ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 91

يقدم ضعينته من بني هاشم مجرّدين سيوفهم شاهرين ماحهم قد احدقوا بالمحامل .
ركب حـجازيـون بـين رحالهم تسري المنايا انجدوا او اتهموا
يحدون في هزج التلاوة عـيسهم والكـل في تسبـيـحه يـترنّم
متـقـلّديـن صوارما هـنديــّة من عزمهم طبعت وليس تكهّم (1)
(1)
(بحراني)
طوح الحادي والضعن هاج ابحنينة او زينب تنادي سفرة الگشرة علينه
صاحت ابكافلها شديد العزم والباس شمر اردناك وانشر البيرق يا عباس
چنّي اعاينها مصيبة اتشيب الـراس ما ظنتي نرجع ابدولتـنا المـديـنة
گلها يزينت هاج عزمي لا تـنخين ما دام آنة مـوجود يخـتي ما تـذلّين
لو تـنجلب شاماتها يالعراگـيـين لطـحن جماجمهم ونا حامي الظـعينة
لا تهيجيني اولا يدش ابگلبچ الخوف ميروعني الطعن والرماح او ضرب السيوف
بس طلبي امن الله يسلم لس هالكفوف لحمل على العسكر واذكرهـم بـبـونا
گالت اعرفك بالحرب يا خوية وافي او قطـع الزنـد هذا الذي مـنّه مخافي
اليوم المعزّه او بعدكم مدري شوافي ياهو الـيرد الخيل لو هـجمت عليـنه
* * *
فاين تلك البدور التمّ لا غربوا وأين تلك البحور الفعم لا نضبوا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 92


المطلب السابع عشر

في ترجمة ام هاني ووداعها للحسين عليه السلام

لما بلغ خبر الحسين عليه السلام الى الهاشميات ونساء بني عبد المطلب صرن يأتين إلى دار الحسين عليه السلام وينحن ويبكن , قتل [الراوي :]
وأقبلن عدّة من الهاشميات إلى عمة الحسين «ام هاني» (1) فأخبرنها الخبر , وكانت «أم هاني» من النساء الجليلات القدر العظيمات الشأن , وكيف لا تكون كذلك وهي إبنة أبي طالب شيخ الاباطح , وأخت علي أمير المؤمنين عليه السلام وشقيقته , وقد اختلف المؤرخين في إسمها فبعض يقول ان اسمها هند , وقال بعضهم : إنها فاطمة , وقال بعضهم : أنها فاختة وهو الأصح ؛ وامها فاطمة بنت أسد ام أميرالمؤمنين عليه السلام , وكان زوجها هبيرة المخزومي (2) , وكان من المشركين ومن المبغضين لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم , ومن المؤلبين عليه و المساعدين على حربه , وما قامت راية لحرب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلا وهو في مقدمة من يحارب النبي فيها , وكان
(1) انظر ترجمة ام هاني في : اسد الغابة : 5/501 , وكذلك في الإستيعاب : 4/517 . هي ام هاني بنت ابي طالب بن عبد الطلب بن هاشم اخت علي بن ابي طالب عليه السلام كانت تحت هبيرة بن أبي وهب بن أبي عمر بن عائذ بن عمران بن مخذم اسلمت عام الفتح ولدت ام هاني لهبيره عمر وبه كان يكنى وهانئا ويوسف وجعدة .
(2) انظر ترجمة «هبيرة المخزومي » .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 93

مع أبي سفيان حين تحزبت الأحزان على حرب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وهو من جملة الذين عبروا الخندق مع عمرو بن عبد ود العامري , ولمّا قتل عمرو فرّ هبيرة منهزماً , وفي ذلك يقول لزوجته ام هاني :
لعمرك ما وليت ظهري محمدا وأصحابه جـبنـاً ولا خـيفة القتل
ولكننّي قلّبت ظـهري فـلم أجد لسيفي غناء إن أن ضربت ولا نـبل
وقفت فلما خفت ضيعة وقفـتي رجعـت لعود كالهـزير أبا الشـبل
ولما فتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة وذعنت له قريش فر هبيرة منهزماً من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى نجران ومات فيها كافراُ وفي ذلك يقول :
الله يعلم ما تركت قتالهم حتى رموا فرسي بأشقر مزيد

وكان الاسلامها «يوم الفتح» وقد استجار عندها جماعة من المشركين في ذلك اليوم لعلمهم بها إنّها تجيرهم , وكان من المستجيرين بها الحرث بن هشام , وقيس بن السائب , فجاء علي عليه السلام وهو مقنع بالحديد لا يرى منه إلا حدقتا عينيه , فطرق الباب عليها , فخرجت اليه ام هاني وقالت له : ما تريد يا عبد الله ؟ قال : اخرجوا من آويتهم ؛ فقالت : إنصرف يا عبد الله إني ابنة عم محمد صلى الله عليه واله وسلم , واخت علي عليه السلام ؛ فلم يلتفت إليها وقال أن لم تخرجيهم وإلا هجمت عليهم الدار . وقالت : والله لأشكونك إلى رسول الله ؛ فلما سمع أمير المؤمنين عليه السلام ذلك ألقى المغفر من على رأسه فعرفته , فألقت بنفسها عليه وقالت له : أخي فدتك اختك تريد أن تخفر جواري بين العرب ؟ ثم قالت : أخي إني حلفت أن اشكوك عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , فقال لها : إمضي فإنه في الوادي , فأقبلت ام هاني فلما رآها صلى الله عليه واله وسلم مقبله قال لها : مرحباً بك يا ام هاني , جئتيني تشكين علياً عندي فإنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله , ثم نادى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : انا قد أجرنا من أجارته ام هاني .
نعم أسلمت ام هاني في ذلك اليوم , ولمّا بلغ هبيرة زوجها خبر إسلامها
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 94

اغتاظ غيظاً شديداً , وفي ذلك يقول معاتباً لها :
لئن كنـت قد تابعتي دين محمد وقطعت الارحام منك حبـالا
فكوني على أعلى سحيق بهضبة ممنعـة لا يـستطاع قلالها
فإنـي مـن قـوم إذا جد جدّهم على أي حال أصبح القوم حالها
وإني لأحمي من وراء عشيرتي إذا كثرت تحت العوالي مجالها
وطارت بأيدي القوم بيض كأنها مخاريق ولدان تنوش ظلالها
وإن كلام المرء من غير كنـهه لنبل تهوي ليس فيها نصالها (1)

وكانت قد ولدت له أربعة أولاد : أحدهم جعدة بن هبيرة , وولدت له ثاناً فكنيت به , وعمرو فكنى به أبوه , ويوسف (2) , أمّا جعدة فإنه ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وليست له صحبة وقال العجلي , إنه تابعي , وقيل : بل هو من الصحابة . قال ابن أبي الحديد في «شرح النهج» : أدرك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وأسلم يوم الفتح مع امه «ام هاني» (3) .
وشهد جعدة مع أمير المؤمنين عليه السلام صفين (4) , وأبلى بلاءاً حسناً , ودعاه يومئذ عتبة فناداه : يا جعدة فاستأذن جعدة من أمير المؤمنين عليه السلام في الخروج إليه , فأذن له . واجتمع الناس لكلامهما , فقال له عتبة : يا جعدة إنه والله ما اخرجك علينا إلا حبك لخالك وعمك ابن أبي سلمة عامل البحرين , وإنا والله ما نزعم إن معاوية احق بالخلافة من علي [عليه السلام] , ولو لا أمره في عثمان , ولكن معاوية احق بالشام لرضا أهلها به , فاعفوا لنا عنها , فوالله ما بالشام رجل به طرق إلا هو إجد من
(1) الإستيعاب (بهامش الإصابة) .
(2) انظر شرح نهج البلاغة لابن الحديد : 10/79 .
(3) انظر شرح نهج البلاغة لابن الحديد : 10/77 .
(4) وقعة صفين للمنقري : 463 ـ 465 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 95

معاوية في القتال , ولا بالعراق من له مثل جدّ علي بن أبي طالب في الحرب , ونحن أطوع لصاحبنا منكم لصاحبكم , وما اقبح بعلي ان يكون في قلوب المسلين أولى الناس بالناس , حتى إذا أصاب سلطاناً أفنى العرب . فقال جعدة : أمّا حبي لخالي فوالله لو كان لك خال مثله لنسيت أباك , وأما ابن أبي سلمة فلم يصب أعظم من قدره , والجهاد احب الي من العمل , وأمّا فضل علي على معاوية فهذا ممّا لا يختلف عليه اثنان , وأمّا رضاكن ياليوم بالشام من رجل إلا وهو أجد من معاوية وليس بالعراق لرجل مثل جدّ علي عليه السلام فهكذا ينبغي أن يكون , مضى بعلي يقينه وقصر بمعاوية شكه , وقصد أهل الحق خير من جهد أهل الباطل , وأمّا قولك نحن اطوع لمعاوية منكم لعلي عليه السلام فوالله ما نسأله ان سكت ولا نرد عليه إن قال , وأمّا قتل العرب فإن الله كتب القتل والقتال فيمن قتله الحق فإلى الله , فغضب عتبة وفحش على جعدة , فلم يجبه جعدة وأعرض عنه وانصرفا جميعاً مغضبين , فلما انصرف عتبة جمع خيله فلم يستبق «منها» شيئاً , وجلّ اصحابة السّكون والصّدف والأزد , ويهيأ جعدة بما استطاع فالتقيا , وصبر القوم جميعاً , وباشر جعدة يومئذ القتال بنفسه , وجزع عتبة واسلم خيله وأسرع هارباً إلى معاوية , فقال له معاوية : فضحك جعدة وهزمتك , لا تغسل رأسك منها أبداً , فقال عتبة : لا والله , لا أعود إلى مثلها «أبداً» , ولقد أعذرت وما كان على أصحابي من عتب , ولكن أبى الله ان يديلنا منهم , فما أصنع وحضّي بها جعدة عند علي ؛ فقال النجاشي فيما كان من شتم عتبة لجعدة وشعراً في ذلك اليوم :
إنّ شتم الكريم يا عتب خطب فاعلمنه من الخطوب عظيم
امّــه امّ هـاني وأبــوه من معـدّ ومن لؤي صميم
ذاك منها هبيرة بن أبي وهـ ـب أقرت بفضله مخزوم


ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 96

كان فـي حربـكم يـعـد بألف حـيـن تلقى به القروم القروم
وإبـنـه جـعـدة والخليفة منه هكذا يـخـلف الفروع الأروم
كـل شئ تـريده فـهـو فـيه حـسبٌ ثاقـبٌ وديـنٌ قويـم
وخـطـيـب إذا تمعـّرت الأو جه يـشجى به الألـدّ الخصيم
وحليم إذا الحبى حـلّها الجـهـ ـل وخفّت من الرجال الحلوم
وشـكيم الحـروب قد عـلم النا س إذا حلّ في الحروب الشكيم
ما عسى أن تقول للذهب الأحـ ـمر عيباً هيهات منك النجوم

وقال الشّني في ذلك لعتبة
مـــا زلت في عطفيك أبـهةً لا يعرف الطرف منك التّية والصّلف
لا تسحب القوم إلا فقع قـرقـرة أو شـحمة بـزّها شاو لها نـطـف
حتّى لقيت ابن مخزوم وأيّ فتـى أجـيا مـآثـر آباء لـه سـلـفـوا
إن كان رهط أبي وهب جحاجحة فـي الأولـين فـهـذا منهـم خلـف
أشجاك جعدة إذ نـادى فوارسـه حـامـوا عـن الدين والدنيا فما وقفوا
حتى رموك بخيل غـيـر راجعة إلا وسمر الـعـوالـي مـنـكم تكف
قد عاهدوا الله لن يثـنـوا أعنّتها عند الطّعان ولا فـي قولـهم خـلـف
لما رأيـتهم صـبحاً حسبـتـهم أشد العرين حـمى أشـبـالها الـغرف
ناديت خـيلك إذ عضّ الثّقاف بهم خـيـلي إلي , فـما عاجوا ولا عطفوا
هلّا عطفـت على قـتلن مصرّعة منها السـكون ومـنها الأزد والـصّدف
قد كنت في منظر مـن ذا ومستمع يا عتــب لو لا سـفاه الرّأي والسّرف
فاليوم يقرع منك الـسّن عـن ندم مـا لـلـمبارز إلا العـجز والنـّصف

فهذان الشاعران مدحا جعدة بموقفه «يوم صفين» تجاه العدو , الموقف المشرف وحق لمثله أن يمدح تمثل هذا الشعر الرائق , وكان جعدة مازماً لخاله
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 97

أمير المؤمنين عليه السلام إلى قتل أمير المؤمنين عليه السلام , فلازم بعده الحسن والحسين عليهم السلام إلى أن توفي أيام معاوية , وكان جعدة يفتخر ـ ويحق له الفخر ـ ويقول :
أبي من بني مخزوم إن كنت سائلاً ومن هاشم أمي لخير قـبيل
فمـن ذا الـذي يـبني علي بخاله كخالي علي ذي النّدى وعقيل (1)

«ولقد كاتب الحسين عليه السلام بعد وفاة أخيه الحسن عليه السلام :
أما بعد فإن الشيعة متطلعة أنفسها إليك , لا يعدلون بك الى أحد وقد عرفوا رأي أخيك الحسن في دفع الحرب , وعرفوك باللين لأوليائك والغلظة لأعدائك , فإن أحببت أن تطلب هذا الأمر لك فقد وطنّا أنفسنا على الموت معك».
فأجابه الحسين عليه السلام غير أن جوابه يظهر كان لعموم الشيعة :
«أما بعد فإن أخي الحسن أرجو أن يكون الله قد وفقه وسدده , فيما يأتي , وأما أنا فليس رأيي ذاك , فألصقوا بالأرض واحترسوا عن الظنّة والتهمة ما دام معاوية حيّاً , فإن حدث به حادث كتبت إليكم برأي والسلام».
فأم هاني على ما ذكرت كانت جليلة القدر , عظيمة الشأن , روت عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أحاديث كثيرة ذكرت في الصحاح ؛ ولعظم شأنها أن الهاشميات إذا أصابتهن مصيبة أو نزلت بهنّ نازلة فزعن إليها , لذا لمّا بلغهن خبر سفر الحسين عليه السلام الى العراق أقبلن إليها وقلن لها : يا ام هاني أما علمت بما عزم عليه الحسين عليه السلام , فإنه عزم الى المسير الى العراق , فهل لك أن تمضن لنودّع النسوة ونتزوّد من الحسين ؟ فقامت ام هاني ـ وهي امرأة عجوز محدوبة الظهر ـ حتى أقبلت إلى دار الحسين عليه السلام , وكان الحسين واقفاً على باب داره , فلمّا نظر أليها نظر إلى غلامة وقال له : من هذه المقبلة ؟ فقال له : سيدي أظنّها عمتك ام هاني ؛
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 98

فقال له : اضرب بيني وبينها ستراً , فوقف قبالة الحسين عليه السلام ودخلت ام هاني على النساء وهي تبكي , فدخل الحسين عليه السلام وقال لها : يا عمّة ما هذا البكاء ؟ فقالت: عمّة عميت عين لا تبكي من بعدك . فقال لها الحسين عليه السلام : عمّه لا تتطريني , فقالت : والله لست بمتطيّرة ولكن سمعت البارحة هاتفاً يقول :
و إن قتيل الطف من آل هاشم أذلّ رقاباً من قريش فذلّت

فقال لها عليه السلام : عمّه لا تقولي من قريش ولكن قولي : «أذل رقاب المسلمين فذلّت».
فقال الراوي : وعلا صراخ النساء وبكاؤهن , هذا والحسين نصب أعينهن. أقول: إذاً كيف حالهن لما دخل بشر بن حذلم المدينة ونادى :
يا أهل يثرب لا مقام لكم فيها قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلاء مضرّج والرأس منه على القناة يدار (1)
(1)

(نصاري)

يولي اتقابلن للـنوح والـون رباب اتعددّلـهن وهـن يبجن
ظلمه دورها او بالحزن يدون وهن بالنوح دامن على الوقتين
گومن جاي نلطم على الشبّان وسط الـدور ونغـلّج الـبيبان
بعد احسين وحشه هاي الوطان گومن جاي نتساعد على البنين
وزينب عليها السلام :
يدور أهلي أعايـنـچن بيا عين عگب عباس اخويه وعگب الحسين
نعب بيجن اغراب الحزن والبين او عليچن يها الدور الحـزن غـيّم

(تخميس)

أنقيم في جور الزمان وذلّه يا منية الباقي وكـعبة نيله
كم غائب سرّ الإله بوصله
يا ليت غائبنا يعود لأهله فنقول أهلاً بالحبيب ومرحبا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 99


المطلب الثامن عشر
في سبب عدم سفر محمّد بن الحنفية مع أخيه الحسين عليه السلام

كان السبب لعدم خروج محمّد بن الحنفية مع أخيه الحسين عليه السلام إلى العراق أمران :
أحدهما ـ على ما رواه المؤرخون وأهل السير ـ أنه اهدي درع لحسين فلما لبسه الحسين عليه السلام فضل عليه مقدار أربعة اصابع , فأراد الحسين عليه السلام أن يرسله إلى بعض الحدادين ليقطع منه مقدار أربعة أصابع , وكان محمد بن الحنفية جالساً فأخذه ولواه على يديه وسرده , فأصابه بعض الحاضرين بنظرة فشلّت يده من وقتها وساعتها , وصار لا يقدر على حمل السلاح .
والأمر الثاني : هو أنه إعتراه مرض الأغماء , وهذا الذي منعه عن الخروج مع أخيه الحسين عليه السلام , وكان أمير المؤمنين عليه السلام يحبّه حبّاً شديداً , وشهد معه الجمل وصفين , وله فيهما المقام المحمود , وفي بعض أيام صفين قال لأبيه عليه السلام :أبه لم لم تأذن لأخوي الحسنين بالبراز وتأذن لي ؟ فقال له عليه السلام : أن الحسن والحسين عيناي , وأنت يميني , فأنا ادافع على عيني بيميني .
وكان عالماً , فقيهاً , منطقياً , فارساً , شجاعاً , يكفي من شجاعته ما ظهر منه يوم الجمل وصفين , ويكفي من بلاغته خطبته المشهورة يوم صفين , وحتى أن

ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 100

جماعة إلى الان يدّعون بإمامته وهم «الكيسانيّة» وبزعمهم أنه لم يمت وأنه حي يرزق , وانه مقيم «بجبل رضوي» وأنه هو المهدي من آل محمد , وأما من طرقنا فإن محمد بن الحنفية مات ودفن «بابلة» أو «بالطائف» (2) وفي بعض الأخبار بالمدينة , مات وله من العمر خمس وستون سنة (3) .
وكان يحبّ الحسين حبّاً جمّاً , ولمّا علم أن الحسين عازم على الخروج من المدينة أقبل إليه وقال له : يا أخي أنت أحب الناس إلي , وأعزّهم علي , ولست والله أدخر النصيحة لأحد من الخلق [إلا لك] (4) , وليس أحد أحق بها منك , (لأنك زاج مائي ونفسي , وروحي وبصري , وبكير أهل بيتي , ومن وجبت طاعته في عنقي , لإن الله قد شرفك علي وجعلك من سادات أهل الجنة) (5) , تنح ببيعتك عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت , ثم أبعث رسلك إلى الناس على فادعهم إلى نفسك , فإن بايعك (6) الناس حمدت الله على ذلك , وان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروئتك ولا فضلك , أخي إني أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الامصار فيختلف الناس بينهم , فطائفة معك واخرى عليك , فيقتتلون فتكون لأول الأسنة غرضاً , فإذا خير هذه الامة كلها نفساً وأبا وامّا اضيعها دماً وأذلّها أهلاً .
(1) انظر : رجال الكشّي : 94/149 و96/152 و127/204 , وانظر : المعارف لابن قتيبة : 622 , والملل والنحل : 1/131 , وفرق الشيعة : 26 ـ 31 , والفرق بين الفرق : 38/52 , وتعليقة الوحيد البهبهاني : 410 .
(2) انظر : محمد بن الحنفية ـ للمؤلف ـ ص 82 .
(3) انظر : كانت وفاته سنة احدى وثمانين في ايام عبد الملك بن مروان . محمد بن الحنفية ـ للمؤلف .
(4) أثبتناها من المصدر .
(5) ما بين القوسين لم يرد في نسختنا من المصدر .
(6) في المصدر : تابعك .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 101


فقال له الحسين عليه السلام : «فأين أذهب يا أخي؟» . قال : تخرج الى مكة فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك وإلا خرجت إلى اليمين , فإنهم أنصار جدّك وأبيك , وهم أرأف الناس وأرقهم قلباً وأوسع الناس بلاداً , فإن إطمأنت بك الدار فذاك وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال , وجزت من بلد الى بلد حتى تنظر ما يؤل إليه أمر الناس , ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين , فإنك أصوب ما تكون رأياً حين تستقبل الأمر استقبالاً .
فقال الحسين عليه السلام : «يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية» . فقطع محمد بن الحنفية كلامه وبكى , وبكى الحسين معه ساعة ثم قال : «يا أخي جزاك الله خيراً فقد نصحت وأشفقت , وأرجوا ان يكون رأيك سديداً موفقاً , وانا عازم على الخروج إلى مكة , وقد تهيأت لذلك انا وأخوتي وبنو إخي , وشيعتي أمرهم أمري , ورأيهم رأيي , وأما انت فلا عليك الّا ان تقيم بالمدينة فتكون عيناً عليهم , ولا تخفي عني شيئا من امورهم (1) .
ثم دعى الحسين عليه السلام بدوات وبياض وكتب هذه الوصيّة لإخيه محمد بن الحنفية :
بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أوصي به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه المعروف «بابن الحنفية»...
«إن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وان محمداً عبده ورسوله , جاء بالحق من عند الحق , وأن الجنة حق , وأن الساعة آتية لا ريت فيها , وأن الله يبعث من في القبور , وإني لم أخرج أشراً ولا بطراٍ ولا مفسداً ولا ظالماً , وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي محمد صلى الله عليه واله وسلم أريد أن آمر بالمعروف
(1) انظر : إرشاد المفيد : 2/34 ـ 35 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 102

وأنهي عن المنكر وأسير بسيرة جدي محمد صلى الله عليه واله وسلم وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام , فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق , ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين , هذه وصيتي يا أخي إليك , وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب».
ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمه , ودفعه إلى أخوه محمد بن الحنفية ثم ودّعه وخرج من عنده (1) .
أقول : وصايا الحسين عليه السلام أربع , الاولى : الّتي أوصى بها محمد بن الحنفية كما مرّ آنفاً , أوصاه بالنسبة الى شؤون المدينة وأن يراسله في أمرها , وأن يكون عيناً له عليها .
والوصية الثانية : الّتي أوصى بها ولده السجّاد وهي بالنسبة للإمامة نصبه علماً للناس وإماماً من بعده وسلّمه مواريث الأنبياء (2) .
أمّا الوصيّة الثالثة : أوصى بها اخته الحوراء زينب ليلة العاشر من محرم , فقد قال لها : اخيّة إذا أنا قتلت فلا تسقّي علي جيباً ولا تخمشي علي وجهاً ... إلى آخرها (3) .
وأما الوصية الرابعة : أوصى بها شيعته جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة , وذلك ما روي عن سكينة بنت الحسين قالت : لما رميت بنفسي على جسد أبي الحسين أشمّه واوّدعه , سمعت الكلام يخرج من منحر أبي الحسين وهو يقول : «بني سكينة إقرأي شيعتي عني السلام وقولي لهم إن أبي الحسين قتل عطشاناً وقيل عن لسانه :
(1) محمد بن الحنفية ـ للمؤلف ـ ص 60 .
(2) اسرار الشهادات للفاضل الدربندي : 2/779 ـ784 .
(3) أسرار الشهادات للفاضل الدربندي : 2/225 , نقلها عن الإرشاد للشيخ المفيد : 2/93 ـ 94 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 103

شيعتي مهما شربتم عذب ماء فاذكروني أو سمعتم بقتيل أو شهيد فانـدبـوني
وأنا السبط الذي من غـير جرم قـتلوني وبجرد الخيل بعد القتل عمداً سحقوني
صرت استسقي بطفلي فأبوا أن يرحموني (1)

وقال المؤلف مخمساً بيتين من قصيدة الشيخ صالح العرندس :
أيا زائراً قبراً على العرش قد علا تضمّن سبط المصطفى خيرة الملا
اسل دمـعـك القاني وقل متمثّلا أيـقـتل عطـشاناً حـسين بكربلا
وفي كل عضو من أنامله بحر
فمن مبلّغ الزهراء بضعة احمد قضـى نـجلها ظام بمصارم ملحد
أيـقضي ظماً سبط النبي محمد ووالده الساقي على الحوض في الغد
وفاطمة ماء الفرات لها مهر (2) (3)
(1) أسرار الشهادات للفاضل الدربندي :3/282 .
(2) ديوان الهاشميات للمؤلف رحمه الله : 69 ـ 70 .
(3) ولسان حال الزهراء عليها السلام إلى ولدها ليلة الحادي عشر من المحرم :

(نصاري)

شافت الزهرة احسين محزوز الوريدين ليلة اهد عشر وهي صاحت آه يحسين
ما لومك او لشرة عليك او لا اعـتـبـك ارخصت هالروح العزيزة الدين ربّك
يبني أريد أشبگك وحط گلبي فوگ گـلبك وبچي ونادي ساعدوني يلمـحـبـين
شلتك ابطني تسعة اشهر يا جـنـيـني وسهرت ليلي او سيدتك عن يـمـيني
تالهيا مرمي اعله الثرى تنظرك عـيني عگب الدلال اعلى الترب اتنام يحسين
يحسين يبني مصرعك گطع اگلـيـبـي يا ريت دونك يذبحني يا حـبـيـبي
ابروحي فديتك واشربت صافي حلـيـبي او برباك يوليدي اسهرت يا گرّة العين

(تخميس)

قضى ظامياً ما ذاق للماء برده بحرّ هجير تصهر الشمس خـدّه
فوالله لو يوماً تقومين بعده
إذا للطمت الخـدّ فاطم عـنده وأجريت دمع العين في الوجنات
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 104


المطلب التاسع عشر
في كيفية خروج موسى من مدينة فرعون
وخروج الحسين عليه السلام من مدينة جدّه صلى الله عليه واله وسلم

كان خروج الحسين بن علي عليه السلام من المدينة يوم الأحد ليومين بقين من رجب سنة ستين من الهجرة , وكـان خرجه ليـلاً خائفاً يتكتّم (1) , كما قال المرحوم السيد جعفر الحلّي رحمه الله في قصيدته الغرّاء الميمية :
خرج الحسين من المدينة خائفاً كخروج موسى خائفاً يتكتّم (2)

ولكن هناك فرق عظيم بين خروج الحسين عليه السلام وخروج موسى عليه السلام , خرج من مدينة فرعون شرّ خلق الله والحسين عليه السلام خرج من مدينة جدّه صلى الله عليه واله وسلم خير خلق الله , وموسى خرج خائفاً على نفسه , والحسين عليه السلام خرج خائفاً من ان يقتل بالمدينة وتهتك حرمة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وموسى عليه السلام خرج وحده لم تكن معه عائلة ولا أطفال والحسين عليه السلام خرج بعيالاته وأطفاله ؛ قالت سكينة : خرج أبي بنا في ليلة ظلماء , وما كان أحد أشدّ خوفاً منّا .
(1) إرشاد المفيد : 2/34 .
(2) ديوان السيد جعفر الحلي رحمه الله .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 105


وموسى عليه السلام لمّا وصل إلى «مدينة شعيب» أمن ونجا , والحسين عليه السلام لمّا وصل إلى «مكّة» حرم الله وبيته لم يأمن على نفسه من القتل لأن يزيد بن معاوية كان قد دسّ له من الحاج ثلاثين شيطاناً من شياطين بني امية وقال لهم : اقتلوا الحسين أينما وجدتموه ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة .
موسى عليه السلام لمّا وصل ألى «مدين» وجد بنتي شعيب على البئر يسقيان , فسقى لهنّ وكان الدلو لا يجره إلا عشرة فجره , وقد حكى الله ذلك في محكم كتابه المجيد :« ولمّا ورد ماء مدين وجد عليه امة من الناس يسقون ووجد من دونهم إمرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرّعاه وأبونا شيخ كبير * فسقى لهم ثم توّلى إلى الظلّ» ـ وكان جائعاً خائفاً «فقـال ربّ إنّي لمّـا أنزلت إليّ من خير فقير» (1)فأقبلتا إلى أبيهما بالماء وقد أسرعتا في الرجعة , وتعجّب شعيب وقال : أسرعتنّ ؟! فقالت إحداهنّ : إن رجلاً صفته كذا وكذا سقى لنا قبل الناس ؛ فبعث إحداهنّ خلفه , وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله عزّ إسمه العظيم «فجآءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك» فمشى خلفها وجاءت الريح فحملت ثوبها فأدار موسى عليه السلام وجهه عنها , وقال لها : إمشي خلفي ورام لي الحصاة على الطريق فإنا قوم لا ننظر على أعجاز النساء ؛ فصارت تمشي خلفه ـ «فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين» (2) .
فموسى عليه السلام إستسقى بطريقة لبنات شعيب , والحسين عليه السلام سقى في طريقه الحرّ وأصحابه الذين كانت عدّتهم ألف فارس عدا خيولهم ؛ موسى عليه السلام لمّا قصّ
(1) سورة القصص 28 : 23 , 24 .
(2) سورة القصص 28 : 25 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي