الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 29

أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في حياته غير مفارق له ، فإن الكتاب الذي كتبه إليه بعد غارة الضحاك على أطراف الحيرة ، وذلك قرب شهادة أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ.
إذا فالقول بأن وفادة عقيل على معاوية بعد أخيه متعين كما اختاره السيد المحقق السيد علي خان في الدرجات الرفيعة ، وجعله ابن أبي الحديد الأظهر عنده ، وقد ظهر من ذلك أنه لم يكن مع معاوية بصفين.

حديث الحديدة

أما حديث الحديدة المحماة التي أدناها منه أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ فليس فيه ما يدل على اقترافه إثما أو خروجا عن طاعة ، وإنما أراد أمير المؤمنين بذلك تهذيبه بأكثر مما تتهذب به العامة ، كما هو المطلوب من مثل عقيل والمناسب لمقامه ، فعرفة سيد الأوصياء أن إنسانا بلغ من الضعف إلى أن يئن من قرب الحديدة المحماة بنار الدنيا من دون تمسه كيف يتحمل نار الآخرة في لظى ، نزاعة للشوى ، وهو مضطرم بين اوارها.
فمن واجب الإنسان الكامل التبعد عنها بكبح النهمة وكسر سورة الجشع والمكابدة للملمات القاسية ، فهي مجلبة لمرضات الرب ومكسبة لغفرانه وان كان غيره من أفراد الرعية يتبعد عنها بترك المحرمات فحقيق بمثل عقيل ـ وهو ابن بيت الوحي ورجالات عصبة الخلافة ـ التجنب حتى عن المكروهات وما لا يلائم مقاماه من المباحات ويروض نفسه بترك ذلك كله حتى تقتدي به الطبقات الواطئة بما يسعهم أو يسلون أنفسهم بمقاسات مثل عقيل الشدائد في دنياه فلا يبعضهم الفقر الملمّ والكرب المدلهم ، فرب مباح ينقم عليه من مثله ولا يلام من هو دونه بارتكابه فإن « حسنات الأبرار سيئات المقربين » وأمير المؤمنين أراد أن يوقف أخاه عقيلا على هذا الخطر الممنع الذي حواه وقد ذهل عنه في ساعته وإلا فعقيل لم يقترف مأثما حتى يكون ذلك عقوبة له.

إفتراء على عقيل

قال الصفدي : لقد بغض عقيلا إلى الناس ذكره مثالب قريش ، وما أوتي من فضل وعلم بالنسب والسرعة في الجواب ، وكانت تبسط له طنفسة في مسجد رسول الله

الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 30

يصلي عليها ، ويجتمع إليه الناس لمعرفة أنساب العرب وأياهم وأخبارهم فقال أعداؤه فيه ونسبوه الى الحمق (8).
واختلقوا عليه أحاديث كان بعيدا عنها حتى وضعوا على لسان أمير المؤمنين ما ينقص من قدره ويحط من كرامته زعما منهم أن في ذلك تشويها لسمعة هذا البيت الطاهر بيت أبي طالب باخراج أهله عن مستوى الإنسانية فضلا عن الدين ، بعد ان أعوزتهم الوقيعة في سيد الأوصياء ـ عليه السلام ـ بشيء من تلك المفتريات . فطفقوا يشوهون مقام أبيه وحامته ، ولكن لا تنطلي تلكم الزخارف على الجيل المنقب حتى كشف عن نواياهم السيئة وعرف الملأ افتعال الحديث وبُعده عن الصواب.
قالوا في الرواية عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أنه قال : مازلت مظلوما منذ كنت صغيرا ، أن عقيلا ليرمد فيقول : لا تذروني حتى تذروا عليا ، فأضطجع وأذرى وما بي رمد.
لم أقرأ هذا الحديث إلا ويأخذني العجب . كيف رضى المفتعل بهذه القرية البينة ، فإن أمير المؤمنين ولد ولعقيل عشرون سنة ، وهل يعتقد أحد أو يظن إنسانا له من العمر ذلك المقدار إذا اقتضى صلاحه شرب الدواء يمتنع منه إلا إذا شرب مثله أخوه البالغ سنة واحدة أو سنتين ، كلا لا يفعله أي أحد وإن بلغ الغاية في الخسة والضعف ، فكيف بمثل عقيل المتربى بحجر أبي طالب والمرتضع در المعرفة خصوصا مع ما يشاهده من الآيات الباهرة من أخيه الإمام منذ ولادته.
إن الضّغائن والأحقاد تحبذ لمن تخلّق بها التردد في العمى والخبط في الضلال من دون روية وتفكير ؛ « استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون » .
نعم كان أمير المؤمنين ـ عليه السـلام ـ يقول غير مرة : « مـا زلت مظلوما (9)» من دون تلك الزيادة ، يعني بذلك دفعه عن حقه الواجب علىالأمة القيام به والميل عنه وتعطيل أحكام الله بالأخذ من غيره وتقديم من ليس له قدم ثابت في كل مكرمة ، ولا نص من صاحب الشريعة ، ولا فقه ناجع ، ولا إقدام في الحروب ، وحيث أن في هذه الكلمة حظا بمن ناوأه زحزحوها عنهم ، وألصقوها بالسيد الكريم ، وما أسرع أن عاد

(8) نكت الهميان ص200.
(9) الشافي للسيد المرتضى ص203.
الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 31

السهم فكان كالباحث عن حتفه بظلفه.

الخلف عن عقيل

الخلف الصالح يخلد ذكر سلفه فلا يزال ذكره حيا بعمره الثاني من ذكره جميل وثناء جزيل وترحم متواصل واستغفار له منه وممن تعرّف به وفي الحديث : « ان ابن آدم اذا مات انقطع عمله من الدنيا إلا من ثلاث » وعد منها الولد الصالح ، ومن أجلى الواضحات أن هذا التذكير يختلف حسب تدرج الأولاد في المآثر ، فمهما كان قسطهم منها أكثر فهم لمجد آبائهم أخلد ، وكذلك الأسلاف فكلما كانوا في الشرف والسودد أقرب فانتشار فضلهم بصالحي خلفهم أسرع.
إذا فما ظنك بمثل عقيل بن أبي طالب ذلك الشريف المبجل ، وقد خلّفه في المآثر « شهيد الكوفة » وولده الأطائب شهداء الطف الذين لم يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق.
ومن هنا كان السجاد ـ عليه السلام ـ يعطف على ولد آل عقيل أكثر من ولد آل جعفر ، فقيل له في ذلك ، قال :
« إني أذكر يومهم مع أبي عبدالله الحسين ـ عليه السلام ـ فأرق لهم (10) ».
فلو لم يكن لعقيل شيء من الخطر والعظمة لتسنم بهؤلاء الأكارم أوج العلى والرفعة.
وكم أب قد علا بابن ذرى شرف كمــا علا برسـول الله عدنان

فكيف به وهو من أشرف عنصر في العالم كله.
ولم يزل له ذكر خالد في أحفاده المتعاقبين فإنهم بين علماء أعاظم وفقهاء مبرّزين وشعراء ومحدثين واُمراء صالحين ونسّابين ، وقد انتشروا في مصر واليمن وحلب وبيروت ونصيبين والمدينة والكوفة والحلة وطبرستان وخراسان وجرجان وكرمان وقم واصفهان.
وكان القاسم بن محمد بن عبدالله بن محمد بن عقيل بن ابي طالب فاضلا تقيا وأخوه عقيل جليل ثقة ، صاحب حديث وعمهما عقيل بن عبدالله نسابة مشجرا ، وحفيد

(10) كامل الزيارة لابن قولويه ص107.
الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 32

عقيل هذا جعفر بن عبدالله الاصفهاني عالم نسابة شيخ شبل ابن تكين مات سنة 334 هـ.
ومحمد بن مسلم بن عقيل بن عبدالله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب يعرف بابن المزينة كان أمير المدينة قتله ابن أبي الساج.
وابنه أبو القاسم أحمد بن محمد المذكور ، له أدب وفضل مات سنة 330 ، والعباس بن عيسى الأوقص ولي القضاء للداعي الكبير الحسن بن زيد على جرجان وقد أولد بكرمان (11).
وعبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي الفح بن محمد بن عقيل العقيلي الطالبي ولد سنة 698 ، وتوفي سنة 769 ، ولي القضاء وقرأ القرءات السبع على الصائغ ، وله تفسير القرآن في مجلدين والجامع النفيس (12).
ومن أحفاد عقيل بن أبي طالب السيد إسماعيل بن السيد أحمد المازندراني الطبرسي النوري ، فقيه من فقهاء الامامية ، متبحّر في العلم ، واسع الاطلاع ، قيق النظر ، وكان من اساتذة سيد الأمة ومجدد المذهب السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي ، وميرزا حبيب الله الرشتي ، سكن النجف ، وكانت له الإمامة في الجماعة دخل المشهد المطهر ، وله تآليف رائقة في العقائد والأخلاق ، منها كفاية الموحدين في أصول الدين ، طبعت بالفارسية في ثلاث مجلدات ، وله في شرح نجاة العباد لشيخ الطائفة صاحب الجواهر ـ قدس سره ـ ، طبع منه مجلدان في الطهارة والصلاة ، وله كتاب في أصول الفقه رآه شيخنا الجليل المدقق الشيخ آغا بزرگ صاحب الذريعة عند صهره الشيخ علي المدرس الطهراني توفي غرة شعبان سنة 1321 هـ في الكاظمية ودفن في الصحن الشريف (13).
وفي كربلاء من أحفاد عقيل بن أبي طالب بيت كبير وطائفة جليلة يعرفون بالعقيليين لهم أوقاف كثيرة

(11) عمدة الطالب.
(12) طبقات القراء ج1 ص428 .
13) أعيان الشيعة ج11 ص253
الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 33

حياة مسلم بن عقيل عليه السلام


ولادة مسلم عليه السلام

لقد أشرق الكون بهذا الميلاد المبارك ، وتأرج فيه بنجره الشّذيّ يوم برز الى عالم الشهود بعد تقلب متطاول ، بين أصلاب طاهرة ، وأرحام زاكية ، غير مدنسة بدرن الكفر ، ولا موصومة بأدناس الجاهلية الأولى في نسب متصل بنسب صاحب الرسالة ـ صلى الله عليه وآله ـ وحسب موروث من « شيخ الأبطح » الآنف ذكر شرفه وشرف بيته الرفيع وبينهما حلقة الوصل مثل عقيل الذي تقدم وصفه وذكر منزلته من العظمة والإيمان والشرف.
ولقد تلقى عقيل دروسا ضافية من صاحب الدعوة الالهية وأخيه الخليفة على الأمة عند انقضاء أمد الوحي المبين ، وفيها ما يجب على الرجال من اختيار المحل الصالح لحمل تلكم النطف الزاكية وفي جملتها التحذير من منابت السوء المفسر على لسان المشرع الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ بالمرأة الدنيئة الأصل (1) لكون الوراثة حاكمة بطبعها الأوليّ على الفضائل المطلوبة من الولد اللهم إلا مع مزاحمة الكسبيات لها وظهورها عليها كما هو المشاهد من الرجال الذي اتصلوا بالذوات المقدسة فحصل لهم بواسطتها اسمى الخصال الطيبة وفازوا بالرضوان الأكبر.
ومن المقطوع به أن عقيلا مع حيطته بأنساب العرب ومواقع المآثر والمحازي وايمانه بتلكم الدروس الراقية لم يختر لنطفته إلا محلا لائقا تتعداه كل غميزة وتقترب منه الفضيلة ولم يستهسل أن ينبز عقبه بما لا يلائم نسبه الوضاح وبيتهم المنيع كما كان

(1) المقنعة للشيخ المفيد ص79 ، والمجازات النبوية للشريف الرضي ص61 طبع مصر.
الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 34

يقال في كثيرين من أهل عصره وذرياتهم.
ويشهد له وقفة أولاده بمشهد الطف يوم التطمت أمواج الضلال وتحزّبت عصب الشرك على سيد شباب أهل الجنة وقطعوا عنه خطوط المدد وحالوا دون الوسائل الحيوية حتى الماء المباح لعامة الحيوانات ، يريدون بذلك استئصال شأفة النبوة فكتبوا بدمائهم الزاكية اسطرا نورية على جبهة الدهر تقرؤها الأجيال المتعاقبة ، ويتعرفون منها مناهج موتة العز وأن الحياة مع الظالمين ذميمة.
فظهر مسلم ـ عليه السلام ـ بين هذه وتلك ألقا وضاءا للحق وشخصية بارزة للدين والهدى متأهلا لحمل أعباء النيابة الخاصة عن حجة الوقت ولذلك اختاره لها سيد الشهداء ـ عليه السلام ـ من بين ذويه وحشده الأطايب.
ومن هذا الإستنباط يعلم طهارة « أمه » عن كل ما تغمز به النساء وأنها متحلية بالمفاخر وإن لم يعطها التأريخ حقها كما لم يعط حق ولدها المعظم الثابت له.
نعم للتأريخ والمؤرخين شغل شاغل بذكر أخبار القيان والمغنين وسرد روايات أهل الخلاعة والمعازف عن إثبات أحاديث سروات المجد وقادة الإصلاح من بني هاشم.
وهل النقمة ههنا على الكتاب أو ظروف التدوين أو السياسات القاسية أنا لا أدري ، ولهذا كله خفى علينا يوم ولادتها وشهرها وسنتها ، وكان من الصعب جدا تحديدها وكلما يقال فهو تقريب واستحسان ولا يغني من الحق شيئا.
وستقف في البحث المتعلق بأم مسلم على شيء ربما يستكشف المتأمل منه مبدأ الولادة.

أمه عليه السلام

إن غموض التعريف عن أم مسلم بأجلى المظاهر ، أوقع الباحث في حيرة السؤال عن اقتران عقيل منها ، هل كان بالعقد أم بملك اليمين ، وأنها حرة أم جارية ؟ ، والعتب في ذلك على المؤرخين الذين أهملوا الحقائق مع تحفظهم على أمور تافهة لايقام لها وزن ، وان من الجدارة التعريف بنواحي هذا الرجل العظيم الذي دخل الكوفة وحده بلا عدة ولا عدد ، فدوّى أرجاءها بصرخته الحسينية في وجه المنكر ، وأقلق فكر الممثل للزعامة الأموية في الشام ولعل من هذا الإغفال يستطيع الباعث الجزم بأن ما يلم « بابن عقيل » كان على أبعد حد من الفضائل والفواضل سواء من ناحية أمه وأبيه أو من بيته

الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 35

الرفيع فانه لو كان هناك طريق للغمز فيه ولو من جهة تأريخ امه لتذرع به المنحرفون عنه وعن سلفه الطاهر كما هو ديدنهم فيمن ضمهم هذا البيت أو انضوى إلى رأيتهم ومشى على ضوء تعاليمهم.
وليس للمؤرخين إلا نصان أحدهما بعيد عن الواقع كما ستعرف ، والآخر على ما فيه من غموض وإجمال يمكن للمتأمل فيه ، وفيما كتب عن أصل النّبط الإذعان بأن « أم مسلم » عربية حرة ، ولعل ترك ابن زياد التعرض لها في ما جرى بينه وبين مسلم من المحاورات يشهد له ، فإنه كان بصدد اسقاط مسلم عن أعين الناس فنسب له أشياء يقطع بأنه لم يأت بها أصلا فلو كانت أمه جارية لنبزه بها كما فعل هشام بن عبد الملك مع زيد الشهيد ـ رضوان الله عليه ـ إذ قال له : زعمت أنك تطلب الخلافة ولست هناك وأنت ابن أمة ، فقال له زيد : إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات ، وقد كانت أم إسماعيل أمة فلم يمنعه أن كان نبيا وأبا لخاتم الأنبياء ـ صلى الله عليه وآله ـ .
وهذا النص الأخير يرويه ابن قتيبة فيقول : كانت أم مسلم بن عقيل نبطية من آل فرزندا (2) ويقول بعض المؤرخين : أن النبط كانوا في جبل شمر (3) في أواسط بلاد العرب ثم نزحوا الى العراق لما فيه من الخصب والرخاء (4) فأقاموا في سواد العراق (5) أو في خصوص البطائح بين العراقين (6) البصرة والكوفة.
ولم ينكر أحد ممن كتب عنهم أن لغة النبط عربية كأسماء ملوكهم البالغين ثمانية عشر ، وفيهم امرأتان في القرن السابع قبل الميلاد (7) ، نعم يرتئي المسعودي أنهم من الكلدانيين المجاورين مع الفرس سكان فارس والأهواز وعاصمتهم « كلواذي » (8) وبعد تغلب الفرس عليهم تفرقوا (9) ويوافقه على ذلك بعض المستشرقين الواقفين على النقوش من

(2) المعارف ص88.
(3) يعرف بجبل أجا وسلمى منزل لطي وقع ذكره في كلام الطرماح لسيد الشهداء أنظر ما كتبناه في مقتل الحسين ، وفي أواخر القرن الثالث عشر والرابع عشر كان منزلا لآل رشيد حتى تغلب عليهم عبد العزيز آل سعود.
(4) جرجي زيدان في العرب قبل الاسلام ج1 ص78.
(5) تاج العروس للزبيدي ج5 ص229.
(6) القاموس للفيروزآبادي بمادة نبط.
(7) العرب قبل الاسلام ص78.
(8) في القاموس بلدة في أسفل بغداد وفي معجم البلدان ج7 ص276 تبعد عن بغداد فرسخا للمنحدر.
(9) التنبيه والاشراف للمسعودي ص68.
الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 36

آثارهم ويفيد بأن لهم في ذلك التأريخ دولة في العراق متسعة الأطراف حتى شملت معظم جزيرة العرب واستوزروا الوزراء وضربوا النقود بأسماء ملوكهم ولهم قوانين (10).
وعلى هذا فليس مبتعدا عن الواقع من يرتئي أن عقيلا خطب لنفسه من بعض عشائر النبطيين الذين يجمعهم واياه الوقوف بتلك المشاعر المعظمة التي حث الله تعالى العباد إليها ذللا ، أو الواردين للتجارة في مكة ، أو الزائرين مرقد الرسول الأمين الذي استضاء العالم بنوره المتألق.
أما النص الأول فقول أبي الفرج اسم أمه « علية » اشتراها عقيل من الشام (11) ولذلك حديث لاتخفى تفكك أطرافه على من أعطاه حق النظر يقول ابن أبي الحديد في الرواية المرسلة عن المدائني : ان معاوية قال لعقيل : هل لك من حاجة فأقضيها لك ؟ قال : نعم جارية عرضت علي وأبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين الفا ، فأحب معاوية أن يمازحه فقال : ما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا وأنت أعمى ؟ تجتزي بجارية قيمتها خمسون درهما ، قال : أرجو أن أطأها فتلد لي غلاما اذا أغضبته يضرب عنقك بالسيف ، فضحك معاوية وقال : مازحناك يا أبا يزيد ، وأمر فابتعيت له الجارية التي أولد منها مسلما.
فلما أتت على مسلم ثمان عشرة سنة وقدمات عقيل أبوه قال لمعاوية : يا أمير المؤمنين إن لي أرضا بمكان كذا من المدينة ، وإني أعطيت بها مائة ألف وقد أحببت أن أبيعك إياها فادفع لي الثمن ، فأمر معاوية بقبض الأرض ودفع الثمن اليه.
فبلغ ذلك الحسين ـ عليه السلام ـ فكتب الى معاوية : أما بعد فإنك غررت غلاما من بني هاشم فابتعت منه أرضا لا يملكها فاقبض من الغلام ما دفعته إليه واردد إلينا أرضنا.
فبعث معاوية على مسلم فأخبره بذلك وأقرأه كتاب الحسين وقال : اردد علينا مالنا وخذ أرضك فإنك بعت مالا ما لاتملك فقال مسلم : أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا ، فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه وقال : يا بني هذا والله كلام قاله لي أبوك حين ابتعت له أمك.
ثم كتب الى الحسين ـ عليه السلام ـ اني قد رددت عليكم الأرض وسوّغت

(10) العرب قبل الاسلام ص79.
(11) مقاتل الطالبيين.
الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 37

مسلما ما أخذ ، فقال الحسين (عليه السلام ) : أبيتم يا آل أبي سفيان إلا كرما (12).
من الصعب جدا الإستناد إلى هذه الرواية لأسباب عديدة نأتي على المهم منها :

الاول : أنها منقطعة الاسناد وطرح رجال الحديث مما يحظ من قيمته لما فيه من الجهالة بمعرفة أحوال أولئك المتروكين والتدليس الشائن.

الثاني : أن المدائني لا يوثق بأحاديثه مهما تكثرت في الجوامع بعد ما ضعفه ابن عدي في الكامل (13) ويؤيده أنه أموي النزعة من جهة ولائه لآل عبد شمس والولاء كالتربية حاكم على النفوس والعقائد فهو ممن يحب للبيت الأموي التحلي بالصفات الكريمة لتهوى لهم الأفئدة وتخضع لهم الأعناق ويكونوا في صف من طهرهم الذكر المجيد بقوله « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » كما أثبت سبحانه لهم اشرف الخصال المحبوبة له إذ يقول : « ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا » .
والسند في ولائه لهذا البيت نص ياقوت فإنه قال : كان علي بن عبدالله ابن أبي سيف البصري المدائني البغدادي مولى سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف (14). ويقول ابن حجر أنه مولى عبد الرحمن بن سمـرة (15) وعدم موافقة ولادة المدائني التي هي في سنـة 135 هـ لوفاة عبد الرحمن بن سمرة الواقعة في سنة 50 هـ لا يبعد هذا الولاء بعد ما ينص ابـن كثير على أن لعبد الرحمن أولادا كثيريـن (16) ويسمى ابن حجر بعضهم عبيدالله وأنه تغلب على البصرة في فتنة ابن الأشعث (17) فاطلاق الولاء لأبيهم عبدالرحمن أو لجدهم سمرة بملاحظة أولاده لاضير فيه.
وإذا أفهمتنا الجوامع أن عبدالرحمن من « الشجرة » التي أنتجت معاوية وكان

(12) شرح النهج الحديدي ج3 ص82 مصر.
(13) لسان الميزان لابن حجر ج4 ص253.
(14) معجم الادباء ج14 ص124.
(15) لسان الميزان ج4 ص253.
(16) البداية والنهاية ج8 ص47 حوادث سنة 50.
(17) الإصابة ج2 ص401 بترجمة عبدالرحمن.
الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 38

من عماله على سجستان وغزالة خراسان (18) وبلخ وكابل (19) وفتح الرخج وبست (20) وضح لنا أنه يسير على أثره وأنه حائد عن كل من ناوأ معاوية وهذه قضايا قياساتها معها.
ولاريب أن الموالي يرثون هذه النزعة كالأنساب ، اللهم إلا أن يكبح هذا الجماح الخضوع لقانون الاسلام فيقف عند حدوده ، ولكن أين هذا من « المدائني » المكثر من خلق الأحاديث الرافعة للبيت الأموي ، الواضعة من قدر رجالات بيت الوحي والنبوة ، وانها لشنشنة مضى عليها الأولون نعرفها من منافسة عبد شمس أخاه هاشما مطعم الطير والوحوش ومنافسة حرب بن أمية عبدالمطلب الذي كفأ عليه إناءه واستعبده عشر سنين (21) ومنافسة أبي سفيان للرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ الذي من عليه يوم الفتح وأطلق له ، جاهد ونافس ابن آكلة الأكباد أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ الذي اصطفاه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ يوم المؤاخاة بالأخوة ومنحه الخلافة الإلهية إذ قال له : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي. »
الثالث : أن المتأمل في هذه المحاورة الواقعة بين عقيل ومعاوية في أمر الجارية يظهر له مغزى المدائني فانه أراد أن يسجل صحيفة من حلم معاوية واناته وكرمه مع المس في الذوات القدسية من آل الرسول الأطهر وقد فاته أن المستقبل يكشف عن واياه.
قال في تلك المحاورة :
« ولما أتت على مسلم بن عقيل ثمان عشرة سنة وقد مات أبوه عقيل قال لمعاوية : ان لي أرضا بمكان كذا من المدينة وقد أعطيت بها مائة الف وقد أحببت أن أبيعك إياها فادفع لي الثمن ، فأمر معاوية بقبض الأرض ودفع الثمن اليه ».
وفي هذه الجملة خلل واضح فإنه أثبت بيع مسلم الأرض وعمره ثمان عشرة سنة وأبوه ميت ، وعلى ما يقوله ابن حجر أن عقيلا مات سنة ستين وقيل بعدها (22) يكون

(18) لسان الميزان ج4 ص190.
(19) تاريخ اليعقوبي ج2 ص193 طبع النجف.
(20) ابن الأثير ج3 ص174.
(21) شرح النهج الحديدي ج3 ص466.
(22) تقريب التهذيب ص3666 لكنهؤ ، والإصابة ج2 ص494.
الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 39

عمر مسلم ـ عليه السلام ـ ثمان عشرة سنة عند شهادته في سنة ستين ، وهذا لا يتفق مع ما أثبته المؤرخون من تزويجه بثلاث نساء أو أكثر وأن له أولادا خمسة وبنتا ، فإنه وإن لم يكن من المحال في هذه المدة القصيرة التي هي عبارة عن ثلاث سنين بعد بلوغه أن يتزوج من ثلاث نساء ويستولد هذا العدد لكن العادة المطردة تأباه.
ثم هناك شيء آخر وهو أن كلا من عقيل ومسلم ومعاوية ماتوا في ستين : استشهد مسلم ـ عليه السلام ـ في ذي الحجة ، وهلك معاوية في رجب ، وموت عقيل لم يتعين قبل رجب أو فيه أو بعده فعلى الأخيرين لاتتم دعوى سفر مسلم الى الشام وبيعه الأرض ، وعلى الأول أعني موته قبل رجب المتردد بين أن يكون في المحرم أو ما بينه وبين رجب ، فالعقل وإن لم يمنع صدور البيع في هذا الزمن إلا أن من البعيد جدا أن يشد مسلم ـ عليه السلام ـ الرحال من المدينة إلى الشّام ويتحمل وعثاء السفر لبيع الأرض من معاوية بالمقدار الذي دفعه اليه الرجل المدني كما يفيده قول لمعاوية : « ان لي أرضا بمكان كذا من المدينة وقد أعطيت بها مائة ألف وأحببت أن أبيعك إياها ».
فان كل أحد يعد اتخاذ هذه الطريقة سفها وحاشا « داعية السبط » أن يرتكب خطة لا يصادق عليها العقل ويكون مرمى لسهام اللوم إلا أن يكون قد تزلف الى معاوية ببيعه الأرض ، والشمم الهاشمي الذي انحنت عليه أضالعه يأباه له كيف ، وهو يشاهد دماءهم الطاهرة ، ودماء من شايعهم تقطر من سيفه وأنديتهم تلهج بانحرافه عن خطة سلفه الطيب ، وغدره بالإمام الحسن ـ عليه السلام ـ تدرسه ناشئة هذا البيت كل يوم.
والتحيل لاستخلاص أموالهم من يد معاوية كما يراه البعض لا يتوقف على هذه الطريقة المشوهة لبيتهم المنيع ، ومقامهم الرفيع مع أنهم بعيدون عن أمثالهم لأن نفوسهم الزاكية تكبر بهم عما فيه الضعة والخسة ولو عند العامة . هذا اذا كان موت عقيل في سنة ستين وأما اذا كان بعدها كما هو القول المحكى في نص ابن حجر كما عرفت ، فالكذب في هذا البيع واضح ، والمسافة للتصحيح بعيدة لأنه عليه يكون بيع مسلم الأرض بعد موت أبيه كما في الرواية ، ومعاوية بين أطباق الثرى وقد فاز مسلم بالشهادة يومئذ.
ولـو ذهبنا الى رأي الصفدي وابـن كثير من تعيين وفـاة عقيل في سنة خمسين (23)

(23) نكت الهميان للصفدي ص201 ، والبداية لابن كثير ج8 ص47.
الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 40

يكون لمسلم ـ عليه السلام ـ عند شهادته في سنة ستين ثمان وعشرون سنة ، وتكون ولادته سنة اثنين وثلاثين قبل واقعة صفين الكائنة في سنة 37 بخمس سنين ، وهذا وإن التأم مع ذلك العدد من أولاده لكن لا يلتئم مع ما ذكره ابن شهر آشوب الحافظ الثبت الثقة بنص الفريقين من الشيعة والسنة (24).
فإنه يقول : جعل أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ على ميمنته في صفين الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر ومسلم بن عقيل ، وعلى الميسرة محمد بن الحنفية ومحمد بن أبي بكر وهاشم بن عتبة المرقال (25).
ومن المعلوم أن من يجعله أميرالمؤمنين في صف أولاد عمّيه البالغين نحوا من خمس وثلاثني سنة لابد وأن يقاربهم في السن كما قرن بين ابن الحنفية ومحمد بن أبي بكر وهما متقاربان في السن فان محمد بن الحنفية ولد سنة 16 (26) وله يوم صفي احدى وعشرون سنة ومحمد بن أبي بكر ولد عام حجة الوداع بذي الحليفة أو بالشجرة حين توجه رسول الله للحج وقتل سنة 38 وله يوم صفين 27 سنة (27).
وحينئذ لا أقل أن يقدر عمر مسلم بن عقيل بالثلاثين أو الثمان وعشرين وتكون ولادته أما سنة سبع أو تسع وله يوم شهادته أكثر من خمسين سنة وعلى هذا التقدير في ولادته أين ولاية معاوية في الشام وأين مسير عقيل اليه ، بل أين إسلام معاوية فإنه أسلم بعد سنة تسع قبل وفاة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بأشهر.
وإذا أخذنا بنص الواقدي كانت المسافة أبعد ، قال : لما دخل المسلمون مدينة « البهنسا » بعد حصار طويل دخل مسلم بن عقيل في جملة الهاشميين وهو يقول :

(24) انظر ترجمته في بغية الوعاة للسيوطي ص77 ، ولسان الميزان لابن حجر ج5 ص310 ، وطبقات المفسرين لشمس الدين محمد بن علي المالكي ، والبلغة للفيروز آبادي ، والوافي بالوفيات للصفدي ، ومن علماء الشيعة أثنى عليه العلامة الحلي في الخلاصة ، وميرزا محمد في منهج المقال ، أبوعلي الحائري في منتهى المقال ، والتفريشي في نقد الرجال ، والأغا البهباني في التعليقة ، والحر العاملي في أمل الآمل ، والسيد في روضات الجنات.
(25) المناقب ج2 ص260.
(26) أنظر كتاب قمر بني هاشم ص103.
(27) ما يؤكد حضوره في صفين ما رواه نصر في كتاب صفّين ص330 : إن منادي أهل الشام نادى : إن معنا الطيب بن الطيب عبدالله بن عمر . فقال عمار بن ياسر : بل هو الخبيث ، ثم نادى منادي أهل العراق : ألا ان معنا الطيب ابن الطيب محمد بن أبي بكر ، فنادى أهل الشام : بل هو الخبيث بن الطيب.
الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 41

ضنـا في الحرب والسهر الطويل وأقلقنــي التسهـد والعويــل
فواثـارات جعفـر مــع علـي وما أبــدى جوابك يـا عقيـل
سأقتــل بالمهنـد كــل كلـب عسى في الحرب أن يشفى الغليل

وكان فتح البهنسا في أيام عمر بن الخطاب (28).
فان من يخرج في صف المجاهدين أيام ابن الخطاب لابد وأن يبلغ على الأقل عشرين سنة وحينئذ تكون ولادته في أوائل الهجرة وكان معاوية يومئذ راسبا في بحر الشرك والضلال عابدا للأوثان.
ثم إن رجلا كمسلم يراه عمه أمير المؤمنين ـ عليه السلام جديرا بقيادة الجيش يوم صفين فيجعله على الميمنة في صف ولديه الإمامين السبطين ـ عليهما السلام ـ وابن أخيه عبدالله بن جعفر ، ويجده سيد الشهداء قابلا لأهلية الولاية على أعظم حاضرة في العراق « الكوفة » فيحبوه بالنيابة الخاصة في الدينيات والمدنيات.
لابد وأن يكون أعظم رجل في العقل والدين والأخلاق حتى لايقع الغمز والطعن فيمن يمثل موقف الإمامة بأنه ارتكب دنيّة أو جاء برذيلة أو فعل محرما أو بدت منه رعونة ، ولو في أمس الدابر فينتكث فتله وتتلاشى مقدرته.
على أن تلكم الأحوال لو كان من الجائز صدورها منه في الماضي لجاز عودها إليه أيام ولايته فينتقض الغرض من إرساله مهذبا ومؤدبا وقامعا للريب والشبهات وزاجرا عما يأباه الدين والإنسانية .
فالإمام أبو عبدالله ـ عليه السلام ـ لم يشرف أحدا بالولاية إلا وهو يعلم بأنه يمضي في أمره كالحديدة المحماة ، وإنا لا نشك في أن سيد الشهداء لم يرسل مسلما واليا من قبله ، ويزيّنه بتلك الرتبة العظيمة ثم يشفع ذلك بتشريف الأخوة له التي هي أخوّة العلم والدين ، وأنه ثقته من أهل بيته إلا وهو يعلم بأنه في كل أدوار حياته منذ نشأته إلى حين تأهّله لهذه الزعامة الكبرى رجل العلم والتّقى ، رجل العقل والسياسة ، رجل الأخلاق والإيمان.

الشهيد مسلم بن عقيل عليه السلام 42

وهناك شيء أغرب من هذا وهو نسبة المدائني كتاب « أبي الضيم » الى معاوية لما بلغه الإعفاء عن الأرض والمال فقال في كتابه : « أبيتم يا آل أبي سفيان إلا كرما » وكل أحد تتجلى له هذه الأكذوبة لا تحتاج إلى تدليل لوضوح شهامة أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ وعدم رضوخه للدّنيّة في قول أو فعل ، ومتى أعترف سيد شباب أهل الجنة لآل أبي سفيان بمكارم الأخلاق من يوم منافسة جدهم عبد شمس لأخيه هاشم الى يوم مناوأة معاوية لأمير المؤمنين ، وأي مأثرة غريزية حفظت لهذا البيت غير طفائف تخلّقوا بها وقد ظهر أضدادها على فلتات ألسنتهم ، أليس معاوية هو القائل ليزيد : عليك بالصفح فإن أمكنت الفرصة عليك بالسيف (29).
ولم يزل أبو عبدالله الحسين ـ عليه السلام ـ يصارح بما أودعه المهيمن جل شأنه فيه من الأنفة وعدم الخضوع للدنايا في مواطن كثيرة ، وان كلمته الذهبية في آخر يومه تفيدنا فقها بالفطرة الموهوبة له من المولى سبحانه فإنه قال يوم الطف :
« ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وانوف حمية ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام » (30).
وان عمدة ما يفت في عضد هذه الأكذوبة ويتدهور بها الى هوة البطلان هذه الكلمة التي لا يهيج بها هاشمي ذو شمم ، نعم يأبى للهاشمي إباؤه وشهامته يأبى له حفاظه ووجدانه بل يأبى لأي مؤمن إيمانه وعلمه أن يعترف لابن آكلة الأكباد بتلك المأثرة البالغة حدها ، وهو يلعم أن ابن هند المقعي على إنقاض الخلافة الإسلامية خلوا من أي حنكة ، وإنما أدعم باطله المحض بالتحلم والمحاباة والتزلف يوهم بها الرعرعة من الناس بأن هذه الاناة هي الكافلة لأهلية الخلافة.
والإمام الشهيد العارف بهذه الزخارف مضافا الى نفسيته القدسية وإبائه العلوي جد عليم بأنه إن فاهَ بمثل تلك الكلمة التي نسبها إليه المدائني اتخذها الناس حجة دامغة خصوصا مع مشاهدتهم وفر معاوية وورائهم دسائسه ومعهم سماسرة الشهوات فيكون الإمام ـ عليه السلام ـ مغريا بهم الى الهوان ومقرا لهم على الضلال

(29) نهاية الأرب ج6 ص50.
(30) اللهوف للشريف النقيب ابن طاووس.

السابق السابق الفهرس التالي التالي