ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 63



المطلب الثامن عشر

في موضع دفن الرأس الشريف

اختلف أرباب التاريخ في موضع دفن رأس الحسين عليه السلام كاختلافهم في موضع دفن الزهراء سيدة النساء صلوات الله عليها , وقبر عبدالله الرضيع ابن الحسين عليهما السلام , الذي رماه حرملة بن كاهل بسهم يوم عاشوراء وذبحه من الوريد الى الوريد , نعم إن للمؤرخين أقوال كثيرة في موضع دفن الرأس حيث ذكر كل منهم ما وقف عليه , واستند إما على السماع أو على رواية رواها من غيرها , أو نقلها من مصدر من المصادر .
ذكر المؤيد صاحب حماة في تاريخه , وعمر بن الوردي في تاريخه : قيل إن رأس الحسين عليه السلام جهز الى المدينة ودفن عند أمه , وكذلك ذكر السمهودي في « وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى » عن محمد بن سعيد : أن يزيد بن معاوية بعث برأس الحسين عليه السلام الى عمر بن العاص , وكان عامله على المدينة , فكفنه ودفنه بالبقيع عند قبر امه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (1), فهؤلاء المؤرخين ذهبوا على ان الرأس الشريف حمل الى المدينة ودفن بالبقيع أو عند قبر النبي صلى الله عليه واله وسلم .
(1) وكذلك ابن سعد ذكر هذه الرواية في طبقاته الكبرى ورواية البخاري في تاريخه .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 64


وممن قال أنه دفن بعسقلان (1) مجبر الدين الحنبلي في ـ الأنس الجليل ـ قال : وبها أي بعسقلان مشهد عظيم بناه بعض الفاطميين من خلفاء مصر على مكان زعموا ان فيه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام .
وممن قام بدمشق ياسين بن المصطفى الفرضي قال في « النبذة اللطيفة في المزارات الشريفة » في المزارات المشهورة للصحابة بدمشق ونواحيها , والمشهور منهم بتربة باب الفراديس المسماة بمرج أبي الدحداح الآن سمي مسجد الرأس داخل باب الفراديس في أصل جدار المحراب لهذا المسجد رأس الملك الكامل .
وأما الذين يذكرون انه مدفون بمصر منهم الصبان في أسعاف الراغبين قال : واختلفوا في رأس الحسين عليه السلام بعد مسيره الى الشام أين صار وفي أي موضع استقر ؟ فذهبت طائفة الى ان يزيد أمر أن يطاف برأسه الشريف في البلاد فطيف به حتى انتهى الى عسقلان فدفنه أميرها بها , فلما غلب الإفرنج على عسقلان افتداه منهم الصالح طلائع وزير الفاطميين بمال جزيل ومشى الى لقائه من عدة مراحل ووضعه في كيس حرير أخضراً على كرسي من خشب الأبنوس وفرش تحته المسك والطيب وبنى عليه المشهد الحسيني المعروف بالقاهرة .
وذكر شيخ عبدالوهاب الشعراني في طبقات الأولياء عند ذكره الحسين عليه السلام : دفنوا رأسه ببلاد المشرق ثم رشا عليها طلايع بن زريك بثلاثين ألف دينار ونقله الى مصر وبنى عليه المشهد الحسيني , وخرج هو وعسكره حفاة
(1) عسقلان مدينة على ساحل البحر من أعمال فلسطين كان يقال لها عروس الشام لحسنها وهي ذات بساتين وثمار , بها مشهد رأس الحسين عليه السلام وهو مشهد عظيم وفيه ضريح الرأس والناس يتبركون به وبنيت عسقلان في أيام عمر بن الخطاب .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 65

إلى نحو الصالحية من طريق الشام يتلقون الرأس الشريف , ثم وضعه طلايع في كيس من حرير أخضر على كرسي آبنوس وفرشوا تحته المسك والعنبر والطيب قدر وزنه مراراً (1) .
وممن ذكر أنه مدفون بالرقة عبدالله بن عمر الوراق في كتاب « المقتل » , قال : ولما خضر الرأس بين يدي يزيد بن معاوية قال : لأبعثنه الى آل أبي معيط عن رأس عثمان , وكانوا بالرقة , فبعثه اليهم فدنوه في بعض دورهم , ثم ادخلت تلك الدار في المسجد الجامع , قال : وهو الى جانت سدره هناك , وقيل : إن الفاطميين نقلوه من باب الفراديس الى عسقلان ثم نقلوه الى القاهرة .
ومنهم من قال : أنه دفن بالثوية حيث الآن يسمى بمسجد (الحنانة) شرقي النجف عن يسار الذاهب الى الكوفة وبالقرب من قبر العبد الصالح كميل بن زياد النخعي , وقال الآخرون : إنه دفن عند أبيه أمير المؤمنين عليه السلام وتوجد الآن غرفة في الرواق الحيدري , مما يلي الرأس الشريف من جهة الغرب وهي مزركشة , وقد كتب على جدرانها بعض اللوائح بخط جميل .
يا أبا عبدالله الحسين عليه السلام , هذه الأقوال كلها لم تكن عليها عمل الطائفة , بل الذي عليه العمل وهو القول الفصل إن السجاد زين العابدين عليه السلام جاء به الى كربلاء ودفنه مع الجسد الشريف .
(1) وممن قال أن الرأس الشريف بالمشهد الذي بالقاهرة نقل إليها من عسقلان , علي بن أبي بكر المشهور بالسائح الهروي المتوفى سنة 611 , قال في الإشارات الى أماكن الزيارات عند كلامه على عسقلان : وبها مشهد الحسين عليه السلام , وكان رأسه بها فلما أخذته الفرنج نقله المسلمون الى مدينة القاهرة سنة 549 .
وحكى ابن أبي دنيا , قال : وجد رأس الحسين عليه السلام في خزانة يزيد بدمشق فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس وكذا ذكره البلاذري في تاريخه , قال : هو بدمشق .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 66


ذكر صاحب كتاب حبيب السير : ان يزيد بن معاوية سلم رؤوس الشهداء الى علي بن الحسين عليه السلام فألحقها بالأبدان الطاهرة يوم العشرين من صفر .
وقال السبط ابن الجوزي بعد تعدد الأقوال قال : وأشهرها أنه رد الى كربلاء مع السبايا الى الجسد الشريف فدفن معه .
لا تـطلبوا قبر الحسين بأرض شرق أو بغرب
ودعوا الجميع وعرجوا نـحوي فـمشهده بقلبي
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 67



المطلب التاسع عشر

في رجوع السبايا الى المدينة

قال ابن الأثير والبياسي والطبري في روايته عن أبي مخنف : أنه لما أراد يزيد أن يسيرهم الى المدينة أمر النعمان بن بشير أن يجهزهم بما يصلحهم ويسير معهم رجلاً أميناً من أهل الشام , وأن يبعث معه خيلاً وأعوانا .
وقال المفيد : ندب النعمان بن بشير , وقال له : تجهز لتخرج بهؤلاء النسوة الى المدينة , وأنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولاً تقدم إليه أن يسير بهم في الليل و يكونوا أمامه , حيث لا يفوته طرفه , فإذا نزلوا تنحى عنهم وتفرق أصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم , وينزل منهم بحيث إن أراد إنسان من جماعتهم وضوءاً أو قضاء حاجة لم يحتشم .
قالوا جميعاً : ودعا يزيد , زين العابدين عليه السلام ليودعه , وقال له : لعن الله ابن مرجانة , أما والله لو إني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبداً إلا أعطيته إياها , ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت , ولو بهلاك بعض ولدي , ولكن الله قضى ما رأيت , يا بني كاتبني من المدينة , وإنه إلي كل حاجة تكون لك , وتقدم بكسوته وكسوة أهله وأوصى بهم هذا الرسول , فخرج بهم الرسول .
قال المفيد : وسار بهم في جملة النعمان فكان يسايرهم ليلاً فيكونون أمامه بحيث لا يفوتون طرفه , فإذا نزلوا تنحى عنهم هو وأصحابه وكانوا حولهم كهيئة
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 68

الحرس , وكان يسألهم حاجتهم ويلطف بهم , كما وصاه يزيد حتى دخلوا المدينة , ولما وصلوا قالت فاطمة بنت علي (أي ام كلثوم) لاختها زينب : لقد أحسن هذا الرجل إلينا , فهل لك أن نصله بشيء , فقالت : والله ما معنا نصله به الا حليّنا , فأخرجتا سوارين ودملجين لهما , فبعثتا به إليه واعتذرتا فرد الجميع , وقال : لو كانت صنعت للدنيا لكان هذا يرضيني ولكن والله ما فعلته إلا لله , ولقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
وقال بشر بن حذلم : ولما قربنا من المدينة , نزل علي بن الحسين عليه السلام فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه , وقال : يا بشر رحم الله أباك فلقد كان شاعراً , فهل أنت تحسن الشعر ؟ فقلت : بلى يا سيدي , وإني لشاعر , فقال عليه السلام : قم الآن وادخل المدينة وانعى الحسين عليه السلام ولو ببيتين من الشعر .
قال بشر : فقمت وركبت فرسي وجئت حتى دخلت المدينة , فلما بلغت مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت :
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الـحسين فأدمعي مدرار
الجسم منـه بكربلاء مضرج والرأس منه على القناة يدور

قال : فضج الناس بالبكاء والنحيب , ثم قلت : هذا علي بن الحسين عليه السلام مع عماته واخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم , وأنا رسوله إليكم اعرفكم مكانه .
قال بشر : فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا وبرزن من خدورهن ضاربات الصدور , ناشرات الشعور , وهن يدعين بالويل والثبور , قال : فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم .
قال بشر : وسمعت في طريقي جارية تنوح وتنشد :
نعى سيدي ناع نعاه فأوجعا وأمرضني ناع نعاه فأفجعا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 69

اعـيني جـودا بالـدموع واسـكـبا وجودا بقـان مـثل دمعكما معا
على من دهى عرش الجليل فزعزعا وأصبح أنف الدين والمجد أجدعا
على ابـن نبـي الله وابـن وصـيه وإن كان عنا شاحط الدار اشسعا

ثم قالت : أيها الناعي جددت حزناً بأبي عبدالله , وخدشت منا قروحاً لما تندمل , فمن أنت يرحمك الله ؟ فقلت : أنا بشر بن حذلم , وجهني مولاي علي بن الحسين عليه السلام وهو نازل موضع كذا وكذا مع العيال والأطفال .
قال : فتركوني الناس ومضوا يهرعون حتى إذا وصلت قريباً من الموضع والناس قد أخذوا الطريق المواضع , فنزلت عن فرسي وتخطيت رقاب الناس , حتى قربت من الفسطاط , وكان علي بن الحسين عليه السلام داخل الفسطاط , ثم خرج وبيده منديل يمسح به دموعه وخلفه خادم معه يحمل الكرسي , ثم وضعه له بين الناس وهو لم يتمالك من العبرة , وارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب , وقام الناس يعزونه من كل ناحية , فضجت تلك البقعة ضجة واحدة , ثم أومأ بيده الى الناس أن اسكتوا , فسكنت فورتهم , فقال :
« الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين , بارئ الخلائق أجمعين , الذي بعد فارتفع في السماوات العلى , وقرب فشهد النجوى , ونحمده على عظائم الأمور , وفجائع الدهور , وألم الفجائع , ومضاضة اللواذع , وجليل الرزء , وعظيم المصائب الفاظعة الكاظمة الفادحة الجائحة , أيها القوم إن الله وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة , وثلمة في الإسلام عظيمة , قتل أبو عبدالله الحسين عليه السلام وعترته وسبي نساءه وصبيته , وداروا برأسه في البلدان من فوق عال السنان , وهذه الرزية التي لا مثلها رزية , أيها الناس فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله ؟ أم أي فؤاد لا يحزن من أجله ؟ أم أية عين منكم تحبس دمعها وتضل عن أنهما لها ؟ فلقد بكت السبع الشداد بقتله , وبكت البحار بأمواجها , والسماوات بأركانها , والأرض
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 70

بأرجائها , والأشجار بأغصانها , والحيتان في لجج البحار , والملائكة المقربون , وأهل السماوات أجمعون , أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله ؟ أم أي فؤاد لا يحن عليه ؟ أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثملت الإسلام ؟ أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين , شاسعين الأوطان , كأننا أولاد ترك وكابل , من غير جرم أجرمناه , ولا مكروه ارتكبناه , ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها , ولا سمعنا بهذا في آبائنا الأولين , إن هذا إلا اختلاق , والله لو ان النبي صلى الله عليه واله وسلم تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا , فإنا لله وإنا إليه راجعون , من مصيبة ما أعظمها وأوجعها وأفجعها وأكظها وأفظعها وأمرها وأفدحها , فعند الله نحتسب فيما أصابنا , وما بلغ بنا فإنه عزيز ذوانتقام »
قال : فعلت الأصوات بالبكاء والعويل .
وروى في المنتخب (1): إن ام كلثوم عليها السلام حين توجهت الى المدينة جعلت تبكي وتقول :
مديـنة جـدنا لا تـقبلينا فبالحسرات والأحزان جينا
خرجنا منك بالأهلين جمعاً رجـعنا لا رجال لا وبنينا
(1) انظر ج 2 ص 499 .
الميزان في تفسير القرآن 71




المطلب العشرون

في ملاقاة السجاد عليه السلام مع عمه محمد

ذكر صاحب الدمعة الساكبة قال : لما دخل بشر بن حذلم الى المدينة وأخبر الناس بقتل الحسين عليه السلام وضج الناس بالبكاء والنحيب , وكان محمد بن الحنفية مريضاً , ولم يكن له علم بذلك الخبر الشنيع , فسمع اصواتاً عالية ورجّة عظيمة , فلم يقدر أحد أن يخبره لخوفهم عليه من الموت لأنه قد أنحله المرض , فألح عليهم بالسؤال . فتقدم إليه أحد غلمانه , وقال : جعلت فداك يابن أمير المؤمنين , إن أخاك الحسين عليه السلام قد أتى من الكوفة وقد غدر أهل الكوفة بابن عمك مسلم بن عقيل , فرجع عنهم وأتى بأهله وأصحابه , فقال له لم لا يدخل علي أخي ؟ قال : ينتظر قدومك إليه .
قال : فنهض فوقع وجعل تارة يقوم وتارة يسقط , وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , فكأن حس قلبه بالشر , فقال : إن فيها والله مصائب آل يعقوب , ثم قال : أين أخي ؟ أين ثمرة فؤادي ؟ أين الحسين ؟ ولم يعلم بقتله , فقالوا : يا مولانا أخوك بالموضع الفلاني. قال : قدمو لي جوادي , فقدم له الجواد , واركبوه على جواده وحوله خدامه , حتى إذا خرج خارج المدينة فلم ير إلا أعلاماً سودا, فقال : ما هذه الأعلام السود , والله قتل بنو امية الحسين , فصاح صيحة عظيمة , وخر عن جواده إلى الأرض مغشياً عليه , فركض الخادم الى زين
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 71

العابدين عليه السلام وقال له: يا مولاي أدرك عمك قبل أن تفارق روحه الدنيا , فخرج وبيده منديل يمسح بها دموعه الى أن أتى الى عمه فأخذ رأسه ووضعه في حجره , فلما أفاق قال : يابن أخي أين أخي ؟ أين قرة عيني ؟ أين نور بصري ؟ أين أبوك ؟ أين خليفة أبي ؟ أين أخي الحسين ؟ فقال علي عليه السلام : أتيتك يتيماً ليس معي إلا نساء حاسرات في الذيول عاثرات , ناعيات نادبات , وللمحامي فاقدات , يا عماه لو تنظر الى أخيك يستغيث فلا يغاث, ويستجير فلا يجار , قتل وهو عطشان والماء يشربه كل حيوان . فصرخ محمد بن الحنفية حتى عشي عليه مرة ثانية ولما أفاق من غشيته قال : يابن أخي قص علي ما أصابكم .
قال الراوي : فكان السجاد يقص على عمه ودموعه تجري وهو يمسحها بمنديل كان في يده , فقال محمد بن الحنفيه : يعز علي يا أبا عبدالله , يا أخي كيف طلبت ناصراً فلم تنصر , ومعيناً فلم تعن , ثم نهض ودخل داره ولم يخرج إلا بعد ثلاثة أيام , ولما كان اليوم الرابع خرج للناس وهو شاك في سلاحه وقد اشتمل ببردة واستوى على جواده وقصد ناحية الجبل , فلم يظهر للناس إلا عند خروج المختار (1) .
قال الراوي : وسمعت ام لقمان بنت عقيل صراخ للنساء , وخرجت ومعها أترابها ام هاني , وأسماء بنت علي عليه السلام وجعلن يندبن الحسين عليه السلام ,
قال الراوي : وكان دخولهم المدينة يوم الجمعة والخطيب يخطب الناس , فذكروا الحسين عليه السلام وما جرى عليه , فتجددت الأحزان , واشتملت المصائب وصار كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
(1) الظاهر أنه اعتزل الناس حداداً على أبي عبدالله الحسين عليه السلام .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 73

قال الراوي : وأقبلت ام كلثوم الى مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهي باكية العين , حزينة القلب , فقالت : السلام عليك يا جداه , إني ناعية إليك ولدك الحسين عليه السلام , وجعلت تمرغ خديها على المنبر والناس يعزونها .
وفي البحار وغيره , أما فخر المخدرات زينب عليها السلام أما فإنها لما دخلت المدينة ووقع طرفها على قبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صرخت وبكت وأخذت بعضادتي باب المسجد ونادت: يا جداه إني ناعية إليك أخي الحسين عليه السلام وهي مع ذلك لا تجف لها عبرة ولا تفتر من البكاء والنحيب .
قال : وأقبلت ام كلثوم الى قبر امها فاطمة الزهراء , ورمت بنفسها على القبر وهي تقول: يا اماه اعزيك بولدك الحسين عليه السلام فقد قتلوه عطشانا :
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا وقد مات عطشانا بشـط فرات
إذاً للطمت الخد فاطم عنـده وأجريت دمع العين في الفلوات (1)

قال أرباب المقاتل : ولبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح , وكن لا يشتكين من حر ولا برد , وما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ولا رؤي في دار هاشمي دخان خمس حجج , كل ذلك حزناً على أبي عبدالله الحسين عليه السلام , وكانت رباب زوجة أبي عبدالله الحسين عليه السلام تبكي الليل والنهار على أبي عبدالله , وأمرت بسقف البيت فاقتلعوه , وكانت تجلس في حرارة الشمس وتنوح على الحسين عليه السلام , وقد خطبها يزيد بن معاوية والأشراف من قريش , فقالت : لا والله ما
(1) البيتان من القصيدة التائية الشهيرة وهي للشاعر العملاق دعبل بن علي الخزاعي المتوفى سنة 246 هـ ومطلعها كما في ديوانه :
تجاوبن بالأرنان والزفرات نوائح عجم اللفظ والنطقات
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 74

كنت لأتخذ حماً آخر بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (1) وكانت ترثي الحسين عليه السلام بأشجى رثاء فمن قولها :
إن الذي كان نوراً يستضاء به بكـربلاء قـتيل غير مدفون
سبط الـنبي جزاك الله صالحة عنا وجنبت خسران الموازين
قد كنت لي جبلاً صعباً ألوذ به وكنت تصحبنا بالرحم والدين
من لليتامى ومن للسائلين ومن يغني ويأوى إليه كل مسكين
والله لا أبتغي صهراً لصهركم حتى اوسد بين الرمل والطين

واما ام البنين ام العباس فإنها كانت ترثي الحسين عليه السلام وترثي أولادها وتندبهم بأشجى ندبة , وكانت تخرج الى البقيع كل يوم فيجتمع الناس لسماع رثائها وفيهم مروان بن الحكم فيبكون لشجي الندبة , فمن قولها :
لا تدعوّني ويك ام الـبنين تـذكرينـي بـليوث العرين
كانت بنون لي ادعـى بهم واليوم اصبحـت ولا من بنين
أربـعة مـثل نسـور ربا قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصان أشلاءهم فكلهم أمسـى صـريعاً طعين
يا ليت شعري أكما أخبروا بأن عباسـاً قـطيع الـيميـن

ومن رثاها في ولدها العباس عليه السلام عليه السلام:
يا من رأى العباس كر على جماهير النقد (2)
(1) قيل : إن الرباب عاشت سنة بعد الحسين عليه السلام ثم ماتت كمداً ولم تستظل بسقف أبداً .
(2) النقد ـ بالتحريك ـ قسم من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 75

ووراءه أبـنـاء حيدر كـل لـيث ذي لـبد (1)
انبئت أن ابني اصيب برأسـه مقـطـوع يد
ويلي على شـبلي أما ل برأسه ضرب العمد
لو كان سيفـك في يد يك لمـا دنا مـنه أحد

بلى والله يا ام البنين , إن ولدك العباس :
قطعوا يديه وهامه فضخوه في عمد الحديد فخر خير طعين (2)
(1) اللبد ـ بفتحتين ـ الصوف المتلبد أو الشعر الكثير .
(2) من قصيدة عصماء في رثاء مولانا أبي الفضل العباس عليه السلام للمغفور له الشيخ حسن قفطان المتوفى سنة 1269هـ ومطلعها :
هيهات أن يجفوا السهاد عيوني أو أن داعية الأسى تجفوني

السابق السابق الفهرس التالي التالي