ثمرات الاعواد/ج1 166

مسمع البصري , ومنها : إلى قيس بن الهيشم ... وغيرهم من الرؤساء والأشراف (1) .
فأما الأحنف بن قيس فإنه كتب إلى الحسين عليه السلام يصبرّه ويرجّيه , والباقون كتموا أسرارهم إلّا المنذر بن الجارود العبدي فإنه خاف أن يكون دسيسة من عبيدالله بن زياد , فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى ابن زياد وكانت بنت المنذر بحرية زوجة عبيدالله بن زياد. فأخذ عبيد الله ابن زياد الرسول فصلبه ثم صعد المنبر فخطب وتوعّد أهل البصرة على الخلاف وإثارة الأرجاف .
وأما يزيد بن مسعود النهشلي فإنه جمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد , فلما حضروا عنده قام فيهم خطيباً وقال : يا بني تميم كيف ترون موضعي منكم وحسبي فيكم؟ فقالوا : بخ بخ أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر , حللت في الشرف وسطاً وتقدمت فرطاً . فقال : إني جمعتكم لأمر أريد أن اشاوركم فيه واستعين بكم عليه . فقالوا : أما والله نمنحك النصيحة ونحمد لك الرأي , فقل نسمع ونطع . فقال : إن معاوية قد هلك فاهون به هالكاً ومفقوداً إلا إنه قد انكسر باب الجور وتضعضعت أركان الظلم , وقد كان أحدث بيعة ظن إنه قد أحكمها , فهيهات الذي أراده اجتهد , ففشل وشاور فخذل , وقام من بعده نغلة يزيد شارب الخمور ورأس الفجور , يدعي للخلافة على المسلمين مع قلة علمه وقصر فهمه , لا يعرف من الحق موطيء قدمه , واقسم بالله قسماً مبروراً لجهاده على الدين
(1) وهذا ما كتبه إليهم :
بسم الله بالرحمن الرحيم

من الحسين بن علي بن أبي طالب
«أما بعد ... فإن السنة قد اميتت , والبدعة قد احييت , فإن أجبتم دعوتي أهديكم إلى سبيل الرشاد والسلام».
وكان عليه السلام إذا أراد أن يكتب كتاباً مثل هذا يوجز لأن «خير الكلام ما قل ودل».
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 167

افضل من جهاد المشركين , وهذا الحسين بن علي ذي الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف , وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وقدمه , يحنو على الكبير ويعطف على الصغير , فأكرم به من راعي رعيه وإمام حق وجبت لله به الحجة , وبلغت به الموعظة , وقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل , فاغسلوها بخروجكم مع بن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وها أنا قد لبست للحرب لامتها , وادرعت لها بدرعها , فمن لم يقتل يمت , ومن يهرب لم يفت , فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب .
فتكلمت بنو حنظلة وقالوا : يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشريتك , إن غزوت بها فتحت , لا تخوض غمرة إلا خضناها , ولا تلقى شدّة إلا لقيناها , ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا , فانهض لما شئت .
وتكلمت بنو تميم فقالوا: يا أبا خالد نحن بنو ابنك وحلفاؤك لا ترضى إن غضبت والأمر إليك إذا شئت.
وتكلمت بنو سعد فقالوا : يا أبا خالد إن أبغض الأشياء علينا خلافك والخروج من رأيك , وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال , فحمدنا أمره وبقى عزنا فينا , فأمهلنا حتى نراجع المشورة ونأتيك بالجواب .
فقال : والله يا بني سعد لإن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم ولا زال سيفكم فيكم أبداً .
ثم كتب إلى الحسين عليه السلام كتاباً يقول فيه : أما بعد .. فقد وصل إلي كتابك وفهمت ما ندبتني إليه , ودعوتني من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك , وإن لم يخل الأرض من عامل عليها بخبر وأنتم حجج الله على خلقه وأمناؤه على عباده , تفرّعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها , فاقدم سعدت بأسعد طائر , فقد ذللت لك أعناق بني تميم وتركتهم أشد تتابعاً في طاعتك من الإبل الظما لورود الماء في يوم خمسها , وذللت لك أعناق بني سعد ,
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 168

وغسلت درن صدرهم بماء سحابة مزن حين استهل برفقها فلمع .
قال : ثم سرح الكتاب إلى الحسين عليه السلام فورد على الحسين وهو إذ ذاك بكربلاء وحيداً فريداً وقد قتلت أصحابه وإخوته , فلمّا فض الكتاب وقرأه جعل يقول : مالك يابن مسعود آمنك الله يوم الخوف الأكبر .
قال الراوي : وتجهزّ يزيد بن مسعود , وخرج من البصرة بأثنى عشر ألف رجل , فلما صار في بعض الطريق بلغه خبر قتل الحسين عليه السلام فشهق شهقة ومات .
هذا ولم ير ما صنع بإمامه , فيعز على ابن مسعود لو رأى سيده الحسين قد احاطت به أعداؤه هذا يضربه بسيفه وهذا يطعنه برمحه وهذا يرميه بالحجارة .
ولقد غشوت فضارب ومفوّق سهماً إليه وطاعن متقصّد (1)
(1) نعم هذا يزيد بن مسعود بلغه خبر قتل الحسين عليه السلام فشهق شهقته ومات ساعد الله قلب الحوراء زينب عليها السلام حين نظرت إلى أخيها وفيه ألف وتسعمائة جراحة كأنها بها :

(نصاري)

يحسين خوية اشيوجعك گول او من يا جرح يا خوي معلول
لو ناشدونة الناس شـنگـول يالچنت سور او سيف مسـلـول
دون الحرم يا ريع المحـول وسافه اعلى حـگك تمسي مگتول
مرمي اوعليك اتدوس الخيول او من فوگ صدرك گامت اتجول
تمنّيت ألك من هاشم اشـبول يشـوفـون جسمك على الرمول
وراسك براس الرمح مشيول ويـشـوفنّه اشـمنّه الـعد تنول

(ابوذية)

الگلب شاجر على ابن امي وداوي تضعضع وانهدم سوري وداوي
لا مـجروح حـتى اگعد وداوي ولا غايـب وأگول ايـعود ليه

(تخميس)

قد كنت فينا في الشدائد معقلاً ولبيتنا السامي سراجاً مشعلا
واليوم مالك لم تجبنا ثكّلا
ألمحنة شـغـلتك عنّا ام قلى حاشاك إنك ما برحت ودودا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 169


المطلب الثاني والثلاثون
في من حضي بالشهادة من أهل البصرة

لما كاتب الحسين بن علي عليه السلام أشراف أهل البصرة ورؤسائهم يدعوهم إلى نصرته ؛ واللزوم تحت طاعته , أجابه من أجابه كيزيد بن مسعود النهشي , ومعه اثنى عشر ألف , لكنهم فاتتهم نصرة الحسين عليه السلام إذ إنهم خرجوا من البصرة متّجهين إلى الحسين عليه السلام فوافاهم خبر قتله في بعض الطريق , فرجعوا خائبين من نصرته .
وأما الذين سعدوا ورزقوا الشهادة فهم ستة كما ذكرهم أهل المقاتل , أولهم : عبدالله الفقعسي , وكان شيخاً كبيراً طاعناً في السن , وولده أربعة : والسادس هو سعيد بن مرة التميمي , اما سبب خروج هذا الشيخ وولده (1)على ما يروى أنه كان إمرأة من أهل البصرة تسمى مارية بنت منقذ العبدي , وكانت تتشيّع , وهي من ذوي البيوت والشرف , وقد قتل زوجها وأولادها يوم الجمل مع أمير المؤمنين عليه السلام , وقد بلغها إن الحسين عليه السلام كاتب أشراف أهل البصرة ودعاهم إلى نصرته , وكان عندها ناد يجتمع فيه الناس فجائت وجلست بباب مجلسها وجعلت تبكي , حتى علا صراخها فقام الناس في وجهها وقالوا لها : ما عندك ومن
(1) اي : عبدالله الفقعسي .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 170

أغضبك ؟ قالت : ويلكم , ما أغضبني أحد , ولكن أنا إمرأة ما أصنع , ويلكم سمعت إن الحسين بن بنت نبيّكم استنصركم وأنتم لا تنصروه , فأخذوا يعتذرون منها لعدم السلاح والراحلة , فقالت : أهذا الذي يمنعكم ؟ قالوا : بلى ؛ فالتفتت إلى جاريتها وقالت لها: أنطلقي إلى الحجرة وآتيني بالكيس الفلاني، فإنطلقت جارية وأقبلت بالكيس إلى مولاتها , فاخذت مولاتها الكيس وصبته وإذا هو دنانير ودراهم , وقالت : فاليأخذ كل رجل منكم ما يحتاجه وينطلق إلى نصرة سيدي ومولاي الحسين .
قال الراوي : فقام عبدالله الفقعسي وهو يبكي ـ وكان عنده أحد عشر ولداً ـ فقاموا في وجهه وقالوا : إلى أن تريد ؟ قال : إلى نصرة ابن بنت رسول الله . ثم التفت إلى من حضر وقال : ويلكم هذه إمرأة أخذتها الحمية وأنتم جلوس؟ ما عذركم عند جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم القيامة .
قال : ثم خرج من عندها وتبعه من ولده أربعة فأقبلوا يجدون السير , حتى استخبروا بأن الحسين عليه السلام ورد كربلاء , فجاء الشيخ بأولاده إلى كربلاء ورزقوا الشهادة .
وأما السادس : فهو سعيد بن مرّة التميمي , وكان سعيداّ شاباً له من العمر تسعة عشر سنة , فإمّا لما سمع بأن الحسين عليه السلام يستنصر أشراف أهل البصرة في كتبه أقبل إلى امه في صبيحة عرسه وصاح : امّاه علي بلامة حربي وفرسي .. قالت : وما تصنع بها ؟! قال : اماه قد ضاق صدري واريد ان أمضي خار البساتين , فقالت له : ولدي إنطلق إلى زوجتك ولاطفهما , فقال : يا امّاه لا يسعني ذلك ... فبينما هم كذلك إذ إقبلت إليه زوجته وقالت له : إلى أين تريد يا ابن العم ؟ فقال لها : أنا ماضي إلى من هو خير مني ومنك . فقالت له : ومن هو خير منك ومنّي ؟! فقال لها : سيدي ومولاي الحسين بن علي عليه السلام . فلمّا سمعت أمه بكت وقالت له : ولدي
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 171

جزاك الله عن الحسين خيراً , ولكن يا ولدي أما حملتك في بطني تسة أشهر ؟ قال : بلى , قالت : أما سهرت الليالي في تربيتك ؟ قال : بلى , وأنا لست بمنكر لحقّك عليّ . قالت : إذاً عندي وصية , قال : وما هي يا أماه ؟ فقالت له : ولدي إذا أدركت سيد شباب أهل الجنّة إقرأه عني السلام وقل له فليشفع لي يوم القيامة . فقال لها : يا أماه وأنا أوصيك بوصية , قالت : ماهي ؟ قال : إذا رأيت شاباً لم يتهنّا بشبابه وعرّيساً لم يهنأ بعرسه اذكري عرسي وشبابي .
قال الراوي : ثم ودّعها وخرج من البصرة , وأقبل يجدّ السير في الليل والنهار واستخبر ببعض الطريق أن الحسين قد نزل كربلاء , وجعل يجدّ السير حتى وافى الحسين يوم العاشر من المحرم وحيداً فريداً , فلما رآه الحسين قال : سعيد هذا ؟! قال : نعم سيدي , قال : يا سعيد ما قالت لك امك ؟ فقال : سيدي تقرؤك السلام ؛ فقال الحسين عليه السلام : عليك وعليها السلام , يا سعيد إن امك وامي في الجنّة . ثم قال سعيد : سيّدي أتأذن لي أن اسلم على بنات الرسالة ؟ قال : نعم ؛ فأقبل سعيد حتى وقف بإزاء الخيام ونادى : السلام عليكم يا آل بيت رسول الله . فصاحت جاريه زينب : وعليك السلام , فمن أنت ؟ قال : سيدتي أنا خادمكم سعيد بن مرّة التميمي , جئت إلى نصرة سيدي ومولاي الحسين . فقالت : يا سعيد أما تسمع الحسين عليه السلام ينادي هل من ناصر ؟ هل من معين ؟ قال : ثم سلّم عليهن ورجع إلى الحسين ووقف يستأذنه للبراز , فأذن له الحسين عليه السلام , فحمل على القوم وجعل يقاتل حتى قتل جمعاً كثيراً , فعطفوا عليه أعداء الله فقتلوه , ولمّا قتل سعيد مشى لمصرعه الحسين فجلس عنده , وأخذ رأسه ووضعه في حجره , وجعل يمسح الدم والتراب عن وجهه , وهو يقول : أنت سعيد كما سمّتك أمك , سعيد في الدنيا وسعيد في الآخرة .
وكان عليه السلام كلما قتل منه قتيل يقف عند مصرعه ويؤبنه إما بآية من القرآن , او بكلمة تناسبه .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 172


ولما صرع الغلام التركي مشى لمصرعه الحسين عليه السلام ووضع خّده على خّده , وكان الغلام مغمى عليه فلما أفاق رأي الحسين عليه السلام واضعاً خده على خذه فقال : من مثلي وابن رسول الله واضعاً خدّه على خّدي .
نصروا ابن بنت نبيهم طوبى لهم نالوا بنصرته مراتب سامية (1)
(1)

(بحراني)

عاف العرس وگبل سعيد اوحيـدته ليك اينادي ابلسانه والگلب يحسين لبيك
ودّع سـعـيد امّه و تعنّه الـغـاضرية ليل او نهار ايسير في صبح او عشيه
امن ابعيد شاف احسين مفرد بين امـيّه اينادوه المن تنتظر يحسين يأتـيـك
لن هالشباب ايصيح الك روحـي فديّـه عبدك سعيد اگبل رحت يحسين رجليك
اووّدع احسين او صال بمجموع العساكر او خلّه الايادي اوية الجماجم بس تناثر
ادّع العـيله وطـاح بالمـيدان عـافـر او ناده يبو سكنة سعيد ايـسـلم عليك
راح الـسبط مـسرع او جـابه يم الخيام او مدد سعيد ابصف علي الاكبر او جسّام
او ناح او بچه او ناده الفواطم ويّه الايـتام نوحوا وگولوا يا شـبـاب الله يـهنيك
هذا تـره مـعرّس شـباب ومـا تهنّه امّـه وبـت عمـّه ابصباحه فارگنـة
دارن عـليـه رمـله وليله يـنـدبـنه اوزينب تنادي اشلون من دمـك نحـنّيك

(تخميس)

كيف الـسلو ونار الحزن تشتعل تـلهـّبا ودموع العين تنهمل
سحاً على جيرة في كربلا نزلوا
بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا وخلّفوا في سويد القلب نيرانا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 173


المطلب الثالث والثلاثون
في ترجمة زهير بن القين البجلي رحمه الله

ذكر صاحب إبصار العين , قال : كان زهير بن القين البجلي رجلاً شريفاً , شجاعاً في المغازي موافق مشهورة وكان أولاً عثمانياً , حجّ سنة ستين من الهجرة بأهله ثم عاد من الحج فوافق الحسين عليه السلام في الطريق.
حدث جماعة من فزارة وبجليه , قالوا : كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة نساير الحسين عيله السلام , فلم يكن شئ أبغض علينا من أن ننازله في منزل , فإذا نزل الحسين تقدم زهير , وإذا سار الحسين تخلف زهير , فلم نزل هكذا حتى صرنا في منزل لم نجد بدّاً من أن ننازله فيه , فنزل الحسين جانبا ونزل زهير إلى جانب آخر , فبينما نحن جلوس نتغذى إذا برسول الحسين قد أقبل علينا حتى دخل الخيمة , فسلم عينا فرددنا عليه السلام ثم قال : يا زهير إن الحسين يدعوك . قال : فطرح كل انسان ما كان في يده , حتى كأن على رؤوسنا الطير .
قال ابو مخنف , حدثتني دلهم بنت عمرو زوجه زهير , قالت : فقلت له يا سبحان الله يبعث لك الحسين ثم لا تجيبه ؟! فأجبه واسمع منه كلامه ثم انصرف . قال : ثم مضى إلى زهير , فما لبث إن جاء مستبشراً وأمر بفسطاطه وثقله فقوّض وحمل الى الحسين عليه السلام . ثم قال : أنت طالق , إلحقي بإهلك فإني لا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 174

أحب أن يصيبك بسببي إلا خيراً ؛ ثم التفت إلى اصحابه وقال : من أحب منكم إن يتبعني وإلا فهذا آخر العهد ؛ ثم التفت إليهم ثانياً وقال : إني احدثكم بحديث :
غزونا بلنجر (1) , فتح الله عينا , وأصبنا غنائم كثيرة , فقال لنا سلمان بن ربيع الباهلي : أفرحتم بما فتح الله على ايديكم وأصبتم من الغنائم ؟ قلنا : نعم , قال : إذا أدركتم سيد شباب أهل الجنة , فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معه , فأما أنا فأستودكم الله (2).
ثم صار الى الحسين عليه السلام , وكان معه سلمان بن مضارب بن قيس ـ ابن عم
(1) في القاموس : بلنجر كغضنفر ـ بفتحين وسكون النون وجيم مفتوحة وراء ـ هي مدينة ببلاد الخزر خلف باب الابواب , فتحت في زمان عثمان في سنة اثنين وثلاثين على يد عبدالرحمن بن ربيع الباهلي , كما ذكره أصحاب السير , وقال البلاذري : فتحها سليمان بن ربيعه الباهلي , وتجاوزها , ولقيه خاقان في جيشه خلف بلنجر , فاستشهد هو وأصحابه , وكانوا أربعة آلاف , وكان في أول الامر قد خافهم الترك وقالوا : إن هؤلاك ملائكة لا يعمل فيهم السلاح , فاتفق ان تركيا اختفا في غيضة ورشق مسلماُ بسهم فقتله , فنادا في قومه ان هؤلاء يموتون كما تموتون فلم تخافوهم , فاجترؤا عليهم ووقعوهم حتى استشهد عبد الرحمن بن ربيعة , وأخذ الراية أخوه سلمان بن ربيعة ولم يزل يقاتل حتى امكنه دفن اخيه بنواحي بلنجر , ورجع ببقية المسلمين على طريق جيلان , فيهم سلمان الفارسي وابو هريرة , فقال عبدالرحمن بن جمانة الباهلي :
وإن لـنا قـبرين قـبر بلنجر وقبر بأرض الصين يا لك من قبر
فهذا الذي الصين عمت فتوحه وهـذا الـذي يـسقى به سبل القطر
يريد أن الترك لما قتلوا عبد الرحمن بن ربيعة وأصحابه كانوا ينظرون في كل ليلة نوراً على مصارعهم , فأخذوا سلمان بن ربيعة وجعلوه في تابوت فيهم يستسقون به إذا اقطعوا , وإذا الذي بالصين فهو قتيبة ابن مسلم الباهلي. (أقول) فقول زهير قال لنا سلمان أي سلمان بن ربيعة الباهلي لا سلمان الفارسي توفي في زمن الخليفة الثاني وبلنجر فتحت في زمن عثمان ولم يشهد سلمان الفارسي وقعة بلنجر . (2) ابصار العين : 95
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 175

زهير بن القين لحاً ـ فالقين أخو مضارب وأبوهما قيس , وكان سلمان حج مع ابن عمه سنة ستين , ولما مال زهير مع الحسين عليه السلام مال معه في مضربه , وقتل ايضا يوم الطف (1).
ولما بلغ الحسين عليه السلام ذو حسم (2), قام خطيباً في أصحابه , فحمد الله واثنى عليه , وذكر النبي فصلى عليه , ثم قال:
اما بعد , فإنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون , وإن الدنيا قد تغيرت وقد تنكرت , وأدبر معروفها , ولم يبق منها الا صبابة كصبابة الإناء , وخسيس عيش كالمرعى الوبيل , ألا ترون إلى الحق لا يعمل به , وإلى الباطل لا يتهاهى عنه , ليرغ المؤمن في لقاء الله محقّاً , إلا وإن لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما .
قال : فقام إليه زهير بن القين البجلي رحمه الله , وقال لأصحابه : أتتكلّمون ام اتكلّم ؟ فقالوا : بل تكلم . فحمد الله واثنى عليه، ثم قال :
قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك , والله لو كانت الدنيا لنا باقية , وكنا فيه مخلدين (3) , لآثرن النهوض معك على الاقامة فيها . قال الراوي : فدعا له
(1) ابصار العين : 100 . (2) حسم بضمتين وهو اسم لموضع وفي شعر النابغة :
أليلتنا بذي حـسم أنـيري إذا انت انقضيت فلا تحوري
فإن يك بالذنائب طال ليلي فقد ابكى من الليل القصيري

انظر نهاية الارب : 15 / 401 .
وقال لبيد :
بذي حسم قد عربت ويزينها دماث فليج وهو هاو المحافل
(3) في المصدر زيادة : إلا ان فراقها في نصرك ومواساتك ...
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 176

الحسين عليه السلام وقال له : جزاك الله عن ابن بنت نبيك أخيراً (1).
وقال كثير بن عبدالله الشعبي : لمّا زحفنا نحو (2)الحسين عليه السلام يوم عاشوراء , خرج إلينا زهير بن القين البجلي على فرس له ذنوب , ووقف بين الصفين ونادى بأعلى صوته :
يا أهل الكوفة نذاري لكم من عذاب الله , نذار ان حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم , ونحن حتى الان إخوة على دين واحد على ملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف (3) ,، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة , وكنّا أمة وكنتم امّة , أيها الناس (4): أن الله قد ابتلانا واياكم بذرية نبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم لينظر ما نحن وأنتم عاملون , إنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية يزيد (5)وعبيد الله بن زياد , فإنكم والله لا تدركون منهما إلا بسوء عمر سلطانهما كله , وإنهم والله ليسملان أعينكم , ويقطعان ايديكم وأرجلكم , ويصلبانكم على جذوع النخل, ويمثلان بكم (6), ، أمثال حجر بن عدي وأصحابه وهاني بن عروة وأشياعه (7).
قال : فسبوه , واثنوا على عبيدالله بن زياد فحمدوه , وقالوا : والله يا زهير لا تبرح حتى نقتل صاحبك ـ يعني الحسين عليه السلام ـ ومن معه , أو نبعث به إلى ابن زياد سالماً . فقال زهير : ويلكم يا أهل الكوفة , إن ولد فاطمة أحقّ بالودّ من ابن سميّة , فإن لم تنصروه فأعيذكم بالله أن تقتلوه , فخلوا بين هذا الرجل وبين يزيد بن
(1) مقتل أبي مخنف : 86 .
(2) في المصدر : قبل .
(3) في المصدر زيادة : وأنتم للنصيحة منا أهل ...
(4) أيها الناس , لم ترد في المصدر .
(5) يزيد , لم يرد في الصدر .
(6) في المصدر بعد (وأرجلكم) : ويمثلان بكم , ويرقعانكم على جذوع النخل , ويقتلان أمثلكم وقرّائكم , ...
(7) في المصدر : وأشباهه .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 177

معاوية , فلعمري انه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين .
قال الراوي : فرماه شمر (1) وقال : أسكت , أسكت الله نامتك، (2) , أبرمتنا بكثرة كلامك , فقال له زهير : يا ابن البوّال على عقبيه , ما إياك أخاطب إنما أنت بهيمة , والله لا أظنك تحكم من كتاب الله آيتين فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال الشمر إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة، فقال زهير: أفبالموت تخوّفني , فوالله الموت معه أحبّ إلي من الخلد معكم .
قال : ثم أقبل على الناس رافعاً صوته , فقال : عباد الله لا يغرّنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه , فوالله لن ينالوا شفاعة محمد صلى الله عليه واله وسلم قط قوم أراقوا دماء ذريته وعترته , وقتلوا من نصرهم وذبّ عن حريمهم .
قال الراوي : فناداه رجل من أصحابه : يا زهير إن الحسين عليه السلام يقول لك : أقبل , فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح قوم , وابلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ . فرجع إلى الحسين عليه السلام , فقال له عليه السلام : جزاك الله عن رسوله واله خيراً (3) .
قال (4) : ولما أتت نوبته حمل على القوم , فجعل يقاتل قتالاً شديداً لم ير مثله قط , ولم يسمع بشبهه , وهو يقول :
أنا زهير وأنا ابن القين أذودكم بالسيف عن حسين
أن حسيناً احد السبطين من عترة البر التقي الزين

ثم رجع ووقف الامام الحسين عليه السلام , وقال :
(1) في المصدر : بسهم .
(2) النامة : بالتشديد الصوت يقال ذلك كناية عن الموت وهو دعاء العرب مشهور وأبرمتنا أي أضجرتنا بكثرة كلامك . (3) مقتل أبي مخنف : 119 ـ 120 , باختلاف بسيط . (4) والكلام للراوي .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 178

فدتك نفسي هادياً مـهديّا اليوم ألقى جدك الـنـبيا
وحسنا والمرتضى وعلياً وذاالجناحين الشهيد الحيّا

فكأنه ودعه , وعاد يقاتل حتى قتل مائة عشرين رجلاً , فشدّا عليه كثير بن عبدالله الشعبي ومهاجر بن اوس التميمي فقتلاه , ولما سقط الى الارض مشى لمصرعه الحسين عليه السلام ووقف عنده , وتكلم بكلمات , وقال : لا يبعدنك الله يا زهير عن وحمته , ولعن قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير (1) .
جادوا بأنفسهم عن نفس سيدهم والجود بالنفس اقصى غاية الجود

ويروي في تذكرة ابن الجوزي : انه لما قبل زهير قالت امرأته لغلامه : إذهب وكفن مولاك , فقال لها : أكفن مولاي وأدع الحسين ؟! لا والله (2) .
ما غسلوه ولا لفوه في كفن يوم الطفوف ولا مدوا عليه ردا (3)
(1) انظر تاريخ الطبري : 6 / 253 .
(2) تذكرة الخواص لابن الجوزي : 256 , نقول : امرأة زهير انما قالت ذلك للغلام بعد مقتل الحسين عليه السلام , ومفاده أنه لا يريد أن يترك الحسين بلا كفن ويكفن مولاه .
(3) وزينب عليها السلام نادت القوم أما فيكم مسلم يواري هذا الغريب , اما فيكم مسلم يكفن هذا السليب فلم يجيبوها كأني بها التفتت إلى أهلها :

(نصاري)

تعـالوا لـبنكم غـسلوه ويّاكـم كـفنكم دجـيـبوه
جيبو گطن للجرح شدّوه ثلث تيام مرمي بغير تغسيل

(ابوذية)

ادمن للگلب يحسين يرحـين وبس الهن دموع العين يرحين
خواتك عالهزل للسير يرحين او يعوفن جثتك بالطف رمـيّة

(تخميس)

يا سائلاً وشظايا القلب في شجن هل جـهّـزوا لقتيل مات ممتحن
أجبته بفؤاد خافق وهن
ما غـسلـوه ولا لفوه في كفن يوم الطفوف ولا مدّوا عليه ردا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 179


المطلب الرابع والثلاثون
في ملاقات الحسين عليه السلام للحرّ وما جرى بينهما

روي عن عبدالله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين قالا : كنّا نساير الحسين عليه السلام حتى نزل شراف (1) , ولما كان السحرة أمر أصحابه أن يحملوا الماء وإن يكثروا , فلما أصبحوا ساروا من شراف حتى انتصف النهار , فبينما هم يسيرون إذ كبر رجل من اصحابه , فقال له الحسين عليه السلام : الله اكبر , لم كبرت ؟! قال : سيدي رأيت النخل , فقال له رجل من اصحابه : ما رأينا في هذا المكان نخلة واحدة !! فقال الحسين عليه السلام : وما ترون ؟ قالوا : والله لا نرى إلا أسنّة الرماح , وآذان الخيل , فقال عليه السلام : وأنا والله أرى ذلك , ثم قال عليه السلام : ما لنا ملجأ نلجأ إليه ونجعله
(1) شراف بفتح اوله وآخره فاء وثانيه مخفف فعال من الشرف وهو العلو وقال أبو عبيدة السكوني ومن شرف إلى واقصة ميلان وهناك بركة تعرف باللوزة وفي شراف ثلاث آبار كبار رشاؤها أقل من عشرين قامة وماؤها عذب كثير وبها آبار كثيرة طيبة الماء يدخلها ماء المطر وقيل شراف استنبطه رجل من العماليق اسمه شراف فسمّي به . وقال الكلبي : شراف وواقصة ابنا عمرو بن معتق بن زمرة بن عبيد بن عوص بن آدم بن سام بن نوح عليه السلام. وقال زميل بن زامل الفزاري قاتل ابن داه :
لقد عضّني بالجو جو كثيفة ويوم التقينا من وراء شراف
قصرت له الدعسى ليعرف نسبتي وأنبأته أني ابن عبد مناف
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 180

خلف ظهورنا , ونستقبل القوم بوجه واحد ؟ قالوا : بلى , هذا ذوحسم إلى جنبك , فمل إليه عن يسارك . فأخذت ذات اليسار , قالا: فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي (1)الخيل كأن أسنّتهم اليعاسيب (2), وكأن راياتهم أجنحة الطير .
فأمر الحسين عليه السلام بالأبنية فضربت , وجاء القوم زهاء ألف فارس يتقدّمهم الحرّ (3)بن يزيد الرياحي , وكان مجيئه من القادسية (4), فنزل حذاء الحسين عليه السلام في حر الظهيرة , والحسين وأصحابه جالسين متقلّدي أسيافهم , فقال الحسين عليه السلام لفتيانه : اسقوا القوم [وارووهم من] (5) الماء , ورشّفوا الخيل ترشيفا , فأقبلوا يملؤن القصاع والطساس ثم يدنونها من الفرس , فإذا عب فيها ثلاثاً أو أربعاً عزلت وسقى الاخرى , حتى سقوهم عن آخرهم . قال علي بن الطعان المحاربي : كنت يومئذ مع [الحرّ بن يزيد]، (6), فجئت في آخر من جاء من أصحابه , فلما رأى الحسين عليه السلام ما بي وبفرسي من العطش , قال لي : يا ابن أخي إنخ الجمل ؛ فأنخته
(1) الهوادي جمع الهادي العنق والمتقدم وهنا يريد مقدمة الخيل .
(2) جمع يعسوب أمير النحل وذكرها يشبه لمعان الأسنة بلمعان أجنحة اليعاسيت في الشمس .
(3) الحر بن يزيد الرياحي كان شريفاً في قومه جاهلية وإسلاماً فإن جده عتابا كان رديف النعمان بن المنذر وولد عتاب قيسا وقعنبا ومات عتاب فردف فقيس النعمان ونازعه الشيبانيون فقامت بسبب ذلك حرب يوم الطخلة والحر بن عم الاخوص الصحابي الشاعر . (4) القادسية وحسبما جاء في ج4 ص 291 من كتاب المعجم البلدان للحموي موضع بينه وبين الكونة خمسة عشر فرسخاً وبينه وبين العذيب أربعة أميال وبحفدا الموضع كان يوم القادسية بين سعد ابن أبي وقاص والمسلمين والفرس في أيام عمر بن الخطاب وذلك سنة 16 من الهجرة .
(5 و 6) ما اثبتناه من المصدر .

السابق السابق الفهرس التالي التالي