ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 106

على شعيب قصّته وهو خائف قال له : «لا تخف نجوت من القوم الظالمين» , والحسين عليه السلام لمّا قصّ قصّته للحرّ عند التوجه إلى العراق جعجع به الحرّ وارعبت العائلة ؛ قال أرباب التفسير :
ولمّا جاء موسى إلى شعيب ورغبت فيه إحدى إبنتيه كما حكى الله تعالى ذلك «قالت إحداهما يأبت استأجره إنّ خير من استأجرت القويّ الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثمانية حجج » (1)
والعلّة في خدمة موسى عليه السلام لشعيب ـ وهو كليم الله ـ هي : أن شعيب عليه السلام بكى من خشية الله حتى ذهب بصره فأعاد الله عليه بصره , فبكى ثانية فذهب بصره فأعاد الله عليه بصره ثلاثاً , فأوحى الله : «يا شعيب ممّ بكاءك طمعاً في جنّتي أعطيتك إياها , أو خوفاُ من ناري أمنتك» ؛ فقال [شعيب] : «ربّي لا ذا ولا ذاك , ولكن رأيتك أهلاً أن تخشى» , فأوحى الله اليه : «وعزّتي وجلالي لأخدمنّك كليمي موسى» .
«فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطّور ناراً قال لأهله امكثوا» ـ وكانت زوجته حاملة ـ «إنّي آنست ناراً لعلّي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلّكم تصطلون» (2) .
ويروى في ذلك الحين كان قد أخذها الطلق , فلمّا مضى الى النار وأراد أن يقتبس منها مالت عليه فولّى هارباً , وإذا بالنداء : «يا موسى إني أنا الله رب
(1) سورة القصص 28 : 27 .
(2) سورة القصص 28 : 29 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 107

العالمين » (1) وما أحسن ما قيل من باب المثل في ذلك : «ربّ أمر ليس يرجى لك في الغيب يخبي» , إن موسى عليه السلام راح كي يطلب ناراً فتنّبى , وإذا بتلك النار هي نور الجلالة فبعثه الله الى فرعون .
أقول : خاف موسى عليه السلام من تلك النار بمجرّد أن رأى الميلان صار عليه وهرب منها , والحسين عليه السلام مالت عليه سيوف أهل الكوفة ورماحهم يوم «عاشوراء» ونار الحرب تستعر فلم يرع منها , بل كان ثابت الجنان , رابط الجأش , حتى شهد له العدو بذلك , فقال بعضهم : «والله ما رأينا مكثوراُ قط قتل ولده وأهل بيته أربط جأشاً من الحسين عليه السلام , ولقد كان يشد علينا وقد تكاملنا ثلاثين ألفاً فننكشف من بين يده إنكشاف المعزى إذا شدّ فيه الذئب , وهو يقول : والله لا اعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد».
فأبى أن يعش إلا عـزيزاً أو تجلى الكفاح وهـو صـريع
فتلقّى الجموع فـرداً ولكن كل عضو في الروع منه جموع
زوج السيف بالنفوس ولكن مهرها الموت والخضاب النجيع (1)
(1) سورة القصص 28: 30.
(2)
لاح ابظهر غوجه احسين او سل سيفه وتعنّه الگوم
صـكـها الحيد وراواها انجوم الظـهر ذاك اليوم
تجـلـّى الـغـيم من سيفه او تموت العده امن اتشوفه
خطفها وخطف منه الروح ومن الـخـوف مخطوفه
بـرض الغاضريّه احسين ابـد ما تـرك بالـكوفه
بـيـت الله الـنوايـح بيه تنوح ومـگدر او مهموم
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 108

لا چـن لولـه ما يـنزل امن الـباري الـعهد لحسين
نــاداه الــوعد ويـنه او گـال انـچان هذا الدين
أبـد ما يـستقيم الّه بچتلي اخذينـي يا سـيوف الحين
يـسـيوف الـعده او دارت علـيه وكـل كـتر ملزوم
حـاطـت بـيه بس ترميه بحـجار او نـبل وسـهـام
هـذا ايـطعنه بالـخـطي او ذاك ايـضربه بالصمصام
حـال العـطش عن شوفه او عن المـاي بالطّـف صام
مـن كـثر الـنبل والزان ما يـگدر يـولـي ايـگوم
الـف وتـسعميت اصواب الـمـثـلث مـرد گـلـبه
او وگـع للـگاع ابو اليمه وعلـيه الديـنـا منـجـلبه
گطع راسـه الشمر بالسيف او فزعـوا كـلهـم الـسلبه
او لامت حربه سلـبـوها او عليه ما تركو مـن اهـدوم
عليه ما تركـو مـن ثياب وموسـد عـلى الـتـربـان
ورضّـت خـيلـهم جسمه او راسـه عـلى سنان اسنان
ظـل عـاري ثـلث تـيّام ابـلياليها او گـضه عطـشان
او مـاي الـعذب مـهر امّه او مـن عـنده انـچتل محروم

(تخميس)

أيـقـتـل ضمآناً حسين بـكربلا وفي كل عضو من أنامله بحر
ووالده الساقي على الحوض في غد وفاطمة ماء الفرات لها مهر
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 109


المطلب العشرون

في خروج الحسين عليه السلام من المدينة ودخوله مكة المكرمة

قال الشيخ المفيد رحمه الله : فسار الحسين عليه السلام [من المدينة] إلى مكة [وهو يقرأ] (1) : «خائفاً يترقب» ـ وهو يقول ـ «ربّ نجني من القوم الظالمين» (2) ولزم الطريق الأعظم , فقال له أهل بيته : [لو تنكبت الطريق الأعظم كما صنع ابن الزبير] (3) لئلا يلحق الطلب , فقال : [لا والله لا افارقه حتى يقضى الله ما هو قاض].
ولمّا دخل [الحسين] (4) مكة المشرفة , وكان دخوله إياها يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان [سنة ستين من الهجرة] (5), ودخلها وهو يقرأ: «ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربّي أن يهديني سواء السبيل» (6) ثم نزل بها (فأقام بقية شعبان
(1) ما أثبتناه من المصدر .
(2) سورة القصص 28 : 21 .
(3) ما أثبتناه من المصدر , وفي الأصل : خلّ عن هذا ...
(4) ما أثبتناه من المصدر .
(5) لم ترد في المصدر , وأثبته المؤلف رحمه الله نقلاً عن الملهوف للسيد إبن طاووس : 101 .
(6) سورة القصص 28 : 22 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 110

وشهر رمضان وشوال وذي القعدة وثمان ليال خلون من ذي الحجة) (1) (وكان الناس يختلفون إليه وكان عبدالله) (2) بن الزبير (3) بها قد لزم جانب الكعبة [فهو قائم يصلي عندها ويطوف , ويأتي الحسين عليه السلام فيمن يأتيه , فيأتيه اليومين المتواليين , ويأتيه بين كل يومين مرة] (4) , وصار الحسين أثقل خلق الله لأنه يعلم إن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين عليه السلام موجوداً بمكة , وأن الحسين أطوع للناس منه وأجلّ وأشرف (5).
وكان ابن الزبير يسمى [حمامة الحرم] لأنه يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وكان [ضبّ خب] (6) كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «بنصب الآخرة حبائل للدنيا ويروم أمر فلا يدركه] (7). وكان يتردد على الحسين عليه السلام بين اليوم واليومين , ويقول له : يا أبا عبدالله إن أهل الكوفة شيعتك وشيعة أبيك ؛ وكان الحسين عليه السلام يعرض عنه فالتفت إليه ابن عباس يوماً وقال : يابن الزبير تريد أن يخلو لك
(1) ما بين القوسين من المؤلف رحمه الله , لم ترد في المصدر , وأثبتها عن السيد ابن طاووس :101 .
(2) ما بين القوسين من المؤلف رحمه الله , وفي المصدر : وأقبل أهلها يختلقون إليه , ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق , ...
(3) ولد عبدالله بن الزبير بعد الهجرة بعشرين شهراً ـ كما ذكر الواقدي ذلك ـ وكان يكنى : ابا بكر , وابا حبيب , قتله الحجاج بعد أن حاصره بمكة وقد أصابته رمية فمات بها , وكان بخيلاً , وهو صاحب المثل «اكلتم تمري , وعصيتم أمري» حتى قال فيه الشاعر :
رأيت أبا بكر وربّك غالب على أمره , يبغي الخلافة بالتمر

قتل وهو ابن ثلاث وسبعين سنة , وصلب حيث اصيب .
(4) ما أثبتناه من المصدر , لعلّه سقط في الأصل .
(5) إرشاد المفيد : 2/35 .
(6) يقال : رجل خبّ ضبّ ـ أي ـ مراوغ , والضب ـ أيضاَ الحقد الخفي .
(7) الظاهر من كلامه عليه السلام [انّه] يروم الخلافة فلا يحصل عليها , وهذه من المغيبات التي أخبر عنها أمير المؤمنين عليه السلام .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 111

الحجاز من الحسين ؟ ثم التفت إلى الحسين عليه السلام وقال له : «يا ابن العم إنّي أتصبر ولا أصبر , أنت سيد أهل الحجاز فأقم في هذه البلد , وإن أبيت إلا أن تخرج فاخرج الى اليمن فإنهم أنصار جدّك وأبيك , وهم أرق الناس عليك فإني أخاف عليك أن تقتل ونساؤك واطفالك تنظر إليك» . فقال الحسين عليه السلام: إنّ جدّي رسول الله قد أمرني بأمر وأنا ماض فيه» (1)
ثم قال له عبدالله بن الزبير : يابن رسول الله قد حضر الحج وأنت ماض إلى العراق ؟ فقال عليه السلام : «لإن ادفن بشاطئ الفرات أحب إلي من أن ادفن بفناء الكعبة , فإن أبي حدثني أنّ بها كبشاً يستحلّ حرمتها , فما أحب أن أكون ذلك الكبش» (2).
قال السيد ابن طاووس رحمه الله في «الملهوف» : وجاء إليه محمد بن الحنفية فأجابه مثل ما أجاب عبدالله بن عباس (3), ، وجاءه عبدالله بن عمر (4)فأشار عليه بصلح أهل الضلالة وحذره من القتل والقتال , فقال عليه السلام : «يا أبا عبدالرحمن أما علمت أنّ من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا اهدي إلى بغي من بغايا
(1) انظر الملهوف للسيد ابن طاووس : 101
(2) وهذه من المغيبات التي أخبر عنها امامنا أمير المؤمنين عليه السلام , فإن ابن الزبير حوصر بمكة خمسة أيام ـ حاصره الحجاج ـ ثم قتل في البيت , فكان هو الكبش , وأمر به الحجاج فصلب بمكة , وكان مقتله يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة خلت من جمادي الأول سنة (73 هـ)
انظر : تاريخ ابن الأثير : 4/135 , تاريخ الطبري : 7/202 , فوات الوفيات : 1/210 , تاريخ الخميس : 2/301 , الأعلام للزركلي : 4/87 , شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :
(3) ابن عباس , حبر الأمة والصحابي الجليل رضي الله عنه , ولد بمكة ولازم الرسول صلى الله عليه واله وسلم وروى عنه , وشهد مع أمير المؤمنين عليه السلام الجمل وصفين ونهروان , كف بصره في آخر عمره وسكن الطائف وتوفي بها سنة (68 هـ) . انظر : الإستيعاب , والإصابة , وصفة الصفوة : 1/314 , حلية الاولياء : 1/314 , نسب قريش : 26 , المحبر : 98 , الأعلام للزركلي : 4/95 .
(4) عبدالله بن عمر : وكنيته أبو عبدالرحمن , آخر من توفي بمكة من الصحابة , وكانت ولادته بمكة . انظر : الإصابة , الإستيعاب , طبقات بن سعد : 4/105 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 112

بني إسرائيل , أما تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يفعلوا شيئا , فلم يجعل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام , اتّق الله يا أبا عبدالرحمن , ولا تدع نصرتي».
وقال : وسمع أهل الكوفة بقدوم الحسين عليه السلام إلى مكة وامتناعه من البيعة ليزيد , فاجتموا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي , فلما تكاملوا قام [سليمان] فيهم خطيباً , وقال في آخر خطبته :
«[يا معشر الشيعة] , إنكم قد علمتم بأن معاوية قد هلك , وقد قعد في موضعه إبنه يزيد [شارب الخمور والضارب بالطنبور] , وهذا الحسين بن علي عليه السلام قد خالفه وجاء الى مكة , وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبل , فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدون دونه , فاكتبوا إليه وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل» .
قال : فأجابوه بأننا نبايعه ونجاهد عدوّه , فقال : إذاً اكتبوا إليه كتاباً ؛ فكتبوا إليه
بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الحسين بن علي بن أبي طالب .
من سليمان بن صرد الخزاعي (1), والمسيب بن نجبة (2) ورفاعة بن
(1) تقدّمت ترجمته عن المؤلف رحمه الله , وذكرنا هناك مصادر ترجمته .
(2) المسيب بن نجمة الفزّاري : تابعي , وشهد القادسية وفتوح العراق , وشهد مع أمير المؤمنين عليه السلام حروبه الثلاثة , وكان شجاعاً مقداماً , ومتعبداً ناسكاً , ثار مع التوابين في طلب دم الامام الحسين عليه السلام , واستشهد مع سليمان بن صرد الخزاعي بالعراق في وقعة «عين الوردة» , وحمل رأسيهما إلى مروان بن الحكم (لعنه الله) , وكان الذي حمل رأسيهما هو
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 113

شدّاد (1), وحبيب ابن مظاهر , وعبدالله بن وائل , وشيعته من المؤمنين . سلام الله عليكم .
أما بعد , فالحمدلله الذين قصم عدوّكم عدوّ أبيك من قبل , الجبار العنيد الغشوم الظلوم , الذي ابتزّ هذه الامة أمرها , وغصبها فيأها , وتأمّر عليها بغير رضى منها , ثم قتل خيارها واستبقى شرارها , فبعداً له كما بعدت ثمود وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها , فبعداً له كما بعدت ثمود .
ثمّ أنّه ليس علينا إمام غيرك , فأقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الحق , والنعمان في قصر الامارة , فإنّا لا نجتمع معه لا جمعة ولا جماعة , ولا نخرج معه إلى عيد، ولو بلغنا قدومك لأخرجناه حتى يلحق بالشام، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (2).
قال أهل السير : وجعلت الكتب تترى على الحسين عليه السلام ومن اهل الكوفة حتى ملأ منها خرجين (3), وإلى ذلك أشار الشاعر بقوله :
قد بايعوا السبط طوعاً منه ورضى وسيّروا صحفاً بالنصر تبتدر
أقـدم فإنا جـميعاً شـيعة تـبـع وكلّنا ناصر والكل مـنتـظر
أقبل وعجّل قد اخضرّ الجناب وقد زهت بنظرتها الانهار والثمر
أدهم بن بحير الباهلي (لعنه الله) وكانت وقعة «عين الوردة» في أول ربيع الآخر سنة (65 هـ ) . انظر : الكامل في التاريخ لابن الأثير : 4/68 و الإصابة : رقم (8424) , الإعلام للزركلي : 7/225 , تاريخ من دفن في العراق من الصحابة (للمؤلف رحمه الله) : 220 (آخر ترجمة : سليمان بن صرد الخزاعي). (1) رفاعة ابن شداد البجلي :
(2) الملهوف على قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس :102 ـ 105 .
(3) الأخبار الطوال للدينوري : 229 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 114

أنت الامام الذي نرجوا بطاعته خلد الجنان اذا النيران تستعر
لا رأي للناس إلّا فيك فـأت ولا تخشى اختلافاً ففيك الامر منحصر
وأثموه إذا لم يـأتـهم فـأتـى قوماً لبيعتهم بالنكث قد خفروا
فعاد نصرهم خـذلاً وخـذلـهم قتلاً له بسيوف للعدى ادّخروا
يا ويلهم من رسول الله كم ذبحوا ولداً له وكريمات له أسـروا

وكان آخر كتاب قدم عليه مع هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي , فضّه وقرأه وإذا فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم

من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين
أما بعد , فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم إلى غيرك , فالعجل العجل يابن رسول الله , فقد احضر الجناب , وأينعه الثمار , وأعشبت الأرض , وأورقت الاشجار , فأقدم علينا إذا شئت , فإنما تقدم على جند لك مجنّدة , والسلام عليك وعلى أبيك من قبلك ورحمة الله وبركاته .
فقال الحسين عليه السلام للرسول وهو هانئ بن هانئ السبيعي : «اخبرني من هؤلاء الذين كتبوا إلي هذه الكتاب ؟» قال : يابن رسول الله هم شيعتك , فقال عليه السلام : من هم ؟ قال : شبث بن الربيعي , وحجّار بن أبجر , ويزيد بن رويم , وعروة بن قيس , وعمر بن الحجاج الزبيدي (1) , وهؤلاء كلهم من اعيان الكوفة .
(1) الملهوف على قتلى الطفوف للسيد بن طاووس : 105 ـ 107 , وفي الأخبار الطوال للدينوري : شبث بن ربيعي وحجار بن ابجر ويزيد بن الحارث وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج ومحمد بن عمير بن عطارد , وكان هؤلاء الرؤساء من أهل الكوفة ... ؛ انظر ذلك ص 229
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 115


اقول هؤلاء كلهم حضروا يوم الطف ورأوا الحسين عليه السلام يستغيث فلا يغاث , ويستجير فلا يجار , فما نصروه وما أجابوه , بل أعانوا عليه , أما شبث بن الربيعي فإنّه قال لابن سعد : يا أمير آمر العسكر أن يفترق عليه أربعة فرق ضرباً بالسيوف , وطعناً بالرماح , ورمياً بالسهام , ورضخاً بالحجارة ؛ فافترقوا على الحسين اربعة فرق كما أشار شبث بن ربعي على ابن سعد , وهؤلاء ايضاً كلهم هجموا على خدره وانتهبوا ثقله واحرقوا خيمه وروّعوا عياله وأطفاله .
ومخـدرات من عقائل أحمد هجــمت علـيه الخيل في أبياتها
وحائرات اطال القوم أعينها رعباً غدات عليها خدرها هجموا (1)
(1) وزينب عليها السلام كأني بها تخاطب أخاها الحسين عليه السلام بلسان الحال :

(ابوذية)

الحراير من لهيب النار هاجن ولعد جسمك يبو السجّاد هاجن
يگـلّنـك علـينه الليل هاجن وانته اموسـّد الغبرة رمـيـّه
* * *
يخوية النار بوسط الخيم تنهاب او وصلت خيلهم للخدر تنهاب
الماعدها عشيرة اشلون تنهاب يليث الغاب ما تـلـحك عليه

(طور عبود غفلة)

يفترن خوات احـسين من خيمه لعد خيمه
ينخن وين راحو اوين ما مش بالكفر شيمه
كل خيمة تشـب ابـنار ردن ضـربن الهيمة
و السجاد اجو سحـبـوه ودمعه اعلى الوجه ساله

(تخميس)

قلّبوه عن نطع مسـجّى فوقه فبكت له أملاك سـبع شداد
ويصيح وا ذلاه أين عشيرتي وسراة قومي أين أهل وداد
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 116


المطلب الحادي والعشرون
في خطبة الحسين عليه السلام قبل خرجه من مكة المشرفة


لقد دمعت عيون البيت حزناً لفقد منى قلوب العارفينا
وطافت طائفوه طواف ثكلى وقد لبسوا السواد ملهّفينا
وكانت تـلبياتهم رثا رثاءاً لسبط كان خير الناسكينا
فقد هـا هنـا قصراً مشيداً وبيت العزّ والبلد الأمينا
فقد ها هـنـا كهف الايامى وسور المحتمين طور سينا (1)

روي السيد في اللهوف وغيره قال :
لمّا همّ الحسين عليه السلام ان يتوجه الى العراق قام خطيباً في أصحابه فقال :
«الحمد لله ماشاء ولا حول ولا قوة إلا بالله , وصلى الله على رسوله محمد وآله أجمعين , خط الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة , وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف , وخيّر لي مصرع أنا لاقيه , وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء , فيملأن مني اكراشاً جوفاً وأجربة سغباً , لا محيص عن يوم خطّ بالقلم , رضى الله رضانا أهل البيت , نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين , حين تشذّ عن رسول الله لحمته , وهي
(1) هنا أشار عليه السلام إلى ابن الزبير , فإن تقتله هتك حرمة الحرم , وهذه من معيباته التي أخبر عنها عليه السلام
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 117

مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده» .
ثم قال عليه السلام : «ألا ومن كان فينا باذلاً مهجته موطناً على لقاء الله نفسه فاليرحل معنا فإني راحل مصبحاً انشاءالله تعالى» (1) .
قال أرباب التاريخ : وجاء كتاب من ابن عمه مسلم بن عقيل من الكوفة مع عابس بن شبيب الشاكري يقول فيه :
«أما بعد , فإن الرائد لا يكذب اهله وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألف رجل , فعجّل الإقبال حين وصول كتابي , فإن الناس كلهم معك , وليس لهم في آل معاوية «آل أبي سفيان» رأي ولا هوى والسلام» (2) .
وروي محمد بن داود القمي إسناده عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال : «وجاء بن الحنفية الى الحسين في الليلة التي اراد الحسين الخروج من صبيحتها من مكة فقال له : يا أخي أن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك , وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى , فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم وأمنعه» فقال له : يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم , فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت (3) .
فقال له ابن الحنفية : فإن خفت ذلك فصر إلى اليمين أو بعض نواحي البرّ , فأنك أمنع الناس به , ولا يقدر عليك أحد . [فقال الحسين عليه السلام] (4) : أنظر فيما قلت .
ولما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام , فبلغ ذلك محمد بن الحنفية فأتاه
(1) الملهوف في قتلى الطفوف للسيد بن طاووس : 126 .
(2) الاخبار الطوال : 243 .
(3) هنا أشار عليه السلام إلى بن الزبير , فإن يقتله هتك حرمة الحرم , وهذه من مغيباته التي أخبر عنها عليه السلام .
(4) أثبتناه من المصدر , والظاهر أنه سقط في الاصل .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 118

وأخذ بزمام ناقته التي ركبها , وقال له : يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال : بلى , قتل : إذاً فما حداك على الخروج عاجلاً ؟ فقال له : يا أخي أتاني رسول الله بعد ما فارقتك وقال لي : يا حسين اخرج قد شاء الله أن يراك قتيلاً , فقال ابن الحنفية : إنا لله وإنا إليه راجعون , أخي إذاً فما معنى حملك هذه النسوة وأنت تخرج على مثل هذه الحالة والصفة ؟ قال له : أخي قد شاء الله أن يراهن سبايا على اقتاب المطايا» (1) .
أخـي إن الله شـاء بـأن يـرى جسمي بفيض دم الوريد مخضّبا
ويرى النساء على الجمال حواسراً أسـرى وزيـن العـابدين سليباً
فاكـفـف فـقد حطّ القضاء بأنني أمسي بـعرصـة كربلاء غريبا

وفي رواية أخرى قال له : «أخي اناشدك الله أن لا تسير إلى قوم غدروا بأبيك سابقاً , وغدروا بأخيك لاحقاً , وأبقوا عدوكم , فأقم في حرم جدّك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وإلا فارجع إلى حرم الله , فإن لك فيها أعواناً كثيرة , فقال له : «لابد من المسير الى العراق» , فقال له محمد إنه ليفجعني ذلك , ثم بكى وقال : والله يا أخي لا أقدر ان أقبض على قائم سيفي ولا أقدر على حمل رمحي , ثم لا فرحت بعدك أبداً» . ثم ودّعه وسار الحسين عليه السلام .
قال الراوي : وعند خرجه من مكة لقيه رجل من أهل الكوفة يكنّى أبا هرة الازدي , فسلم عليه ثم قال له : يا بن رسول الله من الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟ فقال له عليه السلام : «ويحك يا أبا هرة إن بني امية أخذوا مالي فصبرت , وشتموا عرضي فصبرت , وطلبوا دمي فهربت , وايم الله ان تقتلني الفئة الباغية , وليلبسنّهم الله ذلاً شاملاً , ويرسل عليهم سيفاً قاطعاً , وليسلّطنّ عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ أذ ملكتهم إمرأة فحكمت في
(1) الملهوف للسيد ابن طاووس رحمه الله : 127 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 119

أموالهم ودمائهم» (1) قال : ثم ودّعه وسار الحسين عليه السلام ومن معه قاصدين العراق (2) .
ومقوّضين تـحمـلوا وعلى مسراهم المعروف محتمل
وكبوا إلى العز الردى وحدى للموت فيهم سائق عجـل
وبهم ترامـت لـلعلى شرفاً أبل المنايا السود لا الإبل
نزلوا بأكناف الطفوف ضحى وإلى الجنان عشية رحلوا (3)
(1) كلما ذكره الحسين عليه السلام لأبي هرة جرى على أهل الكوفة من قبل المختار وأضرابه .
(2) الملهوف للسيد بن طاووس رحمه الله : 132 .
(3)

(نصاري)

سار احسين واصحابه بلضعون وصلوا كربلا ووچب الميمون
ركب ستة افراس امن اليـسجون وگفوا وانشد اجموع الـحـمية
شسم هالگاع گالوا شـاطي الفرات وسمها نينوى والغـاضـريات
رد انـشـد وگالوله المـسنـات ورض لعراگ يا شبل الزچيّـه
بـچه اوگلهم دمع العين مذروف هم الها اسم گالوله الطـفـوف
رجع سايل اسمها البيها معروف سكتوا والدموع اتـكـت هـيه
ناده احـسين والـيكم ترونـه سايلكم وشو مـتـجـاوبـونه
گالـوا كـربلا واهـلّت اعيونه او تحسّر والگلب نـاره سرّيه

(دكسن)

صاح احسين يصحابي انزلونه ابهاي الگاع كلنه ايذبـحونه
او بس يبگه علي ويـگـيدونه او طفلي ينذبح ما بين ايـديه
يگومي ابهاي يتشتت شـملنه او نبگه بالشمس والدم غسلنه
او تسبى احريمنا او تندب يهلنه چه ترضـون نـتيسّر هديّه

(تخميس)

يا من إذا ذكرت لديه كـربلا لطم الخدود وللمدامع اهـملا
مهما مررت على الفرات فقل ألا
بعداً لشطّك يا فرات فمرّ لا تخلوا فإنك لا هني ولا مري
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 120


المطلب الثاني والعشرون
في استنصار الحسين عليه السلام

إسنتصر الحسين عليه السلام جماعة في طريقه الى كربلاء , وألقى عليهم الحجج وحذّرهم من سماع واعيته , وكان استنصاره لهم تارة بلسانه , وتارة بإرسال رسول من قبله إلى من يستنصره , وتارة بالكتب , ومنهم من أجاب ورزق الشهادة معه , وسعد في الدارين بل وحضى السعادة الأبدية , ومنهم من اعتذر بتجارة له , ومنهم من لم يجبه على ذلك بشئ وبعدها أسف وندم على ما فاته من فضل الشهادة , فالذي أجاب الحسين عليه السلام لما دعاه لنصرته هو «زهير بن القين البجلي رحمه الله» , وأرسل عليه الحسين أثناء الطريق وطلب منه النصرة , فأجاب ورزق الشهادة وحظى بالسعادة والذي اعتذر بتجارته هو «عمرو بن قيس المشرفي» ـ كما ذكره صاحب أسرار الشهادات ـ قال عمرو :
دخلت على الحسين عليه السلام أنا وابن عم لي وهو في «قصر بني مقاتل» فسلُمنا عليه , فقال له ابن عمي : يا أبا عبدالله هذا الذي أرى خضاب أو شعرك ؟ فقال [عليه السلام] : «خضاب , والشيب إلينا بني هاشم يعجل» , قال : ثمّ أقبل عليه السلام علينا , وقال : جئتما لنصرتي؟ قال عمرو : وقلت له : سيدي إني رجل كبير السن , كثير الدين , كثير العيال , وفي يدي بضائع للناس ما أدري ماذا يكون من أمرك , وأكره أن اضيع أمانتي , وقال له ابن عمي مثل ذلك : فقال لنا : «إذاً انطلقا ولا تسمعا لي

السابق السابق الفهرس التالي التالي