معجم  أنصار الحسين  (النساء)     (الجزء الأول)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (النساء) (الجزء الأول)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

 

الاختلاط

 

       من المسائل التي يثيرها أعداء الإسلام هو أن الإسلام يمنع من اختلاط المرأة بالرجل، وفي الواقع أنه عنوان عام يختلف من مورد إلى آخر ولا يمكن الحكم على كل موارده بحكم واحد، ولم يمنع الإسلام عموم الاختلاط، وإنما منع الاختلاط المؤدي إلى الفساد، ولم يقع المنع على الاختلاط المجرد، بل الملاحظ أن جميع العبادات تعد من الأمور التي يختلط فيها الرجال بالنساء، فالطواف في مناسك الحج، وإقامة الصلوات الخمس وغيرها جماعة، وكذلك سائر الشعائر الدينية تقام في تجمع حافل بالرجال والنساء.

       هذا وقد شاركت المرأة منذ التاريخ الأول الإسلامي مع الرجل في الحرب والسلم، في الأفراح والأتراح، وفي جميع المجالات، فهذي فاطمة الزهراء «عليها السلام» ابنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دخلت المعمعة السياسية بعد وفاة أبيها، حيث خطبت الناس وفيهم الرجال والنساء، وكذلك فعلت ابنتها  زينب الكبرى «عليها السلام» حين خطبت الناس في الكوفة والشام.

       ولقد منع الإسلام اختلاط المرأة بالرجل المؤدي إلى احتكاك جنسي واستمتاع غير خلقي، ومن هنا نجد أنه منع خلوة الأجنبي بالأجنبية، ولم يمنع من کشف الطبيب الرجل عن المريضة فيما إذا لم تتمكن من مراجعة الطبيبة.

       ومن جهة أخرى فإنا لم نقرأ ولم نسمع عن تاريخ الإسلام بأنه خصص مسجداً للنساء وآخر للرجال(1) ولا عن طريق بخص الرجال دون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نعم قد تجد في بعض الدول الإسلامية ذلك ولكننا نجد الفساد شائعاً فيها، حيث نجد إلى جانبها مسابح مختلطة والفسق والفجور منتشر والخمر متداول، والإسلام لا يريد بعض الظواهر، بل يريد اقتلاع الفساد من جذوره.

(30)

النساء وهكذا، مما يدل على أن الاختلاط بشكل عام غیر ممنوع، ولكن الذي يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه هو المحرم شرعاً، وأما الأعداء فقد استغلوا بعض الموارد ليحكموا على الإسلام بالتخلف ظلماً وعدواناً.

       هذا وقد مرت الحضارة الغربية بتجربة صعبة خلال عقود من الزمن ووجدت أن اختلاط الجنسين في التعليم أدى إلى تراجع نسبة الأداء التعليمي فعمدت إلى فصل الجنسين في صفوف خاصة للذكور وأخرى للإناث، وقد تعالت الأصوات من مختلف الجوانب التعليمية في الغرب وبالأخص في الولايات المتحدة الأمريكية إلى فصل البنات عن البنين، وبالفعل فقد أدت التجارب إلى تحسين أداء التعليم والتفوق، وتذكر المصادر ذاتها أن المرأة شعرت ولأول مرة بكرامتها وحظيت باحترام أكبر في صفوف الجنس الواحد، كما حظيت بنجاح باهر في موارد التعليم(1).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع مجلة الطاهرة الطهرانية : 137/4، التاريخ:1423هـ (2003م).

(31)

 

المرأة والتعليم

 

       قد يعكس وضع المرأة من خلال الإحصاءات الكفيلة ببيان نسبة الأمية بين النساء في الدول الإسلامية وارتفاعها، إلى القول بأن الإسلام من وراء منع المرأة من التعليم، وربما يوثق ذلك بتصريحات بعض المتزمتين من ذوي العقول المتحجرة ممن لا صلة لهم بالفقه الإسلامي، وليس لهم باع في النصوص القرآنية والروائية، ويتمسكون ببعض الظواهر التي كانت سائدة منذ الجاهلية، والتي بقيت تحكم البلاد الإسلامية بعد بزوغ فجر الإسلام دون التعمق في النصوص التي جاءت لتحث الجميع من ذكور وإناث على التعليم واضعين خلف ظهورهم الممارسات التي كان القادة من ورائها لأجل إشاعة التعليم بين المسلمين ذكوراً وإناثاً، والتي بحثناها في أبواب سابقة، لذلك فإننا نشير إليها بشكل عابر، ومن تلك على سبيل المثال قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»(1)، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يستغل وجود الأسراى بين المسلمين ممن هم من الأمم المتحضرة الأخرى فيطلب منهم أن يعلموا المسلمين كل ما لديهم من علوم وحرف وصناعات، بل نجده (صلى الله عليه وآله وسلم) کان له عدد من المترجمين والكنبة ليخاطب الموفدين إليه من أقوام تختلف لغتهم عن لغة المسلمين العربية.

       وما حمل الروايات العامة الواردة في هذا الباب على إرادة الذكور إلا تخرّص لم يدعم بدليل. فمثلاً قولهم في: «اطلبوا العلم ولو في الصين» بأن المراد بذلك الذكور دون الإناث، إنه في الحقيقة ناشیء من ضعف الملكات والقدرات العلمية التي يحملونها، ولماذا هؤلاء لا يقولون

ــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار :67/68.

(32)

بتخصص الآيات الواردة في القرآن الكريم والتي تخاطب المسلمين بقوله: ((يا أيها الذين آمنوا)) أو ((كتب عليكم))، والتي جاءت بصيغة المذكر وحصرها في الرجال ، بل لا بد من القول إن الصلاة والصوم والزكاة بل وسائر الأعمال الواردة في مثل هذه النصوص كلها خاصة بالذكور دون الإناث، لأن الخطاب ور بصيغة المذكر.

       وعلى أي حال فإن أول من دون وكتب و أملى من الرجال هو علي ابن أبي طالب «عليه السلام»، ومن النساء فاطمة الزهراء «عليها السلام»، ولقد أشرنا إلى هذا في مكان آخر من الموسوعة(1) فلا نكرر.

       والحاصل: إن الإسلام قد أصيب من الداخل والخارج بكثير من التزوير والتحريف، فإن الأعداء قاموا بعملية تدليس الحقائق التي هم يعرفونها أحسن من غيرهم حيث رفيعة الإسلام وعظمته، ولكنهم قوموا الإسلام بعمل بعض المسلمين المتزمتين الذين أدخلوا أراءهم وعاداتهم وتقاليدهم في الإسلام وعرضوها باسم الإسلام، ومن هنا نحذرهم من الاستناد في المسائل الفكرية الإسلامية إلى عمل المنتسبين إلى الإسلام، بل المفروض عليهم أن يستندوا إلى الكتاب والسنة الصحيحة، وعلى مسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام، ومن الملاحظ أن النساء اللائي ارتبطن بهؤلاء القادة من أمهات وزوجات وبنات وأخوات لم يكن فيه من الأميات واحدة أبدا، فكلهن من فضليات عصرهن.

       ولا مجال إذاً من حمل الروايات أو الآيات إلى ما يرتئيه أصحاب العقول المتحجرة، والأخذ بآرائهم وتخصيص تلك الآيات بالذكور أو حصرها بعلم القرآن أو الدين بل هي مناقصة لجميع النصوص التي وردت في مسألة المعرفة والعلم والتدبير.

       كما لا مجال للمشرعين بالإسلام من الاستدلال على الفكر الإسلامي اعتماداً على سيرة وأعمال المنتسبين إلى هذا الدين طالما هناك

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الجزء الأول من معجم المصنفات الحسينية من هذه الموسوعة.

(33)

 

نصوص صريحة ومفضلة لهذا الجانب كما ولغيره، ومن هنا نجد أن العلماء قد صنفوا الروايات الخاصة بالعلم والمعرفة والتدوين والترجمة وغيرها في معاجمهم، فلتراجع .

 

 

(34)

 

المرأة و العمل

 

       إن الحديث عن إمكانية عمل المرأة جاء في الحقيقة من الدعاية المعاكسة التي شنها الأعداء على الإسلام والمسلمين، وربما جاء في كلام بعض المسلمين أو ممارساتهم وسيلة إلى التهريج ضد الإسلام، وفي الواقع إن الذي يجب أن يؤخذ به حیث لا دليل على حرمته أصالة الحلية، فكيف بوجود روایات تحث المرأة على العمل، منها قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «نعم الله وللمرأة الصالحة المغزل»(1) بالإضافة إلى ذلك فإن المرأة كانت تعمل على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل مناحي الحياة، الزراعة والنسج والغزل والطحن والسقاية وما إلى ذلك(2) وهذه السيدة فاطمة الزهراء «عليه السلام» ابنة  الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): غزلت وحاكت وطحنت وخبزت ومارست السقاية حتی مجلت يداها، وهكذا كانت النساء في العهد الأول من الإسلام وظلت المرأة تعمل وتعمل إلى عصرنا هذا دون مانع أو رادع، نعم إنما حرم الله لها المتاجرة بنفسها أو بمفاتنها كما هو رائج عند من لا يؤمن بالله واليوم الآخر من أتباع الحضارة الغربية، وأما إذا كانت المرأة محتشمة ولا ينتقص من كرامتها فلا مانع من العمل، وإن كان الإسلام لم يفرض عليها العمل في عيولة الأب أو الابن أو الزوج بل فرض عليهم الكد والعمل للقيام بمهامها وحاجاتها وذلك تكريماً لها وإبعادها عن الشقاء والتعب ليلقي العناء على الرجل والذي تتلاءم تركيبته الجسدية والصعبة في قبال المرأة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار:100/261.

(2) روى سماعة عن الامام «عليه السلام» :«ان رسول الله (ص) خرج بالنساء في الحرب يداوي الجرحى». وسائل الشيعة :6/86، صحيح البخاري :8/416، وفي رواية الامام الباقر «عليه السلام» :«الجارية اذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ، ذهب عنها اليتم، ودفع اليها مالها ،وجاز امرها في الشراء و البيع » الكافي: 7/197.

(35)

التي أريد منها أن تكون الجنس الناعم وتعمل بما يناسب ترکیبتها الجسدية «الفسيولوجية»، ومن هنا نجد أن المرأة العاملة في جميع المجالات يسمح لها أن تعطل عملها فترة الدورة الشهرية وقسماً من أيام الحمل تماشياً مع بنيتها الجسدية. وأخيراً فإن المراد بالعمل هنا ليس تولي المناصب العليا التي سيأتي الحديث عنها مستقلاً، بل المراد هو الأعمال الأخرى فإذا جاز لها تلك المناصب العليا فبالأولية جاز لها ما هو أدنى منها أهمية، ولكن إذا ما منعت عن تلك فلا دليل على منعها عن العمل في سائر مرافق الحياة سواء كانت إدارية أو عملية.

       ولنا للمرأة أنموذجان، الأول: السيدة خديجة رضوان الله عليها، كانت من كبار تجار مكة، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل معها في هذا الحقل.

       الثاني: ابنتا النبي شعيب «عليه السلام» واللتان كانتا تستسقيان الماء، وقد نص عليهما القرآن الكريم وبين كيف كانتا محتشمتين، رغم الاختلاط(1) كما كانتا ترعيان أغنام أبيهما أيضاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال تعالى: ( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير * فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين » [القصص : ۲۳ - 25].

(36)

ولاة المرأة

 

       شاع بين شرائح من المسلمين، أن المرأة لا تصلح لأن تتبوأ مراکز عالية، سواء في المجال الديني أو الاجتماعي، سياسياً كان أو غيره، بل ذهبوا إلى حرمة ذلك، وقد استندوا في ذلك إلى بعض الروايات التي لا تتجاوز ما سنورده هنا:

       ١- روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لن يفلح قوم تملكهم امرأة»(1).       

       ۲- روي عن أمير المؤمنین «عليه السلام» : «کنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة»(2).

       ۳- روی عبد الله بن عباس عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ولو أن آدم خلق من حواء لكان الطلاق بيد النساء، ولم يكن بيد الرجال»، «ولو خلقت حواء  من كله لجاز القضاء في النساء كما يجوز في الرجال»(3).

        4- روى الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: قال أمير المؤمنين «عليه السلام» في كلام له: اتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر، وإن أمرنكم بالمعروف فخالفوهن كيلا يطمعن منكم في المنكر»(4).

       5- روي عن الإمام الباقر «عليه السلام»: «إن المرأة لا تولى القضاء ولا تولى الإمارة»(5).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك على الصحيحين: 4/ 324 وفي جواهر الكلام: 40/14: «لا يفلح قوم وليتهم امرأة» عن سنن البيهقي،10/16 ومسالك الأفهام: ۲/351.

(۲) نهج البلاغة : الخطبة : ۱۳.

(3) مستدرك وسائل الشيعة: 14/ 285.

(4) وسائل الشيعة : ۲۰/ ۱۷۹، وقد ورد بنصوص مختلفة .

(5) بحار الأنوار:101/275.

(37)

 

       روى الباقر «عليه السلام» عن آبائه في وصية النبي لعلي «عليه السلام» قال: «يا علي ليس على المرأة جمعة ولا جماعة، ولا أذان ولا إقامة ولا عيادة مريض ولا إتباع جنازة، ولا هرولة بين الصفا والمروة ولا استلام الحجر، ولا حلق، ولا تولى القضاء، ولا تستشار، ولا تذبح إلا عند الضرورة، ولا تجهر بالتلبية، ولا تقيم عند القبر، ولا تسمع الخطبة، ولا تتولى التزويج بنفسها، ولا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه...»(1).

       7- روى ابن عباس في حديث طويل عما دار بين الله وحواء: «الآن اخرجي أبداً فقد جعلتك ناقصة العقل والدين والميراث والشهادة والذكر، ومعوجة الخلقة شاخصة البصر، وجعلتك أسيرة أيام حياتك، وأحرمتك أفضل الأشياء: الجمعة والجماعة، والسلام، والتحية، وقضيت عليك بالطمث- وهو الدم- وجهة الحبل والطلق والولادة فلا تلدين حتى تذوقين طعم الموت، فأنت أكثر حزناً، وأكسر قلباً، وأكثر دمعة، وجعلتك دائمة الأحزان، ولم أجعل منكن حاكماً، ولا أبعث منكن نبياً... »(2).

       8- روي عن أمير المؤمنين «عليه السلام» أنه خطب وقال: «معاشر الناس لا تطيعوا النساء على حال ولا تأمنوهن على حال، ولا تذروهن يدبرن أمر العيال، فإنهن إن تركن وما أردن أوردن المهالك، وعدون أمر المالك، فإنا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن، ولا صبر لهن عند شهوتهن... » الحديث(3).

       9- روي عن أمير المؤمنين «عليه السلام» في وصيته لابنه الحسن «عليه السلام» «وإياك ومشاورة النساء، فإن رأيهم إلى أفن(4) وعزمهن إلى وهن... ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة»(5).

_______________
(1) من لا يحضره الفقيه: 4/263.

(2) مستدرك وسائل الشيعة: 14/85، عن تحفة الاخوان: 27.

(3) وسائل الشيعة: 20/180 عن من لا يحضره الفقيه: 3/361.

(4) رأي أفن: ضعيف وناقص.

(5) نهج البلاغة: 301.

(38)

 

       هذا كل ما ورد في هذا الباب حسب ما توصلنا إليه، ومن الواضح أنها لا تصلح للنهوض في حجب المرأة من تبوء المناصب العليا من المرجعية الدينية أو السياسية من الولاية والإمارة أو القضاء والتقليد، وذلك لأن معظم الروايات مرسلة أو ضعيفة السند، ومن جهة أخرى فإنها لا تفي بالغرض لوحدها، لأن في الرواية الثانية المقصود هو عائشة التي قادت معركة الجمل، ولا يراد منها العموم، ولذلك أتبعها بقوله: «اتباع البهيمة».

       وأما الرواية السادسة التي هي من وصايا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنها تشمل الكثير من الآداب من مستحبات ومكروهات، فلا يمكن الاستدلال بها لوحدها، إلا إذا ما ثبت عدم جواز تولي القضاء من دليل آخر، ليكون هذا النص من المؤيدات، لا أن يكون دليلاً برأسه، ومن الملاحظ أنه ذكر منعها من صلاة الجماعة مثلاً، مع العلم أن الفقهاء يفتون بجواز حضورها الجماعة، بل قالوا باستحباب ذلك.

       وأما الرواية الثالثة والسابعة لعلها واحدة، وهي رواية غربية لا يمكن الاستدلال بها، وإن خلقها هكذا لا يرتبط بإغوائها لآدم لأن الخلقة كانت قبل الإغراء، ومع ذلك فإن الفقهاء لا يأخذون بكل ما ورد فيها.

       وأما الرواية الثامنة فإنها مخالفة وفيها تنقيص للمرأة بما لا يعقل، ولا يمكن صدوره من أمير المؤمنين «عليه السلام»، ومثلها الرواية الرابعة والتي نقلت بنصوص مختلفة، مما لا يمكن الاعتماد على نصها ودلالاتها وهما من الروايات الغريبة، ولا يخفى أنهما مرسلتان، وتلحق الرواية التاسعة بهما حيث إن التعليل الأول يفند بعمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسألة الحق عندما كان في العمرة ومنع من الدخول إلى مكة حيث أخذ برأي أم سلمة، وبموارد أخرى، وأما التعليل الثاني فإنه معقول متزن لا يدل على المنع بل على عدم تحميل المرأة ما لا طاقة لها.

       وأما الرواية الخامسة فيكفيها الإرسال.

       وأما الرواية الأولى فقد صححها الحاكم المستدرك على شرط الشيخين إلا أنهما لم يخرجاها بل أهملاها ولكن هناك من ضعف سندها، ولا يخفى أنها رويت بنصين مختلفين مضمونهما واحد مما يحتمل أنه منقول بالمعنى مما يضعف الإسناد إليها، وربما احتمل أن تكون خاصة

(39)

 

بموردها، حيث يروى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما قال ذلك حيث بلغه أن الملك ذي يزن توفي، فولوا أمرهم امرأة، ولكن استخدم لفظ «إمرأة» يفيد العموم.

       وأما ما يقال: إن الرسول لم يستخدم المرأة لمنصب القضاء أو الإمارة لا يمكن أن يكون دليلاً على المنع لأنه يحتاج إلى إحراز أنه كان بسبب كونها امرأة، ولكن أنى لنا ذلك، بعدما عرفنا أن أغلب النساء كن أميات، وكانت المرأة في تلك العهود مضطهدة، حتى جاء الإسلام ليرفع عنها الظلم والحيف، فكانت في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بداية حريتها وانطلاقها، ولم تكن المرأة بعد قادرة على تولي منصب القضاء أو الإمارة، ولا يخفى أن القضاء في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن له بروز لكي ينصب شخص له، ولم يعهد أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نصب لهذا المنصب.

       وعلى أي حال فإن أهم مال يستدل على منع المرأة من تولي القضاء أو الإمارة هو الإجماع المدعى من قبل مجموعة من الفقهاء، إلا أننا نحتمل أن معقده هو هذه الروايات التي لا تصلح للاستدلال بها، أو يكون معقده الاستحسان أي أن المرأة لم تتول منصباً من هذه المناصب على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والحاكمين بعده، وهذا أمر مخدوش فيه، نعم لا تكلف المرأة بما لا طاقة لها عادة، وكما في الحديث أنها ريحانة وليست بقهرمانة، فلا يفرض عليها أمثال تلك المناصب، وهذا لا يعني منعها منها أو حرمة توليها، وقد ذهب بعض الفقهاء- على سبيل المثال- إلى جواز تقليد المرأة(1) مما لا ينافي الإطلاقات والمعلومات ولا يخالف بناء العقلاء ومع هذا فلا نريد مخالفة الإجماع إن ثبت ونهض، فتأمل.

       والحاصل فإن الكلام في مناصب ثلاث: القضاء، المرجعية الدينية، والحكم(2). ,أما بقية المناصب فلا مراء في جواز توليها وإن تزمت بعضهم

___________
(1) جاء في الفقه: 1/216 «وفي اشتراط الرجولية في المجتهد خلاف، واستدل لمن قال بجواز تقليد الأنثى والخنثى بالإطلاقات والعمومات وعموم بناء العقلاء من غير رادع».

(2) وقد اختلف فقهاء الفريقين في ذلك، فهناك من جوز لها منصب الاجتهاد، وهناك من ربط الاجتهاد بالقضاء، وهناك من جوز لها القضاء المدني «الأحوال» ولم =

(40)

 

وأبعدها من كل المناصب، سواء أكانت خطيرة أو لم تكن، دون أن يستند إلى دليل مقنع، وفي الحقيقة هو من الرجوع إلى الجاهلية، ونظرتهم الظالمة عن المرأة، وهو بمثابة وأد المرأة، ولكن بشكل آخر، وقد حررها الإسلام من ذلك.

       وفي نهاية الكلام عن البحث لا بأس بالإشارة إلى الآية الكريمة (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...)(1).

 

____________
= يجوزها في القضاء الجنائي، وذهب بعضهم كابن جرير الطبري، إلى جواز أن تكون المرأة حاكماً على الإطلاق في كل شيء لأنه يجوز أن تكون فقيهة فيجوز أن تكون قاضية- راجع الفقه الإسلامي وأدلته: 6/483.

(1) سورة التوبة، الآية: 71.

(41)

 

قيمومة الرجل

       إن القيمومة: هي في الواقع تحمل المسؤولية في الجانب الإداري في دائرة ضيقة جداً وهي في الحياة الزوجية والتي تشير إليها الآية الكريمة: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)(1) مما يفهم منها- بل صريحها- أن هذه القيمومة إنما أنيطت بالرجل لأمرين، الأول: جسمي «فسيولوجي»، والثاني: حقوقي، فالأمر الجسمي «الفسيولوجي» هو امتلاك الرجل قدرة الإدارة بما يرافقها من المصاعب خلقت بقدرات معينة بعيدة عن تحمل مثل هذه المصاعب، ومن هنا نجد أنهم يعبرون عن الرجل بالجنس الخشن، بينما يعبرون عن المرأة بالجنس الناعم أو اللطيف.

       ومن الملاحظ أن المرأة بمقتضى توزيع الأدوار تتحمل مسؤوليات أخرى ولذلك تتعرض للدورة الشهرية والحمل والإنجاب وتبعات ذلك، وتملك إحساساً مرهفاً، وكل هذا بشكل عام لا يمكنها من أن تترشح لمنصب الإدارة العملية في التجميع العائلي، وهذا لا يعني أنها لا تقدر بتاتاً، فإن التجارب أثبتت أنها قادرة ولكن ليس بالهين ولا بالأمر الملائم مع طبيعتها الأنثوية، وهذا النوع من الامتلاك للقدرات أو عدمه لا يعني أن الرجل أفضل أو أنها الفضلى، بل إنه الأنسب والأفضل في إدارة شؤون العائلة، بينما هي الأنسب والأفضل في تولي أمور الحمل والإنجاب والإرضاع وتباعتها.

       إذاً هو من باب توزيع الأدوار حسب المقومات الجسمية والنفسية،

__________
(1) سورة النساء، الآية: 34.

(42)

 

وهذا هو المراد من القسم الأول من الآية الكريمة، وبما أن الحياة العائلية بحاجة إلى رعاية دائمة فالرجل الذي لا ينشغل بالدورة الشهرية ومؤثراتها النفسية والعضوية، كما لا ينشغل بالحمل والإنجاب وتبعات ذلك، فيكون بذلك أولى من المرأة إذ لا يمكن التهاون بهذا الدور أو تعطيله.

       وأما عن الأمر الحقوقي: فإن الرجل قد كلف من منطلق توزيع الأدوار- حسب القدرات الجسدية والنفسية- بالقيام بالشؤون الاقتصادية لهذا المجتمع العائلي، إذ عليه العمل لأجل تحصيل المال لتسديد حاجات الأسرة من الزوجة والأولاد، فلا يعقل أن يفصل بين جانب الإيراد والصرف وبين إدارة هذين الشأنين، بمعنى أننا نكلفه بتحصيل المال وإنفاقه، ونعرض عنه في التوزيع العادل لذلك المال لدى الإنفاق.

       إذاً فإن الحقين مرتبطان ارتباطاً عضوياً وإلا لأوجب الخلل، وذلك لأن الأمور مترابطة بعضها مع البعض الآخر، فالمرأة تتحمل الحيض وعوارضه والحمل ومصاعبه والإنجاب ومستلزماته، والعاطفة وتوابعها، وفي قبال ذلك فإن الرجل يتحمل مسؤولية العمل لتحصيل المال حسب حاجة الأسرة والإنفاق عليهم في جميع مناحي الحياة المطلوب، والتعقيل في الموازنة والتوزيع العادل بما يلائم حالات الأسرة والوضع الاجتماعي.

       ولا بأس هنا بالإشارة إلى أن القانون الفرنسي يشير إلى هذه القيمومة بشكل آخر ويقول: «إن الزوج يجب عليه صيانة زوجته، وأن يقدم لها كل ما هو ضروري لحاجات الحياة، في حدود مقدرته وحالته، وأن المرأة في مقابل ذلك ملزمة بطاعة زوجها وأن تسكن معه حيث سكن، وتنتقل معه إلى أي مكان يرى صلاحيته لإقامتها»(1). وربما أن هاتين المادتين تتطابقان مع قوله تعالى في الآيات التالية: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم)(2)، وقوله جل وعلا:

____________

(1) ماذا عن المرأة: 108، عن كتاب بيت الطاعة وتعدد الزوجات والطلاق في الإسلام: 6 عن المادة 213 و214 من القانون الفرنسي.

(2) سورة النساء، الآية: 34.

(43)

 

(أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن)(1)، وقوله تعالى: (لينفق ذو سعةٍ من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها)(2).

       ومن نافلة القول إن هناك بعض المناقشات التي تثار حول نهاية الآية التي ذكرت مسألة قيمومة الرجل فلا بأس بالتذكير بها وهو قوله تعالى: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)(3)، فالحديث كما يظهر من الآية هو عن تقسيم النساء وبيان أنهن على صنفين، صنف متفاهمات وهن الصالحات في أعمالهن تجاه الحياة الزوجية، قانتات مطيعات لله فيما فرض عليهن في طاعة أزواجهن فيما يرتبط بحياتهن الزوجية وحافظات على أسرار بيوتهن وكرامة بيوت أزواجهن في العفة وعدم الخيانة في العرض أو المال أو السمعة بالمقدار الذي حفظه الله للأزواج، وهناك زوجات يخاف منهن أن لا يكن كذلك ويكون لهن تمرد على تلك القوانين التي فرضها الله لحرمة الحياة الزوجية، فعلى الزوج أن يقوم بتربيتهن قبل وقوعهن في الخطأ وتعرضهن للخيانة، فيما إذا أدرك ذلك منهن، ولهذه التربية مراحل ثلاث بينها الله بالتدريج تبدأ بالوعظ والإرشاد والإقناع، وتنتهي بالضرب مروراً بهجر المضاجع، وقد أفرط البعض في تفسير الآيات مما أساء إلى الإسلام، ولكن أعلام المفسرين ذكروا بأن المقام مقام تربية وليس مقام التأديب لأن مجرد الخوف لا يتناسب مع التأديب، وتفسير الخوف بالعلم بعيد من السياق، وقد ذهب معظم أعلام المفسرين أن المراد به الظن(4) ليكون المقام مقام تربية لا تأديب، وهو من باب تدبير أمور البيت الزوجي التي نزلت فيها الآية جميعها وهي القيمومة.

       وفسر النشوز بعدم طاعة الزوجة لزوجها في الأمور التي فرضها الله

____________
(1) سورة الطلاق، الآية: 6.

(2) سورة الطلاق، الآية: 7.

(3) سورة النساء، الآية: 34.

(4) راجع قلائد الدرر: 3/147.

(44)

 

عليها والتي من أجلها عقدت هذه الشراكة والتي محورها الحقوق الزوجية بالمعروفة (التمكين)، وربما يطرح هنا السؤال التالي: هل النشوز خاص بالمرأة أو أن الرجل أيضاً قد ينشز؟ ونجيب على ذلك بقول الله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً)(1) وقول الإمام الصادق «عليه السلام» «النشوز يكون من الرجل والمرأة جميعاً »(2).

       ويقول بعض المفسرين: «قد يكون النشوز من الزوجة فقط وقد يكون من الزوج وقد يكون منهما »(3) إلا أن هذه الآية التي نحن بصددها تتحدث عن نشوز المرأة، ولنشوز الرجل مقام آخر وله أحكامه.

       وقد فسر أعلام المفسرين والفقهاء بأن المراد بالمرحلة الثانية، أي هجر المضاجع أن يحول الرجل ظهره إليها في الفراش، وهو ما نصت رواية الإمام الباقر «عليه السلام» في قوله «يحول ظهره إليها»(4) وأما المرحلة الثالثة: الضرب. فعلى فرض أن يكون المراد به هو الضرب المعروف، فقد ذهب أعلام المفسرين والفقهاء إلى أن الضرب يكون بالمنديل- وليس بسياط- بشكل لا يؤلمها. وقد ورد في حديث الإمام الباقر «عليه السلام»: «إنه الضرب بالسواك »(5)، لأن المقصود هو الردع وإظهار الانزجار، وهذا ما يحصل بالمنديل والسواك، وربما كانت الإشارة على ما يقولون أبلغ من التصريح، وقد ورد في مناهي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد ثم يعانقها في آخر النهار»(6) حيث يتبادر من الحديث أنه أراد إقلاع المسلم عن ضرب زوجته، دون أن يشرع الضرب الخفيف، كما أن سياق الآية يوحي أن المناسب تفسير مفردة الضرب بمعانٍ أخرى وردت في اللغة والتي منها الإعراض، أي الإعراض عن المرأة، سواء في العمل

__________
(1) سورة النساء، الآية: 128.

(2) وسائل الشيعة: 21/350.

(3) الكاشف: 2/317.

(4) مجمع البيان: 3-4/69.

(5) التبيان: 3/191.

(6) السنن الكبرى: 7/498، ح: 14780.

(45)

 

الجنسي، أو النوم معها في فراش واحد، ولا حاجة إلى تقدير حرف الجر «عن» ليفهم منه هذا المعنى، هذا ولم يعهد أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أهل بيته «عليه السلام» ضربوا إحدى زوجاتهم. ولا يخفى أن الواو المستخدمة في المراحل الثلاثة هي للترتيب من الأخف إلى الأثقل(1)، وأما الأقوال الأخرى، فالظاهر أنها بعيدة من روح التسامح الإسلامي المعهود، كما أن الأمر الوارد هنا للإباحة، وليس فرضاً كما عليه معظم الفقهاء والمفسرين(2). ومن هنا نجد أنه سبحانه وتعالى حريص على عدم البغي في تتمة الآية المباركة.

       وهناك بعض الروايات المنكرة والتي ظاهرها يوحي بأنها موضوعة حيث يروى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لا تضربوا إماء الله »، فجاء عمر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): « لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم »(4)، ويروى أيضاً أن سعد بن الربيع(5)- وكان نقبياً من نقباء الأنصار- نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير، فانطلق بها أبوها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: «أفرشته كريمتي فلطمها»، فقال: «لتقتص منه، فنزلت- الآية- فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أردنا أمراً وأراد الله أمراً، والذي أراد الله خير »(6).

       ومن الملاحظ أن في ذلك تنقيص في حق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يتناقض مع قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى)(7).

_____________
(1) راجع قلائد الدرر: 3/148.

(2) راجع قلائد الدرر: 3/149.

(3) ذأر: أنف، اجترأ.

(4) سنن أبي داود: 1/652، ح: 2146.

(5) سعد بن الربيع، كان خزرجياً، وكان يتناوب في بعث العشاء إلى بيت أبي أيوب الأنصاري حين ورد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدية. قتل شهيداً يوم أحد وفدن هو وخارجة ابن زيد في قبر واحد، وكانت تفوح من ترابهما رائحة المسك.

(6) الكشاف: 1/506.

(7) سورة النجم، الآيتان: 3- 4.

(46)

 

       ومجمل الكلام أن الروايات في هذا الباب في الأساس قليلة جداً، وليس فيها ما يثلج الصدر، وأكثرها ضعيفة السند، فلا يمكن الركون إليها، فيبقى أن تفسير الآية بالمعقول وبروح التسامح الإسلامي السامي ما دامت العموميات واللغة ومضامين بعض الروايات وسياق الآية تساعدنا على ذلك.

       وأخيراً فإن آية القيمومة لا تشير إلى أن الرجل أفضل من المرأة بل تشير إلى أن كل واحد منهما أفضل من الآخر في جهة من الجهات فالمرأة مفضلة فيما يحتاجه الطفل إلى رعاية وعاطفة، والرجل مفضل عليها في الكد لتأمين عيش الطفل وما إلى ذلك، وهكذا.

(47)

 

تعدد الزوجات

       إن التعدد ليس فرضا إسلامياً أو خياراً مفضلاً، أو منهاجاً عاماً كما يشيعه أعداء الإسلام، بل هو قانون غير ملزم «مباح» لمعالجة حالات اجتماعية مستعصية لا تحل إلا بها فيما إذا افترض وجود أغلبية أنثوية في قطر من الأقطار بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى تلك الكثرة للجنس الناعم(1)، أو ربما علاج لبعض الحالات الفردية التي قد توصد الأبواب بدونها(2) ولكن بشرطها وشروطها، وليست تلك الشروط بالهينة أو المستسهلة، والتي من أهمها: الحاجة، وأداء الحقوق، والعدالة، وعدم دفع الضرر بضرر أكبر.

       ولا يخفى أن الإسلام ليس المبادر لهذه النظرية بل كانت سائدة في الغرب والشرق منذ القدم(3)، وإنما جاء الإسلام واصطفى من بين الخيارات ما هو أنجعها وأقلها ضرراً، مما يتوافق مع مفاهيمه العامة وهو

___________

(1) جاء في كتاب ماذا عن المرأة: 174 «أن إحصاءات المواليد في العالم تثبت بأن مواليد الإناث أكثر من الذكور» هذا بشكل عام، وجاء فيه أيضاً: إن الذكور الصغار أكثر تعرضاً للموت من الإناث، وورد فيه كذلك: «إن الرجال يتعرضون للموت ومن ذلك على سبيل المثال أن عدد الأيامى من النساء في الحرب العالمية الثانية فاق على 25 مليون امرأة».

(2) كما هو الحال في موارد العقم، والأمراض النسائية الموجبة لتحديد النسل والتوقف عن الإنجاب، فهل المرأة العقيمة والتي نسبتها أكثر من الرجال تبقى بلا زواج أو أن يحرم الرجل من التناسل، واختيار الطلاق لأي عقم، سواء أكان رجلاً أو امرأة لا يحل المشكلة، والحل الأفضل هو الجمع بين العقيمة والمنجبة مع الالتزام بالعدالة، لأن نتائج عدم الزواج أو الطلاق معروفة سلفاً من ناحية الفساد الاجتماعي، ومن الناحية النفسية.

(3) راجع كتاب حقوق المرأة في  النظام الإسلامي: 334 عن قصة الحضارة: 1/71.

(48)

 

إصلاح المجتمع مع رعاية مصلحة الفرد. وما رفض المرأة في هذه الأيام وفي بعض الأقطار إلا لأمور غير خافية على من لهم اهتمام في القضايا الاجتماعية والسياسية ومن أهمها:

       1- إن أعداء الإسلام قاموا بالعمل المضاد تنكيلاً بالإسلام، وذلك عبر جميع الوسائل الإعلامية المتاحة لهم باختلاف أنواعها وبالأساليب المتنوعة.
       2- إن الرجل التجأ إلى ذلك للتقاص عن زوجته الأولى للخلافات التي ظهرت بينهما، أو أنه أقدم على ذلك من دون حاجة إلى التعدد، أو أنه أخل بالحقوق والواجبات، أو أنه أغفل زوجته عن ذلك، أو أنه أقدم إلى ذلك دون أن يقوم بدراسة حقيقية عن الأوضاع المرتبطة بالعوامل المحيطة بهم.

       3- إن المرأة عاشت في بيئة معبأة ضد التعدد، أو تثقفت عليها، وعلى ثقافة امتلاك الرجل، وانحصار حبه بها، متناسبة أن الحب مادة غزيرة لا تنقص مهما اغترف منها، وإن كل جزء منه غني بالمكونات الأساسية لعمق مادة الحب وعدم نفاد كنهه، حتى في الحب من النوع الواحد، إذ ربما يقال إن حب الرجل لأمه يختلف عن حب الرجل لابنه أو زوجته، أو حبه لله أو الوطن، ولكن الحب من النوع الواحد فإن مادته أيضاً غزيرة وكنهه لا ينفد، وفي كل غرفة تغترفها تجد جميع المكونات دون نقص، وليس الحب مادة تنقص بالتوزيع، ومثال ذلك: إنك إذا رزقت أبناءً وبناتاً، فإن حبك لكل أولادك موزع عليهم جميعاً، فلا ينقص حبك لأحدهم عن الآخر، وأن كل حب قائم بحد ذاته على حاله، نعم إن الحب سوف يختلف بسبب المعطيات والمميزات التي يمتلكها كل واحد منهم، أو حسب تعامل كل فرد منهم معك، فلو أن أحد أبنائك عصاك فإن حبك له بالطبع ينقص بمرور الأيام، وهذا الأمر ذاته ينطبق على الزوجات، فإن حب الرجل لزوجته الأولى هو ذاته لزوجته الثانية دون أي زيادة أو نقيصة، لأن الحب شيء واحد، اللهم إلا أن وجود بعض المعطيات توجب الخلل في الحب، كما أن الامتلاك بحد ذاته في الجنس البشري لا يصح سواء كان الطرف الآخر امرأة أو رجلاً إذ لا تجوز الأنانية، وعلينا أن نتعمق في

(49)

 

آيات التعدد لنعرف مقاييسه، ومن تلك الآيات: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)(1) وقوله تعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)(2): إن ضم هاتين الآيتين والتعمق في معانيها يوصلنا على الأقل إلى التالي: إن التخرج في التعدد لا بد وأن يكون كتحرجكم في التصرف بأموال اليتامى، ومع الاضطرار لا بد من مراعاة العدالة بينهن ولكنها صعبة جداً، رغم كل المحاولات، فلا أقل أن لا تتظاهروا بالميل لإحداهن في الحب دون الأخرى فتجعلوها كالمعلقة، لا هي زوجة حقيقية ولا هي حرة طليقة.

       وعلى أي حال فإن التعدد هو الحل الأمثل والأنجع لحالات العنس والخيانة الزوجية، أو مسائل الإنجاب وما إلى ذلك(3)، وقد أقر مجلس الأمة الروسي «الدوما» في عام 2002م جواز تزويج الرجل بأربع نساء، مبررين ذلك بحاجة الشعب الروسي إلى ذلك، وللعلم فإن تعدد الزوجات ليست ظاهرة إسلامية حتى ينتقد من قبل الأعداء، فعلى سبيل المثال: إن صاحب الدار الذي أسكنه في لندن مسيحي من نيجيريا متزوج من أربع نساء، ولما سألته عن مثل هذا التعدد فقال إنه شائع عندنا، وقد التقيت بإحدى زوجاته فوجدت أن الأمر بالنسبة إليها طبيعي، كما وإنني قرأت عن مطالبات جهات غير إسلامية بالتعدد(4).

_______________

(1) سورة النساء، الآية: 3.

(2) سورة النساء، الآية: 129.

(3) وقد ذكروا في هذا المجال أموراً عدة من وراء فلسفة التعدد موثوقة بالإحصاءات والتجارب العلمية والتطبيقية منها على سبيل المثال: إن الرجال تواقون بفطرتهم إلى التعدد، إن البلوغ الجنسي لدى المرأة يبدأ قبل الرجل، وإن قانون تعدد زوجات هو إحقاق لحق من حقوق المرأة بشكل عام، حيث إن النساء الأخريات يبقين عوانس، وذلك لأن نسبة الأكثرية بشكل عام في نهاية المطاف من حصة الجنس الناعم، سواء بالولادة أو بالحوادث أو الكوارث أو بمقاومة المرأة للأمراض- راجع كتاب حقوق المرأة في النظام الإسلامي: 367.

(4) جاء في كتاب ماذا عن المرأة: 145 «طالب أربعة من كبار القساوسة بزعامة أسقف مدينة كانتربري في أواخر القرن العشرين الميلادي- في بريطانيا بإباحة التعدد =

(50)

 

       وربما كان سبب تهريج الأعداء ضد المسلمين عبر طعنهم بجواز تعدد الزوجات هو خوفهم من كثرة تزايد عدد المسلمين التي دأبوا على محاربتها بشتى الوسائل حيث أصبح عدد المسلمين أمراً واقعاً لا يمكن إنكاره، فقد بلغ عددهم ثلث نفوس العالم(1) وهو أمر مريع لأعداء الإسلام، ومن هنا فقد عمدوا إلى تحديد النسل في الدول الإسلامية، وإلى استخدام الإعلام في سبيل بيان مضار التعدد وكثرة الإنجاب، وإلى افتعال الحروب، بل إلى تجويع الأمة بأشكال مختلفة وإلى استئصال أرحام النساء بطريق ملتوية والتي تم الكشف عن حالات كثيرة منها في عدد من الدول الغربية والدول العربية، وإلى عقم الرجال بأساليب دنيئة عبر بعض المأكولات والملبوسات والتي كشف النقاب عنها أخيراً، وإلى استخدام الأسلحة الجرثومية والكيمياوية في عدد من الحروب التي أشعلوا فتيلها في الشرق، مضافاً إلى استخدام بعض السبل الإنسانية، كالإغاثة وقبول اللجوء لأغراض لا إنسانية، والتي منها تغيير المعتقد من الإسلام إلى غيره، وهناك أساليب أخرى لا مجال لذكرها وبيان تفاصيلها لأنها خارجة عن موضوعنا الرئيسي هنا، ولعلها تجد مكانها في مقطع آخر من هذه الموسوعة(2).

       وأخيراً فقد بثت إحدى الفضائيات في أواخر عام 1423 هجري حواراً مع بعض التجمعات النسائية فلوحظ أن بعض هذه التجمعات والتي مقرها في القاهرة تسعى إلى الترويج لأجل التعدد لأنها ترى بأن الحل الأمثل لمشاكل الحياة الزوجية والخيانات الحادثة بكثرة وإلى

________

= للمسيحيين من أجل المصلحة العامة ومصلحة النساء أنفسهم» وفي ألمانيا صرح السيد فون مسلس: «بأن قاعدة تعدد الزوجات لازمة ضرورية للسلائل الآرية»، هذا وقد أيد العديد من علماء الغرب نظام تعدد الزوجات، راجع تصريحاتهم في كتاب ماذا عن المرأة: 100.

(1) راجع بشأن ذلك المقدمة التمهيدية لمعجم المشاريع الحسينية من هذه الموسوعة.

(2) وفي قبال ذلك نجد أن بعض الأديان الأخرى والذين هم من الأقلية يسعون إلى كثرة الإنجاب بالطرق الحديثة وقد ذكرت لي إحدى الطبيبات المشرفة على بعض الحالات بكثرة مراجعة أبناء هذا الدين إلى المستشفيات فبدأوا ينجبون أكثر من عشرة أولاد بينما كانوا في السابق يقتصرون على اثنين وثلاثة.

(51)

 

تفكك الأسرة والعنوسة والطلاق(1).

       ومن المناسب أن ننقل ما أورده ول ديورانت(2) عن مسألة تعدد الزوجات في الغرب ما نصه حرفياً: «ولا شك أن تعدد الزوجات لاءم حاجة المجتمع البدائي في ذلك الصدد أتم ملاءمة، لأن النساء فيه يزدن عدداً على الرجال، وقد كان لتعدد الزوجات الفضل في تحسين النسل أعظم من فضل الزواج من امرأة واحدة الذي نأخذ به اليوم، لأنه بينما ترى أقدر الرجال وأحكمهم في العصر الحديث هي الذين يتأخر بهم الزواج عن سواهم، وهم الذين لا ينسلون إلا أقل عدد من الأبناء، ترى العكس في ظل تعدد الزوجات والذي يتيح لأقدر الرجال أن يظفروا بخير النساء، أن ينسلوا أكثر الأبناء، ولهذا استطاع تعدد الزوجات يطول بقاؤه بين الشعوب الفطرية كلها تقريباً، بل بين معظم جماعات الإنسان المتحضر، ولم يبدأ في الزوال في بلاد الشرق إلا في عصرنا الحاضر، لأنه قد تآمرت على زواله بعض العوامل»(3),

       ويظهر لنا مما قدمنا أن تعدد الزوجات ليس ظاهرة متخلفة والذي تصر عليه الثقافة الغربية غير المتأصلة، بل إنه لا بد من حل بعض الثغرات الناشئة من سوء التصرف ومن استغلال الرجال لها لمصالحهم الشخصية الضيقة.

_________

(1) برنامج خاص للنساء من فضائية الجزيرة الذي يبث مساء كل اثنين من أيام الأسبوع. وجاء في كتاب ماذا عن المرأة : 151 «إن تركيا ذات الشعب المسلم لوت وجهها عن الإسلام وأصدرت سنة 1926م (1245هـ) قانوناً مدنياً منعت بموجبه تعدد الزوجات ولكن لم تمض ثمان سنوات حتى هال أولياء الأمر فيها عدد الولادات السرية، وعدد لزوجات السرية، وعدد وفيات الأطفال المكتومة».

(2) ديورانت: هو ول بن وايرل ديورانت وكان يعرف بـ(إيم جمس) (Iam James) Dutant Wil، ولد سنة 1303هـ (1885)م. مرب ومؤلف أمريكي، ويعتبر أحد أبرز الكتاب الذين أوقفوا جهودهم على تبسيط التاريخ والفلسفة. ترك آثاراً منها: الفلسفة والمشكلة الاجتماعية، قصة الفلسفة. اشتهر بكتابه قصة الحضارة، وجميعها ألفت باللغة الانكليزية. توفي بعد عام 1387هـ (1967م).

(3) قصة الحضارة: 1/27.

(52)

 

       ومن نافلة القول هنا الإشارة إلى زواج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بتسع زوجات والذي أصبح من خصائصه بمعنى عدم تجاوز الأربع لغيره، فقد وضحنا في مكان آخر هذه المسألة واستعرضنا جانباً مناه، وحاصله: إن زواجه من نسائه بعد الهجرة كان فيه مصالح اجتماعية أو قانونية أو سياسية، ولم يكن قد تزوج لأجل النزوات الجنسية والعياذ بالله، وقد استعرض هذه المسألة جمع من العلماء والمؤلفين(1)، ونشير على سبيل المثال فإن في تزويج ابنة عمته زينب بن جحش الأسدية لزيد بن حارثة- الذي كان عبداً وحرره- وذلك لحكمة إبطال بدعة عدم الزواج من زوجة الابن بالتبني، وما تزويجها لزيد أولاً، ولنفسه ثانياً بعد طلاقها من زيد إلا وكان بأمر من الله جل وعلا، كما أن زواجه من جويرية بنت الحارث المصطلقية كان سبباً لإعتاق جميع الأسرى والسبايا من قبل المسلمين حيث وجدوا أن كلا منهم قد أسر من أقارب زوجة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فعظم ذلك عليهم فحرروا جميع الأسرى والسبايا، وهكذا تم زواج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من زوجاته فإن في كل واحدة سراً وحكمة للمصلحة العامة وللإسلام والمسلمين، ولا ريب إنه كان يقوم بذلك تحت مظلة السماء.

____________
(1) راجع حقوق النساء في الإسلام: 89.

(53)