معجم  أنصار الحسين  (النساء)     (الجزء الأول)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (النساء) (الجزء الأول)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

الحضانة

 

       إن الحضانة في الأساس مرتبطة بالرضاعة، وبما أن المرأة تمتلك القدرة على القيام بأمور الطفل، فإن حياة الطفل ترتبط بها منذ أن أصبح رحمها المكان الأنسب لنطفته، وهو خير بيت يحمى الجنين فيه وينمو بعد خلقته وعلى أثرها جاءت الرضاعة التي هي جزء لا يتجزأ من الحمل والإنجاب، ويبقى حليبها هو الغذاء الأفضل للطفل كما اعترف العلم الحديث بذلك، ووردت أحاديث من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته «عليه السلام» في هذا الاتجاه أيضاً، ومن هنا فإن حرمان الطفل من أمه ظلم لا يغتفر، وله آثار سلبية تظهر في الكبر، ولقد اكتشف العلماء حديثاً أن الكثير ممن يبتلى بضغط الدم ناتج من حرمانه حليب الأم، كما ذكروا بأن إفراغ الحليب من ثدي الأم يحول دون إصابة الثدي بالسرطان، بالإضافة إلى مص الطف لثدي أمه هو الآخر يقلل من نسبة إصابة الثدي بالسرطان، إلى غيرها من آثار وفوائد للطرفين.

       ومن المعلوم أن الرضاعة أمدها سنتان بلا خوف حيث قال تعالى: (حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً)(1). ورغم أن الرضاعة حق من حقوق الطفل إلا أن الأم لها الحق في أخذ الأجرة على ذلك من زوجها إن لم تتبرع بذلك، حيث إن المسؤولية تقع على الأب. ولا خلاف بأن الأم أحق بحضانة الطفل من غيرها إن شاءت، وكانت مأمونة على الطفل من عقيدتها وسلوكها، ولم تتزوج، وأقل الحضانة سنتان، وأكثرها سبع سنين على خلاف في ذلك، وربما قالوا حتى البلوغ أو التمييز، وأما بعد ذلك فيأتي دور الأب في تحمل مسؤولياته(2).

___________
(1) سورة الأحقاف، الآية: 15.

(2) راجع الفقه الإسلامي وأدلته: 7/742، منهاج الصالحين: 2/315.

(54)

 

       ولا تنافي بين كون الأم أحق بالحضانة وبين أن لها الحق في أن تقبض الأجر على حضانتها للطفل، وذلك حفظاً على حقوقها المادية والمعنوية، وحقوق الطفل أيضاً، وهذا دليل آخر على أن الإسلام وقد حافظ على الطفل والأم ولم يترك جانباً من جوانب المسألة إلا وبينها ورعاها. فالطفل في هذه الفترة بحاجة إلى الحنان والعطف اللذين مصدرهما الأم، دون الأب، وأما بعد ذلك فإن الطفل بحاجة إلى مراقبة وتربية ورعاية، فالأب أقدر على ذلك من الأم، وما يحاك ضد الإسلام حول رعاية الطفل وحرمان الأم منه محض افتراء.

(55)

 

حق الطلاق

 

       الطلاق كما هو مروي أبغض الحلال عند الله، وأنه غير محبذ في الإسلام، وهو من جهة أخرى «آخر العلاج الكلي»، فعندما لا يتمكن الزوجان من التفاهم في أدنى مراتب العيش في الحياة الزوجية المشتركة فإنهما يعيشان في جحيم مستمر عندها يأتي الإسلام ليشرع لهما الطلاق الذي طالما حرمته بعض الفرق المسيحية إلى أن اضطرت إلى إباحته، ومن المعلوم أن للطلاق شروطاً صعبة بالأخص حسب منظار مذهب أهل البيت «عليه السلام»، وذلك محاولة منهم لدرء الفصل بين الزوجين مهما أمكن، ومن تلك الشروط شهادة العدلين، مضافاً إلى عدم التسرع بالطلاق من قبل الحاكم بل وعليه محاولة التوفيق بين الزوجين، ومما فرضه الإسلام أن الطلاق لا يقع في حالة الحيض(1)، ومن تلك العوائق: أخذ العدة لإعطاء المجال أمام التعقل والرجوع إلى الحياة الزوجية، ومنها تكليف الزوج بالنفقة أيام العدة، وعليه رعاية الأطفال بعد الطلاق لأن ذلك من واجباته، كل ذلك عوائق أمام وقوع الطلاق، بالإضافة إلى مسألة الحكم(2)، وأخيراً مسألة المحلل بعد الطلاق الثالث، والحرمة المؤبدة بعد التاسعة.

       إن مسألة الطلاق محسومة حيث إنه حل سلمي لقضية عالقة وهو عدم التفاهم، ولا بد أن يقع في أجواء هادئة لا يسودها الغضب، وإلا بطل

__________
(1) رغم أن الطلاق ولا حاجة بالرجل إلى المرأة أو بالعكس فإن الشرع اشترط أن لا يقع الطلاق في أيام الحيض خلافاً للزواج حيث لا يشترط فيه ذلك وإن كان الغرض منه الاستمتاع بالمرأة، وكذلك الحال في الشهود.

(2) يقول جل وعلا: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) [النساء: 35]، والذي يفهم منه الوجوب على المختار، إذ على الحاكم أن يقوم بذلك قبل الطلاق.

(56)

 

الطلاق، ولم يقع، ومن هنا فقد أمر الشرع بأن يكون الطلاق بالحسنى حيث يقول جل وعلا: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروفٍ أو تسريح بإحسانٍ)(1) وقوله تعالى: (فأمسكوهن بمعروفٍ أو فارقوهن بمعروفٍ وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم)(2).

       وعلى أي حال ليس هذا المقصود هنا، بل المقصود لماذا الطلاق بيد الرجل دون المرأة؟ وقد بينا بعض جوانب المسألة لدى البحث عن قيمومة الرجل دون المرأة، ونضيف هنا أن الحالات أربع: إما أن يكون الطلاق بيد الزوج، أو يكون بيد الزوجة، أو يكون بيديهما، أو أن يكون بيد غيرهما، أما الأخير فهو بالنتيجة أجنبي عنهما، وإما أن يكون بيديهما فلا يحل الخلاف بل يزيده تعقيداً، ويبقى الأمر إما أن يكون  بيد الزوجة أو بيد الزوج، ولا مجال إلى حل آخر، فلو دار الأمر بينهما لا بد من دراسة الموردين واختيار ما هو الأنسب وأقل مفسدة، ولا شك بأن تسليم زمام أمر الطلاق بيده أقل فساداً مما إذا كان الطلاق بيدها لأمور عديدة أهمها: إنه أكثر عقلانية منها، وإن الأمر يتعلق بأمور أخرى، فإذا أنيط الطلاق إليها لا بد من التغيير الجذري في عدد من المسائل النفسية والجسدية والاجتماعية والقانونية والتي منها مسألة المهر والنفقة(3). وبقية المسؤوليات الملقاة على عاتق الرجل لتتحول كل هذه المسؤوليات إلى المرأة، وهذا يعني تحويل المرأة إلى الرجل والعكس بالعكس، والأمر يعود إلى البدء، والمرأة بهذا تكون مكرمة أكثر حيث خففت عنها أعباء الحياة المليئة بالمشاكل والمسؤوليات.

       ومن جهة أخرى إنها تتمكن من ضمانة حقها بأمور عدة، منها الضغط على الرجل بالتزامه القوانين التي وضعها الإسلام، ومنها وضع الطلاق بيدها ضمن عقد الزواج(4) أو عقد آخر ملزم، ومنها أنها تتمكن من

_______
(1) سورة البقرة، الآية: 229.

(2) سورة الطلاق، الآية: 2.

(3) ومنها نفقة العيال.

(4) جاء في كتاب حقوق المرأة في النظام الإسلامي: 316 حول هذا النوع من الطلاق جاء نص المادة المترجمة من القانون الإسلامي كالتالي: «يمكن لطرفي عقد الزواج =

(57)

 

المطالبة بالطلاق الخلعي، ومنها أنها إذا ضاقت من زوجها ذرعاً فلها مراجعة الحاكم وبعد إثبات مدعاها فإنه يطلقها طلاقاً ولائياً إذا لم يستجب الزوج للطلاق، وأما مسألة فسخ الزواج بالعيوب التي لا يمكن أن تتحملها المرأة فهو باب آخر مفتوح لها مما فسح لها المجال في أخذ القرار، والأمر حينئذ بيدها، ومن المفروض أن لا نحمل الإسلام سوء تصرف المسلمين وعدم التزامهم بالقوانين الإسلامية، واختراقاتهم المتكررة.

__________
= أن يشترطا كل شرك لا يتناقض مع طبيعة العقد المذكور ضمن عقد الزواج أو ضمن عقد آخر، مثلاً أن يشترط حينما يتزوج الزوج امرأة أخرى أو يغيب مدة معينة أو يترك الإنفاق أو يتعدى على الحياة الزوجية أو يسيء معاملتها بالشكل الذي تصبح الحياة بينهما أمراً لا يطاق، فالزوجة تكون وكيلة عن الزوج في الطلاق، أو لها الحق في التوكيل بالطلاق، وبعد إثبات تحقق الشرط في المحكمة وصدور حكمها النهائي بذلك تستطيع المرأة طلاق نفسها».

(58)

 

الإرث

 

       مسألة الإرث ترتبط بعدد من المسائل التي تنظم الحياة الزوجية والحياة الأسرية، ولا يمكن بحثها منفصلة عن تلك المسائل لأنها جاءت كنتيجة طبيعية لتلك القرارات، فما دام الرجل هو الذي وقع عليه الرهان لتحمل إدارة البيت الزوجي بل الأسري، بمعنى أنه فرض عليه تحمل جميع مصاريف زوجته وأبنائه بالإضافة إلى أمه وأخواته وجده وجدته فيما إذا لم يتمكنوا من إعالة أنفسهم(1) وكان هو قادراً على ذلك، فقد أوكل إليه أمر إدارة البيت الزوجي والأسري، فالعدالة تفرض أن تكون حصة الرجل من الإرث أكثر من حصة المرأة لعدم تحملها المسؤولية، وهذا أمر طبيعي فإن المرأة كزوجة يجب على الزوج الإنفاق عليها وإن كانت ثرية طيلة الفترة التي هي في حبالته، والمرأة كابنة يجب على الأب الإنفاق عليها ما دامت لم تكلف، ومن بعدها إن لم تكن صاحبة دخل يفي بأغراضها، والمرأة كأم على زوجها أو ابنها، إن فقد الزوج، الإنفاق عليها إن لم تكن صاحبة ثراء ومكنة، وكذلك المرأة كأخت فالواجب على أخيها أو زوجها أو أبيها أو ابنها الصرف عليها ولا يفرض عليهن العمل بل يبقى لك خيار لهن.

       ومن هنا فإن المعادلة جاءت مدروسة ومحسومة، وفي الواقع فإن حصة المرأة من الإرث والذي هو النصف نسبة إلى ولفها، وهو أكثر بكثير من المسؤولية الواقعة على وليها تحت عنوان الزوج أو الأب ثم الأخ أو الابن، وللمثال: فإنه إذا توفي شخص وورث ابنه عشرة دنانير وابنته خمسة دنانير فإن الابن الوارث مسؤول عن الإنفاق على زوجته وأولاده على أقل التقادير، وأما الابنة فهي غير مسؤولة عن الإنفاق على زوجها وأولادها بل يبقى ما ورثته في الحفظ والصيانة.

____________
(1) هذا في غير الزوجة بشكل عام والأولاد فترة عدم البلوغ.

(59)

 

       ومن هنا نجد أن المرأة قد حظيت أكثر من الرجل، وما ذلك إلا تكريما لها وتخفيفاً عنها، ولا يخفى أن المرأة كزوجة مهما كانت ثرية فالواجب على الزوج الإنفاق عليها في كل الأبعاد التي يعتبرها الشرع والعرف ضرورية من المأكل والملبس والمسكن وما في طيف ذلك حسب حالتها الاجتماعية، وأن المرأة كابنة فما دامت غير مكلفة فالواجب على الأب الإنفاق عليها، اللهم إلا إذا كان الأب غير قادر على ذلك، وإذا ما خصص الابن الأكبر بالحبوة دون البنت الكبرى فلأن الابن الأكبر مسؤول عن القيام بما فات على الأب من الواجبات، فجاءت الحبوة في قبال ذلك، فلا اعتباط في الأمر، وليس هناك ما هو بعيد عن الحكمة.

(60)

 

الحداد

 

       من المسائل التي يتراءى للبعض أن المرأة قد أجحف حقها من خلالها هي مسألة أنها تلتزم بالحداد على وفاة زوجها دون أن يلتزم الرجل بالحداد على وفاة زوجته، وهي من المسائل المثيرة بالفعل حيث إن الجواب عن مسألة عدم الطلاق واضحة كل الوضوح، وإنها جاءت لأجل التأكد من خلو الرحم من الجنين، وحتى لا تختلط المياه(1)  ويكون في ذلك فساد الأنساب والمواريث والمصارف، كما ورد في حديث الإمام الرضا «عليه السلام»(2)، وربما أضيف في المطلقة الرجعة أمر آخر ألا وهو إعطاء الفرصة للتراجع عن قرار الطلاق والعودة إلى العش الزوجي مرة ثانية حيث في هذه الفترة متسع من الوقت للتفكير برواء عن نتائج هذا القرار، وأما في مسألة موت الرجل ماذا يمكن أن يكون الدافع يا ترى من وراء أن المرأة عليها أن تعتد لزوجها وتبقى في حالة الحداد فترة من الزمن دون أن يفرض على الرجل فيما إذا فقد شريكة حياته؟.

       في البداية لا بد من بيان المسألة بشكل واضح وبشيء من التفصيل: وهو أن المرأة إذا توفي عنها زوجها فإن عليها أن تبقى فترة 130 يوماً «أربعة أشهر وعشرة أيام» في حداد متواصل على زوجها حيث لا يجوز لها الزواج إلا بعد هذه الفترة الزمنية، كما يجب عليها أن تبقى في حالة حداد وحزن على زوجها بأن لا تتزين حسب العرف السائد في بيئتها، وقد فرضه الله بقوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن

___________
(1) خلط المياه: هو تعبير مجازي حيث لا يمكن خلط المياه، بل المراد عدم معرفة الأب بالشكل الطبيعي.

(2) راجع علل الشرائع: 2/218.

(61)

 

أربعة أشهر وعشراً)(1) وهذه المسألة لا خلاف فيها بين جميع الفقهاء، في كل المذاهب الإسلامية، ويبدو من الأحاديث الواردة في هذا الباب أن العدة والحداد هو مجرد احترام للزوج لأن الحكم جاء في جميع الحالات الزوجية، ولا مجال للقول بأنه لعدم اختلاط المياه، لأن اليائس والصغيرة وعدم المدخول بها مجمع عليه بأنها لا بد لها من الالتزام بهذا الغرض، وعلى فرض القول بعدم اختلاط المياه يأتي السؤال التالي: لماذا شرع الله للمطلقة مائة يوم وأضاف هنا ثلاثين يوماً؟ وفي الحقيقة لا بد وأن نعترف بأننا لم نتوصل إلى كنه هذا الحكم وأسبابه الحقيقية ومن المعلوم أن نسبة المجهولات عندها لا تحصى، ومنها لماذا التحديد بهذه الفترة الزمنية 130 يوماً، ولكن الذي يمكن أن يقال هنا: بأن الحداد يرتبط بقيمومة الرجل في الحياة الزوجية وفي الأسرة، واعتباره قمة الهرم الزوجي حيث كانت تقع عليه مسؤولية الإدارة والإنفاق، فأراد الله أن يكرمه في نهاية حياته في قبال ما تحمله من أعباء إدارية واقتصادية بل ومعنوية أيضاً أيام حياته، ولا بد من النظر إلى هذه المسألة بروح من الواقعة حيث إن عمود البيت الزوجي من النظر إلى هذه المسألة بروح من الواقعة حيث إن عمود البيت الزوجي يتهاوى بفقد الرجل الزوج والأب، وهذه المسألة لها ارتباط بالعديد من الأمور التي ترافق حياة الأسرة، وعلى رأسها القيمومة التي سبق وقلنا لا بد من أن يكون طرف الخيط بيد أحد الزوجين، ولا خيار أمامنا إلا لتحميل الرجل كل المسؤوليات الجسام لقدرته على التحمل دون المرأة، ومن هذا المنطلق نجد الأعراف حسب مقتضيات جميع الأديان والمذاهب وجميع الأنظمة والأعراف قديماً وحديثاً، القطرية منها والدولية.. هذا ما الفلسفة من وراء تحديد المدة المفروضة عليها فربما نتوصل إلى ذلك فيما بعد(2)، ولكننا نعرض عن الحديث عنها هنا، لأنها خارجة عن الموضوع.

_____________

(1) سورة البقرة، الآية: 234، ولا مجال للقول بأن الأزواج تشمل الجنسين لأن في استخدام ضمير المؤنث في التربص والأنفس دلالة بأنها من طرف الزوجة لا الزوج.

(2) لقد وردت بهذا الشأن عدد من الروايات وملخصها في ذلك: إن عدة المتوفى عنها زوجها هو في قبال مدة إيلاء الرجل لها والذي لا يتجاوز أربعة أشهر، كما إن =

(62)

 

       وأخيراً لابد من الإشارة إلى أن الإسلام قد خفف عن الزوجة الحداد الذي كان مفروضاً عليها أيام الجاهلية حيث كانت تعتزل الناس في شر مكان من البيت لابسة أدنى أخلاق ثيابها، فتظل كذلك حولاً كاملاً لا تغير ثوبها ولا تغتسل ولا تقلم أظافرها، حتى إذا انقض الحول، ألقت من مكانها بعرة تنبىء به أهلها بانتهاء الحول، فإذا خرجت تمسح بأول حيوان تجده من كلب أو داجن أو حمار، وقد يموت ما تتمسح به من نتنها(1).

       نعم يمكن أن نرى في نهاية الأفق المظلم بصيص نور في أن خلقة الجنين يتكامل في أربعة أشهر وعشرة أيام ويبدأ بالحركة الملفتة، ربما كان بين هذا وذاك شيء من الترابط إذ سوف يعلم بشكل يقين أنها حامل أم لا، ولكن نرجع ونقول: إن ذلك لا يشمل كل الحالات، إلا إذا قيل من باب الأعم الأغلب، ومتى أصبح قانوناً شمل جميع الحالات والأشخاص، بالإضافة إلى ذلك، فإن على المرأة التي دخل بها الزوج العدة إذا لم تكن يائسة دون الرجل، فإن الأمر لعله يكون واضحاً، وهو خلو الرحم من الجنين وظهوره بشكل واضح خلال هذه الفترة اعتماداً على الطبيعة. أما لماذا العدة حداداً لمن توفي عنها زوجها، فقد ظهر أخيراً مقولة من بعض الأطباء بأن العمل الجنسي خلال هذه الفترة في الأعم الأغلب يوجب سرطان الرحم، لأنه لم يألف غير الزوج، وهذا الإرباك يولد المرض الخبيث، وإن قيل: لماذا أصبحت عدة الوفاة أكثر من عدة الطلاق، فإن علماء النفس يقولون بأن المرأة في الأعم الأغلب تتأثر بمسألة الحزن على زوجها، وخلال هذه الفترة ترتفع، ولذلك فإن العامل النفسي (الحزني) يضاف على العامل عدم الألفة، وتنحسر في هذه المدة عادة. والله العالم.

____________
= الزوج لا يحق له الابتعاد عن زوجته سفراً أكثر من أربعة أشهر، وهذه الفترة غاية تحمل المرأة من عدم ممارسة الجنس في الأعم الأغلب، بالإضافة إلى أن التأثر النفسي في التي توفي عنها زوجها يبدأ بالتلاشي بعد هذه الفترة- رجع علل الشرائع: 2/222، مضافاً إلى أن مسألة تعدد الزوجات هو من اختصاص الرجل دون المرأة، فمع التعدد يجد الرجل حرجاً في ذلك إن توفيت إحداهن بعد الأخرى، وكل هذه الأمور تحتاج إلى دراسة معمقة، ربما تمكنا من القيام بذلك مستقبلاً.

(1) راجع حقوق النساء في الإسلام لمحمد رشيد رضا: 172.

(63)

 

إعفاء المرأة عن القتال

 

       من الطبيعي أن يرتبط القتال بأمرين، الأول: القدرات الجسدية، والثاني: الاستعداد النفسي، ومما لا خلاف فيه أن القدرات الجسدية للأنثى تختلف عن الذكر بشكل طبيعي وفي الأعم الأغلب، ولا يناط بالنادر والشاذ كما لا يناط باللاتي يتدربن تدريباً قاسياً لإنماء قدراتهن القتالية، إذ المناط هي القدرات الخلقية، فالمرأة التي يعبر عنها بالجنس الناعم لا يمكن التفريط بها لتدخل معمعة الحرب وساحة القتال التي معروفة نتائجها سلفاً حيث لا تعود إليها ولا للأمة بالصالح.

       كما أن قدراتها النفسية ميالة إلى الرقة والعطف والحنان مما لا تساعدها على خوض المعارك والمناوشات، ومن هنا نجد أن العالم الغربي الذي رفع راية التساوي بين المرأة والرجل بشكل مطلق لم يتمكن خلال قرن أو أكثر من أن يطبق هذا المفهوم لا أقل في مشاركتها القتال جنباً إلى جنب مع الرجل رغم أن القتال في هذه الأيام لا يحتاج إلى الكثير من الجهد، ولا الشجاعة وقوة العضلات، حيث أصبحت الآلة هي التي تسيطر على الموقف، والإنسان أصبح يتحكم بعدد من الأزرار والمقاود ويدير مجموعة من الأدوات التي لا تحتاج إلى قدرات جسدية ولا إلى قناعات نفسية والتي هي مفصولة تماماً عن النهاية السلبية المترتبة على تلك الحرب.

       ومع هذا فإن الإسلام لم يمنع المرأة من الجهاد حيث لم تذكر في المستثنيات في قوله تعالى: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله)(1)، وربما

______________
(1) سورة التوبة، الآية: 91.

(64)

 

أراد بعض الفقهاء درجها ضمن الضعفاء ولكنه لم يثبت، وغاية ما استدل به الفقهاء هو بعض الروايات التي لم تتجاوز الثلاث، ومنها ما ورد أن الإمام الحسين «عليه السلام» حين خرجت أم وهب إلى المعركة يوم عاشوراء قال لها: إجلسي فقد وضع الله القتال عن النساء(1)، وهذه الروايات في الواقع ليست بالمستوى المطلوب في الفقه ولا تصلح أكثر من أن تكون مؤيدات لا يستند إليها بالاستقلال، وما الإجماع المدعى إلا مستنده عدم خروج النساء في المعارك على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن حكم بعده(2)، وهو مخدوش رغم أنهم ذكروا بأن خروجها على أيام الرسول كان نادراً، ومن هنا نجد أن بعض الأعلام ذكر بأن الزوج إذا أذن لزوجته الخروج إلى القتال صح منها الجهاد، ولا يخفى أن هذا يدلنا على جواز جهادها، ولكن ليس فرضاً واجباً في حالة الهجوم، أما في حالة الدفاع فلا خلاف بأن الجهاد فرض عليها كما على الرجل، وعليه فقهاء الفريقين.

       ومما تجدر الإشارة إليه أن المرأة كانت تشارك في المعارك على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن حكم بعده في جوانب قتاله، حيث إن الحرب ليست مجرد قتال ومنازلة، فإن المشاركين لهم أدوار مختلفة فمنهم من يحفظ الثغور، ومنهم من يقاتل، ومنهم من يراقب، ومنهم من يقوم بمهمات استطلاعية، ومنهم من يقوم بالخدمات العامة والتطبيب، وتصليح ما أعطب في الحرب وهكذا، وقد أخذت المرأة دورها كاملاً في هذا المجال على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن حكم بعده(3).

       وربما يكون دور المناضل في الصف الثاني أو الثالث أكبر ممن هو

__________
(1) بحار الأنوار: 44/123 عن أمالي الصدوق.

(2) الفقه: 47/64.

(3) وقد استمعت إلى تقرير من فضائية «الجزيرة» عبر برنامجها «للنساء فقط» ليلة الثلاثاء 25/3/2003 الساعة: 7:15 مساء بتوقيت لندن، جاء فيه أن المرأة في الولايات المتحدة تشارك الرجل في الجيش ولكن يحظر عليها القتال وإنما تقوم بأعمال أخرى في الجيش كالتمريض والسياقة وأمثال ذلك، وأما القتال فلا يحق لها، وذكر بأن المرأة تشكل سدس الجيش الذي عبئ للضرب المحتمل على العراق في شهر آذار سنة 2003م، والذي بلغ تعداده في 25 شباط 2003م مائتي ألف جندي.

(65)

 

في الصف الأول وفي ساحة الحرب، ومن هنا نجد أن المسلمين كانوا يصطحبون نساءهم إلى الحرب، وتناط لهن أدوار مختلفة، منها: رعاية الجرحى وتطبيبهم، ومنها القيام بأعمال استطلاعية لصالح المسلمين، ومنها إعداد الطعام وجمع الحطب للمقاتلين، ومنها تشجيع المقاتلين بالتهليل والتكبير، وإعداد المحاربين، وهذه أدوار شريفة لا يمكن التنقيص من قيمتها، وربما شاركن القتال إن استوجب الأمر ذلك، والتاريخ يشهد لهن بذلك ومن تلكم النساء:

       أم عطية(1) حيث تقول: «غزوت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبع غزوات وكنت أخلفهم في رحالهم، وأصنع الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى»(2).

       ومنهن أم عمارة(3)، نسبية بنت كعب المازنية التي شهدت غزوة أحد وبيعة الرضوان ويوم اليمامة وغيرها، وقاتلت مسيلمة الكذاب(4) مع أبيها، وقد قطعت يدها في هذه المعركة وجرحت اثنا عشر جرحاً، وكانت في معركة أحد تسقي الظماء، وتواسي الجرحى، وقامت تدافع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين هرب الرجال، فذهبت تصول وتجول بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تنزع على القوس، وتضرب بالسيف دونه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قال عنها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما التفت يميناً وشمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني »، ومن مواقفها أنها ضمدت ابنها عمارة ثم قالت له: قم يا بني فضارب القوم

_____________
(1) أم عطية: نسيبة- بالتصغير- ابنة الحارث الأنصارية، صحابية جليلة، روت عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعن عمر بن الخطاب، وروى عنها أنس بن مالك، وآخرون، شاركت في غسل أم كلثوم ابنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

(2) المرأة في حضارة العرب: 27.

(3) أم عمارة: هي نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصارية من بني النجار، صحابية روت عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) شهدت أحداً هي وابنها عبد الله زوجها زيد بن عاصم، روى عنها حفيدها عباد بن تميم وآخرون.

(4) مسيلمة الكذاب: هو ابن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي، ولد في الجاهلية وتوفي سنة 15هـ، ولد ونشأ في اليمامة «الجبيلة» في نجد، قيل أسلم، إلا أنه بعد ذلك ادعى النبوة، فعرف بكذبه لهذا الادعاء، حتى جاء في المثل «أكذب من مسيلمة».

(66)

 

وجاهد في سبيل الله، وقد قال عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا: «ومن يطيق ما تطيق أم عمارة »(1).

       ومنهن الخنساء(2) الشاعرة التي قدمت أربعة من بنيها في حرب القادسية، وقد خاطبت أبناءها بقولها: يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية. يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم وخطابه العزيز: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)(3) فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فأغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، واضطرمت لظى سياقها، وحللت ناراً على أوراقها، فيتمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، عند احتدام خميسها، تظفروا بالغنم والكرامة، في الخلد والمقامة(4). ولما استشهدوا قالت: الحمد الله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة(5).

       ولا ننسى مواقف فاطمة الزهراء «عليه السلام» في بعض غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومواقف ابنتها زينب الكبرى مع أخيها الحسين «عليه السلام» في معركة الكرامة بالطف، ومواقف عدد من النساء اللاتي شاركن في واقعة كربلاء الأليمة، وسنأتي على سيرتهن إن شاء الله تعالى.

_____________
(1) مسؤولية المرأة: 74.

(2) الخنساء: هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السليمية «ق30ق.هـ- 24هـ »، شاعرة مخضرمة، قيل إنها أشعر الناس في الرثاء، أسلمت مع قومها حين قدمت على الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة، ويقال إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر بأنها أشعر الناس.

(3) سورة آل عمران، الآية: 200.

(4) أعلام النساء: 1/368.

(5) مسؤولية المرأة: 78.

(67)

 

المرأة والدية

 

       لعل من الأمور المثيرة للجدل أن المرأة في مسألة الدية لا يقدر لها الدية كما في الرجل بل تأخذ نصف دية الرجل فإذا كانت دية الرجل ألف دينار ذهب فدية المرأة خمسمائة دينار، وفي الواقع فإن هذه المسألة ترتبط بعدة أمور وعوامل فهي على ارتباط بمسألة القصاص والحد، بالإضافة إلى مسألة النفقة والعمل والجهاد ومسائل أخرى فالرجل إذا كان عليه القيام بفرض الجهاد حسب النظام الاجتماعي المناسب مع بيئته خلافاً للمرأة التي رفع عنها الجهاد ولم يفرض عليها الإنفاق فإن ذلك يعني أن هناك مردوداً لوجود كل منها في المجتمع من النظرة المادية والتي لا تقلل من دور أي منهما معنوياً بل إن المعادلة بين أنتاج الرجل وانتاج الرجل وانتاج المرأة في المنظور المادي فإنه يصنع لكل منها وزناً مادياً يقيم بمقدار الانتاج في المجتمع المحافظ مع مراعاة البنى التي هي الأساس في عملية الانتاج، ومع ذلك فقد روعي في ذلك حاجة الإنسان كإنسان ذكراً كان أو أنثى فلذلك ساوى الإسلام في مسألة الدية بين الرجل والمرأة في دية الأعضاء إلى حد الثلث لأن الحاجة فيهما متساوية فقد ورد عن الإمام الصادق «عليه السلام» في جراحة النساء: «الرجال والنساء في الدية سواء حتى تبلغ الثلث فإذا جازت الثلث فإنها مثل نصف دية الرجل»(1) وللمسألة تفصيل أورده الإمام «عليه السلام» في حديث طويل، ومن جهة أخرى فإن الإسلام خفف عليها في الكثير من الأحكام المرتبطة بالجزاء فقد رفع عنها القتل إذا ارتدت حيث يقول الإمام علي «عليه السلام»: «إذا

_________________

(1) وسائل الشيعة: 29/353.

(68)

 

ارتدت المرأة عن الإسلام لم تقتل ولكن تحبس أبداً»(1). كما وتتساوى مع الرجل في تنفيذ ثلاثة من أنواع الحد ألا وهو القتل والرجم والجلد ولكن لا يجز شعرها ولا تغرب من وطنها، وأما في مسألة القصاص فيقص لصالح المرأة من الرجل ولكن مع إرجاع فارق الدية. مما يظهر من كل ذلك أن حقها المعنوي محفوظ ومكانتها الاجتماعية محفوظة وحاجاتها ملحوظة ولكن الأمور التي ترتبط بضعف بنيتها فقد أخذت بعين الاعتبار سواء في مثل الرجم الذي يوجب فيها بعض التفاوت بينها وبين الرجل وفي مسائل أخرى أشرنا إليها وفي مسألة تقييم إنتاجها في الحياة العملية ولا بد من أخذ جميعها معاً في أخذ القرار وهذا ما فعله الإسلام.

_____________
(1) وسائل الشيعة: 28/330.

(69)

 

المرأة والحب

 

       إن الحب حق مشروع وغريزة مودعة في الإنسان من قبل باريه، وقد بنيت الحياة على الحب، ولولاه لما استقام حجر على حجر ولا قام شيء أبداً، فإنه الضمان الوحيد لاستمرار الحياة والعيش لكل شيء، وقد قال الإمام الباقر «عليه السلام»: «وما الدين إلا الحب »(1)، وعليه بناؤه إذ لو لم يكن المرء يحب الله لما أطاعه بحق، ولما استسلم لأوامره ونواهيه بصدق، والحب متبادل بين الله وعبيده حيث إنه سبحانه وتعالى يحب  عباده ولولا أنه كذلك لما خلقهم، ولما أنعم عليهم، ولما أرشدهم سبل الخير، ولما استمر باللطف عليهم.

       ومن مظاهر هذا الحب حب الزوجين فلولاه لما استقام هذا العش الذهبي، إذ هو أساسه ورأسه وعليه بناء حياة الأسرة المقدسة، ولقد حرض الله المؤمنين على مثل هذا الحب، وطلب من المرء أن يظهره، إذ لا يكفي مجرد الحب دون التظاهر به ففي حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «وقول الرجل للمرأة أحبك لا يذهب من قبلها أبداً»(2)، وقد قال تبارك وتعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)(3). وإذا ما نظرنا بعمق إلى مغزى الآية الكريمة: (هن لباس لكم وأنتم  لباس لهن)(4) لما تجاوزت الآية من معنى الحب العميق الذي يلف الطرفين ليجعل منهما نفساً واحدة وهي حالة لا يشعرها الإنسان إلا عندما يرتقي به الحب إلى مرقاه الأخير ويضم حبيبه

__________________

(1) بحار الأنوار: 27/94.

(2) حقوق المرأة في النظام الإسلامي: 83 عن وسائل الشيعة: 14/10.

(3) سورة الروم، الآية: 21.

(4) سورة البقرة، الآية: 187.

(70)

 

إلى نفسه ليتلابسا دون تمييز بينهما، فلا يعرف حينها من الزوج ومن الزوجة، وليس مثل هذا الحب الصادق الشريف عيباً بعدما جعله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من صفات الأنبياء- خلقه السامي- حيث يقول: «من أخلاق الأنبياء حب النساء»(1)، وقد قارن (صلى الله عليه وآله وسلم) حب الجنس الآخر بحبه للصلاة حين قال: «أحب من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة»(2) وقد توسط حب النساء بين حبين حب الطيب وحب الصلاة، ليكون حب النساء فيه الدين والدنيا. هذا وينسب إلى الإمام الحسين «عليه السلام» في زوجته الرباب وابنته سكينة من الوافر:

لعمرك إنني لأحب دارا         تحل بها سكينة والربـــــــــــاب

أحبهما وأبذل جل مالي          وليس لعاتب عندي حســـــــاب

ولست لهم وإن عتبــوا           مطيعاً حياتي أو يغيبني التراب

 

_____________
(1) وسائل الشيعة: 14/9.

(2) هذا هو المعروف ولكن جاء في بحار الأنوار: 73/ 141: «حبب إلى من الدنيا ثلاث: النساء والطيب وقرة عيني الصلاة»، وجاء أيضاً: «حبب إلى من دنياكم النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة».

(3) دائرة المعارف الحسينية، ديوان الإمام الحسين: 1/193.

(71)

 

الفوارق

 

       لا شك أن الإسلام جاء ليخلص البشرية جمعاء من الرذيلة بكل أبعادها ويعيشهم الفضيلة بكل ما في الكلمة من معنى وفي كل مناحيها، ومن تلك إنقاذ المرأة من الظلم والاضطهاد اللذين كانا يكتنفانها، حيث حكم بتساوي المرأة مع الرجل في الواجبات والحقوق، وهذا بالطبع لا يعني أنه جاء ليوحد المرأة والرجل ويجعلهما جنساً واحداً، حيث إن الفوارق العضوية والنفسية مفروضة وخارجة عن يد القدرة البشرية، ولا يمكن غض الطرف عنها وعدم المبالاة بها ما دامت هي المميز بين الجنسين، بل إن عدم مراعاتها هو الظلم بعينه، إذ إن لكل جنس قدراته وخصوصياته، أما مسألة تكافؤ الفرص والتكريم وتساوي الحقوق والواجبات فهذا هو الذي جاء به الإسلام، وحث على عدم التمايز بينهما في جميع المجالات بحيث يصطدم بالواقع الخلقي [الفسيولوجي] أو النفسي [السيكولوجي]، والمساواة في الواقع هي عدم تفضيل الرجل على المرأة والعكس صحيح أيضاً، أما أن يراد به عدم وجود فوارق فهذا أمر غير حقيقي ولا يمت إلى الواقع بصلة، والفوارق بين الجنسين كثيرة نذكر طرفاً منها:

       1- العظم: إن عظام المرأة بشكل عام أخف وزناً وأصغر حجماً من عظام الرجل، ومن المعلوم أن العظام فيها نتوءات بواسطتها ترتبط العضلات بالعظم، ومن الملاحظ أن هذه النتوءات هي أكبر حجماً في عظام الرجل ما يجعل عضلاته أكثر وثوقاً بالعظام، فلا تتعب بسهولة عند القيام بالأعمال الشاقة.

       2- التنفس: يدخل الهواء الصدر بواسطة توسع القفص الصدري، ويتم ذلك عند الرجل من خلاف عضلات الصدر وخاصة الحجاب الحاجز فتنشأ عملية الاستنشاق، ويكون التنفس عند الطفلة الصغيرة بنفس الكيفية

(72)

 

حتى إذا وصلت سن البلوغ أصبح تنفسها يعتمد على عضلات الصدر وتضعف حركات الحجاب الحاجر بكثير مما يحمي الجنين عند تكوينه من الضغط القوي.

       3- الكريات الحمر: إن كمية الكريات الحمر عند الرجل أكثر منها عند المرأة بنسبة الخمس تقريباً، وينشأ عن هذا أن كمية الهيموغلوبين أكثر عند الرجل منها عند المرأة، وبما أن الكريات الحمر تنقل الأوكسجين عن طريق الهيموغلوبين إلى الأنسجة، فيؤدي ذلك في النتيجة إلى تلقي أنسجة الرجل أوكسجيناً أكثر من أنسجة المرأة ما يجعل الرجل أكثر استعداداً للأعمال الشاقة والدوام عليها.

       4- الماء: كمية الماء في جسم الرجل أكثر من كمية الماء في جسم المرأة، بينما الشحوم في جسم المرأة بشكل عام أكثر منها في جسم لرجل.

       5- الهواء: إن كمية الهواء اللازمة للجسم أكثر عند الرجل من المرأة، وحجم صدر المرأة أقل من حجم صدر الرجل، وكذلك كمية الهواء الذي تستنشقه المرأة أقل من الرجل، ولهذا دور مهم في المظهر الرجولي والأنثوي.

       6- النمو: يتوقف نمو جسم المرأة في سن الثالثة والعشرين من عمرها بشكل عام، في حين يتواصل نمو جسم الرجل إلى سن الخامسة والعشرين من عمره.؟

       7- الجمال: إن المرأة أكثر جمالاً من الرجل لطول العمود الفقري السفلي، وكذلك لوجود طبقات شحمية تحت الجلد لإخفاء نتوءات العظام وتعرجات العضلات، وصغر حجم الجمجمة، كل ذلك يضفي عليها جمالاً لا يوجد عند الرجل.

       8- الحيض: من الواضح أن المرأة تتعرض للدورة الشهرية وما يرافقها من دم الاستحاضة وغيرها، وكمية دم الحيض تتراوح عادة بين 150- 200 غرام وتنتابها عادة بعض نوبات ضيق النمش، وبعض الاضطرابات مثل كثرة الحساسية، والحيض يقلل من حيوية المرأة نظراً

(73)

 

لارتفاع ضغط الدم وشعورها بثقل في جسمها، ولدى انقطاع الدم في سن اليأس يطرأ عليها عدة تغييرات هرمونية ينتج عنها ارتفاع في ضغط الدم وسمنة في الجسم، وفي بعض الأحيان اضطرابات عصيبة، وإذا ما طبقت المرأة تحديد النسل فإنها تتعرض إلى فقدان جزء كبير من الدم يصل إلى خمسة كيلوغرامات أحياناً.

       9- الرحم: إنها تمتلك بيتاً لخلق الجنين ونموه في جو ملائم للجنين.

       10- الثدي: إن هرموني الثدي عندها قابلة للنمو أكثر من الرجل وتدران الحليب لإرواء الطفل وإشباعه.

       11- المني: إن الرجل يمتلك المني ماء الحياة الذي يتكون منه الجنين بينما تمتلك المرأة البويضة.

       12- الآلة التناسلية: يختلف شكلها وحجمها وتركيبها وتأثيرها.

       13- القراءة: توصل الباحثون الأمريكيون إلى أن هناك فرقاً في طريقة استخدام الرجال والنساء لأدمغتهم أثناء القراءة.

       14- الدماغ: وصلت الأبحاث الحديثة إلى وجود فوارق في وظيفة الدماغ عند الرجل والمرأة من حيث التحكم في العواطف والإدراك، وكشف الدراسة التي تناولت التغييرات الكيميائية في عدد من أدمغة الرجال والنساء إلى وجود اختلاف في نشاط أدمغة الإناث والذكور في الاستجابة للمؤثرات العاطفية، وتضيف الدراسة: إن الرجال أظهروا نشاطاً أقوى في مناطق شبكة المخ الهاشمية مما يؤدي إلى استجابة عملية، أما أدمغة النساء فهي أكثر نشاطاً في المناطق الأحدث تطوراً والأكثر تعقيداً في تلك الشبكة مما نتج عنه استجابة رمزية، وأخيراً فإن الدراسات عن هذه توصلت إلى أن الرجال والنساء يعيشون في عوالم مختلفة(1).

       15- درجة الحرارة: تختلف درجة حرارة المرأة عن الرجل.

___________
(1) مجلة الطاهرة الطهرانية: 137/16، التاريخ 1423هـ (2002م).

(74)

 

       16- القوى: حيث إنها أضعف من الرجل، إذ يقول برودون(1) لدى بحثه عن نزول المرأة إلى ساحة العمل: «إن نسبة مجموع قوى الرجل إلى مجموع قوى المرأة كنسبة ثلاثة إلى اثنين»(2)، ويعلق على تحرير المرأة إلى هذا الحد الذي نراه اليوم: «إن التحرير الذي يطلبه بعضهن باسمهن هو تسجيل الشقاء عليهن تسجيلاً قانونياً إن لم أقل تسجيل العبودية»(3).

       17- إنبات الشعر: يختلف من مكان إلى آخر وهناك فوارق في نوعيته أيضاً.

       18- يذكر الأطباء بأن متوسط وزن مخ الذكر يزيد على متوسط وزن مخ الأنثى بمقدار مائة غرام(4).

       وبسبب هذه الفوارق الجسمية والنفسية وغيرها نجد أن الإسلام خصص لها أحكاماً تتناسب مع واقعها.

_____________
(1) برودون: بيير جوزيف 1225- 1282هـ (1809- 1865م) فيلسوف اشتراكي فرنسي يعتبر أبرز صانعي الفكر الاشتراكي، وهو صاحب مذهب الاتجاه البورجوازي الصغير، المعادي للماركسية، فقد حلم برودون بالملكية الصغيرة، واقترح إنشاء بنوك الشعب ليمتلك العمال بواسطتها وسائل الإنتاج.

(2) يذكرني قول برودون، بتجربة حصلت لي في إحدى مستشفيات لندن حين ولادة ابنتي الثانية، حيث اضطررنا إلى إخضاع الأم لعملية قيصرية للولادة، وبما أنها طلبت خلو غرفة العمليات من الرجال تماماً وطلبت مني أن أصحبها، وقد  حاولوا نقلها من سرير إلى آخر بواسطة أربعة ممرضات إلا أنهن لم يتمكن من ذلك فاستعانوا بي وقالوا: عادة إن الرجال يقومون بذلك، وكنت إلى آخر الوقت معيناً لهن فيما يستعصي عليهن القيام بما يستخدم فيه القوة.

(3) دائرة معارف القرن العشرين: 3/338، عن إيجاد النظام لبرودون.

(4) قالوا في المرأة: 52 عن مجلة الهدى العمارية: 6- 7، بتاريخ 1348هـ، مجلة المرشد البغدادية: 10/30 بتاريخ 1347هـ.

(75)