ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 38



المطلب الحادي عشر

في خطبة علي بن الحسين في مجلس يزيد

ذكر صاحب كتاب بحر المصائب : إن يزيد بن معاوية دعا بخطيب وكان فصيح اللسان قليل المعرفة بربه , فقال له : أجمع الناس بالجامع واصعد المنبر فسب علياً وأولاده , ففعل ما أمر به وزاد وأكثر في مدح يزيد , فلما سمعه زين العابدين عليه السلام , قام قائماً على قدميه , وقال : « أيها الخطيب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوّء مقعدك من النار » , ثم التفت الى يزيد (لعنه الله) وقال : « أتأذن لي حتى أصعد هذه الأعواد وأتكلم في كلمات لله فيهنّ رضاً ولهؤلاء الجلساء فيهنّ أجر وثواب ؟ » .
قال : فأبى يزيد عليه , فقال له الناس : يا أمير المؤمنين أئذن له فليصعد المنبر , فلعلنا نسمع منه شيئا, فقال : إذا إنه صعد لم ينزل إلا بفضيحتي وفضيخة آل أبي سفيان , فقيل له : يا أمير وما قدر ما يحسن هذا العليل ؟ فقال : إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقاً .
قال : ولم يزالوا به حتى أذن له , فصعد المنبر , فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي فصلى عليه , ثم قال :
« أيها الناس أحذركم الدنيا فإنها دار زوال , وهي أفنت القرون الماضية , وهم كانوا أكثر منكم أموالاً وأطول أعماراً , وقد أكل التراب لحومهم , وغير
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 39

أحوالهم , أفتطمعون بعدهم بالبقاء , هيهات هيهات , لابد باللحوق والملتقى , فتذكروا ما مضى من أعماركم , وما بقي , وأفعلوا فيه ما سوف يلتقى عليكم بالأعمال الصالحة قبل انقضاء الأجل , وفروغ الأمل , فعن قريب تؤخذون من القصور الى القبور , وبأفعالكم تحاسبون , فكم والله من فاجر قد استكملت عليه الحسرات , وكم من عزيز قد وقع في مسالك الهلكات , حيث لا ينفع الندم , ولا يغاث من الظلم «ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحدا»ً (1).
ثم قال : أيها الناس اعطينا ستاً وفضلنا بسبع : اعطينا العلم , والحلم , والسماحة , والفصاحة , والشجاعة , والمحبة في قلوب المؤمنين , وفضلنا بأن منا النبي المختار , ومنا الصديق ومنا الطيار , ومنا أسد الله وأسد رسوله , ومنا سبطا هذه الأمة , ومنا مهديّها .
أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي , أيها الناس أنا بن مكة ومنى , أنا ابن زمزم والصفا , أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء , أنا ابن خير من ائتزر وارتدى , أنا ابن خير من انتعل واحتفى , أنا ابن خير من طاف وسعى , أنا ابن خير من حج ولبّى , أنا ابن من حمل على البراق في الهواء , أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى , أنا من بلغ به جبريل الى سدرة المنتهى , أنا ابن من دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى , أنا ابن من صلى بملائكة السماء مثنى مثنى , أنا ابن من أوحى إليه الجليل وما أوحى , أنا ابن محمد المصطفى .
أنا ابن علي المرتضى , أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا أله إلا الله , أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بسيفين , وطعن برمحين , وهاجر
(1) الكهف من الآية 49 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 40

الهجرتين , وبايع البيعتين , وقاتل ببدر وحنين , ولم يكفر بالله طرفة عين , أنا ابن صالح المؤمنين , ووارث النبيين , وقامع الملحدين , ويعسوب المسلمين , ونور المجاهدين , وتاج البكائين , وزين العابدين , وأصبر الصابرين , وأفضل القائمين من آل طه وياسين , رسول رب العالمين , أنا ابن المؤيد بجبريل , المنصور بميكائيل , أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين , وقاتل المارقين , والناكثين والقاسطين , والمجاهد أعداءه الناصبين , وأول من استجاب لله ولرسوله من المؤمنين , وأول السابقين ومبيد المشركين , وسهم من مرامي الله على المنافقين , ولسان حكمة العابدين , وناصر دين الله , وولي أمر الله , وعيبة علمة , سمح سخي بهي , بهلول زكي , أبطحي , رضي , مقدام همام , صابر صوام , مهذّب قوّام , قاطع الأصلاب ومفرق الأحزاب , أربطهم عنانا , وأمضاهم عزيمة , وأشدهم شكيمة , أسد باسل , يطحنهم بالحروب إذا ازدلفت الاسنة , واقتربت الأعنة طحن الرحا , ويذورهم فيها ذرو الريح الهشيم , ليث الحجاز , وكبش العراق , مكي , مدني , خيفي , عقبي , بدري , احدي , مهاجري , من العرب سيدها , ومن الوغى ليثها , وارث المشعرين , ابو السبطين الحسن والحسين , ذاك جدي علي بن أبي طالب عليه السلام .
ثم قال : أنا ابن فاطمة الزهراء , أنا ابن سيدة النساء , أنا ابن خديجة الكبرى , أنا ابن المقتول ظلما , أنا ابن محزوز الرأس من القفا , أنا ابن العطشان حتى قضى , أنا ابن طريح كربلاء , أنا ابن مسلوب العمامة والرداء , أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء , أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض والطير في الهواء , أنا ابن من رأسه على سنان يهدى , أنا ابن من حرمه من العراق الى الشام تسبى » .
فلم يزل يقول أنا أنا حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب و خشي يزيد أن تكون فتنة فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام فلما قال الله اكبر , قال علي عليه السلام : لا شيء
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 41

أكبر من الله , فلما قال المؤذن : أشهد أن لا إله ألا الله , قال علي عليه السلام : شهد بذلك لحمي وعظمي ودمي , فلما قال المؤذن : أشهد أن محمداً رسول الله , التفت عليه السجاد عليه السلام من فوق المنبر إلى يزيد , وقال : يايزيد، محمد صلى الله عليه واله وسلم هذا جدي أم جدك ؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت , وإن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته وسبيت نساءه ؟! ثم التفت الى المجلس , وقال : معاشر الناس هل فيكم من جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟ فعلت الأصوات بالبكاء والنحيب .
وعلى يزيد ضحى بمجلسه قد أوقفتها الـمعشر السفل
لا من بني عدنان يلحضها ندب ولا من هـاشم بطل
إلا فـتى نـهبت حشاشته كف المصاب وجسمه العلل
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 42



المطلب الثاني عشر

في ذكر بعض ما جرى في مجلس يزيد لعنه الله

ذكر السيد بن طاووس رحمه الله قال : يروى انه كان في مجلس يزيد بن معاوية حبر من أحبار اليهود , فقال : من هذا الغلام ؟ فقال له يزيد ؟ هو علي بن الحسين , قال : ممن علي بن الحسين ؟ قال : ابن علي ابن أبي طالب , قال : فمن أمه ؟ قال : امه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله وسلم فقال الحبر : يا سبحان الله فهذا ابن بنت نبيكم قتلتموه ؟! بئسما خلفتم نبيكم في ذريته , والله لو ترك فينا موسى بن عمران سبطاً من صلبه لظننت إنا كنا نعبده من دون ربنا , وأنتم بالأمس فارقتم نبيكم ووثبتم اليوم على ابنه فقتلتموه ,سوءة لكم من امة .
قال : فأمر يزيد به فوجئ في حلقه ثلاثاً , فقام الحبر وهو يقول : إن شئتم فاضربوني واقتلوني فإني أجد في التوراة أن من قتل ذرية نبي لا يزال ملعوناً أبداً ما بقي , فإذا مات يصليه الله نار جهنم .
وروي عن زين العابدين قال : لما أتى برأس الحسين الى يزيد بن معاوية كان يتخذ مجالس الشراب ويأتي برأس الحسين عليه السلام ويضعه بين يديه ويشرب عليه , فحضر في مجلسه ذات يوم رسول ملك الروم وكان من أشراف الروم وعظمائهم , فقال : يا أمير هذا رأس من ؟ فقال يزيد : مالك ولهذا الرأس ؟ فقال : إني إذا رجعت الى ملكنا يسألني عن كل شيء رأيته , فأحببت أن اخبره بقصة هذا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 43

الرأس وصاحبه حتى يشاركك في الفرح والسرور . فقال يزيد : هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب , فقال الرومي : ومن امه ؟ فقال : فاطمة بنت رسول الله . فقال الرومي : اف لك ولدينك , لي دين أحسن من دينك , إن أبي من أحفاد داود وبيني وبينه آباء كثيرة والنصارى يعظمونني ويأخذون التراب من تحت قدمي تبركاً بي حيث أني من أحفاد داود , وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله , ما بينه وبين نبيكم إلا واحدة , فأي دين دينكم ؟!
ثم قال ليزيد : هل سمعت حديث كنيسة الحافر ؟ فقال له : قل حتى أسمع , فقال : بين عمان والصين بحر مسيرة سنة , ليس فيه عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء , طولها ثمانون فرسخاً في ثمانين , وما على وجه الأرض بلدة أكبر منها , ومنها يحمل الكافور والياقوت وأشجارها العود والعنبر , وهي بلدة في أيدي النصارى , لا ملك لأحد من الملوك سواهم , وفي تلك البلدة كنايس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر , فيها حقة من الذهب معلقة , فيها حافر يقولون إن هذا حافر حمار كان يركبه عيسى , وقد زينوا الموضع حول الحقة بالذهب والديباج يقصدها في كل عام عالم من النصارى ويطوفون حولها ويقبلوها ويطلبون حوائجهم من الله فيها , هذا شأنهم ودأبهم وتقديرهم لحافر حمار يزعمون انه حافر حمار كان يركبهم عيسى نبيهم , وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم , فلا بارك الله تعالى فيكم ولا في دينكم .
فقال يزيد : اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده , فلما أحس النصراني بذلك قال له : تريد أن تقتلني ؟ قال : نعم , قال : اعلم إني رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول لي : يا نصراني أنت من أهل الجنة , فتعجبت من كلامه , وأنا الآن أشهد أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله , ثم وثب الى رأس الحسين عليه السلام فضمه الى صدره , وجعل يقبله ويبكي , حتى قتل رضوان الله عليه .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 44


و ذكر المجلسي قال : ثم أقبل يزيد على أهل مجلسه وقال : إن هذا يعني (الحسين) كان يفخر ويقول : أبي خير من أب يزيد , وجدي خير من جده , وأنا خير منه , فهذا الذي قتله , فأما قوله بأن أبي خير من أب يزيد , فلقد حاج أبي أباه فقضى الله لأبي على أبيه , أما قوله لأن امي خير من ام يزيد فلعمري لقد صدق إن فاطمة بنت رسول الله خير من امي , أما قوله جدي خير من جده فليس لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر يقول بأنه خير من محمد , وأما قوله بأنه خير مني فلعله لم يقرأ هذه الآية «قل اللهم مالك المكلك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير» (1) ثم جعل ينكث ثنايا الحسين عليه السلام بالخيزرانة ويفرق بين شفتيه * .
وإن ثـغرا رسول الله يلثمه بالخيزران يزيد الرجس يقرعه
ولثغره يعلو القضيب وطالما شغفاً بـه كـان الـنبي مـقبلا
(1) آل عمران 26 .
(*) (فائدة) عن الفضل بن شاذان قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول « لما حمل رأس الحسين الى الشام , أمر يزيد بن معاوية فوضع في طشت ونصبت عليه المائدة , فأقبل هو وأصحابه يأكلون ويشربون الفقاع , فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع تحت سرير وبسط عليه رقعة الشطرنج وجلس يلعب بالشطرنج , ويذكر الحسين وأباه وجده صلوات الله عليهم ويستهزئ بذكرهم , فمتى قمر صاحبه تناول الفقاع وشرب منه ثلاثا وصب فضلته مما يلي الطشت من الأرض ـ الفقاع ـ الشراب يتخذ من الشعير سمي به لما يعلوه من الزبد .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 45



المطلب الثالث عشر

في ما جرى على السبايا في مجلس يزيد

ذكر صاحب نفس المهموم (1) عن المناقب وغيره : روي أن يزيد بن معاوية أقبل على عقيلة الهاشميين زينب بنت علي عليهما السلام وسألها أن تتكلم , فأشارت العقيلة الى علي بن الحسين عليه السلام وقالت : هو سيدنا وخطيب القوم , فأنشأ السجاد عليه السلام يقول :
لا تطمعوا إن تهينونا فنكرمكم وإن نكف الأذى منكم وتؤذونا
الله يـعـلم إنـا لا نـحبكـم ولا نـلومـكم إن لـم تحبونا

فقال يزيد : صدقت يا غلام , ولكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين , والحمد لله الذي قتلهما وسفك دماءهما . فقال السجاد عليه السلام : يا يزيد لم تزل النبوة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد , ولقد كان جدي علي بن أبي طالب عليه السلام في يوم بدر واحد والأحزاب , في يده راية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار . فقال اللعين : أبوك قطع رحمي وجهل حقي , ونازعني
(1) في ص 442 , ونفس المهموم هذا كتاب جليل وهو من مؤلفات المحقق الثبت المغفور له الشيخ عباس القمي رحمه الله .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 46

سلطاني ففعل الله به ما رأيت , ثم تلا هذه الآية «وما أصابكم من صيبة فبما كسبت أيديكم» (1) . فقال علي بن الحسين : كلا ما هذه فينا نزلت , أنما نزلت فينا «ما أصابكم من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تؤسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم الله والله لا يحب كل مختار فخور » (2) فنحن الذين لا نئس على ما فاتنا ولا نفرح بما آتانا منها .
فغضب يزيد , وجعل يلعب بلحيته وشاور جلساءه في أمره , فأشاوا عليه بقتله , فابتدر أبو جعفر الباقر عليه السلام بالكلام وله من العمر ثلاث سنين فحمد الله وأثنى عليه , ثم قال ليزيد :
« يا يزيد , أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه , حيث شاورهم في أمر موسى وهارون فإنهم قالوا : «أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم» (3) وقد أشار هؤلاء عليك بقتلنا ولهذا سبب » . فقال يزيد : وما السبب ؟ فقال عليه السلام : « إن هؤلاء كانوا لرشدة , وهؤلاء لغير رشدة , ولا يقتل الأنبياء وأولادهم إلا أولاد الأدعياء » . فأمسك يزيد مطرقاً ومتعجباً من كلام أبي جعفر عليه السلام كما أعجب الحاضرون لنباهته لصغر سنه .
وذكر المجلسي في البحار , أنه لما حمل علي بن الحسين عليه السلام الى يزيد (لعنه الله) وهم يزيد بضرب عنقه , فأوقفه بين يديه , وهو يكلمه ويستنطقه بكلام ليوجب به قتله , وعلي عليه السلام يجيبه حيث ما يكلمه , وكانت في يد السجاد عليه السلام سبحة صغيرة يديرها بأصابعه وهو يتلكم , فقال له يزيد (لعنه الله) أنا اكلمك وأّت
(1) سورة الشورى 30 .
(2) سورة الحديد 23 .
(3) سورة الشعراء 37 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 47

تجيبني وفي يدك سبحة تلهو بها فكيف يجوز لك ذلك ؟ فقال عليه السلام: حدثني أبي عن جدي أنه كان إذا صلى الغداة انتفل لا يكلم أحداً حتى يأخذ سبحة بيديه , فيقول : اللهم إني اصبحت اسبحك وأحمدك واهللك واكبرك وامجدك بعدد ما ادير به سبحتي , ويأخذ السبحة في يده ويديرها وهو يتكلم بما يريد من غير أن يتكلم بالتسبيح , وذكر أن ذلك محتسب له وهو حرز له , الى أن يأوي الى فراشه , فإذا آوى الى فراشه قال مثل ذلك القول , ووضع السبحة تحت رأسه فهي محسوبة لهو من الوقت الى الوقت , وأنا افعل اقتداء بجدي . فقال يزيد مرة بعد اخرى : لست اكلم أحدا منكم إلا ويجيبني بما يفوز به .
قال الراوي : وعفا عنه , ووصله وأمر بإطلاقه .
وفي رواية اخرى : إن يزيد لما عزم على قتل علي بن الحسين عليه السلام قام رجل شامي وقال : يا أمر ائذن لي حتى أضرب عنقه , فلما سمعت زينب قوله القت بنفسها عليه وقالت : يا يزيد حسبك من دمائنا , وقال له السجاد عليه السلام : يا يزيد , إذا كنت قد عزمت على قتلي فابعث من يرد هذه النسوة الى المدينة .
قال الراوي فرق يزيد وعفا عنه , وقال الشاعر :
رق له الشامت مما به ما حال من رق له الشامت
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 48



المطلب الرابع عشر

في ما جرى للسبايا بالخربة في الشام

قال السيد في اللهوف (1) : أمر يزيد بن معاوية بهم ـ أي سبايا الحسين عليه السلام ـ الى منزل لا يكنهم من الحر ولا يقيهم من برد , فأقاموا به حتى تقشرت وجوههم , وكان مدة إقامتهم في البلد المشار إليه ـ أي الشام ـ ينوحون على الحسين عليه السلام .
قال الصدوق في أماليه (2) : ثم إن يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين عليه السلام فحبسن مع علي بن الحسين عليه السلام في محبس لا يكنهم من حر ولا قر , حتى تقشرت وجوههم .
وقال ابن نما في مقتله : وأسكن في مساكن لا يقين من حر ولا برد , حتى تقشرت الجلود وسال الصديد بعد كن الخدور , وظلّ الستور , والجزع مقيم والحزن لهن نديم .
وفي تلك الخربة ماتت رقية بنت الحسين عليه السلام , ذكرها صاحب نفس المهموم , عن الكامل البهائي والسيد في الإيقاد , في زيادة ونقصان يروون أنه كانت للحسين بنت صغيرة لها من العمر أربع سنين , فانتبهت ليلة من منامها وقالت :
(1) انظر ص 219 .
(2) انظر ص 231 من أماليه رحمه الله .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 49

أين أبي الحسين ؟ فإني رأيته في المنام , فلم سمعن النسوة ذلك جعلن يبكين وبكى معهن سائر الأطفال , وارتفع العويل والصراخ , فانتبه يزيد من نومه , وقال : مال الخبر ؟ فحققوا عن هذا الصراخ وأخبروه إن بنتاً للحسين رأت أباها في منامها فانتبهت وهي تطلبه , فأمرهم أن يذهبوا برأس أبيها إليها , فلما أتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها قالت : ما هذا ؟ فقيل لها : رأس أبيك الحسين , ففزعت الطفلة وصاحت : وا أبتاه من ذا خضبك بدمائك , يا أبتاه من الذي قطع وريدك , يا أبتاه من الذي ايتمني على صغر سني , يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر , يا أبتاه من للنساء الحاسرات والأرامل المسبيات , يا أبتاه ليتني لك الفداء , يا أبتاه ليتني قبل هذا اليوم عميا .
قال الراوي : ثم وضعت فمها على فم أبيها وجعلت تئن حتى غشي عليها وسكن أنينها , فحركوها فإذا بها ميتة , فارتفعت الأصوات على الصراخ من السبايا حتى الصباح , وأخبر يزيد بوفاة الطفلة , فأمر بغسلها وكفنها ودفنها (1) .
قال الراوي : ومكثوا في تلك الخربة أياماً , وربما كان السجاد يخرج خاج الخربة , حتى قال المنهال بن عمر , كنت أتمشي في أسواق دمشق , وإذا أنا بعلي بن الحسين عليه السلام يمشي ويتوكأ على عصى في يده ورجلاه كأنهما قصبتان , والصفرة قد غلبت عليه , قال : فخنقتني العبرة لما رأيته بتلك الحال , فقلت له : سيدي كيف أصبحت يابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟ قال : « يا منهال وكيف يصبح من كان أسيراً ليزيد بن معاوية , يا منهال أصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمداً
(1) إن لهذه الطفلة وهي رقية بنت الحسين عليه السلام مشهد معروف بدمشق الشام وضريح مشهد يزار , ويتبرك به المسلمون , في عاصمة الأمويين , وكل من يزورها تهيمن عليه الاحزان وتأخذ الكئابة منه مأخذها فيخشع قلبه وتجري دموعه على ضريحها المنور .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 50

منها , وأصبحت قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمداً منها , وإنا عترة محمد أصبحنا مقتولين مذبوحين مأسورين مشردين شاسعين عن الأمصار , كأننا أولاد ترك أو كابل , هذا صاحبنا أهل البيت » , ثم قال :« يا منهال إن الحبس الذي نحن فيه ليس له سفق والشمس تصهرنا فأفر سويعة لضعف بدني وأرجع الى عماتي وأخواتي خشية على النساء » .
قال المنهال : فبينا اخاطبه ويخاطبني وإذا أنا بإمرأة قد خرجت من الحبس وهي تناديه فتركني ورجع إليها , فحققت عنها فقيل لي عمته زينب , وهي تقول له : الى أين تمضي يا قرة عيني .
يعظمون له أعواد منبره وتحت ارجلهم أولاده وضعوا
بأي حكم بنـوه يتبعونكم وفـخركم أنكم صحب له تبع

السابق السابق الفهرس التالي التالي