ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 137



المطلب الخامس والثلاثون

في ما فعله المختار بقتلة الحسين عليه السلام

ذكر أرباب التاريخ أن المختار بن أبي عبيدة الثقفي , لما ثار عليه أهل الكوفة وحاربهم ونصره الله عليهم وقتل منهم من قتل , وأطلق من أطلق منهم , فنادى آنئذ مناديه : من أغلق بابه فهو آمن إلا من شرك في دماء آل محمد صلى الله عليه واله وسلم , وتتبع المختار قتلة الحسين عليه السلام , فكانوا يؤتون حتى يوقفوا بين يديه فيأمر بقتلهم أنواعا من القتلات بما يناسب ما فعلوا , ومنهم من أحرقه بالنار , ومنهم من قطع أطرافه وتركه حتى مات , ومنهم من رمى بالنبال حتى مات .
قال الراوي : وكان عمرو بن الحجاج الزبيدي ممن شهد قتل الحسين عليه السلام , فركب راحلته وهرب فلا يدري أين ذهب , وقيل : أدركه أصحاب المختار فذبحوه , لعنه الله .
قال : وهرب شمر بن ذي الجوشن , فبعث المختار في أثره غلاماً يقال له زريب , كما روى ابن كثير : قال الطبري : فقلته شمر وسار , وكتب الى مصعب بن الزبير وهو بالبصرة يتذرع بقدومه عليه , وكان كل من فر من هذه الوقعة (وقعة الكوفة) يهرب الى مصعب بالبصرة , وبعث شمر الكتاب مع علج آخر , وطلب
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 138

منه أن يذهب الى سيده , وكان أبو عمرة وهو صاحب المختار أرسله الى قرية يقال لها الكلتانية , ليكون مسلحة بينه وبين أهل البصرة , فقصده أبو عمرة ودله العلج على مكانه في قرية بإزاء قريته , فلما كان الليل كابسه أبو عمرة وأصحابه فأعجلهم أن يلبسوا أسلحتهم , وطاعنهم شمر برمحه عريان وكان أبرص ثم دخل خيمته , واستخرج منها سيفاً , فناضل به حتى قتله ابو عمرة وألقى شلوه الى الكلاب , عليه اللعنة .
وبعث المختار الى خولي بن يزيد الأصبحي الذي رام أن يحز رأس الحسين عليه السلام فأرعد فخرجت إليهم امرأته فسألوا عنه , فقالت : لا أدري أين هو , وأشارت بيدها الى المكان الذي هو فيه مختب وهو بيت الخلاء , وكانت تبغضه من الليلة التي قدم بها إليها ومعه رأس الحسين عليه السلام واسمها « العيوف بنت مالك الحضرمي » , فدخلوا فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرة (1) فحملوه الى المختار , فأمر بقتله قريباً من داره وأن يحرق بعد ذلك فقتلوه بجانب أهله , ثم دعا المختار بنار فحرقه , ولم يبرح المختار حتى عاد رماداً , لعنه الله , ثم انصرف الى محله .
قالوا : ودل المختار على عبيدالله بن أسيد الجهني ومالك بن النسر (2) وحمل مالك المحاربي بالقادسية فأحضرهم فأمر بقطع يدي مالك بن النسر ورجليه وتركه يضطرب حتى مات , وقتل الآخرين .
قال الراوي : ثم أحضر زياد بن مالك الضبعي , وعمران بن خالد القشيري ,
(1) القوصرة وعاء يكون من سعف النخيل للتمر .
(2) مالك بن النسر هو الذي ضرب الحسين عليه السلام بسيفه وكان على رأس الحسين عليه السلام برنسا فامتلأ البرنس دماً , فقال له الحسين عليه السلام لا أكلت بيمينك ولا شربت بها .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 139

وعبدالرحمن بن أبي خشكارة البجلي , وعبدالله بن قيس الخولاني , وكانوا قد نهبوا الورس (1) الذي كان في خيم الحسين عليه السلام , فقتلهم , عليهم لعائن الله .
واحضر عبدالله وعبدالرحمن ابني طلحة وعبدالله بن وهيب الهمداني ابن عم الأعشى فقتلهم .
وأحضر عثمان بن خالد الجهني، وأبا أسماء بشر بن شميط القابضي، وكانا مشتركين في قتل عبدالرحمن بن عقيل وسلبه، فقتلهما وحرقهما بالنار، عليهما لعنة الله.
وأمر بإحضار حكيم بن الطفيل الطائي السنبسي وكان هذا اللعين رمى الحسين عليه السلام بسهم وكان يقول : تعلق سهمي بسرباله وما ضره , وأصاب سلب العباس بن علي عليه السلام , قال الراوي : فاستغاث أهله بعدي بن حاتم , فازدحم عليه الشيعة وقتلوه قبل أن يصل الى المختار خوفاً من شفاعة عدي , فرموه بالسهام حتى صار كالقنفذ فهلك عليه اللعنة .
وبعث المختار على مرة بن منقذ العبديى , قاتل علي بن الحسين الأكبر عليه السلام فأحاطوا بداره فدافع عن نفسه فضرب على يده اليسرى ونجى منهم لما هرب , ثم لحق بمصعب بن الزبير وقد شلت يده ,
وأرسل المختار على زيد بن ورقاء الذي قتل عبدالله بن مسلم بن عقيل عليه السلام , فلما أحاط الطلب بداره خرج يقاتلهم ودافع بالسيف عن نفسه فرموه بالنبل والحجارة حتى سقط وأحرقوه حيّاً , عليه لعنة الله.
وأرسل المختار خلف محمد بن الأشعث وكان في قرية الى جنب
(1) الورس شيء أحمر يشبه سحيق الزعفران .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 140

القادسية , فأرسل عليه المختار مائة رجل وأحاطوا بقصره , فخرج منه محمد بحيث ما رآه أحد ولحق بمصعب بن الزبير , فعمد المختار الى داره بالكوفة فهدمها .
وطلب عمرو بن صبيح الصيداني وكان يقول : إني طعنت برمحي يوم عاشوراء وجرحت وما قتلت منهم أحدا , فأحضر عند المختار وأمر به فطعن بالرماح حتى هلك , عليه اللعنة .
وتطلب سنان بن أنس الذي كان يدعي قتل الحسين عليه السلام فوجدوه قد هرب الى البصرة .
وطلب آخرين من المتهمين بقتل الحسين عليه السلام فوجدهم قد هربوا الى البصرة ولحقوا بمصعب بن الزبير , فامر المختار بهدم دورهم وهكذا صنع بكل من هرب من هؤلاء الى البصرة والجزيرة فهدمت داره حتى روي أنه قتل ثمانية عشر ألفاً ممن شرك في قتل الحسين عليه السلام .
وأما ما كان من أمر حرملة بن كاهل عليه اللعنة قاتل عبدالله الرضيع , حدث المنهال بن عمر قال : دخلت على زين العابدين سيدي ومولاي اودعه وأنا اريد الأنصراف من مكة , فقال : يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل ؟ فقلت : تركته حيّا بالكوفة , فرفع يديه جميعاً وقال : اللهم أذقه حر الحديد , اللهم أذقه حر النار . قال المنهال : ولما قدمت الكوفة المختار بها , فركبت إليه فلقيته خارجاً من داره , فقال : يا منهال لم تشركنا في ولايتنا هذه ؟ قال : فعرفته أني كنت بمكة , فمشى حتى أتى الكناس ووقف كأنه ينتظر شيئاً فلم ألبث أن جاء قوم وهم ينادون : البشرى أيها الأمير , فقد أخذ حرملة . قال : فجيء به , فقال له المختار : لعنك الله , الحمد لله الذي أمكنني منك , ثم صاح الجزار الجزار , فأتي بجزار فأمر بقطع يديه
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 141

ورجليه , ثم قال : النار النار، فاتي بنار وقصب فأحرق , قال : فقلت : سبحان الله فالتفت الى المختار وقال : التسبيح حسن لم سبحت ؟ قال : فأخبرته بدخولي على زين العابدين ودعا , فنزل من دابته وصلى ركعتين وأطال السجود , ثم رفع رأسه وهو يقول : الحمدلله الذي استجاب دعاء سيدي على يدي , فقال : إن علي بن الحسين دعا بدعوات فأجابها الله على يدي ثم تدعوني الى الطعام , هذا يوم صوم شكراً لله تعالى , فقلت له : أحسن الله توفيقك .
وليس يشفي غليلنا من هذا الرجس بعد ما رمى رضيع الحسين عليه السلام بسهم وذبحه من الوريد الى الوريد .
هبـوا أنـكم قـاتلتم فـقتلتم فما ذنب أطفال تقاسي نبالها
ومـذ رأتـه امـه أنشـأت تدعو بصوت يصدع الجلمدا
تـقول عـبدالله مـا ذنـبه منفطـماً آب بسـهم الردى
لم يمنحوه الورد بل صيروا فـيض وريـديه له مـوردا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 142



المطلب السادس والثلاثون

في مقتل عمر بن سعد عليه اللعنة

ذكر المؤرخون أن المختار ابن أبي عبيدة الثقفي لما أمكنه الله عزوجل من أهل الكوفة وأخذ بثار الحسين عليه السلام فقتل قاتليه و المتألبين عليه , فكان يقتل كل من حضر الطف وما نجا منه إلا الذي هرب الى البادية أو إلى البصرة ولاذ بابن الزبير , حتى ذكروا أن أسماء بن خارجة الفزاري كان ممن سعى في قتل مسلم بن عقيل , فقال المختار : أما ورب الضياء والظلماء لتنزلن نار من السماء دهماء حمراء سخماء تحرق دار أسماء , فبلغ كلامه أسماء بن خارجة فقال : سجع أبو إسحاق , وليس ههنا مقام بعد هذا , وخرج من داره هارباً الى البادية , فبلغ المختار ذلك فهدم داره ودور بني عمه .
ويروى أنه كان الشمر بن ذي الجوشن قد أخذ من الإبل التي كانت في رحل الحسين عليه السلام فنحرها وقسم لحمها على قوم من أهل الكوفة فأمر المختار فأحصوا كل دار دخلها من ذلك اللحم فقتل أهلها وهدمها , ولم يزل يتتبع قتلة الحسين عليه السلام حتى قتل خلقاً كثيراً وهدم الدور , وأنزلهم من المعاقل والحصون الى المفاوز والصحون , حتى قتلت العبيد مواليها , وكان يسعى بمولاه فيقتله المختار .
قال الراوي : فلما خلا خاطره وانجلى ناضره اهتم بعمر بن سعد وابنه حفص، حدث عمرو بن الهيثم قال : كنت جالساً عن يمين المختار والهيثم بن
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 143

الأسود عن يساره , فقال : والله لأقتلن رجلاً عظيم القدمين , غاير العينين , مشرف الحاجبين , يهمز الأرض برجليه , يرضى قتله أهل السماء والأرض , فسمع الهيثم قوله ووقع في نفسه انه اراد عمر بن سعد , فبعث ولده العريان فعرفه قول المختار , وكان عبدالله بن جعدة بن هبيرة أعز الناس على المختار وقد أخذ لعمر أًاناً من المختار حيث اختفى فيه وصورة الأمان هكذا : بسم الله الرحمن الرحيم , هذا أمان المختار بن أبي عبيدة الثقفي لعمر بن سعد بن أبي وقاص , إنك آمن بآمان الله على نفسك وأهلك ومالك وولدك لا تؤاخذ بحدث كان منك قديماً ما سمعت وأطعت ولزمت منزلك إلا أن تحدث حدثاً , فمن لقى عمراً من شرطة الله وشيعة آل محمد فلا يعترض له بسبيل خير والسلام ثم شهد فيه جماعة .
قال الباقر عليه السلام : إنما قصد المختار أن يحدث حدثاً هو أن يدخل بيت الخلاء ويحدث .
فظهر عمر الى المختار فكان يدينه ويكرمه ويجلسه معه على سريره , ولما تكلم المختار بتلك الكلمات ـ الآنفة الذكر ـ علم اللعين أن قول المختار كناية عنه , فعزم على الخروج من الكوفة فأحضر رجلاً من بني تيم اللات اسمه مالك وكان شجاعاً وأعطاه أربعمائة دينار , وقال : هذه معك لحوائجنا وخرجا , فلما كان عند حمام عمر أو نهر عبدالرحمن وقف وقال : أتدري لم خرجت ؟ قال : لا , قال : خفت المختار , فقال : ابن دومة ـ يعني ام المختار ـ أضيق إستاً من أن يقتلك , وإن هربت هدم دارك وانتهب عيالك , وخرب ضياعك وأنت اعز العرب .
قال الراوي : فاغتر عمر بن سعد بكلامه فرجعا على راحلتيهما ودخلا الكوفة مع الغداة , هذا قول المرزباني , وقال غيره : إن المختار علم بخروجه من الكوفة فقال : وفينا وغدر وفي عنقه سلسلة لو جهد أن ينطلق ما استطاع, فنام عمر على الناقة فرجعت به الى الكوفة , وهو لا يدري حتى ردته الى منزله , قال :
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 144

وأرسل عمر بن سعد ابنه حفص الى المختار فقال له المختار : أين أبوك ؟ قال : في المنزل , كان لا يجتمعان عند المختار خوفاً من فتكه , وإذا حضر أحدهما عند المختار غاب الآخر , فالتفت حفص الى المختار وقال له : أبي يقول تفي لنا بالأمان . فقال : اجلس , فجلس عنده حفص , وطلب المختار أبا عمرة , وهو كيسان التمار , وأسره أن يمضي الى عمر بن سعد ويقتله , وقال له : إذا دخلت عليه وسمعته يقول : يا غلام علي بطيلساني فاعلم أنه يريد السيف , فبادره واقتله , فمضى أبو عمرة , وما لبث أن جاء ومعه رأس عمر بن سعد , فقال حفص : إنا لله وأنا إليه راجعون , فقال له : أتعرف هذا الرأس ؟ قال : نعم ولا خير في العيش بعده , فقال : لا تعيش بعده , ثم أمر بقتله فقتل واحتزوا رأسه وجاءوا به الى المختار فوضعه الى جنب رأس أبيه عمر بن سعد , ثم قال المختار : رأس عمر برأس الحسين ورأس حفص برأس علي بن الحسين , لا والله لأقتلن سبعين ألفاً , كما قتل يحيى بن زكريا , ثم التفت الى من حضر وقال : لو قتلت ثلاثة أرباع أهل الأرض لما وفوا بأنملة من أنامل الحسين عليه السلام .
قال أرباب السير : وجيء اليه بالعشرة الذين داسوا صدر الحسين عليه السلام وفي مقدمتهم الأخنس عليه اللعنة , فقالوا له : يا أمير هؤلاء رضوا جسد الحسين عليه السلام , فصاح : اطرحوهم على الأرض واضربوا السكك الحديدية في ايديهم وفي أرجلهم , ففعلوا ذلك ثم أمروا جماعة من شرطته وركبوا خيولهم وجعلوا يدوسونهم بأرجلها حتى هلكوا جميعاً وقطعت أشلائهم (1) .
(1) (فائدة) روى المرزباني عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : ما اكتحلت هاشمية ولا اختصبت ولا أدهنت ولا رؤي في دار هاشمي دخان حتى قتل عبيدالله بن زياد.=
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 145


أقول : هل يشفي قوبنا هذا , لا والله بعد أن رضوا جسد أبي عبدالله بحوافر خيولهم , قال الأخنس : والله لقد جددنا نعالات خيولنا ورضضنا صدر الحسين وظهره :
يا عقر الله تلك الخيول إذ جعلت أعضاءه لعواديها مضاميراً
= (فائدة) : عن يحيى ابن أبي راشد قال : قالت فاطمة بنت علي عليهما السلام : ما تحنت امرأة منا ولا أجالت في عينيها مروداً ولا امتشطت حتى بعث المختار إلينا برأس عبيدالله بن زياد لعنه الله .
(فائدة) : كانت مدة ولاية المختار ثمانية عشر شهراً أولها اربع عشر ليلة خلت من ربيع الأول , سنة ست وستين , وآخرها النصف من شهر رمضان من سنة سبع وستين .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 146



المطلب السابع والثلاثون

في مقتل عبيدالله بن زياد عليه اللعنة

قال أرباب التاريخ والسير : بعث المختار بن أبي عبيدة الثقفي إبراهيم بن الأشتر للكوفة لقتال عبيدالله بن زياد لعنه الله وأخرج معه فرسان أصحابه وأهل البصائر والتجربة , منهم , وشخص إبراهيم بن الأشتر لثمان بقين من ذي الحجة سنة ست وستين , واستهلت سنة سبع وستين وهو سائر لقصد بن زياد , وكان ابن زياد قد سار في معسكر عظيم من الشام , فبلغ الموصل وملكها , فالتقيا بمكان يقال له الخازر (1) بينه وبين الموصل خمس فراسخ , فبات ابن الأشتر ساهراً , فلما كان الفجر نهض فصلى بأصحابه و عبّئ جيشه , وصار يحثهم ويذكر لهم فعل ابن زياد بالحسين عليه السلام وأهل بيته , ثم زحف بجيشه وهو ماش في الرجالة حتى أشرف من فوق تل على جيش ابن زياد , فإذا هم لم يتحرك منه أحد , فلما رأوهم نهضوا الى خيلهم وسلاحهم مدهوشين , فركب إبراهيم بن الأشتر وجعل يقف على رايات القبائل فيحرضهم على القتال . وأقبل ابن زياد في جيش كثيف وعلى ميمنته الحصين بن نمير وعلى
(1) قال البكري في معجم ما استعجم : خازر بفتح الزاي نهر الموصل عليه التقى إبراهيم بن مالك الأشتر من قبل المختار وعبيدالله بن زياد فقتله إبراهيم .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 147

الميسرة عمير بن الحباب السلمي , وعلى خيل بن زياد شرجيل بن ذي الكلاع , وابن زياد في الرجالة فما كان إلا أن تواطف الفريقان حتى حمل الحصين بن نمير بالميمنة على ميسرة أهل الكوفة فهزمها وقتل أميرها علي بن مالك , فأخذ رايته بعده ولده محمد بن علي فقتل أيضاً , واستمر ـ الميسرة ذاهبة فجعل ابن الاشتر يناديهم : إلي إلي يا شرطة الله , أنا ابن الأشتر , وكشف عن رأسه ليعرفوه , فاجتمعوا إليه ثم حملت ميمنة الكوفة على ميسرة أهل الشام فثبتوا لهم وقاتلوا بالرماح ثم بالسيوف وبالعمد ثم حمل إبراهيم بن الأشتر وحمل أصحابه حملة رجل واحد فانهزم بين يديه أصحاب ابن زياد , وهو يقتلهم كما يقتل الحملان وأتبعهم بنفسه ومن معه من الشجعان وثبت عبيدالله بن زياد في موقفه حتى اجتاز به ابن الأشتر فقتله وهو لا يعرفه .
ولما انهزم جيش ابن زياد عليه اللعنة قال أبراهيم ابن الأشتر لأصحابه : التمسوا في القتلى رجلاً ضربته بالسيف فنفحتني منه ريح المسك , شرقت يداه وغربت رجلاه , وهو واقف عند راية منفردة على شاطئ نهر خازر , فالتمسوه فإذا هو عبيدالله بن زياد وقد ضربه ابراهيم ابن الأشتر فقطعه نصفين , فاحتزوا رأسه وبعثوه الى المختار بن أبي عبيدة الى الكوفة , وبعث معه رؤوس قواده مع البشارة بالنصر والظفر بأهل الشام , وأحرقت جثته وقتل من الرؤوس أيضاً شرجيل بن ذي الكلاغ والحصين بن نمير , عليهم لعائن الله .
وقال المختار رحمه الله فوطئ وجه ابن زياد بنعله , ثم رمى بها الى غلامه , وقال اغسلها فإني وضعتها على وجه نجس كافر .
قال الراوي : وتبع أصحاب بن الأشتر المنهزمين من أهل الشام , فكان من غرق منهم في نهر الخازر أكثر ممن قتل , وقالت الشعراء في ذلك اليوم تهجوا ابن زياد وتذكر الواقعة فمن قال شعراً سراقة البارقي يمدح ابن الأشتر :
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 148

أتاكم غلام مـن عرانين مذحج جريء علـى الأعداء غير نكول
فيـا ابن زياد بوء بأعظم هالك وذق حد ماضي الشفرتين صقيل
جزى الله خيراً شرطة الله إنهم شفـوا من عبـيدالله أمس غليلي

وقال عمر بن الحباب يذم جيش ابن زياد :
ما كان جيش يجمع الخمر والزنا محلاً إذا لاقى العدوّ لينصرا

وقال ابن مفرغ حين قتل ابن زياد لعنه الله :
إن الـمنـايا إذا ما زرن طاغية هـتكن أســتار حـجاب وأبواب
أقول بعـداً وسحقاً عند مصرعه لابن الخبيثة ابن الكودن (1) الكابي
لا أنت زوحمت عن ملك فتمنعه ولا منـنت الـى قـوم بأسـباب

قال أرباب التاريخ وأهل السير : منهم ابن سعد في الطبقات , قال : لما وصل رأس ابن زياد الى المختار بالكوفة فجعله المختار في جونة (2) ثم بعث به الى محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين عليه السلام وسائر بني هاشم , فلما رأى علي بن الحسين عليه السلام رأس عبيدالله بن زياد ترحم على الحسين عليه السلام وقال : اتي عبيدالله بن زياد برأس الحسين عليه السلام وهو يتعذّى , وأتينا برأس عبيدالله ونحن نتغذّى (3) .
(1) الكودن الفرس الهجين .
(2) الجونة مغشاة أدماً , والأدم ـ الجلد ـ .
(3) (فائدة) : عبيدالله بن زياد ولد سنة تسع وثلاثين , وامه كانت مرجانة مجوسية وأبوه زياد ابن أبيه , ويقال له زياد بن أبي سفيان , لأن معاوية أدناه إليه وقال له : أنت أخي وشهد من شهد بمحضر من معاوية أنهم رأوا أبا سفيان اجتمع بسمية , وكان والياً على العراقين البصرة والكوفة , وكانت به جرأة وإقدام ومبادرة شأن ابن الزنا قتل الحسين عليه السلام وهو ابن ثمان وعشرين سنة , قال ابن قتيبة في المعارف في ترجمة زياد بن أبي سفيان أنه ابنه عبيدالله كان أرقط (يعني :فيه سواد وبياض يعني آثاراً في وجهه) أرقط جميلاً وكان زياد زوج امه مرجانة =
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 149


وروى الكشي قال : لما أتى برأس عبيدالله بن زياد ورأس عمر بن سعد الى السجاد خر ساجداً وقال : الحمدلله الذي أدرك لي ثاري من أعدائي وجزى الله المختار خيراً .
نعم أدخلوا الرأسين على السجاد وهو يتغذى , وقال هذه المقالة , ولكن لما أدخلوا رأس الحسين على ابن زياد , كانت معه الاسارى , والسجاد آنذاك مقيد بالحديد , ومن خلفه عماته وأخواته مربقات بالحبال وهن كما قال السيد جعفر الحلي رحمه الله :
تمسك باليسرى حشا قلبها وتعقد باليمنى مكان الخمار
ولـهانة تهتف في قومها من شيبة الحمد وعليا نزار (1)
= من شيرويه الأسواري , ودفع إليها عبيدالله , ونشأ بالأساورة , وكانت فيه لكنة , ولى لمعاوية خراسان , ثم ولى العراقين بعد أبيه ثمان سنين خمسة منها على البصرة فاستجار بمسعود بن عمرو الأزدي , ثم سار الى الشام فكان مع مروان بن الحكم , فلما ظفر مروان رده على العراق فلما قرب من الكوفة وجه إليه المختار إبراهيم الأشتر فالتقوا بقرب الزاب , فقتل عبيدالله ولا عقب له , قال البياسي :
أقول وذاك من جزع وجد أزال الله مـلك بني زياد
وأبعدهم بما غدروا وخانوا كما بعدت ثمود وقوم عاد
(1) (فائدة) : روى عن الشعبي قال : لم يقتل قط من أهل الشام بعد صفين مثل هذه الوقعة .
(فائدة) اتفق أرباب التاريخ على ان هذه الوقعة التي وقعت بالخازر وأسفرت عن قتل ابن زياد كانت يوم العاشر من المحرم .
(فائدة) عن أبي طفيل عامر بن واثلة الكناني قال : وضعت الرؤوس عند السدة بالكوفة وعليها ثوب أبيض فكشفنا عنها الثوب فرأينا حية تغلغل في رأس عبيدالله بن زياد , ونصبت الرؤوس في الرحبة قال عامر : ورأيت الحية تدخل في منافذ رأسه وهو مصلوب مراراً .

السابق السابق الفهرس التالي التالي