معجم  أنصار الحسين عليه السلام  (النساء) (الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (النساء) (الجزء الثاني)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

      وما دمنا نتحدث عن المفردة «سكينة» فلا بد من الالفات إلى أن «سكينة» هو لقب شاع على ابنة الحسين «عليه السلام»، وقد أكد المؤرخون على أنه لقب مما لا يمكن العزف والإعراض عن ذلك حيث إن أقدمهم هو أبو الفرج(1) الأصفهاني (284- 356هـ) ذكر «بأن اسم سكينة: أميمة وقيل أمينة، وقيل آمنة، وسكينة لقب لقبت به»(2)، ولم يكتف بذلك بل استشهد بأقوال عدد من المؤرخين والرواة ومن هم من أهل البيت «عليه السلام»، فمن ذلك ما رواه باسناده إلى النسابة محمد بن سائب الكلبي(3)(ق40- 146هـ) قال لي: عبد الله(4) بن الحسن السبط(5) (70- 145هـ). ما اسم سكينة بنت الحسين «عليه السلام»؟ فقلت سكينة، فقال: لا، اسمها آمنة؛ وفي رواية أخرى أن رجلاً سأل عبد الله بن الحسن السبط «عليه السلام» عن اسم سكينة، فقال: أمينة، فقال له: إن ابن الكلبي يقول: أميمة، فقال عبد الله: سل ابن الكلبي عن أمه؟ وسلني عن أمي، وذكر أقوال الآخرين وفي النهاية: وهذا هو

________
(1) ابو الفرج الأصفهاني: هو علي بن الحسين بن محمد الأموي (284- 356هـ) ولد في إصفهان وتوفي في بغداد، كان من كبار المؤرخين وذكر القمي في الكنى والألقاب: 1/138 أنه كان إمامياً، له جم غفير من المؤلفات منها: مقاتل الطالبين، أدب الغرباء، والتعديل والانصاف في النسب.

(2) الأغاني: 16/ 146، وجاء في مقاتل الطالبيين: 94 «واسم سكينة أمينة، وقيل أميمة، وإنما غلب عليها سكينة، وليس باسمها».

(3) محمد بن سائب الكلبي: هو حفيد بشر بن عمرو بن الحارث، المكنى بأي نضرن كان نسابة ومفسراً، من أهل الكوفة ولد وتوفي فيها وكان ابنه هشام المكنى بأبي منذر والمتوفى سنة 206هـ كان نسابة أيضاً وكان من أصحاب الصادقين «عليه السلام»، وأما محمد فقد شهد دفن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» في الكوفة وبقي حياً حتى شهد الإمام الصادق «عليه السلام» حيث عدوه من أصحابه، وهو ممن تتلمذ على أبي صالح والذي بدوره تتلمذ في النسب على عقيل ابن أبي طالب «عليه السلام»، وكان بشر جده قد شهد معركة الجمل وصفين مع علي «عليه السلام».

(4) جاء في المصدر: «عبد الله بن الحسن بن الحسن» أي عبد الله بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط «عليه السلام»، ولكن نرجح أن الحسن الأولى من التصحيف.

(5) عبد الله بن الحسن السبط الزكي ابن علي «عليه السلام»: هو ابن سكينة بنت الحسين «عليه السلام».

(38)

 

الصحيح(1)، ولم تشر المصادر إلى غير ذلك، وكل من تأخر عنه نحا نحوه وأخذ منه ومن مصادره(2).

      وفي تحديد اسمها نعتمد على ما روي عن نجلها عبد الله بن الحسن السبط «أمينة» حيث إن أهل البيت أدرى بما في البيت، ولا نسقط الأقوال الأخرى «أميمة» أو «آمنة» بل لعلها من التصحيف أو تعدد الأسامي، وبما أن اسمها ليست بسكينة فلا بد من بيان ضبط مفردة «أمينة» أيضاً، ومن خلاله سنتعرف على «آمنة» و«أميمة» فالأولى فعلية من الأمن، وهو اسم مفعول مؤنث كما في قتيل وقتيلة ليكون بمعنى مأمونة، أو تكون اسم فاعل كما في شريف وشريفة أي موجبة للاطمئنان، والصفة منها تأتي «أمينة» والأمن هو الذي يوجب الاطمئنان أو هو الاطمئنان بذاته، وأما آمنة: فهي من صيغ اسم الفاعل ومذكره «آمن» واسم الفاعل من امن يأتي على أمين بكسر الميم، وأمين على زنة فعيل، ويعني هذا أن آمنة وامينة بمعنى واحد، أي هما صيغتان لفاعل الفعل «أمن» واما إذا قلنا بأن أمينة اسم مفعول فالمعنى يختلف فآمنة تعني أنها موجبة للأطمئنان للغير، وأمينة أي أنها مطمأن عليها من الغير، فهي آمنة وأمينة في اتجاهين فاعلي ومفعولي وقد صرح ابن تغري بردي(3) أن اسمها «آمنة»(4) حيث يروي أنه قيل لسكينة: اختك فاطمة ناسكة وأنت تمزحين كثيراً؟ فقالت: لأنكم سميتموها باسم

____________
(1) الأغاني: 16/ 147، راجع أيضاً مقاتل الطالبيين: 94.

(2) ومنهم ابن النديم (348- 438هـ) في الفهرست، وابن عساكر (499- 571هـ) في تاريخ مدينة دمشق (قسم النساء): 156، وابن الجوزي (508- 597هـ) في المنتظم: 7/175- حوادث 117هـ، وسبط ابن الجوزي (581- 654هـ) في تذكرة الخواص: 249، وابن خلكان (608- 681هـ) في وفيات الأعيان: 1/378، واليافعي (698- 768هـ) في مرآة الجنان: 1/251، وابن تغري (813- 874هـ) في النجوم الزاهرة: 1/276، وابن العماد الحنبلي (1032- 1089هـ) في شذرات الذهب: 2/82 وغيرهم.

(3) ابن تغري بردي: هو يوسف بن تغري بردي الأتابكي (813- 874هـ) ولد في القاهرة وتوفي فيها، كان أبوه من مماليك الظاهر برقوق، ومن أمراء جيشه، أصبح مؤرخاً وله من المؤلفات: المنهل الصافي، مورد اللطافة، ونزهة الرائي.

(4) النجوم الزاهرة: 1/276.

(39)

 

جدتها المؤمنة- تعني فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)- وسميتموها باسم جدتي التي لم تدرك الاسلام- تعني آمنة بنت وهب»(1).

      وأما صيغة أميمة فهي مؤنت أميم على زنة فعيل، والظاهر أنها تصغير للأم، ويراد بها أماً صغيرة، وكان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) يقول لابنته فاطمة الزهراء «عليه السلام» «أم أبيها» باعتبراها بمثابة الأم، أو يقال أنها أم صغيرة، وفي اللغة اشتق من أم الرأس، ومن هنا قيل للحجارة التي تشدخ بها الرؤوس أميمة وهي تصغير الأم أي الرأس، وربما استخدمت أميمة تصغير الامامة سماعاً أو ذوقاً ومن ذلك قول النابغة الذبياني(2) مخاطباً ابنته أمامة(3) من الطويل:

كليني لهم، يا أميمة، ناصب        وليل أقاسيه، بطىء الكواكب(4)

      وجاء في الأعيان: ويمكن أن تكون اميمة تصغير امامة(5).

      إذاً فالانسب أن يقال: أم اسم ابنة الحسين «عليه السلام» هو أمينة، ولقبها سكينة، وربما أبدلت إلى آمنة(6) للتخفيف مع عدم تغيير المعنى، وأما أميمة فربما اطلق عليها من باب دلال الأم لابنتها حيث تعبر عنها بالأم لعزتها ولكن صغر عمرها أدى إلى أن تصغر المفردة فقيل أميمة؛ ومن المعلوم أن التصغير ليس للتحقير- شويعر- دائماً بل لصغر الحجم- كتيب- أو العمر –رجيل- أو لتقريب الزمان- قبيل- أو المسافة- قريب- أو التحبب مثل بني؛ وهذا من الأخير(7).

__________
(1) الأغاني: 16/ 149 عن المدائني في رواية أبي اسحاق المالكي.

(2) النابغة الذبياني: هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني المتوفى في حدود عام 18ق.هـ، من شعراء الجاهلية في الحجاز، ويعد من الطبقة الأولى، وكان يأخذ موقعه في سوق عكاظ، وكان بعض الشعراء يعرضون شعرهم عليه، يكنى بأبي امامة، جمع شعره في ديوان.

(3) ولا يخفى أن القصيدة ليست في ابنته بل في مدح عمرو بن الحارث الأصغر، ولكنه صدرها بذلك على ما كان سائداً عند المتقدمين من الشعراء بذكر الأحباب أو الأطلال أو غير ذلك، ثم يمدحون من يشاؤون.

(4) راجع ديوان النابغة الذبياني: 48.

(5) أعيان الشيعة: 3/391.

(6) إذا قيل إن اسمها آمنة، فقد سميت بإسم جدتها أم الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) آمنة بنت وهب.

(7) راجع الاوزان الصرفية، للمؤلف، فصل التصغير.

(40)

 

واما عن تاريخ التسمية فالظاهر أنها كانت على عهد الجاهلية ولكن لم تكن شائعةً، فأقدم اسم ورد في التاريخ هو امينة(1) بنت خلف الخزاعي(2).

      وأما ما ورد في بعض المصادر نقلاً عن الأغاني: بأنه ذكره من جملة اسمائها (امية)(3) فلم نجد ذلك في نسخة الأغاني التي لدينا ولعلها وردت في نسخة قديمة من باب التصحيف وهذا الاسم من الأسماء المشتركة بين الذكور والاناث في الجاهلية، ولكن الأغلب العزوف عن التسمية بالأسماء المشتركة، بل إن ولادة السيدة سكينة كانت في عهد الإمام الحسن «عليه السلام» وكان الخلاف الهاشمي والأموي قائماً فمن هنا نستبعد أن يستخدم أمثال هذه الاسماء من قبل الهاشميين، وعن المعنى اللغوي فإن «أمية» مصغر الأمة وهي المملوكة في قبال عبيد تصغيراً للعبد.

      فهي إذا: أمينة (سكينة) بنت الحسين بن علي بن أبي طالب «عليه السلام».

      وأمها: الرباب بنت امرء القيس(4) بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن كلب(5).

      وجدتها الأبي: هي فاطمة الزهراء بنت محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بن عبد الله الهاشمي القرشي.

      وجدتها الأمي: هي هند(6) بنت الربيع بن مسعود بن معاذ بن حصين ابن كعب(7).

___________
(1) امينة بنت خلف: هي حفيدة سعد بن عامر بن بياضة بن خزاعة التي اسلمت في مكة قبل الهجرة، ثم أمنية بنت انس بن مالك الأنصارية، واما أميمة بنت عبد الله بن بجاد التيمية من الصحابة.

(2) البداية والنهاية: 3/30.

(3) نور الأبصار: 309، أعيان الشيعة: 3/491.

(4) امرء القيس: يذكر أنه اسلم في عهد عمر بن الخطاب وتوفي في حدود سنة 25هـ (945م) وما ورد في هامش الأغاني: أن امرىء القيس هو ابن عانس بن المنذر بن امرىء القيس بن السمط فهو من الخلط بين جدها «امرىء القيس» والشاعر: «امرىء القيس».

(5) راجع تفاصيل ذلك في ترجمتها في الجزء الأول.

(6) هند: ويقال لها هند الهنود راجع مقاتل الطالبيين: 94.

(7) الأغاني: 16/146. ونسب أمها وجدتها الامي يتصلان عند كلب بن عليم بن كلب.

(41)

      ولدت في المدينة سنة 42هـ(1) وتوفيت فيها على الأصح سنة 117هـ وذلك يوم الخميس الخامس من شهر ربيع الأول(2) فعليه يكون عمرها يوم الطف 19 عاماً ولكن لم تكمل التاسعة عشرة من عمرها، وهناك من قال بأنها توفيت في مكة يوم الخميس في الخامس من ربيع الأول من سنة 126هـ(3)، ومع تطبيق أيام الأسبوع بأيام الشهر والسنين فإن يوم الخميس من شهر ربيع الأول من شنة 117هـ يتطابق مع الاثنين أو الثلاثاء من أيام الأسبوع، وأما الخامس منه من سنة 126هـ فإنه يطابق يوم الجمعة أو السبت، فإذا اخترنا السنة 117هـ وهو الذي اعتمده معظم المؤرخين(4) وأردنا أن نطبق الخميس على أيام الشهر فلا بد من القول بأنها توفيت يوم الثامن أو التاسع، وأما على القول بأنها توفيت سنة 126هـ فلا بد من القول بأنها توفيت يوم الثالث أو الرابع، وكلاهما لا يتطابقان فلا بد من وجود خلط أو تصحيف، ونحتمل والله العالم أن يوم الخميس يتطابق مع الخامس عشر من ربيع الأول، فيما إذا بدأ الشهر بيوم الخميس كما ورد في التوفيقات الالهامية(5) واحتمال أن يكون التصحيف في الشهر ليكون الخامس من شهر ربيع الثاني ولكنه بعيد، كلن ذلك إذا استقر الرأي على

____________
(1) حيث جاء في أعيان النساء: 222 أنها عاشت 75 سنة وكانت وفاتها سنة 117هـ، نقلاً عن الأعيان، ووفيات الأعيان، وتاريخ الموصل لابي زكريا: 38، وجاء في مستدركات علم رجال الحديث «لها في وقعة الطف خمس عشرة سنة أو اثنتان وعشرون سنة» وهذا يعني أن الولادة كانت في سنة 45هـ أو 38هـ، ويضيف أن عمرها ثمانون سنة أو أقل.

(2) وفيات الأعيان: 2/396، أعيان الشيعة:     /     ، تاريخ الموصل لأبي زكريا يزيد بن محمد الأزدي: 38، تاريخ الطبري: 4/162.

(3) نور الأبصار: 312.

(4) هامش دول الاسلام للذهبي: 70، شذرات الذهب لابن العماد: 1/154، وفيات الأعيان: 2/396، ومرآة الجنان لليافعي:    /      ، تهذيب الاسماء للنوري: 1/163، وتاريخ الطبري: 8/228، وتاريخ ابن الأثير: 5/71، النجوم الزاهرة: 1/276، نور الأبصار: 312، السيدة سكينة للمقرم: 140، أعيان الشيعة: 3/491.

(5) التوفيقات الالهامية: 1/149.

(42)

 

سنة 117هـ وإلا فإنه أيام الاسبوع مع الشهر لا تتطابق مع سنة 126هـ. إذاً فالاحتمال المرجح أن وفاتها كانت في يوم الخميس الخامس عشر من سنة 117هـ.

      وأما بالنسبة إلى من قال بأنها ولدت سنة 47هـ اعتماداً على أنها كان لها من العمر نحو سبعين(1) فلا يمكن الاعتماد عليه لأن النقل يصرح بأنه تقريبي، ومن هنا قال المؤلف: إن ولادتها كانت حوالى سنة 47هـ، ويبدو أنه أخذ من قول المقرم الذي صرح بالتالي: ولم يتضح لنا سنة ولادتها ولا مقدار عمرها، وإن أمكننا القول بأنها قاربت السبعين بعد ملاحظة سنة وفاتها وكونها يوم الطف بالغة مبلغ النساء ولا أقل من التقدير بالعشرة وذكرنا ولادتها سنة 47هـ(2)، والحاصل العمل بما له قول مقدم على الاحتمال والافتراض.

      وأما عن نشأتها فقد ذكر بأنها كانت صغيرة جاءت إلى أمها الرباب تبكي فقالت لها أمها: ما بك؟

      قالت: مرت بي دبيرة(3) فلسعتني بابيرة(4).

      ويفهم من كلامها هذا أمران: ذكاؤها حيث استخدمت السجع وهي صغيرة في العمر، حيث يدلنا بكاؤها، ودلعها لأمها كما هو شأن البنات ولكنها تؤكد السبب الذي من ورائه كان تلقيبها بسكينة بالضم لما فيها من خفة في الروح والحركة المطلوبان في الأطفال وبالأخص البنات، ولعل عمرها آنذاك لم يرتق أربعاً، حيث اشتهرت باللقب وطغى على اسمها، إذ التقدم في العمر والاشتهار باللقب يوجب شيوع اللقب على الإسم.

      كما ويذكر في أوصافها أنها كانت جميلة فزادها حسن خلقها جمالاً(5)

_________
(1) سكينة بنت الحسين لبنت الشاطىء: 28.

(2) السيدة سكينة للمقرم: 140.

(3) دبيرة: تصغير الدبرة وهي النحل، وابيرة: تصغير الإبرة.

(4) نفس المهموم: 481 عن حياة الحيوان للدميري: 1/466 عن الفائق في غريب للزمخشري.

(5) راجع شذرات الذهب: 1/154 وغيرها.

(43)

 

      وقد وصفت بأنها كانت سيدة نساء عصرها ومن أجمل النساء وأظرفهن واحسنهن أخلاقاً(1) ومن المعلوم أن الجمال صورة خلقية فلذلك كانت في صغرها جميلة حيث أخذت الجمال من والديها، حيث يذكر في أمها الرباب أنها كانت كذلك حيث وصفت بأنها كانت من خيار النساء أدباً وعقلاً وجمالاً وشعراً وفضلاً(2) ولا غرو فإن أبيها قال في حبه لها ولأمها من الوافر:

لعمرك إنني لأحب داراً            تحل بها سكينة والرباب(3)

      ومن المعلوم أن حب الدار التي فيها الحبيب أبلغ من الحب المباشر ومما قال الشاعر من الوافر أيضاً:

وما حب الديار شغفن قلبي         ولكن حب من سكن الديارا(4)

      ولا شك أنها تربت في أشرف بيت عرفه التاريخ في عصرها وأخذت من أخلاق أبيها وكان لها من الأشقاء الثلاثة حيث كانت هي الرابعة وهم حسب التسلسل كالتالي:

      1- فاطمة الكبرى 20- 110هـ.

      2- سكينة (أمينة) 42- 117هـ.

      3- رقية 57- 61هـ.

      4- عبد الله (الرضيع) 61- 61هـ.

      إذا فهي ثاني أولاد السيدة رباب حيث سبقتها شقيقتها فاطمة الكبرى، ولحقتها رقية، وأما شقيقها عبد الله فهو الذي ولد يوم عاشوراء في كربلاء واستشهد بعد فترة وجيزة جداً.

      وأما بالنسبة إلى والدها فإنها تعد الرابعة مما بقي على قيد الحياة ولم يدرج:

____________
(1) وفيات الأعيان: 2/394.

(2) نسمة السحر: 2/113، الأغاني: 16/146.

(3) راجع ديوان الإمام الحسين: 1/193 أربعة أبيات.

(4) الاختيارين: 214.

(44)

 

      1- فاطمة الكبرى أمها الرباب 20- 110هـ.

      2- علي زين العابدين- أمه شاه جهان 33- 92هـ.

      3- علي الأكبر- أمه ليلى 38- 61هـ.

      4- سكينة- أمها الرباب 42- 117هـ.

      وأما عن زواجها فقد ثبت بأنها تزوجت من ابن عمها عبد الله الأكبر ابن الإمام الحسن «عليه السلام» والذي أمه أم ولد يقال لها نفيلة(1)، وقد أولدته سنة 25هـ وقتل في كربلاء مع عمه الحسين «عليه السلام».

      ويبدو من المصادر التي لدينا على ما بحثناه في ترجمة عبد الله بن الحسن «عليه السلام» أنهما كانا جديدا العهد بالزواج أيام عاشوراء بمعنى أن زواجها ربما كان في سنة 60هـ وهما في المدينة المنورة، والظاهر من قول بعض المؤرخين أن عبد الله بن الحسن بن علي «عليه السلام» هو ابن عمها وأبو عذرتها(2) وأنه قد تزوجها قبل السفر إلى كربلاء، ومن هنا فإن المحقق للكتاب قال معلقاً: «أبو عذرتها: أي أنه تزوجها ودخل بها»(3)، وهناك من يروي بأنه عقد عليها ولكنه استشهد قبل البناء بها(4)، وظاهر الجمع بين القولين أنه تزوجها ولكنها لم تنجب له واستشهد، ولا خلاف في انها لم تنجب لعبد الله بن الحسن «عليه السلام» بل ولا لغيره حيث لم تتزوج غيره على ما اخترناه، إذ القول بأنها تزوجت بعده بعيد عن الحقيقة كل البعد، وإنما هو

___________
(1) وهناك من ذكر بأن أمه رملة، وأنه شقيق القاسم- راجع السيدة سكينة للمقرم: 110، ولكن لا دليل على ما ذهب إليه، لأن المصدرين اللذين أشار إليهما إنما ذكرا بأن أمهما أم ولد ولد يذكرا بأنهما شقيقان بل ذكرا جملة من أولاد الإمام الحسن «عليه السلام» بأنهم من أم ولد ولم يصرحوا بأنهم من أمة واحدة، بل حصل بعض الارباك بين كون أبي بكر والقاسم شقيقين وبين أن أبا بكر وعبد الله متحدان، فإذا توصلنا إلى أنهما مغايران وشخصيتان رفع مثل هذا الالتباس- راجع ترجمة الرباب وترجمة أبي بكر وترجمة عبد الله بن الحسن في مواضعها ليتضح الأمر.

(2) الأغاني: 16/158، راجع معجم الأنصار (الهاشميين): 2/197.

(3) جاء في تاج العروس: مادة «سكن»: «أبو عذرتها إذا افترعها وافتضها»، ويقول المقرم في كتابه السيدة سكينة: 111، ومقتضى ذلك البناء بها لإدارة هذا المعنى من المثل «أبو عذرتها».

(4) إعلام الورى: 1/418.

(45)

 

قول من دون تحقيق، وما تعدد النقل إلا ويصل إلى مصدر واحد وهو غير موثوق به(1) على تفصيل أوردناه في محله(2).

      هناك عدة افتراءات إختلقها البيت الأموي ومن والاهم للطعن بقدسية أهل البيت النبوي «عليهم السلام» وبما أنهم لم يتمكنوا من الطعن بالأئمة الميامين «عليه السلام» في بعض الاحيان نالوا من اخوانهم واخواتهم أو أبنائهم وبناتهم، وكان من نصيب السيدة سكينة عليها أفضل الصلاة وأزكى السلام ثلاثة أسهم على أقل التقادير: مسألة تعدد الزواج، وثانيها: مسألى إقامة مجالس الطرب والغناء، وثالثها: مسألة معاقبتها لمن غضبت عليه بحلق لحيته، وأمور أخرى بحثناها بشيء من التفعيل والنقاش في باب الشبهات والردود من هذه الموسوعة ولا يصح تكرارها.

      وما يهمنا هنا التحدث عن شيء من سيرتها بعدما تحدثنا عن أمها الرباب وزوجها عبد الله بن الحسن «عليه السلام»، وقلنا بأنها لم تنجب وبقيت أرملة كأمها.

      فالسيدة سكينة صلوات الله عليها كانت ناسكة ومتعبدة وعفيفة إلى جانب فضلها وذكائها وجمالها، وبقطع النظر عن جودها وكرمها فإن قول أبيها المعصوم يكفي في مدحها حين جاءه إبن أخيه الحسن المثنى ابن الحسن السبط «عليه السلام» طاباً القرب منه بالزواج من إحدى ابنتيه فاطمة أو سكينة فانبرى الإمام الحسين «عليه السلام» ذاك العم الناصح والإمام المسؤول عن رعيته والأب الحريص على مصالح ابنته وابن أخيه: أختار لك فاطمة فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، أما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار، وفي الجمال تشبه الحور العين، وأما سكينة فغالب علها الاستغراق مع الله تعالى لا تصلح لرجل(3).

      ولا بد من التمعن في كلام المعصوم الذي لا بد وأن يطابق الواقع ويتحدث عن حقيقة لا يمكن الارتياب فيها بأي شكل من الأشكال، ويمكن أن نستلهم منه ما يلي:

___________
(1) راجع السيدة سكينة للمقرم: 110.

(2) باب الشبهات والردود من دائرة المعارف الحسينية.

(3) راجع السيدة سكينة للمقرم: 43 عن اسعاف الراغبين: 202 وغيرهما.

(46)

 

      1- إن إبن أخيه وضعه في موضع المستشار حيث لم يحدد المخطوبة بل ترك الأمر إلى عمه ليختار بينهما فأدلى برأيه ومشورته له حيث كان عارفاً بطبع وميول إبن أخيه الحسن المثنى كما هو عارف بطباع وميول كل من ابنتيه فاطمة وسكينة.

      2- إن لا عيب أن يصف الأب لخطيب بما هو مفترض وصفه في مثل هذه الحالات من الطباع والممارسات دون أي تردد(1). وفي مجال المشورة يجب الإفصاح بكل شيء.

      3- إن ابنته سكينة كانت أكثر تمايلاً إلى الخلوة مع الله سبحانه وتعالى فإذا كانت أختها فاطمة تقوم الليل كله وتصوم النهار فما بالك بالسيدة سكينة فلذلك وصفها الإمام: «بأن الغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى» وهذا يعني أنها لم تكن لتفارق العبادة القولية والعملية.

      4- إن قول الإمام «عليه السلام» «بـأنها لا تصلح لرجل» فلا يراد بها الاطلاق بل من الوضح أن المراد: فلا تصلح لرجل مثلك، ممن يريد التمتع بالمرأة بكل ما حلله الله تبارك وتعالى.

      5- من هذه الخطبة نكتشف أن زواج شقيقتها فاطمة الكبرى كان قبلها، بل ربما  يستشف أنها كانت أكبر من سكينة أيضاً، كما يستشف أن خطبته هذه كانت في وقت متأخر لتصلح خطبة سكينة أيضاً. فإذا كانت فاطمة الكبرى قد ولدت عام 20 هـ وسكنية عام 42هـ فالأولى تصلح للزواج وهي في أتم أوقاتها ومتوسطها سنة 34هـ، والثانية في سنة 56هـ، وبما أن الحسن المثنى ولد سنة 31هــ، فإنه لما بلغ مبلغ الرجال أتى إلى عمه وطلب أحدى ابنتيه، وقد سبق وقلنا في ترجمة الحسن المثنى أن ذلك كان بعد عام 55هـ، واحتملنا أن ذلك كان عام 60هـ(2).

____________
(1) بل أكثر من ذلك فإن الإمام الحسين «عليه السلام» أصحبه معه إلى بيته وأبرز إليه فاطمة وسكينة وقال له: يابن أخي اختر أحبهما إليك- راجع معجم أنصار الحسين (الهاشميين): 2/64.

(2) راجع معجم الأنصار (الهاشميين): 2/64.

(47)

 

      6- في مسألة الجمال هذا لا يعني أن سكينة لم تكن جميلة بل يستشف بأن الحب هو الأهم حيث ورد بأن الحسن المثنى عندما أختار فاطمة الكبرى، فكان يقال: إن امرآة تختار على سيكنة لمنقطعة القرين في الحسن(1)، إنهما كانتا من أم واحدة  وكانت من ذوات الجمال والكمال، وأبوهما الإمام الحسين «عليه السلام» الذي كان وجهه يشرق نوراً.

      7- لعل هذا الاخيار وهذه الاوصاف إنما جاءت لدفع الوهم عن أن فارق العمر قد يكون عائقاً، ولكن ذلك يرتفع بالرؤية وبالصفات المتواجدة في الشخص.

      8- لا يمكن أن نعلل اختيار فاطمة على سكينة بأن فاطمة كانت أكبر فقدمها الأب الإمام على أختها الأصغر لأنه «عليه السلام» صرح بالسبب بشكل لا يمكن تأويله على محمل آخر.

      يمكن القول بأن فاطمة لم تكن الكبرى بل الصغرى والتي أمها أم اسحاق بنت طلحة التيمية التي ولدت عام 51هـ فيكون لها من العمر حين الخطبة تسع سنوات، وسكينة لها من العمر ثمان عشر سنة، ولعل فاطمة الصغرى تزوجت أحد أبناء عمها الإمام الحسن «عليه السلام». ولكن بالقطع لم يكن عبد الله الأكبر الذي احتمله بعض المؤرخون لأن يكون زوجاص لسكينة، ومن المعلوم أن العبادلة الثلاثة من أبناء الإمام الحسني «عليه السلام» حضروا كربلاء، وقد توصلنا إلى أن الأكبر والأوسط قتلا في كربلاء، واخلتفوا في الثالث بين القتل والأسر، فلربما فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسين «عليه السلام» تزوجت أحد أبناء الإمام الحسن «عليه السلام» غير العبادلة الثلاثة.

      وعلى أي كان فإن السيدة سكينة كانت مثال الأدب والأخلاق والتقى والفضائل حيث عدها الإمام الحسين «عليه السلام» من خيرة النساء حين أراد توديع أهله وعياله في اليوم التاسع من محرم وذلك عندما رآها واقفة منحازة عن بقية النسوة باكية فأقبل إليها وأنشأ قائلاً من الكامل:

___________
(1) راجع معجم الأنصار (الهاشميين): 2/64 عن عمدة الطالب: 98 واعيان الشيعة: 5/44.

(48)

 

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي    منك البكاء إذا الحمام دهـــاني

لا تحرقي قلبي بدمعك حــسرة     ما دام مني الروح في جثماني

فإذا قتلت فأنت أولى بـــالــذي     تأتينه يا خيرة النســــــوان(1)

      وهذه الأبيات تنسف ما نسب إليها الأمويون من الافتراءات التي ناقشناها في باب الشبهات.

      وقد ذكر المؤرخون النصوص التالية في وصفها: «كانت من الجمال والأدب والظرف والسخاء بمنزله عظيمة»(2)، «لها السيرة الجميلة والكرم الوافر والعقل التام»(3)، و«وجمالها وحسن خلقها مشهور»(4) و«وكانت من أجمل النساء وأظرفهن واحسنهن اخلاقاً»(5) «وكانت من أجل نساء قريش»(6) وقال عنها المتأخرين: كانت عقيلة قريش ولها السيرة الجميلة وهي ذات الفضل والفضيلة والكرم الوافر والعقل الكمال والمكارم الزاخرة، والمناقب الفاخرة، وهي سيدة نساء عصرها واجملهن واظرفهن واحسنهن اخلاقاً(7).

      وكانت قد رافقت أبيها في رحلة الشهادة والإباء إلى أرض الشهادة والكرامة وهي قد أكملت الثامنة عشر من عمرها، ورأت المأساة بأم عينها وشاهدت السبي والاذلال إلى أن رجعت إلى المدينة تحت رعاية عمتها زينب «عليه السلام» وأخيها الإمام السجاد «عليه السلام» في مسير الأسر، بعد أن توقفت في دمشق وكربلاء، وأقامت في المدينة في بيت أبيها الحسين «عليه السلام» مع سائر

______________
(1) راجع كتاب السيدة سكينة للمقرم: 143، راجع الجزء الثاني من ديوان الإمام الحسين «عليه السلام» من هذه الموسوعة وهي أحد عشر بيتاً.

(2) أعيان الشيعة: 3/492.

(3) تذكرة الخواص: 278 واشفعه بقوله: «وهذا قول ابن قتيبة».

(4) شذرات الذهب: 1/154.

(5) مرآة الجنان: 1/251.

(6) تاريخ مدينة دمشق: 69/206.

(7) مستدركات علم رجال الحديث: 8/ 580.

(49)

 

الهاشميات، اللاتي أخذن الحداد على عميد اسرتهم الراحل أبي الشهداء الحسين بن علي «عليه السلام»، ثم انتقلت إلى بيت أخيها السجاد «عليه السلام» ومما يذكر عن اخبارها أنها لما أريد بها الرحيل من كربلاء إلى دمشق ومروا بالنسوة على مصارع القتلى رمت بنفسها على جسد أبيها واعتنقته وتروي أنها سمعت صوتاً يخرج من منحره المقدس يقول من مجزوء الرمل:

شيعتي ما إن شربتم    عذب ماء فاذكروني

أو سمعتم بغــــريب    أو شهيد فأندبوني(1)

      ويروي أنها كانت في مأتم فيه بنت لعثمان بن عفان الأموي فقال بنت عثمان(2): أنا بنت الشهيد.

      فسكتت سكينة، فلما قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله، قالت سكينة: هذا أبي أو أبوك؟

      فقالت العثمانية: لا جرم(3) لا أفخر عليكم أبداً(4).

      ويبدو أن السيدة سكينة اشتمت من كلام العثمانية التفاخر، ولعل الحديث كان حول أنها ابنة الشهيد أبي عبد الله الحسين «عليه السلام» فأرادت أن تتفاخر هي لتقول: أنا أيضاً ابنة شهيد، فسكتت السيدة سكينة لعدم رغبتها في النقاش أكان عثمان شهيداً أم لا ولكن لما سمعت المؤذن استخدمت نباهتها مستشهدة بجدها الرسول (صلى الله عليه واله وسلم).

      وكانت سلام الله عليها أديبة شاعرة لها بعض المقطوعات الشعرية  منها ما رثت بها أبيها الإمام الحسين «عليه السلام» الدالية من الخفيف والقافية من البسيط، والميمة من البسيط أيضاً، والنونية من الوافر(5)، وكان لها حس

___________
(1) راجع الجزء الثاني من ديوان الإمام الحسين من الموسوعة وقد اختلف في عدد الأبيات وما اتفق عليه هما هذان البيتان.

(2) جاء في المعارف: 198 أن لعثمان من البنات أربع بنات: أم سعيد أم أبان وأم عمرو وعائشة، ولم أجد عنهن ترجمة وافية، ولم يكن من الرواة حيث لم يرد لهن ذكر في تهذيب التهذيب، ولا بد أن تكون إحداهن وأشهرهن عائشة هي لأنها كانت أصغرهن وهي الأنسب مع عمر السيدة سكينة.

(3) لا جرم: أي لا شك وقد أجريت مجرى القسم.

(4) الأغاني: 16/150.

(5) راجع ديوان القرن الثاني: 76، 131، 180، 199.

(50)

 

أدبي شديد حيث كانت تنقد شعر كبار الشعراء على تفصيل أوردناه في محل آخر(1).

      وقد فاخرها الشاعر الأحوص الأنصاري(2) فأذن المؤذن فلما انتهى إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، قالت: هذا جدي وفخرت بالنبي.

      افتخر الأحوص بأبيه حمي الدبر(3) وخاله غسيل الملائكة(4) فغضب منه وغضب الناس وكفروه(5) وعلى أثره نفي(6) إلى جزيرة(7) دهلك(8) حيث قال من الخفيف:

____________
(1) راجع باب الشبهات.

(2) الأحوص: هو عبد الله بن محمد بن عاصم الأنصاري الضبيعي المتوفى سنة 105هـ كان شاعراً هجاءً وكان معاصراً للفرزدق وجرير، وهو من طبقة جميل بن معمر، ونصيب، من سكان المدينة.

(3) حمي الدبر: هو عاصم بن ثابت الأنصاري المستشهد في غزوة الرجيع عام 4هـ فلما قتل أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وكانت قد نذرت حين أصيب إبناها بأحد لئن قدرت على رأسه لتشربن في قحفة الخمر فمنعنهم الدبر، فلما حالت بينهم وبينه، قالوا: دعوه حتى نمسي فتذهب عنه، فبعث الله الوادي فاحتمله فذهب به فسمي حمي الدبر.

(4) غسيل الملائكة: هو حنظلة بن أبي عامر الأنصاري الخزرجي استشهد في معركة أحد في السابع من شوال سنة 3هـ، وإنما لقب بغسيل الملائكة لأنه تزوج ليلة القتال حيث دخل عل امرأته بعدما استأذن من الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) فأذن له ونزلت فيه آية (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم) [النور: 62] واسرع إلى القتال دون أن يغتسل للجنابة فاستشهد فقال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صحاف فضة بين السماء والأرض.

(5) لعل تكفيرهم له كان على الافتخار بجده خاله على الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) والذي هو جد السيدة سكينة «عليه السلام».

(6) لا أظن أن سليمان بن عبد الملك الأموي نفاه لأجل ذلك بل لأنه كان هجاءً فعرفه الناس فشكوه حيث كان مقرباً إلى الأمويين وشاعرهم الذي مدحهم وكان إلى جانب ذلك يجاهر بشرب الخمر، وهجا الأنصار وقريشاً ويسعى للشر بل كان محباً للنساء والغلمان ولا يمنعه أي وازع في هذا السبيل، وقد نكل بعدد من الناس راجع مقدمة ديوانه الذي جمع باسم شعر الأحوص الأنصاري.

(7) جزيرة دهلك: تقع في البحر الأحمر اليوم تابعة ادارياً لاريتريا، وكان بنو امية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها- راجع معجم البلدان: 2/492.

(8) راجع شعر الأحوص الأنصاري: 11 نقلاً عن الأغاني.

(51)

 

فخرت وانتمت فقلت ذريـــني            ليــــــــــــــــس جـهل أتيته ببديع

فأنا ابن الذي حمت لحمه الدبـ            ـر قتيل اللحــــــــيان يوم الرجيع

غسلت خالي الملائـــــكة الأبـ            ـرار ميتاً طوبى له من صريع(1)

 

      ومن أخبارها رؤياها في فضل أبيها في ليلة الخميس من صفر سنة 61هـ وهي في دمشق أوردناها في باب الرؤيا(2).

      ومن صفاتها أنها كانت كريمة الطبع متصفة بالجود. وجاء في ذلك أنها كانت من سادات النساء وأهل الجود والفضل(3)، وذات يوم علمت بأن أخاها الإمام علي بن الحسين السجاد «عليه السلام» قد عزم على الخروج إلى الحج أو العمرة فاتخذت له سفرة(4) أنفقت عليها من مالها الخاص ألف درهم(5) وارسلتها إليه، فلما كان «عليه السلام» بظهر الحرة(6) أمر بها ففرقت في الفقراء والمساكين(7).

      وكان السجاد «عليه السلام» يحترمها ويراعي حقوقها فلما باع «عليه السلام» عين نحيس(8) بذي خشب(9) للوليد بن عتبة بن أبي سفيان(10): ليسدد دين أبيه الحسين «عليه السلام» استثنى منها سقي ليلة السبت لاخته سكينة(11).

________
(1) شعر الأحوص الأنصاري: 139.

(2) راجع الرؤيا مشاهدات وتأويل: 1/313 من دائرة المعارف الحسينية هذه.
(3) الأئمة الإثنا عشر: 72.

(4) السفرة: الزاد.

(5) الدرهم يعادل ستة دوانق والشرعي منه يعادل نصف دينار شرعي وخمسه.

(6) الحرة: أراد بها  حرة واقم القريبة من المدينة والتي أصبحت الآن جزءاً منها.

(7) راجع نفس المهموم: 481 عن تذكرة الخواص: 184.

(8) عين نحيس: إنما سميت بذلك كما ورد في المصدر: أنه كان لأبي عبد الله الحسين «عليه السلام» عبد رومي يقال له نحيس استنبط عيناً بذي خشب فعرفت بإسمه، وقيل «بجنس».

(9) ذو خشب: واد على مسيرة ليلة من المدينة.

(10) الوليد بن عتبة بن أبي سفيان الأموي: ولي المدينة من قبل معاوية بن أبي سفيان ما بين 57- 60هـ وقد وليها بعد عمرو بن سعيد بن العاص الأموي، ثم من بعده عمرو بن سعيد الأشدق بالنيابة عنه ثم عثمان بن محمد الأموي. توفي الوليد بالطاعون سنة 64هـ.

(11) نفس المهموم: 481 عن مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/143.

(52)

 

      وقد وقعت في سلسلة  الرواة  حيث روت عنها فاطمة بنت الإمام علي ابن الحسين «عليه السلام» عنها وعن اختها فاطمة ابنة الحسين «عليه السلام»، وهي بدورها روت عن أم كلثوم الكبرى بنت علي وفاطمة «عليه السلام» حيث أسرار الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وأنه مكتوب على باب الجنة: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي القوم»(1) والحديث طويل يراجع في مظانه. ومما روته عن أبيها(2) الحسين «عليه السلام» أنه قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): حملة القرآن عرفاء أهل الجنة(3)، وقد رواها فائد المدني(4) عنها(5).

      ويذكر أن السيدة سكينة كانت من اللاتي يرحل إليهن، حيث كان لها مجلس علم، وقيل إن الإمام الشافعي(6) أحد الأئمة الأربعة حضر مجلسها(7).

      وعدها أرباب الرجال من الرواة الثقات(8).

      ومن اخبارها أن جماعة من أهل الكوفة وصلوا المدينة فطلبوا الإذن بالدخول عليها فتذكرت ما جرى في الكوفة من المآسي حيث قتل جدها علي فيها، وقتل الموالون لنبي أمية من أهل الكوفة أباها واخوانها فقالت

____________

(1) بحار الأنوار: 65/76 عن كتاب المسلسلات.

(2) وفي نسخة: «أمها» أي الرباب بنت امرىء القيس.

(3) وفي نسخة باضافة «يوم القيامة».

(4) فائد المدني: هو مولى عبادل بن عبيد الله بن أبي رافع- مولى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ذكره ابن حجر وقال إنه ثقة.

(5) تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 69/205، وقد روى الحديث من دون اسناد إلى الحسين «عليه السلام» الهندي في كنز العمال: 1/514 ح2289.

(6) الشافعي: هو محمد بن إدريس بن العباس القرشي (150- 204هـ) أحد الأئمة الأربعة من أهل السنة، ولد في غزة، وتوفي في مصر، عرف اتباعه بالشوافع نسبة إليه. من مؤلفاته: الأم، المسند، واحكام القرآن.

(7) مقال للشيخ يوسف ابن عبد الله الأنصاري. موقع اسلام اون لاين نت بتاريخ 23/01/ 2003م.

(8) راجع أعيان الشيعة: 3/492 عن الأغاني إلا أن في الحديث بعض ما ينكر، أو بعض ما لا يعتمد فنقلنا ما لا ضير فيه.

(53)

 

أيتمتموني وأرملتموني(1) حيث كانت سلام الله عليها مدة حياتها حزينة على من استشهد في الطف فلقد قتلوا كل اعزتها أباها وزوجها وإخوتها واقاربها ولم يبقوا لها إلا أخاها السجاد «عليه السلام».

      وأما بالنسبة إلى وفاتها فمن المرجح أنها توفيت في المدينة وهو المشهور بين المؤرخين(2) والقول في غيرها بحاجة إلى دليل ولا يكفي مجرد الأدعاء، فأما من قال بوجود قبر لها في دمشق في مقبرة باب الصغير(3) فقد فنده الأمين(4) في الأعيان حيث قال: أما القبر المنسوب إليها بدمشق في مقبرة الباب الصغير فهو غير صحيح لإجماع أهل التواريخ على أنها دفنت في المدينة ويوجد على هذا القبر المنسوب إليها بدمشق صندوق من الخشب كتبت عليه آية الكرسي بخط مشجر رأيته وأخبرني الثقة العدل الورع الزاهد العابد الشيخ عباس القمي(5) النجفي الذي هو ما هر في قراءة الخطوط الكوفية بدمشق في رجب أو شعبان سنة 1356هـ أن الاسم المكتوب بآخر الكتابة التي على الصندوق سكينة بنت عبد الملك، لا شك ولا ريب، وكسر ما بعد لفظة الملك، فالقبر إذاً لإحدى بنات الملوك(6) المسماة سكينة»(7) وذكر بعضهم أنها عادت إلى دمشق(8) ولكن قوله هذا مبتني على أن هذا القبر الذي

_____________
(1) تقريب التهذيب لابن حجر مادة سكينة.

(2) راجع المعارف لابن قتيب: 214، تذكرة الخواص: 280 الوفيات: 2/396، الكواكب الدرية للمناوي: 1/58، تهذيب الأسماء للنوري: 1/163، اعيان الشيعة: 3/492، مرآة الجنان: 1/253، نور الأبصار: 312 عن مشارق الأنوار لعبد الرحمان الأجهوري: «والأكثرون على أنها ماتت في المدينة». والطبقات الكبرى: 8/475.

(3) باب الصغير يقع في محلة الشاغور بدمشق راجع باب المراقد من هذه الموسوعة الجزء الخامس.

(4) الأمين: هو محسن بن عبد الكريم العاملي الحسيني (1284- 1371هـ) ولد في شقراء جنوب لبنان، وتوفي في دمشق، ودفن بجوار مرقد السيدة زينب «عليها السلام»، من اعلام الإمامية، من مؤلفاته: الحصون المنيعة، ديوان الرحيق المختوم، وكشف الارتياب.

(5) عباس القمي: هو ابن محمد رضا (1294- 1359هـ) ولد في قم وتوفي في النجف، من محدثي الإمامية، ومن مؤلفاته: مفاتيح الجنان، سفينة البحار، وكحل البصر.

(6) لم نتمكن من معرفة سكينة ابنة لأحد الملوك وبالأخص الشاميين منهم.

(7) أعيان الشيعة: 3/492.

(8) راجع: الأئمة الاثنا عشر: 72.

(54)

 

بدمشق لها ولذلك قال: «وان قبرها بها». ولكنه يعود ويؤكد قائلاً: «والصحيح وقول الأكثرين أنها توفيت في المدينة».

      وهناك من يدعي بأنها توفيت في مكة(1) حيث تذكر بعض المصادر نسبة إلى العامة أنها توفيت في مكة في طريق العمرة(2) وليس في نقله ما يعتمد.

      وقيل في مراغة مصر بقرب مرقد السيدة نفيسة في القاهرة(3). وما أورده ابن بطوطة(4) في رحلته لدى حديثه عن الكوفة: «وبمقربة منه- قبر مسلم ابن عقيل- قبر عاتكة وسكينة ابنتي الحسين «عليه السلام»»(5) لم يؤيد بدليل ولا وجود لما ذكره على أرض الواقع.

      وسنأتي على بيان تفاصيل المرقد السكيني في باب المراقد إن شاء الله تعالى(6).

      وجاء في بعض المصادر أن والي المدينة خالد بن عبد الملك(7) لما

__________
(1) نور الأبصار: 312.

(2) شذرات الذهب في أخبار من ذهب: 1/154، تذكرة الخواص: 280 بدون أن يسنده إلى مصدر.

(3) نور الأبصار: 312 عن طبقات الشعراني، وطبقات المناوي.

(4) ابن بطوطة: هو محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي (703- 779هـ) ولد في طنجة وتوفي بها استغرقت رحلته زهاء ثلاثين سنة، انطلق من طنجة في المغرب فحج بيت الله الحرام فزار شمال أفريقيا والشام وفلسطين والعراق وتركيا وإيران، وآسيا الصغرى وافريقيا الشرقية وبلاد ما وراء النهر وافغانستان والهند وجزائر الملديف والصين وسيلان والسنغال وسومطرة ومصر وغيرها.

(5) تحفة النظار (رحلة ابن بطوطة): 231.

(6) جاء في مشاهد العترة الطاهرة: 144 أن في طبرية في غور الأردن قبر ينسب إلى سكينة بنت الحسين «عليه السلام» وفي صفحة 195 ذكر بأن في الكوفة قبر باسم السيدة سكينة بنت الحسين «عليه السلام»، وجاء في معجم البلدان 4/19 «وفي ظاهر طبرية قبر يرون أنه قبر سكينة، والحق أن قبرها في المدينة».
(7)  خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم وجاء في المصدر خالد بن عبد الله وليس بصحيح. ولي المدينة سنة 114هـ، وتولاها مع مكة من قبل ابن عمه هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم سنة 117هـ ثم عزله سنة 118هـ، وجاء في المصدر من قبل أخيه، وهو سهو منه، وكان منذ أن تولى ولاية المدينة حاول أن يزرع الفرقة بين أبناء الحسن «عليه السلام»وأبناء الحسين «عليه السلام»- راجع تاريخ امراء المدينة المنورة: 98. وجاء في الأغاني: 16/ 151 «إن سكينة كانت تجيء في ستارة يوم الجمعة، فتقوم بازاء ابن مطيرة، وهو خالد بن عبد الملك بن الحارق بن الحكم، إذا صعد المنبر فإذا شتم علياً، شتمته هي وجواريها، فكان يأمر خالد الحرس فيضربون جواريها» ولا نعرف صحة ما ورد في الأغاني بشكل عام.

(55)

 

توفيت سكينة «عليه السلام» قال انتظروني حتى أصلي عليها وخرج في حاجة فخافوا عليها أن تتغير فاشتروا لها كافوراً بثلاثين ديناراً ثم صلوا عليها ودفنوها(1).

      وقيل في شدة عداء خالد لأهل البيت «عليهم السلام» أنه أجل تجهيز السيدة سكينة بنت الحسين «عليه السلام» حيث أرسلوا إليه فآذنوه بالجنازة، وذلك في أول النهار في حر شديد، فأرسل إليهم، لا تحدثوا حدثاً حتى أجيء فأصلي عليها، فوضع النعش في موضع المصلى على الجنائز وجلسوا ينتظرونه حتى جاءت الظهر، فأرسلوا إليه، فقال: لا تحدثوا فيها شيئاً حتى أجيء، فجاءت العصر، ثم لم يزالوا ينتظرونه حتى صليت العشاء، كل ذلك يرسلون إليه، فلا يأذن لهم حتى صليت العتمة ولم يجىء، ومكث الناس جلوساً حتى غلبهم النعاس، فقاموا فأقبلوا يصلون عليها جمعاً جمعاً وينصرفون، فقال علي بن الحسين «عليه السلام»: من أعان بطيب رحمه الله! قال: وإنما أراد خالد بن عبد الملك، فيها ظن قوم أن تنتن. قال: فأتي بالمجامر(2)، فوضعت حول النعش، ونهض ابن أختها محمد بن عبد الله العثماني، فأتى عطاراً كان يعرف عنده عوداً، فاشتراه منه بأربعمائة دينار ثم أتى به، فسجر(3) حول السرير، حتى أصبح وقد فرغ منه، فلما صليت الصبح أرسل إليهم، صلوا عليها وادفنوها. فصلى عليها شيبة بن نصاح، وذكر أن عبد الله بن الحسن(4) هو الذي ابتاع لها العود بأربعمائة(5) وإذا

___________

(1) راجع تذكرة الخواص: 280، وفيه أن شيبة بن نصاح المخزومي- قاضي المدينة- صلى عليها، وهذا لا ينافي بأن يكون الإمام الصادق «عليه السلام» قد صلى عليها، راجع أيضاً الطبقات الكبرى: 8/75.

(2) استجمر: أي تبخر بالعود.

(3) سجر: أوقد.

(4) عبد الله بن الحسن: إن اريد به ابن الإمام الحسن «عليه السلام» فإنه كان قد استشهد في كربلاء فكل العبادلة الثلاثة قتلوا في كربلاء، ولا يخفى أن الذي يتبادر إلى الذهن من كلام زوجها عبد الله الأكبر ابن الحسن السبط «عليه السلام» ولكن سبق وقلنا إنه استشهد في كربلاء، وان أريد بذلك عبد الله بن الحسن المثنى الملقب بالمحض (70- 145هـ) فهو ممكن.

(5) الأغاني: 16/182.

(56)

 

صحت الرواية فإن هذا يعني أن وفاتها كانت في الصيف وهو ما بين أواخر شهر حزيران إلى أواخر شهر أيلول من سنة 735م والذي يتطابق مع شهر جمادى الثانية إلى نهاية شعبان من عام 117هـ.

      والظاهر أنها دفنت في بقيع الغرقد(1) بل هو القول المرجح الذي لا غبار عليه، وما قيل بأنها دفنت في طبرية(2) أو القاهرة(3) لا يمكن الاعتماد عليه، وسنأتي لنتحدث عن قبرها في تاريخ المراقد إن شاء الله تعالى.

___________
(1) راجع الطبقات الكبرى: 8/475.

(2) راجع المساجد في الإسلام: 117 عن معجم البلدان: 4/19 حيث يقول: «وفي ظاهر طبرية قبر يزعمون أنه قبر سكينة، والحق أن قبرها في المدينة».

(3) اعتماداً على ما ورد بأنها سافرت إلى القاهرة مع عمتها زينب بنت علي وفاطمة «عليه السلام» حيث جاء في اخبار الزينبيات: 119 «روى الحسن المثنى: لما خرجت عمتي زينب من المدينة خرج معها من نساء بني هاشم فاطمة ابنة عمي الحسين واختها سكينة».

(57)