خصائص ألأئمة عليهم السلام 116

ومن جملة وصيته لابنه الامام أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام والصلاة

يا بني إني لما رأيتني قد بلغت سنا ، ورأيتني أزداد وهنا ، أردت بوصيتي إياك خصالا منهن : إني خفت أن يعجل بي أجلي قبل أن أفضي إليك بما في نفسي وأن انقص في رأيي كما نقصت في جسمي ، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى ، وفتن الدنيا ، فتكون كالصعب النفور فإن قلب الحدث كالارض الخالية ما القي فيها من شيء قبلته ، فبادرتك بالادب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبك لتستقبل بجد رأيك ما قد كفاك أهل التجارب بغيبة وتجربة ، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب ، وعوفيت من علاج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه ، واستبان لك ما أظلم علينا فيه.
ومنها :
واعلم أن أمامك طريقا ذا مشقة ، بعيدا ، وهولا شديدا ، وأنك لا غنى بك عن حسن الارتياد ، وقدر بلاغك من الزاد مع خفة الظهر ، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك ، فيكون ثقله وبالا عليك ، وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك ذلك فيوافيك به حيث تحتاج إليه تغتنمه ، واغتنم ما أقرضت من استقرضك في حال غناك.
واعلم يا بني أن أمامك عقبة كؤودا ، مهبطها على جنة أو على نار ، فارتد لنفسك قبل نزولك فليس بعد الموت مستعتب ولا إلى الدنيا منصرف.

خصائص ألأئمة عليهم السلام 117

واعلم يا بني أنك خلقت للآخرة لا إلى الدنيا ، وللفناء لا للبقاء ، وأنك لفي منزل قلعة ، ودار بلغة ، وطريق من الآخرة ، وأنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه ولا يفوته طالبه ، وإياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة ، وإن استطعت ألا تكون بينك وبين الله تعالى ذو نعمة فافعل.
ومنها :
ظلم الضعيف أفحش الظلم ، وربما كان الداء دواء ، والدواء داء ، وربما نصح غير الناصح ، وغش المستنصح. وإياك والاتكال على المنى ، فإنها بضائع النوكى. والعقل حفظ التجارب. وخير ما جربت ما وعظك. بادر الفرصة قبل أن تكون غصة. من الفساد إضاعة الزاد. لا خير في معين مهين. سيأتيك ما قدر لك. لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك. إمحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة. وإن أردت قطيعة أخاك فاستبق له من نفسك بقية ترجع إليها. لا يكونن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته ، ولا يكونن على الاساءة أقوى منك على الاحسان. لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى في مضرتك ونفعك وليس جزاء من سرك أن تسوئه.
والرزق رزقان ، رزق تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن أنت لم تأته أتاك. ما أقبح الخضوع عند الحاجة ، والجفاء عند الغنى. إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك. إستدل على ما لم يكن بما قد كان فإن الامور أشباه. لا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلا إذا أبلغت في ألمه ، فإن العاقل يتعظ بالقليل وإن البهائم لا تنتفع إلا بالضرب الاليم. من ترك القصد جار. ومن تعدى الحق ضاق مذهبه ومن اقتصر على قدره كان أبقى له. وربما أخطأ البصير قصده وأصاب الاعمى رشده. قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. إذا تغير السلطان تغير الزمان. نعم طارد الهم اليقين.
ومنها :
يا بني وإياك ومشاورة النساء ، فإن رأيهن إلى أفن ، وعزمهن إلى وهن ، و

خصائص ألأئمة عليهم السلام 118

اقصر عليهن حجبهن فهو خير لهن. وليس خروجهن بأشد من الدخول من لا يوثق به عليهن ، وإن استطعت الا يعرفن غيرك فافعل. ولا تملك المرأة من أمرها ما يجاوز نفسها ، فإن ذلك أنعم لبالها ، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، ولا تعطها حتى تشفع لغيرها. وإياك والتغاير في غير موضع غيرة فإن ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم.
وأول هذه الوصية قوله عليه السلام :
من الوالد الفاني ، المقر للزمان ، المدبر العمر ، المستسلم للدهر ، الذام للدنيا ، الساكن مساكن الموتى ، الظاعن عنها غدا ، إلى الولد المؤمل ما لا يدرك السالك ، سبيل من قد هلك ، غرض الاسقام ، ورهينة الايام ، ورمية المصائب ، وعبد الدنيا ، وتاجر الغرور ، وغريم المنايا ، وأسير الموت ، وحليف الهموم ، وقرين الاحزان ، ونصب الآفات ، وصريع الشهوات ، وخليفة الاموات (1).
ومن كلام له عليه السلام في صفة الدنيا

ما أصف من دار أولها عناء وآخرها فناء ، في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن ساعاها فاتته ، ومن قعد عنها واتته ، ومن أبصر بها بصرته ، ومن أبصر إليها أعمته (2).
ومن كلام له عليه السلام

من حاسب نفسه ربح. ومن غفل عنها خسر. ومن خاف أمن. ومن اعتبر

(1) شرح ابن أبي الحديد 16/9. شرح ابن ميثم البحراني ـ كبير ـ 5/2. شرح محمد عبده 3/42. هذه الوصية على طولها موجودة في جميع شروح كتاب ( نهج البلاغة ) وقد تصدى لشرحها على حدة جمع من الاعلام والعلماء.
(2) شرح محمد عبده 1/127 مطبعة الاستقامة. شرح ابن ميثم 2/227.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 119

أبصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم علم. وصديق الجاهل في تعب (1).
قال الشريف الرضي ذو الحسبين أبو الحسن رضي الله عنه ، ولو لم يكن في هذه الفقرة المذكورة إلا هذه الكلمة الاخيرة ، لكفى بها لمعة ثاقبة ، وحكمة بالغة ، ولا عجب أن تفيض الحكمة من ينبوعها ، وتزهر البلاغة في ربيعها.
قال الكاتب :
تمت كتابة كتاب خصائص الائمة عليهم السلام وفرغ من كتبه العبد المذنب الراجي إلى غفران الله وعفوه عبد الجبار بن الحسين بن أبي العم الحاج الفراهاني الساكن بقرية خونجان (2) عمرها الله يوم الاربعاء الرابع من شوال سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة ( 553 ) غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمسلمات إنه الغفور الرحيم.

(1) شرح ابن ميثم البحراني 5/348. شرح محمد عبده 3/199. شرح ابن أبي الحديد 19/28.
(2) خونجان : قرية من قرى اصفهان ، قديمة ومتداعية ، ينسب الحيا جمع من اعلام الفكر والادب والنسبة إليها الخونجاني ـ معجم البلدان 2/407.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 121

الزيادات

في آخر النسخة المخطوطة وجدت بعض الصحائف بخط الكتاب نفسه ، وهي تتعلق بكتاب ( خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ) وكأن الكاتب وقف على نسخة مخطوطة أخرى جاءت فيها هذه الزيادات فكتبها وجعلها في آخر الكتاب ، وقد اثبتناها أيضا هنا وهي :

خصائص ألأئمة عليهم السلام 122

منها الرعية (1)
وليكن في خاصة ما تخلص لله به دينك ، إقامة فرائضه التي هي له خاصة ، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ، ووف ما تقربت به إلى الله من ذلك ، كاملا غير مثلوم ولا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ ، وإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا ، فإن في الناس من به العلة وله الحاجة ، قد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله حين وجهني إلى اليمن كيف اصلي بهم فقال : صل بهم كصلاة أضعفهم ، وكن بالمؤمنين رحيما.
وأما بعد هذا ، فلا تطولن إحتجابك من رعيتك ، فإن إحتجاب الولاة عن الرعية ، شعبة من الضيق ، وقلة علم بالامور. والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه ، فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصغير ويقبح الحسن ، و يحسن القبيح ، ويشاب الحق بالباطل ، إنما الوالي بشر لا يعرف ما تواري عنه الناس به من الامور ، وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب ، وإنما أنت أحد رجلين ، إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم إحتجابك من واجب حق تعطيه ، أو فعل كريم تسديه ، أو مبتلى بالمنع ، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك ، مع أن أكثر حاجات الناس إليك مالا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة ، أو طلب إنصاف في معاملة.

(1) من عهد له عليه السلام ، كتبه للاشتر النخعي ، لما ولاه مصر والموجود منه في المخطوطة هذا القسم فحسب.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 123

ثم أن للوالي خاصة وبطانة فيهم إستئثار وتطاول ، وقلة إنصاف في معاملة فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الاحوال ، ولا تقطعن لاحد من حاشيتك وخاصتك قطيعة ، ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم ، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك ، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة.
وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد ، وكن في ذلك صابرا محتسبا ، واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع ، وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه فإن مغبة ذلك محمودة.
وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك ، واعدل عنهم ظنونهم بإصحارك ، فان في ذلك إعذارا تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق.
ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك لله فيه رضى ، فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك ، وأمنا لبلادك. وليكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه فإن العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم ، واتهم في ذلك حسن الظن ، وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة ، أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء ، وارع ذمتك بالامانة ، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فإنه ليس من فرائض الله شيء في الناس أشد عليه اجتماعا مع تفريق أهوائهم ، وتشتيت آرائهم ، من تعظيم الوفاء بالعهود ، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر ، ولا تغدرن بذمتك ولا تخيسن بعهدك ، ولا تختلن عدوك فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي ، قد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته ، وحريما يسكنون إلى منعه ، ويستفيضون إلى جواره ، ولا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه ، ولا تعقد عقدا تجوز فيه العلل ، ولا تعولن على لحن القول بعد التأكيد والتوثقة ، ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه..

خصائص ألأئمة عليهم السلام 124

والعين بالوكاء ، فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء. وهذا القول في الاشهر الاظهر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد رواه قوم لامير المؤمنين عليه السلام ، وذكر ذلك المبرد في كتاب المقتضب ، في باب اللفظ بالحروف ، وقد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم به ( المجازات والآثار النبوية ) (1).
وقال عليه السلام في كلام له : ووليهم وال ، فأقام واستقام ، حتى ضرب الدين بجرانه (2).
وقال عليه السلام : يأتي على الناس زمان عضوض ، يعض الموسر فيه على ما في يديه ، ولم يؤمر بذلك ، قال الله سبحانه :« وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» (3) تنهد فيه الاشرار ، وتستذل الاخيار ، ويبايع المضطرون ، وقد نهى رسول الله صلى عليه وآله وسلم عن بيع المضطرين (4).
وقال عليه السلام : يهلك في رجلان ، محب مفرط وباهت مفتر. وهذا مثل قوله : يهلك في محب غال ، ومبغض قال (5).
وسئل عليه السلام عن التوحيد ، والعدل ، فقال : إن التوحيد أن لا تتوهمه ، والعدل أن لا تتهمه (6).
وقال : لا خير في الصمت عن الحكم ، كما أنه لا خير في القول بالجهل (7).

(1) المجازات النبوية ـ أو ـ مجازات الاثار النبوية ، من تأليف السيد الرضي طبع في ايران والعراق والقاهرة ، وقد أختصره الشيخ ابراهيم الكفعمي ، الذريعة 1/358 وج 19/351.
(2) شرح محمد عبده 3/263. شرح ابن ميثم 5/463. ابن أبي الحديد. 2/218.
(3) سورة البقرة/237.
(4) شرح ابن أبي الحديد 20/119. ابن ميثم البحراني 5/563. شرح عبده 3/264.
(5) شرح عبده 3/264. شرح ابن أبي الحديد. 2/220. شرح ابن ميثم 5/464.
(6) شرح ابن ميثم البحراني 5/464. شرح محمد عبده 3/264. إبن أبي الحديد/227.
(7) ابن أبي الحديد 19/9. شرح عبده 3/265. شرح ابن ميثم 5/265.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 125

وقال في دعاء استسقى به : اللهم اسقنا ذلل السحاب دون صعابها (1).
وهذا من كلام العجيب الفصاحة ، وذلك أنه ـ عليه السلام ـ شبه السحاب ذوات الرعود ، والبوارق ، والرياح ، والصواعق بالابل الصعاب التي تقص بركبانها ، وشبه السحاب خالية من تلك الروائع بالابل الذلل التي تحتلب طيعة ، وتقتعد مسمحة.
وقيل له عليه السلام ، لو غيرت شيبك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : الخضاب زينة ، ونحن قوم في مصيبة ( يريد مصيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) (2).
وقال عليه السلام : القناعة مال لا ينفد (3). وقد روى بعضهم هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال عليه السلام لزياد بن أبيه وقد استخلفه لعبد الله بن العباس على فارس وأعمالها في كلام طويل ، كان بينهما ، نهاه فيه عن تقديم الخراج : استعمل العدل ، واحذر العسف ، والحيف فان العسف يعود بالجلاء ، والحيف يدعو إلى السيف (4).
وقال : أشد الذنوب ما استخف به صاحبه (5).
وقال : ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا ، حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا (6).
وقال : شر الاخوان من تكلف له (7).

(1) شرح ابن ميثم 5/465. ابن أبي الحديد 20/229. محمد عبده 3/265.
(2) شرح ابن أبي الحديد 20/230. ابن ميثم البحراني 5/466.
(3) شرح ميثم بن علي بن ميثم 5/466. ابن أبي الحديد 20/244.
(4) ابن أبي الحديد 20/245. شرح محمد عبده 3/266. إبن ميثم البحراني 5/466.
(5) شرح ابن ميثم 5/467. إبن أبي الحديد المعتزلي 20/246. شرح عبده 3/266.
(6) ابن أبي الحديد 20/247. شرح محمد عبده 3/266 ط مطبعة الاستقامة. شرح ميثم بن علي بن ميثم 5/467.
(7) ابن ميثم البحراني 5/467. شرح ابن ابي الحديد 20/249. محمد عبده 3/266.
خصائص ألأئمة عليهم السلام 126

وقال : إذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه (1).
إنتهت الزيادة
بحمد الله ومنه وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين وفرغ من كتبه العبد المذنب عبد الجبار بن الحسين بن أبي العم الحاجي الفراهاني يوم الاربعاء التاسع عشر من جمادي الاولى من سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة في خدمة مولانا الامير الاجل السيد ضياء الدين تاج الاسلام أبي الرضا فضل الله بن علي ابن عبيد الله الحسني أدام الله ظله وقد آوى إلى قرية جوسقان راوند متفرجا. من نسخته بخطه حامدا لله ومصليا على النبي وآله أجمعين والسلام.

شرح محمد عبده 3/266. شرح ابن أبي الحديد 20/251. شرح ابن ميثم البحراني 5/486.

السابق السابق الفهرس