ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 181

فجعلت كلما أشرب سال الماء (1) , وسقيت فرسي (2).
قال الراوي : وما زال الحر موافقاً للحسين عليه السلام حتى حضرت وقت صلاة الظهر , فأمر الحسين عليه السلام الحجاج بن مسروق الجعفي أن يؤذن , فأذّن , ثم خرج الحسين عليه السلام والتفت إلى الحرّ , وقال : أتصلي بأصحابك؟ فقال الحرّ : كلا , بل تصلي ونصلّي بصلاتك , فصلّى بهم الحسين عليه السلام , فلما فرغ من صلاته اقبل عليهم بوجهه , فحمد الله وأثني عليه , وذكر النبي فصلّى عليه , ثم قال :
أيها الناس , إني لم آتيكم حتى أتتني كتبكم , وقدمت علي رسلكم فإن كتبتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه , فقال الحرّ : أنا والله لا أدري ما هذه الكتب والرسل !! فصاح الحسين عليه السلام لعقبة بن سلمان , أخرج الخرجين المملوئين صحفاً , فأخرجها عقبة ونشرها بين يدي الحسين عليه السلام والحرّ , فقال الحرّ : لست من هؤلاء الذين كتبوا إليك , وقد أمرت أن لا افارقك حتى ادخلك الكوفة , واضع يدك في يد ابن زياد .
فقال الحسين عليه السلام : إذاً الموت أدنى إليك من ذلك . ثم أن الحسين عليه السلام أمر أصحابه أن يسيروا , فحال الحرّ بينهم وبين المسير , فقال الحسين عليه السلام : ثكلتك امك , ما تريد منهم ؟ فقال الحرّ : لو غيرك من العرب قالها لي وهو في هذا الحال الذي أنت عليه ما تركت ذكر امه بالثكل كائناَ من كان , ولكن والله مالي إلى ذكر امك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه . فقال الحسين عليه السلام : إذاُ ما تريد ؟ قال : اريد أن أنطلق بك إلى الكوفة إلى ابن زياد . فقال الحسين عليه السلام : إذاً والله لا أتّبعك .
(1) هنا سقط في الاصل : من السقاء , فقال الحسين عليه السلام : اخنث السقاء (أي) إعطفه . قال : فجعلت لا أدري كيف أفعل , فقام الحسين عليه السلام فخنثه فشربت ...
(2) عن أبي مخنف في مقتل الحسين عليه السلام : 81 ـ 82 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 182

فقال الحرّ : إذاً والله لا أدعك ؛ فترادّا القول فيما بينهم ثلاث مرات , فخشي الحرّ الفتنة فقال : يا أبا عبدالله إني أمرت إذا لقيتك لا أفارقك , فإذا كان الأمر كذلك فخذ طريقاً لا يردك إلى المدينة ولا يدخلك الكوفة , ليكون بيني وبينك نصفاً , حتى أكتب الى ابن زياد , فلعلّ الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه [العافيه] (1) من أن أبتلي بشئ من أمرك , فخذ هاهنا تياسراً من طريق العذيب والقادسية . فرضي الحسين بذلك , فساروا (2).
فبينما هم يسيرون إذ التفت الحر الى الحسين عليه السلام وقال له : يا أبا عبد الله إني أذكرك الله في نفسك , فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ . فقال له الحسين عليه السلام : أفبالموت تخوفني ؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلونني ؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه , وهو يريد نصرة رسول الله فخوّفه ابن عمّه وقال له : أين تذهب ؟ إنك مقتول , فأنشأ يقول :
اقـدم نـفسـي لا أريـد بـقـاءها لتلقي خميساً في الوغي وعرمرما
سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا مـا نوى حـقّاً وجاهد مسلما
وواسـى الـرجال الصـالحين بنفسه وفارق مثبوراً وودع مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم أذم كفى بك ذلاً أن تعيش وترغما (3)

قال : فلما رأى امتناع الحسين عليه السلام سكت وجعل يسايره , فلما أصبح الصباح نزل وصلى , ثم عجل بالركوب , فأخذ يتياسر بأصحابه يريد ان يفرّقهم ,
(1) ما أثبتناه من المصدر .
(2) انظر مقتل الحسين عليه السلام لابي مخنف : 83 ـ 85 . ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/ 231 ـ 233 , وأخبار الطوال للدينوري : 249 .
(3) مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/ 233 , وانظر انساب الأشراف : 3 / 171 , وتاريخ الكامل لابن الأثير :
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 183

فيأتيه الحر وكان إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه , فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتى انتهوا الى نينوى (1) . (2)
ويروى أن زهير بن القين البجلي قال للحسين عليه السلام : سيدي دعنا نقاتلهم , فإن قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا بهم , فقال الحسين عليه السلام : ما كنت لأبدءهم بالقتال (3) . ثم قال : والتفت الحسين عليه السلام إلى أصحابه وقال : من منكم يعرف الطريق على غير الجادة ؟ فقال الطرماح (4): أنا يابن رسول الله ؛ فقال له الحسين عليه السلام تقدم , فتقدم الطرماح أمام الركب وجعل يرتجز :
يا ناقتي لا تذعري من زجر واسر بنا قبل طلوع الفجر
بخـير فـتـيان وخير سفر وآل رسول الله آل الفخر
السادة البيض الوجوه الزهر الضاربين بالسيوف البتر
الطـاعـنين بالرماح السمر يا مالك النفع معاً و الضر
أيّد حسيناً سـيّدي بـالنصر على الطغاة من بقايا الكفر
واخذل يزيد العهر ابن العهر
(1) نينوى : المكان الذي نزل به الحسين عليه السلام , وهي ناحية بسواد الكوفة , وقيل : قرية يونس بن متى . انظر معجم البلدان : 8 / 368 .
(2) الارشاد للشيخ المفيد : 2 / 82 , ومقتل الحسين عليه السلام لابي مخنف : 92 .
(3) مقتل الحسين عليه السلام لابي مخنف : 94 , ورواه في الارشاد : 2 / 84 .
(4) هو الطرماح بن عدي: عده الشيخ الطوسي رحمه الله في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وقال: رسوله عليه السلام إلى معاوية , وعده أيضاً في اصحاب الامام الحسين عليه السلام , وقال المولى عناية الله القهباني: الطرماح بن عدي بن حاتم الطائي : وطرماح ـ كسنمار ـ العالي النسب المشهور . انظر رجال الشيخ : 46 / 3 , و75 /1 , ومجمع الرجال : 3 / 229 . انظر ترجمته في تنقيح المقال : 2 / 109 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 184

أقول : وإنما حدا الطرماح لغاية هناك رام أن تسير الإبل سيراً سهلاً على عادتها في الحداء , ولتسكن روعات النساء إذا سمعت بمدح عميدها الحسين عليه السلام , فسارت الى كربلاء على هذه الحالة , قد حفّتها بنو هاشم وأصحابه الصفوة , والطرماح يحدوا بها , ولكنها يوم خرجت من كربلاء حفت بها الأعداء من كل جانب , وسارت على حالة يحدو بها شمر بن ذي الجوشن وزجر بن قيس .
أيسقوها زجر بضرب متونها والشمر يحدوها بسبّ أبيها (1)
(1) وزينب عليها السلام تخاطب أخاها الحسين عليه السلام بلسان الحال :

(نصاري)

ودعـتـك الله يـا عيوني يـردون عنك ياخذوني
او زجر او خوله اليباروني للكـوفة انـووا يمشّوني
نخيت اخوتي ولا جاوبوني وابغصب عنكم فارگوني
گطعت الرجه او خابت اظنوني

وكاني بها توجهت الى جهة العلقمي وخاطبت الجمّال :

(دكسن)

يجمال مر بينا اعلى عباس اخونة العجيد اليرفع الراس
تگلة تراهم گوم الارجاس خذونة وعلينة الشمر حراس
تتفرج على أحوالنا الناس

(تخميس)

مخـدرة المـختار مـن بعد مجدها تـسيرهـا ابناء حرب لوغدها
دعت مذ نأى عن عينها بدر سعدها
ونادت على الاقتاب من عظم وجدها أبا حسن يا خير من ضمه القبر
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 185


المطلب الخامس والثلاثون
في كيفية سعادة الحر ولحوقه بالحسين عليه السلام

روي عن عقبة بن سمعان (1) قال : لما سار الحسين عليه السلام من قصر بني مقاتل (2) سرنا معه , فبينا نحن نسير إذ خفق الحسين عليه السلام وهو على ظهر جواده , ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون [والحمد لله رب العالمين] (3) ؛ فأقبل عليه ولده علي الاكبر فقال له : أبه مم حمدت الله واسترجعت ؟ فقال : يا بني أني خفقت برأسي
(1) عقبة بن سمعان : عده الشيخ الطوسي رحمه الله في أصحاب الحسين عليه السلام (78/27) , وقيل : انه كان عبدا للرباب زوجة الامام الحسين عليه السلام , وإنه كان يتولى خدمة أفراسه عليه السلام وتقديمها له , فلما استشهد عليه السلام أخذه أهل الكوفة أسيراً , ثم اطلق سراحه , وجعل يروي واقعة الطف , ومنه اخذت أخبارها , وروي عنه ابي أبي مخنف بالواسطة , ويقول العلامة المامقاني رحمه الله : حاله مجهول , بل تخلفه عن نصرة الامام عليه السلام يجعلنا في ريب منه . وقال السيد الخوئي رحمه الله : ممن وقع التسليم عليه في الزيارة الرجبية , وأنه استشهد معه عليه السلام . انظر : معجم رجال الحديث : 14 : 170 / 7736 , تنقيح المقال : 2 : 254/7969 .
(2) قصر بني مقاتل : قال ياقوت الحموي : «قصر كان بين عين التمر والشام , وقال السكوني : هو قرب القطقطانة وسلام ثم القريات , وهو منسوب إلى مقاتل بن حسان بن ثعلبة بن أوس بن ابراهيم ابن ايوب بن مجروف بن عامر بن عصية مرىء القيس بن زيد بن مناة بن تميم» انظر معجم البلدان : 4 / 364 .
(3) ما أثبتناه من المصدر .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 186

خفقه فعن لي فارس [على فرس] (1)وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا (تسير بهم الى الجنة) (2), فقال علي بن الحسين : افلسنا على الحق ؟ قال : بلى والذي إليه مرجع العباد , فقال : أبه أذا لا نبالي بالموت , فقال الحسين : أذا جزاك الله [من ولد] (3)خير ما جزى ولداً عن ولده (4) .
قال المفيد : ولما أصبح نزل وصلى بأصحابه , ثم عجل الركوب , فأخذ يتياسر , فورد كتاب ابن زياد الى الحر يلومه في أمر الحسين ويأمره بالتضييق عليه , فتعرض له الحر وأصحابه ومنعوه من المسير , فقال له الحسين عليه السلام : ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق؟ قال : بلى ولكن كتاب الامير قد ورد الي يأمرني بالتضييق عليك , وقد جعل علي عيناً يطالبني بذلك (5) .
قال السيد رحمه الله في اللهوف , ثم أن الحسين ركب وصار كلما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه اخرى حتى ورد كربلاء في اليوم الثاني من المحرم (سنة أحدى وستين فبينا هو يسير واذا بجواده قد وقف فقال الحسين) (6) : ما اسم هذه الارض ؟ فقيل له : (نينوى , فقال : ألها اسم غير هذا ؟ فقيل له : الغاضريات , قال : ألها اسم غير ذلك؟ فقيل له : المسنات , فقال : ألها اسم غير هذا ؟ فقيل له) (7): كربلا , قال : كرب وبلا , هاهنا محط رحالنا , هاهنا مقتل رجالنا , هاهنا تذبح
(1) ما أثبتناه من المصدر .
(2) ما بين القوسين لم يرد في المصدر وجاء فيه : تسري أليهم .
(3) ما أثبتناه من المصدر .
(4) مقتل الحسين عليه السلام لأبي مخنف : 92 , وايضاً الارشاد للشيخ المفيد : 2 / 82 .
(5) الارشاد للشيخ المفيد : 2 / 82 ـ 83 (باختلاف بسيط) .
(6) ما بين القوسين لم يرد في نسختنا من المصدر , وجاء فيه : فلما وصلها , قال ...
(7) ما بين القوسين لم يرد في نسختنا من المصدر .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 187

أطفالنا ؛ ثم أمر اصحابه بالنزول فنزلوا وأمر بأبنيته فضربت , ونزل الحر الى جانب (1).
فلما بلغ ابن زياد نزول الحسين عليه السلام كربلاء جمع الجيوش والعساكر وأمر عليهم عمر بن سعد , وجاءت تترى الى كربلاء حتى تكاملت الجيوش سبعين ألف , فلما رأى الحر تصميم القوم على قتل الحسين عليه السلام وأهل بيته أقبل على ابن سعد وقال له : أمقاتل أنت هؤلاء القوم ؟ يعني الحسين , قال , اي والله , قتالاً ايسره أن تطيح فيه الرؤوس والأيدي ؛ فرجع الحر ووقف مع اصحابه فأخذه مثل الإفكل , فقال له مهاجر بن أوس التميمي : ان أمرك لمريب ! ما هذا الذي أراه منك ؟ ولو قيل من اشجع العرب لما عدوتك . فقال له الحر : ان نفسي تخيرني بين الجنة والنار , فوالله لا اختار على الجنة شيئا ولو قطعت واحرقت . ثم ضرب فرسه , ولحقه ولده حتى صار قريبا من خيم الحسين عليه السلام , فنزل من على ظهر فرسه وقلّب ترسه وأغمد سيفه , ووضع يده على رأسه , وجاء الى الحسين عليه السلام وهو يقول : « اللهم اليك اتوب واليك انيب فتب علي فقد ارعبت قلوب اولاد نبيك » . ثم سلم على الحسين عليه السلام , فرد الحسين عليه السلام , وقال : سيدي أنا صاحبك الذي منعتك عن الرجوع , وجعجعت بك في الطريق , سيدي وما ظننت ان القوم يبلغون بك الى ما ارى , سيدي انا تائب الى الله عليك , ثم قال : فهل ترى إلي من توبة ؟ فقال له الحسين عليه السلام : نعم إن تبت تاب الله عليك ؛ فقال : سيدي كنت أول خارج عليك فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك , فإذن له الحسين عليه السلام للبراز , فبرز وهو يقول :
إني أنا الحر ومأوى الضيف أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير من حل بأرض الخيف
(1) الملهوف على قتلى الطفوف : 139 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 188


قال : ثم رجع إلى الحسين عليه السلام وقال : سيدي أني احدثك بشيء ثم أعود للحرب , اعلم لما وجهني ابن مرجانة الى الخروج إليك فخرجت من باب قصره سمعت منادياً ينادي : يا حر ابشر بالجنة فالتفت الى ورائي فلم أر أحد , فقلت في نفسي : سبحان الله بعثني هذا الطاغية ألى ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فما هذا النداء؟ يا سيدي والآن تحقق عندي أني ارزق الشهادة بين يديك.
ثم ودع الحسين عليه السلام , وحمل على القوم , فلم يزل يقاتل حتى قتل جمعاً كثيراً , ثم عقروا فرسه وبقي يقاتل راجلاً , حتى قتل اربعين فارساً , وخمسة عشر راجلاً , فتعطفوا عليه أعداء الله وقتلوه , ولما قتل مشى لمصرعه الحسين عليه السلام , وجلس عند رأسه وهو يقول : « انت كما سمّتك امك حر في الدينا وحر في الاخرة » .
ورثاه علي بن الحسين قال :
لنعمر الحر حر بني رياح صبور عند مشتبك الرماح
ونعم الحر إذا واسا حسيناً وجاد بنفسه عند الصياح (1)
ويروى أن الحسين عليه السلام عصب جبينه بمنديل كان عنده.
أقول: أنا لا أدري لما صرع هو عليه السلام من حضر عنده وعصب رأسه؟ نعم،
(1) توضيح : قال المفيد رحمه الله : اشترك رجلان في قتل الحر احدهم ايوب ابن مسرح ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة انتهى . وقال صاحب الابصار : وإنما دفنت بنو تميم الحر على نحو ميل من الحسين عليه السلام حيث قبره الان اعتناء به ويقال ان بعض ملوك الشيعة وهو الشاه اسماعيل استغرب ذلك فكشف عن قبر الحر فوجده على صفته التي ترجم بها ورأسه غير مقطوع لأن لمّا أرادوا قطع الرؤوس منعت بنو تميم وقالوا : رأس الحر لا يقطع فدفن ولم يقطع رأسه ووجده ذلك الملك معصباً بالعصابة التي عصبهه بها الحسين فطمع بها فحلها ليأخذها تبركاً بها فأنبعث الدم من جبينه فخاف ذلك الملك فشدها وخرج من القبر وصنع على قبره صندوقاً .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 189

مالك بن النسر لما شهر سيفه وضرب الحسين عليه السلام على ام رأسه , وكان على رأسه برنس فامتلأ البرنس دماً , فقال له الحسين عليه السلام , لا أكلت بيمينك ولا شربت بها :
ولقد غشوه فضارب ومفرق سهماً إليه وطاعن متقصد (1)
(1) ويروى ان الحسين عليه السلام عصب جيبته بمنديل كان عنده وبعد ذلك اقبلت عشيرته ووارته حيث قبره الآن , أسفي عليك يا ابا عبدالله من الذين عصب جبينك من الذي دفن جثمانك , وفي ذلك يقول الخضري :
(موشح)
جلـه اهمـوم الفواطم مجلة القتوت ورج الغاضرية او حامي البيوت
وعگب ما شافت امن امذهبة الموت طاح او فيض دمه على الثر يسيل
اجاه احسين مـثل الـلـيث يـهدر ينادي ودمع عـيـنه عليه يحـدر
امّك ما خطـت مـن سـمتـك حر مسح عنه التراب ومـدمـعة ايسيل
او من ناده الرجس يا خيلنه اوصاح عمامه ابغيض سلت بيض الصفاح
ابذيج الخيل نادت كل بـني ريـاح عميد الحر عـجـب ينداس بالخيل
على خـشوم الـزلم رغماً نشيلة وكل مـچـتول تـنهـضله جبيله
تسل بيض السـيوف وتـعتـنـيله لعـند الـمعركه و لـجثته اتـشيل
العـيره شالـته ابـحر الظـهيره الكـل مـنهم عـليه شالته الغيره
بس ظلـو الما عدهم عـشـيـره ضحايا على الثرى من غير تغسيل

(تخميس)

كان يستسقي به غيث السما فقضى روحي فداه بالضما
وبخيل الكفر عدواً حطما
غسلـوه بـدم الطعن وما كفنوه غير بوغاء الثرى
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 190


المطلب السادس والثلاثون
في نصيحة كامل لابن سعد لعنه الله

لما وافى الحسين عليه السلام ومعه الحر الى كربلاء , فإذا هم براكب على نجيب له , وعليه السلاح متنكبّاً قوساً , مقبلاً عليه , فوقفوا جميعاً ينتظرونه , فلما انتهى اليهم سلم على الحر ولم يسلم على الحسين عليه السلام , ثم أخرج كتاباً من ابن زياد ودفعه الى الحر ,وإذا فيه :
أما بعد ... فجعجع بالحسين , ولا تنزله إلا بالعراء , في غير حصن وعلى غير ماء , وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري .
وكان مع الحسين عليه السلام يزيد بن مهاجر الكندي (1) , فجاء الى رسول ابن زياد فعرفه فقال له : ثكلتك امك , بماذا جئت ؟ قال : أطعت إمامي ووفيت ببيعتي ؛ فقال له ابن المهاجر : بل عصيت ربك , وأطعت امامك في هلاك نفسك , وكسبت النار والعار , وبئس الإمام امامك , كما قال عز من قائل : « وجعلناهم أئمة يدعون الى
(1) هو يزيد ابن زياد المهاجر الكندي , أبو الشعثاء البهدلي , من بني بهدلة , كان رجلاً شريفاً شجاعاً فاتكاُ , ويهدلة حي من كندة , وقد جاء ذكره في الزيارة الناحية المقدسة والتسليم عليه استشهد رضي الله عنه مبارزاً .
انظر ذخيرة الدارين : 239 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 191

النار ويوم القيامة لا ينصرون » فأمامك هذا منهم .
قال : ونزل الحسين عليه السلام في كربلاء على غير ماء ولا كلاء , فقال زهير بن القين البجلي : يا بن رسول الله إن قتال هؤلاء القوم الساعة اهون علينا من يأتينا من بعدهم , فقال عليه السلام : ما كنت لأبدئهم بالقتال .
قال : ولما بلغ ابن زياد نزول الحسين كربلاء صعد على المنبر وخطب الناس , وأمرهم بالخروج إلى حرب الحسين، ووفر لهم العطاء , وكان عدتهم سبعين ألف , وأراد أن يؤمر عليه أميراً فدعى ابن سعد وقال له , أريد أن أؤمرك على هذا الجيش , وان تتولى قتل الحسين ولك ولاية الري , فقال له ابن سعد أمهلني حتى اراجع نفسي .
ثم انصرف إلى منزله متفكراً , فاستشار رجلاً يقال له (كامل) ـ وكان صديقاً لأبيه سعد , وكان على اسمه كاملاً ـ فقال له : ويلك يا ابن سعد تريد ان تقتل الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟! اف لك ولدينك , اسفهت الحق وضللت الهدى ؟! اما تعلم الى حرب من تخرج ولمن تقاتل ؟! والله لو اعطيت الدنيا على أن أقتل رجلاً واحداً من امة محمد صلى الله عليه واله وسلم ما فعلت , فكيف وأنت تريد أن تقتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وما الذي تقوله لرسول الله إذا وردت عليه يوم القيامة وقد قتلت سبطه ؟ وإني اقسم بالله لئن حاربته أو قاتلته أو أعنت عليه لا تلبث في الدنيا إلا القليل ؛ فقال ابن سعد : أفبالموت تخوفني !! واني إذا فرغت من قتله أكون أميراً على سبعين ألف وأتولى ملك الري . فقال له كامل : إذاً احدثك بحديث , فقال ابن سعد : قل حتى اسمع . قال : إعلم إني سافرت مع أبيك سعد الى الشام فانقطعت عن أصحابي في الطريق وعطشت عطشاً شديداً , فلاح لي دير راهب
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 192

فملت إليه وأتيت إلى باب الدير , فقال لي الراهب : ما تريد يا هذا ؟ قلت له : إني عطشان , فقال لي : أنت من أمة محمد الذين يقتلون بعضهم بعضا على حب الدينا . فقلت له : أنا من الامة المرحومة أمة محمد ؛ فقال : انكم لشر الامة , فالويل لكم يوم القيامة , وانكم لتقتلون ابن بنت نبيكم , وان قاتله لعين أهل السماوات والأرض , اعلم يا هذا وان قاتله لا يلبث بعده الا قليلاً ؛ قال كامل: فقلت إني اعيذ نفسي من أن أكون مم يقاتل إبن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فقال لي: أن لم تكن أنت وإلا فرجل قريب منك ؛ ثم ردم الباب في وجهي ودخل الدير فركبت فرسي ولحقت بأصحابي .
[وحدّثت أباك بما جرى بيني وبين الراهب من الكلام] , فقال لي أبوك سعد : صدقت وأنا مررت بالراهب قبلك فقال لي من ولدك من يقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , فاحذر يا عمر ودع عنك هذا الامر فإنه خير لآخرتك ودنياك .
قال : فبلغ الخبر إلى بن زياد فاستدعى كاملاً فقطع لسانه , وعاش يوماً او بعض يوم ثم مات رحمه الله .
قال : وجعل ابن سعد يفكر في ولاية الري أو الخروج الى حرب الحسين فصمم رأيه أن يخرج إلى حرب وانشأ يقول :
فوالله لا أدري وإنـي لـحائر افكر على أمري على خطرين
أأترك ملك الري والريّ منيتي أم أرجـع مأثوـماً بقتل الحسين
حسين ابن عمي والحوادث جمّه لعمري ولي في الري قرّة عين
وإن إلـه الـعرش يغفر زلتي ولو كـنـت فـيها أظلم الثقلين
ألا إنـمـا الـدنيا لخير معجّل وما عاقـل بـاع الوجود بدين
H1 193

يقـولون إن الله خـالق جنة ونار وتـعذيـب وغل يدين
فإن صدقوا فيما يقولون إنني أتوب الى الرحمن من سنتين
وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة وملـك عـقيم دائم الحجلين

قال : فأجابه القائل :
ألا أيها الـنغل الـذي ليس مثله ويمضي من الدنيا بقتلة شين
إذا أنت قاتلت الحـسين بن فاطم وانـت تـراه أشرف الثقلين
فلا تحسبن الري يا أخسر الورى تفوز به من بعد قتل الحسين

قال الراوي : فلما لبث أن خرج إلى حرب الحسين عليه السلام وكان اول رام بسهم على حرم الحسين , فإنه خرج من الخيمة بيده القوس فقال : اشهدوا لي عند الأمير فأنا أول رام . ثم رمى السهم نحو الحسين ورمت اصحابه حتى صار السهام كالمطر , وأنفذ اللعين أوامر ابن مرجانة بالحسين , منها : انه كتب له امنعه عن شرب الماء هو وأصحابه وعياله وأطفاله , فمنعهم ذلك .
ومنها : كتب إليه بعد قتله احرق مضاربه ومضارب من معه , فحرقها .
ومنها : كتب إليه إذا قتلت حسيناً فأوطئ الخيل صدره وظهره وما أظن إن هذا يضر به بعد القتل شيئاً , ولكن على قول قد قتله فصنع اللعين ذلك .
والذي زاده هو من نفسه أنه لما صرع الحسين عليه السلام وأقبلوا على سلبه وسلبوه حتى تركوه عرياناً , فأخذ بن سعد درعه ولبسها ودخل على حرمه , فلما رأينه وقد لبس درع الحسين عليه السلام صحن : وا حسينا ... وخرجت زينب من الخيمة واضعة عشر أصابعها على رأسها , تنادي : وا جدّاه وا محمداه ... يا جد هذا حسينك
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 194

بالعرا محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والردا (1) .

(1)

(نصاري)

يجدّي اگعد وشوف ابنك رميّة خذوا راسه او جسمه اعلى الوطيه
عليه اتـجول گامت خيل اميه ولا ظل بـيه مفـصل ما تهشم

(دكسن)

يجدي شوف أصاويب البصدره تسع ميه والف طعنه وطـبره
غير اللي تعدى الخزر ظهـره شبج فوگه او لعند الخزر فصم

(ابوذية)

لتوالي العمر ذاخرتـك وريـداك عفتني وذبل يبن امي وريداك
عسى سيف الگطع بالطف وريداك گطع مني الوريد وعـمل بيه

(تخميس)

أخـي ذا فؤادي سـقيم جريح وجفني عليك يابن امي قريح
ولم لا وأنت عفير طريح
أخي هد ركني وصبري استبيح وبـدد شملي فـلم يـجمع
H1 195


المطلب السادس والثلاثون
في اجتماع الحسين عليه السلام مع ابن سعد

لما وافى ابن سعد كربلاء وضرب أبنيته أرسل إليه الحسين عليه السلام « اني اريد أن ألقاك » . فامتثل لأمر الحسين عليه السلام واجتمعا ليلاً , وتناجيا طويلاً , وكان الحسين عليه السلام مع ولده علي الاكبر , وابن سعد مع ولده حفص , ثم رجع الحسين عليه السلام الى خيمته , وإن ابن سعد دعا بدوات وبيضا وكتب الى زياد كتاباً يقول فيه :
« اما بعد ... فإن الله أطفأ الثائرة وجمع الكلمة , وأصلح أمر الامة , وهذا الحسين بن علي عليه السلام قد أعطاني عهداً , أن يرجع الى المكان الذي اتى منه أو أن يسير إلى ثغر من الثغور , فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيرى رأيه فيه » .
فلما ورد الكتاب الى ابن زياد قال : هذا كتاب ناصح مشفق ؛ فقال الشمر : أتقبل هذا منه وقد حل بأرضك , فوالله لئن رحل من بلادك ليكونن اولى بالقوة ولتكونن أولى بالضعف , فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن , ولكن فالينزل على حكمك ؛ فقال ابن زياد : الرأي رأيك , اخرج بهذا الكتاب الى ابن سعد

السابق السابق الفهرس التالي التالي