ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 196

فليعرض على الحسين النزول على حكمي فأن فعل فليبعث إليّ به وبأصحابه سلما , وإن هم أبوا فليقاتلهم , فان فعل فاسمع له وأطع وإن أبى فأنت أمير الجيش .
ثم كتب الى ابن سعد :
« اما بعد ... فإني لم أبعثك الى الحسين لتمنيه السلام او البقاء , ولا لتكون له عندي شفيعا , انظر فإن نزل الحسين على حكمي إبعث الي به وبأصحابه سلما , وإن أبى فقاتله , وإن قتلت حسيناً فأوطئ الخيل صدره , ولا أرى الله أن هذا يضر بعد القتل شيئاً ولكن على قول قد قلته » .
قال الراوي : فجاء الشمر بكتاب ابن زياد الى كربلاء وعرضه على ابن سعد , فلما [نظر في الكتاب] قال له : مالك ... ويلك يابن ذي الجوشن لا قرب الله دارك , وقبّح الله ما قدمت به , والله لأظنك أنت الذي نهيته عما كتبت به إليه , والله إن الحسين لا يبايع وإن نفس أبيه لبين جنبيه .
قال الراوي : ثم ضيّق على الحسين وقسّم الجيش , وجعل على المسنّاة أربعة آلاف وأمرهم أن يمنعوا الحسين وأصحابه من حمل الماء , وكتب الكتائب , فلما رأى الحسين عليه السلام ذلك جلس في خيمته يصلح سيفه وهو يقول :
يا دهر اف لك من خليل كم لك بالإشراق والأصيل
من طـالب بـحقه قتيل والدهر لا يـقنـع بالبديل
وكل حـيّ سالك سبـيل ما أقرب الوعد من الرحيل
وإنما الامر الى جليل
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 197


وفي رواية عن الامام زين العابدين عليه السلام : إن الحسين عليه السلام قال هذه الأبيات عشيّة اليوم التاسع من المحرم , قال علي بن الحسين عليه السلام :
« إني لجالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمّتي زينت تمرضني وإذا اعتزل أبي في خباء له وعنده جون مولى أبي ذر الغفاري , وهو يعالج سيفه ويصلح وأبي ينشد هذه الابيات فأعادها مرتين أو ثلاثاً حتى فهمتها , وعرفت ما أراد وخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت إن البلاء قد نزل , وأما عمتي لمّا سمعت وهي امرأة من شأن النساء الرقّة والجزع لم تملك نفسها دون أن وثبت تجر ثوبها حتى انتهت إليه نادت : وا ثكلاه ... وليت الموت أعدمني الحياة ... اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن , يا خليفة الماضين وثمال الباقين . فنظر إليها الحسين عليه السلام وقال لها : « يا اختاه لا يذهبن بحلمك الشيطان » . فقالت : أخي نفسي لك الفداء , فردّت عليه غصّته وترقرقت عيناه بالدموع ثم قال : « لو ترك القطا ليلاً لنام » , فقالت: يا ويلتاه افتغصب نفسك اغتصاباً ؟ فذلك اقرح لقلبي وأشدّ على نفسي .. , ثم لطمت وجهها وأومت إلى جيبها فشقّته فخرجت مغشيّاً عليها , فقام إليها الحسين عليه السلام فصب على وجهها الماء حتى أفاقت فقال لها الحسين : « يا اختاه تعزي بعزاء الله , فإن سكان السماوات يفنون , وأهل الأرض كلهم يموتون , وجميع البرية يهلكون , وكل شيء هالك إلا وجهه الذي خلق الخلق بقدرته , ويبعث الخلق ويعيدهم وهو فرد وحده , جدي خير مني وأبي خير مني وأخي خير مني , ولي ولكم ولكل مسلم برسول الله اسوة , ثم قال لها : يا اختاه إني أقسمت عليك فأبرّي قسمي , ولا تشقّي
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 198

علي جبينا , ولا تخمشي عليّ وجها , ولا تدعي عليّ بالويل والثبور » .
أخت يا زينب أوصيك وصايا فاسمعي إنني فـي هـذه الارض ملاق مصرعي
واصبري فالصبر من شيم كرام المفزع كل حي سـينجيـه عن الأحـياء حـين
واجمعي شمل اليتامى بعد فقدي وانظمي اطعمي من جاع منهم ثم روّي من ظمي
واعـلمي أنـي في حفـظهـم طل دمي لـيـتني بينهم كالبـدر بين الفرقـدين

قال الراوي: ولما سكنت خرج الحسين عليه السلام من الخيمة وجمع أصحابه ثم خطبهم وقال :
« اللهم احمدك على ما أكرمتنا بالنبوّة , وعلمتنا القرآن , وفقّهتنا بالدين , فاجعلنا من الشاكرين ـ ثم قال ـ : أصحابي انطلقوا أنتم في حل مني , وإن القوم لا يريدون إلا قتلي » . فقالوا له اخوته واولاد عمه : لم نفعل ذلك , أتحب أن نبقى بعدك عاراً في الناس ؟ لا أرانا الله ذلك يا أباعبدالله ... , وبدأهم في ذلك العباس بن علي , ثم التفت الحسين عليه السلام الى بني عقيل وقال :
« يا بني عقيل ... حسبكم من القتل بمسلم , فاذهبوا أنتم في حلّ مني » . فقالوا : يا سبحان الله !! ما نقول للناس وما يقولون لنا لو نترك سيدنا وبنو عمومتنا ولم نرم معهم بسهم ونطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بالسيف , لا والله لا نفعل ذلك نفديك بأنفسنا ونقتل دونك حتى نرد موردك , قبح الله العيش بعد يا أبا عبدالله .
وتكلمت أصحابه , قالوا : أبا عبدالله .. نحن نخلي عنك ؟ وبماذا نعتذر الى الله في أداء حقك ؟ لا والله لا نفارقك حتى نطعن في صدورهم رماحنا ونقاتلهم
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 199

بأسيافنا .
أقول : بيض الله وجههم , لقد بذلوا مهجهم دون أبي عبدالله الحسين عليه السلام ولله در من قال :

جادوا بأنفسهم عن نفس سيدهم والجود بالنفس أقصى غاية الجود (1)


(1)

(نصاري)

اطـربوا بالمنايه او غدوا يحدون او دون ابنات وحي الله يحامون
لمن طاحوا ضـحايا ابخطة الكون او عليـهم بالشهـادة الباري أنعم
غدوا هذا اعلى حر الگاع مطروح او ذاك ايعالج او دم منحره ايفوح
وهذا من الطعن ما بگت بي روح او ذاك من الطبر جـسمـه تخدّم
تعنّه احـسين واوچـب بالعماره لگال امـطرحه او دمعها ايتجاره
صفگ بيده وتلهف على انصاره او عليهم دمع عينه انحدر واسجم

(ابوذية)

يحگ لي انصب على اهل المجد مأتم بدر تم بالبلوغ وبـدر ما تــم
عـجـيـد اصياح مـنهم أبد ما تم بـس اديارهم أمـسـت خـلية
* * *
أحباي لو غير الحمام أصابكم عتبت ولكن ما على الموت معتب
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 200


المطلب السابع والثلاثون
في ما صدر في ليلة العاشر من المحرم

لما كانت الليلة العاشرة من المحرم جمع الحسين عليه السلام أصحابه عند المساء , قال علي بن الحسين عليه السلام : فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم , وان إذ ذاك مريض , فسمت أبي يقول لأصحابه :
« اثني على الله احسن الثناء وأحمده الى السرّاء والضرّاء , اللهم إني أحمدك على ما كرمتنا بالنبوّة , وعلمتنا القرآن , وفقهتنا في الدين , وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة , فاجعلنا من الشاكرين , أما بعد ... فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي , وأهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي , فجزاكم الله عني خيراً , الا واني اظن أن يوما لنا من هؤلاء القوم , الا واني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً , أنتم في حل مني ليس عليكم مني ذمام , وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً , وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي , وتفرقوا في سواد هذا الليل , ودعوني وهؤلاء القوم , فإنهم لا يريده غيري » . فقالوا له إخوته وأبناءه وبنو أخيه وأبناء عبدالله بن جعفر ؟ ولم تفعل ذلك لنبقي بعدك ؟ لا أرانا الله ذلك أبداً .
فبدأهم بهذا القول العباس بن علي وأتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثل هذا , ثم نظر الى بني عقيل فقال : « حسبكم من القتل بمسلم إذهبوا فقد إذنت لكم » .
ثمرات العواد /ج1 201

فقالوا : يا سبحان الله , فما يقول الناس لنا ؟ وماذا نقول لهم ؟ انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الاعمام , ولم نرم معهم بسهم , ولم نطعن معهم برمح , ولم نضرب معهم بسيف , ولا ندري ما صنعوا , لا والله لا نفعل ذلك ولكنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهالينا .
وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال : أنحن نخلي عنك وقد أحاط بك هذا العدو ؟! وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك ؟ لا والله ... لا يراني الله أبدا وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي , وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي , ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به أقذفهم بالحجارة ولا افارقك أو أموت معك .
وقام سعيد بن عبدالله الحنفي فقال : لا والله يابن رسول الله لا نخليك أبداً حتى يعلم الله أنا قد حفظنا فيك وصية رسوله فيك يابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , والله لو علمت أني اقتل فيك ثم أحيا ثم أحرق حياً ثم أذري ويفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك , وكيف لا أفعل ذلك ؟ وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً .
وقام زهير بن القين وقال : والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة , وان الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من إخوتك وولدك وأهل بيتك .
وتكلم جماعة من أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً وقالوا : أنفسنا لك الفداء نقيك بأبداننا وأنفسنا , فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا .
وكان من جملة أصحابه وهب بن عبدالله الكلبي , وكان رجلاً نصرانياً نازلاً على بئر ام عمير بالكوفة , ولما بعث ابن زياد الجيوش الى حرب الحسين عليه السلام
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 202

جعل يسأل العسكر : إلى أين ماضين ؟ فيقولون له : الى حرب الحسين ؛ فسألهم : ابن من ؟ فقالوا له : ابن بنت رسول الله . قال : فجاء هو وامه وزوجته حتى وافوا كربلاء , فجاء الى الحسين عليه السلام فأسلم هو وامه وزوجته على يد الحسين , ولما كانت اليوم العاشر من المحرم أراد البراز فأقبلت زوجته تمانعه فصاحت به امه : بني دع كلامها وانصر ابن بنت رسول الله , فتركها وحمل سيفه وأقبل الى الحسين يستأذنه , فأذن له الحسين فحمل على القوم , فبينما هو يقاتل وإذا زوجته أتت إليه من خلفه وهي تنادي : وهب ... قاتل دون الطيبين آل رسول الله ؛ فرجع إليها وقال لها , ويلك الآن كنت تنهيني عن القتال ؛ قالت : وهب لا تلمني إن واعية الحسين كسرت قلبي , ثم قال لها : ارجعي الى خدرك , فلم ترجع لأنها مدهوشة ... أقبل وهب الى الحسين وقال له : سيدي ارجعها . فجاء إليها الحسين وأرجعها , فحمل وهب على القوم وجعل يقاتل حتى قتل منهم مقتلة عظيمة , فتعطفوا عليه أعداء الله وقتلوه واحتزوا رأسه رموا به نحو معسكر الحسين , فأخدته أمه ووضعته في حجرها وجعلت تقول : بني وهب بيض الله وجهك ... , وحملت على القوم وجعلت تقول :
أنا عجوز في النسا ضعيفه خـاوية بـالـية نحيفة
اضـربكم بـضربة عنيفة دون بني فاطمة الشريفة (1)

يقول الراوي : فأصابت رجلين فقتلتهما , نظر الحسين عليه السلام وإذا بامرأة تقاتل فعندها أقبل إليها وقال لها : يا ام وهب ارجعي الى الخدر .
كتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جرّ الذيول
(1) توضيح ذكر صاحب الإبصار أن صاحبة الرجز هي ام عمرو بن جنادة وإن ام وهب قتلها رستم غلام الشمر بعمود والله أعلم .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 203


اقول : سيدي أبا عبدالله أشفقت على امرأة عجوز برزت بين العساكر !! إذاً كيف حالك وما كنت صانعاً لو نظرت الى حال مخدراتك وقد أحاط بهن العدو من كل جانب ومكان , وهن يلذن ببعضهن وقد أشعلوا النار في خدورهن فخرجن من الخدور ناشرات الشعور مشققات الجيوب .
لقد فزعت من هجمة الخيل ولها الـى ابـن ابيها وهو فوق الثرى مغف
ونـادت عليه حين الفته عارياً على جسمه تسفى صبا الريح ما تسفي (1)


(1)

(عاشوري)

لمن لـفتـها الخيل غاره وعلى المـخيم غدت داره
طلـعت تـحشم للمعارة شافت ولـيها البي نماره
عالگاع دم نحرة ايتجارة صاحت يابن حمّاي جاره
گوم الخواتك سوي چاره ولتها العدى وظلت حياره

(ابوذية)

انگطع بت گلبي من الحزن والتل على الهامت ابذاك الشعب والتل
گـوم احمي الحرم يحسين والتل جبتـها ابشــيمتك للغاضرية

(تخميس)

أخي يا تاج عزّي وافتخاري ويا بدر المنير لكل ساري
أخي كيف السلوّ وأنت عار
أخي لم لا يفارقني اصطباري ومم وكيف لا يعلوا نحيبي
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 204


المطلب الثامن والثلاثون
في ترجمة حبيب بن مظاهر رحمه الله

ذكر صاحب «إبصار العين» انه كان حبيب بن مظاهر الأسدي (1)صحابياً , وقيل : تابعياً , وكان من خواص أمير المؤنين عليه السلام , والمقتبسين علومه , فمن علومه ما رواه الكشّي , قال : مر ميثم التمار (2) على فرس له فاستقبله حبيب بن مظاهر عند
(1) في ابصار العين : حبيب بن مظهر : قال أهل السير إن حبيباُ نزل الكوفة وصحب علياً في حروبه كلها , وكان من خاصته وحملة علومه .
انظر : إبصار العين : 56 , وتاريخ من دفن في العراق من الصحابة .
(2) ميثم التمار : كان من حواري أمير المؤمنين عليه السلام , وقد أطلعه على علوم جمة وأسرار خفية , فكان ميثم يحدث ببعض ذلك , فمنه ما يروى عن أبي خالد التمار قال : كنت مع ميثم التمار بالفرات يوم الجمعة , فهبت ريح وهو في سفينة من سفن الرمان , قال : فخرج ونظر الى الريح وقال : شدوا برأس سفينتكم , أن هذا الريح عاصف مات معاوية الساعة , قال : ولما كانت الجمعة القادمة وقدم البريد من الشام فلقيته واستخبرته وقلت له : يا عبدالله ما اللخبر ؟ قال : الناس على احسن حال , هلك معاوية وبايع الناس يزيداً . قلت : أي يوم هلك ؟ قال : يوم الجمعة .
وروى المفيد وقال : كان ميثم الثمار عبداً لأمرأة من بني أسد فاشتراه أمير المؤمنين عليه السلام وأعتقه وقال : اسمك ؟ فقال : سالم , فقال عليه السلام : أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن اسمك الذي أسماك به أبوك ميثم . قال : صدق رسول الله وصدقت يا أمير المؤمنين والله أنه لاسمي ؛
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 205

مجلس بني أسد , فتحادثا حتى اختلفت أعناق فرسيهما , فقال حبيب: لكأني بشيخ اصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند سوق الطعام يصلب في حب آل البيت نبيه وتبقر بطنه على الخشبة ؛ وقال ميثم : واني لأعرف رجل أحمر له ضفيرتان يخرج الى نصرة ابن بنت نبيه فيقتل بين يديه ويجال برأسه في الكوفة معلق بلبان الفرس ؛ فضحكا وافترقا . قال أهل المجلس : ما رأينا أحد أكذب من هذين .
قال الراوي : ولم يفترق أهل المجلس حتى اقبل رشيد الهجري (1)
فقال عليه السلام : ارجع الى اسمك الذي سماك به رسول الله ودع سالماُ . فرجع الى ميثم وكنى بأبي سالم .
وقال له أمير المؤمنين عليه السلام يوماً : كيف بك يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيدالله ابن زياد إلى البراءة مني ؟ قال : فقلت : يا أمير المؤمنين والله لا أبرء منك : قال عليه السلام : إذا والله يقتلك ويصلبك , قلت : اصبر فذاك في الله قليل . فقال : إذاً تكون معي في درجتي .
وحج ميثم في السنة التي قتل فيها , ولما رجع قبضه ابن زياد وحبسه مع المختار ابن ابي عبيدة الثقفي , ثم أخرجه وصلبه على خشبة حول باب عمرو بن حريث فجعل ميثم يحدث بفضائل أمير المؤمنين , فقيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد , قال : الجموه , فكان ميثم أول من الجم في الاسلام , ولما كان اليوم الثامن طعن بالحربة ثم انبعث في آخر النهار فمه وانفه دماً فمات رحمه الله , كان قتله بعد شهادة مسلم بأيام قليلة , قال : وبقي مصلوباً حتى اجتمع سبعه من التمارين وسرقوا جثته , وجاءوا به الى فيض ماء في مراد فدفنوه ورموا الخشبة في خربة هناك . انظر رجال الكشي : 80/135 و83/139 .
(1) كان رشيد الهجري من رجال أمير المؤمنين عليه السلام , ومن أعيان الشيعة المشهورين , وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسميه رشيد المنايا , علمه أمير المؤمنين علم المنايا والبلايا , كان يقول : فلان يموت بموته كذا وكذا , وفلان يقتل بقتله كذا وكذا .
روى الشيخ الكشي رحمه الله في رجاله عن ابي حيان البجلي , عن قنواء بن رشيد الهجري رحمه الله , قال : قلت لها : اخبريني بما سمعت من أبيك , قالت : سمعت أبي يقول : أخبرني مولاي أمير المؤمنين عليه السلام قال : يا رشيد كيف صبرك إذا ارسل إليك دعيّ بني أمية فقطع يديك .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 206

فطلبهما , فقالوا : له : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا , فقال رشيد : رحم الله ميثماً , نسي ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم , ثم أدبر .. فقال القوم : هذا والله اكذبهم .
فقال القوم : والله ما ذهبت الايام واليالي حتى رأينا ميثماً مصلوباً على باب عمرو بن حريث , وكذلك قتل حبيب بن مظاهر مع الحسين عليه السلام وجيء برأسه , ورأينا كلما قالوه (1) .
وذكر أهل السير : ان حبيب بن مظاهر كان ممن كاتب الحسين عليه السلام وحبّذ له القدوم الى الكوفة , وكان رحمه الله هو ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسين في الكوفة , حتى إذا دخل عبيدالله ابن زياد الكوفة وخذل أهلها عن مسلم بن عقيل أخفوهما عشايرهما , ولما ورد الحسين عليه السلام كربلاء خرجا إليه مختفيين يسران الليل ويكمنان النهار حتى وصلى إليه ليلة السابعه أو الثامنة من المحرم .
وذكر صاحب «أسرار الشهادة» : انه لما نزل الحسين عليه السلام كربلاء عقد اثني
ورجليك ولسانك ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين آخر ذلك في الجنة ؟ فقال عليه السلام : يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة .
قالت : فوالله ما ذهبت الايام والليالي حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد فدعاه الى البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام فأبى أن يتبرأ منه , فقال له الدعي : فأي ميتة قال لك مولاك تموت ؟ فقال : أخبرني خليلي إنك تدعوني الى البراءة منه فلا أتبرأ , فتقدمني قتقطع يدي ورجلي ولساني , فقال : والله لأكذبن قوله فيك . قالت : فقدموه فأمر به فقطعت يده ورجليه وترك لسانه , فحملت أطراف يديه ورجليه فقلت له : يا أبتاه هل تجد ألماً أصابك ؟ فقال : لا يابني إلا كالزحام بين الناس , فلما احتملناه واخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله , فقال : ائتوني بصحيفة ودواة أملي لكم ما يكون الى يوم الساعة ! فأرسل إليهم الحجام فقطع لسانه فمات في ليلته رحمة الله عليه , انتهى . انظر رجال الكشي : 75 /131 .
(1) رجال الكشي : 78 / 133 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 207

عشر راية وقسمها على أصحابه , فبقيت في يده راية واحدة فأقبل إليه رجل من أصحابه فقال له : سيدي سلمني هذه الراية , فقال له الحسين عليه السلام : انت نعم رجل ولكن لهذه الراية رجلاً يركزها في صدور القوم وهو يعرفني حق المعرفة وسأكتب إليه كتاباً يأتي ان شاء الله تعالى ؛ فقال له : سيدي ومن تعني بذلك ؟ فقال له عليه السلام : أعني حبيب بن مظاهر الأسدي , فقال : انه لكفؤ كريم .
قال الراوي : ثم دعى الحسين عليه السلام بدواة وبياض وكتب إليه كتاباً يقول فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم

من الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ...
إلى أخيه النجيب حبيب ...
أما بعد ... يا حبيب فقد نزلنا كربلاء وقد بانت من أهل الكوفة الخيانة كما خانوا بأبي سابقاً , وبأخي لاحقاً , فإن كنت يا حبيب تروم أن تحظى بالسعادة الأبدية فبادر الى نصرتنا والسلام .
ثم ختم الكتاب بخاتمه الشريف ودفعه الى رجل من أصحابه فأقبل به يجد السير حتى دخل الكوفة , وكان حبيب حينئذ قد قدّمت اليه زوجته طعاماً يتغذّى به وهي واقفة على رأسه تروح له , فبينا هو يأكل تغير لونه , فقالت له زوجته : مالي أراك كففت عن الاكل وتغيّرت ؟! فسكت رحمه الله , ثم قالت : إن صدق ظني الان يأتيك رسولاً من الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام , فبينا هما بالكلام وإذا بالباب تطرق فقام حبيب وفتح الباب , وإذا برسول الحسين عليه السلام سلم فرد عليه السلام ثم قال : الله الله صدقت الحرة بمقالاتها , ثم دخل الرسول الى الدار وخرج الكتاب وسلمه الى حبيب .
فضه وقرأه , ولما علم بما فيه جرت دموعه على شيبته ووضع الكتاب على عينيه وعلى رأسه وقال : أفديه بنفسي وأهلي وولدي , ثم قال لرسول , ابلغ سيدي عني السلام وقل له يأتي خلفي ان شاء الله .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 208


ثم خرج الرسول من عنده فجاءت اليه زوجته وقالت له : يا أبا القاسم سمعت كلمات حدثك به الرسول , فقال حبيب : اسكتي لا يشعر بسرّنا أحد , فقالت له : كأنّك خائف من أخبر أحداً , والله يا حبيب إن لم تمض الى نصرة سيدي ومولاي الحسين عليه السلام لألبسن ملبوس الرجال وأنا أمضي الى نصرته .
قال الراوي : وكان حبيب في كل يوم يخرج خارج البساتين في زي المتنزه فالتفت ذلك اليوم الى عبده وقال له : خذ الجواد وامض به خارج البساتين وانتظرني هناك , فخرج العبد بالجواد فودع حبيب أهله واولاده ثم خرج حتى إذا صار قريباً من العبد يخاطب الجواد وهو يقول : والله إن لم يأت إليك صاحبك ويركبك لأنا أركبك وأمضي الى نصرة سيدي ومولاي الحسين .
فلما سمع حبيب ما سمع من العبد بكى وقال : بأبي أنت وامي يا أبا عبدالله العبيد تريد نصرتك ومؤازرتك فكيف بنا ؟
قال : فجاء إليه حبيب وأخذ منه الجواد وقال له : انطلق أنت حر لوجه الله , فوقع العبيد على قدميه وهو يقول : سيدي أيسرك أن تمضي الى الجنة وانا أمضي الى النار ؟ لا كان ذلك أبداً بل أمضي معك الى نصرة سيدي ومولاي الحسين عليه السلام , فقال له حبيب : امض بارك الله فيك .
قال : فجاء حبيب يجد السير ومعه عبده حتى ورد كربلاء في اليوم الثامن من المحرم , وكان الحسين عليه السلام جالساً في خيمته ومعه أخوته وأولاده وأصحابه , إذ التفت الى اصحابه وقال لهم : هذا حبيب قد أقبل , ثم إنه لما قرب من خيم الحسين عليه السلام نزل من على ظهر جواده الى الأرض وأقبل يمشي حتى دخل على الحسين عليه السلام ووقع على قدميه يقبلهما وهو يبكي ويقول : سيدي لعن الله غادريك .
قال : واستبشر أصحاب الحسين بقدوم حبيب , وكذلك عيالات الحسين استبشرن بقدومه .
(للشيخ قاسم محي الدين رحمه الله) :
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 209

بنفـسي أنصاراً فدوا سبط أحمد وجدوا بنصر السبط في كل مشهد
وفوا حيث وافوا طالبين ليصره وبـالعزم كـل الـبسالة مـرتدي
وقد آثروا الموت الزؤام وورده بنصر ابن هاديها على كل مورد (1)
(1)
گام ابـنة الوصي البيه الكفاية عـدل عسـكره او شد الروايه
جسمها اعلى اهلها او بگت رايه ذاخرها لـعد ضـنوة الطيبين
ذاخـرهـا لـعد ذاك المچـنه حبيب اوليه الطارش من تعنة
طـلع ليـه ايـتلگه وجذب ونّه يگله انته يطارش مگصدك وين
يگله وينحب الطارش على الباب الك گاصد و متعني ابهالكتاب
گله اسـدر او دمـع العين سچاب لبو اليمة أجي على الراس والعين
هله صاحت حبيب احسين ينخاك أظن بالـغاضـريه اليوم يتناك
بالله اعـليك اخذني الزينب اوياك اشوفـنـها وشوف الهـاشميين
يگلها الـهلچ روحي امودعه اليوم گطع لرض الطفوف افجوع واحزوم
وصل للطف وشاف الخيل والگوم كلها امـدرچله او خيمت صوبين
گصد يبچي او يهل دمعه على خده لمـخيم الـحسين اوياه عـبـده
حـب ايـد الامام او فـاخ وجـده هله ابجية حبيب ايصيح لحسين
ولما سمعت بذلك مولاتنا زينب عليها السلام قالت : اقرؤه عني السلام , ولمّا بلغه ذلك استأذن من الحسين عليه السلام في السلام على بنات الرسالة وقال : السلام عليكن يا بنات رسول الله , وعليك السلام يا عم يا حبيب وكأني بها :

(نصاري)

اوصيك يا عمي بالحسين اولاده واهـل بيـته قلـيلين
انا خايفه من هجمة البين على العباس يا عمي والحسين

(تخميس)

رجال تواصوا حيث طابت أصولهم وأنفسهم بالـصبر حتى قضوا صبراً
حماة حـموا خـدراً أبى الله هـتكه فـعـظـّمه شـأناً وشـرّفه قـدرا
فأصـبح نـهباً للمـغاويـر بعدهم ومنه بنات المصطفى ابرزت حسرى
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 210


المطلب التاسع والثلاثون
في استنصار حبيب بن مظاهر لبني أسد

ذكر صاحب « أسرار الشهادة » : ان حبيب بن مظاهر كان ذات يوم بالكوفة واقفاً عند عطار يشتري صبغاً لكريمته , فمر عليه مسلم بن عوسجة فالتفت إليه حبيب وقال له : يا مسلم إني أرى أهل الكوفة يجمعون الخيل والرجال والأسلحة فبكى مسلم وقال : صمموا على قتال ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؛ فبكى حبيب ورمى الصبغ من يده وقال : لا والله لا تصبغ هذه إلا من هذه . وأشار إلى نحره ثم سار حتى وافى كربلاء .
وذكر محمد بن أبي طالب في مقتله : إنه لمّا رأى حبيب بن مظاهر كثرة العساكر وتصميمهم على حرب الحسين أقبل الى الحسين وقال له : سيدي ان هاهنا حي من بني أسد أفتأذن لي أن أمضي إليهم وأدعوهم الى نصرتك ؟ فقال له الحسين عليه السلام: بلى امض . فانسل حبيب في جوف الليل حتى إذا جاء الى ذلك الحي اجتمعوا عليه ورحبوا به , ثم قالوا له : ما حاجتك ؟ فقال : إني أتيتكم خير ما أتى به وافد على قومه , جئتكم أدعوكم الى نصرة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وهذا ابن سعد أحاط به وأنتم عشيرتي أطيعوني تنالوا شرف الدنيا والآخرة , والله لا