ثمرات الاعواد ـ الجزء الأول 74

للقتل , قال حجر : أمهلوني حتى اصلي لربي ركعتين , فأمهلوه , فقام حجر فتوضأ وصلى ركعتين , أطال فيهما ليرى الناس أنه مسلم موحد , فبم يستحل معاوية قتله؟ فلم ير في ذلك اليوم من يقول له : هذا مسلم وموحد , بم تستحل قتله؟ ولما قتله ؟ فسمعت ابنة حجر بقتل أبيها فأنشأت تقول :
ترفع أيها القمر المنـيـر لعلك أن ترى حـجـراً يسير
يسير إلى معاوية بن حرب ليقـتله كما زعـم الأمـيـر
تجبرت الجبابر بعد حـجر وطاب لها الخورنـق والسدير
وأصبحت البلاد به محـولاً كأن لم يأتها يوم مـطـيــر
ألا ياحجر حجر بن عـدي تلقتك السـلامـة والسـرور
أخاف عليك ما أردى عـدياً وشيخاُ في دمشق له زئـيـر
فأن يهلك فكـل عميد قـوم إلى هلك من الدنـيـا يصير (1)

وحدث زكريا بن أبي زائدة , عن أبي إسحاق قال : أدركت الناس وهم يقولون : إن أول ذل دخل الكوفة هو لما مات الحسن بن علي عليه السلام وقتل عدي بن حجر الكندي (2) .
إذ أن حجر كان ثقة , معروفاً صحابياً وتابعاً , شهد مع علي عليه السلام صفين ,
(1) قيل هذه الابيات لهند بنت زيد الأنصارية قالتها حينما ساروا بحجر إلى معاوية , وذكر بعضهم ان هذه الأبيات لأخت حجر , ورثاه ايضاً عبدالله بن خليفة الطائي بقوله :
أقول ولا والله أنسى فعالهم سجين الليالي أو أموت فاقبرا

وكذلك رثاه قيس ابن فهدان بقوله :
يا حجر يا ذاالخير والأجر يا ذالفضائل نـابـه الذكـر

انظر : ترجمة «حجر بن عدي» من بغية الطالب لابن العديم : 151 , 159 .
(2) تاريخ الطبري : 5/279 , وفي آخره: ودعوة زياد. (أي) : ادعاه معاوية لزياد واستلحاقه بأبي سفيان .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 75
والنهروان , والجمل , وكان من رجاله المشهورين , ولما قتله معاوية ندم على ما فعل , فدخل عليه رجل من الناس , وقال له : أين صار عنك أبي سفيان؟ قال له : حين غاب عني مثلك (1) .
وكان معاوية بعدها يقول, ما قتلة أحداً إلا وأنا أعرف فيم قتلته, وما خلا حجراً فإني لا أعرف بأي ذنب قتله .
وروى اليعقوبي في تاريخه: قال معاوية للحسين بن علي عليه السلام : يا أبا عبدالله علمت أنا قتلنا شيعة أبيك فحنطناهم , وكفناهم , وصلينا عليهم , ودفناهم , فقال الحسين عليه السلام: حججتك ورب الكعبة , لكنا والله إن قتلنا شيعتك , ما كفناهم , ولا حنطناهم , ولا صلينا عليهم , ولا دفناهم (3) .
أقول: لا يخفي على العارف مغزى جواب الحسين عليه السلام , كأنه يقول : إن أصحاب أبي إسلام , وأصحابك ليسوا بإسلام .
وذكر اليعقوبي ايضاً : قالت عائشة لمعاوية حيث حج , ودخل إليها : يا معاوية أقتلت حجراً وأصحابه ؟ فأين عزب حلمك عنهم ؟ أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول : «يقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السماوات (4) قال : لم يحضرني رجل رشيد يا أم المؤمنين. ويروى ان معاوية كان يقول: ما أعد نفسي
(1) انظر ترجمة حجر بن عدي الكندي في كتاب الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة , المعروف «بابن العديم» المتوفي (سنة 660 هـ ) والمطبوع مستلاً من كتابه : بغية الطلب في تاريخ حلب , بتحقيق الدكتور سهيل زكار .
(2) وكان قتل حجر سنة احدى وخمسين , وقيل سنة ثلاث وخمسين من الهجرة .
انظر : المنتظم لابن الجوزي : 5/241 , وتاريخ الطبري : 5/253 , والكامل في التأرخ لابن الأثير : 3/209 .
(3) تاريخ اليعقوبي : 2/219 .
(4) كنز الكمال للمتقي الهندي : 11/30887 , مثله .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 76
حليما بعد قتلي حجراً وأصحاب حجر (1) .
وأما استلحاقه زياد بن أبيه وقد كان زياد يدعي لجماعة , وكان اخطب الناس وألسنهم فخاف معاوية عاقبة أمره لأنه كان يتشيع ويرى ولاية علي بن أبي طالب , ولما قتل أمير المؤمنين عليه السلام استمال الناس لولده الحسن عليه السلام , فخاف منه معاوية , فاستلحق زياداً به لأن أباه أبا سفيان كان من جملة الذين وقعوا على امه سمية ـ فكان ما كان من أمرها ـ فرغبه معاوية بالمال وألحقه به (2), ونسى قول النبي صلى الله عليه واله وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (3) .
وأما استخلافه يزيد (لعنه الله) من بعده وأخذ البيعة له , فقد رواه المؤرخون كمحمد بن عبدالله بن مسلم بن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة , قال : لم يلبث معاوية بعد وفاة الحسن بن علي عليه السلام إلا يسيراً حتى بايع ليزيد بالشام , وكتب بيعته الى الآفاق وإلى عماله , وكان عامله على المدينة مروان بن الحكم , فكتب له يأمره أن يجمع من قبله من قريش وغيرهم من أهل المدينة , ثم ليبايعوا يزيداً.
فلما قرأ مروان كتاب معاوية أبى ذلك, وأبته قريش, فكتب له , إن قومك قد أبوا إجابتك إلى بيعتك يزيد , فأرني رأيك , والسلام . فلما بلغ معاوية كتاب مروان عرف ان ذلك من قبله , فعزله واستعمل سعيد ابن العاص (4) .
(1) تاريخ اليعقوبي : 2/219 ـ 220 .
(2) تاريخ اليعقوبي : 2/207 ـ 208 .
(3) رواه الترمزي في سننه : 5 : 433 / 2120 و434 / 2121 ـ الباب (5) ـ كتاب الوصايا .
ورواه السيوطي في الجامع الصغير : 2 : 723 / 9688 , وغيرهما باسانيد اخرى , وهو من الاحاديث المتواترة والمسلم على صحتها عند المسلمين عامة وخاصة .
(4) الإمامة والسياسة : 1/197 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 77

قال أهل السير : وأمر معاوية ان يأتيه من كل مصر وفد إليه , فلما إن وفدت عليه الوفود قال للضحاك بن قيس الفهري : لما تجتمع الوفود عندي , أتكلم فإذا سكت فكن أنت الذي تدعو الى بيعة يزيد , وتحثني عليها , فلما جلس معاوية للناس , وتكلم فعظم الاسلام وحرمة الخلافة وحقها , وما أمر الله بها , ثم ذكر يزيد وفضله وعلمه بالسياسة , وعرض بيعته عليهم , فقام الضحاك وقال : يا أمير المؤمنين انه لابد للناس من وال بعدك , ويزيد ابن أمير المؤمنين في حسن هديه , وقصد سيرته , وهو من افضلنا علماً , وحلماً , فوله عهدك , واجعله علماً لنا بعدك ؛ قال :
وقام عمرو بن سعيد الأشدق وتكلم بنحو من ذلك ؛ وقام يزيد بن المقفع العذري , فقال : هذا أمير المؤمنين ـ وأشار إلى معاوية ـ فإن هلك فهذا ـ وأشار الى يزيد (لعنه الله) ـ ومن أبي فهذا ـ وأشار الى سيفه ـ , فقال معاوية : إجلس فأنت سيد الخطباء .
وقال معاوية للأحنف بن قيس (1): ما تقول يا أبا البحر ؟ فقال : نخافكم إن صدقنا , ونخاف الله إن كذبنا , وأنت يا أمير أعلم بيزيد في ليله ونهاره , وسره وعلانيته (2) .
وروى أبو جعفر الطبري , قال:
بايع الناس ليزيد بن معاوية (لعنه الله) , غير الحسين بن علي بن أبي طالب , وعبد الله بن عمر , وعبدالله الزبير , وعبدالرحمن ابن أبي بكر (3) .
(1) هو أبو البحر : واسمه الضحاك , قيل صخر بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة بن النزال بن مرة بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن مناة بن تيم التميمي السعدي , والأحنف إنما كان لقبه لأن برجليه حنف ـ اي اعوجاج رجليه ـ وكان مع أمير المؤمنين عليه السلام في صفين وتوفي سنة (67) , انظر تاريخ من دفن في العراق من الصحابة :13 .
(2) الكامل في التاريخ لأبن الأثير : 3/507 .
(3) في المصدر زيادة : وابن عباس , انظر تاريخ الطبري : 5/303 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 78

أما ابن الزبير فأنه هرب إلى مكة على طريق الفرع هو وأخوه جعفر , وليس معهما ثالث , وأرسل الوليد خلفه أحد وثمانين راكباً فلم يدركوه , وخرج الحسين من المدينة الى مكة فسمع يزيد (لعنه الله) بذلك , فغضب على الوليد لصنعه , وعزله عن المدينة , وولاها عمر بن سعيد الاشدق , فدخلها في شهر رمضان سنة ستين من الهجرة, واما الحسين فإنه خرج من المدينة بفتيتة كما قال الشاعر :
في عصـبة من هاشـم علويـة طهرت أرومتهم وطاب المولد
ساروا ولو لا قضاء الله يمسكهم لم يتركوا لبني سفيان من أثـر (1)
(1)

(نصاري)

طلعوا آل هاشم عن وطنهم وظل خالي حرم جدهم بعدهم
ساروا ابليلهم ابعد ظـعنهم ولن صوت العليلة ابگلب محتر
دريضوا هنا يهلـنه للعليلة يهلنه افراگكم مل ليش حيلة
يهلـنه بـعدكـم ما نام ليلة او عيني من بعدكم دوم تسهر
يهلنه خلوا خوية الطفل بالله يظل عندي وارحوا وداعة الله
يهلنه من المرض گلبي تگلة يهلنه خلوا خوية الطفل وسدر
بچـن ويلي ونادنـها دخليه اهلها وابحضـن امها درديـه
طفل وفراگ امه يصعب عليه ولا امه على فرگـاه تـصبر
صاح يا حسين يا فاطم دردي دردي للمديـنة وطن جـدي
اودي لچ على ابـني او چـبدي ولابد ما تـجي يمـچ امخبر

(دكسن)

ردت للمدينة وسار أبوها او ظلت ترتقب عمها وابوها
ظنـت فاطمة لنهم يجوها اخوها والبطل عمـها المشكر

(تخميس)

من منشد عن صحب هنا نزلوا مثل البدور بها الانوار تشتعل
من طيبة طلعوا من كربلاء أفلوا
بالأمس كانوا معي واليوم رحلوا وخلفوا في سويد القلب نيرانا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 79


المطلب الرابع عشر

في زيارة الحسين عليه السلام قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووداعه

ذكر صاحب مدينة المعاجز وغيره :
لما هم الحسين عليه السلام على الخروج من المدينة الى مكة اقبل في نصف الليل إلى قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقف باكياً , وقال : «السلام عليك يا رسول الله , أنا الحسين بن فاطمة , فرخك وابن فرختك , وسبطك الذي خلفتني من امتك , فاشهد عليهم يا رسول الله انهم قد خذلوني , وضيعوني , ولم يحفظوني, وهذه شكواي اليك حتى ألقاك» . ثم قام عليه السلام وصف قدميه , ولم يزل تلك الليلة قائماً وقاعداً , وراكعاً وساجداً .
وأرسل الوليد الى منزله رسولاً لينظر أخرج الحسين عليه السلام من المدينة ام لا , فجاء الرسول فلم يصبه في منزله , ورجع وأخبر الوليد بذلك فقال : الحمد لله الذي اخرجه ولم يبتلني بدمه .
قال الراوي : وعند الصباح رجع الحسين عليه السلام الى منزله , وفي الليلة الثانية خرج الى القبر ايضاً , فصلى عنده ركعات , ولما فرغ من صلاته جعل يقول : (اللهم ان هذا قبر نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا ابن بنت نبيك , وقد حضرني من الأمر ما قد علمت , اللهم اني أحب المعروف وأنكر المنكر , وأنا اسألك ياذاالجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه , إلا اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك صلاح» . ثم جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريباً من الصباح وضع رأسه على القبر فأغفى،
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 80
فإذا برسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد أقبل في ركباً من الملائكة ورعيل (1) من الأنبياء , عن يمينه , وعن شماله , ومن خلفه , وبين يديه , حتى ضم الحسين إلى صدره , وقبل ما بين عينيه , وقال: (حيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مزملاً بدمائك, مذبوحاً بأرض كرب وبلاء , في عصابة من أمتي, وأنت مع ذلك عطشاناً لا تسقى, وظمئاناً لا تروى , وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة , حبيبي يا حسين إن أباك وعمك وأخاك قدموا علي , وهم مشتاقون اليك , وإن لك في الجنان درجات لن تنالها الا بالشهادة».
قال الراوي : فجعل الحسين عليه السلام يبكي , ويقول : يا جداه لا حاجة لي بالرجوع إلى الدنيا , خذني إليك وادخلني معك في قبرك :
ضمني عندك يا جـداه في هذا الـضريح علي يا جد من بلوى زماني أستريح
ضاق بي يا جد من فرط الاسى كل فسيح فعسى طود الأسى يندك بين الدكتين
جدُ صفو العيش من بـعدك بالأكدار شيب وأشاب الهم رأسي قبل أبان المشيب
فعلى من داخل القبـر بـكاء ونـحـيب ونداء بافتجاع يا حبيـبي يا حسيـن
أنت يا ريـحانـة القـلب حقـيق بالبـلا إنما الدنيـا أعـدت لـبلاء الـنبلا
لكن المـاضي قـلـيل بالـذي قـد أقبلا فاتخذ درعين من حزم وعزم سابغين
ستذوق الموت ظلماً ظامـيا في كـربلاء وسـتبـقى فـي ثـراها ثاوياً منجدلا
وكأن بـلئـيم الأصـل شـمر قـد علا صدرك الطاهر بالسيف يحز الوجدين
وكأني بـالأيـامي من بناتـي تـستغيث لغباً تستعطف القوم وقد عز المغيث (2)
قد برى اجسامهن الضرب والسير الحثيث بينها السجاد في الأصفاد مغلول اليدين (3)
(1) الرعيل : اسم كل قطعة متقدمة من خيل أو رجال أو طير , جمعه : رعال . انظر : القاموس المحيط .
(2) لغب : «وتلغب السير فلاناً» أتعبه أشد التعب . انظر : مجمع البحرين .
(3) للدمستاني رحمه الله , انظر : ديوان الدمستاني .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 81

فقال له النبي صلى الله عليه واله وسلم : لابد لك من الرجوع الى الدنيا حتى ترزق الشهادة وما قد كتب الله لك فيها من الثواب الجزيل والثناء الجميل , حبيبي يا حسين فإنك وأباك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلون الجنة .
قال الراوي : فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعاً مرعوباً , ورجع إلى منزله وقص رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطلب , فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب أهل بيت أشد غماً من آل بيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , ولا أكثر باكي وباكية , لأنهم يريدون أن يفارقوا سيدهم وزعيمهم , وهم مع ذلك يعلمون أن ذاك الأمر م الله ورسوله , إذ يقول له جده في منامه : يا بني لابد لك من الرجوع الى الدنيا حتى ترزق الشهادة وما قد كتب الله لك فيها من الثواب الجزيل والثناء الجميل . فكأن النبي صلى الله عليه واله وسلم يقول له , أي بني إن حياة هذه الأمة بشهادتك .
في الحقيقة ان الحسين عليه السلام صار هو المعلم الروحاني لأمة جده , فأخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الهداية بقتله كما تشير بذلك الزيارة :
«أخرج عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة , والذي جرى عليه عليه السلام نزلت به صحف مكرمة وذلك عند موت النبي صلى الله عليه واله وسلم» .
يروى انه استدعى عليا , وأعطاه اثنى عشر صحيفة , وقال : «يا علي هذه الصحف مختومة من رب العزة لك وللأئمة من ذريتك , فانظر أنت ما في صحيفتك واعمل بها» . فكان أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه واله وسلم ينظر في صحيفته ويعمل على ما فيها .
ولما حضرته الوفاة استدعى ولده الحسن عليه السلام , وأعطاه أحد عشر صحيفة وأخبره بذلك , ولما أخذ الحسن عليه السلام صحيفته عمل على ما فيها وبما أمر به إلى أن حضرته الوفاة استدعى الحسين عليه السلام وأعطاه عشرة صحائف وأخبره بذلك , فعمل الحسين على ما فيها وبما اُمر به , حتى إذا جاء كربلاء وقتلت إخوته واولاده وأنصاره وبقي وحيداً فريداً , ناداه منادي : «يا حسين أين المهد بع نفسك وأنا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 82
المشتري» . فقام عليه السلام في ذلك المقام الرهيب ووقف تجاه أعدائه وهم يريدون قتله , ولما حمل عليهم ونازلهم , وقاتلهم مقاتلة الأبطال حتى دمر فيهم وأزالهم عن مواقفهم , فقلب القلب على الجناحين , والظهير على الكمين , ولما نظر قائد الجيش إلى الشجاعة الحسينية قال لأصحابه وهو مشرف على الميدان ينظر إلى الحسين عليه السلام: والله لإن بقي الحسين على هذه الحالة إفنانا عن آخرنا , انظروا كيف الحيلة إلى قتله ؟
فقال شبث بن ربيعي : يا أمير الحيلة أن تأمر الجيش فيفترق عليه أربعة فرق , فرقة بالسيوف , وفرقة بالرماح , وفرقة باسهام، وفرقة بالحجارة ؛ فأنفذ بن سعد ما أشار عليه شبث بن ربيعي , ونادا منادى العسكر : افترقوا عليه اربعة فرق , فرق بالسيوف والرماح والسهام والحجارة .
فوجهوا نحوه في الحرب أربعة والسيف و السهم والخطي والحجرا (1)
(1)

(نصاري)

دار العسكر على احسين يا حيف ناس بالرماح وناس باليسف
يشبه دورها على الليـث المخيف بياض العين بصبيها ايـتدور
تلگـه انـباها احـسين ابوريـده نوب بالضـلوع ونوب بـيده
تلايـم غـيمها واثجل رعـيـده او بالزانات فوچ احسين يمطر
ثگل ما يـنـدره ابنـشابها امنين يجيه اوزانها يخطف على احسين
سهم بـيده وسهـم ابحاجب العين يويلي وافغرت روحه من الحر

(دكسن)

صار اشبيح بيه امن المنية ألف نبله يويلي او تسع ميّه
وگف تبة نبل بالغاضريّة اوزور ارماح شابچ عيب يـنطر
* * *
وقف الطرف يستريح قليـلاً فرماه القضا بـسهـم متاح
فهوى العرش للثرى وادلهمّت برماد المصاب منها النّواحي
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 83


المطلب الخامس عشر

في وداع الحسين عليه السلام للهاشميين والهاشميات وترجمة ام سلمة

يا بنفسي مودعين وفي العين بكاها وفـي القـلوب لـظاهـا
من بحـور تضـمنـتها قبور وبـدور قـد غيـبتـهـا رباها
ركبهم والقضا بأضغانهم يسـ ـري وحادي الردى أمام سراها
والمساعي من خـلفـهم نادبات والمـعالـي مشغـولة بـشجاها
ساكبات الدمـوع لا تـتـلاقى بيـن أجفانـها وبـين كـراها

كان يوم خرج الحسين عليه السلام من مدينة جده صلى الله عليه واله وسلم أعظم يوم على الهاشميين والهاشميات , إذ إن الحسين كان سلوة لهم عن جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وعن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام , وعن أخيه الحسن عليه السلام , فأقبلت الهاشميات نساء بني عبد المطلب إلى دار الحسين عليه السلام لوداعه والتزود به ووداع عيالاته وأطفاله , فجعلن يبكين ويندبن , فمشى فيهن الحسين عليه السلام , وقال : انشدكن الله ان لا تبدين هذا الأمر , لأنه معصية لله ولرسوله . فقلن : يا أبا عبد الله فعلا من نتلقى النياحة والبكاء بعدك ؟ وهذا اليوم عندنا كيوم مات فيه الرسول صلى الله عليه واله وسلم , وعلي وفاطمة والحسن عليهم السلام , جعلنا الله فداك يا حبيب الأبرار.

ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 84


قال الراوي : وجاءت اُم سلمة (1) وقالت له : يا بني لا تحزني بخروجك إلى
(1) ام سلمة :
اسمها : هند , وهي من امهات المؤمنين , بنت أبي امية بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم القرشية المخزومية واسم أبيها : حذيفة , وقيل : سيل , ويلقّب : زاد الراكب , لأنه كان أحد الأجواد , فكان إذا سافر لا يترك أحداً يرافقه ومعه زاد بل يكفي رفقته من الزاد ؛ واُمها عتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك الكنانية , من بني فراس , وكانت زوج ابن عمها أبي سلمة , فمات عندها , وقد اسلمت قديماً هي وزوجها وهاجر إلى الحبشة فولدت له سلمة . ثم قدما مكة وهاجرا إلى المدينة فولدت له عمر , ودرة , وزينب ؛ ولما أراد أن يهاجر بها زوجها إلى المدينة منعه رجال من بني المغيرة ونزعوا خطام البعير من يده , فنضب عند ذلك بنو عبد الأسد وهو والي سلمة , وقالوا : والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا , فتجاذبوا سلمة حتى خلعوا يده وانطلق به عبد الأسد وتركها زوجها حتى لحق إلى المدينة ففرق بينها وبين زوجها وابنه فكانت تخرج الى الابطح تبكي وتولول سبعة ايام , فقال لها قومها : إلحقي بزوجك . فقصدت المدينة، وكان زوجها نازلاً في قرية بني عمرو ابن عوف بقباء، فقصدته وقيل: إنها أول امرأه خرجت مهاجرة الى الحبشة , واول ضعينة دخلت المدينة .
وقال أرباب التاريخ : ولمّا توفي زوجه وانقضت عدتها خطبها أبو بكر فلم تتزوجه , فبعث النبي صلى الله عليه واله وسلم , يخطبها , فقال للرسول : أخبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إني امرإة غيري وإني امرإة مصيبة , وليس أحد من أوليائي شاهد . فقال : قل لها أما قولك إني امرأة غيري فساعدو الله فتذهب غيرتك , وأما قولك إني امرأه مصيبة فسلي صبيانك , وأما قولك ليس أحد من أوليائك شاهد فليس أحد من أوليائك شاهد وغاب يكره ذلك , فقالت لإبنها عمر : قم فزوج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ابنتها سلمة .
وأخرج ابن سعد من طريق عروة عن عائشة , قالت : لمّا تزوج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ام سلمة حزنت حزناً شديدا لما ذكر لنا من جمالها , فتلطفت حتى رأيتها , فرأيت والله أضعاف ما وصفت , فذكرت ذلك لحفصة فقالت : و ما هي كما يقال , قالت : فرأيتها بعد ذلك فكان ما قالت حفصة , ولكنّي كنت غيري , وكانت ام سلمة موصوفة بالجمال البارع والعقل البالغ والرأي الصائب , وأشارتها على النبي صلى الله عليه واله وسلم يوم الحديبة تدل على وفور عقلها و صواب
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 85

العراق , فإني سمعت جدك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول : يقتل ولدي الحسين في العراق بأرض يقال لها كربلاء . فقال لها : يا اُماه والله إني أعلم ذلك وإني مقتول لا محالة وليس لي من هذا بد , وإني والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه , وأعرف من يقتلني , وأعرف البقعة التي أدفن فيها , وأعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي , وإن أردت يا اماه اريك حفرتي ومضجعي, قال : ثم أشار بيده الشريفة إلى جهة كربلاء .
قال صاحب مدينة المعاجز وإثبات الوصية قال : «بسم الله الرحمن الرحيم» فانخفضت الأرض بإذن الله تعالى حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره . فعند ذلك بكت ام سلمة وسلمت أمرها إلى الله , فقال لها الحسين عليه السلام : يا اُماه قد شاء الله أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً , وحرمي ورهطي ونسائي مسبيين , وأطفالي مشردين .
فقالت ام سلمة : يا أبا عبد الله عندي تربة دفعها اليّ جدك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في قاروة , فقال عليه السلام : والله إني مقتول كذلك , وإن لم أخرج الى العراق يقتلوني .
ثم انه عليه السلام أخذ تربة وجعلها في قارورة وأعطاها إياها , وقال لها : اجعليها مع قارورة جدي رسول الله , فإذا فاضتا دماً فاعلمي أني قد قتلت . فأخذتها ام سلمة ووضعتها مع قارورة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (1) .
ولمّا سار الحسين عليه السلام الى العراق جعلت ام سلمة كل يوم تتعهد
رأيها .
قال صاحب الاستيعاب :شهدت ام سلمة غزوة خيبر فقالت : سمعت وقع السيف في أسنان مرحب (يعني سيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام) وهي آخر امهات المؤمنين موتاً . توفّيت سنة 63 من الهجرة . انظر : الإستيعاب بهامش الإصابة , وطبقات ابن سعد
(1) إثبات الوصية للمسعودي: 166 , ومدينة المعاجز للبحراني
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 86

القارورتين حتى إذا كان يوم عاشوراء أقبلت على عادتها لتنظر إلى القارورتين فنظرتهما وإذا بهما دماً عبيطا , صاحت وولوت وندبت الحسين , فاجتمعن عندها الهاشميات بخبرتهن بالخبر , ووقعت الصيحة بالمدينة , وصار كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وصار الناس ينتظرون البريد حتى إذا وافى البريد بقتل الحسين جدّجوا العزاء والنياحة على الحسين عليه السلام , وهكذا اتّصلت النياحة حتى يوم ورد السجاد وزين العابدين عليه السلام بعمّاته وبخواته من أسر يزيد (لعنه الله) فاتصلت الصيحات و النياحات على الحسين , ولمّا دخلت الحوراء زينب الى المدينة صارت إلى قبر جدها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقد حفّتها الهاشميّات مشققات الجيوب ينادين : وا حسينا . ودخلت زينب على قبر جدها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مناديه : يا جد إني ناعية إليك عزيزك الحسين .
قتلوه بعد علم منهم إنه خامس أصحاب الكسا (1)
(1) وزينب عليها السلام تخاطب جدّها صلى الله عليه واله وسلم بلسان الحال :

(نصاري)

يجدّي احسينكم رضّوا اضلوعة او شاف الموت روعه بعد روعه
يصد لعياله او تسچت ادمـوعه يخافـنـها عـگب عـينه تيسّر
يجدّي احـسينكم ذبحوا انصاره ابـو فاضـل تكـوّر بالـمعاره
وجّ ابـگلـب اخـوه حسين ناره دمع عـينه على خـدّه تخـدّر

(دكسن)

جدّي گوم ذاك احـسين مذبوح على الشاطي وعلى التربان مطروح
يجدّي ما بگت له من الطعن روح يـجدّي گـلب اخـويه احسين فطّر

(تخميس)

ولو أن أحمد قد رآك على الثرى لفرشن منه لجسمك الأحشاء
أو في الطفوف رأت ظماك سقتك من ماء المدامع امك الزهراء
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 87


المطلب السادس عشر

في هيئة سفر الحسين عليه السلام الى العراق

لا يعذر الله ابن أحمد أن يرى عز الرشاد بذلـة وخضوع
حتى يغض له الوجود مصائبا تبكي السماء له بحمر دموع

قال أرباب التاريخ : لمّا اراد الحسين عليه السلام الخروج من المدينة جمع أولاده وإخوته , وأولاد أخيه وبنو عمومته , ومواليه وجواريه , ثم أمر بإحضار ماءتين وخمسين مركب من الخيل والجمال , لما أن احضرت أمر أن تحمل عليها الأثقال ما يحتاجه في الطريق ولوازم السفر , كالخيم والمراجل والأواني والقرب , وكل ما هيئه من الامتعة , حتى الزعفران والورس , وكثير من الصناديق المملوءة من البرود اليمانية والحلل السندسية , عدا الصناديق التي ملئت بالدنانير والدراهم , وأمر أيضاً بخمسين شقة من الهوادج حملت على النوق التى أعدها لحمل العائلة من النساء والأطفال والخدم والجواري , وأحضر كل من الهاشميين جواده ثم أمر بإحضار فرس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وكان يدعى «المرتجز» (1) فركبه
(1) المُرتجز : «اسم فرس لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم , سمي بذلك لجهارة صهيله وحسنه , وكان رسول
ثمرات الاعواد ـ الجزء الأول 88

هو عليه السلام , والمرتجز هو الفرس الذي شهد به خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين , وكان صاحبه رجلاً من بني مرة (1) , اشتراه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم منه بالمدينة بعشرة أوراق , وقيل : اشتراه رسول الله بأربعة آلاف درهم , واول غزوة غزا به صلى الله عليه واله وسلم عزوة «احد» , وكان من جياد الخيل على ما رواه بن قتيبة في «المعارف» (2) .
ثم لما قبض رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انتقل هذه الجواد الى علي بن أبي طالب عليه السلام , وقد ركبه يوم صفين على مارواه نصر بن مزاحم في «كتاب صفين» (3) .
ثم صار من بعده الى ولده الحسين , فركبه «يوم الطف» ووقف قبالة القوم فخطبهم ووعظهم فلم يتّعضوا , وقال عليه السلام : «أنشدكم لله هل تعلمون ان هذه فرس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنا راكبه ؟ قالوا : اللّهم نعم» . ولما صرع الحسين عليه السلام يوم الطف من على ظهره , جعل يحوم حول الحسين عليه السلام , ثم مرّغ ناصيته بدم الحسين ونحا نحو خيم العيال يصهل ويحمحم معلناً بقتل الحسين عليه السلام .
قال الراوي : ثم أمر باحضار سيف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فتقلّد به , وكان اسمه البتّار , وقيل الرسوب , وقيل العضب , وقيل الحتف (4) , وكان مكتوبا عليه هذه البيت :
الله صلى الله عليه وآله قد اشتراه من الأعرابي، وشهد له خزيمة بن ثابت». انظر لسان العرب: 5/352 (مادة: رجز).
(1) انظر الكامل في التأريخ لابن الأثير : 2 / 214 , واسد الغابة للجزري : 1 / 30
(2) المعارف لابن قتيبة : 149 .
(3) وقعة صفين : 403 .
(4) ذكر ابن الأثير في تأريخه «أنه كان لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم عدّة سيوف , منها : البتّار والحتف والرسوب والعضب» , انظرالكامل في تاريخ ابن الاثير : 2 / 316 , وانظر لسان العرب : 1 / 418 , وانظر اسد الغابة : 1 30
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 89

الجبن عار وفي الإقدام مكرمة والمرء بالجبن لا ينجوا من القدر

وهو الذي أعطاه إلى علي عليه السلام «يوم اُحد» على ما ذكره السمعاني «في كتاب الفضائل» وحمله أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه الثلاث , وقاتل به ثم انتقل إلى ولده الحسين عليه السلام وكان يحارب به «يوم الطف» , ولقد استشهد الحسين عليه السلام على أهل الكوفة به في خطبته , إذ قال : «أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنا متقلده ؟ قالوا : اللهم نعم» . ولمّا إن قتل عليه السلام تكاثرت القوم على سلبه , فأخذه جميع بن الخلق (لعنه الله)
ثم أمر بإحضار درع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأفرغها على بدنه الشريف , وكان اسمها الصعديّة , وقيل : فضة , وقيل : ذات الفضول , وقيل: ذات الوشاح (1) , ولقد اعطاها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى علي عليه السلام , فأفرغها على بدنه الشريف أيضاً في حروبه الثلاث , البصرة وصفين والنهروان .
ثم من بعده انتقلت إلى ولده الحسين عليه السلام , وقد لبسها «يوم الطف» , ولما ان وعظ القوم وقال لهم فيما قال : «انشدكم الله هل تعلمون أنّ هذا درع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنا لابسها ؟ قالوا : اللّهم نعم» . ولمّا قتل سلام الله عليه أخذها عمر بن سعد قائد الجيش ولبسها , ودخل على عيالات الحسين عليه السلام فتقدمت زينب عيلها السلام وقالت : يا ابن سعد أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه ؟!
(1) قال ابن الاثير في تأريخه : «انه كان لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم درعاً يقال له «الصعديّة» , واخرى يقال لها «فضة» , واخرى يقال لها «ذات الفضول» واخرى يقال لها «ذات الوشاح» , انظر الكامل في التاريخ : 2 / 316 .
وفي اسد الغابة أيضاً قال عز الدين الجزري : كان له (دروع) تسمى : ذات الفضول , وذات الوشاح , وغيرها , انظر اسد الغابة : 1 / 30 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 90


ثم أمر باحضار عمامة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وكان اسمها «السحاب» (1) وكانت من الخزّ دكناء , وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد تعمم بها يوم «بدر» و «حنين» , ولما ان قبض صلى الله عليه واله وسلم تعمّم بها أمير المؤمنين عليه السلام «يوم صفين» على ما رواه نصر بن مزاحم في «كتاب صفين» (2) , ولما ضربه ابن ملجم «لعنه الله» بسيفه وفضى نحبه ورثها ولده الحسن عليه السلام , ثم انتقلت بعد الحسن عليه السلام الى الحسين فتعمم بها «يوم الطف» , ولما ناشد القوم في خطبته وقال فيما قال : «أيها الناس أنشدكم هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنا لابسها ؟ قالوا : اللهم نعم» .
ثم أمر باحضار حربة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وكانت حربة صغيرة تشبة العكازة يقال لها العنزة , وكانت تحمل مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في الاعياد , وتركز بين يديه فيصلّي بالناس صلاة العيد , وكان يصحبها في أسفاره , وذكرها عز الدين الجزري في «اسد الغابة» (3) , ثم لما توفي صلى الله عليه واله وسلم ورثها أمير المؤمنين عليه السلام , وكانت معه «يوم صفين» يحملها كما ذكر ذلك «نصر بن مزاحم» (4) , ثم لما استشهد عليه السلام انتقلت إلى الحسن عليه السلام , ثم إلى الحسين عليه السلام , وكانت معه «يوم الطف» وكان اذا حمل على جيش أهل الضلال ورجع من الحرب الى مركز يتكئ عليها و هو يقول : «لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم» .
أقول : بهذه الهيئة وبهذه الصفة خرج بن رسول الله من مدينة جدّه , وهو
(1) انظر اسد الغابة : 1 / 30 .
(2) وقعة صفين : 403 .
(3) اسد الغابة : 1 / 30 .
(4) وقعة صفين .

السابق السابق الفهرس التالي التالي