تربية الطفل دينيا واخلاقيا 1






تربية الطفل
دينيا وأخلاقيا


تربية الطفل دينيا واخلاقيا 2


بسم الله الرحمن الرحيم


تربية الطفل دينيا واخلاقيا 3

الدكتور علي القائمي

تربية الطفل
دينيا وأخلاقيا


ترجمة : البيان للترجمة

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 4


الطبعة الاولى
1416 هـ ـ 1995 م


تربية الطفل دينيا واخلاقيا 5

1 ـ مقدمة في التربية الاسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

أول ما نبحثه في هذا الموضوع ، هو ان نرى أصل استعمال عبارة التربية الاسلامية هل هو صحيح ام لا ؟ وهل يمكننا التحدث عن التربية من وجهة نظر اسلامية أم لا ؟ ان الاجابة على هذا السؤال تتوقف على التصور الذي نحمله عن الاسلام ، فيجب أن ـ نرى ـ أولا ما هي النظرة التي نحملها تجاه الاسلام ؟ وما هو تقييمنا له كدين وعقيدة ؟
فالاسلام ـ كما نراه ـ شريعة الهية حضارية ، أو دين له نظام شامل ينطوي على كل الابعاد والافاق الخاصة بحياة الانسان ، وله رآيه في جميع الجوانب الاجتماعية لحياة الانسان الاقتصادية والسياسية والثقافية ، سواء المعنوية منها أو الاخلاقية ، وهو يقدم لنا نظرية في الحقل التربوي بأعتباره واحدا من شؤون الحياة الانسانية بل ان عماد الاسلام هو التربية ، وان الاسلام دين التربية وبناء الانسان . نعم اننا لو اعتبرنا الاسلام دينا الهيا كاملا وخاتما للاديان ، فسنرى ان بأمكان تعاليمه ان تقدم آراء جديدة في جميع آفاق الحياة ، سواء المتعلق منها بالماضي أم بالحاضر والمستقبل ، ومن جملة ذلك الجانب التربوي أيضا .

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 6



تربية الطفل دينيا واخلاقيا 7

  • النظام التربوي في الاسلام

  • يرى المتخصصون في الدراسات الاسلامية ، ان للاسلام نظاما في جميع الشؤون السياسية والثقافية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، وحتى المعنوية والاخلاقية . ومقصودنا من النظام ـ هنا ـ هو مجموعة التعاليم ، والتوجهات المنسجمة مع بعضها في طرح المواضيع المختلفة وأحد هذه النظم ، هو النظام التربوي ، وهو ـ كما نراه نظاما بناء سواء في البعد الفردي ، او البعد الاجتماعي ، اذ يتمكن الانسان في ظله من بناء ذاته ، وتزكية نفسه . أما في البعد الاجتماعي فهو (الاسلام ) كفيل بترية الافراد الصالحين ، القادرين على العيش سوية في منتهى الوئام ، والسلام ، والاستقرار ، والتعاون ، والتكافل . ويتسم هذا النظام بسعة النظر ، والرؤية الكونية الراقية ، وبشكل لم يهمل اي شأن أو بعد من شؤون الحياة الانسانية وأبعادها الكثيرة ، او يقتصر في بيان جانب من جوانبها .

  • ملامح هذه الرؤية الكونية :

  • نجد في النظام الفكري الاسلامي سعة نظر فريدة من نوعها ونستشف منها ما يلي :
    1- ان هذا العالم بكل عظمته وسعته ، هو خلق الله وملك يده .
    2- ان الطبيعة بكل أبعادها وجوانبها ، هي كتاب الخلقة الواسع .
    3- ان حركة ومسار جميع الظواهر والتفاعلات قائمة على نظام العلة

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 8

    والمعلول .
    4- ان الانسان مخلوق لذلك الخالق ، وهو أفضل من كثير من المخلوقات .
    5- وبما انه يشكل حلقة ضمن هذا النظام ، يتوجب عليه القيام بالسعي ، والتحرك الهادف .
    6- وهو أيضا مكلف وملزما ببناء ذاته ، وبناء الاخرين .
    7- ملتزم بالتدبر والتعمق في الامور ، والاخذ بما ينفعه وينفع مجتمعه .
    8- له أبعاد عديدة في هذا الوجود ، وكل واحد منها مصدر لكثير من الخيرات له وللمجتمع .
    9- أنه ليس موجودا ماديا محضا ، بل فيه نفحة من روح الله .
    10- ليس له القدرة على تسخير كل ما في السماء وما في الارض .
    11- بميسوره التسامي الى ما لا نهاية .
    12- لاتنحصر حياته على هذه الدنيا ، بل تمتد الى العالم الاخر .
    13-بامكانه الاستفادة من جميع الظواهر ، يشرط ان يسلك طريق التكامل .
    14- ان امكانية التكامل متاحة لجميع الناس ، وبدرجات متفاوتة ، وعلى عدد الانفس البشرية .

  • وجهة التربية :

  • 1- يعتبر عمل المعلم في هذا النظام اكمالا واستمرار لعمل وطريق الانبياء .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 9

    2- ان طريق التربية هو نفس طريق الفطرة ؛ وآحيائها يقع على عاتق المربين.
    3- ان التعليم ضروري والتزكية مقدمة عليه .
    4- يجب تقويم مسار الانسان نحو الاتجاه المطلوب ، والمطلوب هو ما يرتضيه الشرع .
    5- يجب ان تنصب كل الجهود والمساعي على توجيه الانسان الى السير الى الله .
    6- ان عمل المربي هو ترغيب الانسان بلقاء الله .
    7- يجب الاهتمام بالعلم ، ولكن الموجه منه فقط والمعمور بالايمان .

  • في النظام التربوي الاسلامي :

  • يعترف هذا النظام بدور كل من الوراثة والمحيط ، على حد سواء
    فنجد في التعالم الاسلامية تاكيدا واضحا على اختيار نوعية الزوجة ، ليكون المولود منها خاليا من النواقص الوراثية ؛ هذا من جهة ، فان التعاليم الاسلامية تؤكد ومن جهة اخرى على دور البيئة بالمعنى العام للكلمة ، بما في ذلك شروط الغذاء ، وظروف المناخ ، وأجواء المخالطة ، والاوضاع السياسية والثقافية و .....الخ والسبب الكامن وراء التاكيد على اهمية الوراثة ودور البيئة ، هو ان التربية السليمة والبيئة الصالحة يمكنها ازالة التأثيرات الرديئة ، والعكس صحيح أيضا ، اذ ان البيئة الموبوءة يمكنها الغاء الصفات الوراثية الايجابية .
    يرى الاسلام ان اغلب الصفات والطبائع الخلقية ، وكل ما يستوجب

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 10

    الثواب والعقاب تنتقل من البيئة الى الفرد ، وهذا هو سبب اهمية وضرورة بعث الانبياء وعمل المربين .

  • مصادر التعاليم التربوية :

  • ان المصادر الاربعة التي سنشرحها تباعا لا تخص بأمر التربية فقط ، بل تعتبر المصدر الوحيد لكافة التشريعات السياسية والاقتصادية والمعنوية والاخلاقية . ولما كان هذا الدين منزلا من الله تعالى ، والمؤتمن عليه هو النبي (ص) ، ومفسروه هم الائمة عليهم السلام ، وهؤلاء لهم معصومون من الخطأ والزلل ، اذن يمكن هنا تحديد تلك المصادر الاربعة للتربية كما يلي :
    1- القران : وهو كتاب الله ، وأوثق سند اسلامي ، والمصدر الرئيسي لجميع الاحكام والقوانين ، ولا يثبت امام احكامه حكم او راي .
    2- السنة : وتشمل قول وفصل وتقرير المعصوم ؛ ودورها بالنسبة للقران هو دور التفسير وطرح المصاديق .
    3- اجماع صلحاء الامة من الفقهاء العارفين بمصادر السنة ، والمعروفين بصدق القول والسداد ، بشرط ان يطرحوا من الاراء ما لا يعارض النص والسنة ، وان تتفق آراؤهم بالاجماع حول حكم ما .
    4- عقل الصالحين والاخيار وأهل الخبرة والفقهاء ، بشرط امتلاكهم الاسس والمبادئ المستمدة من القرآن والسنة .

  • موضوع التربية :

  • موضوع التربية هو الانسان بكل أبعاده الوجودية التي تصفها التعابير

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 11

    الاسلامية بأن عددها بعدد أبعاد عالم الوجود ، ويمكن تلخيصها في الابعاد الثلاثة : البدن ، والروح ، والذهن .
    أما بشأن الاسئلة المطروحة عن ماهية الانسان ، فهنالك اجابات متعددة بهذا الشأن . ويمكن القول عموما : بانه كائن مركب من المادة والمعنى ، منشأه ترابي ، وفيه نفحة ربانية ؛ له أبعاد علوية وسفلية ؛ قابل للتغيير ؛ ولديه استعداد لتحمل المسؤولية ؛ ملتزم ؛ بامكانه الوصول الى ذروة الكمال ؛ وفيه بذور القدرة على الحياة الفردية والجماعية ؛ لديه عقل وشعور ؛ ويمتلك القابلية على التفكير والارادة ، والقدرة على اتخاذ القرار ؛ مهيأ ومهيء للتسامي والتسافل على حد سواء ؛ وخلق من ماء وتراب وفيه طبائع من كلا المادتين ؛ كائن عجول وحريص ؛ اذا مسه الشر جزوع ؛ مناع للخير ؛ بخيل ؛ طماع ؛ طويل الامل ؛ له ابعاد غريزية ؛ متمرد وطاغ ... الخ .
    نفخ فيه من روح الله ، وعلى هذا الاساس ففطرته مجبولة على معرفة الله وحب الخير والاحسان ، والتقوى والايثار ، والعدالة والتضحية ، والافاق الملائكية السامية .

  • بذور التكامل في الانسان :

  • ان بذور التكامل متوفرة في الانسان على الصعيدين الجسدي والروحي .فعلى الصعيد المادي خلق الانسان من تراب وماء ، واجتاز مراحل تكامله الواحدة تلو الاخرى ، من التراب الى النطفة ، ومن النطفة الى العلقة ، ومن العلقة الى المضغة ، ثم نشوء العظام في المضغة ، ثم اكتسائها باللحم ... الخ ، حتى يصير انسان كاملا .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 12

    وعلى الصعيد الروحي يمكنه استثمار ما يتهيأ له من التربية من قبيل الاذن والعين ، والفهم والادراك ، والحواس الظاهرة والخفية ، والاستفادة والتعبير ، حتى يمكنه ان يبلغ بذلك درجة اسمى من الملائكة ، فيدرك مقام القرب ويفوز بلقاء الرب .
    وعلى صعيد تكامله الجسدي فتتوفر مستلزماته الخاصة به ايضا ، فهو يتحول من التراب الى النطفة حيث يدخل عالمه المحدود في رحم الام ، ثم ينتقل من هناك الى رحم الدنيا ، ثم يولد بعد الموت من جديد ويدخل عالم الاخرة ويرجع الى الله .
    يتلخص عمل المربي في توفير الوسائل والامكانيات التي تتيح له السير في هذا الطريق ، ومن ثم تقويمه بالاستفادة من الوسائل المختلفة ، ومن خلال استخدام مختلف الفنون والاساليب .



    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 13

  • في تربية الانسان

  • للانسان ثلاث صفات وخصائص :
    1- الصفات الذاتية : المنبثقة عن الخلقة والوراثة ، وهو ليس مسؤول عنها .
    2- الصفات والخصائص التي اكتسبها طوعا واختيارا أو عن طريق تهيئة مستلزماتها ، وهو مسؤول عنها .
    3- الصفات والخصائص التي اكتسبها لا اراديا من البيئة التي يعيش بها ، وهو ملزم بتهذيب نفسه من رذائلها ، والتحلي بفضائلها . ان الانسان مسؤول في جميع الاحوال عن نفسه وعن اصلاحها كمسؤولية الوالدين والمربين تجاهه . ويجب ان يفرض امر التربية عليه فرضا ، لان افتقاره للتربية يجعل منه انسانا لا اباليا ، بل وفي ذلك خطورة عليه ، وما اكثر المخاطر والعواقب الوخيمة المترتبة على انعدام التربية .

  • العوامل الداخلية المساعدة على التربية :

  • هنالك عوامل داخلية متعددة تساعد المربين والمسؤولين على تربية الاشخاص . بعض هذه العوامل يتعلق بذات الشخص ، وبعضها الاخر له علاقة بالمربي . ويمكن استعراض نماذج من تلك العوامل كما يلي :
    1-الارضية الفطرية أو الفطرة السليمة ، وتمتاز بالشفافية والقرب من

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 14

    مصدر الفضائل .
    2- حب الاستطلاع ووجوده في نفس الانسان فطري ، وبأعتقاد البعض غريزي .
    3- حب الذات وهو ما يدفعه لكسب كل منفعة لنفسه .
    4- الرغبة في الرقي ، وهي رغبة نابعة من حب الذات وفيها مصلحة كبرى له ، فهي تدفعه دوما الى التطور والتكامل .
    5- حب العدل ، وكره الظلم والظالم ، والتعاطف مع المظلوم ، والرغبة في التضحية والايثار ، وطلب الحق ... الخ .

  • على من تقع مهمة التربية ؟

  • من البديهي ان التربية حق من الحقوق ، الطفل والتهاون فيها تقصير بحقه ، وقد وردت روايات واحاديث عديدة تؤكد صحة هذا ، المعنى ، ولكن على من تقع هذه المسؤولية ؟ وقبل الاجابة على هذ السؤال ينبغي ان نعرف أولا لمن تعود ملكية هذا الطفل ؟
    ـ الطفل ليس ملكا للدولة كما يصرح بذلك انصار الفكر الشيوعي .
    ـ الطفل ليس للمجتمع كما يعتقد انصار الاشتراكية .
    ـ الطفل ليس ملكا للوالدين ، لانه لايحق لهما استخدام ما يشاءان من اساليب التربية .
    ـ والطفل ليس ملكا لنفسه حتى يستطيع اتخاذ اي قرار بشأن نفسه وكما يحلو له .
    يعتبر الطفل من وجهة نظر الاسلام ملكا لله ، وهو امانة بيد الدولة

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 15

    والمجتمع والناس والوالدين ونفسه ، وتقع مسؤولية تربيته وتوجيهه الوجهة السليمة على الوالدين اولا ، ثم عليه هو شخصيا ، وواجب الدولة والمجتمع هو تقديم الخدمات له في سبيل تكامله . فلا يستساغ قتله ، أو معاقبته ، أو سجنه الا في اطار القانون والمعايير الدينية ، ومعنى ذلك عدم جواز اتخاذ اي قرار بشأنه .

  • استمرار حق التربية :

  • حق الطفل في التربية أمر مقطوع به ، واداؤه من قبل الابوين واجب ، وتقع على عاتق أفراد المجتمع مسؤولية بناء شخصيته . فان تنصل الوالدان عن أداء مهمتها ، فعلى الفقيه العادل أخذه منهما ، وانتداب جهة أخرى لاداء هذه المسؤولية .
    وعلى هذا ، فأمر التربية لا ينحصر في الوالدين والمدرسة بحيث يربيان الاطفال كيفما اتفق ، بل ان للحكومة الاسلامية رأيا في ذلك ، وبأمكانها ان تفرض نوعا من الانسجام بين ما هو كائن ، وما لا ينبغي ان يكون .
    يتواصل حق التربية حتى سن 21 عاما ، وتتحول مهمة البناء من بعد ذلك اليه هو شخصيا ، وتقع على الاخرين وحتى الوالدين مسؤولية الاشراف والتوجية .
    وبناءا على هذا ، فان الرقابة التربوية تمتد من لحظة ما قبل الولادة ، ومن فترة نشوء الجنين حتى نهاية العمر .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 16

  • الزامية التعليم والتربية :

  • وعلى هذا الاساس يمكننا الادعاء : ان للتربية والتعليم طابعا الزاميا في الاسلام بل هما أمران واجبان . وتشير الروايات الاسلامية في مجال التربية الى ان من حق الابن على الاب أن يحسن اختيار اسمه ، ويحسن تربيته ، ويعلمه القراءة والكتابة والقران .
    ونحن نعلم ان مسألة حق الابن عندما تطرح على الاب ، وهذا ما يشعر بالالزام ، ووجوب اداء الدين . فعدم رعاية هذا الدين تعني العقوق من قبل الوالدين ، فالاحاديث الشريفة تقول انه كما يعق الابناء ، كذلك يعق الاباء . ووردت في الشرع الاسلامي روايات كثيرة تحث بل وتأمر بطلب العلم وتعلم كل ما هو ضروري ، وهناك حديث مروي عن المعصوم (ع) انه قال : « لو ددت ان أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا » وكل هذا يدل على الوجوب والالزام في أمر التربية .

  • الاهداف العامة للتربية :

  • ينبغي من كلمة الاهداف هي النقاط العامة التي ينبغي الوصول اليها .
    ويتلخص واجب المربي في الاخذ بيد الطفل حيثما هو كائن وايصاله الى حيث النقطة التي نطمح اليها . وتتباين هذه الاهداف حسب تباين زوايا النظر ، فالنظرة الاسلامية ترى ان هدف التعليم انقاذ الفرد من الجهل ، وهدف التربية توعيته وخلق روح الرفعة لديه لغرض سوقه نحو التكامل ،

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 17

    وايصاله الى مقام العبودية ، اي ان يصبح عبدا صالحا .
    هدف التربية انقاذ البشرية من الظلمات ، والربط بين الابعاد المادية والمعنوية وبين الدنيا والاخرة وايصال الانسان الى الكمال اللا متناهي ، وتهدف التربية من جانب اخر الى اعداد الانسان الى العيش والاستثمار التام والصحيح لجميع النعم الموجودة في هذا العالم ، والاستعداد اللازم للاستمرار الحياة في العالم الاخر . ان بناء الفرد وتوجيهه الوجهة الصحيحة للحياة يتطلب توفير مستلزمات المجاهدة ، لاجل تطبيق قانون الحق ، وتوجيه سفينة الحياة في هذا البحر المتلاطم وايصالها الى ساحة السعادة . وعلينا ان نجعل منه انسانا قادرا على تحمل المسؤوليات الفردية والجماعية ، وحثه على اداء واجباته ، وخلق الثقة فيه بنفسه ، وجعله يدرك الامور ويشعر بها و ....الخ .
    أما بشأن اعداده لمواصلة الحياة في العالم الاخر ، فالغرض منه الوصزل الى روح الحق الحاكمة على الكون ، وعليه ان يدرك في مسيره هذا بأنه «كل امرىء بما كسب رهين » «وان ليس للانسان الا ما سعى» (1) ، وانه مسؤول عما اكتسب اختيارا ، وان التكليف الذي يفرض عليه منوط بمدى قدرته و ...الخ .
    وعليه ان يدرك ايضا ما هو سر الحياة ، ليفكر ويتأمل في مسائل هذه الدنيا ، وليعلم ان خلق السموات والارض لم يكن عبثا بل كان لحكمة ، وان

    (1) (39 النجم )
    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 18

    في خلق هذه الظواهر « لايات لاولي الالباب» (1) . ولا شك ان بلوغ الاهداف يستلزم تهذيب الغرائز وتوعية القلوب ، والالتفات الى أهمية القيم الحقة و ... الخ .

  • تقسيم الاهداف :

  • يمكن تقسيم الاهداف التربوية من جهة .. الى اربعة أقسام وهي : الاهداف التي تخص ذات الانسان ، والاهداف المتعلقة بخالقه ، والاهداف المتعلقة بالناس ، والاهداف المتعلقة بالكون بالمعنى العام للكلمة .
    1- فالهدف الخاص بالانسان ، غرضه معرفة النفس وبناؤها وفق للمعايير الدينية ، وبالشكل الذي يضمن تحركها صوب الكمال والنضوج .
    2- اما الهدف من معرفة الخالق ، فهو العبودية له ، والاستقامة لاجل تكامل الانسان .
    3- أما فيما يخص الهدف التربوي من العلاقة مع الناس فهو لغرض اقامة العلاقة السليمة والبناءة معهم ، بحيث تنبثق عنها حركة عامة لغرض المسير نحو الهدف .
    4- أما العلاقة بالكون ، فالهدف منها ايجاد نوع صحيح من التعامل مع الكائنات الموجودة فيه من حيوان ونبات والاستفادة منها في طريق تكامله . ومن جهة اخرى يمكن تقسيم الاهداف على النحو التالي : ـ

    (1) آل عمران 190 .
    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 19

    1- الاهداف الدينية ، والغرض منها الانشداد الى الله تعالى والمعاد والانبياء والملائكة والكتب السماوية ، والايمان بها جميعا .
    2- الاهداف الاخلاقية التي تسعى لبناء الانسان استنادا الى التعاليم الدينية ، واحياء فطرته ، وتعويده على الفداء والتضحية والتقوى والعفة والاخلاص والوفاء .
    3- الاهداف السياسية التي تستند الى الحريات المشروطة في اطار الظوابط القانونية وايجاد التابع او المتبوع الصالح .
    4- الاهداف الاقتصادية ، ومهمتها التأكيد على الانتاج السليم والمشروع والتوزيع العادل ، واستثمار الظروف المتاحة ، واجتناب الاسراف والترف .
    5- الاهداف الاجتماعية : لقد اكد القرآن على ضرورة اقامة علاقات صحيحة بين الناس مبنية على أسس التعاون والمودة والتكامل ، والاغراض الاجتماعية السامية .
    6- الاهداف الثقافية : وتركز على التعليم والتعلم ، وأحياء السنن الاصيلة وأبرازها وتؤكد أيضا على الفن الذي يخلق الوعي لدى الامة ، والادب الهادف البناء.

  • الفردية ام الجماعية في الاهداف :

  • لايستند المذهب التربوي في الاسلام على أصالة الفرد ، ولا على أصالة المجتمع ، بل يستند على اصالة الفرد الممزوجة بالمجتمع ، فهو يؤكد من جهة على أصالة الفرد انطلاقا من الايمان بأن « كل امرء بما كسب

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 20

    رهين» (1) ، وان أحد لا يحتمل وزر غيره ، ولا يعاقب أحد نيابة عن سواه .فالانسان مسؤول عن ذاته وهو على نفسه بصير . ويؤكد من جهة أخرى على أصالة المجتمع انطلاقا من النظرة الاسلامية التي تؤكد ان أفضلية الامة رهينة بخدمة الناس .
    فالناس مكلفون بالتعاون على البر والتقوى ومأمورون بالتعاون مع أبناء دينهم الذين يعتبرهم الاسلام بمثابة الاخوة ، ومأمورون أيضا بالعدل والاحسان الى أتباع الاديان الاخرى ، اذ يعتبرون نظراء لهم في الخلق . ففي الوقت الذي تبدو فيه أغلب التشريعات الاسلامية فردية ، فهي ذات طابع أجتماعي ، كالصلاة والصيام ، والحج ، والجهاد ، وصلة الرحم ، والاحسان الى الجار ، والاخوة ، والنصح والارشاد ،.... وأمثال ذلك ، ويجب ان تؤكد التربية على هذه الجوانب .

  • قائد أم تابع ؟

  • والكلام هو : هل ان التربية تخلق القائد أم المقود ؟ والجواب هو : أن التعاليم الاسلامية تؤكد على ان الناس كلهم منقادون للاحكام الالهية ، وللسبل التي اختطها الانبياء ، ولكن يتحمل كل شخص فيه من المسؤولية بما يتناسب ومقدرته ، فهذا يعمل معلما ، وذلك قائدا ، والثالث خبازا ، الى اخر ذلك من المهام والوظائف . فالجميع تابع لحكم الله تعالى ، ولا أفضلية لاحد على الاخر .

    (1) الطور : 21 .

    الفهرس التالي التالي