معجم  أنصار الحسين عليه السلام  (غير الهاشميين)  (الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (غير الهاشميين) (الجزء الثاني)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

جعبة بن قيس الأنماري

(ن19- 61هـ = 649- 680م)

 

        جعبة: بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه آخرها تاء مربوطة هي الكنانة والكثبة(1)،  استخدم إسم علم.

        ورد إسمه في الإصابة(2) في ترجمة جده طريف حيث قال: وحفيده جعبة بن قيس بن مسلمة بن طريف، قتل مع الحسين بن علي على ما قاله ابن الكلبي(3) واستدركه ابن فتحون(4)، ولكن لم نتمكن من الحصول على كتابه هذا، والظاهر أن نصه مطابق لما أورده ابن الكلبي.

        أما ما نص عليه ابن الكلبي في بيان نسل بني عميرة بن أسد فهو كالتالي: «ومن ولد طريف- بن أبان بن سلة بن جارية- جعثنة بن قيس بن سلمة بن طريف بن أبان بالكوفة، وعامر بن مسلم بن قيس، قتل مع الحيسن «عليه السلام» بالطف هو وابنه ».

        أما نص ابن فتحون فلم نحصل عليه.

        بالنسبة إلى ما ورد في الجمهرة فإنه غير مطابق لما ورد في

________
(1) راجع تاج العروس: 163.

(2) الإصابة: 2/223.

(3) جمهرة النسب: 595.

(4) ابن فتحون: نسبة إلى جده فتحون حيث جاء نسبه كالتالي: محمد بن خلف بن سليمان بن فتحون الأندلسي المتوفى سنة 520هـ في مرسية، وهو من أهل أوريولة، له من المؤلفات: الاستدراك على كتاب الاستيعاب سماه التذييل، وكتاب «في أوهام كتاب الصحابة » وكتاب آخر «في إصلاح أوهام المعجم » لابن قانع.

(263)

 

الإصابة، فالاسم جاء ضبطه «جعثنة» مأخوذ من جعثن بكسر أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه، وهو أصل النبات، وجعثن استخدم علماً للنساء ومنهن أخت الفرزدق، وتجعثن الرجل بمعنى تقبض وتجمع وهو مجعثن الخلق أي مجتمعه(1).

        هذا ويرد على الإصابة في نقله أنه ذكر بأن الذي استشهد في كربلاء هو جعبة بن قيس حفيد طريف ولكن الذي موجود في النسخة(2) التي لدينا هو عامر بن مسلم بن قيس حفيد طريف هو وابنه، ولم يتضح من المراد بإبنه؟

        وجاء في الإصابة(3) أيضا في ترجمة مسلمة بن طريف بن أبان: «وقتل ولده حبشة بن قيس بن سلمة بن طريف- بن أبان بن سلمة بن حارثة بن فهم الفهمي- مع الحسين بن علي يوم الطف، وما يؤيد كون عامر بن مسلم بن قيس هو المقتول في كربلاء ما ورد في جمهرة ابن حزم(4) في ترجمة طريف بن أبان بن سلمة بن جارية (حارثة) بن فهم: «ومن ولده: عامر بن مسلم بن قيس بن مسلمة بن طريف بن أبان، قتل مع الحسين رضي الله عنه ».

        وهناك من(5) خلط بين حبشة وجعدة أو جعثمة فاعتبرهما واحداً وإنما الاختلاف حدث من التصحيف واستقر رأيه على جثعمة من دون دليل يركن إليه، واحتمال التصحيف بين جعدة وجعثمة وارد، وأما بينهما وبين حبشة غير وارد، ومن هنا نحتمل والله العالم أن يكونا أخوين، ويؤيد ذلك أن صاحب الإصابة ذكرهما ولم يشر إلى احتمال اتحادهما ولكن هناك التباس آخر وهو اختلاف النص بين ما في الإصابة وما في الجهمرة حيث يظهر من عبارته أن عامر بن مسم بن قيس بن سلمة بن طريف بن أبان هو
___________

(1) راجع تاج العروس: 34/357.

(2) جمهرة النسب لابن الكلبي برواية السكري عن ابن حبيب: 595، ونسخة أخرى برواية محمد بن حبيب: 2/340 وكلاهما متطابقان.

(3) الإصابة: 2/106.

(4) جمهرة أنساب العرب: 293.

(5) راجع بعض المؤلفات الحديثة، وأما إبصار العين: 149 فجاء فيه باسم «حبشي » ولا ذكر لجعدة أو جعثمة.

(264)

 

الذين في كربلاء وليس جعثنة (جعدة) ليكون عامر ابن أخيه مضافاً إلى ابن عامر والذي لم يذكر اسمه، ولكن في جمهرة ابن حزم لم يذكر إبنه واكفتى بأبيه عامر(1).

        وإذا ما أردنا إثبات كل ما نقله أرباب النسب فهناك من يحتمل استشهاد في كربلاء هم:

        1- جعبة (جعثمة) بن قيس الأنماري.

        2- عامر بن مسلم بن قيس الأنماري.

        3- ابن عامر بن مسلم بن قيس الأنماري.

        4- حبشة (حبشي) بن قيس الأنماري.

        ليكون على الظاهر ان الأخوين جعبة (جعثمة) وحبشة (حبشي) وابن أخيهما عامر بن مسلم، وحفيد أخيهما مسلم وهو ابن عامر قد استشهدوا في كربلاء.

        ومما يجب الإشارة إليه أن نسبه يرجع إلى فهم بن بكر بن عبلة بن أنما وليس من بني فهم القحطانيين والذين هم على المشهور ثلاثة بطون وهم:

        1- فهم بن غنم بن دوس القحطاني.

        2- فهم بن تيم اللات بن أسد القحطاني.

        3- فهم الجمرات بن غنم بن أريش القحطاني.

        ولا هو من قبيلة فهم العدناني بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، بل يلتقيان معه في نزار بن معد، حيث لنزار ربيعة ومضر.

        وما ورد في بعض كتب المعاصرين(2) «جارية بن فهم بن بكر بن عبلة

_____________

(1) جمهرة أنساب العرب: 293.

(2) إبصار العين: 149.

(265)

 

بن أنمار » فهو تصحيف، فإن هناك (فهم) بالفاء الموحدة و(قهم) بالقاف المثناة، و(نهم) بالنون، فلا تختلط الأنساب(1).

        وأما بالنسبة إلى عمره فقد احتملنا سابقا أنه ولد حدود سنة 29هـ(2) ولكن بعد الحصول على بعض المعطيات والتي منها ظهور حفيد أخيه مسلم بن قيس ألا وهو ابن عامر بن مسلم فوجدنا أنه لا يناسب عادة أن يكون من مواليد سنة 29هـ بل من مواليد سنة 19هـ، والله العالم بحقائق الأمور.

        هذا ولم يرد إسمه في المناقب(3) فيمن قتل في الحملة الأولى فلربما استشهد مبارزة، والعلم عنده تعالى.

        وجاء رثائي إسمه في جعبة قصيدة من بحر المتدارك(4) بعنوان: «خلوص جعبة» أنشأتها بتاريخ: 18/1/1435هـ

جعبة قد أتى نينوى خالصـــــــاً               عارفاً حق سبط قضى شاخصــــــــا

يفتديه بنفسٍ هوت شخصـــــــه               نهجه في الهدى جاءه فاحـــــــــــصا

ليس في نصرة الحق من ينتمي              للهوى بل ولا يرتــــــــضى واقصا(5)

في حسين رأى كربلاء ابن قيـ               ـس دليلاً لـــــــــحق قضى خامصا(6)

صحبه في الوغى أوقدوا شلعةً               في العـــــــدا كلهم أقعدوا الخارصا(7)

إنني لا أعي زمرة كابـــــــروا                ربهم أيض هادي الورى القاصصا(8)

_____________

(1) راجع معجم الأنصار (غير الهاشميين): 153 و156 و181.

(2) راجع أضواء على مدينة الحسين (مبحث الشهداء): 1/84.

(3) مناقب آل أبي طالب: 4/113.

(4) وزنه: فاعلن ×8.

(5) الواقص: اسم فاعل من وقص الشيء إذا عابه بنقص.

(6) الخامص: الجائع.

(7) الخارص: الذي يكذب، وأريد به يزيد المدعي للخلافة زورا.

(8) القاصص: الذي يحكي القصص، وهنا أريد من يحكي لهم عن الدنيا والآخرة وعن مجرياتها ويبين لهم الحق عن الباطل.

(266)

 

لم يكن بينهم عاقل أو حــــكيم                له ربقة مذ أتى قانصــــــــــــــا(1)

هكذا قاتلوا ثلة فيــــــهم الــــــ                        ـرب قد قادنا مذ علا ماحصــــا(2)

جلهم قد تجلى بقـــــــتلٍ وسبــ                         ـي لمن ودهم قد أتى وابصــــــا(3)

يا رفاقي سلوا طفهم سوف تبـ                ـكي الفتى زاهداً قائماً راهصـــا(4)

ههنا قد أناخوا وقد صـــرعوا                دون حقٍ، وها هم سموا خالصا(5)

_________
(1) الربقة: العروة من الحبل، أو كل شيء يربط الإنسان ويلجمه من السوء.

القانص: الصائد: وأراد به من أتى إلى كربلاء ليقتل الحسين «عليه السلام» ومن معه.

(2) محص الشيء: أخصله من الشوائب، أراد طهر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله «عليه السلام».

(3) وبص: لمع وبرق، كناية عن الظهور والإشهار في قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) [الشورى: 23].

(4) رهص الشيء: عصره عصراً شديداً وأوهنه.

(5) الخالص: صفة لمفعول مطلق محذوف.

(267)

 

(268)

 

(29)

جعيد بن ... الهمداني

(ن17- 61هـ = 638- 680م)

 

        جعيد الهمداني الكوفي.

        إختلف أرباب الرجال في ضبط إسمه بين ثلاث صيغ، «جعيد» بصيغة التصغير مذكراً، وبصيغة الأنثى من التصغير أيضاً «جعيدة» كما جاء «جعدة» على زنة عيبة، وتعني المفردة التي أصلها من الجعد المصدر الذي أساسه من تراكم الشيء، ومنها الشعر أو الوبر أو الصوف في الحيوانات أو الانسان ومن هنا يقال بعير جعد أي كثير الوبر، وأبو جعدة كنية الذئب، وقد صرح بذلك الشاعر عبيد بن الأبرص(1) من المتقارب:

وقالوا هي الخمر تكنى الطلا                 كما الذئب يكنى ابا جعدة(2)

        وقصد بأن كنيته حسنة وفعله قبيح.

        وبنو جعد: حي من قيس وهو أبو حي من العرب ألا وهو جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ومنهم النابغة الجعدي.

        يكنى جعيد بأبي ليلى، ولعله لوجود ابنةٍ له بهذا الاسم على ما

____________
(1) عبيد بن الأبرص: هو حفيد عوف بن جشم الأسدي المضري المتوفى في حدود سنة 25ق.هـ، يعد من دهاة الجاهلية وحكمائها ومن الشعراء البارزين، له مناظرات ومناقضات مع شعراء عصره، وبما أنه معمر فيحتمل أنه ولد في حدود سنة 120ق.هـ وقد قتله النعمان بن المنذر حيث ورد عليه في يوم بؤسه الذي كان يقتل من ورد عليه، هذا ويعد من أصحاب «المجمهرات» وهي التي تأتي في الدرجة الثانية بعد المعلقات في المستوى الشعري.

(2) تاج العروس: 7/504.

(269)

 

يظهر، وقد ورد اسمه في رجال البرقي(1) جعيد همدان في جملة أصحاب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» وفي أصحاب الإمام الحسن «عليه السلام»، وأضاف عليه قوله «كوفي »(2)، وأصحاب الامام السجاد «عليه السلام»(3).

        كما وجاء ذكره بشيء من التفصيل في البصائر(4) وفيه ذكر الحديث التالي: «حدثنا ابراهيم بن هاشم، عن محمد بن خالد البرقي، عن ابن سنان أو غيره، عن بشير بن حمدان عن جعيد الهمداني ممن خرج مع الحسين «عليه السلام» في كربلاء، قال: فقلت للحسين «عليه السلام»: جعلت فداك بأي شيء تحكمون؟ قال: يا جعيد نحكم بحكم آل داود، فإذا عيينا عن شيء تلقانا به روح القدس، ونقل عنه المنتخب(5) والبحار(6) إلا أنه في المنتخب جاء «فقتل بكربلاء » كما جاء «وكان جعيد ممن خرج مع الحسين (صلى الله عليه وآله وسلم)» مما يؤكد أن جعيد مقتول في كربلاء، ولا مجال للقول لعل ما في البحار «ممن خرج مع الحسين » تصحيف لـ «عمن خرج مع الحسين »، كما جاء ذكره في رجال الطوسي(7) في جملة أصحاب الإمام الحسين «عليه السلام» باسم جعيد الهمداني ولم يصرح باستشهاده في كربلاء، وبإضافة «كوفي » ورد ذكره فيه(8) في أصحاب السجاد «عليه السلام»، وفيه(9) أيضا في أصحاب الإمام الحسن «عليه السلام»، وفيه(10) أيضاً ورد في أصحاب الإمام علي «عليه السلام» باسم جعدة موصوفاً بالكوفي الهمداني، كما وقد عده في الخلاصة(11) من جملة أصحاب الامام أمير المؤمنين «عليه السلام» من اليمن، وقال: جعيد بضم الجيم والياء بعد السين المهملة، وكذلك

___________
(1) رجال البرقي: 7.

(2) رجال البرقي: 8.

(3) رجال البرقي: 6 لأحمد بن محمد البرقي المتوفى سنة 274هـ.

(4) بصائر الدرجات: 472 لمحمد بن الحسن الصفار المتوفى سنة 290.

(5) منتخب البصائر: 12 لحسن بن سليمان الحلي المتوفى بعد سنة 757هـ.

(6) بحار الأنوار: 25/57.

(7) رجال الطوسي: 72.

(8) رجال الطوسي: 86، باسم جعيد الهمداني.

(9) رجال الطوسي: 66، باسم جعيد الهمداني.

(10) رجال الطوسي: 37.

(11) خلاصة الاقوال للحلي: 195 والعلامة الحلي متوفى سنة 726هـ.

(270)

 

فعل الحلي في رجاله(1) حيث عده من خواص الامام أمير المؤمنين «عليه السلام» وقال: «جعيدة بضم الجيم وفتح العين وتاء التأنيث الهمداني من خواصه» وذكر صاحب الخلاصة في مكان آخر من كتابه(2) بالكنية «أبو ليلى » وأنه من أصحاب أمير المؤمنين «عليه السلام» من الأصفياء نقلاً عن البراقي.

        ولكن بالنسبة إلى الرواية التي رواها صاحب البصائر عن الإمام الحسين «عليه السلام» جاءت بسند آخر مروية عن جعيد عن علي بن الحسين «عليه السلام» ونصها كالتالي :« عن محمد بن أحمد(3)، عن محمد بن خالد –البرقي- عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عمران بن أعين، عن جعيد  الهمداني، عن علي بن الحسين «عليه السلام» قال سألته بأي حكم تحكمون؟ قال: حكم آل داود، فإن أعيانا شيء تلقانا به روح القدس »(4).

        هذه الرواية في ظاهرها تنافي الرواية السابقة المروية عن الإمام الحسين «عليه السلام»، والاحتمالات في ذلك متعددة ربما كانت في إحدى النقاط التالية:

        1- أن تكون هناك روايتان بمعنى أن جعيداً روى عن الامامين الحسين والسجاد «عليه السلام» وبشكل مستقل، ومن هنا يوجد خلاف في النص زيادة ونقيصة كما هو ظاهر، وكونه من أصحابهما معاً في ظاهره يتنافى مع مقتله في كربلاء مع الإمام الحسين «عليه السلام» ولكن قد يراد بأنه صاحب الامام السجاد «عليه السلام» في حياة أبيه الحسين «عليه السلام» وإن كان هذا غير متعارف إلا أنه ليس بغلط.

        2- أن يكون هناك تصحيف بين علي بن الحسين، والحسين بن علي، ليكون نص الروايتين شيء واحد.

        3- أن يكون هناك تصحيف في الرواية المنقولة عن الإمام

___________
(1) رجال ابن داود الحلي: 66.

(2) خلاصة الأقوال: 191.

(3) وفي نسخة روى محمد عن أحمد عن محمد بن خالد.

(271)

 

الحسين «عليه السلام» في قوله «ممن استشهد مع الحسين » ليكون الصحيح: «عمن استشهد مع الحسين »، ولكن يدحضه تصريح بعضهم بأنه قتل في كربلاء.

        4- كيف يروي عن الإمام الحسين «عليه السلام» وقد استشهد؟ وهذا ممكن حيث أن الراوي في حياته وحياة المروي عنه روى للآخرين.

        وبالتالي فإن هناك اموراً لا يمكن التشكيك فيها.

        1- أصل وجوده لكثرة من ذكره في أصحاب الأئمة الثلاثة على الأقل علي والحسين والحسين «عليه السلام»، أو علي والحسن والسجاد «عليه السلام».

        2- إنه من قبيلة همدان اليمنية وهمدان هو ابن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن  سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

        3- إنه كوفي لتصريح الكثير منهم بذلك ومنهم الطوسي كما تقدم.؟

        4- إنه تابعي وليس بصحابي كما صرح به صاحب اللسان(1) حيث قال: «جعيدة الهمداني كوفي، ذكره الكشي(2) وقال إنه تابعي، روى عن الحسين بن علي وعن ولده زين العابدين رضي الله عنهم ».

        5- إن جعدة وجعيد وجعيدة واحد كما أشار إلى ذلك صاحب المعجم(3).

        6- كل الذين ذكروه لم يذكروا اسم أبيه، لكن ذكر بعضهم أنه مكنى بأبي ليلى.

        وفي النهاية بما أن هناك تصريحاً بوجوده ومقتله في كربلاء لا يمكن غض الطرف عنه، ولكن لم نتمكن من تحديد مقتله أكان في الحملة أم بالمناجزة والمبارزة.

        ولابد أن ننقل قبل الحديث عن عمره أن صاحب المعجم(4) نقل عن رجال البرقي بأنه كان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك عند ذكره

_____________
(1) لسان الميزان: 2/132.
(2) لم نجده في رجال الكشي المعروف بـ«اختيار معرفة الرجال».

(3) معجم رجال الحديث: 4/140.

(4) معجم رجال الحديث: 4/141.

(272)

 

أصحاب الإمامين الحسن والسجاد «عليه السلام»، ولكن مع الرجوع إلى رجال البراقي فلم نجد مثل هذا النص، وهذا هو الذي أوقعنا في الخطأ في قسم الشهداء(1) من باب أضواء على مدينة الحسين «عليه السلام»، حيث ذكرنا بأنه من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولذلك احتملنا أنه ولد قبل الهجرة بسبع سنين، ولكن الذي مكن دركه من الأحداث اللاحقة وصحبته لعلي والحسن والحسين السجاد «عليه السلام»: أنه ولد في حدود السابع عشر للهجرة وليس في 7ق.هـ كما أوردنا ذلك في قسم الشهداء، وربما كان بعد ذلك لأننا للم نجد له ذكراً في مشاركته حروب علي «عليه السلام» والله العالم بحقائق الأمور، كما لم نجد له ذكراً في كتب المقاتل والتاريخ حول اشتراكه في معركة كربلاء، ولنا ترجمة له فيمن روى عن الإمام الحسين «عليه السلام» حسب تقسيماتنا لمن عاشر الحسين «عليه السلام» حيث صنفناهم بالرواة والأصحاب والأنصار.
        وقد مدحت راثيا بالقصيدة التالية بعنوان: «جعيد فدائي» لمحمد وآله عليهم أفضل الصلاة والسلام وهي من بحر الهزج المشتور(2) وكان تاريخ إنشائها: 24/1/1435هـ

جعيد ذا لهمدانٍ ينتـــــــــــمي         أبو لــــــــيلى وفي لم يندم(3)

أتى من كوفةٍ طوعاً يــــبتغي         حـــسيناً ناصراً يوم المأتم(4)

يماني موالٍ للــــــــــمرتضى          كما همدان عالٍ في المعلم(5)

قضى في كربلا في عز الولا         شهيداً شاهــــداً يوم العلقم(6)

ألا فارثوا جـــعيداً عن حرقةٍ         كما كل الألى مـــن لم يسلم

_____________
(1) أضواء على مدينة الحسين (مبحث الشهداء): 1/87.

 (2) وزنه: مفاعيلن مفاعيلن فاعلن ×2.

(3) لم يندم: لم يأسف.

(4) المأتم: أراد به يوم الطف.
(5) المعلم: المكانة والمرتبة.

(6) العلقم: شدة المرورة، يريد به يوم الموت والاستشهاد.

(273)

 

فقد حازوا العلا حقاً جــــــــنة        بها سيقوا إلى رب أرحـــــــــم

فمن في كربلاء يرجو نصرةً؟        لسبط طاهــــــــرٍ زاكٍ أعلــم(1)

فؤاد المصطفى يــــــفديه برو                حه حتـــــــى يفي عهد المــسلم

وعين المرتضى تحمــيه بنفــ         ـسها حتى تقي ما في الأقــوم(2)

وفيه فاطم ينجيه الفتــــــــــى          جعيد هكذ وصف المـــــــغــرم

ألا للمجتبى يرنو في دفـــــــا         ع حق عن أخٍ يوم الموســـم(3)

أرى في نينوى عن حلفين قد         حكى دهر الهوى دين الأظلم(4)

بني شمسٍ وأخرى من هاشمٍ فهم أهل الكسا رأس الملجــم(5)

_______________
(1) الأعلم: الأعرف والأشهر.

(2) الأقوم: الأصلح والأسلم.

(3) يرنو: يطمح.

الموسم: يريد به يوم كربلاء.

(4) الأظلم: الشديد الظلمة.

(5) الملجم: لجمه عن حاجته، كفه ومنعه.

(274)

 

(30)

جلاس بن عمرو الراسبي

(ق21- 61هـ = 642- 680م)

        جلاس بن عمرو الراسبي الأزدي القحطاني.

        جلاس بضم الجيم بعده لام غير مشددة بل مفتوحة بالألف التي بعدها، اشتق من جلس بمعنى قعد، وجلاس علماً على زنة غراب هو من الاسماء الثلاثية المزيدة بحرف، ويأتي صفة كشجاع ويأتي صيغة مبالغة كعجاب على غير قياس ويأتي مصدراً للفعل الدال على الداء مثل: سعل فيقال: سعال والفعل الدال على الصوت كما في صرخ تقول صراخ.

        والظاهر أنه في العملية استخدم كإسم من الاسماء الثلاثية المزيدة أو من الوصف للمبالغة، بغض النظر إلى جلاس وإن كان كلاهما يستخدمان لمن أكثر الجلوس أو لكثرة من له ندماء، هذا وقد شاع استخدام الاسم في الجاهلية وبعدها دون تشديد اللام(1).

        وهناك من ذكره بالحاء المهملة، وآخر بالشين المثلثة بدل السين المهملة، والظاهر أن الجيم والسين هما الأشهر، وربما يتضح ذلك لدى عرض الأقوال.

        ورد ذكره في الزيارة الرجبية ووقع التسليم عليه في المرتبة الخامسة والخمسون(2) باسم «جلاس بن عمرو»، ولم يرد له ذكر في زيارة الناحية، وفي الرجبية لم ينسبه إلى قبيلته، كما وورد ذكره في التسمية(3) باسم
______________
(1) راجع تاج العروس: 15/509.

(2) راجع: الإقبال: 714، مصباح زائر: 157، بحار الأنوار: 98/345.

(3) التسمية: 155.

(275)

 

«حلاس» وذكر أباه كما نسبه بالراسبي، وفي الحدائق(1) باسم جلاس بن عمرو الراسبي، وفي المناقب(2) في جملة من استشهدوا في الحملة الأولى «حلاس» بالحاء المهملة موصوفاً بالراسبي.

        وجاء في رجال الطوسي(3) في جمع من أصحاب الإمام الحسين «عليه السلام» بإسم: الحلاش بن عمرو بالحاء المهملة والشين المعجمة، وذكره أيضاً في أصحاب علي «عليه السلام»: حلاس بن عمرو الهجري(4)، والظاهر اتحادهما حيث لم ينسبه في ذكره أصحاب الإمام الحسين «عليه السلام»، وفي ذكره لأصحاب الامام علي «عليه السلام» نسبه منافاة بينهما، كما لا منافاة بين كونه راسبياً وهجرياً لأن الأول قبيلة والثاني إسم مكان وهو هجر في الأحساء(5)، وجاء في المعجم(6) «وفي بعض النسخ أي نسخ رجال الطوسي بالشين في كلا الموضعين »، ولكن صاحب المعجم(7) ذكره بالجيم والسين وذكر أباه ولكن لم ينسبه في المستشهدين في كربلاء من دون أن يشير إلى اتحادهما.

        وجاء في الإبصار(8) ما نصه: النعمان بن عمرو الأزدي الراسبي وأخوه الحلاس بن عمرو الأزدي الراسبي، كان النعمان والحلاس ابنا عمرو الراسبيان من أهل الكوفة، وكانا من أصحاب أمير المؤمنين «عليه السلام» وكان الحلاس على شرطته بالكوفة، قال صاحب الحدائق: خرجا مع عمر بن سعد، فلما رد ابن سعد الشروط جاءا إلى الحسين «عليه السلام» ليلاً فيمن جاء وما زالا معه حتى قتلا بين يديه، وقال السروي قتلا في الحملة الأولى ».

        لم يبين لنا صاحب الإبصار مصدر كلامه ولم نحصل على ما ذكره

__________
(1) الحدائق الوردية: 1/250.

(2) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/113.

(3) رجال الطوسي: 73.

(4) رجال الطوسي: 39.

(5) ولعل هجر المراد بها هنا البلدة اليمنية التي تبعد عن عثر يوماً وليلة، كما في معجم البلدان: 5/393.

(6) معجم رجال الحديث: 6/188.
(7) معجم رجال الحديث: 4/142.

(8) إبصار العين: 201.

(276)

 

في أي مصدر من المصادر، ولا في مظانها، ومنه نقل صاحب الذخيرة(1) وأضاف عليه قائلا: ومنهم النعمان بن عمرو الأزدي الراسبي وأخوه الجلاس بن عمرو الأزدي الراسبي، قال في إبصار العين: كان النعمان والجلاس إبنا عمرو الراسبيان من أهل الكوفة.

        وقال أبو جعفر الطبري: لهما ذكر في المغازي والحروب، وكانا من أصحاب أمير المؤمنين «عليه السلام»، وحضرا معه يوم صفين، وكان الجلاس على شرطته بالكوفة(2).

        وقال صاحب الحدائق: وقتل النعمان بن عمرو والجلاس بن عمر الراسبيين، وقال في إبصار العين: خرجا من الكوفة مع عمر بن سعد أولا حتى أتيا كربلاء، فلما رد عمر بن سعد الشروط جاءا إلى الحسين «عليه السلام» ليلة الثامن من محرم فيمن جاء وانضما اليه ومازالا معه إلى يوم عاشوراء، فلما شب القتال تقدم الجلاس أمام الحسين «عليه السلام» إلى الجهاد(3)، فقتل في الحملة الأولى مع من قتل من أصحاب الحسين «عليه السلام» وقتل أخوه النعمان مبارزة فيما بين الحملة الأولى والظهر في حومة الحرب بعد ما عقروا فرسه رضوان الله عليهما.

        وفي المناقب لابن شهرآشوب قال: ومن المقتولين يوم الطف في الحملة الأولى النعمان بن عمرو الراسبي وأخوه الحلاس بن عمرو الراسبي، والله العالم.

        وفي كون الراسبي أزدياً فلا إشكال في ذلك حيث أن راسباً هو ابن مالك بن ميدعان بن مالك بن نصر بن شنوءة بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

        وأما بالنسبة إلى من ذكره باسم حلاس بالحاء المهملة فهو من حلس وهو من جلس في بيته وهو إسم علم اشتهر في الجاهلية وفي صدر الاسلام، وأما من أورده باسم جلاش بالشين المعجمة فهو من جلش والتي

_______
(1) ذخيرة الدارين: 471.

(2) لم نحصل عليه في تاريخ الطبري.

(3) لا يوجد كل هذه التفاصيل في الإبصار.

(277)

 

لا معنى لها في اللغة العربية، ولم نجد في التراجم من يسمى بذلك مما يرجح أن يكون تصحيفاً.

        ولا يخفى أن هناك جلاس بن عمرو الكندي الذي وفد على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع وفد كندة فهو مغاير له(1)، والجمع بين كندة وراسب الأزدي لا تلاقي ينهما إلا عند زيد بن كهلان.

        وعلى أي حال فإنه حسب الظاهر كوفي، فاذا صح ما نقله الإبصار فلابد أن تكون ولادته على أقل التقادير في حدود سنة 21هـ أو قبلها.

        هذا وقد مدحته بقصيدة بتاريخ: 7/2/1436هـ من بحر الرجز(2) بعنوان: «شهيد قد شمخ»:

جلاس أو حلاس في بعض النسـخ           ذا شخصه قرم شهيد قد شمـــــــــــخ(3)

يحمي حسيناً في العرا مستخدمـــاً            روح الولا عند الوفا فيمن بـــــــــذخ(4)

يجري إلى الموت الذي فيه المنـى            دفعاً لمكروهٍ يني سبطاً فـــــــــــضخ(5)

لا يعتني مهما يكن لون الــــردى             حيث العلا في حاجــــــــةٍ يوم السبخ(6)

يرجو بذا ترسيخ دين المصـطفى             والمرتضى والــــمجتبى فيمن رضخ(7)

في كربلا قد قتلوا نجل الهـــــدى             والآل والصـــحب الألى ذاقوا الشدخ(8)

مالي أرى جمعاً سبوا في نينـوى             في الأسر قد نالوا الأذى عند الرسخ(9)

____________
(1) راجع الإصابة: 1/242 وأسد الغابة: 1/347 وميزان الاعتدال: 1/420.

(2) تفعيلته: مستفعلن ×6.

(3) شمخ: علا وسما.

(4) بذخ: ارتفع وارتقى كبراً.

(5) ونى: ضعف.

فضخ الرأس: شدخه.

(6) السبخ: الأرض ذات النز والملح، إشارة إلى يوم الطف.

(7) رضخ: أطاع واستسلم.

(8) الشدخ: السقوط، والمراد به الموت.

(9) الرسخ: الثبات والتمكن، أراد الثبات في الحرب.

(278)

 

حلاس يكفيه بذا فــــــخراً لأن        يجري بــــعزمٍ في صفاء قد ولخ(1)

إبكوا دماً فيما جرى في طفهم        يوم الـعدا غالوا حسيناً في نضخ(2)

هذا شهيد أو سحيق أو شـريـ         ـد أو أسير في الفلا يرجو الكمخ(3)

ربي قضى فيهم بحسنى نالهم         أرقــــى من الدنيا وما فيها فرخ(4)

__________
(1) في نسخة خلاس الفوقانية.

ولخ: عظم وطال وترسخ.

(2) نضخ: الماء اشتد فورانه من ينبوعه، وأراد به نضخ الدم.

(3) الكمخ: الشموخ.

(4) فرخ: الرجل زال حزنه وذهب فزعه، أراد مباهج الدنيا.

(279)

 

(280)

 

(31)

جنادة بن الحارث الأنصاري

(ن30- 61هـ = 650- 680م)

 

        هو جنادة بن الحارث الأنصاري.

        ضبط المفردة «جنادة » بضم الجيم المعجمة المنقوطة التحتانية بعدها نون مفتوحة بالألف ثم دال مفتوحة تنتهي بهاء منقوطة على زنة قلامة، هذا الوزن ياتي مصدراً لما سقط ونشأ عن فعل كما في ظلامة وقمامة وقلامة ولكنه لا يصدق هنا من فعل جند بفتحتين في الفعل الماضي اللازم، وأما الفعل المتعدي بمزيد من الحرف كجند فمصدره التجنيد، وجند تأتي بمعنى جمع الجنود حيث اتخذ من الجند- بالضم والذي هو العسكر والأنصار والأعوان- فعلاً، كما أن الجند بالضم أيضا بمعنى المدينة، ومن هنا يقال أجناد الشام أي مدنها الكبيرة الخمس قديماً: دمشق وحمص وقنسرين والأردن وفلسطين، وأما جنادة المتخذ علماً في الجاهلية والاسلام فهو على قياس، ولعله أريد به الناصر والعون، وقد تسمى بذلك جمع من الأصحاب والتابعين، والظاهر عدم ترابط جنادة بهذه الصيغة مع الجند بفتحتين وهي الأرض الغليظة ليكون المعنى عند اتخاذها علماً مأخوذاً من هذا المعنى للدلالة على الصلابة والقسوة.

        ورد ذكره في المناقب(1) والفتوح(2) والخوارزمي(3) وذكروا له

__________
(1) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب المتوفى سنة 588هـ: 4/104 وعنه بحار الأنوار: 45/288 وأسرار الشهادة: 2/275.

(2) الفتوح لابن أعثم الكوفي المتوفى سنة 314هـ: 5/201.

(3) مقتل الحسين للخوارزمي المتوفى سنة 568هـ: 2/21.

(281)

 

 

رجزاً(1) والظاهر أن هؤلاء الثلاثة من القدامى أورده بهذا النص، كما لم نجد من ذكر هذا الرجز التائي منسوباً إلى غير الأنصاري جنادة بن الحارث، فهل يا ترى أن هناك دلالة على اتحاده مع السلماني ابن الحارث أو مع ابن الكعب الأنصاري فهذا ما لم نتمكن من إحزاره، فيبقى القول بعدم الاتحاد هو الأولى بعدما تبنينا أن حصر عدد أنصار الحسين «عليه السلام» المستشهدين من الهاشميين وغيرهم في إثنين وسبعين شهيداً غير صحيح، وأن التغاير وعدم الاتحاد وارد، وعليه فمن المتوقع أن يكون عمره يوم عاشوراء لا يقل عن ثلاثين سنة، وعليه فاحتمال أنه مولود سنة ثلاثين للهجرة وارد، وربما كان مولده في الكوفة، والله العالم بحقائق الأمور.

        وللكلام صلة نسبية فيمن هم سميوه كجنادة بن الحارث السلماني وجنادة بن كعب الأنصاري، كما سبق الحديث في جابر بن الحارث السلماني.

        وذكر المناقب(2) أنه برز بعد جنادة بن الحارث الأنصاري ابنه واستشهد، ثم برز فتى قائلا: «أمير حسين ونعم الأمير»، ولكن جاء في الفتوح(3) وخرج من بعده عمرو وهو يقول: من الكامل:

أضق الخناق من ابن هند وارمد             من عاهة لفوارس الانصار(4)

        وفي الخوارزمي(5) كما في الفتوح إلا أنه أضاف بعد نقل الأبيات: ثم حمل فقاتل حتى قتل، ثم خرج من بعده شاب قتل أبوه في المعركة وكانت أمه عنده- إلى أن يقول: فخرج وهو يقول: «أميري حسين ونعم الأمير» مما يوضح بعض الخلط الحاصل لصاحب المناقب من دمج الشاب مع ابن جنادة، والصحيح تفكيكهما، ولمزيد من التوضيح سنأتي على ذلك في ترجمة عمرو.

__________
(1) ديوان القرن الأول: 1/99.

(2) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/104.

(3) الفتوح: 5/201.

(4) ديوان القرن الأول: 1/195 وفيه سبعة أبيات.

(5) مقتل الحسين للخوارزمي: 2/21.

(282)

 

        وجاء في الروضة(1): ما مضمونه «خرج جنادة بن الحارث الأنصاري في كامل سلاحه إلى ساحة قتال وبعد مقتله خرج ابنه عمرو بن جنادة وعمل بمقتضى حكمة القول: «الولد على سر أبيه» عمل فاستشهد.

        لقد مدحت ورثيت جنادة بقصيدة من بحر الرجز المخبون(2) بتاريخ: 3/2/1438هـ بعنوان: «سلام على جنادة».

جنادةٌ بكربلا لقد مضـــــــى          مناصراً، لسبط أحـــمد حمـــى

محمدٌ شفيعه لد اللقـــــــــــا            جزاؤه على الــفدا وقد سمـــا(3)

وحيدر كفليه وهكــــــــــــذا           البتول والــــذي بدارنا زكـــا(4)

أب الفتى لحارث نمى لـدى           جميع من تتبعوا بذي الدنـــى(5)

وخزرج عشيرة بيــــــثربٍ           مقامهم بذا جنادة حظـــــــــى(6)

شهادةٌ بها كرامة قـــــــضى          إلى جنانه فهل ترى جلـــــــــى

عليك يا جنادة ســــــلام من سعى ملبياً وبات في مـــنــى(7)

رثاء من جرى بنينوى حديـ          ـثه فريضة فقل لـــــــمـن درى

ولاؤه لآل أحمدٍ لـــــــــــــه           جزيل ما لدى العلى من الجزا

كفى جنادةٌ شهامةً بمــــــــا            وفى بطف نجل من له العزا(8)

________________

(1) روضة الشهداء للكاشفي المتوفى سنة 910هـ: 387.

(2) وزنه: مفاعلن ×6.

(3) اللقا: يوم القيامة.

(4) زكا: أراد به الحسن الزكي «عليه السلام».

(5) الدنى: الدنيا.

(6) الأنصار أغلبهم من الخزرج.

يثرب: المدينة المنورة.

(7) أي سلام كل مؤمن حج إلى بيت الله الحرام.

(8) من له العزاء: هو المرتضى والمصفطى عليهما التحية والسلام.

(283)

 

(284)

 

(32)

جنادة بن الحارث السلماني

(ن2- 61هـ = 623- 680م)

 

        هو جنادة بن الحارث السلماني.

        وقد جاء نسبه في الفرسان(1) كالتالي:

        جنادة بن الحرث (الحارث) بن عوف بن أمية بن قلع بن عبدة بن حذيفة بن فقيم بن عدي بن زيد بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن الحرث المذحجي المرادي السلماني الكوفي، والجمع بين سلمان ومراد ومذحج ممكن لأن سلمان هو ابن يشكر بن ناجية بن مذحج (مالك) بن أدد بن زيد بن يشجب الثاني بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب الأول بن يعرب بن قحطان.

        وأما ما ورد في التنقيح(2) بأنه أزدي لأن أزداً هو ابن الغوث بن نبت بن مذحج (مالك)، فعليه فان أزداً يعد من طبقة سلمان وهما إبنا غم يلتقيان عند جدهما الثاني مذحج، فلا يمكن الجمع بينهما، ومن هنا فإن

_____________
(1) هامش فرسان الهيجاء: 1/76 نقلا عن تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، إلا أننا لم نحصل على ترجمته فيها، مما لا يمكن الاعتماد على نقله، وعن الفرسان نقل وسيلة الدارين: 113، وجاء هذا التسلسل في الإصابة: 1/246 ولكنه ذكر «جنادة بن عوف»، ولعل ذلك من استنتاج الذخيرة كما سيأتي، وفيه بعض الاختلاف نذكر ما ورد في الإصابة لبيان الفرق: «جنادة بن عوف بن أمية بن قلع بن عياد بن حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن زيد بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن كنانة أو ثمامة الكناني»، ولا مجال للقول بأن بني كنانة وبني سلمان متحدان، فعليه فإن النسب المذكور لا يصح- راجع معجم قبائل العرب: 3/996- 998.

(2) تنقيح المقال: 1/234.

(285)

 

التنقيح احتمل أن يكون سلمان نسبة إلى موضع بين عين صيد وواقصة أو العقبة(1)، أو نسبة إلى موضع آخر والذي هو ماء قديم جاهلي وهو في الطريق إلى تهامة والجاهلية من العراق(2)، أو بفتح لام سلمان نسبة إلى سلمية بفتح السين واللام وسكون الميم وفتح الياء، وهي بلدة قرب حمص، منها عتيق السلماني محركة كما في القاموس(3).

        ولكن تحليله غير صائب بل الصحيح أنه ليس بأزدي، بل هذه النسبة غلبت على من ينتمي إلى سلمان الذي هو حي من مراد كما في الأنساب(4) وفيه، «ويقال أيضا: سلمان في قضاعة» أي هناك بطن من قضاعة يقال لهم سلمان، ومع هذا فلا يمكن الجمع بين قضاعة ومذحج(5).

        والظاهر أن الذي جعله يجمع بين السلماني والأزدي هو ما ورد في زيارة الناحية(6): «السلام على حيان بن الحرث السلماني الأزدي» وربما أوقعته في الخطأ عبارة الذخيرة حيث ذكره في العنوان باسم «جنادة»، وفي الشرح ذكره باسم حيان، والغريب من صاحب الذخيرة بل التنقيح أنهما

___________
(1) جاء في معجم البلدان: 3/239 «والسلمان على زنة فعلان من السلم والسلامة، فنزل بين عيد صيد وواقصة والعقبة، وبين عيد صيد وسلمان ليلتان، وواقصة دون ذلك، وبين العقبة والسلمان ليلتان».

(2) جاء في معجم البلدان أيضا: «وسلمان ماء قديم جاهلي وبه قبر نوفل بن عبد مناف، وهو طريق إلى تهامة من العراق في الجاهلية، قال أبو المنذر: إنما سمي طريق سلمان باسم سلمان الحميري، وقد بعثه ملك في جيش كثير يريد شمر يرعش بن ناشر ينعم بن تبع بن يكنف الذي سميت به سمرقند لأنه كسر حائظها.

(3) جاء في قاموس المحيط: 4/132 «وسلمية مسكنة الميم مخففة الياء بلد، ومنه عتيق السلماني محركة » وفي تاج العروس: 32/388 «بلدة قرب حمص ونظيره في الوزن سلقية بلد بالروم، ولو قال كمطيلة كان أخصر »، وجاء في معجم البلدان: 3/241 «أهل الشام يقولون سلمية بفتح أوله وثانيه وكسر الميم وتشديد ياء النسبة، وهي بين حماة ورفنية».

(4) الأنساب للسمعاني: 4/276.

(5) راجع معجم أنصار الحسين (غير الهاشميين): 1/155.

(6) زيارة الناحية في المرتبة الثلاثة والأربعين- راجع معجم أنصار الحسين (غير الهاشميين): 1/216.

(286)

 

ذكرا جنادة ولم يذكرا حيان من دون أن يشيرا إلى أنهما متحدان، أو أن «حيان» تصحيف لجنادة والصحيح هو جنادة، وبالتالي فهما يريدان القول بأن ما ورد في زيارة الناحية «حيان » تصحيف، ولكنه صعب عليه القول بأن الأزدي الذي ورد في زيارة الناحية مع السلماني غير صحيح، ومن هنا فإن الطوسي لم يضف الأزدي، ولكن القول بالتصحيف بين جنادة وحيان بعيد جداً، ولأجل درك ما أوردوه في هذا المقام من أقوال لم نتمكن من الحصول على مستند لها نورد ما نص عليه الذخيرة(1): هو كالتالي:

        «(جنادة بن الحرث السلماني) قال عليه الصلاة والسلام في الناحية: «السلام على حيان بن الحرث السلماني الأزدي »، أقول: قال أبو علي في رجاله(2): جنادة بن الحرث السلماني الأزدي من أصحاب الحسين بن علي «عليه السلام» قتل معه في كربلاء.

        وقال علي بن الحسين بن هبة الله بن عساكر في تاريخه: هو جنادة بن الحرث(3) بن عوف بن أمية بن ... بن الحرث المذحجي المرادي السلماني الكوفي له إدراك وصحبة، وقال ابن مسعود(4): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتب لجنادة بن الحرث «هذا كتاب من محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لجنادة وقومه ومن اتبعه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومن أطاع الله ورسوله فإن له ذمة والله وذمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)»

_____________
(1) ذخيرة الدارين: 417.

(2) إسم رجاله: منتهى المقال تقع طبعته الجديدة في سبعة أجزاء ومؤلفه: هو ابو علي الحائري: محمد بن اسماعيل المازندراني (1159- 1216هـ)، ولد وتوفي في كربلاء المقدسة ودفن في الصحن الحسيني، يرجع بنسبه إلى الشيخ الرئيس أبي علي ابن سينا، ومن مؤلفاته: عقد اللآلئ، العذاب الواصب، وزهر الرياض.

(3) جاء في هامش الكتاب: في المصدر: «جنادة بن عوف » بدل «جنادة بن الحرث » ونقول من الواضح أنه تصحيف.

(4) ابن مسعود: هو عبد الله بن مسعود بن غافل (عاقل) بن حبيب الهذلي (ن30ق.هـ- 32هـ) من الصحابة المعروفين، كان من خدام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، شارك في غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ممن روى عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

(287)

 

        وقال صاحب إبصار العين: كان جنادة بن الحرث من مشاهير الشيعة ومن أصحاب أمير الؤمنين «عليه السلام»(1).

        وفي كتاب صفين لنصر بن مزاحم المنقري قال: وكان جنادة بن الحرث يقاتل بين يدي علي بن أبي طالب «عليه السلام» يوم صفين.

        وقال أبو جعفر الطبري: كان جنادة بن الحرث قد خرج مع مسلم بن عقيل أولاً، فلما نظر خذلان أهل الكوفة مع مسلم فر واختفى عند قومه، فلما سمع بمجيء الحسين بن علي «عليه السلام» خرج إليه مع عمرو بن خالد الصيداوي، وجماعة من الشيعة فمانعهم الحر بن يزيد ثم أخذهم الحسين «عليه السلام» كما تقدم آنفاً في ترجمة حال مجمع بن عبد الله العائذي.

        وقال أبو مخنف: فلما كان يوم الطف تقدم جنادة بن الحرث وأصحابه الذين جاؤوا مع عمرو بن خالد الصيداوي، فأوغلوا في صفوف أهل الكوفة، حتى أحاطوا بهم من كل جانت ومكان، فانتدب لهم العباس فخلص اليهم وخلصهم، ولكنهم أبو أن يرجعوا سالمين ويروا عدواً قد استقبل بهم فقاتلوا بعد أن قاتلوا قتال الأسود اللوابد، حتى قتلوا في مكان واحد رضوان الله عليهم.

        توضيح ضبط ما وقع في هذه الترجمة: جنادة- بالجيم والنون والالف والدال المهملة وبعدها الهاء- ذكره العلامة في كتاب إيضاح الاشتباه(2) السلماني نسبة إلى سلمان، وهم بطن من مراد، ومراد بطن من مذحج، ذكره صاحب نهاية الأرب في أنساب العرب(3)»(4).

        وما ينقد على ما أورده نقاط:

        1- لا وجود في رجال أبي علي الحائري «منتهى المقال» ما نقله عنه، حيث لم نحصل على ذكر جنادة بن الحرث، ولا جابر بن الحرث، ولا جبار بن الحرث، ولا جياد بن الحرث، ولا حيان بن الحرث ولا

___________
(1) هذه العبارة موجودة في إبصار العين: 158.
(2) لم يوجد في إيضاح الاشتباه: .............

(3) لم يوجد في نهاية الارب: ................

(4) هذا الكلام بطوله ورد في ذخيرة الدارين.

(288)