الروضة الحسينية

القرن الأول الهجري (622 ـ 719 م)

Post on 23 حزيران/يونيو 2016

القرن الأول الهجري

( 16 / 7 / 622 ـ 23 / 7/ 719 م)

أول من أقام رسماً لقبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام هم بنو أسد ـ حـين دفـنوا الإمام عليه السلام في اليوم الثالث من مقتله بإرشاد الإمام السجاد عليه السلام . وذلك يوم الثالث عشر من شهر محرم الحرام عام 61 هـ ـ كما روى ابن قولويه في تحقق ماروته السيدة زينب عليه السلام في حديثها إلى السجاد عليه السلام حيث قالت : « لقد أخذ الله الميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون من أهل السماوات انهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة ، وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفى رسمه على مرور الليالي والأيام ... ثم يبعث الله قوماً من أمتك لا يعرفهم الكفار لم يشاركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية فيوارون أجسامهم ويقيمون رسماً لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علماً لأهل الحق وسبباً للمؤمنين إلى الفوز » ثم إنه تحقق ذلك حيث قال ابن طاووس : « إنهم أقاموا رسماً لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علماً لأهل الحق » .

ولعل القبر الشريف كان في بداية الأمر مرتفعاً وبارزاً قليلاً عن الأرض ، كما يظهر من كلام جابر الأنصاري حين زار القبر الشريف في الأربعين الأول حيث قال : « ألمسوني القبر » ، بل يؤيد ذلك ما يروى من أن السيدة سكينة ضمت قبر أبيها الحسين عليه السلام عند رجوعها من الشام ، وإلى هذا يشير السماوي في أرجوزته حيث يقول :

جاءت بنو غاضرة إلى الجثث   بعد ثلاث لتواريهـا الـجدث
وأربأت عينـاً علـى الطريق   ينظر من خوف على الغريق
فحـفرت ازاه كـي تواريـه   حفيـرة ثـم أتـت بباريـه
فـوضعتـه فوقهـا وانـزلا   لمهبط الروح ومعراج العـلا

إلى أن يقول :

دلالـة مـن عالـم خبير   بـه وبالأصحاب ذي تدبير
قد علم القبور في علائـم   لم تندرس إلى ظهور القائم
وجـاء جابر له والعوفي   عطيـة ولم يبـل بالخوف

وعلى ضوء ما قدمناه جاء الرسم التخطيطي التالي :

وقيل إن بني أسد حددوا له مسجداً وبنوا على قبره الشريف سقيفة ، وقيل إنهم وضعوا على القبور الرسوم ـ (ولعل الرسوم المعبر عنها بالتي لا تبلى كانت من لوائح الفخار التي عرفتها المنطقة من العهود الغابرة ، أو من الصخور الكلسية التي كانت متوافرة في تلك المنطقة ، أو من الحصاة المتناثرة في الصحراء القريبة منها ، أو لعلها كانت من جذع النخل التي لا تبلى سريعاً ) ـ التي لا تبلى ولعل المرقد كان يحمل الصورة التالية :

وما بين عامي 61 ـ 63 هـ يذكر المدرس : « أنهم بنو في العهد الأموي مسجداً عند رأس الحسين ... ثم شيد القبر من قبل الموالين » .

وعن عام 64 هـ يقول الرحالة الهندي محمد هارون : « اول من بنى صندوق الضريح بهيئة حسنة وشكل مليح بنو نضير وبنو قينقاع » ولعله كان على الشكل التالي :

ويظهر أن التوابين عندما قصدوا زيارة قبر الحسين عليه السلام في ربيع الأول من عام 65هـ قبل رحيلهم إلى عين الوردة طافوا حول هذا الصندوق وكان عددهم يقارب أربعة آلاف رجل فازدحموا حول القبر أكثر من ازدحام الحجاج على الحجر الأسود عند لثمه ، ثم أنهم لما انتهوا إلى قبر الحسين عليه السلام بكوا بأجمعهم وكانوا قد تمنوا الشهادة معه ، فقام سليمان بن الصرد فتوجه إلى القبر قائلاً : « اللهم ارحم حسيناً الشهيد ابن الشهيد ، المهدي ابن المهدي ، الصديق ابن الصديق ، اللهم إنا نشهدك أنا على دينهم وسبيلهم ، وأعداء قاتليهم ، وأولياء محبيهم » ثم انصرف وانصرف معه القوم بعدما اقاموا عنده يوماً وليلة .

وفي سنة 66 هـ وعندما استولى المختار بن أبي عبيدة الثقفي على الكوفة عمر على مرقده الشريف قبة من الجص والآجر ، وقد تولى ذلك محمد بن إبراهيم بن مالك الأشتر ، واتخذ قرية من حوله ، وكان للمرقد بابان شرقي وغربي وبقي ـ على ما قيل ـ حتى عهد هارون الرشيد .

ويقول السيد محمد بن أبي طالب : « وقد كان بني على قبر الحسين عليه السلام مسجد ولم يزل كذلك بعد بني أمية وفي زمن بني العباس إلا على زمن هارون الرشيد فإنه خربه وقطع السدرة التي كانت نابتة عنده وكرب موضع القبر » .

وإلى هذا يشير السماوي في أرجوزته :

وجـاء بعـد ذلك المختـار   حـين دعاه والجـنود الثـار
وعـمر المسجد فوق الجدث   فهـو إذاً أول شيء محـدث
وبقي المسجد حول المرقـد   إذ كان قـد أسـس للـتعبـد
ولـم يـزل يزار في جناح   حتـى أتى الملك إلـى السفاح

ونقل سركيس : « أن المختار أحاط القبر الشريف بحائط المسجد وبنى عليه قبة بالآجر والجص ذات بابين » .

ويتصور عبد الجواد الكليدار مرقد الإمام الحسين عليه السلام خلال هذه الفترة ـ ومن خلال الأخبار والأحاديث التي ذكرناها في باب الأحاديث والزيارات وأوردنا بعضها في القرن الثاني بالمناسبة ـ فيقول : « هو بناء مربع الشكل يتراوح كل ضلع منه بين عشرين أو خمسة وعشرين متراً ، يستقر بناؤه على قاعدة مستوية ترتفع بعض الشيء عن سطح الأرض تبعاً للأصول المتبعة منذ القديم في هذا القسم الجنوبي من العراق خشية تسرب الرطوبة إلى أسس البناء وتعلو من جوانبه الجدران المرتفعة ، الهندسية الشكل ، والمنظمة الهيئة ، وهي مطلية من خارجها بالكلس الأبيض الناصع ، فيلمع للناظر عن بعيد كبيضة نعامة في وسط الصحراء ، وفوق هذا البناء الجميل البسيط تستقر سقيفة تعلوها قبة هي أول قبة من قباب الإسلام الخالدة التي خيمت لأول مرة في الجانب الشرقي من الجزيرة العربية بين ضفة الفرات وحافة الصحراء في الاتجاه الشمالي (وبهذا يتأكد لدينا عدم صحة ما ذهب إليه طه الولي في كتابه المساجد في الإسلام من أن أول قبة في الإسلام هي قبة الصخرة في القدس الشريف ) ، وتخرج من وسط جدران الحائر ثغرتان ، إحداهما نحو الجنوب وهي المدخل الرئيس للحائر المقدس كماهو لحد اليوم ، والأخرى من جهة الشرق وهي المدخل الذي يصل بين الحائر والمدينة إلى حيث مرقد أخيه العباس عليه السلام على مشرعة الفرات ، وقد زين حول كل مدخل منهما بالخطوط والنقوش البارزة تحمل الآيات القرآنية العظيمة بالكتابة الكوفية القديمة ، ولعل من بينها بل في مقدمتها تلك الناطقة بفضل الشهادة وخلود الشهداء« ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون» . ورسم هذا التخطيط حسبما تصوره الكليدار :

مستل من كتاب (دائرة المعارف الحسينيةـ تاريخ المراقد /ج1 ص 245 ـ 254) بتصرف