ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 251

أخبوني عما أنتم عليه ؟ فجردوا صوارمهم ورموا عمائمهم إلى الأرض وقالوا : يا حبيب والذي من علينا بهذا الموقف لئن زحف القوم إلينا لنحصدن رؤوسهم بأسيافنا ولنلحقنهم بأشياخهم أذلاء صاغرين ولنحفظن وصية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في أبنائه .
قال حبيب : إذاً هلمّوا معي ... ثم قام حبيب يمشي وتبعه أصحابه حتى جاء ووقف بين أطناب الخيم ونادى : السلام عليكم يا أهلنا , السلام عليكم يا فخرنا , السلام عليكم يا سادتنا ويا معشر حرائر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , هذه صوارم فتيانكم آلو أن لا يغمدوها إلا في رقاب أعدائكم، وهذه أسنة غلمانكم آلو أن لا يركزوها إلا في صدور أعدائكم.
فخرجت إليهم [الحوراء] زينب وهي ملتحفة بملحفة امها فاطمة الزهراء عليها السلام فبكت وبكت النسوة , فنادتهم امرأة من الأنصار : حاموا أيها الطيبون عن الطيبات حرائر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , قال : فاستقرت عيالات الحسين تلك الليلة إلا أنه لم تنم لهم عين قط .
قال : وقام الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد .
سمة العبيد من الخـشوع عليهم لله أن ضــمتهم الأســحار
وإذا ترجّلت الضحى شهدت لهم بيـض القواضب أنـهم أحرار

بيض الله وجوههم لقد بذلو الجد والجهد دون سيدهم حتى كان الرجل منهم يتلقى السيوف والسهام والنبال بصدره ونحره بل كانوا يتسابقون الى القتال ,
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 252

فهذا مسلم بن عوسجة نصر الحسين عليه السلام حياً وأوصى به ميتأً (1).
قال ابن سعد في طبقاته : مسلم بن عوسجة كان صحابياً ممن رأى النبي صلى الله عليه واله وسلم (2).
وذكر غيره قال : كان مسلم بن عوسجة فارساً شجاعاً له في المغازي مواقف مشهورة , وفي الفتوح الإسلامية مواطن مشهودة , وكان ممن كاتب الحسين ووفى له , ولما دخل عبيدالله بن زياد الكوفة وسمع به مسلم بن عقيل خرج اليه لمحاربته فعقد على مسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد , ولابي تمامة على ربع تميم وهمدان , ولعبيد الله بن عمر بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة , وللعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة , فانهدوا إليه حتى حبسوه في قصره ثم إنه فرق الناس بالتخذيل عنه , قال أبو جعفر : وبعد أن قبض مسلم بن عقيل اختفى مسلم بن عوسجة ولما بلغه إن الحسين عليه السلام قد نزل كربلاء فرّ بأهله الى الحسين عليه السلام فوافاه بكربلاء وفداه بنفسه .
قال أهل السير وأرباب المقاتل : لما التحم القتال حملت ميمنة عمر بن سعد (لعنه الله) على ميسرة الحسين عليه السلام وفي ميمنة ابن سعد عمرو بن الحجاج الزبيدي وفي مسيرة الحسين عليه السلام زهير بن القين البجلي , وكانت حملتهم نحو الفرات فاضطربوا ساعة , وكان مسلم بن عوسجة في الميسرة , فقاتل قتالاً شديداً لم يسمع بمثله قط , فكان يحمل على القوم وسيفه مصلت بيمينه وهو يقول :
(1) ممن ذكر في ناحية المقدسة , انظر بحار الأنوار : 101 / 269 , وهو أول قتيل من أنصار الحسين عليه السلام , انظر تارخ الطبري : 5 / 369 , وبحار الانوار : 45 / 69 .
(2) طبقات ابن سعد .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 253

إن تسألوا عني فإني ذو لبد وإن بيتي في ذرى بني أسد
فمن بغاني حائد عن الرشد وكـافر بـدين جبار صمد

ولم يزل يضرب فيهم بسيفه حتى عطف عليهم مسلم بن عبدالله الضبابي وعبدالرحمن بن خشكارة البجلي فاشتركا في قتله , وثارت لشدة الجلاد غبرة عظيمة فلما انجلت الغبرة إذ هم بمسلم صريعاً , فمشى لمصرعه الحسين عليه السلام وكان به رمق الحياة فقال له الحسين : رحمك الله يا مسلم ثم تلى « فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا » (1)
ثم دنا منه حبيب وقال له : عز علي مصرعك يا أخي يا مسلم أبشر بالجنة , فقال له مسلم قولاً ضعيفاً : بشرك الله بالخير , فقال له حبيب : لو لم أعلم أني بالأثر لأحببت أن توصني بجميع ما أهمك , فقال له : أخي اوصيك بهذا الغريب ـ وأشار بيده الى الحسين عليه السلام ـ فقال له حبيب : والله لأنعمنك عيناً .
أوصى ابن عوسجة حبيباً قائلاً فقاتل دونه حتى الحمام تذوقا
نصـروه أحياء وعند مماتهم يوصي بنصرته الشفيق شفيقاً

قال الراوي : فما كان بأسرع من أن فاضت نفسه فصاحت جاريته : واسيداه وا ابن عوسجتاه , فتباشر أصحاب عمر بن سعد بذلك فقال لهم شبث بن ربعي : ثكلتكم امهاتكم إنما تقتلون أنفسكم بإيديكم وتذلون أنفسكم لغيركم , أتفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة ؟ أما والذي اسلمت له لرب لموقف له قد رأيته في المسلمين كريم لرأيته يوم « سلق آذربايجان » قتل ستة من المشركين قبل أن تلتئم
(1) سورة الاحزاب 33 : 23 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 254

خيول المسلمين , أفيقتل منكم مثله وتفرحون بمثله ؟! (1)
قال الراوي : والتفتت جاريته الى غلامه فقالت له : كفن مولاك مسلماً ؛ فقال لها : أكفن مسلماً وسيدي ومولاي الحسين لا يكفنه أحد ؟! لا كان ذلك أبدا (2).
وا صريعا عالج الموت بلا شـد لحـيين ولا مد ردا
غـسلوه بـدم الطعن وما كفنوه غير بوغاء الثرى (3)
(1) مقتل أبي مخنف : 136 ـ 138 .
(2) إبصار العين للسماوي : 61 .
(3) وزينب عليها السلام :

(نصاري)

عـسه الوياي كـون الصار وياك عسه بحشاي سهم الصاب بحشاك
عسه لعضاي خيل الداست اعضاك يخويه او روحي الروحك فده الها
ولا واحــد صديج البـيه غيرة ولا حاضر جريب امن الـعشيرة
يسوي الجثت ابن امـي حفـيره چفنها الـذاري او دمـها غـسها

(دكسن)

يا ناس ضيعت البصيره وحيّرني زماني اشلون حيره
ابن والـدي ماله عشيره ولا من گرابـه البيه غـيره
يسوون لبن امي حفيره

(تخميس)

وأمـيـن الله أدمى خده وجميع الرسل تبكي فقده
وأبوه النوح أمسى ورده
لو رسول الله يحيى بعده قـعـد اليوم عليه للعزا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 255


المطلب السابع والأربعون
في حالة الحسين عليه السلام ليلة العاشرة من المحرم

عن سكينة بنت الحسين : انه لما كانت الليلة العاشرة من المحرم ـ وكانت ليلة مقمرة ـ كنت جالسة في الفسطاط , وإذا أنا ببكاء ونحيب , فسكت خوفاً من أن يعلمن النسوة , فخرجت وأن أطأ أثوابي فأتيت الى خيمة أبي الحسين فرأيته جالساً وأصحابه حوله , وهو يقول لهم :
« أصحابي أنتم جئتم معي لعلمك بأني أذهب الى جماعة بايعوني قلباً ولساناً , والان تجدونهم قد استحوذ عليهم الشيطان ونسوا ذكر الله , وقد لبّوا لقتلي وقتل من معي , فمن يكره نصرتنا فليذهب في هذه الليلة , ومن بقي ونصرنا بنفسه يكون معنا في الدرجات العالية من الجنان , ولقد أخبرني أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : إن ولدي الحسين يقتل بطف كربلاء , إلا ومن نصره فقد نصرني ونصر ولده القائم , ومن نصرنا بلسانه فأنه في حزبنا يوم القيامة » .
قالت سكينة : والله ما تم كلامه حتى تفرق منه أصحابه من عشرة ومن عشرين حتى لم يبق معه إلا ما ينقص عن الثمانين , ورأيت أبي وقد أطرق برأسه , فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت ورفعت طرفي الى السماء وقلت :
« اللهم إنهم خذلونا فاخذلهم , ولا تجعل لهم في الأرض مساكناً , وسلط عليهم الفقر ولا تنلهم شفاعة جدّنا » .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 256


ثم رجعت إلى الفسطاط وأنا أهمل دموعي , فنظرت الى عمتي ام كلثوم فقالت : مالك ؟! فحكيت لها ما رأيت , فصاحت : وا جداه ... وا محمداه ... وا أباه ... وا علياه ... وا حسناه ... وا حسيناه ... وا قلة ناصراه ... وكيف الخلاص من الاعداء وليت الأعادي يقتلوننا بدلاً عن أخي الحسين عليه السلام .
قالت سكينة : فاجتمعن النسوة وبكين , فسمع أبي بكاءنا فخرج من الفسطاط وقال : مم هذا البكاء ؟ فقربت إليه عمتي وقالت له : أخي ردنا إلى حرم جدنا ؟ فقال : يا اختاه كيف لي بذلك وقد أحاط بنا الأعداء ؟ فقالت : أخي هل ذكرتهم محل جدك وأبيك وجدتك وأخيك ؟ فقال : بلى ذكرتهم فلم يذكروا , ووعظتهم فلم يتعظوا , وليس لهم رأي سوى قتلي , ولابد أن ترينى على التراب جديلاً , ولكن يا أختاه اوصيكن بالصبر والتقوى . (3)
وروى ابن شهر آشوب : إنه لما كان وقت السحر خفق الحسين عليه السلام خفقة واستيقظ وقال : أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة ؟ قالوا : وما الذي رأيت يابن رسول الله ؟ قال : رأيت كلاباً قد شدت علي لتنهشني وفيها كلب أبرص ورأيته أشدها عليّ , وأظن ان الذي يتولى قتلي رجل أبرص من هؤلاء القوم , ثم رأيت بعد ذلك جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي : يا بني أنت شهيد آل محمد , وقد استبشر بك أهل السماوات فاليكن إفطارك عندي الليلة , وهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ من دمك في قارورة خضراء , فهذا ما رأيت .
وفي الخرائج والجرائح للراوندي , روي عن زين العابدين عليه السلام أنه قال : لما كانت الليلة العاشرة من المحرم قام أبي الحسين في أصحابه خطيباً قال :
« يا أصحابي إن هؤلاء يريدونني دونكم , ولو قتلوني لم يصلوا إليكم , فالنجاة النجاة وأنتم في حل مني فإنكم إن أصبحتم معي قتلتم كلكم » .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 257


فقالوا : لا نخذلك ولا نختار العيش بعدك .
فقال عليه السلام : إنكم تقتلون حتى لا يفلت منكم أحداً .
فقالوا : الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك .
ثم أنه دعا لهم , وقال : ارفعوا رؤوسكم وانظروا ؛ فجعلوا ينظرون الى منازلهم في الجنة .
ويروى إنه قال في آخر خطبته : « أصحابي .. بنو عمومتي .. أهل بيتي ألا ومن كانت في رحله امرأة فاليبعث بها إلى أهلها , فإن نسائي تسبى وأخاف على نسائكم السبي » . فقام من بينهم حبيب بن مظاهر الأسدي وأقبل إلى خيمته فتبسّمت زوجته في وجهه , فقال لها : دعينا والتبسّم قومي والحقي ببني عمك من بني أسد , فقالت : لم يابن مظاهر ؟ أهل فعلت معك مكروها ؟ قال : حاشا لله , ولكن أما سمعت غريب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خطبنا في هذه الساعة ؟ قالت : بلى , ولكن سمعت في آخر خطبته همهمة لا أعرفها ؟ قال : خطبنا وقال : ألا ومن كانت في رحله امرأة فليبعث بها الى أهلها , فلما سمعت الحرة نطحت برأسها بعود الخيمة وقالت : ما أنصفتني يابن مظاهر أيسرك أن زينب يسلب إزارها وأنا أتزين بإزاري ؟! أم يسرك إن سكينة يسلب قرطها وأنا أتزين بقرطي ؟! لا كان ذلك أبداً , بل أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء . فلما سمع منه ذلك رجع الى الحسين عليه السلام فرآه جالساً ومعه أخوه العباس فسلم عليه وجلس , وقال : أبت الأسدية أن تفارقكم .
أبت المروة أن تفارق أهلها وأبى العزيز أن يكون ذليلا

فقال الحسين عليه السلام : جزاكم الله خير الجزاء , ثم قام الحسين عليه السلام ومعه أخوه العباس وأقبل الى خيمة السجاد ـ وكان حينئذ مريض ـ وعنده عمّته زينب تمرضه , فما نظر الى أبيه قد أقبل نادى : عمّتها سنّديني إلى صدرك فإن أبن
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 258

رسول الله قد أقبل . فسنّدته إلى صدرها فجعل الحسين والعباس يسئلانه عن حاله وعن مرضه والسجاد يحمد الله ويشكره ثم قال : أبه أمقاتل أنت هؤلاء القوم في مكاننا هذا ؟ قال : نعم يا بني , فقال : أبه دعنا نرحل عن مكاننا هذا ؟ فقال له العباس : يابن أخي أتحب أن ترحل من هذا المكان ؟ قال : نعم يا عم , فقال له : أمهلنا إلى غداة غد نرحل بأجمعنا فيصير الأمر إليك فلما سمعت زينب أختنقت بعبرتها وقامت، فقال لها الحسين عليه السلام : إلى أين يا قرة عيني ؟ فقالت : أخي أنا ماضية إلى خيمتي أبكي بيني وبين ربي.. أخي إن كلام العباس قطع نياط قلبي .
ثم إن الحسين عليه السلام قام وتوضأ ودخل الى الخيمة قد صنع له محرابا , ولم يزل تلك الليلة قائماً وقاعداً , وراكعاً وساجداً إلى الصباح , وأما أصحابه فإنهم إغتسلوا ولبسوا أكفانهم وباتوا تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل , ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد ينتظرون الصباح .
ادركوا بالـحسيـن أكـبر عيد فغدوا في منى الطفوف أضاحي (1)
(1) وذلك بعد أن خطبهم ليلة العاشوراء وأراهم منازلهم من الجنة لما عرف منهم الثبات وكانوا في حالة من الإستبشار بلقاء الله عزوجل وحب الشهادة بين يدي الحسين عليه السلام , وكان لبنات الرسالة وخصوصاً زينب عليها السلام مع الحسين عليه السلام لقاء خاص .
زيـنب لفت يم حسين لاچـن گابـعه بالهـم
تگلة يا ضوه عيوني عليمن هـالفزع مـلتم
تـعنت لـيه للخيمة او تفسر والصخر ونتها
طبت گعـدت اگباله او عالـخد تهل دمعتها
تگلة اعليك ضلع امك المظلومه او مصيـبتها
سولفلي يمـاي الـعين
لا تخفي علـي يحسين
عليمن هالفزع صوبين
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 259

واشوف ابكثر عج الخيل وادي كربلاء غيّم
* * *
اويلي من سمعها حسين سالت دمعة اعيونه
يگـلها خاف اسولـفلچ اوّجهچ ينخطف لونه
چتلي او چتل أهل بيتي يختي الچوم يردونة
او لابد ما تـشوفينه
فوگ الثره امگطعينه
يزينب لا تـنوحينه
عينچ عاليتامه النار لو شبت بالمخيم
* * *
تگله الكاتبك يحسين من هالناس چا وينه

السابق السابق الفهرس التالي التالي