معجم  أنصار الحسين عليه السلام  (غير الهاشميين)  (الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (غير الهاشميين) (الجزء الثاني)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

 

        وأما عن حضوره كربلاء، فقد ورد في أقدم نص عندنا وهو كتاب تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام، والذي توفي مؤلفه الزبيري في حدود سنة 148هـ، حيث ذكر شهداء كربلاء، وتحت عنوان «وقتل من عبد القيس من أهل البصرة(1) الاهم بن أمية» ولم يزد، وملخصه أن الأدهم بن أمية العبدي البصري قتل في كربلاء مع الحسين عليه السلام ولم يذكر شيئاً آخر.

        ويأتي بعده صاحب الحدائق الوردية(2)  حيث هوالآ خر ذكره في عداد المستشهدين مع الحسين عليه السلام ومؤلفة البراقي المتوفى سنةة 652هـ، وكل المتأخرين عنهما نقلوا عنهما ثم بسطوا  في الكلام والحديث.

        وجاء صاحب التنقيح(3) المتوفى سنة 1351هـ وأخذ من صاحب الذخيرة المتوفى سنة 1345هـ بعض الأمور وزاد عليه فقال ما نصه:

        «الأدهم بن أمية العبدي البصري: عن علي بن سعد في محكي الطبقات: أن أباه أمية صحب النبي ص ثم سكن البصرة وأعقب بها(4)، وعن أبي جعفر: أن الأدهم بن أمية كان من شيعة البصرة الذين يجتمعون عند مارية وكانت مارية إبنة منقذ أو سعد العبدية تتشيع، وكانت دارها مألفاً للشيعة يتحدثون فيها، وقد كان ابن زياد بلغه إقبال الحسين عليه السلام ومكاتبة أهل العراق له، فأمر عامله أن يضع المناظر، ويأخذ الطريق، فأجمع يزيد بن ثبيط على الخروج إلى الحسين عليه السلام وكان له بنون عشرة، فدعاهم إلى الخروج معه وخرج الأدهم بن أمية مع يزيد بن ثبيط وإبناه عبد الله وعبيد الخروج معه وخرج معه وخرج الأدهم بن أمية مع يزيد بن ثبيط وإبناه عبد الله وعبيد الله حتى انتهى إلى الحسين عليه السلام وهو بالأبطح من مكة...» إلى آخر كلامه.

        وما يرد على كلامه ما ورد من التصحيف أ،ه سمى صاحب الطبقات بعلي بن سعد، والحال أن إسمه محمد بن سعد، ثم أنه نقل ما ورد في الذخيرة، ولكنه أضاف على الذخيرة إقحامه إسم الأدهم في كونه كان من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تسمية من قتل مع الحسين: 153، مجلة تراثنا القمية، العدد الثاني.

(2) الحدائق الوردية: 1/249 وهو مطابق للتسمية، وفي الغالب أنه يعتمد عليه وينقل كلامه حرفياً.

(3) تنقيح المقال: 1/106.

(4) إلى هنا مأخوذ من الذخيرة.

(74)

 

شيعة البصرة وكان يجتمع عند مارية، ناقلاً ذلك عن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري برواية أبي مخنف، ولكن تاريخ الطبري خال عن إسم أدهم بن أمية حيث يقول ما نصه:

        «قال أبو مخنف: وذكر أبو المخارق الراسبي، قال اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة في منزل أمرأة من عبد القيس يقال لها مارية ابنة سعدـ أو منقذ ـ أياماً، وكانت تتشيع، وكان منزلها لهم مألفاً يتحدثون فيه، وقد بلغ ابن زياد إقبال الحسين عليه السلام فكتب إلى عامله بالبصرة أن يضع المناظر ويأخذ الطريق.

قال: فأجمع يزيد بن نبيط الخروج- وهو من عبد القيس- إلى الحسين عليه السلام وكان له بنون عشرة، فقال: أيكم يخرج معي؟ فانتدب معه إبنان له: عبد الله وعبيد الله، فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة: إني قد أزمعت على الخروج وأنا خارج، فقالوا له: إنا نخاف عليك أصحاب ابن زياد، فقال: إني والله لو قد استوت أخافها بالجدد لهان علي طلب من طلبني.

قال: ثم خرج فتقدى في الطريق حتى انتهى الى الحسين عليه السلام، فدخل في رحلة بالأبطح، وبلغ الحسين عليه السلام مجيئه، فجعل يطلبه، وجاء الرجل إلى رحل الحسين، فقيل له: قد خرج إلى منزلك، فأقبل في أثره، ولما لم يجده الحسين عليه السلام جلس في رحلة ينتظره، وجاء البصري فوجده في رحله وجلس إليه، فخبره بالذي جاء له، فدعا له بخير، ثم أقبل معه حتى أتى فقاتبل معه، فقتل معه هو وإبناه»(1).

إن صاحب الذخيرة نقله بإختصار، ولكنه لميضف عليه إسم الأدهم، ولكن صاحب التنقيح هو الذي أضاف إسمه، وهو أ/ر غريب، ونستبعد أن تكون لديه نسخة من تاريخ الطبري فيها هذه الزيادة، ومع هذا فقد تتبعنا بعض النسخ فلم نجد فيها هذه الزيادة(2) ثم أن صاحب الذخيرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تاريخ الطبري: 3/278 استقطعنا موضع الحاجة.

(2) راجع مقتل الحسين لأبي مخنف المأخوذ من تاريخ الطبري: 18، وهذا ما توصل إليه صاحب قاموس الرجال: 1/705.

(75)

 

نقل عن الحدائق ما نقله صاحب التنقيح بأن «أدهم لما كان يوم الطف وش القتال بين يدي الحسين عليه السلام وقتل من أصحاب الحسين عليه السلام رضوان الله عليهم»، ولكن هذا كله لا وجود له في الحدائق(1) بل الموجود أنه من شهداء كربلاء، ولم يزد إلا أنه عبدي بصري، كما في التسلية أيضاً، والقول بأنه من الممكن أن تكون هناك نسخة ثانية مستبعد، حيث لدينا نسخة أخرى فلم نجده فيها، ولم تذكر المصادر مثل هذا، وإن صاحب المناقب(2) عند ذكره لمن قتلوا في الحملة الأولى لم يورد أسمه، ويؤكد ذلك صاحب الإبصار(3) حيث يقول: «قال صاحب الحدائق: قتل مع الحسين عليه السلام ولم يذكر غير ذلك»، ولكنه استدرك قائلاً: وقال غيره قتل في الحملة الأولى مع من قتل من أصحاب الحسين عليه السلام، ويبدو أنه أخذ ذكل من التنقيح أو الذخيرة.

        وقوله: «إن صاحب الحدائق لم يذكر غير ذلك» يريد بذلك الرد على صاحب الذخيرة والتنقيح، والله العالم بحقائق الامور.

        وسار على ذلك صاحب الأدب(4) من دون أن يحقق في ذلك، فنسبه إلى الطبري، وأما مزج المقرم في مقتله(5) فمن الواضح أنه أخذ من التنقيح والذخيرة، ومن هنا فإن محققة مزج كلامه منهما.

        وأخيراً، نشير إلى كتاب معاصر(6) فإنه ذكر الأدهم في شهداء كربلاء، وقد استند إلى ثلاثة مصادر: التسمية للزبيري، ورجال الطوسي، والأمالي للشجري، أما الأول فقد سبقت الإشارة إليه، وأما في الأمالي والرجال فلم نجد له ذكراً فيهما ألا أذا في أمية بن مخشي الخزاعي الذي أورده صاحب الذخيرة، حيث جاء في الرجال: «أمية بن مخشي الخزاعي أبو عبد الله، سكن البصرة»(7) وقد سبق وقلنا إنه من الخلط الذي وقع فيه صاحب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق الوردية: 1/248.

(2) مناقب آل أبي طالب لإبن شهر آشوب: 4/113.

(3) إبصار العين: 206.

(4) أدب الطف: 1/124.

(5) مقتل الحسين للمقرم: 144.

(6) معجم أنصار الحسين (غير الهاشميين): 1/55.

(7) رجال الطوسي: 6.

(76)

 

 

الذخيرة، وأما صاحب مستدركات علم الرجال(1) فإنه أخذ من المامقانيين صاحب التنقيح السابق الذكر، وصاحب عطية الذرة(2).

        ومن المفترض من مثله مع عدم وجود معلومات عنه غير القول بمشاركته في كربلاء واستشهاده وكونه موصوفاً بالبصري أن يكون من أبناء البصرة ومواليدها، فإذا كان أبوه قد سكن البصرة عند تمصيرها سنة 14هـ (653هـ) وأنه ولد فيها بعد سكنى أبوه، فلربما كانت ولادته بعد سنة 15هـ، حيث لم يكن في معركة صفين أو الجمل ـ مثلا- له مقومات المشاركة في المعركة مع ما عرف من بني عبد قيس من ولاتهم لعلي عليه السلام وآله، حيث لم نجد له ذكراً ألا في كربلاء، والله العالم بحقائق الأمور.

        ومن باب الاحتمال أيضاً يمكن أن يكون قد خرج كما نقل مع يزيد بن ثبيط العبدي وإبناء إلى مكة والتقيا بالأمام الحسين عليه السلام في الأبطح باعتبار أنه عبدي وهم من نفس القبيلة.

        وممن مدحتهم ورثيتهم المترجم له بقصيدة من بحر الرجيز المثمن المرفوع المنشور(3) بتاريخ: 16/ 5/1433هـ بعنوان: «شاد بني الدين»، وقد رصعت أول البيت وآخره بمفردة واحدة مختلفة المعنى:

عادوا بنا للخنا بعدما لنا عـــادوا(4)          قادوا حروباً بها للجهالة انقـــــــــــــــــادوا

حادوا إلى كربلاء غدرة وفي ظلم            جاروا على سبط طاها عن الهدى حادوا(5)

_______________
(1) مستدركات علم رجال الحديث: 1/532.

(2) عطية الذرة إلى رئيس الملة: 81 ليوسف على بن حسين المامقاني المطبوع بطهران سنة 1324ش (1364هـ) كذا ورد في الذريعة: 15/278، والاسم الكامل للكتاب عطية الذرة إلى رئيس الملة في مقاتل أبرار الأمة، مؤلفه هو يوسف على المرقالي الافتخاري (1333- 1392هـ)، كان من العلماء الفقهاء، له أربعة عشر مؤلفاً في الفقه والأصول والعقائد والتاريخ، ولد وتوفي في مامقان في إيران، والكتاب في مقتل الإمام الحسين  ومن معه، وفي الفصل السادس ذكر أسماء الشهداء، وهو من المتأخرين.

(3) وزنه: مستفعلن فاعلن مفاعيلن ×2، والذي أصله مستفعلن مستفعلن مفاعيلن مفاعيلن.

(4) عادوا الأولى من العودة، والثانية من العداء.

(5) حادوا الأولى مالوا إلى، والثانية مالوا عن.

(77)

 

صادوا رسول التقى صحبة على قهــــر     ماتوا صدى، ثم هم كالبعــير هم صـادوا(1)

فادوا  البرايا سلوكاً بنهجهم حتـــــــــى       عــــــــند الردى ماونوا قــط ليتهــم فادوا(2)

زادوا تقى في الدنى ذاك أدهم منهــــــم      إذ كلهم بـــــــــــالفدا والــولا عــلا زادوا(3)

نادوا إلى نصرة السبط حينما أبنــــــــا       ء المرتضى غربـــــوا غيلة فـــما نــادوا(4)

شادوا بنى الدين في كربلا وهو نور الـ   ـباري فمن بصرةٍ قــــد أتوا هـــنا شــادوا(5)

جادوا بنفس غلت حينما حســــــــين نا      جاهم بيوم الردى في جـــيــادهم جــادوا(6)

هادوا إلى الفضل من أحمد كراماً نـحـ       ـو الحرب يوم الخنا أقدمـــوا فــما هادوا(7)

سادوا الورى ههنا بل وفي جنان الأخـ       ـرى حيث روح الهدى مع إمامهم سادوا(8)

بادوا لأجل المنى عن عقيدةٍ فارثـــــوا       عــــــــــبديهم أدهماً والعــنوا العدا بادوا(9)

        وقلت أيضاً في حقه من بحر المبسوط(10) بعنوان «علمتنا كربلاء» بتاريخ: 3/5/1432هـ:

لذ بمولى مــــــــــــــــــنه فهم الــمبهم                مــــــثلــــــــــــــما لاحظت ذا في الأدهم

____________
(1) صادوا الأولى من الصيد، والثانية مشتق من الصاد وهو داء البعير فيصاب بالنزف من أنفه.

(2) فادوا الأولى من الإفادة، والثانية من الفداء والفناء في سبيل الحق.

(3) زادوا الأولى من التزود بالمتاع، والثانية من الزيادة والإضافة.

(4) نادوا الأولى من النداء حيث استنصروا للحسين «عليه السلام» وطلبوا من الأمة النصرة له، والثانية من النعاس وأراد أنهم لم يتقاعسوا.

(5) شادوا الأولى بمعنى الإنشاء والبناء، والثانية بمعنى هلكوا وماتوا.

(6) جادوا الأولى من الجود والفداء، والثانية من حسن الجياد والأعناق كدلالة على الجمالية.

(7) هادوا الأولى من الهداية أي أصلحوا، والثانية من الفزع أي لم يفزعوا من حرب وقتال الأعداء.

(8) سادوا الأولى من السيادة والزعامة، والثانية من ساره إذا ألقى إليه بسره.

(9) بادوا الأولى بمعنى هلكوا، والثانية تعني سكنوا البادية كناية عن الابتعاد عن الحضارة.

(10) وزنه: فاعلن، مستفعلن ×2.

(78)

 

علمتنا كربلاء درساً فــــــــــــــمن            يقتبس من ضوئها يغــــــــنم(1)

من سوى سبط الرسول المصطفى           ذاك نبع قد روى عن ملــــــهم

فاز في الأخرى سعــــــــــيد أدهم            من فدى حقاً حسيناً بالــــــــدم

كن لعبدي نصيراً راثيـــــــــــــــا             إنه حر أتى في المعــــــــــــلم

قاصداً صد العدا عـــــــــــــن قائدٍ           قد حمى ديناً بأهل كـــــــرم(2)

كل من يجري على أرض الـــولا            من كبير أو صغير مسلـــــــم

أهلكوا أو أسروا ظلماً بــــــــــأمـ             ـر العدا في واقعٍ لم يرحـــــم

قاوم الأنصار في دفع الـــــــردى             عن إمام خاضع للــــــمنعم(3)

هل أتى في هل أتى أمر لمـــــــا              يهتدي الإنسان عند المـــرجم

إنني أرثى قتى قرماً جـــــــــرى              في الوغى من سيفه لم يثلم(4)

كان صقراً في البرايا ينتقـــــــي              قائداً أو طاغياً في الــــميتم(5)

_________________

(1) المغنم: الفوز، والربح.

(2) الكرم: المكرمون المعظمون.

(3) المنعم: هو الله سبحانه.

(4) يثلم: يكسر.

(5) الميتم: الحرب.

(79)

 

(80)

 

(6)

إسحاق بن مالك الأشتر

(11- 61هـ = 632- 680م)

 

        الاسم والنسب: هو اسحاق بن مالك الأشتر بن الحارث بن الغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن سعد بن مالك الثاني ابن النخع بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك الأول بن أدد بن زيد الثاني ابن يشجب الثاني ابن عريب بن زيد الأول ابن كهلان بن سبأ بن يشجب الأول ابن يعرب بن قحطان(1) بن عابر(2).

        إذاً هو نخعي كهلاني قحطاني يمني مدني كوفي؟

        وحسب تحقيقاتنا في ولادته أنه ولد سنة 11هـ في المدينة ويعد الابن الثاني لمالك حيث سبقه إبراهيم الذي ولد في السنة التاسعة للهجرة في اليمن، وولد لأبيه من الإخوة إثنان بعده، هما علي ومحمد المؤمن، وهناك من ذكر عبد الله، وحسب المعطيات لابد وأن تكون ولادته في اليمن على الأقل في السنة الرابعة للهجرة، وسنأتي على ذكره، وكانت هجرة أبيه من اليمن إلى المدينة في حدود 15/ 1/11هـ(3).

        وأما بالنسبة إلى حضوره كربلاء واستشهاده فإن أول من أورد ذكره حسب ما اطلعنا عليه هو صاحب الأسرار، وجاء نصه كالتالي:

        «فلما قتل حبيب بان الانكسار في وجه الحسين «عليه السلام» فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وعند الله تعالى تحتسب أنفسنا، رحمك الله يا حبيب،

___________
(1) ومن قحطان إلى آدم «عليه السلام» أربعة عشرة أبا يعلون قحطان.

(2) راجع كتابنا (إنه المؤمن حقاً): 270 (مخطوط).

(3) راجع المصدر السابق (مخطوط).

 

 (81)

 

لقد كنت فاضلا تختم القرآن في ركعة واحدة، ثم بكى عليه وبكى الأنصار، ثم نادى الحسين «عليه السلام»: من يبرز إلى هؤلاء الملعونين.

        فبرز إليهم شيخ يقال له إسحاق بن مالك الأشتر، أخو إبراهيم بن مالك الأشتر وهو ينشد ويقول شعرا:

نفسي فداكم طاعنوا وجالــــــدوا

حتى يبان منكم المجاهــــــــــــــد

وأرجلا تتبعها ســــــــــــــــواعد

في نصر مولاي الحسين العابد(1)

بذاك أوصانا الـــــــكريم العابد(2)

بنصر ابن المرتضـــى يا جاحد

        قال: وجعل يقصد أصحاب الرايات ويطعن في صدورهم، حتى قتل منهم جماعة، فوقف يستريح، فحرضه أصحاب الحسين على الجهاد، وشوقوه إلى الجنات، فحمل على القوم، وأنشأ يقول شعرا:

يا لك يوماً كاسفا وصعبـــــا

يا لك يوماً لا يواري كربـــا

يا أيها الباغي الذي ارتكبــا

فلا نخاف الموت لما قربـــا

لأن فينا بطلاً مجربــــــــــا

أعني الحسين عندنا محببــا

فالنفس فينا للقتال تطلبــــــا

نفديه بالأم ولا نبغي الأبا(3)

______________

(1) بتقدير هذا العابد.

(2) في المصدر كان مكان الكريم نقاط فارتأينا أن يكون «الكريم» هي الكلمة الساقطة، راجع ديوان القرن الأول: 1/127 وأراد به أبو مالك الأشتر، وهو من الرجز المشطور.

(3) وهو من الرجز المشطور، راجع ديوان القرن الأول: 1/32.

(82)

 

        قال: فحمل عليهم، وأباد الفرسان، وقتل الشجعان، حتى قتل من القوم أزهى على خمسمائة فارس، وقتل رحمة الله عليه.

        وخرج من بعده أحمد بن مسلم بن عقيل فاستأذن من الحسين «عليه السلام» للبراز فأذن له، فبرز...»(1).

        لا شك أن صاحب الأسرار قد تفرد في نقله لهذه الشخصية، وللعلم فإن الناقل من كبار علماء الأمامية ألا وهو الشيخ آغا(2) بن عابد بن رمضان بن زاهد الشيرواني الدربندي الحائري الرازي(3)، ولد في دربند(4) سنة 1208هـ تقريباً، وتوفي في طهران سنة 1285هـ.

        كان عالما فقيها وأصوليا حاذقا ورجاليا مرموقا مشارك في علوم الفقه والأصول والعقيدة والرجال والتاريخ والسير، ممدوحاً من قبل الفقهاء والعلماء، ولفضه وعلمه لقب بالفاضل فعرف بالفاضل الدربندي، وصف بالفقيه الأصولي والمتكلم المحقق المدقق والجامع للمعقول والمنقول، سكن كربلاء ودرس فيها على أعلامها، وجاهد ضد البابية وكاد أن يغتال، ثم إنه خرج للجهاد ضد الروس عند احتلالهم لبلاد المسلمين، وله من المؤلفات: خزائن الأحكام في الفقه، والرسالة العملية التي كتبها لمقلديه، والمسائل التمرينية، وخزائن الأصول، وكتاب العناوين في الأصول،

______________
(1) أسرار الشهادة: 2/222.

(2) آغا: هنا اسم مستخدم في اللغة الفارسية وهي محرفة من آقا، والتي تعني السيد، فكما أن العرب وبالأخص في مصر يعدون مفردة «سيد» إسم علم فكذلك آقا عند الفرس، وللعلم فإن الفرق بين آغا بالغين المعجمة وآقا بالقاف المثناة المعجمة أن الأولى تستخدم بمعنى السيدة تكريماً واحتراماً للنساء، فيما إذا استخدمت قبل اسم العلم وقد تؤخر، فيقال آقا جعفر أو جعفر آقا، ولا يخفى أن لكلا  المفردتين معاني أخرى، وما ذكرناه هو الأنسب، وكثير من عامة الناس يستخدمون إحداهما بدلا عن الثانية، وقد شاع عند العرب المعايشين للفرس أو العكس تعريب آقا إلى آغا بالغين ويراد منه السيد الكبير.

(3) ينسب إلى شيروان والتي كانت أصوله منها، ويوصف الدربندي لأنه ولد فيها، والحائري لأنه سكنها، والرازي لأنه سكن طهران ومات فيها.

(4) دربند: تعد من قرى طهران عاصمة إيران.

(83)

 

وحجية الأصول المثبتة، والفن الأعلى في العقائد، والقواميس في الرجال، وكتاب الدراية، والجوهرة في الاصطرلاب، والإكسير، وجواهر الإيقان وهو مقتل فارسي، وسعادت ناصري مقتل آخر باللغة الفارسية، وإكسير العبادات في أسرار الشهادات والمعروف بأسرار الشهادة- والذي منه نقلنا هذا الموضوع هنا-، وهذه المؤلفات الأربعة عشر تدل على مدى علميته وتحقيقه، مما لا يليق القول عنه بعدم اعتبار ما ينقله رغم أنه يعلق على كل ما ينقله بدقة وإمعان، ويفند ما لم يطابق الموازين العلمية، وأما الكتاب الذي نقل عنه هذا المقطع أعني المجلس السابع من كتابه حرفياً فإنه علق عليه في النهاية.

        أما الكتاب الذي نقله عنه فهو منسوب إلى شهاب الدين العاملي، فمن هو المؤلف، وما هو موقع هذا الكتاب نترك الحديث عنه في جانب من جوانب هذا السؤال إلى مؤلف الأسرار نفسه ليدلي برأيه إذ يقول في التذييل على المجلس السابع الذي ورد فيه ذكر إسحاق بن مالك الأشتر قائلاً:

        «إعلم: أن هذه النسخة التي نقلت ما في هذا المجلس عنها، إنما هي ملك للسيد العلوي من المعاصرين، إسمه السيد جعفر، وهو كأبيه وجده من قراء المراثي وذاكري مصائب آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجالس الأعاظم ومآدب الأفاخم من أهل كربلاء، وهذا السيد الجليل يحدث عن أبيه وهو عن جده: أن هذه النسخة إنما هي من مصنفات الشيخ الجليل شهاب الدين العاملي، فهذه النسخة ليس في أولها ديباجة حتى يعلم بسببها ما إسم المصنف، ومع ذلك فهي غير تامة، بل إنها كراريس معدودة وأجزاء يسيرة، غاية كتابتها بحساب الكتابة أربعة آلاف، بل أنقص، فابتدأ فيها بذكر كيفية خروج سيد الشهداء من المدينة إلى مكة، فيذكر فيها الروايات والأحوال على الترتيب، وآخر ما فيها مقدار ورقتين من كيفية شهادة سيد الشهداء.

        وكيف كان، فإن شذوذية وغرابة ما فيها أي ما نقله عنها في كيفية شهادة سيد الشهداء وأقرابائه أظهر من أن يبين، وكيف لا فإنه قد ذكر فيها أن جمعاً كثيراً من هؤلاء الأنصار والأقرباء الذين ذكرت أساميهم فيها قتلوا

(84)

 

كذا وكذا، أي من خمسين وستين، ومائة ومائتين، وثلاثمائة وأربعمائة، وخمسمائة وستمائة، وهكذا إلى أن ينتهي إلى ألف وألفين، فهذا كما ترى مما يستشم منه علامة الوضع وإمارة الكذب، وعدم صحة الإنتساب أي انتساب هذه النسخة إلى من تنسب إليه، أي «شهاب الدين العاملي»، على أن أكثر ما فيها إنما هو على نمط الإرسال والإطلاق، ولاسيما ما نقلناه عنها في باب القتلى من أصحاب ابن سعد، بمعنى أنه لم يذكر فيها المدرك المستند والقائل بذلك من العلماء وأصحاب المقاتل، وأن فيها من أسامي جماعة من الأنصار والأصحاب وأقرباء سيد الشهداء (روحي له الفداء) غير موافق لما في الروايات وكتب أصحاب المقاتل.

        وبالجملة فإني في حال هذه النسخة في شك وريب، بل إن إمارات الوضع والجعل فيها ليست في غاية الخفاء.

        فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فلم نقلت عنها ما نقلت في هذا المجلس؟ بل إن نقل أمثال ذلك في الكتب والمصنفات قد يفضي إلى ترويج الأمور المجعولة الموضوعة التي لا أصل لها أصلا، ولأن مثل ذلك النقل يوقع الاشتباه والتدليس، فيفضي ويؤدي إلى ترويج الأمور الباطلة.

        قلت: إن استشمام علامة الوضع بل الظن بإمارة الجعل والكذب ليس كالعلم والقطع بالوضع، فما لا يجوز نقله إلا بعد بيان حاله إنما هو الثاني لا الأول، غاية ما في الباب أن ما فيه يعد من الروايات الضعيفة، ولا ضير ولا غائلة في نقلها في أمثال المقام، وإن كان الراجح هو جانب عدم تطابقها للواقع، وأما قضية التدليس والاشتباه فيه لا تجري في المقام بعد شرح حقيقة الحال وبسط المقال، في أن تلك النسخة كانت كذا وكذا، وإن شئت البيان فقل: إن روايات أمثال هذه النسخة تندرج تحت قسم الوجادة التي هي إحدى طرق تحمل الروايات وانقصها درجة وأحطها منزلة عند العلماء، أي من علماء الأصول والرجال والدراية.

        ويمكن أن يقال: إن نقل أمثال ما في هذه النسخة على النمط الذي حققنا الحال فيه، يشمله ما في جملة من الروايات، وإن كان ذلك على نحو من الفحوى والالتزام، وذلك مثل ما في راوية السكوني عن

(85)

 

الصادق «عليه السلام» قال: قال أمير المؤمنين «عليه السلام»: «إذا حدثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدثكم، فإن كان حقا فلكم، وإن كان كذبا فعليه»(1) الحديث.

        ويمكن التأييد أيضاً بما في رواية ابن أبي عمير عن حسين الأحمسي عن الصادق «عليه السلام» قال: «القلب يتكل على الكتابة»(2) الحديث.

        ثم لا يخفى عليك أن التعويل والاعتماد على ما في هذه النسخة، في باب كيفية مقاتلة  أصحاب سيد الشهداء، وعدد المخالفين الكفار الذين قتلهم الأصحاب، بناء على جواز التعويل والإعتماد في أمثال المقام على نظائرها، أي نظائر هذه النسخة، إنما هو بعد بناء الأمر على أن يوم عاشوراء في يوم الطف لم يكن كسائر الأيام، بل كان فيه مقدار وقوف الشمس فوق الأرض مدة سبعين ساعة بل أزيد، وسيأتي بعض الكلام في المقاتلات، ولاسيما إذا أضيف إليها مقاتلات سيد الشهداء «عليه السلام»، لا تتصور في اقل مما أشرنا إليه، فانتظر لتمام الكلام فإنه يجيء في محله»(3).

        وقبل أن نناقش كتاب المقتل ثم كلام الدربندي صاحب الأسرار ننقل رد النوري على هذا المقتل الراوي عنه، مترجمين نصه الفارسي إلى العربية، وجاء النقد تحت عنوان: «دقت در انتساب كتاب به مؤلف» وهو يحاول أن ينصح الخطباء لكي يتحروا الدقة، فلذلك جاء العنوان بالعربي: «الدقة في نسبة الكتاب إلى مؤلفه» وقال تحت هذا العنوان ما يلي:

«أتذكر إنني أيام مجاورتي بكربلاء المعلى بغرض الاستفادة(4) من

______________

(1) الكافي: 1/52، وفي حديث آخر ورد في حديث الإمام الصادق «عليه السلام» أنه قال: «احتفظوا بكتبكم فإنكم سوق تحتاجون إليها» - الكافي: 1/52- واستنادا إلى هذا الحديث لا يصح إتلاف المخطوطة بل لعل يوماً يأتي المحققون ويجرون تحقيقاتهم عليها ويأخذون منها السمين ويتركون الغث، (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) [الرعد: 17]، نعم يحق لكل من له أهلية التحقيق أن يبدي رأيه وفي ذلك إثراء للموضوع.

(2) الكافي: 1/52.

(3) أسرار الشهادة: 2/243.

(4) الإستفادة: هنا كناية عن التتلمذ.

(86)

 

علامة عصره الشيخ عبد الحسين الطهراني(1) طاب ثراه والذي كان في تبحره وفضله ودقته لا نظير له، أن جاء سيد خطيب من أهل الحلة من المتكلمين باللغة العربية، وكان والده من الموالين البارزين، وقد أتى بأجزاء قديمة مما ورثه من أبيه وعرضه على أستاذنا الشيخ، ليسأله عن مدى اعتبار هذه المخطوطة القديمة، وقد أتلف أجزاء من أولها وآخرها، وكان في حاشيتها قد حرر بأنه من مؤلفات فلان أحد علماء جبل عامل، والذي يعد من تلامذة المحقق صاحب المعالم، وقد صرح بإسمه، وبعد النظر في سيرته لم يجد الشيخ من مؤلفاته كتاباً في المقتل، ولما اطلع على هذه المخطوطة تبين أن فيها الكثير من الأكاذيب الواضحة والأخبار الواهية، مما لا يحتمل أن يكون من مؤلفات عالم، عندها نهى الشيخ حامل هذه المخطوطة من نشرها والنقل عنها، ولكن بعد أيام بالصدفة علم المرحوم الفاضل الدربندي بهذه المخطوطة فأخذها من مالكها، ولما كان منشغلاً بكتابة كتاب أسرار الشهادة، نقل ما فيها بشكل متفرق في كتابه هذا، فزاد على الأخبار الواهية والموضوعة الكثيرة أخريات، وفتح باباً للطعن والسخرية والاستهزاء من قتل المخالفين، مما أوصل عدد المقاتلين من أهل الكوفة إلى ستمائة ألف فارس، ومليون(2) راجل، مما خلق أرضية خصبة وواسعة للخطباء لكي يسرحوا من على المنابر وينقلوا بكل جرأة مثل هذه الامور، مستندين إلى الفاضل الدربندي، إن الفاضل الدربندي من العلماء المبرزين والأفاضل المعروفين، وفي إخلاصه لخامس أصحاب الكساء لا نظير له، ولكن هذا الكتاب عند علماء الفن ونقاد الأحاديث والسير لا اعتبار له، والاعتماد على مثل هذه المخطوطة يكشف عن قلة بصيرة الناقل عنه، مع العلم قد صرح هو بنفسه عن ضعف هذه المرويات

____________
(1) عبد الحسين الطهراني: هو ابن علي الحائري، عرف بشيخ العراقين (1215- 1286هـ) من أعلام الفقه، له الكثير من الإنجازات في العتباب المقدسة في العراق وبالأخص في العتبة الحسينية، من مؤلفاته: رسالته العملية، توفي في الكاظمية ونقل جثمانه إلى كربلاء ودفن في العتبة الحسينية.

(2) جاء في النص افارسي: «دو كرور» أي كرورين وكل كرور هو خمسمائة ألف.

(87)

 

وظهور علامة الكذب والوضع فيها، ولا يجدي عذره لنقله هذه المرويات، مما يجعله شريكاً مع صاحب المخطوطة في الخطأ.

        ومن الأمور العجيبة نقل لي المرحوم الشيخ- الدربندي- مباشرة أنه قال: نقل لي عن العالم الفلاني أو روي عنه بأن يوم عاشوراء طال حتى أصبح سبعين ساعة، وأنا في ذلك الوقت استغربت ذلك وتعجبت من نقله، ولكن بعدما تأملت في وقائع وأحداث يوم عاشوراء، يمكنني أن أؤكد وأقول بضرس قاطع بأن ما نقله صحيح، وأن كثرة هذه الوقائع لا يمكن أن تقع في مثل هذه الزمان القصير.

        وهذا حاصل ما توصل إليه المرحوم الدربندي، وبسبب طول الزمان لم أتمكن أن أحفظ نص ما قاله، لكنه في كتابه أيد هذه المقولة، ومن هنا يمكن فهم مدى ذوقه وفكره.

        وأحياناً ترى أن مبنى المؤلف هو الدقة وتحري الحقيقة والنقل من الكتب المعتمدة، ولكن بسبب عدم مهارته وخبرته ومعرفته بأرباب السير والتاريخ وعدم قدرته على التمييز بين الثقات وغيرهم يقوم بنقل ما ورد في السير والتاريخ ويضيف بعض منقولاته على ذلك، ومثل هذا الكتاب لا يكون له اعتبار فني، ولذلك نجد أموراً واهية كثيرة في هذا الكتاب، وفيه أمور عدة غير مقبولة مع كون مبناه ليس كذلك، وادعائه لا يطابق عمله، بل يطعن بغيره مفتخراً أنه ليس كذلك، ومثل هذا حاصل في بعض المقاتل، وبما أن ذكرها لا يستوجب المفسدة، فقد ذكرت ذلك»(1).

        وقبل الدخول في مناقشة رأي العلمين في حديثهما عن المخطوطة ومحتواها لابد من التحدث عن الشخصية المنسوبة إليها هذه المخطوطة ألا وهو شهاب الدين العاملي والذي من المفترض أن يكون من علماء الإمامية المنتمين إلى جبل عامل في لبنان والذي آنذاك كان ثلث علماء الشيعة من هناك، إلى جانب مالك هذه المخطوطة.

        1- المؤلف المنسوبة إليه المخطوطة كما جاء في الأسرار «هو شهاب الدين العاملي» وقد وصفه بالشيخ الجليل، ولم يفصح أكثر من

__________________

(1) اللؤلؤ والمرجان: 160 مترجم من الفارسية.

(88)

 

ذلك، وأما في اللؤلؤة فاقتصر على القول: «فلان وهو من علماء جبل عامل، وهو من تلامذة صاحب المعالم»، فالذي باليد من مجموع التعريفين أنه «الشيخ الجليل شهاب الدين العاملي من جبل عامل، وهو من تلامذة صاحب المعالم» فما يمكن تحليله أن الشخصية المشهورة بصاحب المعالم على ما ورد في الريحانة(1): هو: الشيخ جمال الدين أو منصور الحسن بن زين الدين (الشهيد الثاني) العاملي المتوفى سنة 1011هـ، وهو «صاحب معالم الدين في ملاذ المجتهدين»، والذي اشتهر بمعالم الأصول، لأنه وضعه في علم الأصول(2)، ولا يتبادر غيره بل لا يعرف غيره لو أطلق «صاحب المعالم» عند الفقهاء والعلماء، ومن المؤسف جدا أن الشيخين الجليلين لم يوضحا ما فيه الكفاية عن شهاب الدين العاملي، فمن الضرورة بمكان عندما يرد على مخطوطة منسوبة إلى شخصية، بيان خصوصياتهما لكي يكون الرد سليماً، والعتب على النوري واقع أكثر من الدربندي، إذ أنه ذكر بأنه راجع ترجمة شهاب الدين العاملي فلم يجد في مؤلفاته أن له مقتلاً، فقطع بأن النسبة إليه غير صحيحة، نعم يحق له أن يقطع بذلك بعدما درس الأمور، ولكن إذا ما أراد أن يكتب للآخرين، عليه أن يصرح باسمه حتى يتمكن الآخر من تصديق كلامه، فقد أجهل الاسم والشخصية، وهذا مما يعاتب عليه، كما أنه أشكل على الدربندي نقله لهذه المخطوطة مع أنه رد عليه ولم يوثقه، وهذا عمل المحققين، حيث ينقلون ما ورد قم يردون عليه، وفي هذا لا يعاب، وإنما يعاب إذا اعتمدها، وهو لم يعتمدها، بل إنه أشكل عليها بكل ما أشكل هو عليها، وبالإضافة إلا ذلك احتمل أن هناك من سوف [يقوم بمعاتبته] يعاتبه، فدافع عن نفسه بشكل صريح وعلمي، نعم يعاتب على اعتماده فرضية طول يوم عاشوراء وتمديد الزمان فيه على ما لا يعتمد أولاً، وأنه حتى وإن كانت النسخة صحيحة، فإن الاعتماد على ما يخالف العلم والطبيعة باطل إلا في موارد المعاجز والكرامات والتي هي الآخرى لا تخرق القوانين الكونية التي وضعها، وهذه ليس منها، وأنه لم ترد بذلك رواية أو خبر، ثانياً.

___________

(1) ريحانة الأدب: 3/391.

(2) الذريعة: 21/198.

(89)

 

        وأما ما يورد على الدربندي هو عدم رفع الإبهام عن الخطيب الذي حمل إليه المخطوطة ولا المنسوب إليه المخطوطة لكي يتم التحقيق عن حالهما، ثم اعتماده على ما سبق وأوردناه من إطالة يوم عاشوراء.

        هذا ولنعد إلى شهاب الدين فإن المعلومة التي أدلى بها النوري جعلتنا نبحث عن صاحب المعالم والذي هو الشيخ الحسن بن زيد الدين (الشهيد الثاني) صاحب الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية فوجدنا أن أفضل من فصل ترجمته هو صاحب الأعيان(1)، ننقل عنه ما يجب نقله بالإيجاز، ونضم إليه ما نقله آخرون بمقدار الحاجة:

        «ولد بجبع بتاريخ 27/9/959هـ وتوفي فيها بتاريخ 1/1/1011هـ» وجاء في ترجمته ذكر عدد من تلامذته وهم:

        1- علي نجيب الدين بن محمد بن مكي بن عيسى بن حسن العاملي الجبيلي الجبعي.

        2- عبد اللطيف بن محيي الدين علي العاملي وتوفي نحو سنة 1150هـ.

        3- عبد السلام بن محمد الحر العاملي.

        4- نجم الدين بن محمد الموسوي السكيكي العاملي(2).

        5- موسى بن علي الجبعي العاملي.

        6- محمد أبو جعفر بن حسن العاملي ابنه.

        7- علي أبو الحسن بن حسن العاملي ابنه(3).

        8- إسماعيل بن محمد علي الكفرحوني العاملي المتوفى سنة 1026هـ(4).

_________

(1) أعيان الشيعة: 5/92.

(2) للتأكد من أنه عاملي، راجع خطط جبل عامل: 291 لأن السكسكية قرية عاملية، وقد ذكرها هناك أيضاً، ويقول: ولعل الصواب السكسكي.

(3) إلى هنا ورد ذكره في أعيان الشيعة: 5/92 في ترجمته.

(4) أعيان الشيعة: 3/390.

(90)

 

        9- أحمد بن علي بن سيف الكفرحوني العاملي(1).

        10- علي نور الدين بن علي بن الحسين الموسوي الجبعي العاملي المتوفى سنة 1068هـ(2).

        11- علي بن محمد المشغري الحر العاملي(3).

        12- حسين بن علي الحسيني الجبعي العاملي توفي بعد سنة 1001هـ(4).

        13- زين العابدين بن محمد بن أحمد النباطي العاملي(5).

        14- علي بن معالي العاملي(6).

        15- علي بن نجم الدين بن محمد العاملي(7).

        16- مفلح بن علي الكونيني العاملي المتوفى سنة 1152هـ(8).

        17- محمد بن محمد بن الحسين المشغري الحر العاملي(9).

        وهؤلاء كل من تمكنا من الحصول عليهم من تلامذة صاحب المعالم في مظانها، فلم نجد فيهم من كان إسمه شهاب الدين، أو ملقباً بذلك، كما سبرنا كتب الرجال والأعلام فيمن لقب بشهاب الدين أو سمي بذلك رغم كثرتهم، فلم نحصل إلا على والد الشيخ حسين الكركي الحكيم(10) المتوفى سنة 1076هـ(11) بحيدر آباد- الهند- عن عمر بلغ

___________
(1) أعيان الشيعة: 3/44.

(2) أمل الآمل: 1/124.

(3) أمل الآمل: 1/129.

(4) أمل الآمل: 1/77.

(5) أمل الآمل: 1/99.

(6) أمل الآمل: 1/134.

(7) أمل الآمل: 1/134.

(8) أمل الآمل: 1/185.

(9) أمل الآمل: 1/177.

(10) أمل الآمل: 1/70.

(11) جاء في أعيان الشيعة: 6/36 أنه توفي يوم الإثنين 19/2/1076.

(91)

 

64 سنة، وهو الشيخ حسين بن شهاب الدين بن حسين بن محمد بن حيدر العاملي(1)، لعل هذا هو الذي انقدح في ذهن النوري حيث ذكره في خاتمة مستدركه(2) أن لحسين بن شهاب الدين الكركي العاملي شرحاً على نهج البلاغة، ولكنه في اللؤلؤ نسب المقتل إلى شهاب الدين لا إلى الحسين فتأمل، إلا إذا قيل بأنه خلط بينهما، أو حرر على المخطوطة لإبن شهاب الدين العاملي فسقط منه كلمة «ابن» والله العالم، وإذا كان كذا فلم نجد للشيخ حسين بن شهاب كتاباً في المقتل رغم كثرة مؤلفاته(3).

        وأما احتمال أن نسبة المخطوطة جاءت إلى والده شهاب الدين العاملي فلم يثبت لدينا أنه كان عالماً ولا مؤلفاً، وعليه فهو مستبعد مع ما ذكره الشيخ النوري، بأنه تتبع مؤلفاته فلم يجد فيها كتاباً في المقتل، كما أنه منافٍ لما وصفه الدربندي أيضاً.

        وأما الاحتمال بأن المراد من شهاب الدين العاملي أن يكون  شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن جامع العاملي الذي

________________
(1) هكذا جاء في أمل الآمل، ونقل الأعيان عن سلافة العصر نسبه كالتالي: «حسين بن شهاب الدين بن حسين ابن خاندار الشامي الكركي العاملي»، وعن مستدركات الوسائل قال: حسين بن شهاب الدين بن الحسين بن محمد بن الحسين بن الجنيدار العاملي الكركي، ويعلق صاحب الأعيان: لعل خاندار أو جنيدار مصحف حيدر.

(2) مستدرك وسائل الشيعة (الخاتمة): 3/207.

(3) مؤلفاته كما في أعيان الشيعة: 6/37 نقلاً عن السلافة وأمل الآمل: 1- شرح نهج البلاغة، 2- هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار، 3- عقود الدرر (في البلاغة)، 4- حاشية على المطول، 5- حاشية على البيضاوي (تفسير)، 6- رسالة في أصول الدين، 7- مختصر الأغاني، 8- كتاب الطب الكبير، 9- كتاب الطب الصغير، 10- كتاب الإسعاف، 11- أرجوزة في النحو، 12- أرجوزة في المنطق، 13- ديوان شعره، 14- رسالة في طريقة العمل، هذا ولا يمكن أن يكون كتابه هداية الأبرار في مقتل الحسين «عليه السلام» لأن الطهراني في الذريعة: 25/167 ذكر بأنه في مسائل تخص شرعية الاجتهاد وعدمه، وفي صحة الأحاديث الواردة في الأحكام، إلا أن أمل الآمل: 1/71 ذكر أنه له غير ذلك، كما فعل صاحب السلافة: 360 مما يجعل الباب مفتوحاً لأن يكون له مقتل في الإمام الحسين «عليه السلام» من باب الاحتمال.

(92)

 

ذكره صاحب الذريعة(1) موصفا بشهاب الدين(2) والذي له إجازة من المحقق الكركي في سنة 928هـ، وذكر بأن لحفيده عبد اللطيف بن نور الدين على بن شهاب الدين أحمد حاشية على المعالم، أو ربما انقدح إلى ذهنه جد عبد اللطيف المتوفى حدود سنة 1150هـ، وهذا لا يمكن، والممكن أن يكون مقصودة عبد اللطيف، لأنه من تلامذة صاحب المعالم وجده شهاب الدين فاختلط عليه الأمر لدى النقل، ومع كل الاحتمالات فلا يمكن الركون إلى كلامه بعدما عرفت من عدم وجود من هو تلميذ مباشر لصاحب المعالم باسم شهاب الدين.

        والحاصل بعد كل ما قدمناه لم نتمكن من حصول مبرر لكلام النوري ورده على الدربندي.

        وأما وصف الدربندي فيصح تطبيقه على جد الشيخ عبد اللطيف فقط، لو صح وصفه بشهاب الدين، وأما بالنسبة إلى والد الشيخ حسين الكركي فإنه معاصر لصاحب المعالم حيث أن الشيخ حسين الكركي الابن توفي سنة 1076هـ وصاحب المعالم توفي سنة 1011هـ، وعليه فإن والد حسين تكون وفاته قبل وفاة ابنه، ولعله قبل سنة 1050هـ، وهذا ممكن أن يكون تلميذاً لصاحب المعالم، ولكن لا دليل على ذلك.

        وأما بالنسبة إلى الخطيب الذي كان لديه المخطوطة فإنه حسب ما يمكن فهمه من العلمين الدربندي والنوري هو «الخطيب السيد جعفر الحلي»(3) هذا إسمه وهذا وصفه، ويفهم من كلامه أنه كان ينتمي إلى عائلة معروفة، وقد قمنا بالبحث عن العوائل الحلية والأشراف والخطباء فلم يتبين لنا حاله، وكان من المفترض منهما بيان حاله أكثر مما ذكراه معاً ليتمكن الآخرون معرفة ذلك، حيث أن المدعي بأن هذه المخطوطة هي من

_____________
(1) الذريعة: 4/56، و6/208.

(2) إن وصفه بشهاب الدين فقط جاء من قبل الذريعة، وأما في الإجازة التي حصل عليها من المحقق الكركي فإنه وصفه بجمال الدين- راجع أعيان الشيعة: 3/78 مما يضعف هذا الاحتمال، والله العالم بحقائق الأمور.

(3) في الأسرار: ذكر بأنه يرتقي المنبر في مدينة كربلاء، وربما هذا لا ينافي بين كونه من أهل الحلة ويخطب في كربلاء.

(93)

 

تأليفات شهاب الدين العاملي هو هذا الخطيب نقلاً عن أجداده، ومعرفة حاله تهم المحققين، ومع الأسف لم يتم ذلك.

        وبالعودة إلى توثيق المخطوطة وعدمها فإن طريقة التوثيق واضحة وجلية وهو أن يروي أحد عن آخر كلهم ثقات فيأخذ بكلامهم، ومع الأسف فإن العلمين لم يصرحا من هو الراوي؟ ومن روى عنه؟ وهذا خطأ كبير.

        ومن طرق التوثيق تصريح المؤلف بأنه من مؤلفاته أو عبر من سمع من المؤلف، وهذا أيضاً لم نتمكن الحصول عليه لقصور العلمين في نقلهما معلومات كافية عن شهاب الدين العاملي، وهذا ما يعاتبان عليه، وأنت تعلم أننا قمنا بجهد كبير لأن نتعرف على من هو المنسوب إليه هذه المخطوطة فلم نوفق، لأن المعلومات الضئيلة التي حصلنا عليها من العلمين لا تؤدي إلى شيء، بل لا تطابق مع ما هو موجود في تراجم الأعلام بغض النظر من وجود بعص الاختلاف في نقلهما أيضاً(1).

        وما بقى لدينا إلا مناقشة نص المخطوطة التي حافظ عليها الشيخ الدربندي مشكوراً بوضعه في كتابه الأسرار وإبداء رأيه فيها، وهذا عمل في عرف المحققين هو العمل الصحيح، وأما هجوم الشيخ النوري ومن تبعه فليس في محله، وإذا ما قام بعض العوام من الخطباء والمؤلفين بنقل قوله تعالى مثلاً: (ولا تقربوا الصلاة)(2) دون تلاوة ما بعده (وأنتم سكارى)(3)، ونسب عدم التقرب للصلاة إلى الله فإنه أمر خطير، بل أنه فهم لمعنى الآية

___________
(1) ومما تجب الإشارة إليه أننا اتصلنا بمن له باع طويل في بيوتات الحلة ألا وهو الدكتور سعد الحداد ابن محمد حسين بن چلوب العبودي المولود في الحلة سنة 1380هـ، الاديب والمؤرخ والمؤلف والشاعر والصحافي والتربوي ليبحث عن شخصية الخطيب الحلي الذي حمل النسخة إلى الشيخ الطهراني، فقال: ليس بين أيدينا سوى شخص واحد من خطباء القرن الثالث عشر الهجري وهو السيد حسن بن نعمة القطيفي الحائري الحلي، والذي له ترجمة في خطباء الحلة الفيحاء للمؤلف.

والظاهر أن الشيخ الدربندي  كان في نقله أكثر دقة من الشيخ النوري، بالإضافة إلى أنه لمس النسخة، وأوردها في كتابه أسرار الشهادة، بينهما الشيخ النوري سمع مقالة الطرف الآخر عندما كان يتحدث مع الشيخ الطهراني.

(2) (3) سورة النساء، الآية: 43.

(94)