المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة40

صاحبا الاستيعاب والاصابة في ترجمة أبي سفيان المذكور .(1)
ورثاه أبو ذؤيب الهذلي(2) ـ كما يعلم من ترجمته في الاستيعاب والاصابة ـ بقصيدة حائية .(3)
ورثاه أبو الهيثم(4) بن التيهان بقصيدة داليّة أشار إليها ابن حجر في ترجمة

= انظر ترجمته في الاستيعاب 4 : 84 ـ 85 ، الاصابة 4 : 90 .
(1) قال أبو سفيان بن الحارث يرثي رسول الله صلى الله عليه وآله :
أرّقت فبـات ليـلـي لا يزول وليل أخي المصيبة فيه طول
فاسعـدنـي البكـاء وذاك فيما اُصيب المسلمـون بـه قليل
لقد عظمت مصيبتـنـا وجلت عشيّة قيل : قد قبض الرسول
وأضحت ارضنـا ممّا عراها تكاد بنـا جـوانبهـا تميـل
فقدنا الـوحـي والتنـزيل فينا يروح به ويغـدو جـبـرئيل
وذاك أحـقّ ما سـالـت عليه نفوس النـاس أو كادت تسيل
نبـيّ كان يجلو الشـكّ عنّـا بما يـوحـى إليه ومـا يقول
ويهـدينا فلا نخشى ضـلالاً علينـا والرسـول لنـا دليـل
أفاطـم إن جزعت فذاك عذر وإن لم تجـزعي ذاك السبيـل
فقبـر أبيـك سيّـد كـلّ قبر وفيه سيّـد النـاس الرسـول
انظر : الاستيعاب 4 : 134 .
(2) انظر ترجمته في الاستيعاب 4 : 97 .
(3) قال أبو ذؤيب الهذلي يرثي رسول الله صلى الله عليه وآله :
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها وتزعزعت آطام بطن الأبطح
وتزعزعـت أجبال يثرب كلّها ونخيلها لحلـول خطب مفدح
انظر : الاستيعاب 4 : 98 .
(4) هو مالك بن التيهان أبو الهثيم الأنصاري : من السابقين ، وكان أحد الستّة الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وأوّل ما لقيه الأنصار ، وألأول من بايعه ليلة العقبة ، شهد صفين واستشهد فيها .
وقيل : هو عبيد بن التيهان ؛ وقيل : عتيك بن التيهان الأنصاري ، شهد بدر واُحد ، وقيل : قتل في اُحد قتله عكرمة بن أبي جهل ، وقيل : بل قتل بصفين مع علي عليه السلام .
=
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة41

أبي الهيثم من اصابته .(1)
ورثته اُمّ رعلة القشيرية(2) في قصيدة أشار إليها العسقلاني في ترجمه أم رعلة من اصابته .(3)
ورثاه عامر بن الطفيل بن الحرث الأزدي(4) لقصيدة جيميّة أشار إليها ابن حجر في ترجمة عامر من الاصابة .(5)
ومن استوعب الاستيعاب ، وتصفّح الأصابة ، واسد الغابة ، ومارس كتب الأخبار ، يجد مراثيهم المشتملة على تهييج الحزن بذكر محاسن الموتى شيئاً يتجاوز حد الأحصاء(6) .

= انظر : أسد الغابة 5 : 14 ـ 16 ، الاصابة 3 : 341 و534 و574 .
(1) قال أبو الهيثم بن التيهان يرثي الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله :
لقد جدعت آذاننا وانوفنا غداة فجعنا بالنبي محمد
انظر الاصابة 4 : 186 .
(2) انظر ترجمتها في الاصابة 4 : 275 .
(3) قالت امّ رعلة القشيرية ترثي رسول الله صلى الله عليه وآله :
يا دار فاطمة المعمور ساحتها هيّجت لي حزناً حييث من دار
انظر : الاصابة 4 : 276 .
(4) انظر ترجمته في الاصابة 3 : 53 .
(5) قال عامر بن الطفيل يرثي الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله :
بكت الأرض والسماء على النو ر الذي كـان للعبـاد سراجا
من هدينا بـه الـى سبل الحـ ـقّ وكنّا لا نعرف المنهاجا
انظر : الاصابة 3 : 54 .
(6) للاطّلاع أكثر يمكن مراجعة الكتاب القيّم (إقناع اللائم على إقامة المآتم) والذي ألّفه الإمام محسن الأمين العاملي قدس سره ففيه المزيد من هذه الأخبار ، وهو من تحقيقنا ونشر مؤسسة المعارف الاسلامية في قم .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة42

وقد أكثرت الخنساء(1) وهي صحابية من رثاء أخويها صخر ومعاوية ـ وهما كافران ـ ، وأبدعت في مدائح صخر ، وأهاجت عليه لواعج الحزن فما أنكر عليها منكر .(2)
وأكثر أيضاً مُتمّم بن نُويرة من تهييج الحزن على أخيه السائرة حتى وقف مرّة في المسجد هو غاص بالصحابة أمام أبي بكر بعد صلاة الصبح واتّكأ على سيّة قوسه فأنشد :
نِعم القتيل ـ إذا الرياح تناوحت(3) خلف البيوت ـ قتلت يا ابن الأزور(4)

(1) انظر ترجمتها في : الاصابة 4 : 286 .
(2) قال أبو عمر : قدمت (الخنساء) على النبي صلى الله عليه وآله مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم ، فذكروا انّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يستنشدها ويعجبه شعرها ، وكانت تنشده وهو يقول : هيّه يا خناس ، ويومئ بيده .
ومن قولها في صخر :
أعينيّ جـودا ولا تجمـدا ألا تبكيان لصخر الندى ؟
ألا تبكيان الجري الجميـل ألا تبكيـان الفتى السيّدا ؟
طويل النجاد عظيم الرماد وساد عشيرتـه أمـردا
وقالت كذلك :
ألا يا صخر إن أبكيت عيني فقد أضحكتنـي دهـراً طويلاً
ذكرتك في نسـاء معولات وكنت أحقّ مـن أبدي العويلا
دفعت بك الجليل وأنت حيّ فمن ذا يدفع الخطـب الجلـيلا
إذا قبّح البكـاء علـى قتيل رأيت بكاءك الحسن الجمـيلا
انظر : الاصابة 4 : 286 .
(3) تناوحت : تقابلت .
(4) هو : ضرار بن الأزور الأسدي ، من بني كرز ، وهو الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد بن الوليد . انظر : الأغاني 14 : 66 ـ 73 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة43

ثمّ أومأ إلى أبي بكر ـ كما في ترجمة وثيمة بن موسى بن الفرات من وفيات ابن خلكان ـ فقال مخاطبا له :
أدعوته بالله ثمّ غدرته(1) لو هو دعاك بذمّة لم يغدر

فقال أبو بكر : والله ما دعوته ، ولا غدرته . ثم قال :
ولنعم حشو الدرع كـان وحاسراً ولنعم مأوى الطارق المتنوّر
لا يمسك(2) الفحشاء تحت ثيابه حلو شمائله عفـيف المئزر

وبكى حتى انحطّ عن سيّة قوسه ، قالوا : فما زال يبكي حتى دمعت عينه العوراء ، فما أنكر عليه في بكائه ولا رثائه منكر ، بل قال له عمر ـ كما في ترجمة وثيمة من الوفيات ـ : لوددت أنّك رثيت زيداً أخي بمثل ما رثيت به مالكاً أخاك ، فرثى متمم بعدها زيد بن الخطّاب فما أجاد ، فقال له عمر : لِم لَم ترث زيداً كما رثيت مالكاً ؟
فقال : انّه والله ليحرّكني لمالك ما لا يحرّكني لزيد(3) .
واستحسن الصحابة ومن تأخر عنهم مراثيه في مالك ، وكانوا يتمثّلون بها كما اتّفق ذلك من عائشة ، إذ وقفت على قبر اخيها عبد الرحمن ـ كما في ترجمته من الاستيعاب(4) ـ فبكت عليه وتمثّلت :
وكُنّا كَنَدماني جَذيمة حِقبةً من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا

(1) في المصادر : قتلته .
(2) في العقد الفريد : لا يُمسك .
(3) وانظر : الكامل للمبرّد 3 : 162 .
(4) الاستيعاب 2 : 497 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة44

فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلةً معا(1)

وما زال الرثاء فاشياً بين المسلمين وغيرهم في كلّ عصر ومصر لا يتناكرونه مطلقاً .

(1) تعتبر هذه القصيدة من أشهر قصائد متمّم التي يرثي بها أخاه مالكاً ، وتسمى اُمّ المراثي . انظر العقد الفريد 3 : 220 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة45

المطلب الثالث
في تلاوة الأحاديث المشتملة على
مناقب الميّت ومصائبه

كما كانت عليه سيرة السلف وفعلته عائشة ، إذ وقفت على قبر أبيها باكية ، فقالت : كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عنها ، وكنت للآخرة معزّاً باقبالك عليها ، وكان أجل الحوادث بعد رسول الله رزؤك ، وأعظم المصائب بعده فقدك .(1)
وفعله محمد بن الحنفية(2) ، إذ وقف على قبر أخيه المجتبى عليه السلام فخنقته العبرة ـ كما في أوائل الجزء الثاني من العقد الفريد ـ ثم نطق فقال : يرحمك الله أبا محمد ، فلئن عزّت حياتك فقد هدّت وفاتك ، ولنعم الروح روح ضمّه بدنك ، ولنعم البدن بدن ضمّه كفنك ، وكيف لا تكون كذلك وأنت بقيّة ولد الانبياء ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، غذّتك أكفّ الحقّ ، وربّيت في حجر الإسلام ، فطبت حيّاً وطبت ميّتاً ، وإن كانت انفسنا غير طيّبـة بفراقك ، ولا شاكّـة في الخيـار لك(3) .
ثمّ بكى بكاءاً شديداً وبكى الحاضرون حتى [علا] نشيجهم .

(1) العقد الفريد 2 : 37 .
(2) أبو القاسم محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب ، والحنفية لقب اُمّه خولة بنت جعفر ، كان كثير العلم والورع ، شديد القوة ، توفي سنة 80 هـ ؛ وقيل : 81 هـ . انظر : تنقيح المقال 3 : 115 ، وفيات الأعيان 5 : 91 .
(3) العقد الفريد 2 : 78 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة46

ووقف أميـر المؤمنين عليه السلام على قبر خباب بن الأرت(1) في ظهـر الكـوفة(2) ، وهو أوّل من دفن هناك ـ كما نصّ عليه ابن الأثير في آخر تتمة صفّين ـ فقال عليه السلام :
رحم الله خباباً ، قد أسلم راغباً ، وهاجر طائعاً ، وعاش مجاهداً ، وابتلي في جسمه أحوالاً ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً .(3)
ولمّا توفّي أمير المؤمنين قام الخلف من بعد أبو محمد الحسن الزكي عليهما السلام خطيباً فقال ـ كما في حوادث سنة 40 من تاريخ ابن جرير وابن الأثير وغيرهما ـ فقال :
لقد قتلتم الليلة رجلا والله ما سبقه أحد كان قبله ، ولا يدركه أحد يكون بعده ، والله إن كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليبعثه في السرية ، وجبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، [والله] ما ترك صفراء ولا بيضاء ... الخ .(4)
ووقف الإمام زين العابدين على قبر جدّه أمير المؤمنين عليهما السلام فقال :

(1) خباب بن الأرت ـ بتشديد المثناة ـ بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم التميمي ، ويقال : الخزاعي .
روى الباوردي أنّه أسلم سادس ستّة ، وهو أوّل من أظهر اسلامه وعُذّب عذاباً شديداً لأجل ذلك ، شهد بدراً وما بعدها ، ونزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين . انظر : الإصابة 1 : 416 ترجمة رقم «2215» ، أسد الغابة 2 : 114 ـ 117 .
(2) الكوفة ـ بالضم ـ : المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ؛ قيل : سمّيت الكوفة لاستدارتها . معجم البلدان 4 : 222 .
(3) الكامل في التاريخ 3 : 215 ، وقعة صفّين : 283 ، العقد الفريد 2 : 66 .
(4) تاريخ الاُمم والملوك 5 : 157 ، الكامل في التاريخ .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة47

أشهد أنّك جاهدت في الله حقّ جهاده ، وعملت بكتابه ، واتّبعت سنن نبيّه صلى الله عليه وآله ، حتى دعاك الله إلى جواره ، فقبضك إليه باختياره ، لك كريم ثوابه ، وألزم أعداءك الحجّة [في قتلهم ايّاك] مع ما لك من الحجج البالغة على جميـع خلقه .(1)
وعن أنس بن مالك ـ كما في العقد الفريد وغيره ـ قال : لمّا فرغنا من دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [أقبلت عليّ فاطمة فقالت : يا أنس ، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التراب ؟ ثمّ بكت ونادت : يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه ، يا أبتاه مِن ربّه ما أدناه ، يا أبتاه إلى جبرئيل ننعاه ، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه .(2)
ولو أردنا أن نستوفي ما كان من هذا القبيل لخرجنا عن الغرض المقصود ، وحاصله أن تأبين الموتى من أهل الآثار النافعة بنشر مناقبهم ، وذكر مصائبهم ، ممّا حكم بحسنه العقل والنقل ، واستمرت عليه سيرة السلف والخلف ، وأوجبته قواعد المدنية ، واقتضته اصول الترقي في المعارف ، إذ به تحفظ الآثار النافعة ، وبالتنافس فيه تعرج الخطباء إلى أوج البلاغة ، والقول بتحريمه يستلزم تحريم قراءة التاريخ وعلم الرجال ، بل يستوجب المنع من تلاوة الكتاب والسنّة لاشتمالها على جملة من مناقب الأنبياء ومصائبهم ، ومن يرضى لنفسه هذا الحمق ، أو يختار لها هذا العمى ، نعوذ بالله من سفه الجاهلين .

(1) العقد الفريد 2 : 71 .
(2) العقد الفريد 3 : 23 ، وانظر مسند أحمد 3 : 197 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة48

المطلب الرابع
في الجلوس حزناً على الموتى
من أهل الحفائظ والأيادي المشكورة

وحسبك في رجحان ذلك ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله من الحزن الشديد على عمّه أبي طالب وزوجته الصدّيقة الكبرى ام المؤمنين عليهما السلام ، وقد ماتا في عام واحد فسمّي «عام الحزن» وهذا معلوم بالضرورة من اخبار الماضين .
وأخرج البخاري ـ في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن من الجزء الأول من صحيحه ـ بالاسناد عن عائشة قالت : لمّا جاء النبي صلى الله عليه وآله قتل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس ـ أي في المسجد كما في رواية أبي داود(1) ـ يعرف فيه الحزن .
وأخرج البخاري في الباب المذكور أيضا عن أنس قال : قنت(2) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهراً حين قتل القرّاء(3) فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله حزن حزناً قطّ أشد منه .(4) الحديث .

(1) ارشاد الساري 2 : 393 .
(2) القنوت : الإمساك عن الكلام ؛ وقيل : الدعاء في الصلاة ، لسان العرب 2 : 73 .
(3) والقُراء : هم الذين كانوا يتعلّمون القرآن في صفة المسجد أرسلهم النبي صلى الله عليه وآله الى أهل نجد فقتلوا في الطريق .
(4) ارشاد الساري 2 : 396 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة49

والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى او تستقصى .
والقول بأنّه انّما يحسن ترتيب آثار الحزن إذا لم يتقدّم العهد بالمصيبة مدفوع بانّ من الفجائع ما لا تخبو زفراتها ولا تخمد لوعتها ، فقرب العهد بها وبعده عنها سواء .
نعم ، يتمّ قول هؤلاء اللائمين إذا تلاشى الحزن بمرور الأزمنة ولم يكن دليل ولا مصلحة يوجبان التعبّد بترتيب آثاره ، وما أحسن قول القائل في هذا المقام :
خلي اُميمـة عن ملا مك ما المعزّي كالثكول
ما لراقد الوسنان مثـ ل معذّب القلب العليـل
سهران من ألم وهـ ذا نائم الليـل الطـويل
ذوقي اُميمـة ما أذو ق وبعده ما شئت قولي

على انّ في ترتيب آثار الحزن بما أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله عن تلك الفجائع ، وحلّ بساحته من هاتيك القوارع حكماً توجب التعبّد بترتيب آثار الحزن بسببها على كلّ حال ، والأدلة على ترتيب تلك الآثار في جميع الأعصار متوفّرة وستسمع اليسير منها ان شاء الله تعالى .
وقد علمت سيرة أهل المدينة الطيبة(1) واستمرارها على ندب حمزة وبكائه مع بعد العهد بمصيبته فلم ينكر عليهم في ذلك أحد حتى بلغني انّهم لا يزالون إلى

(1) مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي يثرب ، مساحتها نصف مكة ، وهي في حرّة سبخة الأرض ، ولها نخيل كثيرة ومياه ، والمسجد في نحو وسطها ، وقبر النبي في شرقي المسجد وللمدينة أسماء كثيرة ، منها : طيبة ويثرب والمباركة . انظر : معجم البلدان 5 : 82 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة50

الآن إذا ناحوا على ميّت بدأوا بالنياحة عليه ، وما ذاك الامواساة لرسول الله صلى الله عليه وآله بمصيبته في عمّه ، وأداءاً لحقّ تلك الكلمة التي قالها
في البعث على البكاء عليه وهي قوله : «لكنّ حمزة لا بواكي له» .
وكان الأولى لهم ولسائر المسلمين مواساته في الحزن على أهل بيته والاقتداء به في البكاء عليهم ، وقد لام بعض أهل البيت عليهم السلام من لم يواسيهم في ذلك ، فقال : يا لله لقلب لا ينصدع لتذكار تلك الاُمور ، ويا عجباً من غفلة أهل الدهور ، وما عذر أهل الاسلام والايمان في اضاعة أقسام الأحزان ، ألم يعلموا أنّ محمدا صلى الله عليه وآله موتور وجيع ، وحبيبه مقهور صريع .
قال وقد أصبح لحمه صلوات الله عليه مجرّداً على الرمال ، ودمه الشريف مسفوكاً بسيوف أهل الضلال : فياليت لفاطمة وأبيها عيناً تنظر إلى بناتها وبنيها ، وهم ما بين مسلوب وجريح ، ومسحوب وذبيح ... إلى آخر كلامه .
ومن وقف على كلام أئمة أهل البيت عليهم السلام في هذا الشأن ، لا يتوقّف في ترتيب آثار الحزن عليهم مدى الدوران ، لكنّا منينا بقوم لا ينصفون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة51

المطلب الخامس
في الانفاق عن الميّت في وجوه البر والاحسان

ويكفي في استحبابه عموم ما دلّ على استحباب المبرّات والخيرات على انّ فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله ، دالان على الاستحباب في خصوص المقام ، وحسبك من فعله ، ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما(1) بطرق متعدّدة عن عائشة : ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وآله ما غرت على خـديجة(2) وما رأيتها ، ولكن كان النبي صلى الله عليه وآله يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ، ثمّ يقطعها أعضاء ، ثمّ يبعثها في صدائق خديجة ، فربما قلت له : كأن لم يكن في الدنيا الا خديجة ، فيقول : انّما كانت وكان لي منها ولد .(3)

(1) البخاري باب تزويج النبي خديجة ، مسلم : باب فضائل خديجة .
(2) خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ، من قريش ، زوج رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكانت أسنّ منه بخمس عشرة سنة ، ولدت بمكة ، كانت ذا مال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام ، تستأجر الرجال ، فلمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله الخامسة والعشرين من عمره خرج في تجارة لها فعاد رابحاً ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل النبوّة ، دعاها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الإسلام ، فكانت أول نساء هذه الامة إسلاماً ، وكانت تصلّي مع النبي صلى الله عليه وآله سرّاً ، توفيت خديجة بمكّة لثلاث سنين قبل الهجرة .
انظر : الطبقات الكبرى 8 : 7 ـ 11 ، صفة الصفوة 2 : 2 ، تاريخ الخميس 1 : 301 ، الأعلام 2 : 302 .
(3) صحيح البخاري 4 : 231 باب تزويج النبي صلى الله عليه وآله خديجة ، وج 6 : 157 باب الغيرة .

السابق السابق الفهرس التالي التالي