ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 211

يقتل احد منكم إلا وكان لمحمد صلى الله عليه واله وسلم رفيقاً يوم القيامة .
فقام إليه رجل يسمى عبدالله بن بشير , فقال : يا حبيب أما أنا فأول من يجيبك الى هذه الدعوة , وها أنا ماض معك . قال : فتبادروا حتى اجتمعوا تسعون رجلاً وأقبلوا معه يريدون الحسين عليه السلام .
قال : وخرج رجل من ذلك الحي وأقبل الى ابن سعد فأخبره , فدعى اللعين بالأزرق الشامي وضم إليه خمسمائة فارس ووجّههم معه الى بني أسد , فاستقبلهم الأزرق ليلاً على شاطيء الفرات , فتصادموا معه بنو أسد سويعة , وصاح به حبيب : ويحك يا أزرق دع يشقى بنا غيرك ؛ قال : ولمّا رأوا بنو أسد أن لا طاقة لهم على القوم تراجعوا الى حيّهم ورحلوا عن منازلهم , وبقي حبيب وحده فرجع الى الحسين عليه السلام وأخبره بالخبر , فقال الحسين : انا لله وانا اليه راجعون , وما تشاؤون إلا ان يشاء الله , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
قال الراوي :
واعترضه علي الاكبر فقال : يا عم حبيب أن أهل الكوفة قد تألبوا لقتال أبي الحسين واستلوا سيوفهم عليه , ونحن اسرة قليلة لا تنهض بالدفاع عنه ولا عن سلامته , فلو إن أبي يسلم ونحن نقتل ما بالينا بالموت , فالله في هذه النسوة والأطفال إذا جن عليهم الليل وهم من غير محام ولا كفيل ولا حمى ولا ولي .
فأطرق حبيب رأسه الى الارض هنيئة ثم رفع رأسه وقال : ما الذي تريد يابن سيدنا ؟ قال : اريد منك ان تشير على والدي بالرجوع الى المدينة .
فقال حبيب : هيهات يابن سيدنا قد جرى في علم الله ما تحاذر , ولأجل أبيك طلّقنا حلائلنا وفارقنا أهالينا وأعرضنا عن زهرة دنيانا , أما عمك حبيب
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 212

فشيخ كبير قد أعرض عنه النعيم الفاني , أفلا تحب أن يرحل إلى النعيم الباقي ؟ وما أشوقني أن أكون أول قتيل بين أيديكم ولا أسمع واعيتكم ولا أرى هاشمية تسبى .
فقال علي بن الحسين : أما أنت يا عم فقطب رحاها وليث وغاها وأنا إنما استعملت خبرك بكلامي معك لأواجه به عمتي زينب , فإنها قالت لي , يابن أخي إن أباك الحسين خطب أصحابه وأذن لهم بالتفرق والموت , يابن أخي مر وكرته مطعمه أفلا تتعرض لعمك حبيب وترى ما عنده ؟ وبقي حبيب على هذا الحال , وكان حبيب بواباً على خيمة الحسين عليه السلام وحاملاً لوائه يوم عاشوراء .
قال : ولما كان اليوم العاشر من المحرم جلس حبيب بإزاء خيمة النساء واضعاً رأسه في حجره يبكي ثم رفع رأسه وقال : آه آه لو جدك يا زينب يوم تحملين على بعير ظالع يطاف بك البلدان ورأس أخيك الحسين أمامك , وكأني برأسي هذا معلق بلبان الفرس تضربه بركبتيها .
فضربت زينب رأسها بعمود الخيمة وقالت : بهذا أخبرني البارحة , لوددت أن أكون عمهاء (1) .
ثم جاء حبيب واستأذن الحسين عليه السلام للبراز , فأذن له , فحمل على القوم وهو يقول :
أقسم لو كنّا لكم أعدادا أو شطركم وليتم اكتادا (2)

ثم قاتل القوم فأخذ يحمل فيهم بسيفه وهو يقول:
(1) عمهاء : من العمة , (انظر لسان العرب 13 / 519 ) .
(2) اكتاد جمع كتد وهو مجتمع الكتفين من الانسان وغيره انتهى .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 213

أنا حـبيب وأبي مظهر فارس هيجاء وليث قسور
أنـتـم أعد عدة وأكثر ونحن أوفى منكم واصبر
ونحن أعلى حجة وأظهر حقاً , وأتقى منكم وأعذر

ولم يزل يقاتل حتى قتل من القوم مقتلة عظيمة , فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني (1) فضربه بسيفه , وحمل عليه آخر من تميم فطعنه برمح فوقع على الأرض , فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فسقك الى الارض , فتزل اليه الحصن فاحتزّ رأسه .
وروى عن أبي مخنف قال : لما قتل حبيب هد قتله الحسين عليه السلام , فجاء الى مصرعه وقال : عند الله احتسب نفسي وحماة اصحابي , إنا لله وإنا إليه راجعون , فقتل والله أسد من آساد الله , يذب عن حرم الله , رحمك الله يا حبيب , لقد كنت شجاعاً فاضلاً تختم القران في ليلة واحدة (2) .
وفي ذلك يقول الشيخ محمد السماوي رحمه الله :
إن يهد الحسين قتل حبيب فلقد هـد قـتـله كل ركن
بطل قد لقى جبال الاعادي من حـديد فـردها كالعهن
لا يبالي بالجمع حيث توخىّ فهو ينصب كأنصاب المزن
أخذ الـثار قـبل أن يقتلوه سلـفاً مـن مـنية دون منّ
قتلوا منه لـلحسـين حبيباً جامعاً للفعـال من كل حسن

(فائدة) : وإنما دفنت بنو أسد حبيباً عند رأس الحسين عليه السلام اعتناء به , أو
(1) العقفاني بالعين المهملة والقاف والفاء نسبة الى عقفان بضم العين وهو (حي من خزاعة) .
(2) مقتل أبي مخنف : 145 ـ 147 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 214

ولكونه كان يوم الطف بوّباً على خيمة الحسين عليه السلام , وكان لحبيب أولاد ثلاثة : محمد وعبدالله والقاسم أكبرهم , ولمّا أن سمعت زوجته بقدوم السبايا وأنهم دخلوا الكوفة دعت ولدها القاسم وقالت له : ولدي إنطلق الى السبايا وقل لهم إن أمي تقول: أبي حبيب بيّض وجوهنا أم لا؟
فأقبل الغلام حتى قرب من السبايا فرأى رأس أبيه معلّق بلبان الفرس , فجعل يصرخ ويبكي , ثم أقبل على الموكل برأس أبيه وقال له : إدفع لي هذا الرأس وأنا إعطيك مقداراً من الدنانير .
فقال اللعين : إن جائزة الأمير خير لي . ولما قاربوا دار حبيب رفع الغلام حجراً وضرب رأسه , ودخل على امه باكياً يصيح : امّاه قومي واستقبلي رأس أبي . فخرجت أمه ولما رأت رأس زوجها معلق بلبان الفرس صاحت : حبيب بيّض الله وجهك كما بيّضت وجهي عند الزهراء عليه السلام .
ويروى إن القاسم سأل عن قاتل أبيه فعرفوه , فجعل يتربّص به الدوائر مدّة من الزمن إلى زمن مصعب بن الزبير , فلما غزا مصعب باجميرا (1) جاء القاسم ودخل في معسكر مصعب , فإذا قاتل أبيه في فسطاطه نائماً فجثى القاسم على صدره فانتبه اللعين , فقال له القاسم : أتعرفني من أنا ؟ قال : لا , قال : أنا ابن حبيب بن مظاهر , فعرفه , ثم إن القاسم إحتزّ رأسه وأقبل به حتى دخل على مصعب بن الزبير فوقف أمامه وقال له : إعلم يا أمير ما نامت عيناي منعمة إلي إن أخذت ثاري
(1) باجمير الباء المفردة والجيم المضمومة والميم المفتوحة والياء المثناة والراء المهملة والألف المقصورة موضع من أرض الموصل كان مصعب ابن الزبير يعسكر في محاربه عبدالملك بن مروان حين يقصده من الشام أيام منازعتهما في الخلافة . انظر معجم البلدان : 1 / 314 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 215

من قاتل أبي , فقال له : من أنت ؟ قال : أنا ابن حبيب بن مظاهر , فشكره ابن الزبير على صنعه وأطلقه .
أقول : أجل ومتى يؤخذ بثار الحسين عليه السلام :
متى ينجلي ليل النوى عن صبحه نرى الشمس فيها طالعتنا من الغرب (1)
(1)

(موشّح)

بحـشـاك الـنوايب خـلفت شطّار والـهم جـرح دلّالك يراعي الثار
اول جـرح كسر الضلع والـبسمار ومغـيـبـك يبدر العصر تالـيه
متى اتگوم او تجرد السـيف من غمدة ونشـوف الـمنايا اتـلوح ابحـده
حـيدر مـن سـجد ما تمم الـسجده وبن ملجم جـسم هامـته ابماضيه
دلالك تـمـرمـر لون من مـرمر چان انفطر من عظم الصبر وتفطّر
من تذكر امـصاب الحـسن تـتحسّر يالـصاحب اومن تـسمع ابـطاريه
مهر احـسين انـشده امن انچتل يمه چله اشلـون بالـطف طاح ابو اليمه
يخربرك من تـحنـت چصته ابـدمه وسدّر يـصهل او زادت بـواچـيـه
گلبك خلص من كـثر الهـضم والهم من خلصوا هلك ما بين چـتل و سم
حـتى الطفل يوم الطف سبح بالـدم يالغايب شله ويالگوم مـن سـيـّه
متى يابن الحسن تنهض او يمته اتگوم او تاخـذ ثـار طـفل البسهم مفطوم
يا يـوم الـمبارك يـا بدر مخزوم تروي السيـف بـالدم من بـني اميه
* * *
ادرك تراتك أيها الموتور فلكم بكل يد دم مهدور
ما صارم إلا وفي شفراته نحر لآل محمد منحور
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 216


المطلب الاربعون
في ترجمة العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

ولد العباس بن علي عليه السلام سنة ست وعشرين من الهجرة (1), وامّه ام البنين فاطمة بنت حزام الكلابية , وقد أشار عليه عقيل بأخذها كما رواه السيد الداودي في العمدة , قال :
إن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأخيه عقيل ـ وكان نسّابه عارفاً بأخبار العرب وأنسابهم ـ : اريد منك أن تختار لي امرأة من ذوي البيوت والشجاعة , حتى اصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطف كربلاء , فأطرق عقيل برأسه إلى الارض هنيئة , ثم رفع رأسه وقال له : أخي أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية , فإنه ليس في العرب اشجع من أبنائها (2) .
وفي آبائها يقول لبيد للنعمان ملك الحيرة :
نحن بنو ام البنين الأربعة ونحن خير عامر بن صعصعه
الضاربين الهام وسط المعمعه
(1) انظر بحار الانوار : 45 .
(2) عمدة الطالب : 357 (بتصرف) .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 217


فلا ينكر عليه أحد من العرب , ومن قومها ملاعب الأسنة أبو برآء (1)الذي لم يعرف في العرب مثله في الشجاعة , والطفيل بن مالك فارس فرزل (2), وابنه عامر ابن الطفيل فارس للزنوق (3).
قال : فتزوجها أمير المؤمنين عليه السلام فولدت له أربعة أولاد أنجبت بهم , وأول ما ولدت العباس , وبعده عبدالله , وبعده جعفر , وبعده عثمان (4), وعاش العباس مع أبيه أربعة عشر سنة , ومع أخيه الحسن أربعة وعشرين سنة , ومع أخيه الحسين أربع وثلاثين سنة , وذلك مدة عمره وكان يلقب قمر بني هاشم , ويكنى أبا الفضل , وقال المؤوخين : حضر العباس بن علي بعض حروب أبيه كالجمل وصفّين والنهروان ولم يقاتل , وكان يقال له السقّا .
ويروى ان امير الؤمنين عليه السلام كان جالساً في المسجد وحوله الحسن والحسين عليهما السلام والعباس , وإذ عطش الحسين عليه السلام فقام العباس وهو صبي صغير وجاء الى ام البنين فقال لها : امّاه إن أخي الحسين عطشان , فقامت فاطمة ام البنين وملئت له الركوة ووضعتها على رأس العباس , فجاء به الى المسجد والماء يتصبب على كتفيه حتى جاء به الى الحسين , فلما رآه امير المؤمنين عليه السلام صاح : ولدي عباس أنت ساقي عطاشا كربلاء ؛ فسمي عند ذلك السقّاء .
ويقال إن أمير المؤمنين عليه السلام لما عممه ابن ملجم (لعنه الله) بسيفه وحضرته
(1) انظر بطل العلقمي : 1 / 121 .
(2) اسم فرس له , والفرزل : الضخم , وقيل : القيد، وقيل: المقراض (وهو الذي يقطع به الحداد الحديد) : و الرجل الفرزل : كالقنفذ الضخم . تاج العروس : 8 / 57 , ولسان العرب : 11 / 518 , وانظر ما كتبه الشيخ المظفر في ترجمته في كتاب بطل العلقمي : 1 / 118 .
(3) اسم فرس له
(4) انظر بطل العلقمي : 1 / 91 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 218

الوفاة , جمع أولاده وجعل يوصيهم واحداً بعد واحد , ثم دعى العباس وأوصاه بوصيّة خاصّة , فقال له : « ولدي أبا الفضل إذا كان يوم عاشوراء وملكت المشرعة لا تشرب الماء وأخوك الحسين عطشاناً » .
قال : ولما كتب ابن سعد الى ابن زياد كتابه الذي يقول فيه : « الحمد لله الذي أطفأ النائرة , وجمع الكلمة , وأصلح أمر الأمة , وهذا الحسين قد اعطاني عهداً أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه » . فقام إليه شمر ابن ذي الجوشن وتلكم بما ذكرنا آنفاً , وكتب الى ابن سعد يعرض على الحسين عليه السلام النزول على حكمه ... إلى آخر الكتاب . فقام إليه عبدالله ابن أبي المحل بن حزام بن خالد ـ وكانت عمته ام البنين ـ فطلب من عبيد الله كتاباً فيه أماناً للعباس وأخوته , فكتب عبيدالله له كتاباً فيه أماناً للعباس وأخوته وسلّمه الى الشمر فجاء به الى كربلاء .
ولما كان اليوم التاسع من المحرم ركب جواده وجاء حتى وقف إزاء خيم الحسين عليه السلام , وصاح : أين بنو اختنا , أين العباس وأخوته ؟ وكان العباس حينئذ جالساً بين يدي الحسين , فأطرق برأسه حياء من الحسين عليه السلام , فصاح الشمر ثانياً , وثالثاً , فالتفت الحسين إلى أخيه العباس وقال : أخي قم وانظر ما يريد هذا الفاجر ؛ فقام العباس وركب جواده وأقبل إليه وقال له : ما تريد يا ابن ذي الجوشن ؟ فقال : هذا كتاب من ابن زياد يذكر فيه إنك أنت الأمير على هذا الجيش , وأنت وإخوتك آمنون , فلا تعرض نفسك للقتل ؛ فقال له العباس : لعنك الله ولعن أمانك , أتؤمنا وابن رسول الله لا أمان له ؟! ويلك أفبالموت تخوفني ؟! وأنا المميت خوّاض المنايا , أأترك من خلقني الله لأجله وأدخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء ؟! ويلك أنا أدعوك الى الجنة وأنت تدعوني الى النار ؟! يابن ذي الجوشن فأقبل نصيحتي , وكن مع غريب رسول الله ولك عند جده الجائزة العظمى .
فلما سمع الشمر كلام العباس لوى عنان جواده , ورجع ابو الفضل العباس
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 219

يتهدرس كالأسد الغضبان , استقبلته الحوراء زينب وقد سمعت كلامه مع الشمر , قالت له : يا أخي [اريد] ان احدّثك بحديث ؛ قال : حدّثيني يا زينب , لقد حلا وقت الحديث . قالت : اعلم يابن والدي لما ماتت امنا قال أبي لأخيه عقيل : اريد منك ان تختار لي امرأة من ذوي البيوت والشجاعة حتى اصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطف كربلاء , وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم , فلا تقصر يا أباالفضل . فما سمع العباس كلامها تمطى في ركاب سرجه حتى قطعهما وقال لها : أفي مثل هذا اليوم تشجعيني وأنا ابن أمير المؤمنين عليه السلام , فلما سمعت كلامه سرت سوراً عظيماً .
بطل إذا ركب المطـهّم خلته جبـلاً أسم يخف فـيه مطهم
بطل تورث من أبيه شجاعة فيها أنوف بني الظلالة ترغم (1)
(1)
بالطف صول العباس صولت علي الماصوفه
سل سيفه وصرخ بيها او كوّر عـسكر الكوفه
كـور كـل رواياها او عـملت بدر راواها
چدسها اوتاه منواها وبـالـمذهب منـاياها
تمـوج الخيل خلاها او غوجه ايخوض بدماها
الملازم والزلم والخيل طواهـا عـلى المردوفة
شبل المرتضى الكرار صول على الخيل او غار
مـشهر صارمـه البتار سم يـگطـر ويلهب نار
بالطـف حارب الكفار حرب الماجره او لا صار
أبدك الرمك ثار اغبار منه الشـمس مـكسوفـه
سـم جتال سل او داي ما خـلة بـصير او داي
صال اعلى الشريعه احماي صاح العلـگمـي بحماي
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 220


(فائدة) : زوجته لبابة بنت عبيدالله بن العباس بن عبدالمطلب , كان له من الأولاد خمسة : عبيدالله والفضل والحسن والقاسم , وبنتاً . وعدّ ابن شهرآشوب في الطف ولد له وهم : محمد وعبيدالله والفضل أمهما لبابة بنت عبيدالله .
خاضـه والگـلب حمّاى ذبّه او گـال أضوگ الماي
او عبدالله الـطفل ظامي او روح السبط مـلهـوفه
سل سيفـه او لگف جوده او رمـحه فـصم اعجوده
وفـده من بـحر جوده دون ابـن الـنبي او جـوده
ابغفله گـطعـوا ازنوده او طـر هـامته ابعامـوده
الكندي او جاه ابو السجاد شافه المگـطعه اچـفوفـه
او عينه انـطفت والهامه ابـذاك الـعمد مـخسـوفه
يروحي ويا ضوة اعيوني نـاده او صـبـّن ادمـوعه
گلت حـيلتـي او صبري او عـليه اتـحنت اضلوعه

(عاشوري)

تخوصر يم عضيده وصاح اويلي يشمس انهاري ويا بدر ليلي
يـبو فـاضل يخويه اگطعت حيلي او طود الصبر من بعدك تهدم

(تخميس)

عباس يا حامي الضعينه والحرم بحماك قد نامت سكينه بالخيم
صرخت ونادت يوم قد سقط العلم
الـيوم نـامت اعين بك لم تـنم وتسهدت اخرى وعزّ منامها
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 221


المطلب الواحد والأربعون
في ترجمة العباس بن علي عليهما السلام ومصرعه

قال أهل السير : يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : « إن ولدي العباس زق العلم زقّا » (1) .
وذكر المؤرخون : إن العباس بن علي كان أعلم أصحاب الحسين عليه السلام يوم عاشوراء , وأضجعهم وأصلبهم إيماناً , وكان بطلاً , فارساً , وسيماً , جسيماً , بين عينيه أثر السجود , وكان إذا ركب الفرس المطهم يخطان رجلاه في الأرض خطاً .
وبلغ من شجاعته في كربلاء إن عمرو بن خالد الصيداوي , وسعداً مولى حسان بن الحارث , وجمع من عبيده العائدي , حملوا على أعدائهم فلما وغلوا فيهم عطفوا عليهم واقتطعوهم من أصحابهم وأحاطوا بهم , وقال ابن الأثير :
فانتدب لهم العباس بن علي عليه السلام وحده , وحمل على القوم ففرقهم واستنقذ أصحابه , فلما رآهم وكانوا قد جرحوا عدة جراحات , قويت به قلوبهم فتحاملوا بجراحاتهم وجعلوا يقاتلون القوم حتى رجع العباس إلى موقفه .
ومن صلابة إيمانه أنه عليه السلام لما ضاق صدره [كان] ـ ونظر إلى حالة أخيه الحسين عليه السلام , وحالة أصحابه , وحالة عيالاته ـ ينظر الى الحسين عليه السلام فيشاهده
(1) انظر أسرار الشهادات (للدربندي) : 324 , (الطبعة الحجرية) .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 222

حزيناً كئيباً , وينظر أصحاب أخيه فيشاهدهم مجزرين كالأضاحي , وينظر عيالاته فيشاهدهن يتصارخن من شدّة العطش , سئم الحياة ومنعه إيمانه أن يبرز بلا رخصة من أخيه الحسين عليه السلام , فجاء الى الحسين عليه السلام وقال له , أخي قد ضاق صدري وسئمت الحياة واريد أن أطلب بثاري من هؤلاء المنافقين , فهل لي من رخصة ؟ فقال الحسين عليه السلام : أجل اطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء ؛ فذهب الى القوم ووعظهم وحذرهم فما افاد الوعظ ولا التحذير , رجع الى الحسين وسمع الاطفال ينادون العطش , أقبل الى الخيمة ـ ومعه الحسين عليه السلام ـ ليودع عياله ويأخذ القربة ليملأها لهم من الفرات , وقد كانت زينب قالت لاختها ام كلثوم : اخي في هذا اليوم كل فرد من أخوتنا إذا أراد البراز يأتينا الى المخيم ويودعنا , والان لم يبق من اخوتنا الا الحسين والعباس , فإذا جاء إلينا نقسم عليه بالجلوس فإذا جلسا خذي أنت بطرف رداء العباس وأنا آخذ بطرف رداء الحسين , ولا ندعهما يخرجان من الخيمة . فلما رأتهما الحوراء زينب أقسمت عليهما بالجلوس , فجلسا فقامت زينب وجلست الى جنب إخيها الحسين , وكذلك ام كلثوم [جلست] وبيدها رداء العباس وهن يبكين , فبينما هم في هذا ونحوه إذا المنادي ينادي : يا حسين ويا أبا الفضل جبنتما عن الحرب وجلستما بإزاء النساء , فنبض العرق الهاشمي بين عيني العباس , فاجتذب رداءه من اخته ام كلثوم وقام , فتعلقت به ام كلثوم , فناداها الحسين : اخيّه دعيه يمضي فقد اشتاق الحبيب الى حبيبه ؛ فصاحت زينب : أمري وأمركما الى الله , فقام العباس وركب جواده :
لا تـنس للعباس حسن مقامه بالطف عند الغـارة الـشعواء
واسا أخاه بها وجاد بـنفسه في سقـي أطـفال له ونـساء
رد الالوف على الالوف معاً رضاً حد السيوف بجبهة غراء

ويروى أنه سمع الاطفال ينادون العطش , رمق السماء بطرفه وقال : « الهي
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 223

اريد ان أعتد بعدتي , وأملأ لهؤلاء الاطفال قربتي » . فركب فرسه وحمل قربته على كتفه , وأخذ الرايه معه وقصد المشرعة , ونزل الى الفرات فلما أحس ببرد الماء وقد كضّه العطش , اغترف بيده غرفة ليشرب فذكر وصية أبيه أمير المؤمينين عليه السلام وتذكر عطش أخيه الحسين عليه السلام وعيالاته , رمى الماء من يده وقال : لا والله لا أشرب الماء وأخي الحسين عطشان , ثم جعل يقول :
يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أو تكوني
هـذا حـسين وارد الـمنون وتشربيـن بـارد المعين

ثم ملأ القربة وحملها على كتفه وخرج من المشرعة , استقبله الكتائب وصاح ابن سعد : اقطعوا عليه طريقه , فلما رأى العباس عليه السلام ذلك حمل عليهم بسيفه وهو يقول :
إنـي أنا العباس اغدوا بالسقا ولا أخاف الشر يوم الملتقى
نفسي لنفس الطاهر الطهر وقا حتى أواري ميّتاً عند اللقا

فجعل يقاتلهم مقاتلة الأبطال في ذلك المجال , حتى قتل منهم جماعة , فبينما هو يقاتل فجاء سهم الى القربه فأصابها واريق ماؤها , فدمعت عيناه فوقف متحيراً , فبينما هو كذلك أذ أتاه السهم فوقع في عينه اليمنى , وضربه الحكيم بن الطفيل السنبسي على يمينه فقطعها , أخذ الواء بشماله وهو يقول :
والله إن قطعتموا يميني إني احامي أبداً عن ديني
وعن امام صادق اليقين

فضربه زيد بن ورقاء الجهني على شماله فقطعها , فضم اللواء الى صدره ببقية يده وهو يقول :
يا نفس لا تخشي من الكفار وأبـشري برحمة الـجبار
مـع الـنبي سيد الابـرار مع جملة السادات والأطهار
فقد قـطعوا ببغيهم يساري فأصلـهم يا رب حـر النار
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 224


فحمل عليه رجل تميمي من أبناء ابان بن دارم وبيده عمود من حديد فضربه على ام رأسه , خر صريعاً إلى الارض ونادى بأعلى صوته : ادركني يا أخي , فانقض عليه الحسين عليه السلام كالصقر , فرآه مقطوع اليدين , مرضوض الجبين , السهم نابت في العين , المخ سائل على الكتفين , نادى : الان انكسر ظهري , الان قلت حيلتي , الان شمت بي عدوي .
ويقال : إنه عليه السلام أخذ رأسه ووضعه في حجره , وكان العباس مغمى عليه , أفاق فظن أن رجلاً من الأعداء يريد حز رأسه , فقال العباس عليه السلام : بالله عليك امهلني حتى يأتي إلي ابن والدي , فقال له الحسين عليه السلام : أخي أنا أخوك .
ثم أن الحسين وضع رأس العباس على الأرض, وقام ووضع يديه تحت ظهره أراد حمله إلى المخيم , فقال العباس: بالله عليك ألا ما تتركني في مكاني , فقال له الحسين عليه السلام: لماذا يا أخي ؟ فقال العباس : لحاليتين الاولى فقد نزل بي الموت الذي لابد منه , والثانية إني واعدت سكينة بالماء والان مستحي منها .
ثم فاضت نفسه الزكية , فقام الحسين عليه السلام من عنده وأقبل الى المخيم يكفكف دموعه بكمه لا تراه النساء , استقبلته سكينة فقالت له : أين عمي العباس ؟ لعله شرب الماء ونسي ما وراه ؛ فقال لها : بني عظم الله لك الأجر بعمك العباس , فصاحت : وا عماه وا عباساه , من للنساء الضائعات [من بعدك] :
عباس تسمع زينباً تدعوك من لي يا حماي إذ العدى سلبوني
أو لست تسمع ما تقول سكينة عمّـاه يوم الأسر من يحميني

(فائدة) : وفيه يقول : ـ رائياً ـ حفيده الفضل بن الحسن بن عبدالله بن العباس رضوان الله عليهما :
إنـي لأذكـر للـعباس موقفـه بكربلاء وهام القوم تختطف
يحمي الحسين ويحميه على ظمأ ولا يولي ولا يثني فيختلف
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 225

ولا أرى مشهداً يوماً كمشهده مع الحسين عليه الفضل والشرف
أكرم به مشهداً بانت فضيلته ومـا أضاع له أفـعالـه خـلف

(فائدة) : روى جماعة عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة , قال : رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه , وقد كنت أعرفه قديماً شديد البياض جميلاً , فسألته عن سبب تغيره , وقلت له : ما كدت أعرفك ؟! فقال : إني حضرت كربلاء وقتلت وسيماً وجسيماً بين عينيه أثر السجود , فما بت ليلة منذ قتلته الى الان إلا وجائني ذلك الرجل بالنوم وأخذ بتلابيبي وقادني الى جهنم , فيدفني فيها فأضل أصيح فلا يبقي أحد في الحي إلا ويسمع صياحي وتنتبه الناس من نومها , قال الاصبغ : والمقتول هو العباس بن علي بن إبي طالب عليه السلام .
(فائدة) : وأنما دفن العباس في مكان مصرعه لأن بني أسد ما استطاعوا حمله لتوزيع أعضاءه كما إن الحسين عليه السلام لم يحمله على العادة كما كان يحمل القتلى .
(فائدة)
بذلت أيا عباس نفساً نفيسة لنصر حسيـن عـز بالمجد عن مثل
أبيت التذاذ الماء قبل التذاذه فحسن فعال المرء فرع عن الأصل (1)
(1)

(نصاري)

خـاض الماي بـس هـيّس ابـرده ترس چفه ويـروي عطش چبده
تذكـر لن أخـوه حـسيـن بـعده ذب الـماي مـن چفّة اوتـحـسّر
هذا الـماي يـجري ببطون حـيّات وضوگة گبل اخوية احسين هيهات
اظن طـفله يويلي من العـطش مات وظـن موتي گـرب والعمر گصر
شلون اشرب وخوي حسين عطشان وسكنـه والحرم واطـفال رضعان
وظن گـلب العـيل التـهب نـيران يريت الـماي بـعد لا حـله او مر

السابق السابق الفهرس التالي التالي