معجم  أنصار الحسين عليه السلام  (غير الهاشميين)  (الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (غير الهاشميين) (الجزء الثاني)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

(1)

إبراهيم بن الحصين الأسدي

(ق 40ـ 61هـ = 660ـ 680م)

 

 

        هو إبراهيم بن الحصين الأسدي العدناني الكوفي.

        لم يذكروا عن شخصه أكثر من ذلك، وهناك من وصفه بالأزدي وذلك كلغة في الأسدي(1)، إذ أن القبيلتين لا تجتمعان، وسنأتي على بيان ذلك، وقبل الحديث عن ذلك فإن مفردة إبراهيم كصيغة ومبنى بالإضافة إلى البحث عن أصولها أوردناها في مكان آخر(2) فلا نكرر، وحاصل ما تقدم أنه اسم سرياني يعني بالعربية «أب رحيم» وفيه لغات مختلفة، أشهرها على زنة إفعاليل والذي هو المعروف في الاستخدام العربي «إبراهيم»، وهذا الوزن لم أجد له في العربية وجوداً إلا في المفردات الدخيلة وهي غير قليلة كإسماعيل وجمع من الملائكة المقربين جبرائيل واسرافيل وميكائيل ودردائيل وعزرائيل وصرصائيل وأمثالهم، إلا إذا قي إنه على وزن فعلاليل بالكسر والذي هو الأولى لمكانة أخوته من الاسماء، وكذلك مفردة «مغناطيس» من إخوته، وعليه فإن الهمزة جزء من المفردات ويكون من أوزان الخماسي المزيد فيه بحرفين وهو الألف والياء ليكون المجرد منه «فعللل»، وتطبيقاً على موردنا يكون أصله «إبرهم» ويؤيد ذلك وجود لغة «ابراهام»، فاصل المفردة في الاسم الثلاثي منه  يكون «أبر» ليكون الاسم الخماسي المجرد منه إبرهم، والمزيد فيه بحرفين إبراهيم، والحرفان المزيدان هما الألف والياء.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وإذا ما كان الأزدي لغة في الأسدي فلابد أن تكون السين ساكنة وليست مفتوحة.

(2) راجع معجم الأنصار (الهاشميون): 1/269، ومعجم الشعراء الناظمين في الحسين: 2/14.

(29)

 

        وإذا ما أريد تعربيه، وقلنا إن أصله من برهم الذي جذره البرهمة، وهو إدامة النظر وسكون الطرف كما يقول العجاج(1) من الرجز:

بدلن بالناصع لوناً مسهماً             ونظراً هون الهويني برهما(2)

        وعليه فيكو معناه إذا ما أصبح علماً هو: المتأمل أو المفكر، وهذا يناسب حال النبي إبراهيم عليه السلام الذي كان على الدوام يتأمل في الكواكب وفي آيات الله سبحانه وتعالى، فإن كل الآيات والأحاديث الواردة في السيرة تدلنا على أنه كان يتأمل في خلق الله وآياته، وأما بالنسبة إلى ترشيد المفردات الدخيلة الى جذور عربية ليس أمراً غريباً بعد ما فعله الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوسف الاسم العلم، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم)  يعني «يؤسف له»، وقال الإمام علي عليه السلام في الاسم العلم زينب حينما سئل عن معناها قال زين أب، أو ما قاله الإمام الحسين عليه السلام حينما سئل عن أسم الأرض التي نزل بها فقالوا: كربلاء، فقال كرب وبلاء، وهذا لا يعني أنه من الضرورة أن تكون اللفة العربية ممحضة وليس فيها من الاعجمية شيئاً، لأننا لا نقول به أولاً ولا واقع لا يؤيد ذلك، ولا يستعاب على أي لغة أن تكون كذلك، لأن اللغات تستمد إحداها من الأخرى وهذا مما لا خلاف فيه.

        وبالعودة إلى شخصية إبراهيم بن الحصين الأسدي، فنقول: إن هناك اسمين وردا في جملة  الأنصار أحدهما باسم إبراهيم بن الحصين والآخر إبراهيم بن الحسين، مما كان سبباً في الاختلاف حول هويته، أهو من الهاشميين أم من غير الهاشميين، ومما يمكن القطع به: أننا إذا اعتمدنا على المصادر التي ذكرت أباه باسم الحصين، وهذا مجرد احتمال يدحضه عندما ينتسب ابن الحصين إلى الأزد أو إلى بني أسد، وبعدما قدمناه في ترجمة «إبراهيم بن الحسين الهاشمي » في معجم أنصار الهاشميين(3)

ـــــــــــــــــــ

(1) العجاج: هو عبد الله بن رؤية بن لبيد بن صخر السعدي التميمي المكنى بأبي الشعشاء، (ق 1ـ ن90هـ) حيث ولد في الجاهلية وعمر، أسلم بعد أن كان مشركاً، ويعد من أعلام شعر الرجز، وكذلك نجله رؤية.

(2) ديوان العجاج: 335 ومنه تاج العروس: 31/ 280.

(3) معجم الأنصار (الهاشميون): 1/269.

(30)

 

نرجح والله العالم أنهما متغايران، فمن قال: بأنه غير هاشمي وأن أسم أبيه الحسين من الصعب قبوله، لأن هذا الاسم لم يكن شائعاً، وإن جيل والد إبراهيم هذا لا يمكن أن يتصور وجوده بعد ولادة الأمام الحسين عليه السلام لكي يقال إن اسم الحسين قد درج في المجتمعات منذ أن سمي سبط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، إلا إذا قيل بأن إبراهيم كان في العقد الثاني من عمره عندما وقعت معركة الطف، وقد ولد والده بعد الخامس من شهر شعبان من السنة الرابعة للهجرة.

        وأما التسمية بالحصين فهي مشهورة منذ الجاهلية، فلذلك نرجح أنه إبراهيم بن الحصين بعدما رجحنا أنه مغاير مع إبراهيم بن الحسين بن علي عليه السلام، ومما يؤيد تغايرهما أن ابن شهرآشوب ذكرهما معاً، فقال ما نصه لدى ذكر من قتل من بني الحسين عليه السلام «وستة من بني الحسين مع اختلاف فيهم: علي الأكبر، وإبراهيم، وعبد الله ، ومحمد، وحمزة، وعلي، وجعفر، وعمر، وزيد، وذبح عبد الله في حجره وأسر الحسين بن الحسن..»(1)، ورغم أن عددهم لدى العد أصبح أكثر من ستة فإن ذلك لا يضر بأصل الموضوع لأنه علق قائلاً: «مع اختلاف فيهم»(2)، واحتمال كونهم إخوة إبراهيم بن علي عليه السلام غير وارد لأنه ذكر فيمن قتل من بني علي قبل أسطر، كما وأنه ذكر إبراهيم بن الحصين الأسدي بشكل صريح لا لبس فيه، وجعل الرجز المقفى بحرق القاف من أراجيزه(3)، بغض النظر عن الرجز المقفى بحرف الدال(4)، وابن شهرآشوب يعد من قدامى المؤرخين، حيث أنه متوفى سنة 588هـ، ومن المهتمين بسيرة أهل البيت «عليه السلام» وبالأخص الإمام الحسين «عليه السلام»، ومجرد ورود اسم إبراهيم في مقتل الحسين لأبي مخنف المتداول في اليد والمشكوك بصحة نسبته إليه لا يوجب رفضه لأن فيه ما يطابق سائر كتب المقاتل والتاريخ ومع ما نقله تاريخ الأمم والملوك عنه.

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) مناقب آل أبي طالب لإبن شهر أشوب: 4/113.

(2) أي أن عددهم ستة، ولكن اختلفوا في أسمائهم بين هذه الأسماء العشرة.

(3) مناقب آل أبي طالب لإبن شهرآشوب: 4/105.

(4) راجع ديوان القرن الأول: 2/54، و 1/121.              

(31)

 

        ومما ذكرناه تبين أن صاحب مناقب آل أبي طالب ذكره بإسمه الثلاثي «إبراهيم بن الحصين الأسدي»، ومن هنا تبين أيضاً أن ما ذكره البعض أن اسم أبيه الحسين هو من الخلط بين الهاشمي والأسدي، فالهاشمي أبوه الحسين عليه السلام، والأسدي أبو الحصين، واحتمال أن يكون الرجز الدالي لإبراهيم بن الحسين الهاشمي وارد، رغم أن البعض نسب هذا الرجز الدالي إلى أبن الحصين وإلى زهير بن القين البجلي(1)، بينما أورد صاحب رياض المصائب الذي فرغ من كتابته سنة 1243هـ إسمه إبراهيم بن الحصين نقلاً عن أبي مخنف، قائلاً: «وبرز من بعده- أي جون – إبراهيم بن الحصين : وهو يقول:

أتاكم أبن الحصين الفارس

مجيب ليث بطل مواعس(2)

يرجوا بذاك الفوز لم ينافس(3)

يضربكم ضرباً على الفرانس(4)

 

ثم قتل»(5)، وهذا صريح بأن هذا الرجز له دون غيره.

        وما يعاب على المصدر أنه نقل عن أبي مخنف مع أن أبا مخنف لم يذكر هذا الرجز، إلا إذا كانت هناك نسخة غائبة عنا.

        وأما الرجز ذو القافية الدالية بما أنه ذكر فيه الحسين والرسول والحسن، وجعفر الطيار، وحمزة عم الرسول عليهم أفضل الصلاة والسلام فيرجح أن يكون الراجز منتمياً إليهم، بغض النظر عن أن أبا مخنف أورد ذكر ضمن من برزوا من غير الهاشميين، ونحن نعلم أن غير الهاشميين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ينابيع المودة: 2/167.

(2) مواعس: من معسه إذا طعنه بالرمح.

(3) في الأصل يناس، والظاهر سقوط حرف قبل السين واحتملنا أنه الفاء، ونافس بمعنى فاخر، أي لم يقصد المفاخرة بل الفوز بالجنة.

(4) الفرانس: بالضم يجمع على فرانسه وهو الشجاع، ومن هو غليظ الرقبة.

(5 ) رياض المصائب: 305، لمحمد مهدي بن محمد جعفر الموسوي التنكابني المتوفى بعد سنة 1250هـ.

(32)

 

تقدموا إلى المناجزة قبل الهاشميين إكراماً لهم، وذلك لان النسخة الشائعة من مقتل أبي مخنف غير مرتبة حسب التسلسل لبروز الأنصار وأهل البيت عليهم السلام، عدم ورود ذكر في سائر النسخ التي بحوزتنا من مقتل الحسين لأبي مخنف لا يقدح بالموضوع بعدما ذكره صاحب مناقب آل أبي طالب.

        وأما إهمال بعض المعاصرين ذكرهما في الهاشميين ولا في بني أسد لا أهمية له، بعدما عرفنا مبدأهم في حصر جميع الأنصار من الهاشميين وغير الهاشميين في إثنين وسبعين نسمة، ومحاولة دمج ما زاد على ذلك باللآخر بشتى الوسائل والطرق وبأي عذر ممكن، وحتى غير الممكن أحياناً، وذلك لمجرد الاحتمال(1) وفي قبال أولئك المتقدمين فقد ذكرهما آخرون من المتأخرين ممن يعتمد على تحقيقاتهم(2).

        وجاء من المتأخرين من ذكره بأنه أزدي وهذا لا يصح لإنه متفرد في نقله، والقول بأنهما متحدان غير ممكن حيث أن الجمع بينهما لا يصح، وقد أشرنا إلى ذلك في باب النسب(3) إلا إذا قيل بأن الأزد هنا لغة في الأسد، وقد ذكرنا بأن الأسد أفصح من الأزد، فليكن إذا الأزدي أزدياً والأسدي أسدياً، وعلى أي حال فعلى ما ورد في بعض المصادر أنهمن الاسديين العدنانيين وليس من الأسديين القحطانيين(4)، هذا وقد ورد ذكره في عدد من المصادر الحديثة(5)، حيث اعتمدوا على مناقب آل أبي طالب، وعلى قتل أبي مخنف، كما وذكروا بأن الإمام الحسين عليه السلام عندما بقي

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جاء في أنصار الحسين: 115«إبراهيم بن الحصين الأزدي، ذكره ابن شهر أشوب، ونسب إليه رجزاً يغلب على الظن أ،ه موضوع»، الحكم بالظن من دون دليل مرفوض، كما أنه لم يذكر الهاشمي أيضاً

(2) راجع أعيان الشيعة: 1/610 حيث ذكر إبراهيم بن الحسين الهاشمي في الهاشميين، وإبراهيم بن الحصين الأسدي في غير الهاشميين، كما وترجمهما في : 2/135و 136.

(3) راجع معجم أنصار الحسين (غير الهاشميين): 1/68 و 70.

(4) راجع أنصار الحسين: 115.

(5) مقتل الحسين لبحر العلوم: 119، فرسان الهيجاء: 1/10، نفس المهموم: 267، أسرار الشهادة: 2/273.

 

(33)

 

وحيداً نادى قائلاً: «هل من ناصر ينصرني» وذكر أسماء أصحابه، فقال مما قاله: «يا هلال بن نافع، ويا أبراهيم بن الحصين، ويا عمير بن مطاع..»(1)

        هذا وقد ذكرت بعض المصادر أن كنيته «أبو اسحاق»(2) وكل من ذكره أورد بأنه قتل جمعاً كبيراً، فمنهم من حدد عدد المقتولين على يده، ومنهم من أطلق.

        هذا وقد بينا بعض الأمور المتعلقة بابن الحصين لدى ترجمتنا لابن الحسين، فليراجع(3)

        وقرأت في كتاب أحد المعاصرين أن نسبه، وضبط اسه جاء كالتالي:

        «إبراهيم بن حضين بن منذر بن حارث بن وعلة الرشافي الأنصاري البصري»(4)، وترجم والده ولم يذكر شيئاً عن الإبن، ولكنه ذكر أن من ذكره بابن الحسين أو الحصين فهو تصحيف والصحيح أنه ابن الحضين بالحاء المهملة والضاد المعجمة.

        من هو الوالد «حضين» الذين نسب إبراهيم إليه، وكل ما أورده المصدر فهو في ترجمة والده ولم يقدم أي دليل بل لم يذكر أي مصدر لنسبه الابن الى والده، وإنما أخترعه اختراعاً، أما حضين فقد ذكره البعض بالضاد المعجمة(5) وآخرون ذكوره بالصاد المهملة(6) ولم أجد من جمع بين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تاريخ أبي مخنف في مقتل الحسين: 40 وقريب منه في فرسان الهيجاء: 1/11، وسيلة الدارين في أنصار الحسين: 102 عن مناقب آل أبي طالب لإبن شهر آشوب، أعيان الشيعة.

(2) راجع أعيان الشيعة: 2/ 136.

(3) معجم أنصار الحسين (الهاشميون): 1/269.

(4) باران پايدار إمام حسين: 26.

(5) الحضين: ورد في جمهرة أنساب العرب: 317، تهذيب التهذيب: 1/555، وقعة صفين: 287، تنقيح المقال: 1/350.

(6) الحصين: ورد في رجال الطوسي: 39، رجال العلامة: 62، قاموس الرجال: 3/565، معجم رجال الحديث: 6/125.

(34)

 

القراءتين، وعلى أي حال فالتصحيف ممكن، ولكن ورد في التهذيب: «ولا أعرف حضينا بالضاد غيره»(1) ولكن هناك من ذكر حضين بن مخارق السلولي، إلا أن البعض أورد من ذكره بالصاد المهملة أيضاً، ولا يهم، فالتصحيف بين المهملة والمعجمة كثيراً ما يرد في الرجال.

        إن هذه الشخصية لا خلاف في كونه كان من أصحاب علي عليه السلام، وأنه صاحب لوائه في صفين، وقد جاء منتسباً إلى أبيه المنذر بن الحارث بالبصري، والظاهر لسكناه في البصرة، وهو ممدوح من الفريقين، وقد أعطاه علي عليه السلام راية ربيعة البصرة وربيعة الكوفة، وكذلك راية مضر، والسؤال الوارد هنا: هل بقي على قيد الحياة إلى عصر الإمام الصادق عليه السلام وكان من أصحابه؟ وهذا يعني أنه مات بعد سنة 113هـ حيث أن الصادق عليه السلام تولى مهام الإمامة بعد وفاة أبيه الباقر عليه السلام سنة 113هـ، ومن هنا يصح ما نقله صاحب التهذيب أنه مات بعد المائة بعد قوله أنه مات سنة 97هـ، وعليه فإن وفاته حسب ما ورد كانت بعد سنة 113هـ، وأما بالنسبة إلى ولادته فإن المرجح أنه لم يكن صحابياً بل كان تابعياً، ولا صحة لتفسير قول الإمام الصادق عليه لسلام في الرد على سؤال الراوي: «ارتد الناس إلا ثلاثة: أبو ذر وسلمان، والمقداد فقال عليه السلام: فأين أبو ساسان وأبو عمر الأنصاري»(3) حيث قيل بأن المراد بـ أبي ساسان هو الحضين بن ألمنذر، ولكن لدى التحقيق تبين أنهما مغايران، والمراد به هنا هو أبو ساسان الأنصاري المدين، وأما هذا فهو رقاشي بصري، وكان في صفين حدث السن كما جاء في عيون الأخبار لدى الحديث عن صفين، أنه كان أحدث القوم سناً(4) وكان شاعراً.

ــــــــــــــــــــــــ

(1) تهذيب التهذيب: 1/556.

(2) تهذيب التهذيب: 1/555، ولم نجد لمحمد بن الحضين ولا لساسان بن الحصين ذكراً في كتب الرجال.

(3) رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال): 1/26.

(4) قاموس الرجال: 3/566 عن عيون الأخبار لإبن قتيبة: 1/88 راجع أيضاً وقعة صفين: 485.

(35)

 

        هنا يطرح السؤال التالي: من أين للمصدر أن ينسب إبراهيم إلى هذه الشخصية من دون أن يدلي بأي دليل أو مصدر أو قول؟ هناك عدد من سموا بحصين، فاختياره هذا ليكون أباً لإبراهيم أمر غريب، مع العلم لم يذكر أحد بأن لإبن المنذر هذا أبناً باسم إبراهيم، ومن هنا فإن هذه النسبة مردودة، وأين كان أبو ساسان هذا في يوم عاشوراء؟ أكان مع الحسين عليه السلام؟ أو مع ابن سعد؟ أو كان مسجوناً؟ فلم يفصح عن ذلك، ولم نجد له ذكراً في أصحاب أحد الائمة من الحسن إلى الصادق عليه السلام، هل قتل في صفين؟ أم ماذا؟ فقوله مردود حيث لم تؤيده كتب التاريخ والسيرة والرجال والأعلام، وعليه فإن المذكور في المستشهدين في كربلاء هو إبراهيم بن الحصين الأسدي لا ما ذكره صاحب كتاب ياران(1)، ومن المعلوم أن بني رقاش(2) وبني أسد العدنانيين لا يلتقيان، فلا يمكن أذاً القول بأن إبراهيم بن الحصين الأسدي هو إبراهيم بن الحضين بن منذر الرقاشي(3).

        وبالعودة إلى إبراهيم بن الحصين الأسدي العدناني فإنه من المحتمل جداً وجوده في كربلاء واستشهاده، وليس فيه ما يمنع من ذلك، وعدم ذكره في مصادر أخرى لا يدل على عدم وجوده واستشهاده بعد علمنا بأن تراث أهل البيت عليهم السلام اغتالته يد العدوان ولم يكد يرى في تلك الفترات المظلمة شيء من تراثهم، ومن جهة أخر فلا يخالف هذا الاحتمال الموازين العلمية.

        وأخيراً فإن الحديث عن عمره يمكن أن يستفاد ممن أورد ذكره بأنه كان شجاعاً حيث قال: قتل جمعاً كبيراً وإن اختلفت المصادر في عدد من قتلهم، ولكن ما اتفقوا عليه أنه قتل جمعاً كثيراً بغض النظر عن الأرقام، ومن مثله لا يمكن أن يكون صغيراً بل فتى شاباً قد تجاوز العشرين من

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ياران پاپدار إمام حسين: 26.

(2) رقاش: بطن من بكر بن وائل من العدنانية، ورقاش اسم أمرأة هي أم ملكان وزيد مناة، عرفوا بها، وهي رقاش بنت الضبيعة بن قيس بن ثعلبة.

(3) راجع معجم قبائل العرب: 2/441، 3/1243، ومعجم الأنصار (غير الهاشميين): 1/72.

 

(36)

 

عمره، لتكو ولادته قبل وفاة أمير المؤمنين عليه السلام أي قبل سنة أربعين للهجرة.

        ولا نعلم هل أنه التحق بالحسين عليه السلام من مكة أو من الكوفة أو في الطريق بينهما، ولكن الظاهر أنه كان كوفياً حيث أن الغالب على الأسديين في العراق أنهم من العدنانيين وهو كان كذلك.

        وفي الختام لقد وجدنا في الرواة من إسمه إبراهيم بن الحصين بن عبد الرحمان، حيث ورد ذكره في الطبقات الكبرى(1)، إذ يروي عن داود بن الحصين عن عبد الرحمان بن جابر ـ الأنصاري ـ عن ـ أبيه جابرـ الأنصاري- في ذكر من نزل في قبر سعد بن معاذ الأنصاري المتوفى في الخامسة للهجرة، ولكنه بعد التحقيق وجدناه غيرمطابق مع من ذكر بأنه مستشهد في كربلاء، حيث أن حفيد عبد الرحمان هو إبراهيم بن الحصين بن عبد الرحمان بن عمرو بن سعد بن معاذ الأنصاري الأشهلي المدني المتوفى سن 126هـ(2)، وهو بالطبع مغاير مع الذي ورد ذكره في شهداء كربلاء.

        وفي نهاية المطاف وجدت في بعض المواقع أن أبراهيم بن الحصين جاء موصوفاً بالبارقي ثم الأزدي أو الأسدي وانه أخ أو شقيق للمستظل بن الحصين البارقي المكنى بأبي الميثاء(3) الراوي عن علي عليه السلام حيث عده صاحب الطبقات(4) من طبقة الكوفيين الذين رووا عن علي عليه السلام  وعمر، وقال هو من الأزد، وقال صاحب الجرح والتعديل(5) إنه روى عنه شبيب بن غرقدة، ولكن تذكر  المواقع التي ذكتره بأن المستظل هو شقيق لإبراهيم، ولا ندري على أي مصدر اعتمدوا، أو أنه مجرد احتمال، أو استحسان منهم، والله العالم، ولو صح ذلك فإبراهيم بارقي أزدي قحطاني

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الطبقات الكبرى: 3/432.

(2) راجع تهذيب التهذيب: 1/547.

(3) ورد إسمه في الإصابة: 3/492 مصحفاً «المستطيل بن حصن البارقي أبو مثنى»، وقال هو تابعي أدرك الجاهلية.

(4) الطبقات الكبرى: 6/129.

(5) الجرح والتعديل: 8/429.

(37)

 

 

حيث أن بني بارق بن عدي بن حارثة من الأزد(1) ولكن لا يمك البت بذلك بل مستبعد لأن ولادته كانت في الجاهلية، وبمقتضى أنه شقيق له، فلا بد أن يكون إبراهيم كبيراً.

        وبهذا القدر نكتفي لننتقل إلى شخصية أخرى، هذا وقد نظمنا في ابن الحصين القصيدة التالية المسدسة من بحر المتبوع المعضوب(2) بتاريخ: 16/5/1433هـ بعنوان: «كفى أسداً بالحصين فخرا».

 

بنو أسد في كربلاء قد حضورا               وكلهم غايات سبط نصروا(3)

فمن يمن كانوا قديماً هجروا                  بعاربة وصفا رديفا ذكروا(4)

وهم نسباً قحطان جداً شجروا(5)

وفي ربوات الأرض أيض انتشروا

عراق بهم قد أينعت في أمم           وكوفة كانت مرتعاً للقيم(6)

هناك بنو عدنان عند القدم            فهم أسد ليسوا بقوم ودم(7)

فلم تجدوا في أرضهم من قدم(8)

بقوا ببقاع هم به قد أثروا(9)

يفيك بقحطان وفياً رجل              يقال: لإبراهيم فينا أمل

فذا ابن حصين في حسين يصل              ولم يدع المولى وحيداً يغل(10)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع معجم قبائل العرب: 1/57.

(2) وزنه: مفاعلتن مستفعلن مفتعلن×2، أصله مفاعلتن مستفعلن مفاعلتن.

(3) السبط: الحسين عليه السلام.

(4) الرديف: التابع.

(5) شجروا: إشارة إلى شجرة الأنساب.

(6) المرتع: المنبت الخصب، والمنشأ.

(7) أي أن بني أسد العدنانيين ليسوا من نفس فصيلة بني أسد القحطانيين.

(8) القدم: يعني، الساكن المقيم.

(9) أثروا: إختاروا.

(10) يغل: يهلك.

(38)

 

 

كفى أسداً فخراً بمن لايشل(1)

لقد ثبت الشهم الذي يدكر

فمن لبني الزهراء يوماً وقفوا                خلود حياة مثلها لم يصفوا

ألا برزوا في حملة مذ قصفوا                فقد غمروا فضلاً كبيراً شغفوا

بوصف حكيم حبهم ما صرفوا(2)

فذا أسد الرحمان لما نفروا

وفي الأسدي المعتلى في النسب              أضف شرفاً يرضيك عند الحسب

وإن ضمر الفادي بنعت الذهب(3)            فلا يقف المنعوت وقف السبب

كذا جعل الباري شهيد الكرب

لنا مثلا في زمرة قد سبروا(4)

منازلهم معروفة في الفلك            هم أسس العدل الذي للملك(5)

فدوا بنفوس ما لها من ملك           سوى ملك الكون الذي لم يرك(6)

فمن يتغاضى عنهم في درك(7)

رثاؤك إبراهيم أمر خطر(8)

فما قطرات الدمع إلا درر            بواحدة منها تجلى السترُ

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) يشل: يضعف ويفتر.

(2) صرفوا: مالوا وانقطعوا.

(3) ضمر: هزل وضعف.

(4) سبروا: إمتحنوا واختبروا.

(5) الملك: الملائكة.

(6) ملك الكون: هو الله جل وعلا.

   يرك: ورك، اعتمد في جلسته على وركة، وأراد به مطلق الاعتماد، ويأتي بمنى الاضطراب أيضاً.

(7) الدرك: من أسماء جهنم.

(8) الخطر: الجليل: العظيم.

(39)

 

 

وفاض على الأبرار ما نوروا(1)     وسار إلى الإيمان صبراً صبروا

علام بقى جدب وهذا المطر؟

فداك حسين إنني معتذر(2)

فما عملي إلا بلاءً، فتن               حواك فؤادي مذ قلاة كفن(3)

وصدري قبر قد ملاه سكن           فلا لي خوف من جحيم تطن(4)

فقد وهب المولى وداداً يزن

ثقال جبال الأرض يا من خبروا(5)

فمن شهد الطف الذي كم يهج(6)              له بسويدا القلب مني وهج(7)

يضيء طريقاً حالكاً لويلج(8)         شغاف قلوب حبهم قد نهجوا

فنجل حصين شعلة قل: مهج(9)

وأختم قولي في رثا منجزروا(10)

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نوروا: أزهروا.

(2) حسين: التقدير: «فداك يا حسين».

(3) إشارة إلى أنه لم يكفن في كربلاء.

(4) تطن: تصوت، حيث ورد في قوله تعالى: (سمعوا لها تغيظاً وزفيراً) [الفرقان: 12].

(5) خبروا: عرفوا وأدركوا.

(6) يهج: يتقد، إشارة إلى وهج الحرب والقتال.

(7) سويداء: القلب حبته.

(8) يلج: يدخل.

(9) مهجة القلب: دمه، الروح، والتقدير قل هو مهج، وتجمع المهجة على مهج.

(10) جزروا: ذبحوا.

(40)

 

(2)

ابن عامر بن مسلم الأنماري

(ن 40ـ 61هـ = 660ـ 680م)

        ورد إسمه في الجمهرة(1) حيث جاء ذكره من دون أن يسميه، وذلك في ترجمة طريف بن أبان حيث قال ما نصه: ومن ولد طريف جعثنة بن قيس بن سلمة بن طريف بن أبان بالكوفة، وعامر بن مسلم بن قيس، قتل مع الحسين عليه السلام بالطف هو وابنه.

        وقال في جده طريف هو ابن أبان بن سلمة بن حارية [حارثة]، وفد على النبي ص.

        لم أجد من ذكر عامراً وابنه في جملة المقتولين في كربلاء، بينما ذكروا جعثنة (جعدة) وحبشة (حبشي) ابنا قيس بن سلمة (مسلمة) الأنماريان في المستشهدين في كربلاء كما في الإصابة(2) وغيرهما.

        وسنأتي على مزيد من التفاصيل في ترجمة أبيه عامر بن مسلم الأنماري، ولا يخفى لأنه غير متحد مع عامر بن مسلم العبدي، وإن كانا عدنانيين حيث يتصلان عند أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، ويفترقان في عميرة بن أسد والذي هو جد الأنماري هذا، وجديلة بن أسد، فعليه نسبه جاء كالتالي:

        ابن عامر بن عامر بن قيس بن مسلمة (سلمة) بن طريف بن أبان بن سلمة بن جارية بن فهم بن بكر بن عبلة بن أنمار بن مبشر بن عميرة بن أسد(3).

        بالنسبة إلى عمره فإن أباه حسب تقديراتنا ولد نحو سنة 20هـ ولا

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) جمهرة أنساب العرب لإبن الكلبي: 595.

(2) الإصابة: 2/106 و223.

(3) راجع جمهرة أنساب العرب: 293.

(41)

 

يمكن القول بأن إبنه عمرو حين استشهد كان عمره أقل من عشرين سنة، فعليه لابد وأن تكون ولادته سنة أربعين للهجرة، ليكون عمه جعبة قد ولد نحجو سنة 19هـ، والله العالم بحقائق الأمور.

        وقد نظمت في حقه قصيدة من بحر السبط المخبون المقطوع(1) بتاريخ: 27/1/ 1437هـ بعنوان: «مغيب الاسم»:

لعامر نجل به العلا يرجى            مغيب الاسم الذي به يسجى(2)

وجده ذا مسلم لأنمار          كذاك عدنان جرى بما يثجى(3)

بكربلا نصراً رجا على الأعدا               ء أنه سيف عليهم يحجى(4)

قضى شهيداً في الوغى بطف نا              صراً لنجل المرتضى وقد يخجى(5)

قصدت عن درء البلا عن المولى            بنينوى عند الفدا وان ادجى(6)

لم يخب ظني به لدى ظلم             سرى على آل التقى بما يزجى(7)

وقد مضى في ساحة المنى مثل              الذي تمناه بخوضة الهيجا(8)

حسين طاها قد فدا وهذا منـ          ـية له فابك الفتى بما يشجى(9)

له مقام شامخ لدى رب               العلى وفي روض الجنان لا يعجى(10)

هو الذي في جنة الولا جاد           وفي خلود الخلد ساكن يفجى(11)

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وزنه: مفاعلن فعلن× 4.

(2) سجى الليل: سكن ودام.
(3) ثجا: سكت.

(4) حجا القوم: كافاهم.

(5) خجى خجى: استحيا، أراد خجل من أنه لم يتمكن من درء الموت عن إمامه.

(6) أدجى الليل: آظلم، كناية عن الشدة والمنعة.

(7) زجا الشيء: ساقه.

(8) الهيجاء: الحرب.

(9) الشجى: الحزن مع الغصة.

(10) عجت الام والولد: أخرت رضاعه، أراد أنه ينعم عليه دون تأخير.

(11) أفجى الرجل: وسع النفقة على عياله، والمراد أنه موسوع الحظ والنعم.

(42)

 

(3)

إبن مسلم بن عوسجة الأسدي

(ن 16 ـ 61هـ = 637ـ 680م)

 

        كذا ورد وصفه في روضة الشهداء(1) واليك ترجمة النص الفارسي:

 «ذكر نور الأئمة: أن أبن مسلم- بن عوسجة- بعد مقتل أبيه خرج الى المعركة وهو باكٍ، فقال الإمام الحسين عليه السلام مخاطباً إياه: أيها الفتى إرجع، لقد قتل أبوك وإذا أنت قتلت فإن أمك لم يبق من يحامي عنها، عندها أراد الفتى أن يرجع، قالت له أمه وهي باكية: إبني إذا رجعت عن ساحة الحرب فإني لن أرضى عنك، توجه الابن إلى ساحة القتال، وشايعته أمه لتشجيعه على القتال، فكانت تنمي فيه روح الفداء، وأخذت تقول هل: يا مهجتي لا تخف من العطش فإنك سوف يسقيك في هذه الساعة ساقي كوثر بيديه فترتوي، عندها انطلق الفتى الى ساحة الحرب وقتل من القوم عشرين نسمة إلى أن أعياه القتال وهوى الى الارض فقطعوا رأسه ورموه إلى أمه، عندها حملت رأس ابنها وهي تبكي وتقول: أحسنت يا ولدي، وكل من نظر أليها أخذ يبكي».

        لابد هنا أن نتحدث عن أمرين، الأول عن المصدر، والثاني عن النص: فالمصدر الذي نقل عنه الكاشفي صاحب روضة الشهداء هو كتاب نور الأئمة هو لمحمد بن محمود الخوارزمي المتوفى سنة 655هـ، والمؤلف هو الواعظ الشيخ كمال الدين حسين بن علي الكاشفي السبزواري المتوفى سنة 910هـ، والذي كان من أعلام الإمامية، وقد ولد في سبزوار في إيران وسكن لفترة في هرات في أفغانستان، كان من العلماء ا0لمشاركين

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) روضة الشهداء: 371عن نور الأئمة لمحمد الخوارزمي.

(43)

 

في عدد من العلوم له مؤلفات ذكر منها: جواهر التفسير لكلام التقدير، ويذكر أيضا باسم العروس، ومنها: المواهب العلية في تفسير كتاب خالق البرية والمعروف بتفسير ملا حسين الكاشفي، وهو باللغة الفارسية كتبه للوزير الأرشد نظام الدين أمير علي الشيرواني، ومنها كتاب روضة الشهداء، ومنها كتاب أخلاق محسني الذي ألفه سنة 900هـ باسم أبي المحسن ميرزا شاهزاده التيموري وأهداه إياه، ومنها كتاب مخزن الإنشاد في الأدب والذي فرغ منه في سنة 907هـ، ومنها كتاب أنوار سهيلي، وقد حرره على شكل كليلة ودمنة لإصلاح الحكام في عصره، ومنها كتاب فتوت نامه، أي سلطاني في الأخلاق والآداب، ومنها كتاب لب لبان مثنوي، وقد لخص أشعار ديوان المثنوي، وكتاب أسرار قاسمي وهو في العلوم القديمة والغربية، وكتاب رسالة أي حاتمية، وهو في الحكايات الواردة عن حاتم الطائي وقد فرغ منه سنة 891هـ، وكان شاعراً أديباً، له أبيات في حق الإمام الحسين عليه السلام.

إذاً فالمؤلف علم من أعلام الفرس الذي عاش القرنين التاسع والعاشر الهجريين، وقد نقل هذا المقطع عن كتاب نور الأئمة الذي سبق وأشرنا أليه أنه من مؤلفات محمد بن محمود بن محمد بن حسين الخوارزمي المكنى بأبي المؤيد، المولود في خوارزم سنة 593هـ، والمتوفى في بغداد سنة 655هـ، عاش في مسقط رأسه، وحج وجاور المسجد الحرام، ثم ترك الديار المقدسة وسافر عن طريق مصر ودمشق ليصل بغداد، فاستقر فيها إلى أن مات، وقد درس وخطب فيها، ولذلك كان ينعت بالخطيب، وكان من العلماء الاحناف الموالين لأهل البيت عليهم السلام، له جامع مسانيد أبي حنيفة(1)، ويلقب بالترجماني والحنفي وينعت بالخطيب أبي المؤيد الفقيه(2)، إنما أوردنا هذا التفاصيل عن الشخصيتين لنصل إلى أنهما شخصيتان علميتان مما يمكن الاعتماد عليهما، وسوف ننقل عنهما في هذا الفصل نصوصاً، وبما أن هذه هي المحطة الأولى من الكتاب

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الاعلام للزركلي: 7/87.

(2) معجم المؤلفين: 12/5.            

(44)

 

        أوردنا ذكرهما، وبينا تفاصيل عنهما لكي لا نكرر الحديث عنهما في طيات العمل.

        والأمر الثاني أن هذه الأوصاف التي ذكرها المؤلف تنطبق على الشاب الذي قتل أبوه في المعركة والذي شخصه البعض بـ«عمرو بن جنادة السلماني»، حيث جاء النص كالتالي كما ف تسلية المجالس والذي مؤلفه من أعلام القرن العاشر الهجري ومن مصادر بحار الأنوار:

        «قال: ثم خرج شاب قتل أبوه في المعركة، وكانت أمه معه، فقالت له أمه:

        أخرج يا بني وقاتل بين يدي ابن رسول الله ص، فخرج.

        فقال الحسين عليه السلام: هذا شاب قتل أبوه، ولعل أمه تكره خروجه.

        فقال الشاب: أمي أمرتني بذلك، فبرز وهو يقول ـ من المتقارب-:

أميري حسين ونعم الأمير            سرور فؤاد البشير النذير

علي وفاطمة والداهُ                    فهل تعلمون له من نظير

له طلعة مثل شمس الضحى          له غرة مثل بدر منير(1)

        وقاتل حتى قتل، وحز رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام، فحملت أمه رأسه وقالت: أحسنت يا بني، يا سرور قلبي، ويا قرة عيني، ثم رمت برأس ابنها رجلاً فقتلته، وأخذت عمود خيمة وحملت عليهم، وهي تقول:

أنا عجوز سيدي ضعيفة              خاوية بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة                دون بني فاطمة الشريفة(2)

        وضربت رجلين فقتلتهما، فأمر الحسين عليه السلام بصرفها ودعا لها(3).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ديوان القرن الأول: 1/248.

(2) راجع أيضاً ديوان القرن الأول: 2/45.

(3) تسلية المجالس وزينة المجالس: 2/297.

(45)

 

        وتحديد اسمه جاء في إبصار العين(1) والذي سماه عمر بن جنادة بن كعب بن الحرث الانصاري الخزرجي وهذا نصه:

        «كان عمر غلاماً جاء مع أبيه وأمه، فأمرته أمه بعد أن قتل أبوه في الحرب، فوقف أمام الحسين عليه السلام يستأذنه، فلم يأذن له، فأعاد عليه الاستذان».

        قال أبو مخنف: فقال الحسين: «إن هذا غلام قتل أبوه في المعركة ولعل أمه تكره ذلك».

        فقال الغلام: إن أمي هي التي أمرتني.

        فإذن له، فتقدم إلى الحرب، فقتل وقطع رأسه ورمي به إلى جهة الحسين عليه السلام، فأخذته أمه وضربت به رجلاً فقتلته، وعادت لى المخيم فأخذت عاموداً لتقاتل به، فردها الحسين عليه السلام.

        وجاء المحقق لإبصار العين في طبعته الثانية فزاد عليه هامشاً ونسب ما نقله المؤلف إلى مقتل الحسين للخوارزمي ولكن ما هو موجود في المقتل(2) غير محدد بشخص، وإنما نقل كما نقلناه عن تسلية المجالس، وأما ما ورد في نص كلامه، أنه قال أبو مخنف: ولكننا لم نحصل على ما نقله في المقتل الشائع المنسوب إلى أبي مخنف شيءُ من الحدث كله، ولا في تاريخ الطبري الذي كثيراً ما يروي عن أبي مخنف، وهذا التحديد ورد في عدد من المؤلفات الحديثة نذكرها للإطلاع:

        ذخيرة الدارين(3) لعبد المجيد بن محمد رضا الحائري المتوفى سنة 1345هـ، ثم تنقيح المقال(4) لعبد الله بن محمد حسن المامقاني المتوفى سنة 1351هـ، ثم الأعيان(5) لمحسن بن عبد الكريم العاملي المتوفى سنة 1371هـ، وإبصار العين(6) لمحمد بن طاهر السماوي المتوفى سنة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إبصار العين: 147.

(2) مقتل الحسين للخوارزمي: 2/22.

(3) ذخيرة الدارين: 431باس عمرو بن جنادة بن كعب.

(4) تنقيح المقال: 2/327 باسم عمرو بن جنادة بن كعب الخزرجي النخرجي.

(5) أعيان الشيعة: 1/606باسم عمر بن جنادة بن الحارث السلماني.

(6) إبصار العين: 174باسم عمرو بن جنادة بن كعب الخزرجي.

(46)

 

1370هـ، ثم مقتل الحسين(1) لعبد الرزاق بن محمد المقرم المتوفى سنة 1391هـ، ثم مقتل الحسين(2) لمحمد تقي بن حسن بحر العلوم المتوفى سنة 1393هـ، ثم فرسان الهيجاء(3)، لذبيح الله بن محمد علي المحلاتي المتوفى سنة 1406هـ، ثم ياران(4) لمحمد الهادي بن عبد الله بن عبد الحسين الأميني المتوفى سنة 1421هـ، ثم وسيلة الدراين(5) لإبراهيم بن ساجد الزنجاني المتوفى سنة 1422هـ، إلى غيرهم.

        وهناك من ذكر بأن هذا الشاب هو ابن مسلم يبن عوسجة الأسدي ولم يحدد، ومن أبرز تلك المصادر: روضة الشهداء(6) لحسين بن علي الكاشفي المتوفى سنة 910هـ، وتبعه نفس المهموم(7) لعباس بن محمد رضا القمي المتوفى سنة 1359هـ، نقلاً عن روضة الأحباب(8) لعطاء الله بن فضل الله الدشتكي الذي فرغ منه سنة 888هـ(9)، ومن المعلوم أن الكاشفي في الروضة نقل عن نور الأئمة للخوارزمي المتوفى سنة 655هـ.

        وهناك من احتمل أنه ابن مسعود بن الحجاج التيمي كما في هامش نفس المهموم(10) ليكون الابن هو عبد الرحمان كما ورد في الحدائق الوردية(11) لحميد بن أحمد البراقي المتوفى سنة 652هـ من دون تفصيل أو ذكر عن المراد بالشاب الذي قتل أبوه في المعركة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقتل الحسين: 253باسم عمرو بن جنادة الانصاري.

(2) مقتل الحسين: 411باسم عمرو بن جنادة بن كعب الخزرجي.

(3) فرسان الهيجاء: 2/4باسم عمرو بن جنادة بن كعب الخزرجي.

(4) ياران پايدار إمام حسين: 129 باسم عمرو بن جنادة بن كعب الخزرجي.

(5) وسيلة الدارين: 174 باسم شاب قتل أبوه في معركة كربلاء إسمه عمور بن جنادة الخزرجي.

(6) روضة الشهداء: 371.

(7) نفس المهموم: 266.

(8) نقلاً عن نفس المهموم.

(9) ومال إلى كونه ابن مسلم، الحائري في شجرة طوبى: 1/48 نقلاً عن ناسخ التواريخ: 2/277.

(10) نفس المهموم: 266مستدلاً بأنه ورد في زيارة الناحية «السلام على مسعود بن الحجاج وابنه» نقلاً عن المؤلف عباس القمي.

(11) الحدائق الوردية: 1/249.

(47)

 

        وأما معظم المصادر القديمة لم تشخص الشاب بل ذكرته بوصف الشاب الذي قتل أبوه في المعركة، ومنهم الخوارزمي الموفق بن أحمد المتوفى سنة 568هـ في مقتل الحسين(1)، ومنهم لم يورد ذكراً لهذا الشاب كأبي مخنف لوط بن حييى الأزدي المتوفى سنة 157هـ في مقتله، ولا الفضيل أبن الزبير الأسدي المتوفى حدود سنة 148هـ في تسمية من قتل مع الحسين(2) حيث ذكر جنادة بن الحارث السلماني ولم يذكر أن له إبناً قتل في المعركة، ولا ذكره جعفر بن محمد (ابن نما) الحلي المتوفى سنة 680هـ في مثير الأحزان.

        وعلى كل حال فإن هناك خلطاً وقع من بعض المؤلفين في مواقع مختلفة نذكرها في نقاط.

        1ـ إن أسم عمرو أو عمر، حيث أن صاحب الأعيان والإبصار ذكراه عمر، ولكن الغالب ذكروه عمرو ويمكن أن يعزى ذلك الى التصحيف أو الخطأ امطبعي أو سقوط الواو بأي شكل من الاشكال، والاعتماد عل عمرو ربما يكون هو الأولى، لتفرد المصدرين الأعيان والإبصار بذلك، وكلاهما في عصر واحد حيث توفيا في سنة 1371هـ.

        2ـ إن أسم أبيه هل هو جنادة بن أبي كعب أو كعب أو الحرث (الحارث)، والواقع أن الذي ذكره بوصف «ابن كعب» هو صاحب التنقيح، وهو مخالف لغيره ولايمكن الاعتماد عليه ولم يذكر مستنداً لكلامه، مما جعل صاحب القاموس(3) يبت بأنه ليس بابن كعب بل هو إبن الحرث (الحارث)، وفي تحقيقاتنا حول الاسمين جنادة بن الحارث السلماني وجنادة بن كعب الخزرجي توصلنا إلى أنهما شخصيتان لا ختلاف المعلومات عنهما، على تفصيل سيأتي بيانه في ترجمتهما في حرف الجيم، ومن المعلوم أن الخزرجي والسلماني لا يجتمعان ولو كانا من القحطانيين(4)، وأما وصفه بالأنصاري فإن هذا الوصف يطلق على كل من

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) مقتل الحسين: 2/21

(2) تسمية من قتل مع الحسين: 154 (مجلة تراثنا: العدد الثاني).

(3) قاموس الرجال: 8/73.

(4) راجع معجم الأنصار (غير الهاشميين): 1/110و 127.

(48)

 

كان مدنياً، ولم يهاجر من مكة، فلا يعتمد، إلا أنه غلب إطلاقه على الخزرجين.

        وأما من ذكره بأن أسم أبيه أبو كعب إما من التصحيف أو الوهم، والمرجح بأنه من التصحيف أو الخطأ المطبعي، لأنه ذكر أباه جنادهة قال:«جنادة بن كعب» من دون ذكر لفظ «أب».

        ومن موارد الخلط أن جد جنادة الخزرجي هو الحارث، ووالد جنادة الخزرجي هو الحارث أيضا وربما بعضهم اختصر النسب، فقال جنادة بن الحارث الخزرجي فزاد في الخلط نقطة أخرى.

        وحتى تتضح الصورة فإن السلماني مرادي مذحجي، وأما الخزرجي فهو أزدي، حيث أن الخزارجة أربع قبائل إحداها يتصل نسبها بالأزد ع طريق مازن (غسان) بن الأزد.

        3ـ الإنشاء حيث أن أحدهما أنشد يوم عاشوراء أبياتاً من الكامل والتي أولها:

       

أضق الخناق من ابن هند وارمه             من عامه بفوارس الأنصار(1)

        والذي هو منسوب إلى السلماني تارة والى يحيى بن كثير الأنصاري تارة أخرى، والذي تمكنا من فك الخلط بينهما بشكل فني وليس بشكل تاريخي، والمهم اننا لم نجد احداً  نسبه الى جنادة بن كعب الخزرجي، مما يدل على أن عمرو بن جنادة المذكور رجزه كان كبيراً في العمر ولم يكن غلاماً، والمصادر تشير إلى أنه خرج بعد أبيه وهو يرتجز هذه الأبيات، وللتحقق من ذلك يمكن مراجعة كتاب الفتوح(2)، ومن هنا إذا ما كان كذلك فإن الذي قال أن الشاب هو عمرو بن جنادة، لابد وأن يقول بأنه خزرجي وليس سلماني، وهذا قول أكثر المتأخرين والمعاصرين.

          ومما تقدم، فالقانون بأن أسمه هو عمرو بن جنادة فلا بد أن يكون نسبة كالتالي: عمرو بن كعب بن الحارث الخزرجي الأزدي الأنصاري،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ديوان القرن الأول: 1/195.

(2) الفتوح: 5/205.

(49)