ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 121

واعية , ولا تريالي سوادا , فإنه من سمع واعيتنا أو شهد سوادنا ولم يعيننا كان حقاً على الله عزّوجل أن يكبه من منخريه في النار) (1) .فهذا هو عمرو بن قيس وابن عمه تقاعدا من النصرة واعتذرا للحسين عليه السلام بالتجارة .
وأما الذي استنصره الحسين عليه السلام وما أجابه وندم بعدها على عدم نصرته هو «عبيدالله بن الحر الجعفي» ـ كما ذكره صاحب در النظيم ـ عن أبي مخنف قال :
لمّا نزل الحسين عليه السلام «قصر بني مقاتل» رأى فسطاطاً مضروباً فقال : لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل له : لعبيدالله بن الحرّ الجعفي , وكان مع الحسين عليه السلام الحجاج بن مسروق الجعفي وزيد بن معقل الجعفي , فأرسل الحسين عليه السلام الحجاج ليدعوه إليه , فلمّا أتاه وقال له : يابن الحرّ أجب الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام , فقال له : أبلغ الحسين عني وقل له إني لم أخرج من الكوفة إلا فراراً من دمك , ولئلا أعين عليك , والحسين ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة .
فجاء الحجاج وبلّغ الحسين عليه السلام مقالته فعظم ذلك على الحسين عليه السلام , ثم أنه دعى بنعليه وقد ركبها , وأقبل يمشي حتى دخل على عبيدالله وهو في الفسطاط , فلمّا رأى الحسين أقبل قام إجلالاً له وأوسع له عن صدر المجلس حتى أجلسه في مكانه ـ قال يزيد بن مرة : حدّثني بن الحر , قال : دخل علي الحسين عليه السلام ولحيته المباركة كأنها جناح غراب , وما رأيت أحداً قط أحسن ولا أملأ للعين من الحسين , ولا رققت لأحد قط كرقّتي على الحسين حين رأيته يمشي وأطفاله حواليه (2)ـ , فألفت الحسين عليه السلام ألى عبيدالله وقال له : «ما يمنعك يابن الحرّ أن
(1) أسرار الشهادات للفاضل الدربندي : 2/166 (المجلس الرابع) .
(2) هذا الخبر جاء اعتراضي من المؤلف رحمه الله ضمن سرد خبر «الدرّ النظيم» , وسيعود إلى اتمامه بعد تمام هذا الخبر .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 122

تخرج معي ؟» فقال : لو كنت ممن كتب لك مع من كتب لكنت معك ثم كنت من أشد أصحابك على عدوك , وأنا الآن أحب أن تعفيني من الخروج معك , ولكن هذه خيلي المعدّة والأدلاء من أصحابي وهذه فرسي «الملحقة» فوالله ما طلبت عليها شيئاً إلا أدركته , وما طلبني أحد إلا فلت , فدونكها فأركبها حتى تلحق بمأمنك , وأنا ضمين لك بالعيالات حتى أؤديهم إليك أو أموت أنا وأصحابي دونهم , وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لا يضمني فيه أحد . فقال له الحسين عليه السلام : «هذه نصيحة منك لي ؟» قال: نعم فوالله الذي لا فوقه شئ , فقال الحسين عليه السلام : «أني سأنصحك كما نصحتني , مهما استعطت أن لا تشهد وقعتنا ولا تسمع واعيتنا , فوالله لا يسمع اليوم واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا أكبة الله على منخريه في النار» (1) .
وفي أمالي الصدوق رحمه الله : فقال له عليه السلام :«لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك , ـ ثم تلا ـ «وما كنت متّخذ المضلّين عضدا» (2)» . قال: ولما قتل الحسين عليه السلام ندم عبيدالله على عدم نصرته فأنشأ يقول:
فيا ندمى على أن لا أكون نصرته ألا كلّ نفس لا تسـدّد نـادمـه
سقى الله أرواح الـذين تـأزروا على نصره سقياً من الغيث دائمه
تأسوا على نصر ابن بنت نـبيهم بأسيافهم آساد غيل ضـرغـامه

وله أيضاً قال متأسف على عدم نصرته للحسين عليه السلام :
فيا لك حسـرةً ما دمـت حيّا تردّد بين حلقي والتراقـي
حسين حين يطلب بذل نصري على أهل الضلالة والنّفاق
(1) الدر النظيم .
(2) سورة الكهف / 51 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 123

غداة يقول لي بالقصر قـولاً أتتركنا وتزمع بالفراق
ولو أني أواسـيه بـنـفسي لنلت كرامة يوم التلاق
مع ابن المصطفى نفسي فداء تولّى ثم ودع بانطلاق
فلو فلق التلهّف قلـب حـيًّ لهم اليوم قلبي بانقلاق
فقد فاز الاولى نصروا حسيناً وخاب الآخرون ذوو النفاق

فهذا عبيدالله بن الحر يتأسف ويتلهّف لعدم نصرته الحسين عليه السلام , وذلك لمّا رأى إنّ الذين نصروه سعدوا في الدارين , ونالوا بنصرته تلك المرتبة العالية والمنزلة السامية , قال الأعسم رحمه الله:
نصروا ابن بنت نبيهّم طوبى لهم نالوا بنصرته مراتب سامية

وأي مرتبة هي أعظم وأرفع من هذه المرتبة بحيث يقف عليهم الصادق عليه السلام ويخاطبهم بقوله : «بأبي أنتم وأمي , طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم , وفزتم والله فوزاً عظيماً».
صالوا وجالوا وادّوا حقّ سيدهم في موقف عقّ فيه الوالد الولد
يتهادون الى الحرب سـكارى طرباً فيه وما هم بسكارى (1)
(1)

(نصاري)

گضوا حگ العليهم دون الخيام ولا خلّوا خوات حسين تنضام
لمّا طاحوا تفايض منهم الهام تهاهوا مثل مهوى النجم من خر
(دكسن)
هذا الرمح بفّادة ايـتـثـنـّه وهذا بيه للنـشّاب رنـّة
وهذا الخيل صدره رضرضنّه وهذا وذاك بالهندي اموذّر

(عاشوري)

ركب غوجه وتعنّه احسين ليها لگاها بس جثث وامسـلّـبيها
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 124


المطلب الثالث والعشرون
في ترجمة مسلم بن عقيل عليه السلام

روى المدائني وغيره , قال :
قال معاوية ابن أبي سفيان لعقيل بن أبي طالب يوماً : هل من حاجة فأقضيها لك؟ قال : نعم , جارية عرضت عليّ وأبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفاً. فأحب معاوية أن يمازحه , فقال له : وما تصنع بجارية قيمتها أربعين ألفاً وانت أعمى وتجتزي بجارية قيمتها أربعون درهماً؟ فقال عقيل : أرجوا أن أطأها فتلد لي غلاماُ إذا أغضبته ضرب عنقك بالسيف؛ فضحك معاوية وقال : مازحناك يا أبا يزيد (1) , وأمر فابتيعت له الجارية التي أولدها مسلماً (2) .
صـبّ الدمـع واتلـهّف عليها وگال احتسب عند الله واصبر

(تخميس)

يا عاذليّ اقطعوا ما عندكم ودعوا أبكي على من بقلبي حبهم طبعوا
غابوا وعن ناظري طيب الكرى منعوا
نذر عليّ لئن عادوا وإن رجعوا لأزرعنّ طريق الطفّ ريحانا
(1) الشهيد مسلم بن عقيل للسيد المقرم ص 68 .
(2) هي علية النبطية من آل فرزندا, هكذا ذكرها بن قتيبة في المعارف. انظر: المعارف لابن قتيبة: 204 , وطبقات ابن سعد : 4/29
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 125


فلما أتت على مسلم سنين وقد مات أبوه عقيل وجاء إلى الشام وقال لمعاوية : إن لي أرضاً بمكان كذا من المدينة (1), وقد اعطيت بها مائة ألف , وقد احببت أن ابيعك إياها فادفع لي ثمنها ؛ فأمر معاوية بقبض الأرض ودفع الثمن إليه , فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فكتب إلى معاوية : «أمّا بعد فإنك أغررت غلاماً من هاشم فابتعت منه أرضاً لا يملكها فاقبض منه ما دفعته إليه واردد الينا أرضنا».
فبعث معاوية إلى مسلم فأقراه كتاب الحسين عليه السلام وقال له: اردد علينا مالنا وخذ أرضك , فإنّك بعت مالا تملك . فقال مسلم : أمّّا دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا , فاستقلى معاوية ضاحكاً يضرب برجليه الأرض ويقول له : يا بني هذا والله ما قاله أبوك حين ابتاع امّك . ثم كتب إلى الحسين أن قد رددت أرضكم وسوّغت مسلماً ما أخذ (2) .
قال أهل السير : كان مسلم بن عقيل فارساً شجاعاً , شهد مع عمه أمير المؤمنين عليه السلام «صفين» , وكان من القواد الذين جعلهم أمير المؤمنين عليه السلام على الميمنة «يوم صفين» (3) , كان يوم بعثه الحسين عليه السلام الى الكوفة قد ذرف على الاربعين.
وروى أبو مخنف وغيره , أنّ أهل الكوفة لما كتبوا الى الحسين عليه السلام دعا مسلماً وسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعبدالرحمن بن عبدالله وجماعة من الرسل , وأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف , فإن رأي الناس مجتمعين
(1) وهي البغيبغة , وفيها عين ماء وهي للحسين , فباع مسلم قسم منها على معاوية وهي التي أراد الحسين عليه السلام أن يعطيها لابن سعد عوض ملك الري الذي حرمه الله منه . انظر :
(2) شرح نهج البلاغة : 3 / 82 طبعة مصر .
(3) المناقب: 2 / 260 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 126

[مستوثقين] (1) عجّل إليه بذلك (2) . وكتب الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة كتاباً يقول فيه : «أمّا بعد , فقد أرسلت إليكم أخي وابن عمي , وثقتي من أهل بيتي , مسلم بن عقيل , وأمرته أن يكتب لي إن رآكم مجتمعين , فلعمري ما الامام إلا من قام بالحق وما يشاكل هذا».
فخرج مسلم من مكة في نصف شهر رمضان (3) , وأتى المدينة فصلّى في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وودع أهله وخرج، فإستأجر دليلين من بني قيس وودع قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسار , فلمّا أن صار في بعض الطريق ضلا الدليلان وأصابه عطش شديد , فقالا له : هذا طريق ينتهي بك إلى الماء فلا تفارقه .ثم ماتا , فكتب مسلم بن عقيل الى الحسين عليه السلام من الموضع المسمى «بالمضيق»:
«أما بعد فإني اخبرك يابن رسول الله إني قد أتيت مع الدليلين فضلّا عن الطريق واشتد بهما العطش فماتا , فتطيرت من وجهي هذا» . فلمّا وصل الكتاب الى الحسين عليه السلام كتب جوابه :
بسم الله الرحمن الرحيم

من الحسين بن علي بن أبي طالب
إلى ابن عمّه مسلم بن عقيل
«أما بعد , يابن العم إني سمعت جدّي رسول الله يقول «ما منّا أهل البيت من يتطيّر به» فإذا قرأت كتابي هذا فامض على ما أمرتك به , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
(1) ما أثبتناه من المصدر .
(2) مقتل الحسين عليه السلام لابي مخنف : 19 .
(3) انظر مروج الذهب للمسعودي : 3 54 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 127


فلما ورد الكتاب إلى مسلم وقرأه سار من وقته وساعته حتّى مر بماء «لطي» فنزل عليه , ورأى رجلاً قد رمى ظبية فصرعها فقال : نقتل عدوّنا هكذا انشاء الله تعالى . قال : وسار حتى وافى الكوفة , فدخلها ونزل في دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي (1) .
وقال ابن شهر آشوب : لما دخل مسلم الكوفة نزل في دار سالم بن المسيب , ولما دخل ابن زياد الكوفة انتقل من دار سالم إلى دار هاني بن عروة المرادي المذجي (2) في جوف الليل (3) . وكان دخوله يوم الخامس من شوال سنة ستين (4) .
فجعل الناس يختلفون إليه وجعل مسلم كلما دخل عليه جماعة من أهل الكوفة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام وهم يبكون , حتى بايعه في ذلك اليوم ثمانون ألف , وقيل : حتى صار مجلسه ثمانية عشر ألفاً (5) .
ويروى أنه بايعه ثمانية عشر ألف كما كتب الى الحسين عليه السلام : «أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله , وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألف فالعجل العجل بالإقبال حين يأتيك كتابي هذا , فإن الناس كلهم معك وليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى» . ثم أرسل الكتاب مع عابس بن شبيب الشاكري إلى مكة (6).
(1) الشهيد مسلم بن عقيل : 14 عبدالرزاق المقرم .
(2) مذحج : كمجلس , أبو قبيلة من قبائل اليمن , وهو مذحج بن جابر بن مالك بن زيد كهلان بن سبأ ومراد : بطن من مذحج , وكان هانئ بن عروة مرادياً . انظر :
(3) المناقب لابن شهر آشوب : 4 / 91 .
(4) مروج الذهب للمسعودي : 3 / 54 .
(5) الملهوف على قتل الطفوف : 108 .
(6) الاخبار الطوال للدينوري : 243 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 128

قال : ولما سمع النعمان بن بشير الانصاري (1) بقدوم مسلم إلى الكوفة كتب كتاباً إلى يزيد : «اما بعد فإن مسلم بن عقيل قد دخل الكوفة وقد بايعه الناس فإن كانت لك في الكوفة حاجة فابعث إليها من ينفذ أوامرك» .
وكتب ـ ايضاً ـ عبدالله بن شعبة الحضرمي (2)إلى يزيد : «اما بعد فإن مسلم بن عقيل ورد الكوفة وقد بايعه شيعة الحسين , فإن كانت لك في الكوفة حاجة فانفذ إليها رجلاً قوّياً فإن النعمان ضعيف أو يتضاعف».
وكتب له عمر بن سعد بنحو ذلك , فدعى يزيد بمولى له يقال له سرجون , فاستشاره بهذا الأمر , فقال له : لو نشر لك معاوية حيّاً لما عدا رأيه عن أبن زياد , قتل : فكتب يزيد الى بن زياد وهو يومئذ وال على البصرة : «اما بعد فإني ولّيتك المصرين الكوفة والبصرة (3) , فخذ بالرأي السديد واعمل النصح , ثم قد بلغني أن مسلم بن عقيل قد ورد الكوفة وقد اجتمع عليه الناس يبايعونه , فإني لا أجد سهماً أرمي به عدّوي أجرأ منك , فإذا قرأت كتابي هذا فسر من قوّتك وساعتك , وإياك والإبطاء والتواني , واجتهد ولا تبقي من نسل علي بن أبي طالب , واطلب مسلم بن عقيل طلب الخرزة واقتله , وابعث إلي رأسه والسلام».
(1) النعمان بن البشير : كان والياً على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها , وامّه : عمره بنت رواحة اخت عبدالله بن رواحة , قال ابن أبي الحديد في الشرح : كان النعمان بن البشير منحرفاً عنه ـ يعني علياً عليه السلام ـ وعدواً لله وخاض الدماء مع معاوية خوضاً , وكان من أمراء يزيد بن معاوية حتى قتل وهو على حاله . ويروى أنه قتله حمص في فتنة ابن الزبير , لأنه كان والياً عليها . انظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : «النعمان بن بشير».
(2) وكان أول ما كاتب يزيد في حرب الحسين عليه السلام .
(3) أو يقال : العراقين , وهي البصرة والكوفة , وذكر ابن قتيبة وغيره أن اول من جمع له (العراقين) هو زياد بن أبيه وذلك في زمن معاوية , ثم جاء يزيد بن معاوية فجمع (العراقين) لابن زياد فكان ثاني من يجمع له (العراقين) . انظر : المعارف لابن قتيبة : 346 , 347 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 129


ودفع الكتاب إلى مسلم بن عمرو الباهلي (1), وقال له : امض الى البصرة وافع كتابي هذا إلى عبيدالله بن زياد . فأخذه اللعين وجاء به , فلما قرأه بن زياد «لعنه الله» صعد على المنبر خاطباً وقال : يا أهل البصرة إن الخليفة يزيد ولّاني الكوفة والبصرة , وقد عزمت على الرحيل إليها , وقد استخلفت عليكم أخي عثمان بن زياد , فاسمعوا له وأطيعوا له , وإياكم الأراجيف , فوالله ان بلغني أن رجل منكم خالف أمري لاقتلن عزيزه ولآخذّن الأدنى بالأقصى حتى تستقيموا .
ثم خرج من البصرة يريد الكوفة ومعه جماعة منهم : المنذر بن جارود العبيدي , وشريك الأعور الحارثي , ومالك بن مشيع , ومسلم بن عمرو الباهلي , ويقال : أن هؤلاء الثلاثة تكاسلوا في الطريق وما مضى معه الى الكوفة إلا اللعين مسلم بن عمرو الباهلي , فجاء معه حتى دخلا الكوفة .
هذا اللعين (مسلم بن عمرو الباهلي) هو الذي قابل مسلم بن عقيل عليه السلام
(1) مسلم هذا والد قتيبة بن مسلم أمير خراسان المشهور ؛ باهلي وباهلة : من قيس عيلان , وليس لهم في الشرف من ذكر , وعن أمالي الطوسي قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «فو الذي فلق الحبة وبرء النسمة ما لهم في الاسلام نصيب» . يعني بهذا الكلام قبائلا منهم : باهلة .
وفي الكامل للمبرد : أنشد أبو العباس لرجل من عبد القيس :
أباهلي يـنـجي كلبكم وأسدكم كـكلاب العرب
إذا قيل للكلب يا باهلي عوى الكلب من لؤم هذا النسب

وقال الآخر :
إذا ولدت حـليلة باهلـي غلاماً زيد في عدد اللئام
انظر : أمالي الطوسي : 116 / 180 (المجلس الرابع ـ الحديث 34) .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 130

بكلمات حين جيء به مكتوفاً , فرأى قلّة (1)على باب القصر , فقال اسقوني ماء؟ فقال له اللعين مسلم بن عمرو الباهلي : والله لن تذوق منها قطرة واحدة حتى تذوق الحامية وتشرب من حميمها , فقال له مسلم عليه السلام : لأمّك الثكل , ما أجفاك وأفضلك وأقسى قلبك : ثم قال له : من أنت ؟ قال : أنا مسلم بن عمرو الباهلي , فقال له , يابن باهلة أنت أولى وأحق بالحميم من نار جهنم , ويلك أنا أرد على رسول الله وأشرب من الكوثر (2) .
ثم أدخل على ابن زياد وجراحاته تشخب دماً .
ومذ به شاء الإله ما به قد حكما للقصر أقبلوا به لهفي له يشكوا الظما (3)
(1) القلة : إناء كبير يوضع فيه الماء , ويكون من الفخار لكي يبرد الماء فيه .
(2) انظر مروج الذهب للمسعودي : 3 / 59 .
(3)

( نصاري)

ضرب وجهه يويلي نغل حمران او وصل گصر الإمارة وهو عطشان
علـيه آمـر يـچتـلونه الخوّان او ذبّه من السطح لـرض الوطـيـّة
صعـدوا بـيه وهو زاد لونـين او على صوب المدينة ايدير بـالعين
صـله وصـاح الله وياك يحسين او گطعوا رايـه او أمـيه رمــيّة

(بحراني)

مصيبتهم مصيبة اتصدع الجبال من گبل المشيّب تشيب الاطفال
شفت ميت يجـرّونـة بالحبال يصاحب لا تظن صارت مثلها

(تخميس)

عين جودي لمسلم بن عقيل لرسول الحسين سبط الرسول
لشهيد بين الأعادي وحـيداً وقتيل لنصر خير قـتـيـل
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 131


المطلب الرابع والعشرون
في كيفية دخول بن زياد الى الكوفة

قال أبو مخنف (1):
كان دخول بن زياد الكوفة ممّا يلي البر , وعليه ثياب بيض وعمامة سوداء متلثّماً , وانتعل نعلين يمانيتين وتختّم بيده اليمنى , وكان راكباً على بغله شهباء , وبيده قضيب من الخيزران , وكان دخوله يوم الجمعة , هذا وقد انصرف الناس من الصلاة وهو يتوقعون قدوم الحسين عليه السلام , فلمّا رأوه ضنّوا أنه الحسين لتشبه به بلباسه فجعلوا يقولون : مرحباً بك يابن رسول الله , قدمت خير مقدم ؛ وصار لا يمر على ملأ إلّا ويسلم عليه بقضيبه وهم يستبشرون . فلما وصل إلى قصر الإمارة قال لهم مسلم بن عمرو الباهلي : تأخرّوا عن وجه الأمير , فليس هو طلبتكم ؛ ثم أسفر ابن زياد عن وجهه , فلمّا رأوه وعرفوه تفرقوا عنه , فجاء وطرق باب القصر فأشرف النعمان وإذا على الباب ابن زياد , وصاح ابن زياد : ويلكم افتح , لا فتحت حصنة دارك وضيعة مصرك . ثم دخل القصر , وبات مسلم بن عقيل والناس
(1) مقتل الحسين لأبي مخنف : 26 , 28 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 132

حوله , فلما أصبح الصباح دخل شريك بن الأعور (1)إلى الكوفة ونزل في دار هاني بن عروة المرادي فبقي عنده حتى مات .
وقال ابن زياد : فلينادي منادي الصلاة جامعة ؛ فنادى المنادي واجتمع الناس في المسجد , فصعد ابن زياد على المنبر خطيباً وقال :
«أيها الناس من عرفني فقد عرفني , ومن لم يعرفني فأنا اعرفه بنفسي , أنا عبيدالله بن زياد , وإن الامير يزيد بن معاوية قد ولاني مصركم هذا , وأمرني بالانصاف للمظلوم , وإعطاء المحروم , والإحسان إلى محسنكم , والتجاوز على مسيئكم , وأنا متبع فيكم أمره , وأمرني أن أزيد في عطائكم , وأن أضع السيف في رقاب الذين يخالفوني» . ثم نزل عن المنبر , وأمر مناديه أن ينادي في قبائل العرب أن اثبتوا على بيعة يزيد بن معاوية .
قال أبو محنف : فلمّا سمع أهل الكوفة جعل بعضهم يقول لبعض : مالنا الدخول بين السلاطين , ونقضوا بيعة الحسين عليه السلام وبايعوا يزيد بن معاوية , وخرج مسلم عليه السلام الى المسجد ليصلي صلاة الظهر فلم يجد أحداً , فأذّن وأقام وجعل يصلي وحده , فلما فرغ من صلاته وإذا هو بغلام فقال له : يا غلام ما فعل أهل هذا المصر؟ قال: سيدي إنهم نقضوا بيعة الحسين عليه السلام وبايعوا يزيد بن
(1) قال ابن الاثير : كان شريك بن الاعور الحارثي كريماً على ابن زياد وعلى غيره من الامراء , وكان شديد التشيّع , وشهد مع أمير المؤمنين عليه السلام «صفين» وله حكاية مشهورة مع معاوية حين قال له : أنت شريك وليس لله شريك .
وأبوه الحارث الهمداني رحمه الله الذي كان من خواص أميرالمؤمينين عليه السلام , وهو الذي قال له أمير المؤمنين عليه السلام الكلمات التي نظمها السيد الحميري شعراً :
يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا الخ
انظر : الكامل في التاريخ لابن الاثير : 4 / 26 , ووقعة صفين للمنقري : 117 , وتاريخ من دفن في العراق من الصحابة ـ للمؤلف .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 133

معاوية , فلما سمع مسلم عليه السلام صفق بين يديه وخرج من المسجد متّجهاً إلى دار هاني بن عروة , فلما أتى عليها رأى على الباب جارية فقال لها : أمة الله أدخلي على هاني وقولي له أن على الباب رجل , فأن سألك عن إسمي فقولي له مسلم بن عقيل ؛ فدخلت الجارية هنيئة وخرجت , فقالت : ادخل يا سيدي , وكان هاني بن عروة يومئذ عليلاً , فنهض ليعتنقه فلم يقدر وجلسا يتحدّثان .
قال الراوي : ولم يعلم ابن زياد بمكان مسلم بن عقيل عليه السلام , وضاع عليه خبره فجعل العيون على مسلم بن عقيل عليه السلام , ومن جملتهم مولاه «معقل» وكان داهية دهماء, وأعطاه ثلاثة آلاف درهم وقال له :خذ الدراهم واجعل نفسك من الموالين للحسين لعلّك تأتيني بخبر مسلم بن عقيل . فأخذ معقل الدراهم وجعل يدور في الكوفة ويسأل عن مكان مسلم , حتى أرشد إلى مسلم بن عوسجة , فجاء إليه وهو يصلي في المسجد , فلما فرغ من صلاته قام إليه معقل واعتنقه واظهر له الإخلاص , وقال له , أنا رجل شامي وقد أنعم الله عليّ بحب أهل البيت , وعندي ثلاثة آلاف درهم وقد أحببت أن ألقى الرجل الذي بايع على يده الناس لابن رسول الله , وقد دللت عليك وأنا اريد منك أن تأخذ هذه الدراهم إليه وتدخلني عليه , فأنا ثقة من ثقاته وعندي كتمان أمره . فقال له مسلم بن عوسجة : يا اخا العرب أعزب عن هذا الكلام , مالنا وأهل البيت , وما أصاب الذي أرشدك الي ؟ فقال له معقل : إن كنت لم تطمئن فخذ عليّ العهود والمواثيق , ثم حلف له الايمان وأقسم عليه قسماً عظيماً أني لم أخبر بسرّه أحداً , ولم ينزل به حتى اطمئن منه مسلم بن عوسجة فادخله على مسلم بن عقيل عليه السلام وأخبره بخبره , فوثق به مسلم عليه السلام وأخذ منه البيعة للحسين عليه السلام , ثم أن مسلم عليه السلام أعطى الدراهم لأبي ثمامة
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 134

الصائدي وكان هو الذي يقبض الأموال ويشتري السلاح , وكان فارساً شجاعاً (1) .
قال الراوي : وصار معقل يأخذ أسرارهم حتى استقصى أسرارهم , فخرج من عند مسلم عليه السلام وجاء إلى ابن زياد وأخبره بمكان مسلم وبثّ إليه أسراره , فصار ابن زياد جلّ همّه أن يحتال بهاني ويقبضه وقد أخبر أنه مريض , فأرسل إليه : أريد أن أعودك ؛ فقال هاني لمسلم : أن ابن زياد بلغه أنّي مريض وهو يريد أن يعودني , فخذ هذا السيف وادخل المخدع فإذا جلس أخرج إليه وأقتله , وأحذر أن يفوتك , فإن فاتك فإنه يقتلني ويقتلك , انظر إذا أنا رميت عمامتي عن رأسي ؛ فقال مسلم عليه السلام : أفعل .
قال الراوي : ولما فرغ ابن زياد من صلاة العشاء أقبل يعود هانياً , ولم يكن معه سوى حاجبه , فلما صار على الباب استخبر هاني فقال لمسلم : خذ السيف وأدخل الى المخدع , فقام مسلم عليه السلام ودخل المخدع , ودخل ابن زياد على هاني وسلم عليه وجلس إلى جنبه وجعل يحادثه ويسأله عن حاله , وهاني يشكو إليه الذي يجده وهو مع ذلك يستبطي خروج مسلم , فجعل هاني يأخذ معامته من على رأسه ويضعها على الارض مراراً مسلم لا يخرج , ثم وضعها على رأسه , ولم يزل يصنع هاني هكذا ثلاث مرّات ومسلم لا يخرج , فجعل هاني يتمثّل بهذه الأبيات وهي
ما الإنتظار بسلمى لا تحـييّها كأس المنية بالتعجيل اسقوها
هل شربة عذبة أسقى على ظمأ ولو تلفت وكانت منيتي فيها
فإن أحست سليـماً منك داهية فلست تأمن يوماً من دواهيها

فلم يزل هاني يردد هذه الأبيات ومسلم لم يخرج , فقال ابن زياد : ما بال
(1) تاريخ الطبري : 5 / 346 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 135

الرجل ؟ يهجر ؟ فقيل له ؟ بلى يهجر من شدّة المرض , ويقال إنه احسّ بشيء وقام من عند هاني وخرج وأقبل إلى قصر الإمارة . فقال هاني لمسلم : مالذي منعك عن قتله ؟! قال سمعت خبراً عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : «لا إيمان لمن قتل مسلمً» فقال له شريك : ما منعك من قتله ؟ قال : خلصتان : إحداهما كرهت أن يقتل في دارك , والثانيه لحديث حدّثنيه الناس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال : «الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن» ؛ فقال لها هاني : أما والله لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً (1) . وقال بعض المؤرخين : إنّ ابن زياد جاء ليعود شريكاً حيث لمّا ورد الكوفة ونزل في دار هاني بن عروة ؛ هكذا روى أبة الفرج الأصفهاني والدينوري (2)
أقول امتنع مسلم من قتل ابن الزاينة , لا والله بل القضاء والقدر حال بينهما , ولو لا القضاء والقدر لما أدخل عليه مسلم بن عقيل عليه السلام مكتوفاً , فلما أدخل عليه لم يسلّم , فقال له الحرس : لم لا تسلّم على الأمير؟ فقال ما هو لي بالأمير , فقال له ابن زياد : لا عليك إن سلّمت أو لم تسلّم فإنك مقتول لا محالة , فقال مسلم : إن قتلتني فقد قتل من هو شرّ منك خير منّي , فقال ابن زياد : يا شاق أتيت الناس وهو جمع فشتّت كلمتهم وفرّقت جماعتهم , فقال مسلم : كلا ما لهذا أتيت , ولكن أهل هذا المصر زعموا أنّ أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر , فأتيناهم لنأمر بالمعروف وننهي عن المنكر ؛ فجعل ابن زياد يشتمه ويشتّم عقيلاً والحسن والحسين ومسلم ساكت لا يتكلم .
أقول : كان اللعين ابن زياد هذا دأبه وهذا سجيًته وهذا دينده , يشتم
(1) انظر تاريخ الطبري : 5 / 360 ـ 363 .
(2) مقاتل الطالبين : 98 , الأخبار الطوال : 234 .