معجم  أنصار الحسين  (النساء)     (الجزء الأول)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (النساء) (الجزء الأول)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

الشهيد رقية»(1)، ولكن من الواضح أنه يتكلم عن القاهرة وليس عن الشام لأن مسجد شجرة الدر والذي في مرقدها والذي هو على مقربة من مرقد السيدة نفيسة هو في القاهرة وليس في الشام(2) وهو غريب.

وهناك نص آخر أورده الشبلنجي(3) في نور الأبصار يقول: «وقد أخبرني بعض الشوام أن للسيدة رقية بنت الإمام علي كرم الله وجهه ضريحاً في دمشق الشام وإن جدران قبرها كانت قد تعيبت فأرادوا إخراجها منه لتجديده فلم يتجاسر أحد أن ينزله من الهيبة فحضر شخص من أهل البيت يدعى السيد ابن مرتضى(4) فنزل في قبرها ووضع عليها ثوباً لفها فيه، وأخرجها فإذا هي بنت صغيرة دون البلوغ»(5)، ولعله أراد القبر الماثل في الرواية والذي يعرف اليوم بقبر السيدة زينب بنت فاطمة الزهراء «عليه السلام» والذي كانت يعرف قديماً بقبر أم كلثوم بنت فاطمة «عليه السلام» والتي قيل إن اسمها رقية حسب بعض الروايات، ولكن هذا يتنافى مع الوصف بأنها بنت صغيرة دون البلوغ، وربما كان في النسبة إلى علي «عليه السلام» سقط والصحيح رقية بنت الحسين بن علي «عليه السلام»، والله العالم، هذا وقد جاء في بعض الروايات الأخرى أن فاطمة بنت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت قد أنجبت ستة أولاد زينب وأم كلثوم ورقية، والحسن والحسين ومحسن(6)، ولكن سبق وأكدنا

_________
(1) معالي السبطين: 2/171 عن المنن الكبرى (لطائف المنن) للشعراني عبد الوهاب ابن أحمد الشافعي.

(2) راجع لغت نامه دهخدا: 29/266.

(3) الشبلنجي: هو مؤمن بن حسن مؤمن المصري (1252- ب1308هـ) ولد في شبلنجة- مصر- كان من علماء الشافعية، ومن خريجي الأزهر، من مؤلفاته: فتح المنان، مختصر الجبرتي، والتاريخ.

(4) ربما أراد بذلك آل مرتضى المتواجدون في بعلبك ودمشق والذين بيدهم تولية مقام السيدة زينب بالراوية إلى يومنا هذا، وجاء في كتاب السيدة رقية قصتها.. مقامها: 70 «ان الذي نزل إلى القبر هو السيد إبراهيم مرتضى» نقلاً عن كتاب عقيلة بني هاشم للخطيب الهاشمي: 71.

(5) نور الأبصار: 313.

(6) راجع ترجمة الزهراء «عليه السلام» في المقدمة التمهيدية لمعجم أنصار الحسين (الهاشميون).

(273)

 

أن لا اعتبار لهاتين الروايتين، وإلى إحدى هاتين الروايتين يشير الشبلنجي حيث قال بعد نقله السابق ما نصه: «وقد ذكرت ذلك لبعض الأفاضل فحدثني  به ناقلاً عن أشياخه تنبيه جمهور المؤرخين وأصحاب السير على أن الإمام علي كرم الله وجهه رقية واحدة من غير السيدة فاطمة بنت رسول الله «عليه السلام» وخالفهم الليث بن سعد، فقال: إنها منها، كما قدمناه ثم رأيت بعضهم صرح بأن للإمام رقيتين تدعى إحداهما بالكبرى من السيدة فاطمة، والأخرى تدعى بالصغرى أمها أم حبيب شقيقة عمر»(1)، وقد سبق وتحدثنا عن ذلك بإسهاب وقلنا إن لعلي «عليه السلام» رقيتين إحداهما من الصهباء والأخرى من أم شعيب فليراجع محله، وما نريد قوله هنا حسب التحقيقات السابقة أن رقية التي تنسب إلى فاطمة وعلي «عليه السلام» على قول من ذكرهما فقيل إنها درجت وهي لم تبلغ الحلم(2).

ومن المناسب أن نذكر القارئ بأن كمونة(3) ذكر في مشاهده أن بدمشق مشهد فاطمة الصغرى بنت الحسين «عليه السلام»، شرقي الجامع الأموي(4)، حيث صرح عن الثانوي بالضريح في محلة العمارة الواقع في شمال شرقي الجامع الأموي بأنها فاطمة الصغرى(5) بنت الحسين «عليه السلام»

_____________
(1) نور الأبصار: 313- 314.

(2) راجع ترجمة فاطمة الزهراء في المقدمة التمهيدية من معجم أنصار الحسين (الهاشميون)، وما أورده الشبلنجي بعد هذا من كرامة للسيدة رقية بنت علي «عليه السلام» فهي لا تدل على أنها ابنة فاطمة- راجع نور الأبصار: 314.

(3) كمونة: هو عبد الرزاق بن حسن بن مبارك الحسيني (1324- 1390هـ) ولد وتوفي في النجف- العراق- كان من الفضلاء المؤلفين، فمن آثاره: فضائل الأشراف، منية الراغبين، وموارد الاتحاف.

(4) مشاهد العترة الطاهرة: 90.

(5) ولا يخفى أن مجمع بني الزهراء في طهران أهدى عام 1376هـ قفصاً فضياً لمرقد السيدة رقية في العمارة بدمشق وقد كتب عليه مجمع ذكرى بني الزهراء الخالدة يتمنى قبول إهداء هذا الضريح إلى ابنته فاطمة سلام الله عليها، ويعلق السيد عامر الحلو في كتابه السيدة رقية قصتها.. مقامها: 72 «وقد ظنوا أن القبر لفاطمة بنت الحسين وهو اشتباه فالقبر لرقية» ونقول إن العبارة ناقصة لأنه استخدم الضمير فقال «إلى ابنته» فهل أراد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أراد الحسين «عليه السلام» فإن كان الأول فالمراد أن الهدية =

(274)

 

بدل رقية بنت الحسين «عليه السلام» والذي هو الشائع، وقد سبق وبينا أنها كانت زوجة الحسن المثنى، وقد عاشت فترة طويلة.

وعلى كل فإن ما يتلخص من كل ما ذكر هو ما شاع وعليه عمل الصالحين والعلماء أن قبر السيدة رقية بنت الحسين «عليه السلام» هو في محلة العمارة في دمشق، وأنها هي البنت الصغيرة التي ماتت في الأسر، وهذا ما جعل الشاه عبد العظيمي(1) المتوفى سنة 1334هـ أن ينسب قصة الوفاة السابقة الذكر إلى رقية بنت الحسين «عليه السلام» حيث قال: كان للحسين «عليه السلام» بنت صغيرة يحبها وتحبه، وقيل كانت تسمى رقية وكان لها ثلاث سنين، وكانت مع الأسراء في الشام وكانت تبكي لفراق أبيها ليلاً ونهاراً، وكانوا يقولون لها: هو في السفر.

فرأته ليلة في النوم: فلما انتبهت جزعت جزعاً شديداً، وقالت: ائتوني بوالدي وقرة عيني.

وكلما أراد أهل البيت إسكاتها ازدادت حزناً وبكاءً، ولبكائها هاج حزن أهل البيت، فأخذوا في البكاء، ولطموا الخدود، وحثوا على رؤوسهم التراب، ونشروا الشعور، وقام الصياح.

فسمع يزيد فقال: إرفعوا إليها رأس أبيها وحطوه بين يديها تتسلى، فأتوا بالرأس في طبق مغطى بمنديل ووضعوه بين يديها.

فقالت: يا هذا إني طلبت أبي ولم أطلب الطعام.

فقالوا: إن هنا أبوك، فرفعت المنديل ورأت رأساً، فقالت: ما هذا الرأس؟

قالوا: رأس أبيك.

____________
= جاءت لفاطمة الزهراء «عليه السلام» على قبر إحدى حفيداتها، وإن كان الضمير يعود إلى الإمام الحسين «عليه السلام» فالمراد فاطمة بنت الحسين «عليه السلام»، والله العالم.

(1) الشاه عبد العظيمي: هو محمد علي بن محمد الحسيني (1258- 1334هـ) ولد في مدينة شاه عبد العظيم (ري)- طهران-، وتوفي في طوريج- العراق، كان من العلماء الأفذاذ، له كتاب: الإيقاظ، الأربعون، وموعظة السالكين.

(275)

 

فرفعت الرأس ووضعته إلى صدرها، وهي: تقول يا أبتاه من ذا الذي خضبك بدمائك؟

يا أبتاه من ذا الذي قطع وريدك؟

يا أبتاه من ذا الذي أيتمني على صغر سني؟

يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر؟

يا أبتاه من للنساء الحاسرات؟

يا أبتاه من للأرامل المسيبات؟

يا أبتاه من للعيون الباكيات؟

يا أبتاه من للضائعات الغريبات؟

يا أبتاه من للشعور المنشورات؟

يا أبتاه من بعدك واخيبتاه؟

يا أبتاه من بعدك واغربتاه؟

يا أبتاه ليتني لك الفداء.

يا أبتاه ليتني قبل هذا اليوم عميا.

يا أبتاه وسدت التراب ولا أرى شيبك مخضباً بالدماء.

ثم وضعت فمها على فم الشهيد المظلوم وبكت حتى غشي عليها، فلما حركوها فإذا هي قد فارقت روحها الدنيا، فارتفعت أصوات أهل البيت بالبكاء، وتجدد الحزن والعزاء، ومن سمع من أهل الشام بكاءهم بكى فلم ير في ذلك اليوم إلا باك وباكية، فأمر يزيد بغسلها وكفنها ودفنها(1).

وقد جاء توثيق هذا النص في الهامش في الكامل للبهائي(2) المتوفى

________________
(1) الإيقاد: 179.

(2) البهائي: هو الحسن بن علي بن محمد الطبري الملقب بعماد الدين الذي كان =

(276)

 

بعد عام 698هـ، ولا نعلم أن صاحب الكامل هل صرح بأن المتوفاة هذه هي رقية أم لا(1) إلا أن الشاه عبد العظيمي استند في المتن بالعوالم وغيره، ومما تجدر الإشارة إليه أن صاحب العوالم لم يتطرق إلى القصة بتاتاً(2).

ويظهر من نقل القمي(3) في نفس المهموم الكامل لم يذكر اسمها وإنما التحديد جاء من الشاه عبد العظيمي. حيث يقول القمي: وفي كامل البهائي نقلاً من كتاب الحاوية: إن نساء أهل بيت النبوة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم، ويقلن لهم إن آباءكم قد سافروا إلى كذا وكذا، وكان الحال على ذلك المنوال حتى أمر يزيد بأن يدخلن داره، وكان للحسين «عليه السلام» بنت صغيرة لها أربع سنين قامت ليلة من منامها وقالت: أين أبي الحسين «عليه السلام» فإني رأيته الساعة في المنام مضطرباً شديداً. فلما سمعن النسوة ذلك بكين وبكى معهن سائر الأطفال وارتفع العويل، فانتبه يزيد من نومه وقال: ما الخبر؟ ففحصوا عن الواقعة وقصوها عليه، فأمر بأن يذهبوا برأس أبيها إليها فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها، فقالت: ما هذا؟ قالوا: رأس

_____________
= معاصراً لنصير الدين الطوسي المتوفى بعد عام 698هـ، وقد فرغ من كتابه الكامل سنة 675هـ.

(1) لقد اطلعنا على كتاب الكامل فلم نجد فيه تصريحاً بالاسم، مما يؤكد أن تطبيق القصة على السيدة رقية جاء من الإيقاد.

(2) ومن الجدير بالذكر أنه جاء في كتاب السيدة رقية قصتها.. مقامها: 57 بأن كتاب العوالم روى القصة اعتماداً على الإيقاد، ولكنه نسب العوالم إلى السيد محمد بن أبي طالب الحائري والذي يسمى تسلية المجالس وزينة المجالس، ويرد عليه أولاً: أنه ذكر في نهاية هذا المقطع أن محقق كتاب الإيقاد ذكر بأنه لم يحصل عليه في العوالم، فلماذا ذكر العوالم، وعليه أن يذكر الإيقاد بدلاً عن العوالم، ثانياً: إنه ذكر بأن العوالم يسمى تسلية المجالس أو زينة المجالس، ويرد عليه أن كتاب العوالم للشيخ عبد الله البحراني من معاصري المجلسي، وأن تسلية المجالس للسيد محمد بن أبي طالب الحائري الذي هو من مصادر البحار، وأن اسمه الكامل تسلية المجالس وزينة المجالس، وليس كما صوره أن له إسمين.

(3) القمي: هو عباس بن محمد رضا (1294- 1359هـ) ولد في قم وتوفي في النجف، كان من العلماء المحدثين، وله تأليفات جمة، صنفها حسب الحاجة الملحة آنذاك، منها: سفينة البحار، صحائف النور، ووقائع الأيام.

(277)

 

أبيك. ففزعت الصبية وصاحت فمرضت وتوفيت في أيامها بالشام(1).

وأما الأمين(1) المتوفى سنة 1371هـ فقد ذكر في أعيانه تحت عنوان رقية بنت الحسين «عليه السلام»: «ينسب إليها قبر ومشهد مزور بمحلة العمارة من دمشق، الله أعلم بصحته، جدده الميرزا على أصغر خان وزير الصدارة في إيران عام 1323هـ»(3).

وأما السماوي(4) المتوفى عام 1370هـ فيذكرها في جملة أولاد الحسين «عليه السلام» حيث يقول: «وله من الأولاد من مجموع زوجاته على قول قوي ثمانية(5): أربعة ذكور، وأربع إناث، فالذكور: هم علي الأكبر وعلي زين العابدين وعلى الأصغر وعبد الله الرضيع، وأما الإناث فسكينة وفاطمة وزينب ورقية»(6).

هذا وقد أورد بحر العلوم(7) في مقتله لدى حديثه عن الأسرى فتطرق

_________________
(1) نفس المهموم: 315 عن كامل البهائي: 2/179 عن الحاوية، ولا يخفى أننا لم نتمكن من الحصول على كتاب الحاوية، وهناك كتاب باسم «الحاوية للمقصد من سيرة النبي الأمجد» لعبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة 806هـ إلا أنه لا يناسب هذا.

وقد وردت قصتها بإيجاز دون تحديد الاسم في الدروس البهية للواساني: 71 كما قيل أن صاحب جنات الخلود أيضاً ذكرها- راجع السيرة.

(2) الأمين: هو محسن بن عبد الكريم بن علي العاملي (1284- 1371هـ)، ولد في مشغرة- جنوب لبنان- وتوفي في بيروت، ودفن عند مرقد السيدة زينب في دمشق، من العلماء الأدباء، من آثاره:؛ الدر النضيد، المجالس السنية، وأصدق الأخبار.

(3) أعيان الشيعة: 7/34.

(4) السماوي: هو محمد بن طاهر بن حبيب الفضلي (1292- 1370هـ) ولد في السماوة- العراق- وتوفي في النجف، كان من العلماء القضاة، من آثاره: اجتماع الشمل، البلغة، والتوصيف.

(5) وربما تحديدهم بثمانية جاء لتحديد من حضر كربلاء من أولاد الإمام الحسين «عليه السلام» وعليه فتكون زينب هي التي دفنت في شمال العراق أو التي يقال إنها دفنت في بعلبك باسم خولة، والله العالم.

(6) فاطمة بنت الحسين للأميني: 29 عن موجز تواريخ أهل البيت للسماوي: 161.

(7) بحر العلوم: هو محمد تقي بن حسن بن إبراهيم الطباطبائي (1318- 1393هـ) من =

(278)

 

تحت عنوان: «رقية بنت الحسين في الخربة» قائلاً: وانزلوهم في خربةٍ إلى جنب قصر يزيد- لعنه الله- قالوا: وكانت للحسين «عليه السلام» طفلة صغيرة لها من العمر أربع سنين، وكانت مع الأسرى في خربة الشام، وكانت تبكي لفراق أبيها ليلاً ونهاراً، وهم يقولون لها: هو في السفر، فبينما هي نائمة ذات ليلة في الخربة، إذا انتبهت مذعورة باكيةَ، تقول: أين أبي؟ الآن قد رأيته، ائتوني بأبي، أريد أبي؟. وكلما أرادوا إسكاتها ازادت جزعاً وبكاءً.

فعند ذلك تعالى الصراخ من العيال والأطفال، حتى وصلت الصيحة إلى يزيد فانتبه من نومه، فسأل عن الحدث، فأخبروه أن طفلة للحسين رأت أباها في المنام، فانتبهت تطلبه وتبكي عليه.

فأمر- لعنه الله- فجاؤوا برأس الحسين «عليه السلام» في طشتٍ- أو طبق- ووضعوه بين يديها وهو مغطى بمنديل، وقالوا لها: هذا رأس أبيك.

فلما نظرت إليه اضطربت وصرخت وأهوت على الرأس وضمته إلى صدرها وهي تنادي: أبه يا أبه من الذي خصبك بدمائك؟

أبه يا أبه، من الذي قطع وريدك؟

أبه يا أبه، من الذي أيتمني على صغر سني؟

أبه يا أبه، من لليتيمة حتى تكبر؟... ولم تزل تعول وتنوح وتبكي على أبيها وتندبه، حتى فارقت روحها الدنيا- وهي واضعة فمها على فم أبيها الحسين-.

فتجدد المصاب على حرائر الرسالة وازداد البكاء والنحيب لحال هذه الطفلة اليتيمة، ولم ير في ذلك اليوم أكثر باك ولا باكية منهم. فأمر يزيد بغسلها وكفنها ودفنها في الخربة.

إلى هنا يتطابق بعض الشيء مع ما ورد في الإيقاد، ولكنه أضاف قائلاً:

______________
= العلماء الأفذاذ، ولد وتوفي في النجف، له عدد من المؤلفات منها: التعليقة على المكاسب، رسالة الأحكام، وتعليقه بلغة الفقيه.

(279)

 

وذكر بعض الأكابر أن أم كلثوم كان جزعها وبكاؤها ونحيبها على تلك الطفلة أشد وأبلغ من باقي العيال، فما كانت تهدأ وتسكن طيلة تلك المدة التي قضوها في الشام.

فقالت لها العقيلة زينب الكبرى: يا أخيه، ما هذا الجزع والبكاء والهلع؟ كلنا أصبنا بفقد هذه الطفلة، ولم يخصك المصاب وحدك.

فقالت لها: يا أختاه، لا تلوميني، كنت واقفة عشية أمس بعد العصر- وإلى جنبي هذه الطفلة- بباب الخربة في وقت انصراف أطفال أهل الشام من مدارسهم إلى بيوتهم وأهاليهم، فكان بعضهم يقف بباب الخربة للتفرج علينا ثم يذهب.

فقالت لي هذه الطفلة: عمه، إلى أين يذهب هؤلاء الأطفال؟.

قلت لها: إلى منازلهم وأهاليهم.

فقالت لي: عمه، ونحن ليس لنا منزل ولا مأوى غير هذه الخربة؟...

وأنا... يا أختاه كلما ذكرت هذا الكلام منها لم تهدأ لي زفرة، ولم تسكن لي عبرة»(1).

ومن وجهة أخرى فقد ورد اسم رقية في خطاب الإمام الحسين «عليه السلام» لدى وداعه لأهل بيته برواية أبي مخنف المتوفى سنة 158هـ حيث روى: «ثم نادى يا أم كلثوم ويا زينب ويا سكينة ويا رقية ويا عاتكة ويا صفية عليكن مني السلام، فهذا آخر الاجتماع وقد قرب منكم الافتجاع»(2) فلاشك أن المراد بأم كلثوم وزينب شقيقتاه، وبسكينة ابنته وأما بالنسبة إلى رقية، فالظاهر بمقارنته مع سكينة يرجح أنها ابنته وليست أخته(3)، وأما عاتكة

_____________
(1) مقتل الحسين لبحر العلوم: 265.

(2) مقتل الحسين لأبي مخنف: 131، ونقل عنه القندوزي في ينابيع المودة: 2/171، وجاء في اللهوف: 141 ثم قال: « يا أختاه يا أم كلثوم، وأنت يا زينب وأنت يا رقية، وأنت يا فاطمة، وأنت يا رباب... ».

(3) وربما قيل بأن ذكر الإمام الحسين «عليه السلام» لها يدل على أنها كبيرة أولاً، وأنها كانت =

(280)

 

فسوف نأتي لنقول هناك من ذكرها في بنات الحسين «عليه السلام»، وقد سبق وقلنا إن إحدى زوجاته كانت تسمى عاتكة، وأما صفية فقد تقدم الحديث عنها، واحتملنا أنها تصحيف لفضة ولكنه مجرد احتمال، وسنأتي في ترجمتها بأن الطريحي ذكرها في بنات علي «عليه السلام»، حيث أورد اسمها ضمن الذين حضروا مجلس يزيد قائلاً: «ثم إن يزيد بن معاوية أمر بإحضار السبايا فأحضروا بين يديه، فلما حضروا عنده جعل ينظر إليهن ويسأل من هذه؟ ومن هذا؟

فقيل له: هذه أم كلثوم الكبرى، وهذه أم كلثوم الصغرى، وهذه صفية، وهذه أم هاني، وهذه رقية بنات علي، وهذه سكينة، وهذه فاطمة بنتا الحسين، وهذا علي بن الحسين.. »(1) وقد فصلنا الحديث عنها بإسهاب في ترجمتها من هذا المعجم فليراجع وقد جاء اسم رقية ضمن بنات علي «عليه السلام»، ومع هذا لا يمكن الاعتماد على نص واحد لأن النصوص عادة لم تكن متكاملة فإن بعضها تذكر جانباً ممن حضر كربلاء وبعضها الآخر تذكر جانباً آخر.

وأخيراً فإن المرقد الماثل في محلة العمارة أرخ تجديد بنائه في سنة 1323هـ من قبل الشاعر الدمشقي داود بن إبراهيم صندوق بقصيدة نذكر بعض أبياتها الدال على أن المرقد لرقية بنت علي «عليه السلام» ونقطف ثلاثة أبيات من مقدمتها والبيت الأخير منها، وهي من البسيط:

لـــــــذ في رقية سر الله كعبته            شمس بها انشق داجي الليل مظلمه

وزر حماها فللزوار إن دخلوا           ولا أبيها نعيم الخلد يدخلــــــــــــه

وهو الإمام علي خير منتجبٍ            صفو النبي وسيف الله مخدمــــــه

إلى أن يقول في آخرها:

مقامهم في العلى نادى مؤرخه           العرش أرجاه والكرسي معلمه(2)

___________
= على علم بما يجري على أرض كربلاء حيث ودعها أبوها فلا يصح القول بأنها لم تكن تعلم ثانياً، مما يدل على أن المراد برقية هي ابنة علي لا ابنة الحسين.

(1) المنتخب للطريحي: 486.

(2) مجلة الموسم الهولندية: 4/1007 عن تاريخ آل صندوق: 16، والشطر الأخير يعادل 601+ 210+ 327+ 185= 1323 وهو تأريخ تشييده.

(281)

 

ولا يخفى أن البيتين الأولين ليوسف بن إبراهيم الصندوق(1) المتوفى سنة 1334هـ وقد أتمهما أخوه داود الصندوق(2)، وهذا ذات التأريخ الذي ذكره السيد الأمين في الأعيان وأورد أبياتاً في ذلك إلا أن تلك الأبيات لم يحدد فيها إلا اسمها دون الإشارة إلى أبيها حيث يقول الشاعر في آخر أبياته من الهزج التام:

وقد أرختها تزهو سناءً           بقبر رقية من آل أحمد(3)

كما جاء في الزيارة التي كانت معلقة سابقاً: «السلام عليك يا بنت أمير المؤمنين، السلام عليك يا بنت سيد الوصيين، السلام عليك يا بنت أول القوم إسلاماً وأقومهم إيماناً ورحمة الله وبركاته»(4) مما يدل على أن هذا المرقد كان معروفاً في القرن الماضي باسم رقية بنت علي «عليه السلام».

ومن كل ما أوردناه يمكن التوصل إلى أن الاحتمال المرجح أن يكون للحسين إبنة باسم رقية ومرقدها في محلة العمارة في دمشق، وما قيل بأن القبر هذا لرقية بنت علي «عليه السلام» يحتاج إلى دليل بعدما ثبت أنها رجعت إلى المدينة، وما قول القائل بأنها ابنة علي «عليه السلام» فهو من باب قولهم للحسين ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ قد بنسب الحفيد أو السبط إلى الجد وهذا شائع، والعكس لا يمكن(5)، فالجمع بين القولين هو القول بأن المرقد هو للسيدة رقية بنت الحسين «عليه السلام» على ما هو شائع في هذه الأيام، وهو يناسب ما ذكر بأن ابنة للحسين «عليه السلام» توفيت بجنب قصر يزيد، حيث يذكر

____________
(1) يوسف بن إبراهيم الصندوق: هو حفيد علي بن إبراهيم بن إسماعيل الحسيني الدمشقي (1282- 1334هـ) ولد وتوفي في دمشق، أديب شاعر وفقيه فاضل، غالب شعره في الموعظة وفي رثاء أهل البيت «عليه السلام».

(2) داود الصندوق: هو ابن إبراهيم بن علي بن إبراهيم الحسيني الدمشقي، ولد قبل عام 1282 وتوفي عام 1326هـ، كان من أهل الفضل يشتغل بصناعة الحرير، وكان أديباً شاعراً، وله ديوان شعر.

(3) أعيان الشيعة: 7/34.

(4) مجلة الموسم الهولندية: 4/1077، راجع باب المراقد من هذه الموسوعة.

(5) كما أن الزيارة التي كانت منصوبة لا تدل على المراد لأنها لم ترد من معصوم وإنما هي من صنع بعض أهل العلم أو المؤمنين.

(282)

 

أن قصره كان بين المسجد وبين هذا المرقد، وبعد أن انتهينا من مناقشة اسمها وحددنا أن أباها هو الحسين بن علي «عليه السلام» تبقى هناك مسألتان: من هي أمها؟ وما هو عمرها؟.

أما بالنسبة إلى عمرها فمما قدمنا يتبين الأقوال التالية في ذلك، وهي أنها توفيت ولها من العمر ثلاث سنوات(1)، أربع سنوات(2)، خمس سنوات(3)، سبع سنوات(4)، فهذه الأقوال الأربعة ربما أمكن معالجتها فيما بينها بشكل جزئي ليخف التباين بينها، وذلك على الشكل التالي: بأن يقال: إن المراد بأن عمرها ثلاث سنوات أي أكملت السنة الثالثة، وما يقال بأن عمرها أربع سنوات أنها في الرابعة أي أكملت الثالثة ودخلت الرابعة، أو يقال أنها أكملت الرابعة ودخلت الخامسة وهذا متعارف حتى في يومنا الحاضر، إذ قد يقال لمن هو في الرابعة إن عمره ثلاث سنوات، أو يقال إن عمره أربع سنوات. وربما أمكن الجمع فيما نحن فيه بين الأقوال الثلاثة والأربعة والخمسة بالشكل التالي: إنها ولدت في سنة 57هـ وفي عام 61هـ أي حين توفيت في الشام كانت قد أكملت ثلاث سنوات، وهي في الرابعة، ومن نظرة أخرى فإنها ولدت سنة 57هـ وعاشت فيها، كما عاشت في سنة 58 و59 و60 وقسماً من سنة 61هـ فالسنوات التي عاشت بها هي خمس، ولكنها لم تكمل الأربع فيصدق على أنها عاشت السنوات الخمس، وأنها في الرابعة وأنها أكملت الثالثة فتأمل ذلك.

هذا غاية ما يمكن جمعه بين الأقوال الثلاثة، وأما بالنسبة إلى القول الرابع أن لها من العمر سبع سنوات حين توفيت فلا مجال للجمع بينه وبين تلك الأقوال، وبما أن أكثر المصادر اختارت أن لها ثلاث سنوات وهو لا يتنافى مع الأربع والخمس فنرجح أنها ولدت عام 57هـ، وهذا لا يتنافى

____________
(1) المنتخب للطريحي: 140، الإيقاد: 179.

(2) مقتل الحسين لبحر العلوم: 265، نفس المهموم: 415.

(3) معالي السبطين: 2/214.

(4) معالي السبطين: 2/214.

(283)

 

مع القول بأنها كانت صغيرة(1)، وما يؤيد هذا الاختيار أن القول بالسبع جاء مردداً بين الخمس والسبع وليس رأيا محكماً ومستقلاً، فاختيار أنها كانت في الرابعة هو المرجح والله العالم.

وأما بالنسبة إلى تحديد أمها فقيل: إن أمها الرباب(2)، وقيل أمها شاه زنان(3)، ورغم أن القول موثق بمصدر أقدم، من تلك المصادر إلا أنه منافٍ للشهرة التي اعتمدها المؤرخون، وعمل بمقتضاها العلماء على أن أم الإمام السجاد «عليه السلام» توفيت في نفاسها منه «عليه السلام»، وقد سبق وتحدثنا عن ذلك فلا نكرر حيث كان اختيارنا أيضاً ذلك.

وربما اللبس بين الأخوين علي الأكبر وعلي السجاد «عليه السلام» كان وراء ذلك ليكون أمها- أي أم رقية- ليلى- أم علي الأكبر-، ولكن هذا الاحتمال لا يتم لأن النص صرح بأن أمهما شان زنان (جهان)، نعم لو ورد هكذا تصريح بل قيل: إن أمها أم علي الأكبر أو أم علي بن الحسين أو أم علي الأوسط، أو أم علي الأصغر، لكان آنذاك مجال لمثل هذا الاحتمال حيث الخلاف واقع بين الأخوين علي السجاد وعلي ابن ليلى من حيث أيهما أكبر وفي وصفهما بالأكبر أو الأصغر أو الأوسط وأمثال ذلك، ولذلك نرجح القول الأول، ألا وهو أن أم رقية هي الرباب، حيث لا يتناقض مع النص الآخر، كما لا يتنافى مع أية معطيات تاريخية، ولكن هذا القول ورد في كتاب بعض المعاصرين(4) دون أن يوثق ذلك، ورغم أننا- من باب الصدفة- كنا قد كتبنا هذه الأسطر في ترجمتها بطلب من المؤلف رحمه الله(5) إلا أننا نتذكر الآن على أي مصدر اعتمدنا عليه في

______________
(1) وهذا لا يعني أن القول بأنها كانت صغيرة يتنافى مع القول بأن لها سبع سنوات.

(2) أعيان النساء: 151.

(3) معالي السبطين: 2/214.

(4) أعيان النساء: 151.

(5) المؤلف هو الشيخ محمد رضا بن عباس الحكيمي (1358- 1412هـ) ولد في كربلاء وتوفي في طهران، امتهن الصياغة أولاً ثم التحق بالحوزة العلمية هناك فدرس على علماء كربلاء، منهم الشيخ محمد الكرباسي، ثم سكن إيران والكويت تولى الخطابة الحسينية والتأليف، من مؤلفاته: سلوني قبل أن تفقدوني، لولا السنتان، والقرآن يواكب العصر.

(284)

 

كتابة هذه الأسطر، وبالتحديد عن تحديد أم رقية بالسيدة رباب، وكان أكثر الظن أن اعتمدنا وقع على أعيان الشيعة، ولكن بعد المراجعة لها خاب ظننا، وعلى أي حال فمن باب أن الغريق يتشبث بكل حشيش نثبت ذلك إلى أن يتبين لنا الحال.

ونود الإشارة هنا إلى بعض المعاصرين(1) حينما لم يتمكن من الاعتماد على النصوص، حيث لم يجد فيها إشارة إلى أم رقية احتمل أن تكون أمها هي أم إسحاق بنت طلحة التيمية، لتكون شقيقة لفاطمة وعلي الأصغر، أو احتمل أن تكون أمها ملومة القضاعية لتكون شقيقة لجعفر بن الحسين، ومع هذا فقد صرح بالتالي: وليس عندنا على ذلك دليل أو سند من التاريخ سوى الميل(2) ولم يذكر سبب ميله إلى ذلك، ومن جهة أخرى إنا إذا ما عرضنا هذين الاحتمالين على تحقيقاتنا السابقة نجد أن الاحتمال الثاني وهو أن تكون شقيقة لجعفر غير وارد، لأننا توصلنا إلى أن ملومة القضاعية توفيت قبل عام 50هـ، وهذا لا يتطابق مع القول بأن رقية كان لها من العمر على أكثر التقديرات سبع سنوات.

وأما الاحتمال الأول وهو أن تكون رقية ابنة أم إسحاق، فهذا لا يتنافى مع أي من المعطيات التي وردت في هذا المجال، ولكنه يبقى احتمالاً.

تبقى هنا الإشارة إلى يوم وفاتها فحسب تحقيقاتنا التي أوردناها في السيرة أنهم انتقلوا إلى مقربة من بيت يزيد يوم الخامس من صفر والحادث وقع ليلة السادس منه(3).

والحاصل أن هوية السيدة رقية هي كالتالي:

الاسم: رقية.

الأب: الحسين بن علي بن أبي طالب «عليه السلام».

_______________
(1) المعاصر: هو السيد عامر الحلو مؤلف كتاب السيدة رقية قصتها... مقامها.

(2) السيدة رقية قصتها.. مقامها: 42.

(3) راجع السيرة الحسينية من هذه الموسوعة، ويؤيد ذلك ما ورد في ستاره درخشان شام: 219 «أنها توفيت في الخامس من صفر 61هـ».

(285)

 

الأم: الرباب بنت امرئ القيس الكلبية.

الولادة: المدينة أواخر سنة 57هـ.

الشهادة: دمشق ليلة 6/2/61هـ.

الأشقاء: فاطمة الكبرى، سكينة، عبد الله.

الدور: حضرت كربلاء مع أبيها وأمها وشقيقها وإخوانها وشقيقتها وإخوتها.

المدفن: محلة العمارة- دمشق- سوريا.

العمر: كانت في الرابعة حين استشهدت.

وسيأتي المزيد عن مرقدها في تاريخ المراقد إن شاء الله تعالى.

(286)

 

(31)

رقية الصغرى بنت علي الهاشمية

 

هي رقية الصغرى بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشية.

وأمها أم شعيب المخزومية.

لقد تحدثنا في المقدمة التمهيدية لمعجم الأنصار الهاشميين بأن أم شعيب ولدت في حدود عام 2 قبل الهجرة، وتوفيت بعد وفاة الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» عام 40هـ، وذكرنا أيضاً بأنها دخلت بيت علي «عليه السلام» نحو عام 20هـ، وأنجبت له: نفيسة (22- ب61هـ) والتي تزوجها عبد الله الأوسط ابن عقيل، وزينب الصغرى (23- ق40هـ) والتي تزوجها محمد ابن عقيل، ورقية الصغرى (24- ب61هـ) والتي تزوجها مسلم بن عقيل بعد وفاة أختها رقية الكبرى عام 45هـ.

وهناك خلاف في أمها بحثناها في تراجم زوجات الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» ولا نعيد مناقشتها وإنما ذكرنا ما توصلنا إليه- هناك- فقط(1)، وما يهمنا هنا أنها حضرت كربلاء مع أولادها:

1- عبد الله الأصغر (عبيد الله) 46- 61هـ.

____________
(1) يمكن مراجعة تنقيح المقال: 2/245 للاطلاع على مزيد من الخلاف في ذلك، وكذلك المجدي: 12، والشجرة المباركة: 349، ولباب الأنساب: 1/336، وأعيان الشيعة: 7/34، إلى غيرها بالإضافة إلى ترجمة زوجات أمير المؤمنين «عليه السلام» ومسلم بن عقيل في معجم الأنصار الهاشميين من هذه الموسوعة.

(287)

 

2- حميدة 49- نحو 142هـ.

3- عاتكة 52- 61هـ.

4- محمد الأصغر 53- 62هـ.

5- إبراهيم 54- 62هـ.

وقد قتلوا كلهم في معركة الطف أو ما يتعلق بها باستثناء حميدة التي أسرت ثم أفرج عنها، وقد سبق وتحدثنا عن ذلك في ترجمة مسلم بن عقيل في معجم  الأنصار الهاشميين.

وأما عن حياة رقية الصغرى فإنها ولدت عام 24هـ وتزوجت عام 45هـ، ومعنى ذلك أن يوم تزوجت كان لها من العمر إحدى وعشرين سنة، وعن هذه السنوات التي كانت في بيت أبيها أمير المؤمنين «عليه السلام» لم نعثر على شيء يذكر عن سيرتها، نعم ولدت في المدينة ونشأت فيها حتى إذا كان عام 36هـ ولها من العمر اثنا عشرة سنة رحلت إلى الكوفة وظلت فيها حتى عام الأربعين وبعد وفاة أبيها التحقت بركب أخيها الإمام الحسين «عليه السلام»، ورجعت معه إلى المدينة وظلت فيها في كنف السبطين إلى أن تزوجها مسلم بعد وفاة أختها عام 45هـ، وظلت طوال الوقت في المدينة إلى عام الستين تمارس حياتها الزوجية والأسرية حيث كانت تقوم بتربية الخمسة، بالإضافة إلى ابني أختها رقية الكبرى عبد الله الأكبر (34- 61هـ) وعلي (36- 61هـ)، وما أن أرسل أخوها الحسين «عليه السلام» زوجها مسلم موفداً من قبله إلى أهل الكوفة في شهر رمضان المبارك من عام 60هـ وهم في مكة، فما عادت التقت بزوجها مسلم حيث قتل في الثامن من شهر ذي الحجة من عام 60هـ، وكانت قد التحقت مع أولادها بركب أخيها الحسين «عليه السلام»، وفي طريقهم إلى كربلاء وصلهم خبر مقتل مسلم بن عقيل وبالتحديد في الثعلبية أي يوم السبت 19/12/60هـ، ولما كانت معركة كربلاء يوم عاشوراء سحقت ابنتها عاتكة، وقتل ابنها عبد الله الأصغر، وضاع إبناها محمد الأصغر وإبراهيم وسجنا من قبل ابن زياد ثم قتلا على تفصيل مر في ترجمتهما، وأسرت رقية مع ابنتها حميدة وسيقت إلى الكوفة والشام، ثم أفرج عنهما مع جميع من كان في ركب الإمام زين العابدين «عليه السلام» فعاد إلى المدينة واستقرت فيها فتزوجت حميدة من عبد

(288)

 

الله بن محمد بن عقيل وقد توفيا في حدود عام 142هـ، وأما رقية فلا نعلم عن وفاتها شيئاً، إلا أن ما يمكن القول به أنها توفيت في المدينة بعد أن وصلتها في ربيع الأول من عام 61هـ، ولكن هناك من ادعى بأن المشهد المعروف بمحلة العمارة والذي ينسب إلى السيدة رقية بنت الحسين «عليه السلام» هو لرقية بنت علي «عليه السلام»، ولكن الخلاف دائر بين كونها رقية بنت علي «عليه السلام» من زوجته فاطمة الزهراء «عليه السلام» والتي ذهب البعض إلى أن للزهراء «عليه السلام» ابنة ثالثة باسم رقية، وقد سبق بيانه في ترجمة فاطمة الزهراء في محله(1)، أو أنه اسم لأم كلثوم الكبرى لانحصار بنات فاطمة «عليه السلام» في شخصيتين لا ثلاثاً، أو أنها رقية بنت علي «عليه السلام» من زوجته الصهباء لتكون رقية الكبرى، ولكن ثبت بأنها كانت زوجة مسلم بن عقيل وأنها توفيت ما بين عام 41- 45هـ في المدينة حيث لم يذكر أحد سبباً مقنعاً لمجيئها إلى دمشق في مثل هذا التاريخ، إذاً فالأنظار تتجه نحو رقية الصغرى وأمها التي هي أم شعيب المخزومية والتي حضرت كربلاء ووصلت إلى دمشق في ظل الأسر، ولكن لم نجد من يذكر أنها توفيت في دمشق في هذه السفرة، أما أنها وردت الشام في سفرة أخرى فلا يوجد نص بذلك ولا احتمله أحد من المؤرخين والمهتمين بذلك، ومع هذا فإن سبق أن أوردنا بعض التفاصيل في ترجمة رقية بنت الحسين فلتراجع، وقد رجحنا حسب المعطيات التي لدينا أن المرقد هو لرقية بنت الحسين «عليه السلام» حيث توفيت في الأسر في قصة حزينة أوردناها في ترجمة رقية بنت الحسين «عليه السلام»، وهذا الاحتمال هو أقرب للواقع من غيره.

____________
(1) راجع المقدمة التمهيدية لمعجم أنصار الحسين قسم الهاشميين.

(289)

 

(32)

رقية الكبرى بنت علي الهاشمية

13- 45هـ = 634- 665م

 

هي: رقية الكبرى بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشية.

لقد أورد معالي السبطين وآخرون بأن التي حضرت كربلاء هي رقية الكبرى، ومن هنا فلا بد من ذكرها، ومناقشة أمرها وتصحيح ما صح عنه وتفنيد ما لم يصح منه.

وعلى أي حال فإنها: هي بنت الصهباء بنت (عباد بن) ربيعة بن بحير بن العبد بن علقمة التغلبية وقد سبق وقلنا إن الصهباء ولدت في حدود عام 3ق.هـ في عين التمر(1)، وتوفيت في حدود عام 61هـ- في المدينة ودخلت بيت أمير المؤمنين «عليه السلام» بملك اليمين في شعبان عام 12هـ وهو في المدينة، وأنجبت له عمر الأكبر (13- 88هـ) ورقية الكبرى (13- 45هـ) وكانا توأمين، وتزوجت رقية الكبرى من مسلم بن عقل في حدود عام 33هـ.

هناك من يذكر بأن رقية الكبرى حضرت كربلاء مع ابنيها عبد الله الأكبر ابن مسلم (34- 61هـ) وعلي بن مسلم (36- 61هـ)(2)، ولكن الثابت عندنا أنها توفيت في حدود عام 45 هـ حيث تمكن مسلم بن عقيل من الزواج من أختها رقية الصغرى، وما هذا القول- أي الحضور في معركة

____________
(1) عين التمر: تقع غربي كربلاء، كان لها تاريخ تليد.

(2) راجع: وسلة الدارين: 422 عن معالي السبطين: 2/226، حيث جاء فيه: «ومعهم أمهم الصهباء».

(290)

 

الطف- إلا من باب الخلط بين الأختين، ومن هنا جاء الخلط في نسبة أولاد هذه إلى تلك أو بالعكس، فعلى سبيل المثال ذكر المازندراني فيمن حضرن كربلاء: «منهن رقية الكبرى وكانت عند مسلم بن عقيل فولدت منه عبد الله ابن مسلم ومحمد بن مسلم اللذين قتلا يوم الطف مع الحسين «عليه السلام»، وعاتكة ولها من العمر سبع سنين التي سحقت يوم الطف بعد شهادة الحسين «عليه السلام» لما هجم القوم على الخيم للسلب»(1) ويأتي ليقول: «ومنهن رقية الصغرى أمها أم ولد وكانت عند الصلت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ولا عقب له»(2)، ولكن سبق وقلنا بأن من المسلمات أن مسلم بن عقيل تزوجهما، وبما أنه لا يجوز الجمع بين الأختين فإنه تزوج الأولى ولما ماتت تزوج الثانية.

وبما أنها ليست ممن حضرن كربلاء اختصرنا الحديث عنها هنا، بل إن لقلة المعلومات عنها أيضاً دوراً في الاختصار، ومما يمكن قوله إن رقية الكبرى ولدت في المدينة ونشأت فيها، ولما كان عام 33هـ أصبح عمرها نحو العشرين خطبها مسلم بن عقيل من أبيها فتزوجها، ولما كان عام 36هـ هاجر مسلم ومعه زوجته رقية الكبرى وأولادهما إلى الكوفة مع الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام»، ورجعوا إلى المدينة عام 40هـ وظلت مع زوجها حتى توفاها الله في المدينة عام 45هـ، والقول بأن وفاتها كانت في عام 45هـ جاء من القول بأن أختها رقية الكبرى أنجبت لمسلم بن عقيل عبد الله الأصغر عام 46هـ فعليه يكون عام 45هـ هو أبعد الاحتمالات لبقائها على قيد الحياة لتكون وفاتها عام 45هـ ليتمكن مسلم بن عقيل من الزواج من أختها رقية الصغرى في العام نفسه لتنجب له عبد الله الأصغر ابن مسلم سنة 46هـ، ولكن احتمالاً آخر وارد أيضاً وهو أن رقية الكبرى توفيت بعد عام 40هـ- أي بعد وفاة أمير المؤمنين «عليه السلام»- وإنما جاء التحديد بعد عام 40هـ لأنها لم تكن ممن توفيت في حياة أبيها، والله العالم، إذاً فاحتمال أنها توفيت ما بين سنة 41هـ إلى 45هـ وارد. وعليه فإن مرقدها

______________
(1) معالي السبطين: 2/226 عن مقتل الحسين لحسن بن سليمان الشويكي.

(2) معالي السبطين: 2/227.

(291)

 

لابد وأن يكون في المدينة، وربما في البقيع بالتحديد حيث كانت المقبرة الوحيدة آنذاك، بل من المؤكد أنها دفنت هناك حيث ورد في قائمة الأسماء الذين دفنوا في البقيع ما يلي: «حميدة ورقية زوجتا مسلم وعبد الرحمان بن عقيل»(1).

_______
(1) معالم مكة والمدينة بين الماضي والحاضر: 450.

(292)

 

(33)

رملة الكبرى بنت علي الهاشمية

ن22- ب61هـ = ن643- ب680م

 

هي: رملة الكبرى بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشية(1).

ضبط المفردة «رملة» بفتح الراء وسكون الميم وفتح اللام على زنة ضربة، جذرها الرمل وهو نوع من التراب المحبب والذي يستخرج منه الزجاج، وللرمل نفسه استخدامات مهمة في بناء المباني الشاهقة والمنشئات الحيوية، كما وفي الاستخدامات العسكرية، واحده «الرملة» أي يقال لحبة الرمل «رملة»، كما يقال لقطعة الأرض التي يعلوها الرمل رملة بعلاقة الحال والمحل، ويقول الزبيدي(2) في تاجه ما مضمونه: «الرملة واحدة رملة وقيل القطعة منها رملة، وبها سميت المرأة»(3)، كما سميت عدة من المواضع بالمناسبة الثانية، وتصغر على رميلة، وسمي أيضاً عدد من المواضع بها.

ورملة من الأسماء التي استخدمت علماً للأنثى في الجاهلية، ومن تلك أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية (25ق.هـ- 44هـ) والتي تزوجها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ما ارتد زوجها عبيد الله بن جحش وهما على أرض الحبشة في الهجرة الثانية إليها، وكان ذلك عام 7هـ(4).

___________
(1) معالي السبطين: 2/227- 228.

(2) الزبيدي: هو محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق المرتضى (1145- 1205هـ) مضت ترجمته.

(3) تاج العروس: 29/97.

(4) الأعلام للزركلي: 3/33.

(293)

 

وأما بالنسبة إلى رملة الكبرى بنت علي «عليه السلام» فإنها ابنة أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن متعب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف ابن ثقيف الثقفية، وقد سبق بيان نسبها في ترجمة أمها في محله(1).

ومن المناسب أن نذكر بعض النقاط الضرورية التي توصلنا إليها في ترجمة أم سعيد لتوضيح الصورة بالنسبة إلى ترجمة ابنتها رملة الكبرى:

1- أم سعيد ولدت قبل عام 5هـ وتوفيت حدود عام 35هـ.

2- تزوج الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» السيدة أم سعيد الثقفية نحو عام 20هـ.

3- أنجبت السيدة أم سعيد لعلي بن أبي طالب «عليه السلام» الأولاد التالية أسماؤهم مع تواريخهم.

أ- أم الحسن (نحو 21- ب61هـ) وتزوجها جعدة بن هبيرة المخزومي سنة 35هـ ثم جعفر الأكبر ابن عقيل الهاشمي حدود سنة 53هـ كما قيل.

       ب- رملة الكبرى (ن22- ب61هـ) وتزوجها عبد الله بن أبي سفيان المطلبي المستشهد في الطف.

       ج- عمر الأوسط ويقال له عمران (23- 38هـ) قتل في معركة النهروان.

       د- أم كلثوم الصغرى (24- ق40هـ) وتزوجها كثير بن العباس الهاشمي نحو سنة 306هـ.

وبما أن رملة الكبرى ولدت في حدود عام 22هـ فلا بد أن يكون زواجها من عبد الله بن أبي سفيان المطلبي المولود عام 8ق.هـ في حدود 36هـ ويؤيد ذلك ورود اسمها في البنات اللاتي زوجهن علي في حياته(2).

وذكر المازندراني وغيره أنها حضرت الطف، ولكنه يرى أنها كانت

________
(1) راجع المقدمة التمهيدية لمعجم الأنصار الهاشميين من هذه الموسوعة.

(2) راجع مناقب آل أبي طالب: 3/305.

(294)

 

زوجة عبد الرحمان الأوسط ابن عقيل، وقد تقدم الحديث عنه، وأنه لا وجود له لدى الحديث عن عبد الله بن أبي سفيان المطلبي.

وليس في المصادر التي بحوزتنا ما يدل على أنها أنجبت لعبد الله المطلبي، نعم ذكر المازندراني بأنها أنجبت لعبد الرحمان الأوسط ابنة اسمها أم عقيل، وقد فندنا ذلك سابقاً، ولو صح فهي ابنة المطلبي لا العقيلي حسب اختيارنا.     

ومما ذكره المازندراني أن رملة الكبرى حضرت كربلاء مع أمها أم مسعود بنت عروة الثقفي، وقد سبق وقلنا بأنها توفيت عام 35هـ، فلا مجال لحضورها كربلاء(1).

وأما مسألة الفارق في العمر بينها وبين زوجها عبد الله بن أبي سفيان المطلبي والذي يصل إلى نحو ثلاثين عاماً، فهذا لم يكن آنذاك عائقاً فكثيراً ما كانت الزوجة أكبر من الرجل وقد يحصل العكس وهو أكثر شيوعاً.

وأما عن وفاتها فلم يصلنا شيء عن حياتها ولا عن وفاتها، وربما توفيت في المدينة المنورة، حيث رجعت مع علي بن الحسين «عليه السلام» إلى المدينة واستقرت فيها.

ولا يخفى أنها إنما وصفت بالكبرى في قبال أختها رملة الصغرى التي أمها أم ولد، وقد تزوجت رملة من الصلت بن عبد الله بن نوفل: والتي كانت ولادتها حوالى عام 26هـ، وكانت وفاتها قبل عام 40هـ حيث توفيت في حياة أبيها ولم تحضر كربلاء، وقد مضى الحديث عنها لدى ترجمة أمها في المقدمة التمهيدية لمعجم الأنصار الهاشميين.

_____________
(1) راجع ترجمة أم سعيد الثقفية في المقدمة التمهيدية لمعجم الأنصار الهاشميين.

(295)

 

(34)

رملة بنت... الرومية

ق31- ب61هـ = ف651- ب680م

 

هي رملة بنت... الرومية.

اشتهر بين المتأخرين على أن اسم أم القاسم ابن الإمام الحسن «عليه السلام» هو رملة من بين الأسماء الأخرى: نفيلة، نرجس، نجمة، أم فروة، ولكن تحدثنا سابقاً في ترجمة القاسم بن الحسن بأن رملة تختلف عن أولئك فإن كل واحدة منهن أم لأحد أولاد الإمام الحسن «عليه السلام» باستثناء أم فروة قيل إنها تصحيف أم ولد، وعليه فإن الاختيار وقع على أن أم القاسم هي رملة، وهي أم ولد، والظاهر أنها ليست رومية لأن الذي ذهب إلى أن أم القاسم نرجس قال إنها رومية، فإذا صح ذلك فلا بد أن تكون هذه الأسماء هي من وضع الإمام الحسن «عليه السلام» أو آخرين، وإنما سميت بعد السبي لأنها أسماء عربية، ورغم أن أمات المصادر لا تحدد لنا اسم أم القاسم برملة إلا أننا اخترنا ما ذهب إليه المشهور.

وليس في اليد ما يمكن الحديث عنه سوى ما ورد في ترجمة ابنها القاسم، ومن هنا فسيدور استنتاجاتنا فيها على ما توصلنا إليه في ابنها القاسم، فنقول وبالله نستعين.

1- إنها أم ولد واسمها رملة(1).

2- إن ولادة ابنها القاسم على ما توصلنا إليه هو عام 46هـ(2)،

___________
(1) راجع أنصار الحسين للسماوي: 36، حياة الإمام الحسن: 2/460.

(2) جاء في وسيلة الدارين: 23 أن ولادته كانت في المدينة سنة 47هـ.

(296)