معجم  أنصار الحسين  (النساء)     (الجزء الأول)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (النساء) (الجزء الأول)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

أم سلمة بنت علي الهاشمية

ق34- ن35هـ = ق654- ن655م

 

       هي: أم سلمة بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشية.

       وأمها: أم ولد.

       ضبط المفردة «سلمة» بفتح السين واللام والميم على زنة طلبة، وهو وزن من أوزان جمع التكسير التي تأتي للتكثير، وهو قياسي في كل وصف على وزن فاعل لمذكر عاقل صحيح اللام نحو كتبة في كاتب وطلبة في طالب، وبررة في بار(1)، وجذر الكلمة من سلم من العيب إذا تخلص منه وكان معافى منه، والسلمة واحدة لسلم بفتحتين شجر السلم، والسليمة بفتحة فكسرة المرأة الناعمة الأطراف، ولكن المراد ما كان مفتوح السين واللام.

       سمي به الرجال في الجاهلية، ومنهم: سلمة بن أسحم بن عامر بن ثعلبة القضاعي المتوفى سنة 100ق.هـ، ذلك الكاهن الجاهلي الذي تولى سدانة «العزى» صنم غطفان(2) على مقربة مكة، وكذلك سلمة بن سعد ابن علي بن أسد الخزرجي الجد الجاهلي المعروف(3) وغيرهما، ولما

____________
(1) راجع معجم الأوزان الصرفية: 106 و192.

(2) غطفان: هي قبيلة تنسب إلى غطفان سعد وهو بطن عظيم كثير الأفخاذ من قيس عيلان من العدنانية، وعيلان هو ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، كانت منازلهم في نجد، وجبل طيء، ثم افترقوا في الفتوحات الإسلامية.

(3) الأعلام للزركلي: 2/112 و113.

(165)

 

سمي بسلمة أصبحت الأم أم سلمة كنية، ولكنها درجت بعد ذلك اسماً، ومنهم من استخدمها مجرد كنية كما في أم سلمة زوجة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث هي كنية هند بنت أبي أمية سهل(1) بن المغيرة بن مخزوم القرشية المخزومية (28ق.هـ- 62هـ) وقد تزوجها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) السنة الرابعة للهجرة.

       وربما يقال إن والدة أم سلمة بنت علي «عليه السلام» خرجت إلى كربلاء مع ابنتها أم سلمة، ولكن لم يثبت هذا، بل ثبت أن ابنتها أيضاً لم تحضر كربلاء لأنها ماتت في حياة أبيها، وقد فصلنا الكلام حول ذلك في ترجمة والدة أم سلمة لدى الحديث عن زوجات علي «عليه السلام» في المقدمة التمهيدية.

       والحاصل أنها خارجة عن موضوعها رغم أنه لا يمكن التأكيد على أن والدة أم سلمة لم تكن حاضرة في كربلاء، إذ كل ما لدينا أنها توفيت بعد استشهاد الإمام الأمير المؤمنين «عليه السلام» عام 40هـ، ومن الممكن أنها بقيت على قيد الحياة حتى أيام استشهد الإمام الحسين «عليه السلام»، وحضرت كربلاء، باحتمال أنها التحقت بعد شهادة أمير المؤمنين «عليه السلام» بركب الإمام الحسين «عليه السلام» ولكن لا دليل لدينا على ما ذلك، وربما ينظر إلى ما جاء في معالي السبطين من أن أم سلمة حضرت كربلاء هو من التصحيف أي أن والدتها حضرت كربلاء، وإلا فإن أم سلمة سبق وقلنا إنها توفيت في حياة أبيها «عليه السلام»(2).

       وأخيراً فالظاهر أن «أم سلمة» كنيتها اسمها حيث لم يوصلنا التحقيق إلى وجود اسم آخر لها يمكن أن يكون علماً و« أم سلمة » كنية.

_______

(1) وقيل اسم أبي أمية حذيفة، وقيل سهيل ويلقب بزاد الركب لأنه كان من الأجواد.

(2) راجع لباب الأنساب: 1/333 وغيره.

(166)

 

(11)

أم شعيب بنت... المخزومية

2ق.هـ - ب40هـ = 620- ب660م

 

       هي أم شعيب المخزومية.

       لم نتمكن من التعرف على نسبها حيث إنها دخلت بيه علي «عليه السلام» بملك اليمين حدود عام(1) 20هـ، وسنأتي على بعض هذه التفاصيل إن شاء الله تعالى بعد الحديث عن المفردة.

       ضبط المفردة «شعيب» وهو بضم الشين وفتح العين وسكون الياء على زنة كميل، وهو من أوزان التصغير حيث نقول في رجل رجيل، قال الزبيدي(2): وشعيب اسم، وسيدنا شعيب من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال الصاغاني(3): وهو اسم عربي يمكن أن يكون تصغير شعب- بسكون العين- أو تصغير أشعب، كما قالوا في تصغير أسود سويد، وهو تصغير الترخيم(4).

       والشعب له معانٍ عديدة منها الصلاح والقبيلة العظيمة والجبل، وأما

__________

(1) معالي السبطين: 2/228.

(2) الزبيدي: محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني المشهور بالسيد المرتضى (1145- 1205هـ) أصله من واسط، ومولده في بلجرام- الهند- ومنشأه في زبيد- اليمن- وتوفي في مصر، كان من أئمة اللغة والحديث والرجال، وله مؤلفات جمة، منها: تكملة القاموس، الروض المؤتلف، وحكمة الإشراق.

(3) الصاغاني: هو الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العمري (577- 650هـ) ولد في لاهور، ونشأ في غزنة وتوفي في بغداد، ودفن في مكة بوصية منه، كان من أئمة اللغة، من مؤلفاته: مجمع البحرين، الكلمة، والعباب.

(4) تاج العروس: 4/145.

(167)

 

الأشعب: فهو من تباعد ما بين قرنيه، يقال تيس أشعب وعنز شعباء.

       ومما تقدم تبين أنه استخدم علماً منذ القدوم، وأصبحت الأم تكنى باسم ابنها شعيب كما يكنى الأب بذلك، وربما انتقلت الكنية لتصبح علماً، وبالنسبة إلى أم شعيب هذه، فالظاهر أن كنيتها اسمها حيث لم يوصلنا التحقيق إلى أكثر من ذلك.

       وعلى أي حال فإن أم شعيب المخزومية ولدت في حدود عام 2ق.هـ، ودخلت بملك اليمين بيت الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» في حدود عام 20هـ وهو في المدينة، وأنجبت له: نفيسة بنت علي (22- ب61هـ) وزينب الصغرى بنت علي (23- ق40هـ) ورقية الصغرى بنت علي (24- ب61هـ) فالأولى تزوجت من عبد الله الأوسط ابن عقيل، والثانية من محمد بن عقيل، والثالثة من مسلم بن عقيل.

       ويذكر المازندراني في معاليه: أن رقية الصغرى خرجت إلى كربلاء مع أمها(1)، ومعنى أن هذا أن أم شعيب حضرت كربلاء مع ابنتها نفيسة ورقية الصغرى وزوجها فاستشهد عبد الله الأوسط بن عقيل في كربلاء، بينما استشهد مسلم بن عقيل في الكوفة، وكلام المازندراني رغم أنه لم يوثق بدليل إلا أنه يتنافى مع تحقيقاتنا حيث توصلنا إلى أنها توفيت بعد استشهاد مولاها أمير المؤمنين «عليه السلام» عام 40هـ، ولكننا لم نتمكن من تحديد عام وفاتها، ويأتي كلام المازندراني ليحدد وفاتها إلى ما بعد عام 61هـ، وليس لدينا أكثر من ذلك.

__________
(1) معالي السبطين: 2/228.

(168)

 

(12)

أم فاطمة بنت علي الهاشمية

ق9- ب61هـ = 613- 681م

 

       هي أم فاطمة بنت علي.

       ليس لدينا عن نسبها شيء وربما لأنها كانت أمة، وقد سبق الحديث عن ذلك لدى التحدث عن زوجات أمير المؤمنين «عليه السلام» في المقدمة التمهيدية  لمعجم الأنصار الهاشميين فلا نكرر(1).

       أما ضبط المفردة «فاطمة» فهي على وزن الفاعل المؤنث والجذر من فطم بفتحتين يفطم بفتح ثم سكون بعدها كسر، يقال ناقة فاطم وفاطمة إذا فطم ولدها عنها، أي فصل ولدها عنها من الرضاع، وقد ورد في الحديث عن فاطمة الزهراء «عليه السلام»: أنها إنما سميت بذلك لأنها تفطم شعيتها من النار(2) يوم القيامة.

       لقد استخدمت المفردة كاسم علم للإناث في الجاهلية وهناك العديد ممن سمين بفاطمة، منهن فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية أم علي بن أبي طالب «عليه السلام» التي توفيت سنة خمس للهجرة، وفاطمة بنت الخرشب الأنمارية، منجبة جاهلية يضرب بها المثل في الإنجاب فكان يقال: «أنجب من فاطمة » ، وكانت زوجة لزياد بن سفيان العبسي، إلى غيرها، ولعل أول من سميت بفاطمة في الإسلام هي ابنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

وعلى أي حال فإن أم فاطمة بنت علي «عليه السلام» ولدت قبل العام التاسع

____________
(1) جاء في معجم البحرين: 6/131 «روي أنها سميت فاطمة لأنها فطمت شيعتها من النار».

(2) معالي السبطين: 2/228.

(169)

 

من الهجرة، ودخلت بيت علي «عليه السلام» بملك اليمين سنة 23هـ، وأنجبت له فاطمة عام 24هـ وتزوجت فاطمة من أبي سعيد بن عقيل، وحضرت أم فاطمة مع ابنتها فاطمة وزوجها أبي سعيد كربلاء فاستشهد الزوج وبقيتا على قيد الحياة، وعلى هذا مجموعة من النصوص، وليس لدينا عن حياة أم فاطمة شيء يذكر.

(170)

 

(13)

أم كلثوم بنت الحسين الهاشمية

ن32- 33هـ = 652- 653م

 

       هي: أم كلثوم(1) بنت الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم القرشية.

       أمها: شاه زنان بنت يزدجرد الثالث بن شهريار بن أبرويز بن هرمز الساسانية.

       هذا ما أورده الصدوق(2) وابن فندق(3) والمجلسي(4) ومن تبعهم(5)، وجاء في منية الأدباء أن في الموصل قرب سوق الصاغة مرقد بنات الحسن «عليه السلام» وأم كلثوم بنت الحسين «عليه السلام»، والناس يزورهن ويتبركون

_________

(1) أم كلثوم: سيأتي ضبط المفردة «كلثوم» في أم كلثوم الكبرى بنت علي «عليه السلام» والمفروض أن يأتي هنا، حسب القاعدة، ولكن بما أننا ترجمنا تلك قبل هذه، فجاء ضبط المفردة هناك، ولم نشأ أن نغير.

(2) الصدوق: هو محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (306- 481هـ) ولد في قم، وتوفي في الري (طهران) من كبار علماء الإمامية ومحدثيهم، له: الاعتقادات، معاني الأخبار، وعيون أخبار الرضا.

(3) ابن فندق: هو علي بن زيد بن أميرك بن محمد البيهقي (493- 565هـ) ينتهي نسبه إلى ثابت ذي الشهادتين، من علماء الفقه والنسب، وتولى القضاء، له مؤلفات منها: إعجاز القرآن، الفرائض، وأسرار الحكم.

(4) المجلسي: هو محمد باقر بن محمد تقي (1037- 1111هـ) ولد وتوفي في أصفهان من أعلام الإمامية، له مؤلفات جمة عرف بموسوعة البحار، ومنها بالعربية وأخرى بالفارسية، ومن تلك: مرآة العقول، ملاذ الأخيار، والأوزان.

(5) بحار الأنوار: 44/322، أمالي الصدوق- طبعة بيروت-: 139، وطبعة إيران: 164، مستدركات علم رجال الحديث: 8/558، لباب الأنساب: 1/350.

(171)

 

بهن(1)، ويضيف قائلاً: إن المرقد قرب القلعة، رآها رجل في المنام وأمرته بإخراج قبرها، وأرته المكان فحفر وأظهر القبر الشريف.

       قال ابن فندق: إنها ماتت صغيرة، فإذا كانت ولادتها قبل ولادة الإمام السجاد «عليه السلام» المولود عام 33هـ ليصح القول بأن أمه شاه زنان ماتت في نفاسها لا بد وأن تكون عام 32هـ، وهذا لا يصح على قول من ذهب بأن شاه زنان وصلت بيت الإمام الحسين «عليه السلام» عام 32هـ، نعم يصح على القول بأنها أسرت عام 30هـ ووصلت المدينة في العام نفسه، وقد اشبعنا البحث نقاشاً لدى ترجمة محسن السقط ابن الإمام الحسين «عليه السلام» في معجم الأنصار الهاشميين فليراجع.

       ولكن من جهة أخرى فإن قول ابن فندق بأنها ماتت وهي صغيرة يفهم منه أنها توفيت قبل أن يحين وقت بلوغها على أكثر التقادير، وهذا إن صح وجب أن يتعدى عام 41هـ، وإن شئت فقل قبل إن تصلح للزواج لتكون وفاتها قبل عام 46هـ ليصح أنها صغيرة، وعندها لا يمكن التوفيق بين قوله وبين ما يذكر بأن مرقدها في الموصل، إذ أن المتبادر إلى الدهن من كون مرقدها هناك أنها توفيت من شدة الهول وهي في طريق الأسر وذلك عندما مر ركب الإمام زين العابدين «عليه السلام» بعد مقتل أبيه عام 61هـ وهم في طريقهم إلى دمشق فدفنوها هناك، حالها حال محسن في حلب، وخولة في بعلبك، ورقية في دمشق لتكون هذه الرابعة من حيث العدد والأولى من حيث الشهادة، وربما يشهد لهذا المرقد بالصحة وجود مقام للإمام زين العابدين «عليه السلام» بالقرب من الموصل، ما يدلنا على أن مرور ركب الأسر تم من قرب الموصل، وقد تحدثنا عن هذا في السيرة، كما وتحدثنا عن المرقد في تاريخ المراقد فليراجع.

       وما يهمنا هنا أن القول بدفنها هنا لا يتوافق مع القول بأنه ماتت صغيرة، وذلك لأنها إذا ولدت عام 32هـ فالمفروض أنه كان لها لدى

__________
(1) منية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء لياسين بن خير الله الموصلي: 32.

(172)

 

الأسر عام 61هـ سبع وعشرون سنة، ومن في مثل هذا العمر لا يعد صغيراً.

       وبما أن كتب المقاتل والتاريخ خالية من ذكرها فيمن حضرت كربلاء برفقة أبيها، فالظاهر أن نسبة هذا القبر إليها لا يمكن أن يعتمد، وما يمكن الاعتماد عليه أنها توفيت في المدينة وهي صغيرة وأنها ولدت قبل الإمام زين العابدين «عليه السلام» وتوفيت وهي صغيرة، لأن مجرد وجود قبر منسوب إليها لا يمكن الركون إليه في إثبات المدعى.

       وهناك من ذكر بأن أم كلثوم هي كنية فاطمة الصغرى بنت الحسين «عليه السلام»، وهي صاحبة الخطبة في الكوفة، وهي التي رثت القتلى في المدينة(1)، إلا أنه مجرد احتمال كما صرح صاحبه.

__________
(1) الطراز المذهب: 2/562.

(173)

 

(14)

أم كلثوم الصغرى بنت عبد الله الهاشمية

ن40- ب61هـ = ن660- ب680م

 

       هي: أم كلثوم الصغرى بنت عبد الله بن جعفر الطيار بن عبد المطلب ابن هاشم القرشية(1).

       وأمها: زينب بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشية.

       وقد سبق بيان نسبها خلال الحديث عن جدتها فاطمة الزهراء «عليه السلام» وأما ضبط المفردة: «كلثوم» فسيأتي في أم كلثوم الكبرى بنت علي «عليه السلام» .

       ولدت أم كلثوم الصغرى بنت عبد الله الطيار في المدينة. جاء في الطراز المذهب: إن زينب الكبرى بنت علي «عليه السلام» أنجبت لعبد الله بن جعفر الطيار علياً وعوناً الأكبر ومحمداً وعباساً وأم كلثوم(2)، وقال ابن قتيبة(3): فولد عبد الله بن جعفر: جعفراً الأكبر وعلياً وعوناً الأكبر وعباساً وأم كلثوم، وأمهم زينب بنت علي «عليه السلام»(4) ولا خلاف بين المؤرخين وأرباب النسب أن أم كلثوم هي ابنة زينب الكبرى «عليه السلام»، ويظهر من تسلسل ذكر أولادهما أن أم كلثوم خامسة خمسة وإن اختلف المؤرخين في الأبناء.

___________
(1) معالي السبطين: 2/228.

(2) الطراز المذهب: 2/649.

(3) ابن قتيبة: هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (213- 276هـ) ولد في بغداد وسكن الكوفة، وتوفي في بغداد، تولى القضاء بـ «الدينور »- في إيران- فنسب إليها، كان من الأدباء والمؤرخين، ومن آثاره الإمامة والسياسة، الرد على الشعوبية، ومشكل القرآن.

(4) المعارف لابن قتيبة: 206.

(174)

 

       وبما أن يزيد بن معاوية خطب أم كلثوم من أبيها عبد الله بن جعفر، ورد عليه عبد الله بأن أمرها إلى خالها الحسين بن علي «عليه السلام» يتبين لنا أمران، الاول: إن الخطبة كانت بعد وفاة الإمام الحسن «عليه السلام»، والثاني: إن أم كلثوم تأهلت للزواج فخطبها.

       ومن تكليف معاوية واليه على المدينة مروان بن الحكم الذي تولى للمرة الثانية عام 54 وحتى 56هـ بأن يطلب يدها ليزيد من عبد الله الطيار يتبين أن الخطبة وقعت في عام 54هـ أو 55هـ، ومن المفروض أن يكون عمرها آنذاك في حدود الرابعة عشر لتكون ولادتها في حدود الأربعين للهجرة، وقد سبق وقلنا: أن شقيقها الثاني عوناً الأكبر ولد عام 25هـ، وسنأتي في ترجمة والدتها زينب الكبرى بنت علي «عليه السلام» أن زواجها من عبد الله بن جعفر الطيار كان في حدود عام العشرين للهجرة، وأن ولادة زوجها القاسم بن محمد الأكبر ابن جعفر الطيار كان قبل عام 37هـ، ليكون له من العمر عند الزواج من أم كلثوم هذه في حدود السبعة عشرة عاماً، وعمر زوجته أم كلثوم بنت عبد الله الطيار في حدود الأربعة عشر عاماً.

       وأما مسألة خطبة يزيد لها فقد ذكرناها بالإجمال في ترجمة زوجها القاسم، وأوردناها بالتفصيل في السيرة الحسينية، ومجملها أن مروان طلبها من عبد الله الطيار ليزيد، فقال عبد الله: إن أمرها  ليس إلي إنما هو إلى سيدنا الحسين، وهو خالها، وأخبر عبد الله الحسين بذلك فقال الحسين: أستخير الله، الله م وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد، ثم إنه «عليه السلام» زوج أم كلثوم بنت عبد الله الطيار من القاسم بن محمد الأكبر ابن جعفر الطيار على أربعمائة وثمانين درهماً ونحلها ضيعته في المدينة، وبذلك سد الطريق على يزيد(1).

       هذا وأنجبت له بنتاً(2) اسمها فاطمة(3) ويقول المؤرخون: إن أم

______________
(1) راجع المعارف لابن قتيبة: 3/97، وسيلة الدارين: 244، تنقيح المقال: 2/24 (القسم الثاني) وغيرها.

(2) عمدة الطالب: 36.

(3) المعارف لابن قتيبة: 206.

(175)

 

كلثوم صحبت زوجها القاسم في الخروج إلى كربلاء، وأن القاسم برز إلى المعركة، وقيل: إنه استشهد، إلا أن ذلك غير مؤكد وربما كان قد أسر، وهو الأقوى، وتزوجت فاطمة بنت أم كلثوم، ثم انقرض نسلها(1)، وقيل والله العالم أن أم كلثوم بعد وفاة زوجها القاسم تزوجت الحجاج بن يوسف الثقفي(2) وبعده أبان(3) بن عثمان بن عفان(4)، إلا أنه لم يثبت ذلك(5)، وقد تحدثنا عن ذلك في ترجمة القاسم بن محمد الأكبر بن جعفر الطيار.

       ولكن ما يثير الدهشة أن مسألة خطبة يزيد لبنت من بنات عبد الله بن جعفر الطيار تكررت حسب ما يرويه المجلسي في بحاره حيث يذكرها تارة في زينب بنت عبد الله بن جعفر وأوكل أمرها إلى الإمام الحسن «عليه السلام» وتارة أخرى في أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر وقد أوكل أمرها إلى الإمام الحسين «عليه السلام»، وكلاهما كان مروان بن الحكم هو الوسيط، وحتى نلقي الضوء الكاشف على القضيتين ننقلهما كي تتضح معالمهما، ثم نناقش فيهما بعض الأمور:

       النص الأول وشخصياته هم: يزيد بن معاوية، مروان بن الحكم، عبد الله بن جعفر، الحسن بن علي، زينب بنت عبد الله بن جعفر، القاسم

_____________
(1) راجع المجدي: 296.

(2) الحجاج بن يوسف الثقفي: وهو حفيد الحكم (40- 95هـ) ولد ونشأ في الطائف، ولي أمر المدينة ومكة والطائف والعراق من قبل الأمويين، بنى مدية واسط في العراق، وكان سفاكاً سفاحاً، وأخبار ظلمه وقتله كثيرة، مات في واسط.

(3) أبان بن عثمان بن عفان الأموي: ولد في المدينة بعد العقد الثاني من الهجرة تقريباً وتوفي فيها عام 105هـ، ولي المدينة ومكة سنة 75- 82هـ، شارك مع عائشة في حرب الجمل، ومات بالفالج بعدما أصيب بشيء من الصمم، وكان يعد من فقهاء بني أمية، وجاء في أنساب الأشراف أنه كان صاحب رشوة وجور.

(4) المعارف لابن قتيبة: 207.

(5) أيعقل أنها تتزوج أبان ذلك الأموي الذي اشترك في الحرب على أبيها في حرب الجمل، وهو الذي رضع حليب الحمقاء ألا وهي أمه ابنة جندب بن عمرو بن حمه الدوسي والتي كانت تجعل الخنفساء في فمها وتقول: حاجتك في فمي، وكان أبان أبرص أحول، وكان جباناً- راجع المعارف لابن قتيبة: 201.

(176)

 

ابن محمد بن جعفر، وأما شخصيات النص الثاني فهم يزيد بن معاوية، مروان بن الحكم، عبد الله بن جعفر، الحسين بن علي، أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر، القاسم بن محمد بن جعفر.

       وما تجدر الإشارة إليه أن مروان بن الحكم تولى ولاية المدينة من مثل معاوية بن أبي سفيان مرتين: الأولى عام 42هـ، والثانية عام 54هـ(1).

       أما النص الأول فهو كالتالي: إن معاوية كتب إلى مروان وهو عامله على المدينة أن يخطب على يزيد بنت عبد الله بن جعفر على حكم أبيها في الصداق، وقضاء دينه بالغاً ما بلغ، وعلى صلح الحيين: بني هاشم وبني أمية.

       فبعث مروان إلى عبد الله بن جعفر يخطب إليه، فقال عبد الله: إن أمر نسائنا إلى الحسن بن علي «عليه السلام» فاخطب إليه، فأتى مروان بن الحسن خاطباً.

       فقال الحسن: إجمع من أردت.

       فأرسل مروان فجمع الحيين من بني هاشم وبني أمية، فتكلم مروان، فحمد الله وأنثى عليه ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن أخطب زينب بنت عبد الله بن جعفر على يزيد بن معاوية على حكم أبيها في الصداق وقضاء دينه بالغاً ما بلغ، وعلى صلح الحيين: بني هاشم وأمية، ويزيد بن معاوية كفو من لا كفو له، ولعمري لمن يغبطكم بيزيد أكثر ممن يغبط يزيد بكم، يزيد ممن يستسقى الغمام بوجهه، ثم سكت.

       فتكلم الحسن «عليه السلام» فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما ما ذكرت من حكم أبيها في الصداق، فإنا لم نكن لنرغب عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهله وبناته، وأما قضاء دين أيها فمتى قضت نساؤنا ديون آبائهن؟ وأما صلح الحيين، فإنا عاديناكم لله وفي الله فلا نصالحكم للدنيا.

__________
(1) تاريخ أمراء المدينة: 494، حيث تولى في الأولى ما بين عام 42- 42، ما بعده تولاها ابنه كنائب عن والده حتى عام 49هـ، ثم تولاها سعيد بن العاص حتى عام 54هـ ثم أبو هريرة ثم مروان بن الحكم ثانية في العام نفسه أي عام 54هـ وحتى 56هـ حيث تولاها سعيد بن العاص للمرة الثانية أيضاً.

(177)

 

       وأما قولك من يغبطنا بيزيد أكثر ممن يغبطه بنا، فإن كانت الخلافة فاقت النبوة فنحن المغبوطون به، وإن كانت النبوة فاقت الخلافة، فهو المغبوط بنا.

       وأما قولك إن الغمام يستسقى بوجه يزيد، فإن ذلك لم يكن إلا لآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد رأينا أن نزوجها من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر وقد زوجتها منه، وجعلت مهرها ضيعتي التي لي بالمدينة، وكان معاوية أعطاني بها عشرة آلاف دينار، ولها فيها غنى وكفاية.

       فقال مروان: أغدراً يا بني هاشم.

       فقال الحسن: واحدة بواحدة(1).

       وكتب مروان بذلك إلى معاوية، فقال معاوية: خطبنا إليهم فلم يفعلوا، ولو خطبوا إلينا لما رددناهم(2).

       وأما النص الثاني فهو كالآتي: إن معاوية كتب إلى مروان، وهو عامله على الحجاز يأمره أن يخطب أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد، فأتى عبد الله بن جعفر فأخبره بذلك فقال عبد الله: إن أمرها ليس إلي إنما هو إلى سيدنا الحسين «عليه السلام» وهو خالها، فأخبر الحسين بذلك فقال: أستخير الله تعالى اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد(3).

       فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقبل مروان حتى جلس إلى الحسين «عليه السلام» وعنده من الجلة(4)، وقال: إن أمير المؤمنين أمرني

___________
(1) قوله: «واحدة بواحدة» قيل إن الإمام الحسن «عليه السلام» كان قد خطب عائشة بنت عثمان، فقال مروان: أزوجها عبد الله بن الزبير، فلما كان من خطبة مروان ليزيد رده الإمام الحسن «عليه السلام» بمثل ما رده على عائشة، وهذا الأمر مستبعد منه «عليه السلام» ومن هنا يمكن ترجيح النص الثاني.

(2) بحار الأنوار: 44/119.

(3) وجاء في هامش جمهرة رسائل العرب: 2/55 «ثم قام ودخل على أم كلثوم فقال: يا بنية إن ابن عمك القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب أحق بك، ولعلك ترغبين في كثرة الصداق، وقد نحلتك البغبغيات» وعندما اكتب رضاها خرج إلى الناس.

(4) الجلة: بالكسر ثم التشديد يقال قوم جلة أي سادة.

(178)

 

بذلك، وأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ مع صلح ما بين هذين الحيين، مع قضاء دينه وأعلم أن من يغبطكم بيزيد أكثر ممن يغبطه بكم، والعجب كيف يستمهر يزيد؟ وهو كفو من لا كفو له، وبوجهه يستسقى الغمام، فرد خيراً يا أبا عبد الله!.

       فقال الحسين «عليه السلام»: الحمد الله الذي اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا على خلقه(1) وأنزل علينا كتابه ووحيه، وأيم الله لا ينقصنا أحد من حقنا شيئاً إلا انتقصه الله من حقه، في عاجل دنياه وآخرته، ولا يكون علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة، ولتعلمن نبأه بعد حين(2).

       ثم قال: يا مروان قد قلت فسمعنا.

       أما قولك: مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بناته ونسائه وأهل بيته، وهو اثنتا عشرة أوقية(3) تكون أربعمائة وثمانين درهماً(4).

       وأما قولك: مع قضاء دين أبيها، فمتى كن نساؤها يقضين عنا ديوننا، وأما صلح ما بين هذين الحيين، فإنا قوم عاديناكم في الله، ولم نكن نصالحكم للدنيا، فلعمري أعيا النسب فكيف السبب.

       وأما قولك العجب ليزيد كيف يستمهر؟ فقد استمهر من هو خير من يزيد، ومن أبي يزيد ومن جد يزيد.

       وأما قولك: إن يزيد كفو من لا كفو له، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم، ما زادته إمارته في الكفاءة شيئاً.

____________
(1) جاء في المصدر إلى آخر كلامه.

(2) هذا المقطع الذي هو تكملة لخطبة الحسين «عليه السلام» نقلناه عن جمهرة رسائل العرب: 2/55.

(3) الأوقية: تشكل كل 12 منها رطلاً: والرطل يعادل 2,564 كيلو غراماً، إذاً فالأوقية تعادل 213,66 غراماً.

(4) الدرهم: نقد من الفضة يعادل كل درهم مثقالاً من الفضة بشكل عام، ويذكر أن الدرهم في الصدر الأول من الإسلام كان عشرة منه تعادل سبعة مثاقيل، وكل مثقال يعادل 4,64 غراماً.

(179)

 

       وأما قولك: بوجهه يستسقى الغمام، فإنما كان ذلك بوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

       وأما قولك: من يغبطنا به أكثر ممن يغبطه بنا، فإنما يغبطنا به أهل الجهل، ويغبطه بنا أهل العقل.

       ثم قال بعد كلام(1): فاشهدوا جميعاً أني قد زوجت أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من أبن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهماً، وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة (أو قال أرضي بالعقيق)، وإن غلتها في السنة ثمانية آلاف دينار(2)، ففيها لهما غنى إن شاء الله.

       فتغير وجه مروان وقال: غدراً يا بني هاشم(3)؟ تأبون إلا العداوة فذكره الحسين «عليه السلام» خطبة الحسن عائشة وفعله(4)، ثم قال: فأين موضع الغدر يا مروان فقال مروان من الوافر:

أردنا صهركم لنجد وداً          قد أخلقه به حدث الزمـــان

فلما جئتكم فجبهتموني           وبحتم بالضمير من الشنان

       فأجابه ذكوان مولى بني هاشم من الوافر:

أماط الله منهم كل رجس         وطهرهم بذلـــــــك في المثاني

فما لهم سواهم من نظير         ولا كــــــــــفو هناك ولا مداني

أتجعل كل جبار عـــنيد          إلى الأخيار من أهل الجنان(5)

_____________
(1) قوله: «بعد الكلام» أي: بعد أخذ ورد.

(2) الدينار: نقد من الذهب يعادل كل دينار من الذهب بشكل عام، والدينار الشرعي كان ثلاثة أرباع المثقال.

(3) جاء في هامش جمهرة رسائل العرب: «أغدراً يا حسين».

(4) جاء في جمهرة رسائل العرب: 2/55: «فقال الحسين «عليه السلام»: أنت بدأت، خطب أبو محمد الحسن بن علي عائشة بنت عثمان بن عفان واجتمعنا لذلك، فتكلمت أنت فزوجتها من عبد الله بن الزبير، فقال مروان: ما كان ذلك، فالتفت الحسين إلى محمد بن حاطب، فقال: أنشدك الله أكان ذلك؟ قال محمد بن حاطب: اللهم نعم »، وسيأتي تفصيل ذلك في باب خطب الإمام الحسين «عليه السلام» من الموسوعة هذه.

(5) بحار الأنوار: 44/207، عن مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/38، وفيه: «ثم إنه كان الحسين تزوج بعائشة بنت عثمان».

(180)

 

       إن دراسة النصين معاً يوجب ما يلي:

       1- الاستغراب من تجدد الحدث مرتين كل شخصياته متحدة سوى ابنة عبد الله بن جعفر الطيار، ففي الأولى كانت زينب بنت عبد الله الطيار، وفي الثانية كانت أم كلثوم بنت عبد الله الطيار، وكذلك فإن من تولى أمر الزواج في الأولى كان الإمام الحسن «عليه السلام»، بينما في الثانية فقد تولى الإمام الحسين «عليه السلام» أمر زواجها.

       2- احتمال اتحاد الحدثين وارد لتكون أم كلثوم كنية لزينب إلا أن كل المصادر لم تذكر أن لعبد الله الطيار بنتاً باسم زينب.

3- إن مروان بن الحكم تولى ولاية المدنية مرتين من قبل معاوية بن أبي سفيان، فكانت الأولى في عهد الإمام الحسن «عليه السلام» أي عام 42هـ، والثانية كانت عهد الإمام الحسين «عليه السلام» أي عام 54هـ.

4- إن الحسن والحسين كثيراً ما يقع التصحيف بينهما.

5- يقول ابن قتيبة: إن محمد بن جعفر الطيار أولد القاسم بن محمد وطلحة، وولد طلحة فاطمة، أمها أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر، وأمها زينب بنت علي «عليه السلام» وأمها فاطمة بنت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتزوج فاطمة حمزة بن عبد الله بن الزبير، ثم تزوجها طلحة بن عمر بن عبيد الله ولا عقب له(1).

ويقول في مكان آخر من كتابه: فأما أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر فكانت عند القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب، ثم تزوجها الحجاج ابن يوسف، ثم تزوجها أبان بن عثمان بن عفان(2).

ويلاحظ أنه تارة يقول: بأن أم كلثوم تزوجها طلحة بن محمد بن جعفر فأولدها فاطمة، وتارة يقول: بأن القاسم بن محمد بن جعفر هو الذي تزوجها.

وهذا التناقض مع ما تقدم من المعلومات يجعلنا نحتمل بأن هناك شخصيتين، ربما كلتاهما تسميان بزينب وتكنيان بأم كلثوم، أبوهما متحد وهو

___________

(1) المعارف لابن قتيبة: 206.

(2) المعارف لابن قتيبة: 207.

(181)

 

عبد الله بن جعفر الطيار، أما أمهما فالظاهر أنهما مختلفان، فإحدى الأمهات زينب بنت أمير المؤمنين «عليه السلام» والتي تزوج ابنتها القاسم بن محمد بن جعفر الطيار، وتزوج اخوه طلحة أختها، وأراد يزيد بن معاوية أن يتقرب إلى الهاشميين عبر زواج إحدى بنات عبد الله الطيار إلا أن الإمام الحسن «عليه السلام» رفض ذلك وزوجها لغيره، وربما كان الزوج طلحة بن محمد بن جعفر الطيار، وحاول يزيد ثانية فمنعه الإمام الحسين «عليه السلام» من ذلك وزج الثانية من القاسم ابن محمد بن جعفر الطيار، فلربما تزوج القاسم التي اشتهرت بأم كلثوم، وأمها: زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين «عليه السلام» وتزوج طلحة التي اشتهرت بزينب دون الكنية، وأمها غير زينب الكبرى بنت علي «عليه السلام»، ولكن كتب الأنساب والتاريخ لم تذكر بأن لعبد الله بن جعفر الطيار ابنة باسم زينب، إلا ما ورد في المناقب والبحار، وجاء في مدينة دمشق ما يلي:

زينب بنت عبد الله جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية، تزوجها خالد بن يزيد بن معاوية وقدم بها دمشق، فقال فيها- من الطويل:

جاءت بها دهم البغال وشهبها          مقنعة في جوف قر مــــخدر

مقابلة بين النبي محــــــــــمدٍ           وبين علي والحواري جعفر

منافية جادت بخالص ودهــا            لعبد منافي أغر مشـــــــهر

قال الزبير: قال عمي مصعب بن عبد الله(1): وسمعت من ينكر أن يكون تزوجها، وينكر الشعر، كان كذا في النسخة: «بنت عبد الله بن جعفر غير مسماة، فألحقت فيها من نسخة السماع زينب بنت عبد الله، ولا أظن اسمها مخفوظاً، وقد ذكرها في غير موضع فلم يسمها، وقال: بنت عبد الله بن جعفر»(2).

ويرد عليه أولاً: إنها جاءت برواية مصعب الزبيري وقد سبق

______________

(1) مصعب بن عبد الله: هو حفيد مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، ومن هنا جاء انتسابه إلى الزبير له مصعب الزبيري (156- 236هـ) ولد في المدينة وسكن بغداد وتوفي فيها: من آثاره: نسب قريش، والنسب الكبير، وحديث مصعب.

(2) تاريخ مدينة دمشق: 69/ 172.

(182)

 

تضعيفه، ووضعه على آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وثانياً: إن ابن عساكر(1) يصرح بأنها غير مسماة وإنما ذكرت بنت عبد الله بن جعفر، وثالثاً: فإن المصحح زاد كلمة «عبد الله بن» بعد بنت لتكون العبارة أصلاً هكذا «بنت جعفر غير مسماة» وقال في الهامش معلقاً سقطت من الأصل واستدركت عن نسخة أخرى.

ومن المفيد هنا أن نذكر جدولاً بأسماء أولاد عبد الله بن جعفر الطيار من ثلاثة مصادر مختلفة ليتبين الحال، وهم ابن قتيبة في المعارف، وابن فندق في اللباب، والطراز المذهب.

______________
(1) ابن عساكر: هو علي بن الحسين بن هبة الله بن عبد الله الشافعي (499- 571هـ) ولد وتوفي في دمشق، كان من أئمة المؤرخين في دمشق ومن علمائها، من آثاره: أخبار حفظ القرآن، الأربعون البلدانية، وتبيين الامتنان.

(183)

 

(184)

 

فاحتمال أن تكون زينب التي خطبها يزيد في عهد الإمام الحسن «عليه السلام» هي إسم لإحدى الكنى التي وردت في الجدول وارد، وهي: أم أبيها، وأم الكرام، وأم محمد، وأم الحسن، وأم عون، كما أن احتمال اتحاد القضيتين وارد، ولكن التعدد بإضافة الخلط هو أكثر الاحتمالات قبولاً، وإذا قلنا بالتعدد فالأولى اتباع المجلسي في ذلك أي جعل فاطمة بنت عبد الله الطيار هي التي تولى أمر زواجها الإمام الحسن «عليه السلام»، وجعل أم كلثوم بنت عبد الله الطيار هي التي تولى أمر زواجها الإمام الحسين «عليه السلام»، ثم ترجيح احتمال أن يكون طلحة بن محمد الطيار زوجاً لزينب في قبال أن يكون القاسم بن محمد الطيار زوجاً لأم كلثوم، وهنا وقع الخلط بين الروايتين التي نقلهما المجلسي، وإنما نرجح هذا الاحتمال لأن معظم المصادر ذكرت بأن القاسم تزوج أم كلثوم وفي عهد الإمام الحسين «عليه السلام»، فزواج زينب من طلحة كان في عام 42هـ، بينما زواج أم كلثوم من القاسم كان في عام 54هـ، وهي التي حضرت كربلاء مع زوجها القاسم حيث يقول المازندراني في معاليه: «وخرجت من المدينة أم كلثوم

___________
(1) إن النقاط تدل على عدم تحديد الأمهات، وأما علامة (×) فتعني أن اسمها لم يرد في ذلك المصدر، وأما علامة (/ /) فتعني أن اسمها ورد في المصدر، ومن الجدير ذكره أننا نحتمل أن عدداً من هذه الأسماء قد تكون متحدة كما في الحسن والحسين، وعبد الله وعبيد الله، ولا بد من إضافة اسم آخر على ما توصلنا إليه وهو زينب المكناة بأم كلثوم الكبرى بالإضافة إلى أم عبد الله والتي أمها زينب بنت علي «عليه السلام» على ما ورد ذكرها في السيدة زينب لجلهوم وحماد: 86، وأضاف تاريخ قم: 193 عياضاً في الأبناء وبذلك يرتفع عدد أولاده إلى 137 اسماً.

(185)

 

الصغرى بنت زينب الكبرى مع زوجها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب حتى أتت كربلاء »(1)، ووصفه لها بالصغرى يؤكد أم كلثوم الكبرى وهو مؤيد لما اخترناه من أن زينب بنت عبد الله الطيار كانت تكنى بأم كلثوم، ومن هنا جاء الخلط بينها وبين أم كلثوم التي نحن بصدد ترجمتها والتي تزوجها القاسم، إذاً فالتي اسمها زينب تكنى بأم كلثوم وتوصف بالكبرى وقد تولى الإمام الحسن «عليه السلام» أمر زواجها، وأما أم كلثوم الصغرى فهي التي تولى أمر زواجها الإمام الحسين «عليه السلام» وتزوجت القاسم بن محمد الطيار، وكانت أمها زينب الكبرى بنت علي «عليه السلام» فحضرت مع أمها زينب الكبرى وزوجها القاسم الطيار وخالها الإمام الحسين «عليه السلام» كربلاء، وربما احتملنا من اتحاد الواسطة في خطبة زينب وأم كلثوم أن يكون للواسطة أن مروان بن الحكم لدور الأكبر في تحقق مثل هذا الزواج ليزيد بن معاوية، وهذا الاحتمال ربما يخفف من استغراب حصول الحدث تارة مع الإمام الحسن «عليه السلام» في زينب وتارة مع الإمام الحسين «عليه السلام» في أم كلثوم، والله العالم.

وأما ابنتهما أي ابنة القاسم الطيار وأم كلثوم بنت عبد الله الطيار فقد كانت ولادتها في حدود عام 55هـ وقد تزوجها طلحة بن عمر بن عبد الله ابن معمر التيمي فولدت له إبراهيم بن طلحة وكان يقال له: ابن الخمس، ويعنون أمهاته الخمس المذكورات(2).

ولمزيد من التفاصيل يراجع ترجمة القاسم بن محمد الطيار في معجم الأنصار الهاشميين. وأما عن وفاة أم كلثوم فليس لدينا ما يثبت ذلك إلا أنها بعدما حضرت كربلاء رجعت إلى المدينة وبقيت فيها حتى توفاها الله.

وفي خاتمة البحث هنا لا بأس بالإشارة إل أن النص الذي نقله المجلسي عن ابن شهرآشوب، ذكر في آخره: «ثم إنه كان الحسين «عليه السلام» تزوج بعائشة بنت عثمان»(3) وفي عبارته هذه مبحثان، الأول: حول زواج

__________
(1) معالي السبطين: 228.

(2) راجع عمدة الطالب: 27.

(3) بحار الأنوار: 44/207 عن مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/38.

(186)

 

الحسين من عائشة بنت عثمان، الثاني: حول أن هذه العبارة توحي بأن كلمة الحسين في كل القصة محرفة عن الحسن، لأن في مقدمة هذا الحديث ورد ما يلي:

« خطب الحسن عائشة بنت عثمان فقال مروان أزوجها عبد الله بن الزبير»، وقد ورد في النص الأول أيضاً أن الحسن خطب عائشة ما يوحي أن قضية مروان هي مع الحسن وليست مع الحسين، ما يجعل ترجيح وقوة التصحيف بين كلمة الحسن والحسين لتكون القضية هذه مرتبطة بالحسن دون الحسين وباتحاد زينب وأم كلثوم، وكان الحدث وقع في عهد الإمام الحسن «عليه السلام» أي عام 42هـ، وعليه تختلف كل الموازين بمعنى أن ولادة أم كلثوم زينب بنت عبد الله الطيار تكون في حدود عام 28هـ، ويؤيد كون الحدث وقع مع الإمام الحسن أن ابن شهرآشوب نقل القصة في حياة الإمام الحسن «عليه السلام» وترجمته، ولكن تصريحات عدد من النصوص لا تؤيد ترجيح مثل هذا الاحتمال.

وأما الأمر الأول وهو مسألة زواج الحسين «عليه السلام» من عائشة فإنه مستبعد وقد بحثناه في محل آخر.

(187)

 

(15)

أم كلثوم الصغرى بنت علي الهاشمية

24- ق40هـ = 645- ق661م

 

هي: أم كلثوم الصغرى بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن عبد مناف بن هاشم القرشية.

أمها: أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن متعب بن مالك بن كعب الثقفية الطائفية.

سيأتي ضبط المفردة «أم كلثوم» في أختها أم كلثوم الكبرى.

جاء في المنتخب: «ثم إن يزيداً أمر بإحضار السبايا فأحضروا بين يديه، فلما حضروا عنده جعل ينظر إليهن ويسأل من هذه، ومن هذا؟.

فقيل له: -هذه- أم كلثوم الكبرى، وهذه أم كلثوم الصغرى، وهذه صفية، وهذه أم هاني، وهذه رقية بنات علي، وهذه سكينة، وهذه فاطمة بنتا الحسين، وهذا علي بن الحسين..»(1).

ولا يخفى أن التحقيق أوصلنا إلى أن أمها أم سعيد الثقفية ولدت نحو العام الخامس قبل الهجرة وتوفيت نحو عام 35هـ، وتزوجت علياً «عليه السلام» نحو عام 20هـ، وأنجبت له أم كلثوم عام 24هـ، وزوجها علي «عليه السلام» من كثير بن العباس بن عبد المطلب(2) قبل عام 36هـ وتوفيت

_________
(1) المنتخب: 486.

(2) كثير بن العباس بن عبد المطلب: ابن عم الرسول (ق8- ب65هـ) ولد وتوفي =

(188)

 

في حياة أبيها أي قبل عام 40هـ(1) وقد أنجبت لكثير بن العباس ابنة سميت بنفيسة(2)، ولا يخفى أن كثير بن العباس توفي في المدينة في عهد عبد الملك ابن مروان الأموي ( رمضان 65- 15/10/86هـ)(3).

ومن تصريح ابن شهرآشوب بأن أم كلثوم الصغرى بنت علي «عليه السلام» توفيت في حياة أبيها يستشف بأن الطريحي إنما أراد بأن كلثوم الكبرى زينب (الكبرى) وبأم كلثوم الصغرى أراد أم كلثوم (الكبرى) ابنتي فاطمة الزهراء «عليه السلام»، ويؤيد هذا عدم ذكر السيدة زينب «عليه السلام» معها في هذا المقطع، وأما تصريحه فيما بعد باسم زينب لا ينافي أن يكون قد ذكرها تارة بالاسم (زينب) وأخرى بالكنية _(أم كلثوم)، ولكنه ليس من التعارف وقوع مثل هذا من الأعلام والمحققين وبالأخص في موارد اللبس، ولكن الجواد قد يكبو، وربما يؤيد كون المراد بأم كلثوم الكبرى هي زينب هو تصريحه فيما بعد باسم زينب وأم كلثوم دون أن يصف إحداهما بالكبرى أو الصغرى، كما لم يذكر غيرهما ممن يشترك معهما بالاسم أو الكنية حيث قال عن لسان الإمام زين العابدين «عليه السلام»: «وكان الحبل بعنقي وعنق أم كلثوم وبكتف زينب وسكينة والبنيات»(4).

وهذا ما يجعلنا أن لا نستبعد ما ذهب إليه ابن شهرآشوب بأن أم كلثوم الصغرى ماتت في حياة أبيها، ولكن ما يبعد هذا، هو استقراء رأي الطريحي الذي بات غامضاً بعض الشيء حين قارن اسمها بصفية وأم هاني ورقية بنات علي «عليه السلام» مما يحتمل أنه أراد بالفعل أم كلثوم الصغرى بنت أم سعيد الثقفية، وربما كان هذا من وراء من ذهب إلى أن المرقد الموجود في رواية دمشق هو لأم كلثوم الصغرى هذه، وسنأتي على بيان ذلك في ترجمة أم كلثوم الكبرى، وفي تاريخ المراقد إن شاء الله تعالى.

__________
= في المدينة، قيل كانت له رواية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل لم تكن له رواية، وكان فقيهاً فاضلاً لا عقب له، وربما كان من أصحاب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام».

(1) راجع مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 3/305.

(2) لباب الأنساب: 1/334.

(3) لغت نامه دهخدا: 37/365، تهذيب التهذيب: 4/583.

(4) المنتخب للطريحي: 487.

(189)

 

والحاصل: لا يمكن البت بوجودها على قيد الحياة عام 61هـ حتى يقال بحضورها كربلاء إلا إذا قيل بأن ما ورد في مناقب ابن شهرآشوب لا يمت إلى الصحة بصلة.

(190)

 

(16)

أم كلثوم الكبرى بنت علي الهاشمية

9- 61هـ = 632- 681م

 

هي: أم كلثوم الكبرى بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشية.

أمها: فاطمة بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشية.

لقد سبق وبحثنا عن تاريخ ولادتها في باب السيرة وتوصلنا إلى أنها ولدت في المدينة في السادس عشر من شهر رمضان المبارك من السنة التاسعة للهجرة.

وهي الشقيقة الثانية للإمامين الحسن والحسين والسيدة زينب «عليه السلام» هذا على المشهور، حيث هناك من قال بأن للإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» من فاطمة الزهراء «عليه السلام» ابنة أخرى باسم رقية(1) وربما قالوا إنها تسمى سكينة(2)،

_____________
(1) وجاء في المجدي: 17 أن أم كلثوم بنت علي من فاطمة اسمها رقية، وجاء في كتاب أخبار الزينبيات: 123 «زينب الوسطى بنت علي بن أبي طالب أمها وأم إخوتها الحسن والحسين ومحسن وزينب الكبرى ورقية فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولدت زينب الوسطى قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمتها أمها زينب وكناها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم كلثوم ولما خطبها عمر بن الخطاب من أبيها فوض أمرها إلى العباس» مما يفهم أن هناك أم كلثوم (زينب) ورقية بالإضافة إلى زينب الكبرى، وقد سبق وتحدثنا عن ذلك أيضاً في ترجمة فاطمة الزهراء «عليه السلام» لدى الحديث عن زواج علي «عليه السلام» في مقدمة معجم الأنصار قسم الهاشميين.

(2) سنأتي على ترجمة سكينة إن شاء الله تعالى كما سبق الحديث عنها في ترجمة بنات علي «عليه السلام».

(191)