معجم  أنصار الحسين عليه السلام  (النساء) (الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (النساء) (الجزء الثاني)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

      فقال «عليه السلام»: ما أحسن ما قال أبوك، تذل الأمور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير(1).

      ومما يذكر في هذا المقام عن شقيقتها أو شقيقتيهما فقد ذكرت أكثر المصادر أن شاه زنان وردت المدينة ومعها أختها فزوج الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» إحداهما لنجله الإمام الحسين «عليه السلام» والذي اخترنا أن تكون شاه زنان، وزوج الأخرى لمحمد بن أبي بكر فأنجبت الأولى للحسين علي السجاد «عليه السلام» وأنجبت الثانية لمحمد القاسم، وهما ابن خالة(4) وهناك من هذب إنهن كن ثلاثاً(5) فأعطى الحسين «عليه السلام» واحدة، ومحمد ابن أبي بكر واحدة، وقيل أعطى الثالثة الحسن بن علي أو عبد الله بن عمر(6) ولعلهن كن أربعاً والله العالم(7).

____________

(1) الارشاد للمفيد: 1/302.

(2) راجع مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/49، الارشاد للمفيد: 2/137، وجاء في إمام حسين در إيران: 3 «كان بين اسرى الفرس فتاتان من بنات يزدجر الثالث الأولى باسم شهربانو والثانية باسم كيهان بانو والتي تعرف اليوم باسم «جهان بانو» فأعطى شهربانو لابنه الحسين بينما أعطى كيهان بانو لمحمد بن أبي بكر.

(3) راجع دلائل الإمامة: 82 وقال: «وخيرت أختها مرواريد فاختارت الحسن بن علي «عليه السلام».

(4) عيون أخبار الرضا: 2/136.

(5) راجع ناسخ التواريخ قسم حياة السجاد: 1/17، وفيات الأعيان: 3/267.

(6) جاء في شذرات الذهب: 105 «فأخذهن علي فدفع واحدة لعبد الله بن عمر وأخرى لولده الحسين وأخرى لمحمد بن أبي بكر فولدن سالما وزين العابدين والقاسم بن محمد فهم بنو خالة وكان أهل المدينة يكرهون السراري حتى نشأ فيهم هؤلاء الثلاثة وفاقوا فقهاء المدينة ورعاً فرغبت الناس في السراري»، راجع أيضاً وفيات الأعيان: 3/267 و4/59.

(7) جاء في ناسخ التواريخ قسم حياة الإمام السجاد: 1/17 نقلاً عن روضة الصفا: إن شهربانو تزوجت من علي بن الحسين، وكيهان بانو تزوجت من محمد بن أبي بكر، ولعل مرواريد كانت زوجة الإمام الحسن «عليه السلام» كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وربما كانت جهان بانو زوجة عبد الله بن عمر.

(122)

 

ومن جهة أخرى فإن الدربندي(1) ذهب إلى الإمام الحسين «عليه السلام» تزوج اثنتين من بنات يزدجرد الساساني الأولى شاه زنان والتي أنجبت له علي السجاد «عليه السلام» وبعد وفاتها في نفاسها من الإمام السجاد «عليه السلام» تزوج شقيقتها شهربانو وقد أنجبت له زبيدة والتي زوجها لابن أخيه القاسم بن الحسن «عليه السلام»(2) على تفصيل أوردناه في ترجمة زبيدة(3) وقد فندنا تزويج الحسين «عليه السلام» من أخت أم السجاد «عليه السلام» وزواج القاسم بن الحسن من زبيدة بنت الحسين «عليه السلام»، واحتمال الخلط بينها وبين المربية للإمام السجاد «عليه السلام» وارد أيضاً.

      ولا يهمنا من هذا إلا ما يرتبط بشخصية شاه زنان التي عرفت بها أم الإمام علي بن الحسين السجاد «عليه السلام» حيث جميع المعطيات تجعلنا نرجح ما اخترناه من تحديد الاسم وطريقة الوصول إلى المدينة وتاريخه، واما سائر الأقوال والاحتمالات فهو من الشاد الذي بحاجة إلى ما يؤيده.

      والقول بوفاتها في نفاسها هو الذي اخترناه حيث لم نجد من أنكره إلا قولاً شاذاً لا يعتنى به وسوف نشير إلى ذلك لدى الحديث عن وفاتها.

      أما بالنسبة إلى تاريخ ورود السبي إلى المدينة فقد اختلف المصادر إلى ثلاثة أقوال:

      1- في عهد عمر بن الخطاب عام 22هـ(4).

_______________
(1) الدربندي: هو آغا بن عابد بن رمضان الحائري (1208- 1285) ولد في دربند بايران، سكن كربلاء، توفي في طهران، ودفن في كربلاء، من علماء الإمامية وفقهائهم، من آثاره: خزائن الاصول، خزائن الأحكام، والقواميس في علم الرجال، واشتهر بكتابه أسرار الشهادة.

(2) أسرار الشهادة: 2/317.

(3) أسرار الشهادة: 2/317.

(4) دلائل الإمامة: 82، شذرات الذهب: 105، الكافي: 1/467 برواية الإمام الباقر «عليه السلام»، بصائر الدرجات: 355.

وجاء في كتاب إمام حسين در إيران: 3 ما ترجمته أن علياً «عليه السلام» كان يعرف اللغة الفارسية الهلوية (القديمة) حيث إن المدائن عندما سقطت بأيدي المسلمين عام 19هـ واسروا من أسروا وكان فيهم فتاتان من بنات الملك الساساني يزدجر الثالث والتي هما شهربانو وكيهان بانو والتي عرفت الثانية فيما بعد بـ«جهان بانو»، زوج علي «عليه السلام» شهربانو من ابنه الحسين والذي لم يكن متزوجاً بعد، وزوج الثانية لمحمد بن أبي =

(123)

 

      2- في عهد عثمان بن عفان عام 30هـ(1).

      3- في عهد علي بن أبي طالب عام 37هـ(2).

      أما القول الأول فلا يتطابق مع تاريخ حكومة يزدجرد الثالث حيث تصرح المصادر الفارسية التي هي أكثر دقة كما المصادر العربية بأنه قتل سنة 30هـ في مرو وبه انتهى ملك بني ساسان عام 30هـ(3)، ومن جهة أخرى فإن فتح خراسان كان سنة 30هـ(4) وهو بعد عهد عمر بن الخطاب، ومن هنا استبعد المجلسي هذا القول ورجح القول الثاني حيث قال: إن هذا الخبر- ورودهم أيام عمر- يخالف الخبر السابق- ورودهم أيام عثمان- وذاك أقرب إلى الصواب إذا الظاهر أن أسر أولاد يزدجر كان بعد قتله أو استئصاله، وذلك كان في زمن عثمان، وإن أمكن- بتكلف- أن يكون بعد فتح القادسية(5) أو نهاوند(6) فأخذ بعض أولاده هناك، لكنه بعيد- جداً- ولا

___________
= بكر، وكان علي يتحدث معهم باللغة الفارسية وصرف علي على أسرى الساسانيين من ماله الخاص، وكان ابنائه وبالأخص الحسين يعرف اللغة الفارسية أيضاً.

(1) عيون أخبار الرضا «عليه السلام»: 2/136 برواية الإمام الرضا «عليه السلام»، وسر السلسلة العلوية: 45 ويؤكد أن ولادة الإمام السجاد «عليه السلام» كانت في سنة 33هـ لسنتين بقيتا من أيام عثمان بن عفان، ونقول لعل الرواية التي تروى بأنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة علي «عليه السلام» أي سنة 38هـ هو تصحيف لهذه الرواية وربما لأنهم ذكروا الخليفة بصفة أمير المؤمنين فظن الموالون أن المراد به علي بن أبي طالب «عليه السلام» والحال أن الراوي أراد به عثمان بن عفان، وهذا بالفعل ما فعله ابن أي الثلج البغدادي حيث قال إنه «عليه السلام» ولد قبل وفاة أمير المؤمنين بسنتين- راجع تاريخ الأئمة: 9، وجاء في مقاتل الطالبيين: 87، أنه ولد في عهد عثمان بن عفان.

(2) الارشاد للمفيد: 2/137، التتمة في تواريخ الأئمة: 85، إعلام الورى: 1/480 والمستجاد من كتاب الارشاد: 406.

(3) الأخبار الطوال: 141، وقيل سنة 31هـ، والظاهر أن ذلك كان في نهاية سنة 30 وبداية سنة 31هـ. فرهنك فارسي: 6/332، أنه قتل سنة 651م (31هـ).

(4) جاء في فتوح البلدان: 390 «أن عثمان ولى عبد الله بن عامر البصرة سنة 28هـ ثم غزا خراسان سنة 30هـ»، راجع أيضاً موسوعة خلفاء المسلمين: 1/5.

(5) القادسية: تبعد عن الكوفة نحو 85 كليو متراً، وفيها وقعب حرب بين المسلمين والدولة الساسانية عام 14.

(6) نهاوند: تقع غربي مدينة كرمنشاه بإيران وقعت بين المسلمين والساسانيين، فتحت من قبل المسلمين سنة 21هـ.

(124)

 

ريب في أن تولد علي بن الحسين «عليه السلام» منها كان في أيام خلافة أمير المؤمنين «عليه السلام»، ولم يولد منها غيره كما نقل، وكون الزواج في زمن عمر- ابن الخطاب- وعدم تولد ولد منها إلا بعد أكثر من عشرين سنة بعيد، ولا يبعد أن يكون عمر- ابن الخطاب- في هذه الرواية تصحيف عثمان(1).

      وقول المجلسي «ولا ريب في أن تولده منها كان خلافة علي بن أبي طالب «عليه السلام»» محل نظر فإن هناك من ذكر بأن ولادته كانت سنة 33هـ(2) أي أيام عثمان بن عفان،وهذا يعني أنه لم يكن يفصل بين الزواج والولادة وعندئذ يرتفع استغراب امتداد فترة كونها حائلا أما القول الثالث: فهو الآخر بعيد كل البعد لأمرين، الأول: إن عام 37هـ كان فيه علي «عليه السلام» في العراق حيث ترك المدينة في سنة 36هـ وتوجه نحو البصرة إذا إن حرب الجمل وقعت في 5/6/36هـ، ووصل الكوفة في 5/7/36هـ واتخذها عاصمة له، ولم يذكر المؤرخون أنه رجع إلى المدينة ليرد السبي عليه هناك، ومن المستبعد أن يترك الإمام الحسين «عليه السلام» زوجته في المدينة لتلد هناك، إلا على ما ذهب إليه المقرم من أنها لم تكن مسبية حيث يقول: «ولم يظهر أنهما مسبيتان ولعل رغبتهما في الاتصال بالمسلمين مكن الولاة  من الوصول إليهما»(3) ولكن يبقى الاشكال وارداً: أين استقبل علي «عليه السلام» إبنتي الملك الساساني في الكوفة أم في المدينة؟ وأين كان زواج الحسين «عليه السلام» منها في الكوفة أو المدينة؟ إلا إذا قيل إنهن وردن المدينة أوائل سنة 36هـ‘ قبل توجهه إلى العراق، وظل الحسين «عليه السلام» في المدينة إلى عام 38هـ مع زوجته شاه زنان، وهذا يناقض قولهم وردوهن سنة 37هـ على علي «عليه السلام» ومشاركة الإمام الحسين «عليه السلام» في حرب الجمل وغيره، إلا إذا قيل إن السيدة شاه زنان أرسلت أو بقيت في المدينة، وهي أمور بعيدة عن الواقع(4).

___________
(1) بحار الأنوار: 46/10.

(2) راجع معجم الأنصار (الهاشميون): 2/345 نقلاً عن تحفة الأزهار: 2/135، دوائر المعارف: 26 نقلاً عن التحرير والمنتهى، وابن عساكر وغيرها.

(3) الإمام زين العابدين: 12.

(4) جاء في حياة الإمام زين العابدين لباق شريف القرشي: 1/36، «من المقطوع به أن الإمام الحسين «عليه السلام» وأفراد عائلته كانوا مع الإمام أمير المؤمنين في الكوفة ولم يقم أي أحد منهم في يثرب طيلة خلافته».

(125)

 

      نعم يصح ذلك على ما نقله ابن العماد الحنبلي(1) بأن السجاد «عليه السلام» ولد في الكوفة(2)، ولكنه تفرد بذلك ونظن أنه اثبته عن طريق المحاسبة لا النقل حيث علم أن الإمام الحسين «عليه السلام» انتقل مع أبيه إلى الكوفة وكان في تاريخ 37 أو 38هـ في الكوفة فلذلك وجد أن المفروض أن تكون ولادته في الكوفة، وهذا ينافي كل أقوال المؤرخين في وفاتها في المدينة مضافاً إلى أن قوله بولاة السجاد «عليه السلام» في الكوفة لا ينافي أن وصول السبايا كان إلى المدينة لأنه يصرح بذلك فلا يثبت المطلوب بأن وصولها كان في عهد الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» في الكوفة.

      وهناك تجد التناقض في النص الواحد حيث يقولون بولادة الإمام السجاد «عليه السلام» سنة 38هـ في المدينة(3).

      والاعتماد على كون الناقل هو الشيخ المفيد(4) ليس بالصحيح لأنه كان مجرد ناقل ولم يحقق في نقله إذ قد تجد فيه ما لا يتطابق مع الواقع، ولم يصرح هو بأن كل ما نقله هو الصحيح، وفي ظل وجود روايات أخرى تطابق الواقع ولا توجب التناقض هو الأولى.

      وأما القول الثاني والذي نعتمده لأنه المروي عن الإمام الرضا «عليه السلام» أولاً(5) ولأنه لا يتناقض مع أية حادثة ترتبط بهذه القضية من بعيد أو قريب، وبالأخص بالشكل الذي أوردناه وما روايات الآخرين في أيام عمر بن الخطاب إلا من الخلط بين وصف الحاكم بأمير المؤمنين والذي كان يلقبون به وبالأخص بعد أبي بكر، ومن جهة أخرى إضافة الرواي توضيح

___________
(1) ابن العماد الحنبلي: هو عبد الحي بن أحمد بن محمد (1032- 1089هـ) ولد في دمشق وتوفي في مكة في سفرة حج كان من علماء الحنبلية من آثاره: متن المنتهى، وعرف بكتابه شذرات الذهب في أخبار من ذهب.

(2) شذرات الذهب: 1/104.

(3) راجع تاج المواليد: 112.

(4) المفيد: هو محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (336- 413هـ) ولد في عكبراء بالعراق، وتوفي في بغداد، من أعلام الإمامية، من آثاره: أصول الفقة، الأمالي، والمقنعة.

(5) راجع عيون أخبار الرضا «عليه السلام»: 2/135 وقد سبق وأشرنا إليها وسنأتي على إيراد كامل نصها.

(126)

 

 

الخليفة في بعضها بأنه عمر والذي أربك القارىء وهذا الأمر وارد في كثير من الروايات التي يختلط فيها الأصل بالشرح.

      وبالتالي فإن وجوه التصحيف بالنسبة إلى القول ربما تكون في التالي:

      1- أن يكون في الأصل «خليفة عمر» بالاضافة، ولدى النقل أو النسخ صورت المفردة الأولى بالالف واللام فاصبح «الخيلفة عمر».

      2- أو أن الأصل كان «خليفة عمر» فاسقطت الأولى للاختصار أو التخفيف فقالوا «عمر» لوحده.

      3- إن الأصل لم يكن في اسم للخليفة، بل كان الحديث عن وصول سبي فارس ولما اشتهر بأن عمر بن الخطاب هو الذي فتح فارس فأضاف الراوي أو الناقل أو المستنسخ اسم الخليفة لمزيد التوضيح وأخذ بما هو المشهور دون التحقق من أن أي الفتوحات هو المقصود إذ إن الفتوحات استمرت إلى نهاية عهد عثمان.

      4- أو إن النص كان ورود السبي على الخليفة فاضيف عهد عمر لاشتهار فتوحاته.

      5- أو إن في النص كان أمير المؤمنين فاختلط الموالي أن المقصود به هو علي بن أبي طالب «عليه السلام».

      وعلى كل فإن قول الوسط هو الخيار الوسط الذي يتوافق جميع المعطيات ولا يناقض بعضها مع البعض الآخر.

      وهنا لا بأس بالاشارة إلى أن الثوابت هو أن والد السيدة شاه زنان هو الملك الساساني يزدجرد الثالث آخر ملوك هذه السلالة الفارسية والحياد عنه لا يمت إلى الحقيقة بصلة حيث كان يقال(1) لعلي بن الحسين «عليه السلام» ابن الخيرتين لأن أمه كانت من ولد يزدجرد، وروي عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم): من عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريش، ومن العجم فارس(2)(3).

____________
(1) وفي بحار الأنوار: 46/4 «وكان يقول علي بن الحسين».ط

(2) وجاء في فارس نامه: 4 قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم): «إن لله خيرتين من خلقه من العرب قريش ومن العجم فارس فيقال الفرس: قريش العجم بمعنى أن شرفهم في العجم كشرف قريش في العرب»، وجاء فيه أيضاً: «إنما يفخر الحسينيون على الحسنيين لأن جدتهم كانت شهربانويه فهي كرام من الطرفين».

(3) ربيع الأبرار: 1/402.

(127)

      وقد أنشأ أبو الأسود الدؤلي(1) من الطويل:

وان غلاماً بين كسرى وهاشم      لأكرم من نيطت عليه التمائم(2)

      أراد الملك كسرى انوشيروان المعروف جدها، وهاشم جد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم).

      ومن باب الكلام يجر الكلام فإن هناك من طعن بالتشيع بأنه فراسي وذلك لإظهار الحسين «عليه السلام» للفرس، وهنا لا بأس بنقل ما أورده الوائلي(3) في هذا المقام حيث قال: إن من قواعد المسلم بها أن حكم الأمثال فيما يجوز أو لا يجوز واحد، وبناءً على هذا فإن العلة التي ذكرها هؤلاء الكتاب في اعتناق التشيع من قبل الفرس هو اصهار الحسين «عليه السلام» للفرس موجودة عند عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعند محمد بن أبي بكر، فقد ذكر الزمخشري وغيره من المؤرخين، «إن الصحابة لما جاؤوا بسبي فارس في خلافة الخليفة الثاني كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد فباعوا السبايا وأمر الخليفة ببيع بنات يزدجرد فقال الإمام علي «عليه السلام» إن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن، فقال الخليفة كيف الطريق إلى العمل معهن فقال: يقومن ومهما بلغ ثمنهن قام به من يختارهن فقومن فأخذهن علي فدفع واحدة لعبد الله بن عمر وأخرى لولده الحسين فأولد زين العابدين واولد محمد ولده القاسم فهؤلاء أولاد خالة وأمهاتهم بنات يزدجرد(4) وهنا نسأل إذا كانت

__________

(1) أبو الأسود الدؤلي: هو ظالم بن عمرو بن سفيان الكناني (1ق.هـ - 69هـ) كان من أعلام الإمامية، ومن أبرز أصحاب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام»، من أئمة النحو والخط وعلوم أخرى تعلمها من علي «عليه السلام»، سكن البصرة وتولى إمارتها في أيام علي «عليه السلام»، طبع أشعاره في ديوان باسمه.

(2) بحار الأنوار: 46/4، الكافي: 1/467، مرآة العقول: 6/4 والتمائم: جمع تميمة وهي خرزات تعلق على الأولاد ليتقوا العين.

(3) الوائلي: هو أحمد بن حسون بن سعيد بن حمود الليثي (1347- 1424هـ) ولد في النجف وتوفي في بغداد ودفن في صحن كميل بن زياد الواقع بين الكوفة والنجف في مقبرته الخاصة، من أشهر خطباء الإمامية له عدد من المؤلفات منها: أحكام السجون، ديوان شعره، حماية الحيوان بالشريعة الإسلامية.

(4) فجر الإسلام: 91 عن ربيع الأبرار وأضاف أحمد أمين في فجر الإسلام: «ويشك بعض الباحثين في نسبة هؤلاء البنات إلى يزدجرد، ولكن يظهر أن ليس هناك شك في أنهن من خيرة بنات الفرس، جاء في كتاب الكامل للمبرد: «وكان أهل المدينة =

(128)

 

العلة في دخول الفرس للتشيع هي مصاهرة الحسين للفرس فلماذا لا تطرد هذه العلة فيتسنن الفرس لإصهار عبد الله بن عمر لهم ومحمد بن أبي بكر كذلك؟ وكل من محمد وعبد الله أبناء خليفة كما كان الحسين ابن خليفة(1).

      وأضاف: فلماذا لا تطرد العلة هنا أيضاً وبالعكس لماذا لا يميل العرب السنة لأهل البيت الذين أمهاتهم عربية في حين نجد قسماً من العرب يبغض أهل البيت كالنواصب مثلاً هذا سؤال يوجه للعقول التي تقول ولا تفكر(2).

      وأما ما ورد في بعض المؤلفات كمؤيد لما رواه المفيد في الارشاد بأن وصول بنات يزدجر كان في عهد علي «عليه السلام» ما رواه أبو حنيفة أنه لما جيء بابنة يزدجر إلى الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» قال لها: اختاري من شئت من المسلمين.

      فأجابته: إني أريد رأساً لا رأس عليه.

      فقال «عليه السلام»: إن علياً شيخ كبير.

      فقالت: قد كلمتك بالجملة.

      وانبرى بعض الدهاقين من الفرس فطلب من الإمام علي «عليه السلام» أن يزوجها منه، فقال «عليه السلام»: ذاك إليها شاءت رفضت، وإن شاءت قبلت.

      وامتنعت ابنة يزدجر من إجابته(3).

      إن في مسألة تأييد هذه الرواية لرواية الإرشاد نظر حيث إن وجه التأييد إن كان قولها: «إني أريد رأساً لا رأس عليه» أي أريد من يكون أميراً يأمر

__________
= يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد، حتى نشأ فيهم علي بن الحسين، والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله ففاقوا أهل المدينة فقها وورغاً فرغب الناس في السراري».

(1) وفي المصدر أضاف على ما تقدم ما يلي: «بالإضافة لذلك إن كلا من يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وأمه شاه فرند بنت فيروز  بن يزدجرد ومروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، أمه أم ولد من كرد إيران»- تاريخ الخميس: 2/321.

(2) هوية التشيع: 75.

(3) حياة الإمام زين العابدين: 1/24.

(129)

 

ولا يؤمر عليه، كما أراد المصدر فهمه من العبادة فإنها لا تعني بالضرورة ذلك ربما أراد المقام المعنوي وهي الإمامة وهي حاصلة حتى في أيام عثمان.

      ومن جهة أخرى فإنه ينافي مع سائر الروايات ولا يتطابق مع التواريخ إلى غيرها من الأمور التي سبق الكلام عنها.

      ونضيف هنا أننا لم نتمكن من الحصول على هذه الرواية التي رواها عن مؤلف لأبي حنيفة والذي يستشم منه هو صاحب الأخبار الطوال، إلا أنني لم أتمكن من العثور عليها في النسخة المتداولة ولعله كان قد تعرف على نسخة لم تصلنا، وقد حاولت التوجه نحو أبي حنيفة صاحب دعائم الاسلام إلا أنني لم أعثر على هذه الرواية فيه، وقد وجدت في الهامش قد أثبت اسم كتاب الأخبار الطوال دون أن يحدد الصفحة(1).

      وأخيراً فلا يمكن الاعتماد عليها.

      ومن ناحية أخرى فإن هناك من يشير أو يصر بأنها كانت أمة فإن أراد حين الزواج فهذا يخالف كل النصوص الواردة في الباب، وإن أراد أنها كانت أسيرة فهذا ما ورد في بعض النصوص والتي اعتمدناها ولكنها لم تكن أمة بالمصطلح اللغوي والفقهي لانها لم تمتلك من قبل أحد المسلمين لأنها لم يؤخذ بشأنها القرار الذي يؤخذ بحق الأسراء المن أو الفداء أو التمليك بل حررت من قيد الأسر فلم تعد أسيرة ولا مرتهنة ولا أمة، ومن الملعوم أن مميزات الإمام الحسين «عليه السلام» أنه لم ينكح امرأة بالتمليك بل ان جميع منكوحاته كانت بعقد الزواج أي كن أحراراً.

      والموضوع يتطلب دقة علمية ودراسة موضوعية ولسنا هنا بصدد بيانه ولكن الذي لا بد من الإشارة إليه بعض الأمور والتي منها:

      1- ذكر بعض المعاصرين أن السيدة شاه زنان لم تؤسر اعتماداً على النص الثاني الذي يقول بأنها (وردت في عهد عثمان) وعلى النص الثالث

__________
(1) أبو حنيفة شخصيتان: الأولى صاحب الأخبار الطوال في التاريخ وهو أحمد بن داود الدينوري المتوفى سنة 282هـ، الثانية صاحب دعائم الإسلام في الفقه وهو النعمان بن محمد المغربي المتوفى سنة 362هـ.

(130)

 

الذي يقول بأنها (وردت في عهد علي «عليه السلام») وقد سبق وتحدثنا عن هذا ولم نعتمد ذلك لعدم ظهور ذلك من النص، ولعدم اعتماد النص الثالث من جهة واعتماد النص الأول من حيث النص فقد دون التوقيت الذي رجحنا أن يكون مطابقاً مع توقيت النص الثاني.

      2- إن الأسر بحد ذاته ليس بالعيب وإذا كان في ذلك عيب حسب بعض المجتمعات فإن ذلك هو في التمليك وهذا ما لم يحدث في حق السيدة شاه زنان ولا في حق السيدة شاه زنان ولا في حق أخواتها كما عرفت.

      3- إن أموية الأمة للشخص لا تنقص من قدره، فلماذا يصر المعاصرين على اختيار عدم الأسر كي ينفوا الرقية عنها ولا يفعلون ذلك في حق سائر الأئمة الذين كانت أمهات بعضهم إماء.

      4- إن هناك من ذهب إلى أن كون الأم تكون أمة كان يوجب النقص في المجتمعات السابقة وقد أزيل ذلك بعد أن ولدت بنات يزدجر ثلاث شخصيات  علمية واجتماعية، وإننا وإن لم نكن نؤيد  هذا التوجه إلا أننا لا بد من أن نشير إلى ذلك ما دمنا نتحدث عن السيدة شاه زنان لأنها جزء من المعادلة، فقد سبق واوردنا بالاجمال حكاية المبرد(1) عن ذلك، واقتضى الحال إيراد ما أورده بكاملة: يروى عن رجل من قريش يسم لنا قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب(2) فقال لي: من أخوالك؟

      فقلت: امي فتاة(3).

      فكأني نقصت من عينه، فأمهلت حتى دخل سالم بن عبد الله بن عمر ابن الخطاب(4) فلما خرج من عنده قلت: يا عم! من هذا؟

_____________
(1) المبرد: هو محمد بن يزيد بن عبد الله الأكبر الثمالي الأزدي (210- 286هـ)، ولد بالبصرة وتوفي في بغداد، من اعلام الإمامية، ومن أئمة الأدب والعربية، من آثاره: المقتضب، المذكر والمؤنث، ومعاني القرآن.

(2) سعيد بن المسيب: هو حفيد حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي (13- 94هـ) أحد الفقهاء السبعة في المدينة، وكانت له تجارة في الزيت، توفي في المدينة.

(3) فتاة: الأمة، الجارية وقد ورد في حديث الرسول (صلى الله عليه واله وسلم): «لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولكن ليقل فتاي وفتاتي، أي غلامي وجاريتي»[لسان العرب: 10/182].
(4) سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي (ن35- 106هـ) ولد وتوفي في المدينة، يعد أحد الفقهاء السبعة في المدينة.

(131)

 

      قال سعيد: سبحان الله! أتجهل فضل هذا من قومك؟ هذا سالم بن عبد الله بن عمر.

      قلت: فمن أمه؟

      قال سعيد: فتاة.

      ثم أتاه القاسم بن محمد بن أبي بكر(1)، فجلس ثم نهض، قلت له: يا عم! من  هذا؟

      قال سعيد: أتجهل من أهلك مثله؟ ما اعجب هذا؟ هذا القاسم بن محمد بن أبي بكر. .

      قلت: فمن أمه؟

      قال سعيد: فتاة.

      فامهلت حتى جاءه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(2) فسلم عليه، ثم نهض، قلت: يا عم! من هذا؟

      قال سعيد: هذا النص لا يسع مسلماً أن يجهله، هذا علي بن الحسين ابن أبي طالب.

      قلت: فمن أمه؟

      قال سعيد: فتاة. .

      قلت: يا عم! رأيتك نقصت في عينيك حين قلت لك إن أمي فتاة، إنما لي أسوة بهؤلاء؟

      فجللت في عينه جداً.

      وكان أهل المدينة يكرهون اتخاذ امهات الأولاد حتى نشأ فيهم علي ابن الحسين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، ففاقوا الناس فقهاً وورعاً، فرغب الناس في السراري(3).

____________
(1) القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي (37- 107هـ) ولد في المدينة وتوفي في بغداد في طريق مكة، من الفقهاء السبعة في المدينة.

(2) علي بن الحسين السجاد «عليه السلام» (33- 92هـ) ولد وتوفي في المدينة.

(3) الأئمة الإثنا عشر لإبن طولون: 76 عن الكامل للمبرد.

(132)

 

      وأرى أن ذلك ليس بالمقبول لأن الواقع لا يوافقه حيث أكثر المسلمين كانوا منذ عهد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ينكحون الإماء بدءاً بالرسول (صلى الله عليه واله وسلم) حيث إن ابنه إبراهيم كانت أمه مارية القبطية من الإماء، ولم نر حزازة من قبلهم، وهذه الرواية غير مسندة، ورايها مجهول، ولعل عدم التسمية جاءت من طعنه لسعيد بن المسيب، أو لإرادة الطعن به، ومن جهة أخرى فإنها إلى القصص أقرب منها إلى الواقع لتوارد الأشخاص الثلاثة أحدهما بعد الآخر، وإن أمكن القول بأن التوارد لم يكن في دفعة واحدة، ولماذا الاختصاص بهؤلاء فقط حيث إن أمهاتهن شقيقات(1).

      وأما بالنسبة إلى أنجابها فلم يذكر أنها انجبت غير الإمام السجاد «عليه السلام» كما صرح بذلك معظم المؤرخين، ولكن هناك من ذكر بأن شاه زنان أنجبت «زبيدة» وهي ابنة الإمام الحسين «عليه السلام»، ولكن سبق وتحدثنا لدى ترجمتها أن القائل بأنها ابنة شاه زنان لا يرى اتحادهما مع شهربانو فالأولى أم زبيدة والثانية أم الإمام السجاد «عليه السلام»وإنما تزوج الإمام الحسين «عليه السلام» شاه زنان أم زبيدة بعد وفاة شقيقتها شهربانو أم الإمام السجاد «عليه السلام» فعليه فالإمام السجاد «عليه السلام» هو أخو زبيدة وليس شقيقاً لها وقد فندنا هذا القول.

      وما يمكن أن يقال إن خولة أو زينب ابنتا ام الحسين «عليه السلام» أمهما شهربانو على بعض الاحتمالات فقد سبق وتحدثنا عن ذلك في ترجمة خولة في الجزء السابق(2) وقلنا بأن ذلك لا دليل عليه ولا يمكن الاعتماد على هذه الأقوال.

      وما يستشم من قول المستشرق بوركهارت(3) «إن الإمام الحسين «عليه السلام»

_______________________

(1) جاء في عيون الأخبار لابن قتيبة: 4/8، قال الأصمعي كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم علي بن الحسين والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبد الله بن عمر ففاقوا أهل المدينة فقهاً ودرساً فرغب الناس في السراري.

(2) معجم أنصار الحسين (قسم النساء): 1/255 حيث احتملنا عرض الصحة أنها ابنتا اخت شاه زنان فيما لو قلنا بصحة زواج الإمام الحسين «عليه السلام» من الابنة الثانية ليزدجر بعد وفاة الأولى.

(3) بوركهارت: لم نتمكن من التعرف عليه، وربما كان من اساطير المؤلف الذي عرف نفسه بالمترجم- راجع معجم المصنفات تحت عنوان «إمام حسين در إيران».

(133)

 

لم يتمكن من ارسال أحد أولاده من قبله إلى الكوفة لا ابنه علي زين العابدين ولا ابنته حور العين لأنهما كانا مريضين آنذاك فلذلك اضطر إلى ارسال ابن عمه مسلم بن عقيل»(1) بأن حور العين شقيقة الإمام السجاد «عليه السلام» فهذا من الأقوال الشاذة، بل هي من الاحتمالات التي لا أساس لها من الصحة حيث لم يدعم بدليل وسنأتي على تفاصيل ما أورده بعض المستشرقين في هذا المجال لدى الحديث عن وفاة السيدة شاه زنان إن شاء الله تعالى، ولكن علق محقق الكتاب(2) أن حور العين هو لقب فاطمة بنت الإمام الحسين «عليه السلام» من زوجته أم اسحاق عاتكة بنت طلحة بن عبيد الله التيمي والتي تزوجت من الحسن الثاني ابن الحسن السبط «عليه السلام»، وأضاف بأن المحققين الاسلاميين لا يوافقون المستشرق الألماني الرأي بأن فاطمة رحلت إلى إيران.

      لكن يرد على المحقق أنه لم يرد في المصادر الموثقة أن فاطمة بنت الحسين وعاتكة تلقب بحور العين، ولكن الذي ورد في ذلك أن الحسن المثنى عندما خطب من عمه الإمام الحسين «عليه السلام» إحدى ابنتيه فاطمة أو سكينة، قال له عمه: يابن أخي اختر أيهما شئت فاستحى الحسن وسكت، فقال له الحسين: قد اخترت لك ابنتي فاطمة فإنها أشبه بأمي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، أما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار، وأما في الجمل فتشبه الحور العين(3).

      وأما مسألة وفاتها فالمشهور بين المؤرخين أنها توفيت في المدينة ولكن هناك من قال بأنها دفنت في الكوفة، وآخر أنها دفنت في الري.

      فمن قال بأنها وردت المدينة سواء في عهد عمر بن الخطاب أو في عهد عثمان بن عفان عليه أن يقبل بأنها توفيت في المدينة إذا ما قال بأنها توفيت في نفاسها بولادة الإمام السجاد «عليه السلام» إلا القول الشاذ بأنها تزوجت في المدينة وولدت في الكوفة سنة 38هـ.

_____________
(1) إمام حسين در إيران: 28.
(2) الكتاب هو إمام حسين در إيران للمستشرق الألماني كورت فريشلر ومترجمه ومحققه هو ذبيح الله منصوري، راجع هامش الصفحة الأولى من الكتاب.

(3) فاطمة بنت الحسين للأميني: 68.

(134)

 

      أما الذي يرى بأنها وردت في عهد الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» فلا بد من القول بأنها توفيت في الكوفة إذا ما اختار أنها ماتت في نفاسها.

      أما الذي لا يقول بأنها ماتت في نفاسها ففريق ذهب إلى إلى أنها حضرت كربلاء وزوجها ابنها السجاد «عليه السلام» من أحد عبيده، ورجعت إلى المدينة وتوفيت فيها وفريق آخر ذهب إلى أنها توجهت إلى إيران بأمر زوجها الإمام الحسين «عليه السلام» قبل شهر من رحيله إلى العراق أي في أواخر شهر ذي القعدة ليلتحق بعدما يمر هو على العراق إلا أنه قتل في كربلاء وبقيت هي في مدينة الري إلى أن توفيت فيها ولها قبر معروف.

      وجاءت هذه الرواية على الشكل التالي:

      1- جاء في كتاب «سرگذشت بي بي شهربانو» المؤلف باللغة الفارسية- على الظاهر(1)- عن والدة الإمام السجاد «عليه السلام»: إن السيدة شهربانو بنت يزدجر الثالث رحلت من المدينة إلى الري بامر سيدنا الحسين «عليه السلام» وارسل معها ستة أشخاص من أصحابه المعتمدين وهم كميل بن زياد(2) وربيع بن خثيم(3) وأربعة أشخاص من بني همدان وذلك قبل وداعه لمرقد الرسول

______________
(1) التعريف عن الكتاب ومحتواه جاء بالعربية من قبل ناشر كتاب ديوان الشيخ عبد الغني الحر المتوفى سنة 1358هـ المنشور باسم عالم الاتحاد في ربيع الأول من سنة 1402هـ والمطبوع في المطبعة الإسلامية بطهران.

ولكن في آخر مقالته يذكر بأن الكتاب لغة فارسية. راجع الصفحة: 169 من ديوان الشيخ عبد الغني الحر.

(2) كميل بن زياد: هو حفيد نهيك النخعي ولد سنة 12هـ وقتل سنة 82هـ عن سبعين عاماً، من أصحاب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» ونجله الإمام الحسن «عليه السلام» وهو الذي ارتبط اسمه بدعاء كميل الذي هو دعاء الخضر «عليه السلام» الذي علمه للإمام علي «عليه السلام»، قتله الحجاج بن يوسف الثقفي على الولاء لعلي «عليه السلام» وقره ما بين النجف والكوفة.

(3) ربيع بن خثيم: هو حفيد عائذ بن عبد الله بن مرحب بن منقذ الثوري الكوفي توفي سنة 63هـ وكان من التابعين  وقيل إنه وفي عام 61هـ بعد مقتل الحسين «عليه السلام»، اشترك مع علي «عليه السلام» في حرب صفين، قيل إنه طلب مع جمع من أصحابه «عليه السلام» أن يعفوهم علي من الحرب ويرسلون إلى بعض الثغور فارسل إلى آذربايجان مدفنه في طوس خراسان وهو الذي يعرف هناك بـ خواجه ربيع، هناك من ذمه على ذلك ويقال إنه كف بصره من كثرة البكاء على مقتل الإمام الحسين «عليه السلام» رغم اعتزاله، ولما سمع بمقتل الإمام الحسين «عليه السلام» قال: لبعض من شهد مقتله الشريف: جئتم بها معلقيها، =

(135)

 

الكريم والخروج إلى العراق بشهر واحد تقريباً، فلما سم الإيرانيون بقدوم بنت ملكهم السابق وعقيلة إمامهم الحاضر أقبل الجميع من الزرادشتية والمسلمين المنزعجين- العارضين- من اضطهاد الأمويين لاستقبالها وتعاهدوا على مساعدتها بالأنفس والعتاد للقيام بالثورة ضد الأمويين الطغاة، وعندما سار الجيش- الإيراني- نحو العراق بقليل جاءهم الرسول من الكوفة بإن الإمام الحسين «عليه السلام» قد قتل هو وأصحابه في كربلاء، فعاد الوضع على ما كان عليه بالنسبة إليهم ولكن في هذه المرة اختفى كل من السيدة شهربانو واصحابها المقربين إلى جبل يعرف اليوم باسمها والذي هو قرب الري- طهران- وأقدم عمال بني أمية على وضع أحاديث ملفقة ونشروها بين ثقات الشيعة فاشاعوا بأن شهربانو ماتت في نفاس الإما علي ابن الحسين «عليه السلام»، كما روى أخرون بأنها أتلفت نفسها في الفرات بعد ركوبها فرس الإمام المسمى بذي الجناح.

      ويعزو المصدر السبب من وراء هذا الوضع أن لا تقوم للمرأة الإيرانية مكانة بين المجتمع الاسلامي وبذلك اخفوا نهضتها   ضد الظلم والطغيان الأموي، واستمروا على هذا المنحى حتى بعد وفاتها لكي لا يزار مرقدها الشريف في الري.

      ويضيف كاتب التعريف بأن المؤلف قد استند في نقله لمسيرة السيدة شهربانو على مصادر موثقة وكثيرة بلغ عددها حوالى عشرين مصدراً منها باللغة العربية والفارسية والهندية والألمانية(1).

      ولنا على ما ذكره: إن الكتاب لم نتمكن من الحصول عليه أولاً، ولم

____________

= - أي الرؤوس- ثم قال: والله لقد قتلتم صفوة لو أدركهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لقبل أفواههم وأجلسهم في حجره، ثم قرأ اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، ثم إنه شهق ثلاث مرات وسقط على الأرض مغشياً عليه ولم يرد بعده ضاحكاً بل لم يتحدث إلى أحد- راجع بحار الأنوار: 43/282. وسفينة البحار: 3/293.

(1) ديوان الشيخ عبد الغني الحر: 168 (آخر الديوان تعريف عن بعض منشورات الدار). ولعل اعتماده على المصدر الألماني هو كتاب إمام حسين در إيران لمؤلفه المستشرق الالماني كورت فريشلر والمترجم إلى الفارسية من قبل ذبيح الله منصوري.

(136)

 

نجد له ذكراً في المعاجم المطبوعة ثانياً، ولم نتعرف على مؤلفه ثالثاً ولم نعثر على هذه الرواية في المصادر التي بحوزتنا منذ القرن الأول وحتى يومنا هذا رابعاً، وتخالف الروايات المعتمدة في الباب خامساً.

      نعم هناك مرقد معروف باسم «بي بي شهربانو» وهو مرقد عامر إلى يومنا هذا يقع جنوب شرقي طهران في منطقة شهر ري «الري» في عاصمة إيران ولكن مدى صحته ومصداقيته يحتاج إلى دليل وقد بحثنا ذلك في تاريخ المراقد من هذه الموسوعة.

      2- جاء في كتاب إمام حسين در إيران: إن الحسين بن علي بعث موفده الخاص إلى الري لطلب النصرة له على بني أمية فالتقى في باغ بهار(1) بـ«گيو»(2) وتحدثوا عن ظلم يزيد واضطهاده لأتباع مدرسة أهل البيت والقوميات غير العربية، وتعاهدوا على نصرة الإمام الحسين «عليه السلام» على حكم يزيد بن معاوية واتفقوا على أنهم يعسكرون في گيلان، وآخرون في مازندران بقيادة كاران(3) بعيداً عن والي الأمويين في الري، ويلتحقوا جميعاً بالإمام الحسين «عليه السلام»، وبعد اجتماع كبار القادة في شهر جمادى الثانية من عام 60هـ (المطابق لشهر آذار 679م) يقول المستشرق مارسلين(4) إن الموفد الحسيني إلى إيران كان شهربانو زوجة الإمام الحسين

__________
(1) باغ بهار: لم يتضح لنا الموقع، وترجمة المفردة حديقة (أو بستان) الربيع، ولعله اسم لغوي ليكون مرعى الربيع، والموجود في المعاجم الفارسية «باغ بهارستان» جاء عنه في لغت نامه دهخدا: 31/458 «أنه بستان للميرزا حسين خان والذي كانت تسكن فيه زوجته قمر السلطنة، والتي هي عمة السلطان ناصر الدين القاجاري، موقعه في طهران ولا زال معروفاً بهذا الاسم حيث بني محله مجلس الشورى الإيراني، ولكن الذي يفهم من المصدر الألماني أنه كان في منطقة الري (شاه عبد العظيم).

(2) گيو: حاء في المصدر «گيو بن رستم فرخ زاد» ولكن الصحيح گيو بن گودرز، صهر رستم بن فرخ هرمزد القائد المعروف بشجاعته،  كان گيو أيضاً شجاعاً معروفاً وهو والد «بيثرن» وكان هو عمه يعشيان في أواخر العصر الساساني، وجاء في المصدر أنمه كاكن حاكماً على مازندران وگيلان.

(3) كارن: ويقال له قارن، ولله هو قارن بن وند هرمزد وهو أحد حكام آل قارن وند الذين حكموا مازندران، وقد استمر حكمهم 270 عاماً ولكن ثارن حكم أربعون عاماً.

(4) مارسلين: شخصية وهمية سنأتي على بيان ذلك.

(137)

 

وأم الإمام زين العابدين، وحال المرض دون حضور ابنها زين العابدين، وبعد أشهر عندما بدأ يتعافى توجه إلى العراق مع ابيه، إن قبول هذه الرؤيا صعبة لأن أكثر المؤرخين ذكروا بأنها توفيت في نفاسها عند ولادة زين العابدين، ومعنى ذلك أن وفاتها تأخرت نحو 38 سنة ليكون عمرها آنذاك 56سنة أو 57 سنة(1) ويضيف قائلاً: إن شهربانو توجهت إلى العراق مع گيو، وهناك أخذا يحثان الناس إلى نصرة الحسين واتخذا من سلوسي(2) مقراً لهما(3).

      ولم يذرك المصدر عن مآل السيدة شهربانو، ولكن الظاهر رجعت إلى الري بعد أن سمعت بمقتل زوجها الإمام الحسين «عليه السلام».

      3- جاء مناقب آل أبي طالب: جاؤوا بالحرم اسارى إلا شهربانويه فانها أتلفت نفسها في الفرات(4) وأضاف المقرم: إنها حين رأت تلك الجقق الزواكي تجول عليها الخيول والريح تسفي عليها بوغاء الثرى اتلفت نفسها بالفرات(5).

      4- جاء في الإمام زين العابدين للمقرم: «بقيت بعد الحسين «عليه السلام» حتى تزوجت عبد الله مولاه فولدت له زيداً»(6).

      هذه مجمل الأقوال والاحتمالات في وفاة السيدة والدة الإمام السجاد «عليه السلام» ويتفرع على ذلك زمان الوفاة ومكانه على التالي:

      1- الري: بعد عام 61هـ.

      2- كربلاء: نحو 3/1/61هـ.

      3- المدينة: بعد سنة 61هـ.

___________
(1) وهنا تحديد اجمالي لسنة ولادتها وهي السنة الثالثة من الهجرة.

(2) سلوسي: جاء في المصدر سلوسي تبعد عن الكوفة خمسين فرسخاً (22,5كم) ويعرب إلى سلوجي، لم نعثر على هذه التسمية ولعله أراد بها الحيرة، وبعض المواقع تذكر بأنها تبعد عن الكوفة نحو خمسين كيلو متراً وكانت هذه تشكل ضمن المدن السبعة المدائن (تيسفون) عاصمو الدولة الساسانية.

(3) إمام حسين إيران: 6.

(4) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 4/112.

(5) الإمام زين العابدين: 19.

(6) راجع الإمام زين العابدين: 19 عن مرآة العقول للمجلسي: 6/6.

(138)

     

      4-  الكوفة: سنة 38هـ.

      5- المدينة: بعيد 9/8/33هـ.

      إن الاختلاف في مكان وزمان الوفاة نابع عن الروايات  السابقة، وحتى نقتصر الطريق ونختصر الكلام عن ذلك فإنا قد سبق ورجحنا أنها وردت المدينة سنة 30هـ وقد اخترنا أن ولادة الإمام السجاد «عليه السلام» كانت في التاسع من شعبان سنة 33هـ، فعليه فإن القول بأنها توفيت في الكوفة سنة 38هـ مبني على القول بأن ورودها إلى بلاد المسلمين كان في عهد الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» والذي كان يسكن الكوفة، ومما يستبعد هذا القول قولهم إن السيدة شاه زنان كانت أولى زوجات الإمام الحسين «عليه السلام» فإذا كان زواجه منها سنة 37 أو 38هـ في الكوفة فهذا يعني أن الإمام الحسين «عليه السلام» الذي ولادته سنة 4هـ بقي عازباً إلى عام 37هـ فإذا طرح منه 16 سنة فالباقي 21 سنة فترة العزوبية وهذا مستبعد في ظل الأجواء الإسلامية والاجتماعية آنذاك، وقد فصلنا عن زوجات الإمام الحسين «عليه السلام» وتاريخ زواجه منهن فلا نعيد الكلام عن ذلك.

      وأما القول بأنها توفيت في كربلاء وذلك باتلاف نفسها في الفرات من شدة الحزن، فإن هذا ينافي وصية الإمام الحسين «عليه السلام» لأهله أولاً وينافي  مقامها ثانياً، فإن أقل منها شأناً تدرك  بأن إتلاف النفس لا يجوز، ونظن والله العالم أن هذا القول هو من وضع أعداء أهل البيت «عليه السلام» وإنما قيل لأجل الطعن بهم، ومن جهة أخرى فإنه ينافي ما ورد في مقبولة سهل بن القاسم النوشجاني(1) الذي التقى الإمام الرضا «عليه السلام» بخراسان عندما وصلها سنة 201هـ بأمر المأمون العباسي(2) فقال له الإمام: إن بيننا وبينكم نسباً.

      قال سهل: وما هو أيها الأمير؟

      قال «عليه السلام»: إن عبد الله بن عامر بن كريز لما افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجرد بن شهريار ملك الأعاجم فبعث بهما إلى عثمان بن عفان،

__________
(1) سهل بن القاسم النوشجاني: من أصحاب الإمام الرضا «عليه السلام» (148- 204هـ) الراوين عنه، من أهل خراسان على الظاهر وسيأتي بعض التفاصيل عنه.

(2) المأمون العباسي: هو عبد الله بن هارون الرشيد (170- 218هـ) حكم سنة 198هـ واتخذ من طوس عاصمة ملكه، يعد الحاكم السابع من العباسيين.

(139)