ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 226


المطلب الثاني والأربعون
في ترجمة علي الأكبر عليه السلام

روى ابن إدريس في السرائر , قال : ولد علي الأكبر بعد وفاة جده أمير المؤمنين عليه السلام بسنتين ؛ ورواره المفيد ايضاً في الارشاد .
وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة الثقفي , وقيل : ولد في أوائل خلافة عثمان ؛ وروى الحديث عن جده أمير المؤمنين عليه السلام ؛ وكان أشبه الناس خلقاً ومنطقاً برسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
همـته بـس يوصل الماي لحـسين لا گــامن او گعـدن الـچـفـين
همـته اطـفال مـوته بالصـواوين عطـشـان اگـلوبهم تلهب امن الحر
اجاه الـسهم للـگـربـه او فـراها وگف يـبـچي وسكنه ما نـسـاها
مـواعـدها عـلى امـيّه لـحشاها او منـها يـستحي لـلخيم يـسـدر
سمع حـسّه الحسين او ركب وارزم غار اعـلى الـعده مـن باب المخيم
رد يـمّـه او شافـه سابـح ابـدم تخـوصر فـوگ راسه والـدمع خر
حـط راسه بحضنه او راد الوادع شـالـه وتـربـه عـباس بالـگاع
رد احـسين راسه ابـگلب مرتاع شالـه اردود لـلـتـربان والـحـر

(تخميس)

نادى وقد ملأ البوادي صيحة صـم الصخـور لهو لها تـتألم
أأخي من يـحمي بنات محمد إن صرن يسترحمن من لا يرحم
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 227


وروى أبو الفرج الأصبهاني : إن معاوية ابن أبي سفيان قال يوماً : من أحق الناس بهذا الأمر ـ يعني ـ الخلافة ؟ فقال له جلساؤه : أنت ! قال : لا , إن أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين الأكبر لأن جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وفيه شجاعة بني هاشم وسخاء بني أمية وزهو ثقيف .
وكانت تقصده الوفود والشعراء , فممّا مدح به قول الشاعر :
لم تـر عـيـن نظرت مثله من محتف يمشي ومن ناعل
يغـلي نـييء اللحم حتى إذا انـضج لـم يغل على الآكل
كـان إذا شـبـّت له نـاره يـوقـدها بالـشرف الطائل
كـيمـا يـراها بائس مرمل أو فـرد حي لـيس بالآهـل
لا يـؤثر الـدنيا عـلى دينه ولا يـبـيـع الحق بالـباطل
أعني ابن ليلى ذاالسدى والندى أعني ابن بنت الحسب الفاضل

وكان يكنى اباالحسن , ويلقب بالأكبر , ]لأنه أكبر[ أولاد الحسين عليه السلام على ما رواه صاحب كتاب « الحدائق الوردية » في قول العقيقي وكثير من الطالبية , لأن أولاد الحسين عليه السلام ثلاثة منهم اسمهم اسم أبيه علي عليه السلام .
وعن كثير ابن شاذان : شهدت علي الأكبر وهو إذ ذاك صبي وقد اشتهى عنباً في غير أوانه , فقال لأبيه الحسين : ابه إني اشتهيت عنباً ! فضرب الحسين عليه السلام على يده إلى إسطوانة المسجد فأخرج له عنباً وموزاً في غير أوانه ودفع إليه وقال له : ولدي كل من فضل ما أنعم الله علينا . ثم التفت إلينا وقال : ما عندالله لأوليائه أكثر .
وذكر أرباب التأريخ في تأريخهم وأجمعوا على أن علي الأكثر شابه جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , لا بل شابح الأشباح الخمس وهم : رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام , أما شباهته بجده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فكان إذا تلى آية أو
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 228

روى رواية شابه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في كلامه ومقاله , بل وفي خلقه وأخلاقه .
يروى : إنه دخل رجل نصراني مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال له الناس : أنت رجل نصراني اخرج من المسجد . فقال لهم : إني رأيت البارحة في منامي رسول الله ومعه عيسى ابن مريم , فقال عيسى ابن مريم : أسلم على يد خاتم الأنبياء محمد ابن عبدالله فإنه نبي هذه الأمه حقّا ؛ وأنا أسلمت على يده وأتيت الآن لاجدد اسلامي على رجل من أهل بيته . قال : فجاؤا به الى الحسين عليه السلام فوقع على قدميه يقبلهما , فلما استقر به المجلس قص له الرؤيا التي رآها في المنام فقال له : أتحب أن آتيك بشبيهه ؟ قال : بلى سيدي ؛ قال : فدعى الحسين عليه السلام بولده علي الأكبر ـ وكان إذ ذاك طفل صغير وقد وضع على وجهه البرقع ـ فجيء به إلى أبيه , فلما رفع الحسين عليه السلام البرقع من على وجهه ورآه ذلك الرجل وقع مغمى عليه , فقال الحسين عليه السلام : صبّوا الماء على وجهه , ففعلوا فلما أفاق إلتفت إليه الحسين عليه السلام وقال : يا هذا إن ولدي هذا شبيهاً بجدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟ فقال الرجل : اي والله ؛ فقال له الحسين عليه السلام : يا هذا إذا كان عندك ولد مثل هذا وتصيبه شوكة ما كنت تصنع ؟ قال : سيدي أموت ! فقال الحسين عليه السلام : أخبرك إني أرى ولدي هذا بعيني مقطّعاً بالسيوف إرباً إرباً .
وأما شباهته بجده أمير المؤمنين عليه السلام فإنه شابه عليه السلام بالإسم والكنية وبالشجاعة وتعصّبه للحق , وناهيك عن شجاعته عما رواه شيخنا أبو جعفر ابن بابويه القمي قال : ولما حمل عليه بن الحسين على القوم زحزحهم عن أماكنهم وأنهضهم عن مواضعهم , حتى قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً .
وروي : أنه لما حمل على القوم يوم عاشوراء اختلف العسكر فيه وأخذ أصحاب ابن سعد كل يسأل من صاحبه : ابن من هذا ؟! ومن يكون هذا الصبي ؟! وأما الذين هم آخر الجيش فقد أخذتهم الدهشة حتى ظنّوا أن أمير المؤمنين عليه السلام
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 229

قد خرج إليهم من قبره , فلما رأى علي بن الحسين عليه السلام ذلك جعل يرتجز ويقول :
أنـا عـلي بن الحسين بن علي نحن وبـيت الله إولى بالنبي
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي ضرب غلام هاشمي علوي

فرجعت الخيل تسحق بعضها بعضاً .
قال بعض الرواة : وشد علي على الناس مراراً , وقتل منهم جمعاً كثيراً حتى ضج الناس من كثر من قتل منهم .
وفي بعض التواريخ إن حملاته بلغت إثني عشر حملة فهذه شباهته بجده أمير المؤمنين عليه السلام .
وأما شباهته بالزهراء عليه السلام فقد أجمع المؤرخون على أن الزهراء عليها السلام توفيت ولها من العمر ثمانية عشر سنة , وكذلك علي الأكبر عليه السلام قتل يوم كربلاء وله من العمر ثمانية عشر سنة .
وأما شباهته بعمه الحسن عليه السلام فقد شابهه بالبهاء والهيبة . يروى أن الحسن عليه السلام كان إذا مشى في الطريق لا يسبقه سابق , وإذا جلس بباب داره ينقطع الطريق لهيبته , وإذا جلس في البيت المظلم لا يحتاج الى ضياء , وكذلك علي الأكبر كان مهاباً يتلألأ وجهه نوراً .
وأما شباهته بأبيه الحسين عليه السلام فقد شابهه بالإباء والكرم ؛ يروى إن علي ابن الحسين بنى داراً للضيافة في زمن أبيه الحسين عليه السلام بالمدينة وكانت تقصده الشعراء والوفود حتى قيل فيه :
يغلى نيء اللحم حتى إذا انضج لم يغل على الآكل

قال أبو الفرج وغيره : كان علي الأكبر أول قتيل من بني هاشم من بعد الحسين عليه السلام .
ويروى : إنه لما نظر إلى وحدة أبيه الحسين عليه السلام تقّدم إليه وهو على فرس له
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 230

يدعى «ذاالجناح» فاستأذنه للبراز , وكان علي الأكبر من أصبح الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً , فنظر إليه الحسين عليه السلام نظر آيس وأرخى عينيه بالدموع وأطرق برأسه لئلا يراه العدو فيشمت به , ثم رفع رأسه مشيراً بسبابتيه إلى السماء وقال :
« اللهم اشهد عليهم فقد برز إليهم أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك محمد صلى الله عليه واله وسلم , وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا على هذا الصبي , اللهم امنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا , ومزقهم تمزيقا , واجعلهم طرائق قددا , ولا ترضي الولاة عنهم أبداً , فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا »
قال : وصاح بعمر ابن سعد : ويلك يابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي (1) , ولا بارك الله لك في أمرك , وسلط الله عليك من يذبحك على فراشك ؛ ثم تلا قوله تعالى : « إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم »
قال الراوي : فكأنما علم الرخصة من أبيه فحمل على القوم وجعل يرتجز ويقول :
أنـا عـلي بن الحسين بن علي نحن وبـيت الله إولى بالنبي
أضربكم بالسيف أحمى عن أبي ضرب غلام هاشمي علوي
* * *
(1) كما قدمنا آنفاً لأن ام ليلى وام عمر بن سعد أخوات , لذا خاطبه الحسين عليه السلام : قطع الله رحمك كما قطعت رحمي .
(فائدة) : وإنما جعل يوم الثامن مخصوصاً بعلي الأكبر ويلقى مصرعه فيه لأنه جاء بالماء يوم الثامن من المحرم كما إن العباس جاء بالماء يوم السابع , وكما إن برير جاء بالماء يوم التاسع , انتهى .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 231


[ولله در من قال] :
وعـلي قـدر من ذوائبه هاشم عبقت شمائله بطيـب المحتد
في بأس حمزة في شجاعة حيدر بأبا الحسين وفي مهابة أحمد
وتراه فـي خلق وطـيب خلائق وبليغ النطق كالنبي محمد (1)
(1)

(نصاري)

الأكـبر لا ظهر الغـوج وارزم او عليه احسين دمعه انحدر واسجم
تچنّه ابوالـده وعـالخيل ذبـها او يـمنه الـحرب عاليسرة چلبها
چسـب نوماسهـا وضيع دربها او لف راياتـها او لـلسرب حطم
عگب ما بالـطفوف ابده الفراسه او راواهم حـرب حـيدر او باسه
العبدي غافله وصابه اعلى راسه او تغـير نـور وجهـه بحمر الدم

(دكسن)

شبگ على المهر لبّابه يوديه لبوه حسين عن الگوم يحميه
اويلي المهر للعدوان فر بيه واوچب آه بـوسط الـعسكر
هذا يـگطع ابـسيفه وريده او هذا بالخـناجر فصل ايده
وهذا يغـط رمـحه الحديده ابخاصرته وهو يعالج لو يفغر

(عاشوري)

تعانّاله وعـلى ابـنيه تخوصر او صاح بصوت منه الصخر ينطر
على الدنيا العفه بـعدك يالأكبر عگب عـينـاك ريت الـكون يعدم
يبويه من وصل ليك او تـدناك او خضّب وجـهك الشعـاع بدماك
يبويه ريت روحي اتروح وياك او لا شوفك خضـيب الوجه بـالدم

(تخميس)

لا طاب عيش بعد فقدك لا صفا واظلمت الدنيا بعيني مذ خفا
منها ضياؤك يا شبيه المصطفى
فلتذهب الدنيا على الدنيا العفا ما بعد يومك من زمان أرغد
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 232


المطلب الثالث والأربعون

في شهادة علي بن الحسين الأكبر عليهما السلام


ذكر أرباب المقاتل أنه لما قتل أصحاب الحسين عليه السلام فلم يبق معه إلا أهل بيته , تقدم إليه ولده علي الأكبر فاستأذنه للبراز ثم حمل على القوم فجعل يرتجز ويقول :

أنا علي بن الحسين بن علي .... الخ

قال الراوي : فجعل يقاتل القوم مقاتلة الأبطال في تلك المجال , وناداه رجل من أهل الكوفة : يابن الحسين إن لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد , فإن شئت آمنّاك ؟ فقال له علي بن الحسين : ويلك لقرابة رسول الله أحق أن ترعى !!
قال : ولما رأى ابن سعد ما رأى من شجاعته وبسالته دعا طارق بن كثير ـ وكان شجاعاً فارساً مناعاً ـ فقال له : أنت الذي تأكل نعمة الأمير وتأخذ منه العطاء , فاخرج الى هذا الغلام , وثنّى برأسه فقال له : يابن سعد أنت تأخذ ملك الري وأنا أخرج إليه ؟! بل الواجب عليه أن تبارزه أنت أو أن تضمن لي عند الأمير إمارة الموصل . قال : فضمن له ذلك فخرج طارق الى مبارزة علي بن الحسين, فتراجع الناس فحمل عليه علي الأكبر فضربه ضربة منكرة فرقع صريعاً يخور بدمه , فلما رآه أخوه وقد صرعه علي الأكبر وعطف عليه بضربة فوقعت على عينيه فخر صريعاً .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 233


قال : وخرج ابن طارق ثائراً بأبيه وعمه , فحمل عليه علي بن الحسين فقتله , ثم طلب البراز فلم يبرز عليه أحد فحمل على القوم وجعل [يضرب] فيهم بسيفه , هذا والحسين عليه السلام واقف بباب الخيمة وليلى تنظر في وجه الحسين عليه السلام تراه يتلألأ نوراً وسروراً بشجاعة ولده علي , فبينما هو كذلك إذ تغيّر لون وجهه , فقالت له ليلى : سيدي أرى لون وجهك قد تغير ! هل اصيب ولدي ؟ فقال لها : لا يا ليلى ولكن برز له من أخاف منه عليه , يا ليلى ادعي لولدك علي .
دخلت ليلى الى الفسطاط , نشرت شعرها , جرّدت عن ثدييها , قائلة : الهي بغربة أبي عبدالله..الهي بعطش أبي عبدالله..يا راد يوسف الى يعقوب اردد إلي ولدي علي .
قال الراوي : فاستجاب الله دعء ليلى ونصر علياً على بكر فقتله وحز رأسه , وجاء به الى الحسين عليه السلام وقد قتل مائة وعشرين فارساً , وهو ينادي : ابه العطش قد قتلني وثقل الحديد قد اجهدني (1), فهل إلى شربة ماء من سبيل اتقوى بها على الأعداء؟ فقال الحسين عليه السلام : بني هات لسانك , أخذ بلسانه فمصه ثم دفع إليه خاتمه الشريف وقال له , ولدي امسكه في فيك وارجع الى قتال عدوك , فكأنه ارتوى .
ويروى : أنه قال : ولدي دونك امك في الخيمة فودعها ؛ فدخل علي الأكبر الى الخيمة فتعلقت به امه وتعلقن به النسوة فصاح الحسين عليه السلام : دعنه فقد اشتاق الحبيب الى حبيبه .
(1) قوله وثقل الحديد قد اجهدني هل إن الحديد الذي كان معه أجهده كالسيف والدرع والدرقة قالوا لا وانما أراد بهذا القول حديد الجيش وسلاح الأعداء أو لكثرة العسكر والتعبير بالعسكر بالحديد تعبير شايع انظر الى قول الكشي في حبيب ابن مظاهر لو كان من السبعين الذين نصروا الحسين ولقوا جبال الحديد .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 234


قال الراوي : وأفلت علي الأكبر نفسه من النساء ورجع الى الحرب وجعل يقاتل حتى قتل المائتين .
قال حميد بن مسلم : كنت واقفاً وبجنيب مرّة بن منقذ التميمي وعلي بن الحسين يشد على القوم يمنة ويسرة فيهزمهم , فقال مرة : عليّ آثام الحرب إن مر بي هذا الغلام ولم أثكل به أباه . فقلت : لا تقل هذا يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه ؛ فقال : والله لأفعلنّ.
قال : ومر بنا علي الأكبر وهو يطرف كتيبه أمامه فطعنه برمحه فانقلب على قربوس سرج فرسه , واعتنق الفرس فحمله الفرس الى معسكر الأعداء فاحتوشوه وقطعوه بسيوفهم إرباً إرباً , ولمّا بلغت روحه التراقي نادى رافعاُ صوته : ابه عليك مني السلام هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة اظما بعدها ابدا ، وهذا كاسا مذخورا لك حتى تشربه .
قالت سكينة : ولما سمع ابي صورت اخي علي جعل تارة يجلس وهو يقول : وا ولداه ... ثم انحدر اليه الحسين عليه السلام ومعه اهل بيته حتى وقف عليه ، ورآه مقطعا بالسيوف اربا اربا ، فقال يا بني قتل الله قوما قتلوك ما اجراهم على ارحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول . ثم استهلت عيناه بالدموع وقال : ولدي على الدنيا بعدك العفا ، اما انت يا بني فقد استرحت من هم الدنيا وغمها وبقي ابوك لهمها ولكربها .
قال حميد بن مسلم : لكاني انظر الى امراة خرجت من الفسطاط وهي تنادي : يا حبيباه يا ابن اخياه ... فسالت عنها فقيل لي : هي عمته زينيب . فجاءت حتى انكبت عليه فاخذها الحسين بيده وردها الى الفسطاط ثم التفت الى فتيانه وقال : احملوا اخاكم .. فحملوه وجاؤا به الى الخيمة وهم يبكون ، قيل : وارسلت ليلى الى الحسين عليه السلام قائلة : سيدي اريد ان ابكي على ولدي ، مر اهل بيتك ان
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 235

يخرجوا من الخيمة ، فامر الحسين عليه السلام اهل بيته فخرجوا من الخيمة ودخلت ليلى الى الخيمة ودخلن النساء معها وجعلن ينحن على شبيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
تقول ليلى بدر ليلى خبا منه ضياء باعتراض الظلام
وددت أني لم أكن حاملاً أو أنني أسقطت قبل التمام (1)

(فائدة) : قتل علي الاكبر عليه السلام ولا عقب له .
(فائدة) اختلف أرباب المقاتل في عمره , ففي رواية كان عمره خمساً وعشرين سنة , والأصح : ثمانية وعشرين سنة , وذهب عليه أكثر الرواة .
(1)
فجيده يا عـلي يـبني فجيده بعـيده شـوفتك صارت بعـيده
المدّ ايده عليـك انـشلّت ايده او شرابه ولا هنه ولا طالبه الزاد
هذا حسين ابوك امحنب اعليك عن للعـده او عيـن الـتصد ليك
اسمع يا عـلي وامّك تحاچيك يا رجـواي بـيك اربـاي ما فاد
تگلـه يا عـلي يبني شگـلك يذخـري لـلكبر هـذا مـحلـك
دگلي لو شـفت شبـان حلك اشو لن اصبر وهودن وثني الوساد
* * *
وزينب قابلت ليلى وقالت أعيدي النوح يا ليلى أعيدي
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 236


المطلب الرابع والأربعون
في ترجمة القاسم بن الحسن وشهادته عليه السلام

الشجاعة حالة طبيعية وهي عزيزة الحصول في البشر , وقل ما تراها في بعض الرجال , وفي الحقيقة هو فرع من الجنون , ولقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : « جنونان لا أخلاني الله منهما الشجاعة والكرم » . لان الشجاعة هي عبارة عن بذل النفس , وتوجه الشجاع الى العدم وهي تضحية تجاه الحياة السعيدة , وتسلم الشجاع نفسه للموت وعلى الأخص إذا كان المقابل له شجاعاً أعظم قوّة منه من حيث العدة والاستعداد , وهناك يعلم المنازل أن للحرب رحى طحانة تطحن الهام وتقضي على المهج , وبها تزهق النفوس الغالية , فهو لا يعبأ بها للغريزة التي فيه من الشجاعة .
وقد قيل : إن الشجاعة قسمان : غريزية وكسبية , فالكسبية تحصل بالتمرين والممارسة , فترى الرجل إذا باشر الحرب يحصل بعدها على القوة في الجنان , ولا يعبأ بمنازلة الأقران . وأما الغريزية فهي من طبيعة الإنسان من حيث هو شجاع , وربما تكون الشجاعة وراثة خلفاً عن سلف , وقد جمعت الخصال الحميدة كلها في بني هاشم لاسيّما الشجاعة .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 237


وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم الفتح : « رحم الله عمي أبو طالب , لو أولد الناس كلهم لكانوا شجعاناً » . وناهيك عما ابدوه أشبال علي عليه السلام في كربلاء مع قلة عددهم وكثرة الأعداء ممن شاهد منهم الحروب قبلاً ومن لم يشاهدها قبل يوم كربلاء كالقاسم بن الحسن عليه السلام حتى قال حميد بن مسلم: خرج إلينا القاسم ابن حسن عليه السلام وبيده سيفه , ووجهه كفلقة قمر طالع , وعليه قميص وإزار , وفي رجليه نعلان من ليف , فجعل يضرب هذا وقد تكاملوا عليه أهل الكوفة سبعين ألف رجل (1).
أقول : ولو تصفّحت التاريخ لما وجدت غلاماً كهذا الغلام يبرز إلى سبعين ألف وعليه قميص وإزار , والحالة إن العرب كانوا لا يبرزون الا بعد الاستعداد ويفرغون عليهم الدروع والمغافر , حتى ان الرجل منهم كان لا يعرف لكثرة ما عليه من الحديد ومن لامة الحرب ولا يرى منه إلا عيناه , والقاسم بن الحسن عليه السلام برز يوم عاشوراء الى الاعداء وعليه قميص وإزار كما سمعت , فأين هذا من ذاك ؟! وأعجب من هذا أن القاسم لعدم مبالاته بكثرة الاعداء بحيث انقطع شسع (2) نعله وقف بين تلك الجموع وهذا مما يغيض العدو , ولقج أجاد الشيخ السماوي رحمه الله حيث قال :
أتراه حين أقام يصلح نعله بين العدى كي لا يروه بمحتف (3)
غلبت عليه شهامة حسنيّة أم كـان بالأعداء ليس بمحتف (4)
(1) مقتل أبي مخنف : 169 .
(2) الشسع ما يدخل بين الاصبعين في النعل العربي ممتد الى الشراك .
(3) الإحتفاء هنا المشي بلا نعل .
(4) الإحتفاء هنا الإعتناء يقال احتف به ولم يحتف . انظر إبصار العين في أنصار الحسين : 36 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 238


ولبسالته وصباحة وجهه قال بعض الاعداء: والله لو بسط الي هذا الغلام يده وضربني لما رفعت يدي وضربته .
وللحرب قواعد وشؤون تعرف منها أنه لابد أن يكون مع المحاربين سقاة وجراحون ومحرضات , ولابد للجيش من مقدم وكمين وقلب وجناحين , ولكل واحدة من هذه الوظائف اناس يقومون بها لا يشاكلهم أحد , أما وظيفة السقاة فإنهم يجعلون الماء بالقرب فإذا رجع المحارب سالماً استقبلوه بالماء، وإذا سقط جريحاً أدركوه بالماء. وحرب كربلاء خال من هذه الاشياء كلها , أما الماء فقد منعوا اصحاب الحسين عليه السلام من أن يصلوا إليه وعلى المشرعة أربعة آلاف محارب , فمن أين لهم الماء إذا رجع المحارب حتى يسقوه ؟! أو إذا جرح المقاتل وسقط على وجه الارض ؟!
وللمحارب أيضاً صفات خاصة وهي إذا برز لابد وأن تقوم أعمامه وأخواله وإخوته وأولاده , ويقفون بمكان حيث يرونه خوفاً عليه من الغيلة او أن يجعل له ظهيراً كما صنع أمير المؤمنين عليه السلام ذلك يوم صفين لولده محمد بن الحنفية .
والقاسم [بن الحسن] عليه السلام لم يجد ظهيراً لما برز , وهناك فرق عظيم بين القاسم وبين عمه محمد بن الحنفية لان محمد بن الحنفية شاهد حروباً جمّة والقاسم صبي لم يبلغ الحلم ولم يشاهد حرباً قبل يوم كربلاء .
ومنها أن محمد بن الحنفية برز وعليه لامة الحرب , والقاسم برز يوم كربلاء سافراً على ذراعيه .
ومنها أن محمد بن الحنفية كان إذا رجع من الحرب استقبله أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام وأصحابه يحملون الماء له , والقاسم كان إذا رجع استقبلته
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 239

عمته زينب صارخة باكية وامة رملة معولة .
ومنها أن محمد بن الحنفية كان إذا حمل على القوم وضايقه العدو أدركه المدد من أبيه بالأبطال والشجعان وإن ناداهم ادركوه , والقاسم حمل على القوم وهو ينظر الى أصحاب عمه مجزرين كالاضاحي وينظر الى عمه يستغيث فلا يغاث وينظر الى النسوة بالخيمة وقد علا صرخهن .
ومنها أن محمد بن الحنفية تكعكع يوم الجمل لرأى السهام ترشق إليه أراد حتى تنفذ سهام القوم , والقاسم أراد الحسين عليه السلام تأخيره عن الحرب مراراً وهو يلح على عمه ويقبل يديه ورجليه وهو يقول : يا عماه لا طاقة لي على البقاء وأرى بنو عمومتي وأخوتي مجزرين وأراك وحيداً فريداً , والحسين يقول له : ياابن أخي أنت الوديعة .
قال الأروي : فلم يزل يستأذن عمه الحسين عليه السلام حتى إذن له (1).
أقول : فلو فكر الإنسان إلى ما لاقاه القاسم يوم كربلاء لعرف بسالته وشجاعته تجاه العدو لما حمل على القوم وجعل يضربهم بسيفه , فهذه أفعاله يوم الطف , وأما أقواله فتبهر العقول وذلك هو لما ارتجز وهو في الميدان غايته أن يعرفهم نفسه قائلاً بل مفتخراً :
إن تنكروني فأنا نجل الحسن سبط النبي المجتبى والمـؤتمن
هذا حسين كالأسير المرتهن بين اناس لا سقوا صوب المزن
(1) لم نعثر عليه , وأحسبه من مصادر ابناء العامة حيث لم يذكره آغا بزرك رحمه الله في الذريعة , وأغلب الظن هو الشيخ إبراهم الآروي شارح مسند الشافعي المطبوع بالهند سنة 1305 هـ .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 240


وكانت همته أن يقتل حامل راية عمر ابن سعد فبينا هو يقاتل إذ انقطع شسع نعله اليسرى فوقف ليشدها , فقال عمر بن سعيد بن نفيل الأزدي : والله لأشدن عليه وأثكلن به امه .
قال حميد بن مسلم : فقلت : سبحان الله وما تريد منه يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه من كل جانب ؟! فقال : والله لافعلن ثم حمل عليه فما ولى وجهه حتى ضرب الغلام بالسيف على رأسه فوقع القاسم لوجه وصاح : أدركني يا عماه ... فأتاه الحسين عليه السلام ورآه يفحص بيديه ورجليه . قال : وحمل على قاتله فقتله ثم رجع إلى القاسم ووقف عليه قائلاً : يا ابن اخي بعداً لقومٍ قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدك وأبوك ... ثم قال: يابن أخى عز والله على عمك أن تدعوه فلا ينفعك أجابته يوم كثر واتره وقل ناصره ... ثم حمله على صدره ورجلاه يخطان في الارض خطاً حتى جاء به الى المخيم ووضعه الى جانب ولده علي الأكبر وهو يقول : يا ابن أخي أنت الوديعة .
(فائدة) : القاسم بن الحسن عليه السلام لم أقف على تزويجه في كربلاء إلا في منتخب الطريحي رحمه الله فإنه يذكر قضية تزويجه نقلاً عن الغير , ولم يثبت هناك من مصدر معلوم , ومن المؤكد إن هذا الخبر مرسل يأباه العقل السليم وتركه أولى من ذكره .
(فائدة) : كان القاسم بن الحسن عليه السلام أخص أولاده , وقد خصه بالوصايا الأكيدة والنصائح الشديدة , وقد سأل القاسم عمه الحسين عليه السلام ليلة العاشر من المحرم عمن يقتل , فجعل الحسين عليه السلام يخبره , فقال له الحسين عليه السلام : وكيف القتل