السيدة سكينة 123


نظرة اجمالية
علمنا من شتى النواحي مستنبطين من مدونات التاريخ وجوامع الحديث ومما عرفناه من مواقف أئمة الهدى من الاصلاح والتهذيب وخضوع من دونهم من ذوي قراباتهم إلا افراداً اخرجهم النص الصريح ان السيدة سكينة لم تكن متروكة سدى ترتكب الشنع وتقتحم المخاريق وانما كانت بمرصد من أخيها زين العابدين وابنه الباقر والصادق وبعين رعايتهم لها وهب ان الخلافة الصورية والسلطة العامة كانت مبتزة منهم لكن لم تبتز منهم القدرة على نسائهم وعائلتهم كيف وكل من سوقة الناس يقدر على من تحت حيطته من أهل بيته فيكبحهم عما يحط بكرامته أو لا يراه من صالحهم لجهات أخرى.
فهل من المعقول ان الامام زين العابدين عليه السلام يدع اخته الكريمة عليه في حيث تنيخ فيه الضعة والصغار وهو القائل لأبي خالد الكابلي حين دخل عليه ورأى الباب مفتوحاً فتعجب من ذلك:
لا تعجب ان الخادمة خرجت من الدار ولا علم لها بفتح الباب ولا يجوز لبنات رسول الله ان يخرجن فيصفقن الباب (1).

(1) مدينة المعاجز ص 318 حديث 86.
السيدة سكينة 124

أمن المعقول أنه لا يجوز لهن رد الباب وليس فيه إلا الخروج الى مظنة رؤية الأجنبي لهن من وراء الأزر والأخمرة ويكون من الجائز لهن التبرج الى الاجانب والمحادثة معهم والخوض في مجاملاتهم خصوصاً ما تمنع منه الشريعة وهو سماع الغناء وعقد المجالس للمغنين.
ثم ما بال الامام الباقر عليه السلام يذر عمته السيدة بين تلكم المخازي وما بال الاباة الهاشميون يغضون الطرف عما هنالك من بواعث العيب والنقص فالى من يدخرون الاصلاح وهم يتركون عقائل بيتهم والى أي زمن يرجئونه ان أخروه عن ايام حياتهم في خفراتهم.
وهذه جبلة فطر الله عليها الأمم جمعاء فضلاً عمن قيضهم المولى سبحانه لهداية البشر وارشادهم الى ما هو الأصلح وقد كان في الأمة العربية من لا يرضخ لمنافيات الغيرة والشهامة وان بلغوا في القساوة كل مبلغ حتى كان من امرهم ان وأدوا البنات كيلا يلحقهم بسببهن العار وكانوا لا يزوجون المرأة من الرجل اذا شبب بها (1)
ولما شبب عبدالله بن مصعب المعروف بعائذ الكلب بامرأة من بني نصر بن دهمان وكان اسمها (جمل) عمد اليها اخوتها فقتلوها غيرة منهم (2).
ولما بلغ الحجاج الثقفي ان محمد بن عبدالله النميري شبب باخته زينب اسمعه السباب المقذع ولم يتركه حتى كتب الى عبدالملك بن مروان بذلك (3) ولما شبب وضاح بامرأة الوليد قتله (4).

(1) شرح امالي القالي للبكري ج2، ص659.
(2) المصدر.
(3) شرح امالي القالي ج 2 ص 658.
(4) آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ج1 ص 283.
السيدة سكينة 125

وشبب الهذلي بابنة جندل بن معبد من بني الحساس فساء ذلك أباها فعدا عليه وقتله ثم احرقه (1)
وكان ابن رهيمة يشبب بزينب بنت عكرمة بن عبدالرحمن بن الحرث ابن هشام فاستعدى عليه اخوها هشام بن عبدالملك فأمر بضربه خمسمائة سوط وأباح دمه إن وجد يفعل مثل ذلك.
وغضب يزيد بن معاوية على عبدالرحمن بن حسان لما شبب باخته رملة بنت معاوية واستعدى عليه اباه معاوية بن أبي سفيان (2).
واشترى ابن معبد (سحيم) الشاعر فلما شبب سحيم بابنته عميرة وشهرها عدا إبن معبد عليه فأحرقه بالنار (3).
وفي هذه الشواهد مقنع للتعريف بما جبلت عليه نفوس العرب من الغيرة والشهامة فكيف بالهاشميين منهم الذين لم يرضخوا للدنايا وترفعوا عن كل ما يمس كرامتهم فتراهم ينكرون على من يتناول اعراض غيرهم فضلاً عن أعراضهم.
فهذا الحسن بن زيد بن الحسن المثنى بن الامام السبط الحسن بن اميرالمؤمنين عليه السلام بلغه يوم كان والياً على المدينة ان ابن المولى الشاعر يشبب بحرم المسلمين فأغلظ القول له وتهدده ولم يتركه حتى حلف

(1) شرح امالي القالي ج 2 ص 721.
(2) شرح امالي القالي للبكري ج 2 ص 721.
(3) شرح امالي القالي للبكري ج 2 ص 721.
السيدة سكينة 126

بالايمان المغلظة انه لم يقصد امرأة بعينها وانما عنى في شعره قوسه وسماها (ليلى).
ولقد أنكر الرشيد على اسحاق الموصلي لما غناه بشعر عمر بن أبي ربيعة وفيه لفظ سكينة ولم يتعين انها ابنة الحسين ولأجل المشابهة في الاسم قال له :
لعن الله الفاسق ولعنك معه ويحك أتغنيني بأحاديث الفاسق في سكينة ألا تتحفظ في غنائك وتدري ما يخرج من راسك.
فهل والحالة هذه ترى الهاشميين الذين هم في المدينة يغضون الطرف عما تفعله خفرة من نسائهم من المخاريق والشنع واذا لم يسعهم ذلك معها فهلا يسعهم ان يوصدوا الأبواب دون من يريد الاجتماع معها من شعراء ومغنين مع انه لم يكن لهؤلاء انصار يخاف منهم سو العاقبة.
ثم هل يعذر إمام قيضه الله تعالى لتأديب البشر عامة وتحت سيطرته من لم يتأدب بآداب الشريعة الذي قيض لأحيائها وهو ومن جرى مجراه من ائمة الهدى يوصون شيعتهم بمنع المرأة عن الابتذال ومزاولة الرجال فيقولون: المرأة عي وعورة فتداواعيهن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت (1) وانها اذا خرجت من بيتها لعنها كل ملك في السماء حتى ترجع الى بيتها وان تعطرت وخرجت حتى يوجد ريحها فهي زانية وانها تلعن حتى ترجع الى بيتها وليس لها ان تجلس مع الرجال في الخلاء ولا ان تتعلم الكتابة

(1) الوسائل للحر العاملي ج3 ص30 باب 130 عن ابي عبدالله عن النبي صلى الله عليه وآله.
السيدة سكينة 127

ولا سورة يوسف لما فيها من الفتن وعليها ان تتعلم سورة النور لما فيها من التهديد والزجر ولا تنزل الغرف فيراها الأجانب وليس عليها اذان ولا اقامة كيلا يسمع صوتها الرجال ولا جمعة وجماعة ولا عيادة مريض ولا تشييع جنازة ولا الاجهار بالتلبية ولا الهرولة بين الصفا والمروة ولا إستلام الحجر ولا تولي القضاء ولا الامارة ولا المشاورة في الأمور (1).
وفي وصية أمير المؤمنين عليه السلام للحسن:
وإن استعطت ان لا يعرفن غيرك فافعل.
أيصح على هذا الحال نسبة المسامحة الى امام الأمة عليه السلام باسدال الستر على السيدة وكبحها عن محادثة الرجال ام ينسب اليه المروق عن طاعته وعدم قدرته على التوصل الى ذلك بكل صورة.
كبرت كلمة تخرج من افواههم، ان يقولوا إلا زوراً.
ويا فض فم القائل ان لهج بشيء من ذلك.
والذي يهون الخطب ان أحاديث أبا الفرج لا قيمة لها في حق السيدة الزكية بعد ان كان مصدرها الزبير بن بكار وابن أخيه مصعب والهيثم بن عدي وأضرابهم ممن هو شانيء لهذا البيت الطاهر أو مستأجر لسياسة الوقت وان تاريخ حياة السيدة سكينة مما نطق به أقوام أخذهم الحنق على حمله الوحي وسادات الأمة كما لوثوا ساحة غيرها من رجالات هذا البيت الرفيع وخفراته بعد أن أعوزتهم الوسائل الى الطعن في قدس الأئمة الطاهرين فطفقوا يحطون من كرامة ابنائهم وذوي قراباتهم من

(1) الوسائل للحر العاملي ج3 ص 27 باب 117 جملة مما يحرم على النساء وما يكره.
السيدة سكينة 128

أمثال هذه النواحي وهم لا يعلمون ان المستقبل الكشاف سيوقف أرباب البحث على نواياهم السيئة ودحر ما افتعلوه فان للحق أنصاراً ولا بد للباغي من مصرع.
وقد عرفت فيما تقدم ان سكينة التي تجتمع مع عمر بن أبي ربيعة في محفل الغناء هي ابنة خالد بن مصعب بن الزبير ومنه تعرف كيف زحزح آل الزبير هذه الشناعة عن ابنتهم وألصقوها بمن شابهتها في الاسم فراجت هذه الأكذوبة حتى على من زعم انه محص الحقائق وأخذت به الثقافة الى حد بعيد وفي الحقيقة لا يعرف من اين تؤكل الكتف.
ولعل هذا البيان الضافي لم يدع القارىء مندوحة عن الأذعان بان المصونة الطاهرة هي تلك البريئة من كل شين وعار والرضية المخفورة تحت خباء النبوة وبين سرادق الامامة يكتنفا الشرف ويحف بها الصون من جميع نواحيها ولم تبرح ترفل في مطارف من الحصافة قشيبة ولها أشواطها البعيدة في مستوى الآداب الأحمدية تزينها العفة والحياء وتجللها الرزانة والوقار ويزدان بذكرها المدح والثناء وإن كان لأرباب الأهواء والمطامع حول حياتها جلبة وتركاض فدعهم يخوضوا ويلعبوا ويلههم الأمل الخائب والأمنية والمخفقة والظن المكدي.
وان كلمة الحسين في حقها :
(أما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى). نتشوف منها منزلة كبرى في اليقين والتجرد عن هذه العوارض الدنيوية الفانية.
ان هذه الجلبة بسرد هاتيك القصص الخرافية كما غرت أبا الفرج اغتر بها من جاء بعده من المؤرخين فنشروا فضائح في حق السيدة

السيدة سكينة 129

البريئة سودوا بها صفحة التاريخ حسباناً منهم ان صاحب الأغاني ومن تقدمه لا يرسل ما لا تعويل عليه وعرفت بما أوضحناه ان هؤلاء كحاطب ليل لم يريدوا الا جمع اضغاث من هنا وهنا فألبسوها أطماراً من الظنون والأهوام.

السيدة سكينة 130




السيدة سكينة 131


الرباب

التاريخ دراسات لما يعبر في الزمن من خير وشر ودليل لمعرفة سير البشر في المعارف والصناعات والسياسيات والعادات والمؤهلات للرقي الانحطاط ومرآة صافية يتشوف منها الأعمال الصالحة والتعاليم النافعة وسير الأبطال الى اهدافهم المرموقة وما يؤثر عن العظماء من مزايا وآثار تكون قدوة في اقتصاص أثرهم والسير على هداهم ومن المؤسف جدا أهمال المؤرخين ورواة الحوادث واجبهم فنشروا فضائح وستروا فضائل طاعة للأمراء الذين استعبدوهم بالمال أو خضوعا للنزعات والأحقاد فجنوا على الحقايق الراهنة واضاعوا الأمانة المودعة عندهم فزويت معارف الرجال واعمالهم الصالحة واختلط الصحيح بالسقيم وديف السم بالعسل وان كلمة (مقاتل) للمنصور الدوانيقي (اتحب ان اضع تك في فضل العباس) (1) تفيدنا فقهاً بتأثير الأطماع في النفوس وسحق العقائد وان اوجب غضب الرب سبحانه وتعالى خصوصاً اذا كان الوضع على لسان صاحب الشريعة وقد نبه على وخامة عاقبته فقال صلى الله عليه وآله ستكثر القالة من بعدي فمن كذب علي فليتبوء مقعده من

(1) تاريخ بغداد ج13 ص 167.
السيدة سكينة 132

النار (1) قال السبكي المؤرخون على جرف هار لتسليطهم على أعراض الناس ونقلهم مجرد ما يبلغهم من صادق أو كاذب (2) وربما وضعوا من اناس ورفعوا اخرين أما لتعصب أو جهل أو اعتمادا على نقل من لا يوثق به والجهل في المؤرخين اكثر منه في اهل الجرح والتعديل وقل ما أرى مؤرخاً خالياً عن التعصب (3) ولقد كان عيسى بن داب يضع للعباسيين وعوانة بن الحكم يضع لبني امية (4) ومعاوية يستعبد سمرة بن جندب وابا هريرة وانس وزيد بن ارقم وعروة ابن الزبير (5) لأهدافه وغاياته فأكثروا من فضائل السلف والطعن في اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب وولده وشوهوا احكام الشريعة وتجرؤا على قدس الرسالة فنسبوا اليه السهو مرة (6) والخطأ اخرى (7) وان السحر أثر فيه حتى خيل اليه انه يفعل الشيء ولم يفعله واستمر الحال الى سنة (8).

(1) الاحتجاج للطبرسي ص 247 طبع النجف في احتجاج الجواد على يحيى بن اكثم.
(2) معيد النعم ص 74 باب 46.
(3) طبقات الشافية الكبرى ج1 ص 197 ترجمة احمد بن صالح المصري.
(4) معجم الادباء ج16 ص 162 ترجمة عيسى بن داب.
(5) شرح النهج لابن ابي الحديد ج1 ص 363.
(6) صحيح البخاري في باب ما جاء في سجود السهو وفي فتح الباري ج3 ص 60 ذكر حديث ذي اليدين في السهو النبي وذكره القاضي عياض في الشفا باب عصمة اقواله.
(7) شرح الشفا للخفاجي ج4 ص 256 وعمدة القارى شرح البخاري ج1 ص577 باب كتابة العلم وجلاء العينين للالوسي ص268.
(8) المغني لابن قدامة الحنبلي ج8 ص150 والبخاري كتاب الطب وارشاد الساري شرح البخاري ج8 ص403 والزواجر لابن حجر، ج2 ص82.
السيدة سكينة 133

اذا فمن اين تبصر الأجيال المستقبلة الحوادث الصحيحة لتسير على ضوء هدى العظماء الذين لا يخضعون للدينه ويبذلون في تحصيل السعادة كل غال ورخيص.
ومن هنا اظلم الطريق ولم يهتد الباحث الى الصحيح في نسب (الرباب) زوجة الحسين عليه السلام والقصة التي يحكيها ابو الفرج الأصفهاني في مقال الطالبيين بترجمة عبدالله بن الحسين عن مجاهد عن محمد بن السائب الكلبي لا تأخذ بنا الى جهة نيرة فان القاريء لا يشك في تسطيرها على غير الواقع لغاية الحط من مقام اميرالمؤمنين الذي يقول كنت اتبع رسول الله اتباع الفصيل اثرامه يرفع لي كل يوم علما من اخلاقه ويأمرني بالاقتداء به أرى نور الوحي واشم ريح النبوة. (1)
فان الأخلاق المحمدية التي تحلى بها صاحـب الخلافة الكبرى تتنافى مع الأسطورة التي يقصها مجاهد وابن الكلبي مع ان علمــاء الرجال تكلموا في مجــاهد ولم يقبل جملة منهم مرويــاته ومحمد بن هشام بن السائب الكلبي مجهول الحال عند علماء الشيعة ولم يعتمد عليه علماء السنة (2) فما يتحدثان عنه في قصة زواج الحسين منها يرمي به عرض الجدار ولم يخف افتعالها على من يقرأها بروية.
ونصها المسطور في مقاتل الطالبيين بترجمة عبدالله بن الحسين عليه السلام ان رجلاً دخل المسجد ايام خلافة عمر بن الخطاب فحياه بتحية الاسلام وسأله عمر عن اسمه فقال انا نصراني انا امرء القيس بن عدي الكلبي

(1) نهج البلاغة ج1 ص417 من خطبته الفاصعة.
(2) راجع عنهما تهذيب التهذيب لابن حجر، ج10 ص 42، وج9 ص178.
السيدة سكينة 134

وغرض عليه عمر الاسلام فاسلم وعقد له على من أسلم بالشام من قضاعة ولما حمل اللواء وادبر تبعه اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ومعه ابناه حسن وحسين فقال له انا ابن عم رسول الله وصهره وهذان ابناي وقد رغبنا في صهرك فانكحنا فقال انكحتك يا علي ابنتي المحياة وانكحت الحسن اختها سلمى وانكحت الحسين اختها الرباب.
وهذه القصة لا مساس لها بالواقع فان الامعان في شخصية أميرالمؤمنين المتحلية بالخلاق الشريعة والعادات المألوفة يفيدنا الجزم بمنافات اسراعه في المصاهرة من هذا النصراني الذي هو جديد عهد بالاسلام والمسلمين وكل احد اذا راجع وجدانه يجد منه الانكار على من يرتكب مثل هذا الذي لا يتفق مع الآداب العرفية حتى لو كان سوقة فضلا عمن هو مؤهل للزعامة الكبرى وفرضه المولى سبحانه وتعالى خليفة على البشر عامة بعد النبوة وحاشا مثل اميرالمؤمنين ان يكون مقهوراً لحكم الشهوة وتحفزه الغريزة الجنسية إلى ما تتنفر منه العامة والخاصة.
ومما يبعد القصة اهمالها اختيار رأي البنات في الرضا والعدم كما انها لم تعين المهر مع ان الشريعة المقدسة قررت اختيار الزوجة في الرضا بالزوج ومعرفة الزوجة بالمهر لازم والالتزام بفضولية العقد ووقوفه على الاجازة وان لها مهر امثالها لو لم يسم الصداق انما يتم مع فرض التنازل الى التسليم بمسارعة أميرالمؤمنين وخوف فوات هذا (الكنز) منه لو لم يبادر الى مذاكرة الرجل في بناته.
على أنا معشر الامامية نلتزم بان الله تعالى مكن الامام الحجة المؤهل للرياسة العامة من العلم الواسع لقطع شبه المعاندين أو لتركيز عقايد المتبعين للحق وعليه فامير المؤمنين على يقين من ان بنات هذا الرجل لا يغلبه عليهن احد لو انتظر الفرصة المناسبة.

السيدة سكينة 135

لكن الأحقاد ابت الا ان تشوه مقام ولي الله وتسجل على سيد الأوصياء عليه السلام ما تتقزز منه النفوس لعل ان يوجد في الأجيال من يتقبل هذه الأكذوبة فينحاز عنه وقد أصاب وأضعها الغرض فقد آمن بها من لا خبرة له بمكانة (باب مدينة علم الرسول) المتحلي باخلاقه الكريمة.
وهناك شيء اخر وهو بقاء الرباب حائلاً عند الحسين أكثر من عشرين سنة فان التزويج منها كان في خلافة عمر بن الخطاب ولا أقل من التقدير بآخر ايامه فانه قتل 25 سنة وولادة سكينة على أقل التقدير في سنة 47 فتكون يوم الطف ابنة 13 سنة والعادة بتعد بقاءها حائلاً هذه المدة الطويلة واذا كان الزواج في اوائل خلافته تكون المسافة ابعد.
وعلى هذا فلا حجة واضحة تأخذ بنا الى الايمان بهذه الاسطورة مع ان ابن كثير في البداية ج8 ص 217 يسمى أباها (انيف) ولم ينسبه الى احد ولم يذكر هذه الأسطورة.
وعلى كل حال فالرباب من خيرات النساء وأفضلهن جاء بها الحسين مع حرمه الى الطف وحملت معهن الى الكوفة والشام ورجعت مع الحرم الى المدينة فأقامت فيها لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد قتله بسنة كمداً (1).
وليس بصحيح ما قيل انها أقامت على قبر الحسين سنة (2) تنوح الليل والنهار وذلك بعد الرجوع من الشام ومرورهم

(1) كامل ابن الاثير ج4 ص36.
(2) ابن الاثير.
السيدة سكينة 136

بكربلا فان العقيلة زينب الكبرى هي المتكفلة بحياطة الحرم وحفظهم وكلأتهم فلا تستطيع أن تفارقها بتلك البيداء المقفرة من دون عاطف ولا متحنن وهي امرأة عزلاء لا حامي لها ولا كفيل.
وكيف كان ففي تلك السنة التي عاشت فيها خطبها الاشراف فأبت وقالت ما كنت لاتخذ حماً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله (1).
وحق لها إذا أمتنعت من التزويج فانها لا ترى أي احد يوازي سيد شباب أهل الجنة لتحضى به أو أن هناك من يباري من هو من النبي صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسى عليه السلام لتفوز بمصاهرته:
من يباريهم وفي الشمس معنى مجهد متعـب لمن بـاراها
قـادة علـمهم ورأى حجـاهم مسمعا كـل حكمية منظراها
ورثوا مـن محمد سبـق أولا ها وحازوا مالم تحز اخراها
وهم الأعين الصحيحات تهدي كـل عـين مكفوفة عيناها
كـم لهم ألسـن عن الله تنبي هي أقـلام حكمـة قد براها
لـم يكونوا للعـرش إلا كنوزا خافيات سبحان من أبداها (2)

على أن الرواية جــاءت عن امـامة بنت زينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وكـانت في عداد أزواج أميرالمؤمنين عنه عليه السلام ان ازواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم والوصي عليه السلام لا يتزوجن بعده فلم تتزوج امرأة ولا أم ولد بعد أميرالمؤمنين عملاً بهذا الحديث (3).

(1) تذكرة الخواص ص 150 وابن الاثير ج4، ص36 والاغاني ج14، ص158.
(2) من الفية ملا كاظم الازري.
(3) المجلسي في البحار 9، ص621 عن قوت القلوب.
السيدة سكينة 137

والرباب هذه هي التي طلبت رأس الحسين من ابن زياد فلما رأته اخذته ووضعته في حجرها وقبلته وقالت (1):
واحسينا فلا نسيت حسيناً أفصـدته أسنـة الأعداء
غادروه بـكربلاء صريعاً لا سقى الله جانبي كربلاء

وهذان البيتان وراهما ياقوت في معجم البلدان ج7 ـ 229 لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل في رثاء الحسين وادعى انها زوجته وكان عجز البيت الثاني في روايته:
(لا سقى الغيث بعده كربلاء)

ولانفراده بهذا عما عليه أهل النسب والتراجم والسيرة من عدم عدها في ازواج السبط الشهيد لا يؤبه به.
وكان من رثاء الرباب لسيد الشهداء عليه السلام:
ان الذي كان نوراً يستضاء به بكربـلاء قتيـل غير مدفون
سبط النبي جزاك الله صالـحة عنا وجنبت خسران الموازين
قد كنت لي جبلاً صعباً ألوذ به وكنت تصحبنا بالرحم والدين
من لليتامى ومن للسائلين ومن يغني ويأوي اليـه كل مسكين
والله لا أبتغي صهراً بصهركم حتى اغيب بين الرمل والطين

ولما رجعت من الشام أقامت المأتم على الحسين وبكت النساء معها حتى جفت دموعهن:

(1) تذكرة الخواص ص 147، وتاريخ القرماني ص 4.
السيدة سكينة 138

تنعى ليوث البـأس مـن فتيانها وغيوثها إن عمت البؤساء
تبكيهم بدم فقـل بالمهجة الحرى تسيـل العبـرة الحمـراء
ناحت فلما غضضت من صوتها بزفيرها أنفاسهـا الصعداء
حنت ولكـن الحنين بكـى وقد ناحت ولكن نوحهـا ايماء

ولما أعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة أمرت ان يصنع السويق وقالت انما نريد أن نقوى على البكاء (1).
ويقول ابن كثير توفيت الرباب بنت أنيف امرأة الحسين بن علي عليه السلام في سنة 62 وكانت حاظرة اهل العراق اذ هم يعدون في السبت او الجمعة على زوجها الحسين بن علي ابن بنت رسول الله (2).
ولدت الرباب من الحسين عليه السلام سكينة وعبدالله فاما عبدالله فقتل رضيعاً في حجر أبيه يوم الطف وذلك لما قتل أهل بيته وصحبه وبقي وحده استسلم للقضاء الآلهي بذبحه مظلوماً ممنوعاً من الورود.
وجاء الى عياله يودعهم ويأمرهم بلبس الأزر والصبر على ما يحل بهم من البلاء وعرفهم بأن الله تعالى يجعل عاقبة أمرهم الى خير ويعذب عدوهم بأنواع العذاب.
ثم دعا بولده الرضيع يودعه فأتته زينب بابنه عبدالله فاجلسه في حجره يودعه ويقبله (3) ويقول:
بعداً لهؤلاء القوم اذا كان جدك المصطفى خصمهم (4).

(1) البحار للمجلسي ج10، ص235 عن الكافي.
(2) البدايةج8 ص217.
(3) اللهوف ص 65.
(4) البحار ج10، ص103.
السيدة سكينة 139

ثم أتي به نحو القوم يطلب له الماء فرماه حرملة بسهم وذبحه فتلقى الحسين الدم بكفه ورمى به نحو السماء فلم يسقط منه قطرة (1).
وقال هون ما نزل بي أن بعين الله (2) اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل آلهي ان كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا من الظالمين (3) واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل (4) اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد صلى الله عليه وآله (5) وسمع عليه السلام قائلاً يقول: دعه يا حسين فان له مرضعاً في الجنة (6).
ثم نزل عن فرسه وحفر له بجفن سيفه ودفنه مرملاً بدمه (7).
ويقال انه وضعه مع قتلى أهل بيته (8)
وأما سكينة فقد ذكر المؤرخون انه لقب لها من امها الرباب (9)

(1) حديث الامام الباقر عليه السلام وزيارة الناحية التي يقول فيها حجة آل محمد عليه السلام:
السلام على عبدالله الرضيع المرمي الصريع المصعد بدمه الى السماء المذبوح في حجر أبيه لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي وذويه.
(2) ابن شهراشوب ج 2 ـ ص 222.
(3) ابن نما ص 36.
(4) نظلم الزهراء ص 122.
(5) المنتخب.
(6) تذكرة الخواص ص 144 والقمقام لميرزا فرهاد ص 385.
(7) احتجاج الطبرسي ص 163 طـ النجف.
(8) ارشد المفيد وابن نما ص 37.
(9) ابن خلكان في الوفيات بترجمها وشذرات الذهب ج1، ص154، ونور الأبصار ص157.
السيدة سكينة 140

وكأنه لسكونها وهدوئها وعليه فالمناسب فتح السين المهملة وكسر الكاف التي بعدها لا كما يجري على الألسن من ضم السين وفتح الكاف وهذا الرأي نسبه الصبان الى المشهور فانه قال:
المشهور على الآلسنة في اسمها انه مكبر بفتح السين وكسر الكاف (1).
والمحكى عن شرح اسماء رجال المشكاة انه مصغر بضم السين وفتح الكاف ومثله في القاموس.
واما اسمها فالذي اختاره ابن تغر بردي انه آمنة (2)ورواية أبي اسحاق المالكي تؤكده فان فيها قول سكينة:
إنكم سميتموني باسم جدتي ام رسول الله صلى الله عليه وآله آمنة بنت وهب.
ويحكى أبوالفرج القول بأنه أمينة واميمة.
ولم يتضح لنا سنة ولادتها ولا مقدار عمرها وان أمكننا القول بأنها قاربت السبعين بعد ملاحظة سنةوفاتها وكونها يوم الطف بالغة مبلغ النساء ولا أقل من التقدير بالعشرة. وذكرنا ولادتها سنة 47.
كما صح لنا ولادتها بالمدينة ووفاتها فيها (3) يوم الخميس لخمس

(1) اسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 202.
(2) النجوم الزاهرة ج1، ص276.
(3) تهذيب الأسماء للنووي ج1، ص163 ومعاوف ابن قتيبة وتذكرة الخواص وابن خلكان بترجمتها والكواكب الدرية للمناوي ج1 ص58.
السيدة سكينة 141

خلون من ربيع الأول (1) في سنة 117 . (2)
وقيل توفيت بمكة في طريق العمرة كما قيل رجعت الى الشام وقبرها هنالك (3) ويذكر يوسف بن الحسن بن عبدالهادي المتوفي سنة 909 ان في دمشق مسجداً يعرف بمسجد سكينة قرب قبر بلال (4) ويصفه المعلق على الكتاب بانه يقع في مقبرة باب الصغير الى جانب الضريحين ضريح السيدة ام كلثوم الصغرى بنت علي بن أبي طالب وضريح السيدة سكينة ويذهب الشعراني الى وفاتها بمراغة من أرض مصر وقبرها بالقرب من السيدة نفيسة (5).
وحكى ياقوت في معجم البلدان ج6 ـ ص26 ان اهل طبرية يزعمون ان بظاهرها قبر سكينة بنت الحسين قال والحق انه بالمدينة.
وفي نور الأبصار للشبلنجي ص 160 توفيت بمكة.
وحيث أن اكثر المؤرخين على أن قبرها بالمدينة فهو بالصحة اجدر وقد حكي الصبان عن منن الشعراني إنكار قبر سكينة بنت الحسين بمصر زاعماً ان ذلك قبر سكينة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام.

(1) وفيات الأعيان لابن خلكان بترجمتها والكواكب الدرية للمناوي ج1 ص 58 وتهذيب الأسماء للنووي ج1 ص 163 بترجمة الحسين ونور الأبصار للشبلنجي ص160.
(2) تأريخ الطبري ج8، ص228 وابن الاثير ج5، ص 71 وابن خلكان في الوفيات والنووي في تهذيب الأسماء ج1، ص163 وابن العماد في شذرات الذهب ج1، ص154،واليافعي في مرآة الجنان.
(3) تهذيب الأسماء للنووي ج1 ، ص 163.
(4) ثمار المقاصد في ذكر المساجد ص 106.
(5) لواقح الأنوار ج1، ص23.
السيدة سكينة 142

واذا عرفت ان اهل النسب والتراجم لم يذكروا في أولاد اميرالمؤمنين سكينة تعرف بطلان تلك النسبة.
وقد عاصرت من المعصومين أباها الشهيد وأخاها الامام زين العابدين والامام الباقر وادركت أيام الصادق عليه السلام.
وكانت أيام أبيها بالغة مبلغ النساء كما يشهد به قول الحسين للحسن المثنى يوم جاء يخطب منه فقال اختر احدى ابنتي هاتين فاطمة وسكينة وكانت فاطمة أكبر منها.
ثم قال له الحسين عليه السلام اخترت لك فاطمة فهي اكثرها شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله اما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار وفي الجمال تشبه الحور العين.
وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله لا تصلح لرجل ولو لم تكن بالسن القابل لمقارنة الأزواج لاعتذر به الامام عليه السلام وقد عرفت ما تشير اليه كلمته الغالية في حق ابنته الكريمة.
كما عرفت كلمات المؤرخين الناصة على تزويج سكينة من ابن عمها عبدالله الأكبر بن الامام الحسن بن أميرالمؤمنين المقتول يوم الطف مبارزة وهو أخو القاسم لأبيه وامه رملة فكان أبا عذرتها كما في المحبر لابن حبيب ص 438.
ولا يفوت القاريء ما اتفق عليه المؤرخون وأهل النسب والتراجم من أنه لم يكن للحسين من البنات غير فاطمة وسكينة وهما المتزوجتان بابني عمهما الحسن السبط عليه السلام وأما غيرهما المذكور فعلى ذمة التأريخ.
ومن هنا ينكشف عدم صحة القول بتزويج القاسم من سكينة

السيدة سكينة 143

لعدم الشاهد له ولأن القاسم يومئذ لم يدرك الحلم كما نص عليه أهل المقاتل.
كما لا يفوتنا ما اختصها به أبوها الشهيد بمزيد العناية وعطف عليها عطفاً ينم عن منزلتها الكبرى عنده وانه على شرف النسبة قد تحلت بنفسية فاضلة وازدانت بخيم كريم وفضيلة رابية ومن ذلك قوله عليه السلام مسلياً لها لما رآها منحازة عن النساء تبكي ساعة الوداع يوم الطف ووصفها بخيرة النساء فقال:
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي منك البكاء اذا الحمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمـعك حسرة ما دام مني الروح في جثماني
فاذا قتلت فـأنت اولى بـالذي تأتينـه يـا خيرة النسـوان

والجمع يقتضي عموم التفضيل على من سواها إلا من أخرجها الدليل كالصديقة والعقيلة واضرابهما.
ثم أنه عليه السلام حملها الوصية الى شيعته بالبكاء عليه وذكر عطشه عند شربهم الماء.
قالت لما مر القوم بالنسوة على القتلى رميت بنفسي على جسد أبي اعتنقته فسمعت صوتاً يخرج من منحره المقدس (1):
شيعتي ما أن شربتم عذب مـاء فاذكروني
أو سمـعتم بـغريب أو شهيـد فـاندبوني

قد يستغرب القارىء هذا الكلام من جسد فارقته الحياة كما يتباعد

(1) المصباح ص 376 طبع الهند للشيخ ابراهيم الكفعمي من علماء القرن التاسع.
السيدة سكينة 144

عن الأذعان بكلام رأس الحسين عليه السلام في شوارع الكوفة والشام وفي مجلس يزيد لما أمر بقتل رسول ملك الروم لانكاره فعلته التي لم يرتكبها حتى من لم ينتحل دين الاسلام فنطق الرأس بصوت جهوري (لا حول ولا قوة الا بالله) ولكن ما أسرع أن يتراجع الى التصديق به حينما يستضيء بتفكيره الى فعل القدرة الآلهية بالممكنات حسبما تستدعيه المصالح كما كانت (الشجرة) في الوادي المقدس تلقي التعاليم الآلهية على الكليم موسى بن عمران واخبرت الذراع المسمومة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله يوم خيبر فامتنع النبي صلى الله عليه وآله ومن معه من اكلها (1) اذا فلا غرابة في تمكين الارادة الربانية رأس الحسين عليه السلام المنحور طاعة لله تعالى من قرائة القرآن لأنه أبلغ في توطيد اسس النهضة الكريمة وفيه تركيز العقايد على أحقية دعوته وشهادته ووخامة عاقبة من مد اليه يد العدوان.
ولئن يتحدث البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة في ان الله تعالى اودع قوة الحركة في الحجر الصلد فذهب بثياب بنيه موسى بن عمران لغاية تعريف الاسرائيليين نزاهة بنيه من العاهة ويتقبلها شراح البخاري ومسلم (2) وان كانت المؤاخذة عليهم واضحة فالايمان بالمتواتر من الآثار الحاكية كلام رأس الحسين لتعريف اولئك المغمورين بالأطماع ومن يأتي من الأجيال بالتواء الأمراء المتغلبين على الخلافة عن

(1) في شرح الزرقاني المالكي على المواهب اللدينة لابن حجر ج2 ص 242 آ غزوة خيبر ان هذا الاخبار من الذراع هل هو بكلام يخلق فيه او صوت يحدثه الله كما في الشجر والحجر بلا حياة او مع الحياة قولان في الشفا.
(2) صحيح البخاري كتاب الغسل باب من اغتسل عرياناً وصحيح مسلم باب فضائل موسى ومسند أحمد ج2 ص 315.
السيدة سكينة 145

صراط العدل وترددهم في الضلال (أجدر واولى) لأن نهضة سيد الشهداء انما هي لاحياء الدين الذي لاقى المتاعب في تشييده جده المنقذ الأكبر وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله عن هذه النهضة بقوله (حسين مني وأنا من حسين) (1) فانه لم يقصد بهذا التنزيل التعريف بأن الحسين بضعة منه لما فيه من الركاكة التي يأباها كلام سيد البلغاء لأن كل ولد بضعة من أبيه وانما أراد التنبيه بان نهضة الحسين اثبتت توطيد اسس الاسلام وكسحت اشواك الباطل عن صراط شريعة العدل فالنبي صلى الله عليه وآله فاتح الدعوة والحسين ناهض لتركيزها وتثبيت دعامتها فايداع قوة الكلام في الرأس المقدس او منحره الأطهر أولى من الحجر والشجرة وذراع الشاة المسمومة.
في مثل هذه الكرامات التي تتحدث بها الشيعة عن ائمتهم المجعولين من الله تعالى خلفاء على الأمة بعد انقضاء الرسالة اعتماداً على أحاديث صحت لديهم يتقتزز منها غيرهم ويتحامل عليهم باسم البدعة والغلو ولكنه يثبت لعلمائهم امثالها غافلاً عن ورود نفس الأشكال عليه.
فيقول اليافعي الحنبلي لما ورد ابو اسحاق الشيرازي بلاد العجم اقبل الناس عليه يتبركون بثيابه ويأخذون التراب من تحت نعله

(1) رواه من علماء الامامية ابن قولوية المتوفي سنة 369 في كامل الزيارات ص 53 ومن علماء السنة الترمذي في سننه كما في شرحه لابن العربي ج13 ص 195 مناقب الحسين والحاكم في المستدرك ج3 ص 314 وابن حجر في مجمع الزوائد ج9 ص181، والهندي في كنز العمال ج7، ص107 والصفوري في نزهة المجالس ص478 مناقب الحسنين.

السابق السابق الفهرس التالي التالي