معجم أنصار الحسين  (الهاشميون)(الجزء الثالث)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (الهاشميون)(الجزء الثالث)

المؤلف : محمد صادق محمد (الكرباسي)
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن – المملكة المتحدة

 

 

 

 

 

بالطف أيضاً رحمهما الله، وكل انقرض عقبه»(1).

      وعده الكنجي(2) في عداد المقتولين في الطف باسم: «ومحمد بن سعید ابن عقيل»(3).

      وقال ابن فندق: «محمد بن أبي سعيد الأحول ابن عقيل بن أبي طالب، قتله لقيط بن ياسر الجهني رماه بسهم، قتل في المصاف بكربلاء، وهو ابن خمس وعشرين سنة»(4).

      وروى الطبري عن أبي مخنف: «وقتل محمد بن أبي سعيد بن عقيل وأمه أم ولد قتله لقيط بن ياسر الجهني»(5) وقد ذكره ابن شهر آشوب في عداد من قتلوا في الطف باسم «محمد بن أبي سعيد بن عقيل»(6) وكذا فعل الخوارزمي في مقتله(7)، والمفيد(8) في الإرشاد(9) والدربندي(10)

___________
(1) المجدي: 307.

(2) الكنجي: هو محمد بن يوسف بن محمد القرشي الشافعي (000- 658هـ) ولد في كنجة بإيران، من أعلام عصره، إختص بالحديث، رحل إلى العواصم الإسلامية لطلب الحديث، نزل دمشق ومال إلى التشيع وقتل لأجله، من آثاره: البيان في أخبار صاحب الزمان، بالإضافة إلى كفاية الطالب.

(3) كفاية الطالب: 447.

(4) لباب الأنساب: 1/402.

(5) تاريخ الأمم والملوك: 3/343.

(6) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/112.

(7) مقتل الحسين للخوارزمي: 2/48.

(8) المفيد: هو محمد بن محمد بن النعمان (338- 413هـ) ولد في عكبراء إحدة ضواحي بغداد، وتوفي في بغداد، من أجلة أعلام الإمامية، من مؤلفاته: الأمالي، المقنعة، والإيضاح.

(9) الإرشاد: 2/126.

(10) الدربندي: هو آغا بن عابد بن رمضان الشيرواني الحائري (1208- 1285هـ) ولد في دربند إحدى ضواحي طهران ونشأ فيها ثم هاجر إلى قزوين فدرس على أعلامها، ومنها انتقل إلى كربلاء فدرس على أعلامها، كما تتلمد على أعلام النجف فترة من الزمن وعاد بعدها إلى كربلاء، ثم هاجر إلى طهران وتوفي فيها ونقل جثمانه إلى كربلاء حيث دفن في الصحن الصغير، وكان من الفقهاء المحققين.

(78)

في الأسرار(1) والحائري(2) في التسلية(3).

      وقال فضيل الأسدي(4) لدى عده من قتل من أهل بيت الحسين «عليه السلام»: «ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب، وأمه أم ولد، قتله ابن زهير الأزدي، ولقيط بن ياسر الجهني، اشتركا فيه»(5).

      وجاء التسليم عليه في زيارة الناحية بقوله «عليه السلام»: «السلام على محمد ابن أبي سعيد بن عقيل، ولعن الله قاتله لقيط بن ناشر (یاسر) الجهني»(6) ورد اسمه أيضاً في الزيارة الرجيبة(7)، وعده الطوسي من أصحاب الإمام الحسين «عليه السلام»(۸).

وقال ابن شهرآشوب أيضاً: وروي أنه قاتل محمد بن سعيد الأحول ابن عقيل فقتله لقيط بن ياسر الجهني، رماه بنبل في جنبه»(۹).

  • ولا يخفى أن فيما قدمناه من أقوال وتصريحات في حضوره معركة الطف واستشهاده ما يلفت النظر إلى أمور:

      1- إن الكنجي: ذكر أباه «سعید» بدل «أبي سعيد»، ولكن التحقيق ونص كل المؤرخين يفيدنا بأن في كلامه سقطاً، والصحيح «محمد بن أبي سعید»، لأن سعید بن عقيل لم يكن له ابن باسم محمد، بل كان له ابن

____________
(1) أسرار الشهادة: 2/282.

(2) الحائري: هو محمد بن أبي طالب بن أحمد الحسيني الموسوي الكركي (ق880- ب950هـ) ولد في دمشق وهاجر إلى النجف واستقر في كربلاء، كان من العلماء الأعلام والأدباء الشعراء.

(3) تسلية المجالس وزينة المجالس: 2/328.

(4) فضيل الأسدي: هو ابن الزبير بن عمر بن درهم الكوفي (ق90هـ- ب122هـ) كان من أصحاب الإمامين الباقر والصادق والراوي عنهما، كان من الثقات والدعاة إلى مناصرة زيد ابن الإمام السجاد «عليه السلام».

(5) تسمية من قتل مع الحسين: 151 طبعة مجلة تراثنا.

(6) أنصار الحسين: 115 عن بحار الأنوار: 98/271.

(7) بحار الأنوار: 98/339.

(8) رجال الطوسي: 80.

(9) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/106.

(79)

 

باسم خالد، وكلاهما حضرا معركة الطف واستشهدا - راجع ترجمتهما في هذا المعجم - وأما ما جاء في رجال أبي داود «محمد بن سعید بن عقیل» بأنه من أصحاب الحسين «عليه السلام» منسوباً إلى الشيخ الطوسي(1) فهو من التصحيف لدى النقل، حيث إن الذي جاء في رجال الطوسي هو: «محمد ابن أبي سعيد»(۲) وليس «محمد بن سعيد»، وأما ابن شهرآشوب الذي ذكره في أحد نصیه «محمد بن سعيد»(۳) فواضح التصحيف لأنه عاد وصحح ذلك وذكره عند عده القتلى «محمد بن أبي سعيد»(4) ولم يذكر «محمد بن سعيد» ما يدل على عدم التعدد.

      ۲- إنه ورد في زيارة الناحية بأن قاتله : «لقيط بن ناشر» بالنون والشين المعجمة، ولا شك أنه تصحيف لتفرده بهذا الضبط، بينما كل المصادر التي بحوزتنا ذكرته بالياء المثناة التحتانية، والسين المهملة، ولم نعهد من سمي بـ«ناشر».

      ۳- ذكر فضيل الأسدي بأن «ابن زهير الأزدي» اشترك في قتل محمد ابن أبي سعيد، ولمعرفة إبن زهير نقول:

      أولاً: الظاهر أنه عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي الذي كان قائداً على ربع أهل المدينة في الكوفة حين خرجوا إلى قتال الحسين «عليه السلام»(5) وقد ضبطه القرشي «عبد الله بن زهرة بن سليم الأزدي» نقلاً عن مرآة الزمان(6).

      ثانياً: إنه لم ينف دور لقيط في قتل محمد بن أبي سعيد، بل صرح بأنهما اشتركا في قتله، وهذا أمر وارد، لا إشكال فيه، وقد نلاحظه في كثير من القتلى الذين سقطوا على أرض الكرامة بالطف، ويبدو أن الدور الأبرز کان للقيط حيث ذكره الجميع.

 

___________
(1) راجع تنقيح المقال: 3/120.

(2) رجال الطوسي: 80.

(3) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/106.

(4) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/112.

(5) راجع مقتل الحسين للمقرم: 226.

(6) حياة الإمام الحسين للقرشي: 3/123.

(80)

 

4- إن ابن فندق: ذكر أن عمر محمد بن أبي سعيد كان ۲۰ سنة حين مقتله، وهذا ما لم يذكره غيره، بل ذكره من المبارزين عندما قال: «قتل في المصاف»، مما يؤكد أنه كان يوم الطف كبيراً يمكنه من مبارزة الأقران.

      هذا مجمل نصوص القدامى في محمد بن أبي سعيد بن عقيل وإذا كان هناك نص آخر فلا يخرج عما ذكرناه حسب اطلاعنا.

      ومن جهة أخرى فلنستعرض بعض نصوص المتأخرين ونشير إلى بعض الثغرات التي لا بد من التوقف عندها.

      الأول: المامقاني المتوفي عام 1351هـ، نقل عن كفاية الطالب للكنجي برواية أبي مخنف عن حميد بن مسلم الأزدي أنه قال: «لما صرع الحسين «عليه السلام» وهجم القوم على الخيم للسلب وتصایحت النساء خرج غلام مذعور من تلك الأبنية يلتفت يميناً وشمالاً فشد عليه فارس فضربه بالسيف فقتله، فسألت عن الغلام فقيل محمد بن أبي سعيد بن عقيل له من العمر سبع سنين لم يراهق، وعن الفارس فقيل لقيط بن إياس الجهني»(1). ولكننا لم نعثر على هذا النص أو قريب منه في كفاية الطالب، والموجود فيه - حسب الطبعة الوحيدة والتي هي متداولة - أنه عده في شهداء کربلاء فقط، وقد سبق ونقلنا نصه(2).

      الثاني: السيد الحائري(3) المتوفي نحو عام 1347هـ: «قال أهل السير نقلاً عن حميد بن مسلم الأزدي، أنه لما صرع الحسين «عليه السلام» خرج غلام مذعور يلتفت يميناً وشمالاً فشد عليه فارس فضربه، فسألت عن الغلام، فقيل: محمد بن أبي سعيد الأحول بن عقيل بن أبي طالب، وعن الفارس، فقيل : لقيط بن إياس الجهني»(4).

___________
(1) تنقيح المقال، أبواب الفاء وما بعده: 60 وعنه نقل الزنجاني في وسيلة الدارين: 232، وكذلك المحلاتي في فرسان الهيجاء 2/54، والمازندراني في معالي السبطين: 1/404.

(2) كفاية الطالب: 447.

(3) السيد الحائري: هو عبد المجيد بن محمد رضا الحسيني الشيرازي الحائري المعاصر للشيخ آغا بزرك الطهراني.

(4) وسيلة الدارين: 233 عن ذخيرة الدارين: 160.

(81)

 

ولا يخفى أن نصوص القدامى خالية عن مثل هذا ونعني بذلك: تحديد المذعور بمحمد بن أبي سعيد، والفارس بـ«ابن إياس»، ولم يرد «إياس» وإنما «یاسر»، مضافة إلى أنه لم يسنده، والظاهر أن المتأخرين أخذوا عنه.

الثالث: الزنجاني(1) المتوفي عام 1422هـ: نقل عن الخوارزمي ما يلي: «خرج غلام من الخيام وفي أذنيه درتان وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه لقيط بن إياس الجهني»(۲)، مع العلم أن الذي ورد في مقتل الحسين للخوارزمي يختلف عن ذلك حيث يقول: «خرج غلام من تلك الأبنية في أذنه قرطان وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هاني بن بعيث فقتله»(۳)، فالقاتل مختلف أولا، واعتبر الزنجاني أن الغلام هو محمد بن أبي سعيد من المسلمات، دون أن يشير إلى أن ذلك من استنتاجه.

      الرابع: الجلالي(4) المعاصر نقل لدى تحقيقه لكتاب شرح الأخبار عن السماوي والخوارزمي والكامل النص التالي: محمد بن أبي سعيد بن عقيل: أمه أم ولد، قال حميد بن مسلم الأزدي لما صرع الحسين «عليه السلام» خرج غلام مذعور يلتفت يميناً وشمالاً فشد عليه فارس فضربه، فسألت عن الغلام، قيل: محمد بن أبي سعيد(5)، وعن الفارس: لقيط بن إياس الجهني، وقال هشام الكلبي(6): حدث هاني بن ثبیت الحضرمي، قال:

_____________

(1) الزنجاني: هو إبراهيم بن ساجدين بن باقر (1344- 1422هـ) ولد في أبهر (زنجان) وتوفي في زنجان، كان من العلماء المؤلفين، سكن النجف وقم ودمشق، من آثاره: عقائد الإمامية، جولة في الأماكن المقدسة، وجامع الأنساب.

(2) وسيلة الدارين: 232.

(3) مقتل الحسين للخوارزمي: 2/31.

(4) الجلالي: هو محمد بن محسن بن علي الحسيني الحائري ولد في كربلاء حدود عام 1368هـ، ونشا فيه ثم انتقل إلى قم المقدسة في إيران، من مؤلفاته: الإسلام عقيدة ودستور، الأذان والمؤذن، وحاجتنا إلى التدين.

(5) في المصدر «سفيان» بدل «سعيد» وهو خطأ مطبعي.

(6) هشام الكلبي: هو ابن محمد بن السائب بن بشر (ق150- 204هـ)، والظاهر أنه ولد وتوفي في الكوفة، سكن بغداد، كان من أئمة علماء الأنساب والتاريخ، له مصنفات كثيرة منها: جمهرة الأنساب، ألقاب قريش، وبيوتات قريش.

(82)

كنت ممن شهد قتل الحسين «عليه السلام» فوالله إني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلا على فرس، وقد حالت الخيل وتضعضعت إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه إزار وقميص وهو مذعور يلتفت(1) يميناً وشمالاً، فكأني أنظر إلى درتين في أذنيه يتذبذبان كلما التفت، إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه، ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف، قال هشام الكلبي: إن هاني بن ثبیت الحضرمي هو صاحب الغلام و کنی(2) عن نفسه استحياءً وخوفاً- إبصار العین: 51، الخوارزمي : ۲/ 47، الكامل: 4/92»(۳) ومن المؤسف أن هذا النص لا يوجد في المصادر الثلاثة التي ذكرها إلا في إبصار العين(4)، وما في الإبصار مغايراً يسيراً عن المصادر الأخرى كتاريخ الطبري والذي سنأتي على بيانه. فالخوارزمي نصه الذي فيه ذكر للمقتول(5) مقتضب(6) کما عرفت، وله نص آخر لم يحدد فيه أن المقتول محمد بن أبي سعيد، وقد سبق ونقلنا نصه فراجع، والفرق بين النصين كبير، وأما الكامل في التاريخ فقد روى ابن الأثير الجزري ما نصه: «وخرج غلام من خباء تلك الأخبية فأخذ بعود من عیدانه وهو ينظر كأنه مذعور فحمل عليه رجل قيل إنه هاني بن ثبیت الحضرمي فقتله»(۷) وهو أيضاً مختلف تماماً عن الذي ذكره الجلالي.

      الخامس: بحر العلوم(8) المتوفي عام 1422هـ فإنه حين حقق کتاب والده «مقتل الحسین» ذکر «وآخر من قتل من آل عقيل محمد بن أبي سعيد ابن عقیل، خرج من الخيام إلى المعركة بعدما صرع الحسين «عليه السلام» فشد عليه لقيط بن إياس الجهني، أو هاني بن ثبیت الحضرمي فقتله، ورد ذكره

_____________
(1) في المصدر: «يتلفت» وكلاهما صحيحان أحدهما من باب افتعل يفتعل والثاني من باب تفعل يتفعل، والأول أولى.

(2) كلمة «وكنى» سقطت في المصدر.

(3) هامش شرح الأخبار: 3/238.

(4) إبصار العين: 51، وعنه نقل المازندراني الحائري في معالي السبطين: 1/404.

(5) مقتل الحسين للخوارزمي: 2/31.

(6) مقتل الحسين للخوارزمي: 2/48.

(7) الكامل في التاريخ: 3/294.

(8) بحر العلوم: هو حسين بن محمد تقي.

(83)

 

في الزيارة والإرشاد والطبري والأصفهاني والخوارزمي ومناقب ابن شهرآشوب(۱)».

      وقد سبق وأشرنا إلى نص المفيد في الإرشاد، ونص الطبري في تاريخ الأمم والملوك، والأصفهاني في مقاتل الطالبيين، والخوارزمي في مقتل الحسين، وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب، وليس في هذه المصادر هذا النص الذي أورده، فمن صرح عن قاتل محمد بن أبي سعيد ذكر بأنه لقيط بن ياسر الجهني دون غيره، نعم إن الطبري ذكر نصاً ولم يحدد المقتول، وذكر قاتله هاني بن ثبیت الحضرمي، ولعله فهم أنه هو فكان عليه بيانه، وأما قوله آخر من قتل من آل عقيل يحتاج أيضاً إلى توضيح، فإن المصادر التي استند إليها لم تذكر ذلك، وسنأتي على نقل نص الطبري إن شاء الله تعالى، كما سنأتي على مناقشة موقعه من بين الشهداء بحول الله وقوته.

      السادس: القرشي(۲) ينقل عن أبي الفرج الأصبهاني في مقاتله: «وكان محمد بن أبي سعيد بن عقیل متكلماً سريع الجواب، وقد برز إلى حومة الحرب واستشهد بين يدي الإمام»(3). ولا يخفى أن هذا النص وكذلك مضمونه لا يوجدان في مقاتل الطالبيين، وإنما الموجود اسم القاتل والمقتول وأن أمه أم ولد، وقد سبق ونقلنا نصه کاملاً، كما أن هذا الوصف الذي ذكره وأنه متکلم سريع الجواب ورد في أبيه أبي سعيد(5)، كما سبقت ترجمته في هذا المعجم فراجع.

      السابع: المظفر المتوفى سنة ۱۳۹۰هـ، والذي ينقل عن ابن

_____________
(1) هامش مقتل الحسين لبحر العلوم: 353.

(2) القرشي: هو باقر بن شريف بن مهدي الجعفري، ولد في النجف الأشرف سنة 1344هـ، من العلماء المحققين في تراث أهل البيت «عليه السلام»، له مؤلفات قيمة وكثيرة منها: إيضاح الكفاية، شرح العروة، وحياة الإمام العسكري.

(3) حياة الإمام الحسين: 3/253.

(4) مقاتل الطالبيين: 98.

(5) راجع سفير الحسين: 23 وفيه يصف أبا سعيد بن عقيل بقوله: «السريع الجواب المفوه يشبه أباه عقيلاً في حسن البديهة».

(84)

شهرآشوب بأن قاتل محمد بن أبي سعيد هو هاني بن ثبیت الحضرمي(1) فلم نجد ذلك في المناقب، بل ما هو موجود هو لقيط بن ياسر الجهني(2)، ومن عدم الدقة في النقل جاء تحامله على السماوي قائلاً: «ومنهم من يقول هاني بن ثبیت الحضرمي وهو قول ابن شهرآشوب، ومن هنا غلط السماوي صاحب إبصار العين بجعله الغلام صاحب الدرتين هو محمد بن أبي سعيد إذ يقول: «وهو غلط محض ذاك ابن الحسين «عليه السلام» أمه شهربانويه الكسروية لا شك في ذلك لما حققناه».

      الثامن: السماوي المتوفى سنة ۱۳۷۰هـ نسب إلى أهل السير نقلاً عن حمید بن مسلم أنه لما صرع الحسين(۳).. إلى آخر كلامه والذي نقله الجلالي عنه فلا نكرره، حيث لم يحدد مصدره ومن أين له تحديد الغلام الذي خرج بأنه هو محمد بن أبي سعيد، دون أن يشير إلى ذلك بل وينسبه إلى أهل السير. وقد نقل بعض النصوص عن بعض المصادر ولكنه تصرف فيها بعض الشيء حيث أضاف على نص المجلسي(4) «فسألت عن الغلام فقيل محمد بن أبي سعيد، وعن الفارس فقيل لقيط بن إياس الجهني»، وفي النص الثاني أضاف على ما أورده الطبري(5): «وكنى عن نفسه استحياءً وخوفاً».

      وآن الأوان أن ننقل النصين العامين اللذين نقل أحدهما المجلسي والآخر الطبري ونقلهما معا القمي في نفس الهموم(6) وأشار إلى مصدريهما.

      قال المجلسي المتوفي عام 1111هـ: «ثم قالوا: وخرج غلام(7) من

______________

(1) سفير الحسين: 25.

(2) راجع مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/106.

(3) إبصار العين :51.

(4) بحار الأنوار: 45/45.

(5) تاريخ الأمم والملوك: 3/332.

(6) نفس المهموم: 299.

(7) جاء في المصدر بعد كلمة «غلام» ما يلي: «ويبدو عمود» ولكن جاء في الهامش: «أن هذه الزيادة من الطبري» ومن المفروض أن لا تضاف ولذلك جعله بين معقوفين.

(85)

تلك الأبنية وفي أذنه درتان وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً، وقرطاه يتذبذبان، فحمل عليه هانیء بن ثبیت فقتله، فصارت شهربانو تنظر إليه ولا تتكلم کالمدهوشة»(1).

      وقال الطبري المتوفى سنة ۳۱۰هـ: قال هشام (الكلبي) حدثني أبو الهذيل - رجل السكون. عن هاني بن ثبیت الحضرمي، قال: رأيته جالساً في مجلس الحضرميين في زمان خالد بن عبد الله(2) وهو شيخ كبير، قال: فسمعته وهو يقول: «كنت ممن شهد قتل الحسين، قال: فوالله إني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلا على فرس، وقد جالت الخيل وتصعصعت(۳) إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية، عليه إزار وقمیص، وهو مذعور، يتلفت(4) يميناً وشمالاً، فكأني أنظر إلى درتين في أذنه تذبذبان كلما التفت، إذ أقبل رجل يركض، حتى إذا دنا منه مال عن فرسه، ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف قال هشام: قال السكوني: هاني بن ثبيت هو صاحب الغلام، فلما عتب عليه کنی عن نفسه»(5).

      والظاهر أن نص المجلسي هو بعينه نص الخوارزمي، والفارق في أمرين، الأمر الأول: أن المجلسی ذکر «درتان» بدل «قرطان»، والظاهر أن المفروض أن يكون قرطان لأنه بعد ذلك يقول: «وقرطاه يتذبذبان»، الأمر الثاني: أن المجلسي له إضافة في آخر النص ألا وهو قوله «فصارت شهربانو تنظر إليه ولا تتكلم کالمدهوشة»، والذي لم يورده الخوارزمي، وربما هذه الإضافة لا تطابق الواقع القائل بأن شهربانويه هي شاه زنان(6)

 

_________
(1) بحار الأنوار: 45/45 وعنه نفس المهموم: 299.

(2) خالد بن عبد الله: هو حفيد يزيد بن أسد القسري (66- 126هـ) يماني الأصل من أهل دمشق، ولي مكة سنة 89هـ من قبل الوليد بن عبد الملك الأموي، ثم ولي الكوفة والبصرة عام 105هـ وبقي حتى عام 120هـ حيث عزله هشام بن عبد الملك.

(3) صعصع القوم: فرقهم، وصعصع الشيء حركه، وفي نسخة سابقة جاء «تضعضعت» بالضاد المعجمة.

(4) في نفس المهموم عنه: «يلتفت».

(5) تاريخ الأمم والملوك: 3/332، وكذلك رواه ابن كثير في البداية والنهاية: 8/149 وعن الأول نقل نفس المهوم: 299.

(6) راجع بحار الأنوار: 45/330.

(86)

 

والتي كانت أم زین العابدین «عليه السلام» وذكروا بأنها توفيت في نفاسها منه(1)، وأما القائلون بأنها كانت على قيد الحياة عند معركة الطف فقد سبق وبينا بأن ذلك حصل من الخلط بينها وبين حاضنته الإمام السجاد «عليه السلام» والتي كانت تسمى غزالة على ما روي، ولذلك سماها بعضهم بغزالة، وهذا الأمر قد کشف اللثام عنه الإمام السجاد «عليه السلام» بنفسه ومن بعده الأئمة «عليه السلام»، وذلك في قصة عتب عبد الملك على السجاد «عليه السلام» على تزويجه أمه لمولاه زيد(2) فأولدها عبد الله، كما أنه كان سبب الخلط بأن عبد الله هذا ابن شاه زنان(3)، ومن هنا جاء نسبة ابن فندق عبد الله إلى شاه زنان، كما أنه كان سبب الخلط بين مواصفات عبد الله وعلي الأصغر، قيل بأن أم علي الأصغر هي شاه زنان أيضا، فافهم ذلك وتأمله.

      ومن الملاحظ أن كلا المصدرين بل المصادر الثلاثة أو الأربعة لم تشخص الغلام بل سبق منها القول بأن قاتل محمد بن أبي سعيد بن عقیل هو لقيط، وأن تحديده بمحمد بن أبي سعيد يتناقض مع كون قاتله هاني الحضرمي، والقول باشتراكهما في القتل يحتاج إلى دليل، وما أورده السماوي كنص منقول من أهل السير دون أن يشير إلى مصدر نقله، أو أنه من تحقيقاته في هذا الموضوع لأمر غريب، وربما اعتمد على صاحب الذخيرة المتقدم عليه ستة حيث توفي نحو عام 1347هـ، وعبر عنه بأهل السير، ولا نعلم أن صاحب الذخيرة كيف توصل إلى أن الغلام المذكور هو محمد بن أبي سعيد، ألنصٍ حصل عليه، أم لتحقيق توصل إليه، ونستعرض نصه لنلاحظ ماذا يترتب عليه وما فيه من جديد لنحدده في النقاط التالية:

      1- إن محمد بن أبي سعيد كان طفلاً حسب النصوص الأربعة، وعمره سبع سنوات على تفسير صاحب الذخيرة.

      ۲- إن قاتله هاني بن ثبیت الحضرمي.

__________
(1) راجع بحار الأنوار: 46/11.

(2) أو زييد أو زبيد على اختلاف في ضبطه.

(3) لباب الأنساب: 1/349.

(87)

 

٣- إن مقتله کان بعد مقتل الإمام الحسين «عليه السلام».

      4- إن شاه زنان کانت على قيد الحياة حين معركة الطف حسب نص المجلسي.

      5- إن لشاه زنان ابن آخر غير السجاد وقد حضر معركة الطف وهو في عمر يمكنه الجري.

      6- إن نص المجلسي والخوارزمي هو اختزال لنص الطبري.

      7- إن الأطفال الذكور يلبسون الأقراط، وليس هناك احتمال بأنها كانت صبية للتصريح بأنه كان غلاماً.

      ۸- إنه كان من الهاشميين لتصریح نص الطبري بأنه من آل الحسين «عليه السلام»، ولا يعني أنه كان من أبناء الحسين.

  • أما أنه كان له من العمر سبع سنوات فلا يتنافى مع كونه غلاماً بل يؤيده، ولكن يتعارض مع بعض النصوص الثابتة في المصادر القديمة كقول ابن فندق إنه كان ابن خمس وعشرين يوم مقتله، وإنه قتل في المصاف، وقول ابن شهرآشوب «قاتل»، وعده الطوسي من أصحاب الإمام الحسين «عليه السلام» أيضاً يوحي بأنه كان كبيراً، وإلا لكان عليه أن يذكر من هو أكبر منه أو كان رديفاً وإلفاً له، ونضيف إلى ذلك ما نقل عن ابن حبيب النسابة في المحبر: من عده في أصهار الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» وذكر بأن فاطمة بنت علي كانت عنده، وهذا ما أربك المظفر حيث دار وحار حتى قال: «وهنا مشكلة لم يكشف لي التاريخ تحقيقها وهي أن أبا الفرج والطبري ومن وافقهما يقولون: إن محمد بن أبي سعيد بن عقيل أمه أم ولد ولم يسمها واحد منهم، ويقولون- آخرون- إن محمد بن أبي سعيد كان متزوجاً بفاطمة بنت أمير المؤمنين «عليه السلام» بن أبي طالب عليه وهو رأي من يذهب أن محمد بن أبي سعيد قتل مبارزة في ميدان الحرب، والسيد العميدي النسابة ومن وافقه

 

_____________
(1) ابن حبيب النسابة: هو محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي البغدادي، (ب150- 245هـ) ولد في بغداد وتوفي في سامراء، كان من علماء الأنساب والتاريخ واللغة والأدب، من آثاره: المغتالين من الأشراف، المنمق، وأمهات النبي.

(2) سفير الحسين: 25 عن المجبر: 56.

(88)

 

كانوا يقولون: إن فاطمة بنت علي «عليه السلام» هي زوجة أبيه أبي سعيد، فإن كان عند علي «عليه السلام» فاطمتان اتفق القولان، وإلا فلا أجد لهما وفاقاً»(1)، ونقول: نعم له فاطمتان إحداهما عرفت بفاطمة والتي تزوجها أبوه أبو سعيد، والثانية عرفت بكنيتها وهي «أم أبيها» وقد تزوجها سعيد بن الأسود الأسدي(2) ولو صحت رواية ابن حبيب فإن محمد بن أبي سعيد بن عقيل يكون قد تزوج من أم أبيها أو حيث كلاهما من مواليد سنة واحدة أي عام ۳۰هـ، ولما قتل تزوجها سعيد بن الأسود الأسدي، ومما ينقل أن فاطمة بنت علي «عليه السلام» والتي كانت زوجة أبي سعيد بن عقیل تزوجها سعيد بن الأسود الأسدي كما عليه ابن فندق، وكان الذي تزوج أم أبيها زوجة محمد بن أبي سعيد هو سعيد بن عبد الله البختري كما ذكره البلاذري، وربما من هنا جاء الخلط بين الأسدي والبختري الطائي وقد ناقشنا الموضوع في ترجمة والدة فاطمة بنت علي علي في المقدمة فراجع.

      وأما أن قاتله هاني بن ثبیت الحضرمي، فهذا يتوقف على كون الغلام هو محمد بن أبي سعيد بن عقيل، وهذا ما لا يمكن لأن الكل ذکروا بأن قاتله لقيط بن ياسر الجهني، ولذلك نستبعد أن يكون الغلام هو محمد بن أبي سعيد.

      وأما أن مقتله کان بعد مقتل الإمام الحسين علي فهذا ينطبق مع الغلام لصريح النصين، ولكنه لا ينطبق مع من صرح باسم محمد بن أبي سعید، خذ على سبيل المثال قول من ذكره بعد محمد بن مسلم، وقبل عبد الله بن الحسن بن علي «عليه السلام»، وربما صحت مقولة بحر العلوم في هامش مقتل أبيه بأنه آخر من قتل من آل عقيل، وهو لا ينطبق مع النص الذي ذكر فيه كلمة «الغلام». .

      وأما أن شاه زنان کانت على قيد الحياة فهو مخالف لقول المشهور، وللرواية التي ذهبت إلى أنها ماتت في نفاسها منه، ويبدو أن هذا الكلام

___________

(1) سفير الحسين: 25.

(2) راجع المقدمة التمهيدية لهذا المعجم، راجع أيضاً لباب الأنساب: 1/335 وأنساب الأشراف: 2/193.

(89)

منشؤه الخلط بين أم السجاد وبين حاضنته الغزالة ما أوقع الكثيرين في مثل هذا الخلط، حتى قالوا بأن غزالة اسم شاه زنان ولما زوجها السجاد «عليه السلام» من مولاه زيد (زبيد) أو زبيد فأنجبت له عبد الله، عاتبه بعد ذلك عبد الملك، كما أوقع إنجابها عبد الله الخلط بينه وبين عبد الله بن الحسین المستشهد في كربلاء حيث قالوا إنها أنجبت عبد الله بن الحسين «عليه السلام»، وكل هذا من الخلط، وقد سبق وأشرنا إلى ذلك.

      وأما أن شاه زنان أنجبت للحسين «عليه السلام» إبناً آخر باسم عبد الله فهذا ما سبق وقلنا إنه من الخلط بين أم السجاد والحاضنة، ثم تزويجها بزيد وإنجابها له بعبد الله وهو الذي أوقع ابن فندق في هذا الخلط فعد عبد الله بن الحسين من شاه زنان ، ولكن يكون قد كبر عبد الله بالشكل الذي يجري ويمشي- كما ورد في روايته. فهذا ما يتنافى مع جميع النصوص التي ذكرت عبد الله من أنه ولد يوم عاشوراء.

      وأما أن يكون نص المجلسي اختزالاً لنص الطبري فهذا جد ممکن، وبالأخص أن الطبري توفي عام ۳۱۰هـ، والمجلسي توفي عام ۱۱۱۱هـ، أو یکون نقل نص الخوارزمي لأنه أيضاً متقدم عليه حيث توفي عام 568هـ، والاختزال وارد، وعليه فيكون ما أورده المجلسي والخوارزمي منسوباً إلى القيل يرجع مصدره إلى الطبري، وهو بدوره يرويه عن هشام الكلبي المتوفي عام 204هـ عن أبي الهذيل السكوني المتوفي في القرن الثاني الهجري عن هاني بن ثبیت الحضرمي المتوفي عام 66هـ، وعليه فالإضافة الملحقة في البحار ليست من الرواية.

      وأما أن الأطفال الذكور كانوا يلبسون الأقراط فهذا يؤكد على أن مقتول هاني كان صغيراً في العمر وهو يختلف عن مقتول لقيط والذي هو محمد بن أبي سعيد، ولا بد من تشخيص الغلام.

      وأما أن الغلام كان من الهاشميين فهو شبه تصريح بذلك مما لا يدع المجال بمناقشة مفردة الآل لتشمل كل من كان في الركب، وأما أن يراد به ابن الحسین «عليه السلام» فهذا مما لا يفهم منه، ولكن الأهم أن نخطو خطوة نحو تشخيص الغلام، فالغلام: يقال: لمن طر شاربه، أي اخضر ولم ينبت، وهو الذي تجاوز حد الطفولة، وهناك من يقول: هو من حين يولد إلى أن

 

(90)

يشيب، ولكنه غير مستخدم، والمختار أنه من لم يبلغ الحلم وهو السن الذي يطر الشارب فيه عادة. وربما هنا نتمكن من الأخذ بمقولة صاحب الذخيرة والذي حدد عمره بسبع سنوات إذ لا تناقض بينهما ولا تنافر.

      ويذكر التستري(1) المتوفي سنة ۱۳۰۳هـ لدى عده استغاثات الإمام الحسين «عليه السلام» فقال: الاستغاثة الخامسة: وهو طريح جريح، فأثرت في الأطفال فخرج طفلان من الخيام لإغاثته، أحدهما طفل خرج وفي أذنيه درتان وهو مذعور يلتفت يميناً وشمالاً، فلما بعد قليلاً من الخيام ضربه هاني بن ثبيت لعنه الله على رأسه فقتله هناك، وأمه تنظر إليه ولا تتكلم کالمدهوشة، والثاني عبد الله بن الحسن «عليه السلام» ابن إحدى عشرة سنة لما رأى عمه طريحاً مستغيثاً لبى له وخرج إليه فنادى الحسين «عليه السلام» يا أختاه إحبسیه فأرادت حبسه فقال: والله لا أفارق عمي، فجاء إليه وجاهد عنه حتى قطعت يده، ثم قتل(2).

      لعل فيما ذكره التستري إرادة لتقريب الأذهان من أنه كان من أبناء الحسن «عليه السلام»، وربما كان أقرب، إذ علينا أن نطبق ما ورد من الخصوصيات في رواية الطبري مع الأطفال الذين قتلوا في مرحلة ما بعد القتال مباشرة، وإذا كانت إشارة المجلسي والتي حورها التستري صحيحة(3) فإن أمه كانت حاضرة تنظر إليه فهي معلومة إضافية ربما أفادتنا في كشف الحقيقة، وليس لدينا من الخيارات إلا ما يلي:

      1- أن يكون ابناً للحسين.

      ۲- أن يكون ابناً للحسن.

      3- أن يكون ابناً للعباس.

      4- أن يكون من آل جعفر الطيار أي أحد أحفاده أو أبناء أحفاده.

 

________
(1) التستري: هو جعفر بن حسين (1210- 1303هـ) ولد في تستر ونشأ فيها ودرس في كربلاء والنجف وتوفي في كرنك (إيران) ودفن في النجف، كان من الفقهاء الخطباء والمؤلفين الأدباء، من آثاره: منهج الرشاد، مجالس البكاء، ومبادىء الأصول.

(2) الخصائص الحسينية: 240.

(3) حيث ذكر المجلسي أن شهربانو كانت تنظر إليه فحورها التستري إلى «أمه».

(91)

5- أن يكون من آل عقيل أي أحفاده.

      أما علي «عليه السلام» فلا مجال في ذلك لأنه توفي في عام الأربعين.

      إما أن يكون من أبناء الحسين «عليه السلام» فلا مجال فيه أيضاً لأن أبناءه كما سبق وتحدثنا عنهم محدودون وكل واحد منهم ذكرناه وخصوصياته في ترجمة جعفر بن الحسين «عليه السلام» فراجع.

      وأما أن يكون من أبناء الحسن «عليه السلام» فهذا وارد لأنه «عليه السلام» توفي عام الخمسين وإذا ما كان من مواليد الأعوام الأخيرة من عمره لأمكن أن يقال له غلام، وأكثره أن يكون من مواليد عام 45هـ، وإذا استعرضنا جميع أبناء الإمام الحسن عليه فإن الذي يصدق عليه الغلام وحضر کربلاء فهم كالتالي:

      1- بشر (بشیر) المولود نحو عام 49هـ، المستشهد في كربلاء كما قال بذلك ابن شهرآشوب(1).

      ۲- جعفر المولود عام 49هـ، والمستشهد في كربلاء كما قال به الذهبي في تجريده(2).

      ٣- محمد المولود عام 47هـ، وقد اخترنا أنه أسر في كربلاء، وذكر آخرون بأنه قتل(3).

      4- يحيى المولود قبل عام 50هـ، والمستشهد في كربلاء كما ذكرها سپهر(4) في الناسخ(5).

____________

(1) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/112.

(2) معالي السبطين: 2/2306 عن كتاب التجريد للذهبي.

(3)  المفيد في ذكرى السبط الشهيد: 111.

(4) سپهر: هو محمد تقي بن محمد علي الكاشاني الملقب بلسان الملك والمتخلص بسپهر (ب1210- 1297هـ)، كان أديباً مؤرخاً ومؤلفاً وشاعراً، ولد وتوفي في كاشان، من آثاره: براهين العجم في العروض، وعرف بكتابه ناسخ التواريخ، كما أنه تولى عدداً من المناصب في العهد القاجاري.

(5) ناسخ التواريخ (حياة الإمام الحسين): 2/326.

(92)

وفي هذا المضمار يقول العاملي(1): قال المفيد رحمه الله: وخرج إلى مبارزة القوم محمد بن الحسن السبط وهو غلام أصغر سناً من أخيه القاسم وكان في أذنيه درتان فخرج من المخيم وهو مذعور، فوضع يده على رأسه، وقال: ويلكم يا أهل الكوفة ماذا تطلبون من عمي الحسين حتى تريدون قتله، فجعل الغلام يضربهم بالحجارة وقطع الحديد، وهم يتلقونه بالسهام والنبال وقرطاه يتذبذبان على خديه، وقد طمع القوم في الدرتين التي في أذنيه فحمل عليه ابن ثبیت ورماه بالسهم، فجاء السهم في يده فسمرها في جسمه، ثم حمل عليه فقتله وأخذ قرطيه فصارت أمه تنظر إليه كالمدهوشة لا تتكلم لفظاعة الموقف، فأتى الحسين إليه، وقال له: يعز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك وإن أجابك فلا يغني عنك شيئاً، صبراً یابن أخي، صبراً لا لقيتموا هواناً بعد هذا اليوم، ولم يبق مع الحسين من الذين يحملون على القوم أحد من أهل بيته(2).

      وهذا يعني أنه ولد بعد 46هـ لأن القاسم ولد عام 46هـ، وعندها يصدق عليه الغلام، ولكن العاملي نسبه إلى المفيد، والحال أن الإرشاد خال عن ذلك، وما هو موجود هو ما يلي: ثم رمي رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له عمرو بن صبيح عبد الله بن مسلم بن عقیل رحمه الله بسهم، فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه ونفذ إلى جبهته فسمرها به فلم يستطع تحريكها، ثم انتحى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله(۳) ويبدو أنه أخذ هذا النص وضمه إلى نص المجلسي المتقدم والذي أوله «وخرج غلام من تلك الأبنية» فصاغ منها صياغة واحدة ونسبها إلى محمد بن الحسن فجاءت بالشكل الذي نقلناه عنه، وهي وإن كانت معقولة إلا أنها لا تغني عن الحق شيئاً، ولو لم ينسبه إلى المفيد لكان مقبولاً منه هذا الاحتمال.

 

_____________
(1) العاملي: هو عبد الحسين بن إبراهيم المولود قبل سنة 1353هـ في لبنان، من المؤلفين المعاصرين من جبل عامل، له كتاب: سفينة النجاة، وسيلة النجاة، بالإضافة إلى كتابه المفيد في ذكرى السبط الشهيد.

(2) المفيد في ذكرى السبط الشهيد: 111.

(3) الإرشاد: 2/107.

(93)

 

والاحتمال في حقه ليس وارداً بعد أختيارنا بأنه أسر، بل الاحتمال جار في سائر أبناء الحسن الذين ذكرناهم بالتساوي.

      وأما أن يكون أحد أبناء العباس «عليه السلام» فلا مجال فيه، بعدما حققناه بأنه ما كان في عمر يناسب مشاركته في معركة الطف، وإنما أسر ولم يقتل رغم بعض الأقوال الشاذة بمقتله، وأما الشهيد منهم فقد كان أكبر من المراد. وأما أن يكون من أحفاد جعفر الطيار فليس فيهم من يناسب عمره كما لا يتناسب مع سائر الصفات الموجودة فيه. وأما أن يكون من أحفاد عقيل فهناك عدد ممن يحتمل أن يتطابق معه في الصفات فيما إذا استثنينا من وجد مقتولاً في الطف، أو خرج مبارزة إلى المعركة رغم صغر سنه، فهم أربعة :

      ١- حمزة بن عقيل                 (...-61هـ).

      2- خالد بن سعيد بن عقيل        (ن56- 61هـ).

      3- عبد الله بن الحكم بن عقيل     (54- 61هـ).

      4- عقيل بن عقيل                 (...- 61هـ).

      أما حمزة وعقيل بما أنه ليس لدينا ما يثبت تاریخ ولادتهما ولو على نحو التقريب فلا يمكن الحديث عنهما، لعدم معرفة عمريهما يوم الطف والذي هو أحد المؤشرات لتحقيق شخصيتيهما، كما أنهما من أبناء عقيل وليسا من أحفاده، وهو بحد ذاته يبعد کون أحدهما المقصود، وإن لم يكن ذلك مستحيلاً لأنه من الممكن أن الإنجاب قد تم في أواخر الأربعينيات أو أوائل الخمسينيات، لأن أباهم عقيلاً توفي عام 60هـ، إذ يبقى الأمر دائراً بين خالد بن سعيد بن عقيل، وعبد الله بن الحكم بن عقيل، وبضمهما مع أبناء الإمام الحسن «عليه السلام» تصل الأسماء المرشحة لأن يكون المقصود بالغلام أربع شخصيات، ولكن يحيى بن الحسن «عليه السلام» بعد لم يعرف عن حياته شيء فلا يمكن التحدث عنه فالباقي ستة:

 

(94)

      ١- بشر بن الحسن بن علي             (49- 61هـ) وهو ابن 11 عاماً أمه فاطمة بنت أبي مسعود الخزرجية(1).  

      ۲- جعفر بن الحسن بن علي                  (49 - 61هـ ) وهو ابن 11 عاماً، أمه: أم كلثوم بنت الفضل بن العباس.

      ٣- خالد بن سعيد بن عقیل              (56 – 61هـ) وهو ابن 4 أعوام، أمه: أم سعيد.

      4- عبد الله بن الحكم بن عقيل           (54 - 61هـ) وهو ابن 6 أعوام، أمه: أم عبد الله.

      وبعد التصفية قبل النهائية لم يبق لدينا إلا هؤلاء الأربعة لأن قسماً منهم رست تحقیقاتنا على أنهم حضروا کربلاء إلا أنهم أسروا، وقسم آخر منهم فقد تم التصريح بالأسلوب والطريقة التي قتلوا فيها، وهناك من تنطبق عليه الأوصاف کالعمر مثلاً، حيث كانوا قد تجاوزوا المرحلة التي نبحث عنها، أو كانوا رضعاً مما لا يناسب المقام، وهكذا.

      وأما بالنسبة إلى هؤلاء الأربعة فلنبدأ بخالد بن سعيد بن عقیل، فالمرجح أن لا مجال التطبيق تلك الصورة المروية في تاريخ الطبري عليه، لأنه كان له يوم الطف أربع سنوات، وطفل بهذا العمر لا يمكنه من القيام بما ورد في الرواية عادة، فلذلك لا يمكن ترجیحه على الثلاثة الآخرين فحظه قليل من بين الأربعة، وأما عبد الله بن الحكم فمن المستبعد أن يتمكن من حمل عمود الخيمة، ولا يمكن أن تعطى له الأولية من بين الثلاثة، ولكننا لا يمكننا إقصاؤه، وأما إبنا الحسن بشر وجعفر فكل المواصفات يمكن تطبيقها عليهما، ولكن لا بد من ترجيح أحدهما على الآخر حسب المعطيات التي لدينا، وبما أن الزنجاني ذكر لدى ترجمته الأحمد بن الحسن «عليه السلام» قائلاً: خرج أحمد مع عمه الحسين وأمه وأختيه من

_________

(1) ذكر أمه جاء من باب الاحتمال لعلاقة الكنية لأنها تكنى بأم بشر (بشير).

(95)

 

المدينة إلى مكة ثم إلى كربلاء، فلما برز كانت أمه وأختاه تنظران إليه(1)، وإذا أضفنا إلى ذلك المعلومة التالية: أن أحمد وجعفر شقيقان وأمهما هي أم بشیر فاطمة بنت أبي مسعود عقبة الخزرجية، فهو مرجح على الآخرين، فأما آل عقيل فلم تتمكن من تشخيص أمهما، ولم نجد من ذكر بأن أم عبد الله بن الحكم، أو أم خالد بن سعید حضرتا کربلاء، وإن كنا لا نستبعد ذلك وبالخصوص مع وجود أبنائهما، وأما أم كلثوم بنت الفضل فهي الأخرى لا ذكر لها في الأسرى، ومن هنا يمكن القول بأن الغلام الذي ذكره الطبري والخوارزمي وابن الأثير والمجلسي هو بشر بن الحسن بن علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وليس محمد بن أبي سعيد بن عقيل، والعلم عنده سبحانه وتعالی.

      إذاً فهو ليس محمد بن سعيد بن عقيل، ولكن من هو محمد بن سعيد كما تقدم ذكر أمه أم ولد، ولد عام ۳۰هـ كما ذهب إلى ذلك ابن فندق، وقد كان يوم مقتله في كربلاء له من العمر خمس وعشرون سنة، وكان قد تزوج وأنجب إلا أن نسله انقرض، وقاتله هو لقيط بن ياسر الجهني، وربما اشترك معه أبن زهير الأزدي.

__________
(1) وسيلة الدارين: 247 و248.

(96)

 

محمد الأصغر ابن جعفر الهاشمي

4- 61هـ = 625- 680م

 

هو: محمد الأصغر ابن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي.

      وأمه: أسماء بنت عمیس بن معد بن الحارث تیم بن کعب بن مالك الخثعمية.

      وسلسلة نسبه سبقت في شقيقه عون بن جعفر الطيار.

      ولد في الحبشة العام الرابع للهجرة، واستشهد في معركة الكرامة في کربلاء(1)، ويقال له: الأصغر في قبال شقيقه محمد الأكبر والذي هو الآخر ولد في الحبشة إلا أنه في العام الثاني للهجرة، واستشهد في صفين عام ۳۷هـ.

      وذكر ابن قتيبة في عداد المستشهدين في كربلاء إثنين من أبناء جعفر(2) دون أن يصرح باسميهما، فالظاهر أن المراد بهما عون (۳۔ 61هـ) ومحمد (4- 61هـ)، واختلط أمرهما مع محمد وعون إبني عبد الله بن جعفر، ولذا احتمل بعض المتأخرين أن القول بأن محمداً وعوناً إبنا جعفر استشهدا مع الحسين في كربلاء تصحيف لابني عبد الله بن جعفر(3) ولكن التحقيق لا يساعده. حيث توصلنا إلى أن لجعفر محمدين استشهد الأول في صفين والثاني في الطف، وثبت أن عوناً لم يستشهد في تستر،

 

 

___________
(1) راجع أعيان الشيعة: 4/119، عن عمدة الطالب: 36، مروج الذهب: 2/300، شهيد كربلاء: 194.

(2) الإمامة والسياسة: 2/80.

(3) كتاب جعفر بن أبي طالب للغبان: 168.