلى الحسن بن علي عليهما السلام ، قال : حدثني أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله ، ودعا الناس في مرضه ، فقال : من يقضي عني ديني وعداتي ويخلفني في أهلي وامتي من بعدي ؟ فكف الناس عنه ، وانتدبت له ، فضمنت ذلك ، فدعا لي بناقته العضباء ، وبفرسه المرتجز ، وببغلته ، وحماره ، وسيفه ، وذي الفقار ، وبدرعه ذات الفضول ، وجميع ما كان يحتاج إليه في الحرب ، ففقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب ، فأمرهم أن يطلبوها ودفع ذلك إلي ثم قال : يا علي اقبضه في حياتي لئلا ينازعك فيه أحد بعدي ، ثم أمرني فحولته إلى منزلي (1).
وذكر ان بعض عمال أمير المؤمنين عليه السلام أنفذ إليه في عرض ما أنفذ من حياته مال الفيء قطفا غلاظا ، وكان عليه السلام يفرق كل شيء يحمل إليه من مال الفيء لوقته ولا يؤخره ، وكانت هذه القطف قد جائته مساء ، فأمر بعدها و وضعها في الرحبة ليفرقها من الغد ، فلما أصبح عدها فنقصت واحدة فسأل عنها فقيل له : أن الحسن بن علي عليهما السلام ، إستعارها في ليلته على أن يردها اليوم ، فهرول عليه السلام مغضبا إلى منزل الحسن بن علي عليهما السلام وهو يهمهم وكان من عادته أن يستأذن على منزله إذا جاء.
فهجم بغير إذن فوجد القطيفة في منزله فأخذ بطرفها يجرها وهو يقول : النار يا أبا محمد ، النار النار يا أبا محمد ، النار حتى خرج بها (2).
وذكروا أن بعض العمال أيضا حمل إليه في جملة الجباية ، حبات من اللؤلؤ فسلمها إلى بلال وهو خازنه على بيت المال ، إلى أن ينضاف إليها غيرها ،

(1) بحار الانوار 22/456 بصورة مفصلة. علل الشرائع/1/168.
(2) هذا الحديث والذي يليه غير صحيح ، وأنه من الموضوعات ومن دسائس المنحرفين عن أهل البيت عليهم السلام لان الامامية تعتقد أن الائمة صلوات الله عليهم فوق مستوى البشر ، وأنهم منزهون عن كل ما يزري بذلك المقام الطافح بالعظمة القدسية ، وعلى هذا الاساس فما نقرأه في الحديثين ينافي تلك العظمة الآلهية ويصادم ما تقتضيه حقائقهم المقدسة ، والغريب أن الشريف الرضي سجل الخبرين من دون تعقيب.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 79

ويفرقها فدخل يوما إلى منزله فوجد في أذن إحدى بناته الاصاغر حبة من تلك الحبات ، فلما رآها إتهمها بالسرقة فقبض على يدها ، وقال : والله لئن وجب عليك حد لاقيمن فيك ، فقالت يا أمير المؤمنين. إن بلالا أعارنيها ليفرحني بها إلى أن تفرق مع أخواتها ، فجذبها إلى بلال جذبا عنيفا وهو مغضب ، فسأله عن صدق قولها فقال : هو كما ذكرت يا أمير المؤمنين ، فقال : والله لا وليت لي عمار أبدا وخلى يد الجارية.
والصحيح ، أن صاحب هذه القصة ، كان إبن أبي رافع وهو الذي كان على بيت ماله (1).
وقال عليه السلام يوما على منبر الكوفة : من يشتري مني سيفي هذا ، ولو ان لي قوت ليلة ما بعته ، وغلة صدقته تشتمل حينئذ على أربعين ألف دينار في كل سنة (2).
وأعطته عليه السلام الخادم في بعض الليالي قطيفة فانكر دفأها ، فقال : ما هذه ؟ فقال الخادم : هذه من قطف الصدقة فألقاها ، قال عليه السلام : اصردتمونا بقية ليلتنا (3).

وقال عليه السلام في يوم وهو يخطب :
معاشر الناس إني تقلدت أمركم هذا ، فوالله ما حليت منه بقليل ولا كثير ، إلا قارورة من دهن طيب أهداها إلي دهقان من بعض النواحي (4).
قال : ودهقان بالضم فاستفيدت منه عليه السلام.
ولما قبض عليه السلام خطب الناس الحسن بن علي عليهما السلام فقال :

(1) كيف يتفق هذا الخبر الموضوع مع ثناء أهل البيت عليهم السلام على بلال بن رباح ، وانه يشفع لمؤمني الحبشة وقد إتفق علماؤنا الاعلام على إطرائه وتوثيقه ورسوخ قوة الايمان فيه.
(2) مناقب ابن شهر اشوب 2/72. نقلا عن البلاذري ، وفضائل أحمد.
(3) انساب الاشراف 2/117 ومناقب ابن شهر آشوب 2/108.
(4) حلية الاولياء 1/81 بسنده عن ابي عمرو بن العلاء. وج 9/53. كنز العمال 6/401.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 80

لقد فارقكم أمس رجل ما سبقه الاولون ، ولا يدركه الآخرون في حلم ولا علم ، وما ترك من صفراء ولا بيضاء ، ولا دينارا ، ولا درهما ، ولا عبدا ، ولا أمة ، الا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لاهله ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطيه الراية فلا يرجع حتى يفتح الله عليه (1).
وروي عن مولى لبني الاشتر النخعي قال : رأيت أمير المؤمنين عليا عليه السلام ، وأنا غلام وقد أتى السوق بالكوفة فقال : لبعض باعة الثياب أتعرفني ؟ قال : نعم أنت أمير المؤمنين ، فتجاوزه وسأل آخر فأجاب بمثل ذلك إلى أن سأل واحدا فقال : ما أعرفك فاشترى منه قميصا فلبسه ثم قال : ( الحمد لله الذي كسا علي بن أبي طالب ) ، وإنما ابتاع عليه السلام ممن لا يعرفه خوفا من المحاباة في إرخاص ما ابتاعه (2).

(1) جمهرة خطب العرب 2/7. الامامة والسياسة 1/127. العقد الفريد 2/6. تاريخ الطبري 6/91.
(2) مناقب ابن شهر اشوب 2/169.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 81

المنتخب من قضاياه عليه السلام ، وجوابات المسائل التي سئل عنها

بإسناد مرفوع إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ، أن ثورا قتل حمارا ، على عهد النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فرفع ذلك إليه وهو في اناس من أصحابه فيهم أبو بكر ، وعمر ، فقال يا أبا بكر ، إقض بينهم. فقال : يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ، ما عليها شئ. فقال : يا عمر ، إقض بينهم. فقال : مثل قول أبي بكر. فقال : يا علي إقض بينهم. فقال : نعم يارسول الله ، إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور ، وإن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليهم (1).
قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده إلى السماء وقال : الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بقضاء النبيينى (2).
وعنه ـ عليه السلام ـ قال : قضى أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ بقضية ما قضى بها أحد كان قبله ، وكانت أول قضية قضى بها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأفضى الامر إلى أبي بكر ، أتى برجل قد شرب الخمر ، فقال له أبو بكر : أشربت الخمر ؟ قال : نعم قال ولم شربتها ؟ وهي محرمة ، قال : اني أسلمت ، ومنزلي بين ظهراني قوم

(1) مناقب إبن شهرآشوب 2/169.
(2) مناقب إبن شهراشوب 2/354 بسنده إلى مصعب بن سلام بلفظ آخر. نور الابصار/71. الصواعق المحرقة/73. فضائل الخمسة 2/303.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 82

يشربون الخمر ويستحلونها ، ولم أعلم أنها حرام ، فأجتنبها. قال : فالتفت أبو بكر إلى عمر فقال : ما تقول يا أبا حفص في أمر هذا الرجل ؟ فقال : معضلة وأبو حسن لها. فقال أبو بكر : يا غلام ادع عليا ، فقال عمر : بل يؤتى الحكم في بيته ، فأتوه وعنده سلمان ، فأخبروه بقصة الرجل واقتص عليه الرجل قصته ، فقال علي عليه السلام : لابي بكر : ابعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين والانصار ، فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه ، وإن لم يكن أحد تلا عليه آية التحريم فلا شئ عليه.
قال : ففعل أبو بكر بالرجل ما قاله عليه السلام ، فلم يشهد عليه أحد فخلى سبيله ، فقال سلمان لعلي عليه السلام : لقد أرشدتهم ، فقال عليه السلام : إنما أردت أن أجدد تأكيد هذه الآية في وفيهم : أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{35} (1).
أبو أيوب المدني ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي المعلى ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : أتى عمر بإمراة قد تعلقت برجل من الانصار ، وكانت تهواه ولم تقدر له على حيلة ، فذهبت فأخذت بيضة فأخرجت منها الصفرة وصبت البياض على ثيابها وبين فخذيها ، ثم جاءت إلى عمر فقالت يا أمير المؤمنين : إن هذا الرجل أخذني في موضع كذا ففضحني ، قال : فهم عمر أن يعاقب الانصاري ، وعلي عليه السلام ـ جالس ، فجعل الانصاري يحلف ويقول : يا أمير المؤمنين تثبت في أمري. فلما أكثر من هذا القول ، قال عمر : يا أبا الحسن ما ترى فنظر علي عليه السلام إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها فاتهمها أن تكون إحتالت لذلك.
فقال : آتوني بماء حار قد اغلي غليا شديدا ، ففعلوا فلما أتي بالماء أمرهم فصبوه على موضع البياض فاشتوى ذلك البياض فأخذه عليه السلام ، فألقاه إلى


(1) سورة يونس/35. إبن شهراشوب 2/356. الارشاد 1/190.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 83

فيه فلما عرف الطعم ألقاه من فيه ، ثم أقبل على المرأة فسألها حتى أقرت بذلك ، ودفع الله عن الانصاري عقوبة عمر بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (1).
وبإسناد مرفوع إلى عاصم بن ضمرة السلولي ، قال : سمعت غلاما بالمدينة على عهد عمر بن الخطاب ، وهو يقول : يا أحكم الحاكمين أحكم بيني ، وبين امي ، فقال له عمر : يا غلام لم تدعو على أمك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إنها حملتني في بطنها تسعا ، وأرضعتني حولين فلما ترعرعت ، وعرفت الخير من الشر ويميني من شمالي طردتني وانتفت مني وزعمت أنها لا تعرفني.
فقال عمر أين تكون المرأة ؟ قال : في سقيفة بني فلان. فقال عمر علي بأم الغلام ، قال : فأتوا بها مع أربعة إخوة لها في قسامة يشهدون لها انها لا تعرف الصبي ، وان هذا الغلام غلام مدع ظلوم غشوم ، يريد أن يفضحها في عشيرتها و أن هذه الجارية من قريش ، لم تتزوج قط ، وأنها بخاتم ربها ، فقال عمر : يا غلام ما تقول ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، هذه والله امي ، حملتني تسعا ، وأرضعتني حولين ، فلما ترعرعت ، وعرفت الخير والشر ويميني من شمالي ، طردتني وانتفت مني و زعمت أنها لا تعرفني. فقال عمر : يا هذه ما يقول الغلام ؟ قالت يا أمير المؤمنين و الذي احتجب بالنور ولا عين تراه وحق محمد وما ولد ، ما أعرفه ولا أدري اي الناس هو ، وإنه غلام مدع يريد أن يفضحني في عشيرتي ، وأنا جارية من قريش لم أتزوج قط ، واني بخاتم ربي.
فقال عمر : ألك شهود ؟ فقالت : نعم هؤلاء ، فتقدم القسامة فشهدوا أن هذا الغلام مدع يريد أن يفضحها في عشيرتها ، وأن هذه جارية من قريش لم تتزوج قط ، وأنها بخاتم ربها ، فقال عمر : خذوا بيد الغلام فانطلقوا به إلى السجن حتى نسأل عن الشهود ، فإن عدلت شهادتهم جلدته حد المفتري ، فأخذ بيد الغلام لينطلق به الي السجن ، فتلقاهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، في

(1) الغدير 6/126. ابن شهراشوب 2/367. الارشاد 1/210.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 84

بعض الطريق ، فنادى الغلام : يا ابن عم رسول الله اني غلام مظلوم ، وأعاد عليه الكلام الذي كلم به عمر ، ثم قال : وهذا عمر قد أمر بي إلى الحبس.
فقال علي عليه السلام : ردوه فلما ردوه قال لهم عمر : أمرت به إلى السجن فرددتموه إلي ، فقالوا يا أمير المؤمنين : أمرنا علي بن أبي طالب برده إليك ، و سمعناك تقول لا تعصوا لعلي أمرا ، فبيناهم كذلك إذ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : علي بام الغلام فأتوا بها ، فقال عليه السلام : يا غلام ما تقول ؟ فأعاد عليه الكلام ، فقال عليه السلام لعمر : أتأذن لي في أن اقضي بينهما ؟ فقال عمر : يا سبحان الله وكيف لا ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : أعلمكم علي بن أبي طالب عليه السلام (1).
فقال عليه السلام للمرأة : يا هذه ألك شهود ؟ قالت : نعم فتقدم القسامة فشهدوا بالشهادة الاولى ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : والله لاقضين بينكم اليوم بقضية هي مرضاة الرب من فوق عرشه ، علمنيها رسول الله صلى الله عليه و آله ، ثم قال لها : ألك ولي ؟ فقالت : نعم هؤلاء إخوتي ، فقال لاخوتها : أمري فيكم وفيها جائز ؟ قالوا : نعم يا ابن عم رسول الله ، أمركم فينا وفى اختنا جائز ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : اشهد الله واشهد أمير المؤمنين ( يعني عمر ) وأشهد من حضر من المسلمين أني قد زوجت هذه المرأة من هذا الغلام على أربع مائة درهم ، والمهر من مالي.
يا قنبر علي بالدارهم ، فأتاه قنبر بها ، فصبها في يد الغلام ، ثم قال : خذها فصبها في حجر إمرأتك ، ولا تأتنا الا وبك أثر العرس ( يعنى الغسل ) ، فقام الغلام فصب الدراهم في حجر المرأة ثم تلببها فقال لها : قومي فنادت المرأة ، النار النار ، يا ابن عم رسول الله ، تريد أن تزوجني من ولدي هذا ، والله ولدي زوجني إخوتي هجينا فولدت منه هذا الغلام ، فلما ترعرع وشب أمروني أن أنتفي منه ، وأطرده و

(1) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب. الغدير 3/96. كنز العمال 6/153. مناقب الخوارزمي/49. مقتل الخوارزمي 1/43.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 85

هذا والله إبني ، وفؤادي يتحرق أسفا على ولدي ، قال : ثم أخذت بيد الغلام وانطلقت ونادى عمر : واعمراه لولا علي لهلك عمر (1).
وبإسناد مرفوع قال : بينا رجلان جالسان في دهر عمر بن الخطاب إذ مر بهما رجل مقيد ، وكان عبدا ، فقال أحدهما : إن لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا ، فقال الآخر إن كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثا ، قال : فذهبا إلى مولى العبد فقالا : إنا قد حلفنا على كذا وكذا فحل قيد غلامك حتى نزنه ، فقال مولى الغلام : إمرأته طالق إن حللت قيد غلامي ، قال فارتفعوا إلى عمر فقصوا عليه القصة ، فقال مولاه أحق به إذهبوا فاعتزلوا نساءكم ، فقالوا إذهبوا بنا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، لعله أن يكون عنده في هذا شئ فأتوه عليه السلام فقصوا عليه القصة ، فقال ما أهون هذا ثم دعا بجفنة وأمر بقيد الغلام فشد فيه خيط وأدخل رجليه والقيد في الجفنة ، ثم صب الماء عليه حتى إمتلات ثم قال : ارفعوا القيد فرفع القيد حتى أخرج من الماء ثم دعا بزبر الحديد فأرسلها في الماء حتى تراجع الماء إلى موضعه حين كان القيد فيه ثم قال : زنوا هذا الحديد فإنه وزنه (2).

وروي ان أمير المؤمنين عليه السلام ، كان إذا قطع اليد قطع أربع أصابع و ترك الكف ، والراحة ، والابهام ، وإذا أراد قطع الرجل قطعها من الكعب وترك العقب ، فقيل له : لم هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : اني لاكره أن تدركه التوبة فيحتج علي عند الله إني لم أدع له من كرائم بدنه ما يركع به ويسجد (3).

(1)هذا الحديث واضرابه من القضايا التي اجمعت العامة والخاصة على صحته ، وجاء في كتب الفريقين مما يثبت جهل عمر وقصوره في العلم إلى جانب اعترافه وتصريحه بفضل سيدنا امير المؤمنين عليه السلام. الغدير 6/104. مناقب ابن شهراشوب 2/361. البحار 9/487 الطبعة القديمة.
(2) الغدير 6/38 ـ 323. قضاوتهاى امير المؤمنين (ع)/59.
(3) المصدر السابق.

السابق السابق الفهرس التالي التالي