ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 51



المطلب الخامس عشر

في إظهار ندم يزيد وإنكاره على ابن مرجانة

لم ينجح يزيد بن معاوية بما دبره في بادئ الأمر عند دخول السبايا الى دمشق الشام , وما موه به على أهلها وما أشاعه من البهتان والكذب الصريح بإن هؤلاء السبايا خوارج , خرجوا عليه فقتل رجالهم وسبي ذراريهم واتضح للناس خداعه ومكره وذهب عمله سدى لما ظهرت من الكرامات للرأس الشريف , تلاوته للآيات , وكلام السجاد مع الشامي الذي قال له : الحمد لله الذي فضحكم فأجابه السجاد على رؤوس الأشهاد : الحمد لله الذي أكرمنا نبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم , وسؤاله : هل قرأت هذه الآية «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطرهكم تطيهرًا» فعلم كل من سمع إن هؤلاء آل رسول الله , والقضايا التي صدرت في مجلسه من خطبة الحوراء زينب عليها السلام وخطبة السجاد عليه السلام , وكلام أبي جعفر الباقر عليه السلام , وكلام السجاد عليه السلام مع المنهال بن عمر , الى غير ذلك من القضايا المذكورة , في كتب التاريخ والسير , فما مضى على تمويه يزيد على أهل الشام إلا أيام حتى تحقق لأهل الشام أجمع أن هؤلاء ذرية رسول الله وقد قتل يزيد رجالهم وسبي نساءهم وأسر أطفالهم , فخاف بن ميسون آنئذ عاقبة أمره , وخشي على تحطيم عرشه , فقلب عند ذاك ظهر المجن وراح يظهر للناس أن الذي قتل الحسين عليه السلام هو ابن مرجانة ,. وهو بريئ من عمله الذي عجله بالحسين وأهل
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 52

بيته , وأراد أن يدفع عنه هذا الأمر فأفرغ للسبايا داراً من دوره , وأمر أن تنقل إليها بعد ان حبسهم في تلك الخربة , وكان الذي دعاه الى ذلك , ان زوجته هند لما علمت بأن هؤلاء آل بيت رسول الله , دخلت عليه وهي تولول قد شقت جيبها حاسرة الرأس , فلما رآها على هذا الحال قام إليها وألقى عليها رداءه , وقال لها : إعولي يا هند وابكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش , فقد عجل عليه ابن زياد فقتله قتله الله , ثم قال لها : ادخلي الحرم . قالت : والله لا أدخل حتى أدخل بنات رسول الله معي . فأمر يزيد بهن الى منزله وأنزلهن في دار من دوره , فلما دخلن الهاشميات استقبلتهن نساءآل أبي سفيان , وقبلن أيديهن وأرجلهن وهن ينحن ويبكين وألقين ما عليهن من الثياب والحلل .
قال الراوي : وأقمن المأتم ثلاثة أيام , وقيل أقمن المأتم سبعة أيام وما كان يزيد يجلس على مائدة الا ويحضر السجاد عليه السلام معه .
وذكر السيد في اللهوف : إن يزيد قال لعلي بن الحسين يوماً : اذكر لي حاجتك . فقال السجاد عليه السلام : اريد منك أولاً أن تريني وجه أبي الحسين فأتزود منه , والثانية أن ترد علينا ما أخذ منا , والثالثة إن كنت عازماً على قتلي فوجه مع هذه النسوة من يردهن الى حرم جدهن . فقال اللعين : أما وجه أبيك فلن تراه أبداً , وأما قتلك فقد عفوت عنك , وأما النساء فلا يردهن غيرك الى المدينة , وأما ما اخذ منكم يوم الطف فأنا اعوضكم عنه اضعافه . فقال السجاد عليه السلام , أما مالك فلا نريده , وهو موفر عيلك وإنما طلبت ما اخذ منا لأن فيه مغزل جدتي فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله وسلم ومقنعتها وقلادتها وقميسها .
قال الراوي : فأمر برد ذلك كله .
وقال أرباب المقاتل : وأشار عليه مروان بن الحكم بإرجاعهم الى المدينة , فأمر يزيد بن معاوية بالمحامل أن تحضر , فأحضرت وبعث على السجاد زين
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 53

العابدين عليه السلام وبعد أن جلس السجاد تكلم معه يزيد وقال : لعن الله ابن مرجانة حيث قتل أباك , أما والله لو كنت صاحبه ما سألني خصلة إلا أعطيتها إياه ولدفعت عنه الحتف بكل ما قدرت عليه ولو بهلاك بعض ولدي , ولكن الله قضى ما رأيت تكاتبني من المدينة وارفع إلي حوائجك .
قال : وأمر بإحضار كسوة له ولأهله فاحضرت , ثم أمر بالأنطاع ففرشت وصبت عيلها الأموال , وقال : يا ام كلثوم خذوا هذه الأموال عوض ما أصابكم . فقالت ام كلثوم : يا يزيد ما أقل حياءك وأصلف وجهك , تقتل أخي وأهل بيتي وتعطيني عوضهم مالاً , والله لا كان هذا أبدا .
أقول : والله لو أن الجبال تكون ذهباً ما كانت تساوي أنملة من أنامل عبدالله الرضيع الذي ذبخ على صدر أبيه الحسين يوم عاشوراء .
هبـوا أنـكم قاتلـتم فـقتـلتم فما ذنب أطفال تقاسي نـبالهـا
رجالهم صرعى وأسرى نساؤهم وأطفالهم في السبي تشكو حبالها
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 54



المطلب السادس عشر

في رجوع السبايا من الشام ووصولهم الى كربلاء

اختلفت العلماء في ذكرهم لسبايا الحسين عليه السلام ؛ فبعضهم يقول : مكثوا بالشام (1) وعادوا الى كربلاء , ومنهم من قال : رجعوا بسنتهم , والخبر الثاني أقرب للوضع , حيث ان مروان بن الحكم أشار على يزيد عليه اللعنة , أن يرجعهم الى المدينة وأخذ يهيئ لهم يزيد كلما يحتاجون في طريقهم من المحامل والخيم
(1) ذكر السيد ابن طاووس رحمه الله في الإقبال , قال : وجدت في المصباح ـ مصباح المجتهد للطوسي رحمه الله : إن حرم الحسين وصلوا كربلاء مع مولانا علي بن الحسين عليه السلام يوم العشرين من صفر وفي غير المصباح : انهم وصلوا كربلاء أيضا في عودتهم من الشام يوم العشرين من صفر , وكلاهما مستبعد لأن عبيدالله بن زياد (لعنه الله) كتب الى يزيد يعرفه ما جرى ويستأذنه في حملهم , ولم يحملهم حتى عاد الجواب إليه , وهذا يحتاج الى نحو عشرين يوماً , وأكثرمنها , ولأنه لما حملهم الى الشام روي أنهم لما أقاموا فيها شهرا في موضع لا يكنهم من حر ولا من برد وصورة الحال تقتضي أنهم تأخروا أكثر من أربعين يوماً من قتل الحسين عليه السلام الى ان وصلوا العراق أو المدينة , وأما جوازهم في عودتهم على كربلاء فيمكن ذلك , ولكنه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر لأنهم اجتمعوا على ما روي مع جابر بن عبدالله الأنصاري , فإن كان جابر قد وصل زائراً من غير الحجاز فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيئه أكثر من أربعين يوماً , وعلى أن يكون جابر وصل من غير الحجاز من الكوفة أو غيرها
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 55

والطعام والقرب والأواني , ووجه معهم النعمان بن بشير الصحابي (1) ومعه ثلاثون رجلا وأمره أن يكون بأمر السجاد زين العابدين عليه السلام في حلهم وترحالهم , فخرجوا من دمشق الشام , فكان النعمان بن بشير يسايرهم بحيث يرونهم ويراهم , وإذا نزلوا نزل ناحية عنهم هو وأصحابه , وصاروا لهم كهيئه الحرس , وكان بين حين وآخر يأتي وحده ويسأله عما يحتاجونه ويلطف به , حتى إذا وصلوا الى مفرق طريقين أحدهما ينتهي الى المدينة والأخر الى العراق , قالوا للدليل : مر بنا على كربلاء , فامتثل الدليل أمرهم , فوصلوا الى كربلاء في العشرين من شهر صفر , فوجدوا بها جابر بن عبدالله الأنصاري (2) قد ورد كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام .
قال الأعمش بن عطية الكوفي : خرجت مع جابر بن عبدالله الأنصاري زائراً قبر الحسين عليه السلام , فلما ورد كربلاء دنا من شاطئ الفرات فاغتسل , ثم خرج وقد ائتزو بإزار وارتدى بآخر , ثم فتح صرة فيها سعد (3) فنثرها على بدنه , ثم مشى الى القبر الشريف حافياً , وكان لايخطو خطوة الا ذكر الله تعالى فيها , حتى إذا دنا من القبر الشريف , قال : المسنية يا ابن عطية . قال : فألمسته القبر , فخر على القبر
(1) النعمان بن بشير الأنصاري الخزري يكنى أبا عبدالله وهو مشهور , له ولأبيه صحبة . قال الواقدي : كان أول مولود في الاسلام من الأنصار , بعد الهجرة بأربعة عشر شهراً , وعن أبي الزبير , قال : كان النعمان بن بشير أكبر مني بستة أشهر , استعمله معاوية على الكوفة فبقى حتى دخلها مسلم بن عقيل , ودخلها أيضاً عيبدالله بن زياد , قتل النعمان سنة خمس وستين .
(2) جابر بن عبدالله الأنصاري شهد النبي صلى الله عليه واله وسلم وحضر جل غزواته , وكف بصره في آخر عمره , توفي في المدينة سنة أربع وستين ويقال سنة سبع وسبعين , عاش اربع وتسعين سنة .
(3) السعد : طيب معروف بين الناس , ومنه الحديث : اتخذوا السعد لأسنانكم فإنه يطيب الفم . (مجمع البحرين)
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 56

مغشياً عليه , فرششت عليه الماء , فلما أفاق صاح : يا حسين يا حسين حتى قالها ثلاثاً , ثم قال : حبيب لا يجيب حبيبه .
ثم قال : وأنى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك (1) , وفرق بين رأسك وبدنك , أشهد انك ابن سيد النبيين , وابن سيد الوصيين , وابن حليف التقى وسليل الهدى , وخامس أصحاب الكساء , وابن سيد النقباء , وابن فاطمة الزهراء سيدة النساء , وكيف لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين وربيت في حجور المتقين , ورضعت من ثدي الإيمان , وفطمت بالاسلام , فطبت حيّاً وطبت ميتاً , غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك , ولا شاكة في حياتك , فعليك سلام الله ورضوانه , اشهد انك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا .
ثم أجال ببصره نحو القبور ـ قبور الشهداء ـ وقال : السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلت بفناء قبر الحسين عليه السلام وأناخت برحله , أشهد انكم اقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين , والذي بعث محمداً بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه .
قال ابن عطية : فقلت لجابر : فكيف تقول ذلك ونحن لم نهبط وادياً ولم نعل جبلاً ولم نضرب بسيف , والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم , واوتمت أولادهم , وأرملت أزواجهم ؟ فقال لي : يابن عطية سمعت حبيبي رسول الله يقول : من أحب قوماً حشر معهم , ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم , والذي بعث محمداً بالحق إن نيتي ونية أصحابي على مضى عليه الحسين وأصحابه ,
(1) الثبج : ما بين الكاهل الى الظهر . (المنجد)
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 57

حذو النعل بالنعل , ثم قال : خذوني نحو أبيات كوفان .
قال ابن عطية : فلما صرنا في بعض الطريق فقال لي : يابن عطية هل اوصيك وما أظن أنني بعد هذا السفر ملاقيك , أحب محب آل محمد صلى الله عليه واله وسلم على ما احبهم وأبغض مبغض آل محمد على ما أبغضهم , وإن كان صوّاماً قوّاماً , وارفق بمحب آل محمد صلى الله عليه واله وسلم فإنه إن تزل قدم بكثر ذنوبهم , ثبتت أخرى بمحبتهم , فأن محبهم يعود الى الجنة ومبغضهم يعود الى النار .
ويروى في بعض المقاتل , قال ابن عطية : بينا نحن بالكلام وإذا بسواد قد أقبل علينا ومن ناحية الشام , قفلت : يا جابر إني أرى سواداً عظيماً مقبلاً عيلنا من ناحية الشام , فالتفت جابر الى غلامه , وقال له : انطلق وانظر ما هذا السواد , فإن كانوا من أصحاب عبيدالله بن زياد ارجع إلينا حتى نلتجأ الى مكان , وأن كان هذا سيدي ومولاي زين العابدين أنت حر لوجه الله . فانطلق الغلام بأسرع أن رجع إلينا وهو يلطم وجهه وينادي : قم يا جابر واستقبل حرم الله وحرم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , فهذا سيدي ومولاي علي بن الحسين عليه السلام قد أقبل بعماته وأخواته ليجددوا العهد بزيارة الحسين عليه السلام . فقام جابر ومن معه واستقبلوهم بصراخ وعويل , يكاد الصخر أن يتصدع منه , ولما دنى من الامام انكب على قدميه يقبلهما وهو يقول : سيدي عظم الله لك الأجر بمصاب أبيك الحسين , وعظم الله لك الأجر بعمومتك واخوتك . فقال الامام عليه السلام : أنت جابر ؟ قال : نعم سيدي أنا جابر , فقال عليه السلام : يا جابر ههنا ذبحت أطفال أبي .
هنا رأيت أبي في التراب منعفرا وصحبه حوله صرعى على الترب
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 58



المطلب السابع عشر

في ترجمة جابر بن عبدالله الأنصاري

كان جابر بن عبدالله الأنصاري (1) من جلة الصحابة جليل القدر , عظيم الشأن , انقطع الى أهل البيت عليهم السلام , شهد مع النبي صلى الله عليه واله وسلم ثمانية عشر غزوة , وشهد مع علي صفين , وكان من المكثرين الحديث والحافظ للسنن .
قال شيخاً في المستدرك : جابر الأنصاري , هو من السابقين الأولين الذين رجعوا الى أمير المؤمنين , حامل سلام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الى باقر علوم الأولين والآخرين .
قال أرباب التاريخ : خرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم غازياً وجابر بن عبدالله معه على ناقة له وقد تخلفت ناقته لأنها كانت عجفاء , فالتفت النبي صلى الله عليه واله وسلم الى خلفه فلم ير
(1) هو أبو عبدالله , جابر بن عبدالله الأنصاري , مفتي المدينة في زمانه , كان آخر من شهد ببيعة العقبة في السبعين من الأنصار , وحمل عن النبي علماً كثيراً نافعاً , وله منسك صغير في الحج , وأراد شهود ببدر وشهود احد , فكان أبوه يخلفه على أخواته , ثم شهد الخندق وبيعة الرضوان . وعنه قال : استغفر لي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليلة البعير خمساً وعشرين مرة , وقليل :انه شهد بدراً , وكان يميح الماء , عمر اربعاً وتسعين سنة , وكانت وفاته سنة ثمان وسبعين رحمه الله ـ الذهبي ـ تذكرة الحفاظ .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 59

جابراً , فسأل أصحابه , فقيل له : يا رسول الله إن ناقته عجفاء , فرجع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إليه وهمز الناقة برجله فجعلت تهف هفيفاً خفيفاً , حتى سبقت ناقة النبي صلى الله عليه واله وسلم وقال له النبي صلى الله عليه واله وسلم : يا جابر بكم اشتريت هذه الناقة ؟ فقال : بأبي وامي يا رسول الله اشتريتها بأربعمائة دينار , فقال صلى الله عليه واله وسلم : إذا رجعنا من غزوتنا بعها علي , فقال هي لك يا رسول الله , ثم سأله هل عليك ديون ؟ قال : بلى يارسول الله علي دين كثير , فقال النبي صلى الله عليه وآله واسلم : هل عندك شيء تفي به ؟ قال : بلى عندي تميرات اقسمها على غرمائي , والذي يبقي له من الدين أستمهلهم الى السنة الأخرى . فقال له النبي صلى الله عليه واله وسلم : إذا حضرت وقت ايفائك لهم احضرني على التمر , ولما رجع النبي من غزوته الى المدينة , أقبل جابر بناقته فعقلها بباب المسجد , وصاح : يا رسول الله هذه الناقة قد جئتك بها . فقام صلى الله عليه واله وسلم ودفع له اربعمائة دينار , وقال له : يا جابر الدنانير لك والناقة لك . ولما صار أوان التمر أحضر النبي صلى الله عليه واله وسلم فأخذ النبي الميزان بيده وجعل يزن التمر ويقسمه على غرماء جابر , حتى وفى عنه جميع ديونه , وزاد من التمر ببركة النبي صلى الله عليه واله وسلم .
وروي أنه دخل جابر يوماً على النبي صلى الله عليه واله وسلم فسلم عليه , فرد النبي عليه السلام , فقال : يا رسول الله أخبرني عن منزلة سلمان الفارسي , فقال صلى الله عليه واله وسلم : سلمان منا أهل البيت . ثم قال : يا رسول الله أخبرني عن منزلة عمار , فقال صلى الله عليه واله وسلم : عمار منا أهل البيت . فقال يا رسول الله أخبرني عن منزلة المقداد , فقال صلى الله عليه واله وسلم : المقداد منا أهل البيت . فقال : أخبرني عن منزلة أبي ذر , فقال صلى الله عليه واله وسلم : أبو ذر منا أهل البيت . ثم انصرف جابر , فصاح النبي صلى الله عليه واله وسلم , يا جابر أقبل إلي , فأقبل إليه فقال له النبي صلى الله عليه واله وسلم : سألتني عن هؤلاء الأربعة ولم تسألني عن نفسك ؟! فأطرق برأسه إلى
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 60

الأرض حياء من النبي صلى الله عليه واله وسلم , فقال له : أخبرني عن نفسي يا رسول الله , فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم : أنت منا أهل البيت , فلهذا انقطع جابر الى أهل البيت وحضر مع علي صفين , وكان من خواص أصحابه , وكان يحدث عن فضلائه ومناقبه .
حتى روي عن أبي الزبير المكي قال : سألت جابر بن عبدالله فقلت : أخبرني أي رجل كان علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ قال : فرفع حاجبه عن عينيه , وقد كان سقط على عينيه , قال : فقال : ذاك خير البشر , أما والله إنا كنا لنعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ببغضهم إياه .
وكان يقعد في مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو معتم بعمامة سوداء وكان ينادي : يا باقر العلم يا باقر العلم , وكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر , وكان يقول : لا والله لا أهجر , ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول : إنك ستدرك رجلاً من أهل بيتي اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقراً فذاك الذي دعاني الى ما أقول , فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ رأى في ذلك الطريق كتاب (1) وفيه محمد بن علي بن الحسين عليه السلام , فلما نظر إليه قال : يا غلام أقبل , فأقبل , ثم قال : أدبر فأدبر , فقال : شمائل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والذي نفس جابر بيده , يا غلام ما اسمك ؟ فقال : اسمي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب , فأقبل إليه يقبل رأسه , وقال : بأبي أنت وأمي رسول الله جدك يقرأك السلام . قال : فرجع محمد بن علي إلى أبيه وهو ذعر , فأخبره الخبر , فقال له : يا بني قد فعلها جابر ؟ قال : نعم . قال : يا بني ألزم بيتك , فكان جابر يأتيه طرفي النهار , وكان أهل المدينة يقولون : وا عجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار .
(1) لعله مكان معلم الأولاد .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 61


وكان جابر يحب الحسين عليه السلام ويحمله على كتفيه وكان النبي صلى الله عليه واله وسلم إذا حمل الحسين عليه السلام وجاء جابر ورآه الحسين عليه السلام يرمي بنفسه عليه , وكان يقال له : حبيب الحسين , وهو من جملة من دخل الى الحسين عليه السلام يومئذ بمكة , وذلك لما أراد الخرج منها الى العراق , وقال له فيما قال : سيدي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك , فقال : « يا عم يا جابر إن تكليفي من الله غير تكليفي أخي الحسن عليه السلام , ولو كان أخي الحسن عند أربعين رجلاً لما صالح معاوية , وها أنا ذا معي ما ينوف على الأربعين غير الذي يلحقونني » .
قال الراوي : فجعل جابر يبكي ويقول : سيدي بحق جدك ألا ما عدلت عن الوجه , لما رأى تصميم الحسين عليه السلام على الخروج الى العراق ودعه ودموعه تجري , ولما خرج الحسين عليه السلام من مكة خرج جابر الى البصرة , وجعل كل يوم يخرج خارج البصرة ويسأل القادمين من الكوفة عن الحسين عليه السلام , حتى استخبر بقتل الحسين عليه السلام فجعل يلطم وجهه ويبكي , ونام ليلته فرأى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في المنام وهو أشعث مغبر مكشوف الرأس , فقال : مالي أراك يا رسول الله أشعث ؟ فقال : يا جابر الان رجعت من دفن ولدي الحسين عليه السلام , ثم تجهز جابر للمسير الى كربلاء , فجاء ومعه الأعمش بن عطية وغلامه حتى وافى كربلاء يوم التاسع عشر من شهر صفر وبات عند قبر الحسين عليه السلام ليلته , حتى أصبح الصباح أقبل زين العابدين عليه السلام بعماته وأخواته من الشام , ولما لاح للهاشميات قبر الحسين عليه السلام وقبور الشهداء ألقين بأنفسهن على القبور ولسان حال الحوراء زينب عليها السلام يقول :
يا نـازلين بكربلا هل عندكم خبر بـقتلانا وما أعلامها
ما حال جثة ميت في أرضكم بقيت ثلاثا لا يزار مقامها
بالله هل رفعت جانزته وهل صلى صلاة الميتين أمامها
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 62


قال أرباب المقاتل : وانكبت فاطمة بنت الحسين عليها السلام على قبر أبيها حاضنه له وهي تبكي حتى غشي عليها , وجاءت سكينة ووقعت على قبر أبيها , وهكذا درن الهاشميات على قبر الحسين عليه السلام لاطمات الخدود , صارخات معولات , واجتمعن إليهم نساء ذلك السواد فأقاموا الى ذلك أياماً .
قم وجدد الحزن في العشرين من صفر ففيه ردت الرؤوس الآل للحفر (1)
(1) (فائدة) كان جابر بن عبدالله الأنصاري ممن شهد العقبة وعمي في آخر عمره , ومات سنة 78 هـ وقليل ثمان وتسعين , وقد أدرك من امامه الباقر عليه السلام ثلاث سنين بالمدينة , وكان أخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وكان من السبعين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه واله وسلم في عقبه منى . وعن الفضل بن شاذان أنه من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي , وهو ممن مدحه الصادق عليه السلام . وعن فضيل بن عثمان عن الزبير قال : رأيت جابراً يتوكأ وهو يدور في سكك المدينة ومجالسهم , وهو يقول : علي خير البشر فمن أبى فقد كفر , يا معاشر الأنصار أدبوا أولادكم في حب علي عليه السلام ومن أبى فالينظر في شأن أمه .

السابق السابق الفهرس التالي التالي