معجم  أنصار الحسين عليه السلام  (النساء) (الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين عليه السلام (النساء) (الجزء الثاني)

المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن ـ المملكة المتحدة

 

 

 

      وكان يعيب على المشركين وأد البنات، فكان إذا علم بأنهم يريدون وأدها قصد أباها وكفاها مؤونتها، ويقوم بتربيتها حتى إذا ترعرت عرضها على أبيها فإن لم يأخذها بحث لها عن زوج يكفلها(1)، وكان يقول: أنا على دين إبراهيم، وأنا ساجد على نحو البنية التي بناها إبراهيم، وكان يقول: إنا ننتظر نبياً من ولد اسماعيل من ولد عبد المطلب(2).

      وحاول أن يخرج من مخبئه مرة ثانية ليضرب في الأرض ويتوصل إلى الحقيقة في المعتقد فكانت امرأته صفية بنت الحضرمي، كلما علمت بأنه يريد الخروج أخبرت الخطاب ابن الفيل ولكنه تمكن من الخروج إلى الشام بصحبة ورقة بن نوفل(3) فأخذا يلتمسان ويطلبان في أهل الكتاب دين إبراهيم «عليه السلام»  حتى جابا الموصل والجزيرة كلها، فتوجها إلى الشام فالتقيا براهب من أهل البقاء(4) حيث كان ينتهي إلى علم النصرانية، فسئل عن الحنفية دين إبراهيم «عليه السلام».

      فقال الراهب: تسألان عن دين ما انتما بواجدين من يحملكما عليه اليوم لقد درس علمه وذهب من كان يعرفه، ولكنه قد أضلك خروج نبي يبعث بأرضك التي خرجت منها بدين إبراهيم الحنفية، فعليك ببلادك فإنه مبعوث، ألا إن هذا زمانه، فرجعا مسرعين يريدان مكة حتى إذا كانا بأرض لخم(5) عدوا عليه فقتلوه، فرثاه ورقة بن نوفل(6) بأبيات من الطويل:

رشدت وأنعمت ابن عمرو         وإنما تجنبت تنوراً من النار حاميا

__________
(1) راجع تهذيب التهذيب: 2/246.

(2) مستدركات علم رجال الحديث: 3/382.

(3) ورقة بن نوفل: هو حفيد اسد بن عبد العزى القرشي، ولد في اوائل القرن الأول قبل الهجرة وتوفي حدود سنة 12ق.هـ وكان على الحنفية وهو ابن عم خديجة أم المؤمنين وكان من المتنبئين.

(4) البلقاء: تقع اليوم الأردن وهي مركز محافظة البلقاء، وكانت سابقاً تعد من بلاد الشام الكبرى قبل أن تنقسم إلى دويلات.

(5) أرض لخم: ويقال أرض جذام، تقع في الاقسام الجنوبية من بلاد الشام وتصل إلى إيلة (العقبة) ثم تمتد مع الساحل حتى تبلغ ينبع، ولا يخفى أن ينبع تقع في الحجاز على ساحل البحر الأحمر.

(6) في المصدر: «وكان قد اتبع ورقة مثل رأي زيد».

(169)

 

بدينك ربا ليس رب كمثلــــــه وتركــــــــك أوثان الطواغي كما هيا

وإدراكك الدين قد طلبــــــــته ولم تك عن توحيد ربـــــــــــك ساهيا

فاصبحت في دار كريم مقامها تعلل فيها بــــــــــــــــــالكرامة لاهيا

تلاقي خليل الله فيها ولم تكــن من النـــــــاس جباراً إلى النار هاويا

وقد تدرك الانسان رحمة ربه       ولو كان تحت الأرض ستين واديا(1)

      وكان ذلك عام 17ق.هـ(2).

      ويروى أن ابنه سعيد قال للرسول (صلى الله عليه واله وسلم): يا رسول الله إن أبي زيد بن عمرو كان كما رأيت، وكما بلغك فلو ادركك كان آمن بك فاستغفر له؟.

      قال (صلى الله عليه واله وسلم): نعم، فاستغفر له.

      وقال (صلى الله عليه واله وسلم): إنه يجيء يوم القيامة وحده(3).

      وروى عامر بن ربيعة(4) ان زيد بن عمرو بن نفيل قال لي: يا عامر اني خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم «عليه السلام» وما كان يعبده واسماعيل «عليه السلام» من بعده، فقال: وكانوا يصلون إلى هذه القبلة وأنا انتظر نبياً من ولد اسماعيل «عليه السلام» يبعث، لا أراني أدركه، وأنا أؤمن به وأصدقه، وأشهد أنه نبي فإن طالت بك مدة فرأيته فاقرئه مني السلام، قال عامر: فلما نبىء رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أسلمت واخبرته بقول زيد واقرأته منه السلام، فرد عليه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)  السلام وترحم عليه، وقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا(5).

___________
(1) راجع اكمال الدين: 1/198 وبحار الأنوار: 15/204 وهامشه.

(2) الاعلام للزركلي: 3/60 وجاء في مستدركات علم رجال الحديث: 3/482 أنه توفي في السنة التي ولدت فيها فاطمة الزهراء «عليه السلام»، ويصح هذا على القول بأنها ولدت قبل خمس سنوات من البعثة لا على القول الذي يقول توفيت بعد البعثة بخمس سنوات وجاء في تهذيب التهذيب: 2/247 أنه توفي في السنة التي قامت فيها قريش ببناء الكعبة.

(3) كمال الدين وإتمام النعمة: 1/200.

(4) عامر بن ربيعة: هو حفيد كعب بن مالك العنزي العدوي، ولد قبل البعثة بعقدين تقريباً وتوفي في سنة 36هـ كان من أوائل من اسلم كما كان من المهاجرين الأوائل، وهاجر الهجرتين وشهد مشاهد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) كلها.

(5) بحار الأنوار: 15/412.

(170)

 

      وفي حديث آخر سئل الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) انستغفر لزيد؟ قال نعم فاستغفروا له فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده(1).

      ومن شعره الدال على أنه كان على الوحدانية من الوافر:

عزلت الجن والجنان عــني        كذلك يفعل الجلد الصـــــبور

فلا العزى أدين ولا بـــنتيها        ولا صنمي بني غنم أزور

 ولا هبلا أدين وكان ربا           لنا في الدهر إذ حلمي صغير

أرباً واحداً أم الـــــــف رب        ادين إذا تقسمت الأجــــــــور

ألم تعلم بأن الله أفنــــــــــى        رجالا كان شأنهم الفـــــــجور

وأبقى آخرين ببــــــــر قوم         فيربو منهم الطفل الصغــــير

وبينا المرء يعثر ثاب يوماً         كما يتروح الغصن النضير(2)

      وقال أيضاً من المتقارب:

أسلمت وجهي لمن أســلمت        له المزن تحمل عذبـــــا زلالا

واسلمت وجهي لمن اسلمت        له الأرض تحمل صخراً ثقالا

دحاها فلما استوت شـــــدها        سواء وارسى عليها الجبالا(3)

      ومن المسلم أنه قتل قبل بعثة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، ولذا لا يصح أن يعد من الأصحاب الثقات قبل أن يفرض الإسلام ويبعث الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) نبياً(4).

      إذاً فزيد بن عمرو بن نفيل العدوي سنة 17ق.هـ، وفي استطلاع آخر لفهم سنة ولادة عاتكة لا بد من مراجعة حياة أخيها سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل بغض النظر عن سلوكيته فإنه ولد في مكة سنة 22ق.هـ وتوفي في المدينة سنة 51هـ(5) والذي كان صحابياً حيث هاجر من مكة إلى المدينة

_________
(1) كمال الدين وإتمام النعمة: 1/200.

(2) الأغاني: 3/118.

(3) الأغاني: 3/121.

(4) قاموس الرجال: 4/582.

(5) الأعلام للزركلي: 3/94.

(171)

 

وقيل إنه ولد سنة 20ق.هـ، وتوفي سنة 52هـ(1) وهو من العشرة المبشرين بالجنة وهو راوي حديث العشرة المبشرين كما في تهذيب التهذيب، وهو ابن عم عمر بن الخطاب كما عرفت سابقاً والذي كانت اخته زوجته والعكس أيضاً، وقد ذكر ابن طاوس(2) أنه هو الذي وضع هذا الحديث(3) ويقول التستري(4) ومن العجب أنهم جعلوا الخبر متواتراً مع كونه شهادة لنفسه مضافاً إلى كونه خبراً واحداً مخالفاً للعقل والنقل(5) وما ورد في بعض المصادر(6) أنه شهد بدراً وروي له بعض المناقب مرفوض باجماع المؤرخين وارباب التراجم لأنه لم يشهد بدراً حيث كلف بالتجسس لعير قريش(7) وقد اعتزل عن القتال مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»(8) وترك من الأبناء هشام ولا يهمنا حياته وعقيدته وسيرته بمقدار ما يهمنا سنة ولادته ووفاته لنتمكن من الاستفادة من سني وفاة ابيه وولادته في إثبات ولادة السيدة عاتكة، وسنأتي على بيان ذلك بشيء من التفصيل، بعد بيان شيء من سيرتها.

      ذكر ياقوت الحموي(9) وآخرون بانها كانت زوجة الإمام الحسين «عليه السلام»

_____________
(1) تهذيب التهذيب: 2/305.

(2) ابن طاوس: هو علي بن موسى بن جعفر (589- 664هـ) ولد في الحلة وتوفي في بغداد كان من اعلام الإمامية، له مؤلفات جمة منها: الإبانة، فرج المهوم، والملاحم والفتن.

(3) الطرائف لابن طاوس: 2/522.

(4) التستري: هو محمد تقي بن كاظم بن محمد علي (1320- 1415هـ) ولد في النجف وتوفي في تستر كان من اعلام الإمامية المحققين وأهل الزهد والتقوى، من آثاره: نهج الصباغة، الأوائل، والأخبار الدخيلة.

(5) قاموس الرجال: 5/95.

(6) راجع المغازي لمحمد بن اسحاق بن يسار المطلبي المتوفى سنة 151هـ والذي يسمى السيرة النبوية التي هذبها إبن هشام.

(7) تهذيب التهذيب: 2/305.

(8) مستدركات علم رجال الحديث: 4/63.

(9) ياقوت الحموي: هو ابو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي (575- 626هـ) ولد في حماة وتوفي بحلب، أصله من الروم، اسر من بلاده صغيراً وابتاعه في بغداد رجل تاجر سكن بغداد، من مؤلفاته: معجم الأدباء، ومعجم البلدان.

(172)

 

وقد توفي عنها حيث يقول الحموي لدى ذكره كربلاء: وقتل الإمام الحسين «عليه السلام»، ورثته زوجته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فقالت من الخفيف:

واحسينا فلا نسيت حســــيناً        أقــــــــــــصدته أسنة الأعداء

غادروه في كربلاء صريعاً        لا سقى الغيث بعده كربلاء(1)

      ويروي أبو الفرج الأصفهاني: كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل امرأة لها جمال وكمال وتمام في عقلها ومنظرها وجزالة رأيها، وكانت قد غلبت عبد الله بن أبي بكر التيمي على رأيه فتزوجها، ولما قتل عبد الله بن ابي بكر تزوجها الحسين بن علي بن أبي طالب فكانت أول من رفع خده من التراب صلى الله عليه وآله ولعن قاتله والراضي به يوم قتل وقالت ترثيه- البيتان- ثم تأيمت بعده فكان عبد الله بن عمر يقول: من أراد الشهادة فليتزوج بعاتكة، ويقال إن مروان خطبها بعد الحسين «عليه السلام» فامتنعت عليه، وقال: ما كنت لا تخذهما بعد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)(2).

      ولا يخفى ان هذين البيتان منسوبان إلى السيدة رباب بنت امرئ القيس الكلبية المتوفاة سنة 62هـ(3) وهنا يعلق المقرم(4) وهذان البيتان رواهما ياقوت لعاتكة في رثاء الحسين «عليه السلام» وادعى أنها زوجته، ولانفراده بهذا عما عليه أهل النسب والتراجم والسيرة من عدم عدها في أزواج السبط الشهيد لا يؤبه به(5).

_____________
(1) معجم البلدن: 4/445.

(2) الأغاني: 18/63- 68 باختزال.

(3) راجع ديوان القرن الأول: 1/25 من هذه الموسوعة ولكن جاء العجز الأخير: «لا سقى الله جانبي كربلاء».

(4) المقرم: هو عبد الرزاق بن محمد الموسوي (1316- 1391هـ) ولد ونشأ وتوفي في النجف، كان من الخطباء المؤلفين من ذوي التحقيق، من آثاره: مقتل الحسين، زيد الشهيد، الشهيد مسلم بن عقيل.

(5) السيدة سكينة: 137.

(173)

 

      وجاء في دوائر المعارف لدى عده زوجات الإمام الحسين «عليه السلام»: «وعاتكة على قول»(1) ويقال ان محسن السقط المدفون بحلب هو ابن عاتكة(2).

      وذكر أبو مخنف(3) في مقتله ابن الحسين «عليه السلام» لدى وداعه يوم عاشوراء: «نادى أم كلثوم، ويا زينب، ويا سكينة، ويا رقية، ويا عاتكة، ويا صفية عليكن مني السلام فهذا آخر الاجتماع وقد قرب منكم الافتجاع»(4) إلا أن مجرد ورود الاسم في روايته لا يدل على أنها زوجته وبالأخص أنه ذكرها بين أقاربه من أخواته وبناته، فالأوليتين أخته والثالثة ابنته والرابعة لعلها ابنته أو أخته والأخيرة أخته أيضاً وليس فيهن من زوجاته، فمنها احتمال أن تكون عاتكة إحدى قريباته كابنة مسلم بن عقيل مثلاً أو غيرها أو ابنته على القول بأن له عاتكة، وارد، وهنا يطرح السؤال نفسه لماذا اختص هذه الثلة بالنداء دون غيرهن، ولعل الجواب يكمن فإن الراوي نقله على سبيل المثال، أو انهن كن أمامه في هذا اللقاء، ومن جهة أخرى فإن رواية ابي مخنف انفردت في ذكر اسم عاتكة من بين اللاتي ودعهن الحسين «عليه السلام» بل هذه النسخة المعروفة باسمه ذكرته دون رواياته التي رواها عنه المؤرخون، والكتاب مطعون في صحته بل في نسبته إلى أبي مخنف أيضاً.

      أما عن زواجها فاقدم المصادر هي الأغاني ونقل عنه الآخرون حديث ازواجها وما في الأغاني ومن نقل عنه أنها تزوجت أربعة أزواج على الشكل التالي، وزاد بعضهم خامساً (وهو محمد بن أبي بكر) وزاد آخرون سادساً (وهو زيد بن الخطاب):

      1- عبد الله بن أبي بكر التيمي المتوفى سنة 11هـ.

      2- زيد بن الخطاب العدوي المتوفى سنة 12هـ.

___________
(1) دوائر المعارف: 25.

(2) راجع معجم أنصار الحسين (الهاشميون): 3/76.
(3) أبو مخنف: هو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الأزدي المتوفى سنة 132 هـ، كان من مؤرخي الإمامية بالكوفة ومن وجوههم، من آثاره: كتاب الجمل، وكتاب صفين، وكتاب الغارات.

(4) مقتل الحسين لأبي مخنف: 131.

(174)

 

      3- عمر بن الخطاب العدوي المتوفى سنة 23هـ.

      4- الزبير بن العوام القرشي المتوفى سنة 36هـ.

      5- محمد بن ابي بكر التيمي المتوفى سنة 38هـ.

      6- الحسين بن علي الهاشمي المتوفى سنة 61هـ.

      وقد خطبها علي بن أبي طالب «عليه السلام» بعد الزبير ولكنها امتنعت خوف أن يموت بزواجها كما قالوا.

      وإليك نص بعض المصادر المتطابق في جوهره مع نص الأغاني.
      جاء في كتاب أنيس الجلساء في ديوان الخنساء(1):

      هي بنت زيد بن عمرو بن نفيل واخوها سعيد بن زيد الأنصاري تزوجها عبد الله بن أبي بكر(2) ثم أصابة سهم في غزوة الطائف فمات منه. فتزوجها عمر فقتل عنها. فتزوجها الزبير بن العوام(3) فقتل عنها(4) فلما انقضت عدتها تزوجها الحسين بن علي(5) فكان أول من رفع خده من

____________
(1) تأليف أحد الآباء اليسوعيين صفحة 163 تحت رقم 37 من النساء الشاعرات.

(2) عبد الله بن ابي بكر (عبيد الله): هو حفيد عثمان التيمي توفي سنة 11هـ حيث أصيب في معركة الطائف بسهم فتوفي بعلته.

(3) الزبير بن العوام: هو حفيد خويلد الأسدي القرشي (28ق.هـ- 36هـ) في حرب الجمل.

(4) في مهذب الروضة الفيحاء في تواريخ النساء: 194 ولما قتل الزبير صالحها ولده على ثمانين ألف درهم ثم تزوجها محمد بن أبي بكر فقتل عنها في مصر فقالت ترثيه- من الطويل-:

إن تقتلوا وتمثلوا بمحمد            فما كان من أجل النساء ولا الخمر


ولا يخفى أن محمد بن أبي بكر قتل في شهر صفر عام 38هـ في مصر حيث دخلها في رمضان سنة 37هـ والياً من قبل علي «عليه السلام» بعد مالك الأشتر- تهذيب التهذيب: 5/54.

(5) وفي الاستيعاب أن آخر ازواجها الحسن بن علي ولم يذكر أنها تزوجت محمد بن أبي بكر وفي الأغاني: 18/ 68 ومعجم البلدان: 7/229 ان آخر أزواجها الحسين بن علي.

(175)

 

التراب. وقيل: إن علياً خطبها فقالت له: إني لأضن(1) بك على القتل. فكان عبد الله بن عمر(2) يقول: من أحب الشهادة الحاضرة فليتزوج عاتكة. وضرب بها المثل في الشؤم. توفيت عاتكة أيام معاوية(3) وكانت امرأة لها كمال وتمام في عقلها ومنظرها وجزالة رأيها وفيها يقول عبد الله زوجها الأول من الطويل:

لها خلق جزل ورأي ومنطق      وخلق مصون في حياءٍ ومصدق

      ولما مات عبد الله انشأت تقول- من الطويل-:

فلله عينا من رأى مثلـــه فتـــــى         اكر واحمى في الهياج واصبـــــــرا

إذا أشرعت فيه الاســـنة خاضها         إلى الموت حتى يترك الموت أحمرا

فاليت لا تنفك عينــــي حزينة(4)         عليك ولا ينفك جلدي أغــــــــــــبرا

مدى الدهر ما غنت حمامة ايكةٍ          وما طرد الليل الصباح المنـــــــورا

      ولما قتل عمر بن الخطاب(5) قالت عاتكة ترثيه من الخفيف:

عين جودي بعبرة ونحيـــــــــــب        لا تملي على الإمام(6) النجيب

فجعتنا المنون بالفارس المعلـــــم        يوم الهيــــــــــــاج والتبيب(7)

عضمة(8) الله والمعين على الدهر        غياث المنتاب(9) والـمحروب

قل لأهل الضراء والبؤس موتـوا        قد سقته المنون كأس شـعوب

__________
(1) ضن: بخل.

(2) عبد الله بن عمر: هو حفيد الخطاب العدوي (10ق.هـ- 73هـ) ولد في مكة وهاجر إلى المدينة، وتوفي في مكة.

(3) توفي معاوية بن ابي سفيان سنة 60هـ.

(4) ويروى: «فاقسمت لا تنفك عيني سخينة».

(5) عمر بن الخطاب العدوي المتوفى سنة 23هـ.

(6) ويروى: «على الأمين».

(7) ويروى: «التشويب».

(8) ويروى: «عصمة الناس».

(9) ويروى: «وغيث المحروم».

(176)

      وقالت فيه من الرمل:

من لنفس عادها احزانها     ولعين شفها طول السهد(1)

جسد لفف في أكفانـــــه رحمة الله على ذاك الجسـد

فيه تفجيع لمولى غـازم لم يدعم الله يمشي بسبـــــد

      وقالت أيضاً ترثيه من الكامل:

منع الرقاد فعاد عيني عود(2) مما تضمن قلبي المعـمود

يا ليــلةً حبست علي نجومها       فسهرتها والشامتون هجود

قد كان يسهرني حذارك مرة       فاليوم حق لعيني التسهيــد

أبــكي أمير المؤمنين ودونه       للزائرين صفائح وصعيــد

      ولما قتل عنها الزبير(3) بوادي السباع رثته فقالت من الكامل:

غدر ابن جرموزٍ(4) بفارس بهمةٍ         يوم اللقاء وكان غير مـــــــعدد(5)

يا عمرو لو نبهته لوجدتــــــــــه         لا طائشاً رعش الجنان(6) ولا اليد

كم غمرة قد خاضها لم يثنـــــــه         عنها طرادك يابن فقع القــــردد(7)

ثكلتك أمك(8) إن قتلت لمسلمـــاً          حلت عليك عقوبة المتعمد(9)

___________
(1) وفي مهذب الروضة الفيحاء في تواريخ النساء: 194 ولما قتل الزبير صالحها ولده على ثمانين ألف درهم ثم تزوجها محمد بن أبي بكر فقتل عنها في مصر فقالت ترثيه:

ان تقتلوا وتمثلوا بمحمد      فما كان من أجل النساء ولا الخمر

(2) ويروى «عيد».

(3) وفي الأصل ابن الزبير هو تصحيف إذا إن الزبير بن العوام تزوجها لا عبد الله بن الزبير.

(4) ابن جرموز: هو عمرو بن الجرموز.

(5) ويروى: «معرد».

(6) ويروى: «رعش اللسان» كما في الأغاني.

(7) هذا البيت ذكره مهذب الروضة الفيحاء في تواريخ النساء: 194.

(8) ويروى: «هبلتك» وفي اخرى «شلت يمينك».

(9) وهذه الأبيات تنسب لاسماء بنت أبي بكر أيضاً: الكامل: 112.

(177)

 

إن الزبـــير لذو بلاءٍ صادقٍ       سمح سجيته كريم المـــــــــشهد(1)

فأذهب فما ظفرت يداك بمثله فيمن مضى ممن يروح ويغتدي(2)

      وقالت ترثي حسين بن علي من الخفيف:

وحسيناً فلا نسيت حسيناً     أقصدته أسنة الأعــــــــــــداء

غادروه بكربلاء صريعاً     جادت المزن في ذرى كربلاء

      ولها أيضاً من الطويل في عمر بن الخطاب(3):

فجـــــــــــــــــعني فيروز فلا در دره          بأبيض تــــــــــــالٍ للكتاب نجيب

رؤوف على الأدنى غليظٍ على العدى          أخـــــــــــي ثقةٍ في النائبات منيب

متى ما يقل لا يكذب القول فعـــــــله           سريع إلى الخيرات غير قطوب(4)

      انتهى كلامه، ولا يخفى أن بعضه مناقض لبعضه فإنه يذكر في أوله «أنها تزوجت بالحسين «عليه السلام» فكانت أول من رفع خده من التراب وتوفيت في أيام معاوية» وفي آخر كلامه يقول:

      «وقالت ترثي الحسين بن علي، وحسيناً فلا نسيت حسيناً...» إلى آخره فتارة يذكر أنها ماتت قبل الإمام الحسين «عليه السلام» في عهد معاوية أي قبل سنة 60هـ وتارة يذكر أنها ماتت بعد الإمام الحسين «عليه السلام» أي بعد عام 61هـ ولم أقف على من قال بمقالته فتأمل.

      نعم جاء في كتاب حسن الصحابة في شرح اشعار الصحابة للشيخ علي فهمي(5) ما يقرب من ترجمتها في أنيس الجلساء ولكن باختلاف وتنقاض في بعض موارده والأفضل أن نذكر الترجمة كاملة ليتضح الفرق ويحكم عليه.

___________
(1) هذا البيت ذكره مهذب الروضة الفيحاء في تواريخ النساء: 194.

(2) الأبيات الثالث والخامس والسادس من رواية الأغاني: 18/ 63.

(3) في الأصل ولها أيضاً فيه وقبله كان رثاء في الإمام الحسين «عليه السلام» فالضمير لا بد أن يرجع إلى ما قبله وهو الإمام الحسين «عليه السلام» إلا أنه تصحيف.

(4) من المفروض أن يقدم هذه الأبيات التي هي من رثاء عمر بن الخطاب عندما تحدث عنه.

(5) حسن الصحابة في شرح أشعار الصحابة: 104.

(178)

 

     قال: عاتكة بنت زيد بن عمر بن نفيل العدوية: ترثي زوجها عمر بن الخطاب- الأبيات-. وهي اخت سعيد بن زيد من العشرة المبشرة وابنة عم عمر بن الخطاب وأمها أم كريز بنت عبد الله الحضرمية كانت من المهاجرات تزوجها عبد الله بن أبي بكر وكانت بارعة الجمال فاولع بها وشغلته عن مغازيه فأمره أبوه بطلاقها فقال عبد الله في ذلك شعراً(1) فعزم عليه أبوه حتى طلقها ثم تبعتها نفسه فهجم عليه أبوه فوجده وهو ينشد في ذلك شعرا(2) فرق له أبوه فأمره فارتجعها(3) ثم شهد عبد الله غزوة الطائف مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فرمي بسهم فمات منه بعد في المدينة فرثته عاتكة- من الطويل-:

رزيت بخير الناس بعد نبيهــم          وبعد أبي بكر وما كان قــــــــــــصرا

فيا ليت لا تنفك عيني حزيــنة          عليك ولا ينفك جلدي أغـــــــــــــــبرا

فلله عينا من رأى قط شـــاكرا          واحمى في الهيجا حقاً وأصـــــــــــبرا

إذا شرعت فيه الأنسة خاضها          إلى الموت حتى يترك الموت أحمرا(4)

      فتزوجها زيد بن الخطاب(5) على ما قيل فقتل عنها شهيداً يوم اليمامة

_____________
(1) وشعره فيها- من الطويل-:

يقولون طلقها وحم مكانهــــــــا          مقيـــــــم عليك الهم أحلام نائم

وان فراقي أهل بيت جمعتهــــم          علـى كبر مني لإحدى العظائم

أراني وأهلي كالعجوز تزوجـت         إلـــى بوها قبل العشار الروائم

(2) وفي مهذب الروضة أيضاً- من الطويل-:

أعاتك (لا أنساك) ما در شـارق          وما ناح قمري الحمام المطوق

أعاتك قلبي كل يوم وليلــــــــة           عليك ما تـــخفى النفوس معلق

(3) فلما راجعها أنشد- من الطويل-:

أعاتك قد طلقت في غير ريبــة          وروجعت للأمر الذي هو كائن

كذلك أمر الله غادٍ ورائـــــــــح          وعلى الناس فــيها الفة وتبـاين

وما زال قلبي للتفرق طائــــرا           وقلبي لما قد قرب الله ســــاكن

ليهنك أني لا أرى فيك سخـطة           وإنك قد تمت عليك المحاســـن

وإنك ممن زين الله وجـــــــهه           وليس لوجه زين الله شائـــــــن

(4) مهذب الروضة الفيحاء في تواريخ النساء: 192.

(5) زيد بن الخطاب: هو حفيد نفيل بن عبد العزى العدوي اخو عمر بن الخطاب المتوفى سنة 12هـ وقتل يوم اليمامة.

(179)

 

ثم تزوجها عمر بن الخطاب في سنة اثنتي عشرة من الهجرة ثم قتل عنها فرثته بهذا الشعر الذي كتبته ههنا ثم تزوجها الزبير بن العوام وكانت كثيرة الاختلاف إلى المسجد وكان يكره ذلك وذكر ابن عبد البر(1) في التمهيد أن عمر لما تزوجها شرطت عليه أن لا يمنعها من المسجد النبوي ثم شرطت ذلك على الزبير(2) فتحيل عليها أن كمن لها لما خرجت لصلاة العشاء فلما مرت به ضرب على عجيزتها فلما رجعت قالت: إنا لله فسد الناس فلم تخرج بعد حتى قتل الزبير فرثته بشعر ثم خطبها علي رضي الله عنه بعد انقضاء عدتها فأرسلت إليه إني لأضن بك يا بن عم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن القتل. وفي زهر الآداب للحصري القيرواني(3) أن علياً رضي الله عنه كان يقول من أراد الشهادة الحاضرة فليتزوج بعاتكة، انتهى. وكان عبد الله بن الزبير(4) لما قتل أبوه أرسل إلى عاتكة يرحمك الله إنك امرأة عدوية ونحن من بني أسد وان دخلت في أموالنا أفسدتها واضررت بنا فقالت رأيك يا أبا بكر ما كنت لتبعث إلي بشيء إلا قبلته فبعث إليها  بثمانين ألف درهم فقبلتها وصالحت عليها، وقالت(5):

      انتهى كلامه، ثم إنه أورد لها شعراً في كل القوافي:

      وفي كلامه اختلاف كبير مع النص المتقدم من جهات:

__________
(1) ابن عبد البر:

(2) وكان الزبير يمنعها فتقول لا أزال أخرج حتى تمنعني فتذكر قوله (صلى الله عليه واله وسلم) لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. المهذب: 913.

(3) الحصري القيرواني: هو إبراهيم بن علي بن تميم الأنصار (ن335- 413هـ) يكنى بأبي إسحاق، توفي بالمنصورة من أرض القيروان وكان من الأدباء الشعراءء من مؤلفاته: المصون والدر المكنون، الجواهر في الملح والنوادر، وديوان شعر.

(4) عبد الله بن الزبير: هو حفيد العوام القرشي الأسدي (1- 73هـ) ولد في المدينة وقتل في مكة أخذ البيعة لنفسه بعد موت يزيد بن معاوية الأموي سنة 64هـ وحكم مصر والحجاز والمين وخراسان والعراق وأكثر بلاد الشام واتخذ من المدينة عاصمة له وصك الدراهم باسمه.

(5) أي وقالت في رثاء عمر بن الخطاب، الأبيات التي سبق وأوردناها- من الطويل-:

ولم (أر) مثلي طلق اليوم مثلها          ولا مثلها في غير جرم تطلـــق

لها كلف جزل ورأي ومنصب           وخلق سوي في الحياة ومصدق

 

(180)

      1- عدم ذكره لزواج الإمام الحسين «عليه السلام» منها ورثائها له بعد استشهاده.

      2- إنه أضاف على الأزواج زيد بن الخطاب الذي لم يرد له ذكر في السابق.

      3- نسب مقولة عبد الله بن عمر إلى الإمام علي «عليه السلام» «من أحب الشهاد الحاضرة فليتزوج عاتكة».

      وجاء في الأغاني أنها تزوجت بعبد الله بن أبي بكر وكانت امرأة لها جمال وكمال وتمام في عقلها ومنظرها وجزالة رأيها وكانت قد غلبته على رأيه فمر عليه أبو بكر أبوه وهو في علية يناغيها في يوم الجمعة وأبو بكر متوجه إلى الجمعة، ثم رجع وهو يناغيها فقال: يا عبد الله أجمعت(1)؟ قال: أوصلى الناس؟ قال: نعم. قال: وقد كانت شغلته عن سوق وتجارة كان فيها.

      فقال له أبو بكر: قد شغلتك عاتكة عن المعاش والتجارة، وقد ألهتك عن فرائض الصلاة فطلقها تطليقة وتحولت إلى ناحية، فبينا أبو بكر يصلي على سطح له في الليل إذ سمعه يقول- الأبيات-(2) فسمع أبو بكر قوله فأشرف عليه وقد رق له فقال: يا عبد الله راجع عاتكة فقال اشهدك أني قد راجعتها إلى آخر ما ذكر سابقاً.

      فلما قتل ابن أبي بكر تزوجها عمر بن الخطاب ثم لما قتل تزوجها الزبير بن العوام قم لما انقضت عدتها تزوجها الحسين بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» فكانت أول من رفع خده من التراب صلى الله عليه وآله ولعن قاتله. والراضي به يوم قتل وقال ترثيه- الأبيات-.

      ثم تأيمت بعده فكان عبد الله بن عمر يقول: من أراد الشهادة فليتزوج بعاتكة ويقال إن مروان خطبها بعد الحسين «عليه السلام» فامتنعت عليه وقالت: ما كنت لاتخذ حماً بعد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)(3).

__________
(1) شهدت الجمعة.

(2) التي ذكرناها في الهامش «اعاتك لا انساك ما ذر شارق».

(3) الأغاني: 18/64- 68.

(181)

 

      ثم إنه روى باسناده إلى محمد بن سلام عن أبيه قال: بينا فتية من قريش ببطن محسر إذا أقبل طويس(1) فقال له القوم: يا أبا عبد الله غننا شعراً مليحاً له حديث ظريف فغناهم- من الكامل-:

منع الرقاد فعاد عيني عيد          مما تضمن قلبي المعمود(2)

      فقال القوم، لمن هذه الأبيات؟ قال: طويس: لأجمل خلق الله وأشأمهم. فقالوا: بأنفسنا من هذه؟ قال: هي والله من لا يجهل نسبها ولا يدفع شرفها تزوجت بابن خليفة نبي، وثنت بخليفة نبي الله وثلثت بحواري نبي الله وربعت بابن نبي الله وكلا قتلت، قالوا جميعاً: جعلنا فداك، إن امر هذه لعجيب، بآبائنا أنت من هذه؟ قال: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فقالوا: نعم هي على ما وصفت قوموا بنا لا يدرك مجلسنا شؤمها قال طويس: إن شؤمها قد مات معها، فالقراءات أعلم منا(3).

      وقالوا في ترجمتها إنها كانت شاعرة صحابية حسناء من المهاجرات(4).

      إن في تفرد الأغاني ونقل الآخرين عنه بهذه الصورة يوجب الريب في كل ما نقل في حديث الأزواج، وما ورد من التناقض في النقل، ومهما كانت جميلة فلا يمكن التصور بأن كبار القوم يتهافتون على الزواج من بهذا الشكل، ولم تذكر كل هذه المصادر أنها أنجبت لأحدهم، ولم يذكروا بأنها لم تنجب، وإن حديث الجمال ومعاشقة عبد الله بن أبي بكر بهذا الشكل المعلن الذي يمنعه من التجارة والصلاة أمر مريب، إنما يدل على فسق الرجل، فصلاة الجمعة واجبة والتخلي عنها حرام.

      وعلى فرض صحة الزواج المتكرر فلا بد أن يكون زواج الإمام الحسين «عليه السلام» منها في شهر رجب من سنة 38هـ حيث قتل محمد بن أبي بكر في صفر سنة 38هـ ومع إضافة عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام يكون الزواج في شهر رجب مباحاً لها.

____________
(1) توفي طويس عام 92هـ.

(2) من الأبيات المنسوبة إلى عاتكة ترثي بها عمر بن الخطاب.

(3) الأغاني: 18/69.

(4) هامش كتاب مهذب الروضة الفيحاء في تواريخ النساء: 191 تحقيق رجاء محمود السامرائي.

(182)

 

      ولكن إذا كان القول بزواجها من محمد بن أبي بكر باطلاً فزواجها من الحسين «عليه السلام» يكون في شهر شوال من عام 36هـ حيث قتل الزبير في جمادى الأولى من سنة 36هـ.

      هذا إن صح حديث الأزواج حيث نجد أن البيت الأموي عمد إلى الطعن في كل من له ارتباط بالبيت النبوي سواء بالنسب أو بالسبب فإن صح زواجها من الإمام الحسين «عليه السلام» فهذا يكفي لأن يكون علة في اختلاف حديث الأزواج كما فعلوا بسكينة بنت الحسين «عليه السلام» وآخرين.

      أما من حيث تاريخ ولادة السيدة عاتكة فمما لا محيص عنه أن ولادتها يجب أن تكون قبل عام 17ق.هـ لأن أباها قتل في هذه السنة وأقل التقادير القول بأنها كانت جنيناً عند مقتل أبيها وإذا كانت ولادة أخيها سعيد قبل الهجرة بعشرين سنة على أقل التقادير وكانت ولادتها عام 17ق.هـ فإنها تكون أصغر من أخيها، وعليه فإنها ستكون يوم استشهاد الإمام الحسين «عليه السلام» لها من العمر على أقل التقادير 76 سنة والإمام الحسين له من العمر 56 سنة وأشهر فالأمر بعيد كل البعد وهذا يعني أنها حينما تزوجت بالإمام الحسين «عليه السلام» كان لها من العمر 54سنة، والإمام الحسين «عليه السلام» له من العمر 32سنة، وهو أمر غريب، وتزداد الغرابة لو قيل بأنها هي أم محسن السقط في حلب لأن التي عمرها 76 على أقل التقادير لا يمكن لها الأنجاب بالشكل الطبيعي مما نحتمل أن عاتكة هذه لم تكن ابنة لزيد بن عمرو بل حفيدته، أو أنهما إثنتان ابنة وحفيدة فاختلط الأمر على أهل السير والتاريخ، ولعل الثانية هي ابنة سعيد بن زيد لتكون حفيدته حيث ذكروا أن عقب زيد كان في إبنه سعيد وكان لسعيد أبناء وبنات متعددون من زوجات متعددة نذكرهم بالتسلسل المذكور:

       الزوجة الأولى: أم جميل رملة بنت الخطاب بن نفيل العدوية.

      1- عبد الرحمان الأكبر- لا بقية له.

       الزوجة الثانية: جليسة بنت سويد بن صامت.

      2- زيد- لا بقية له(1).

____________
(1) له ابن باسم عبد الملك المتوفى سنة 125هـ إلا أنه لم يعقب.

(183)

 

      3- عبد الله الأكبر- لا بقية له.

      4- عاتكة.

       الزوجة الثالثة: أمامة بنت الدجيج الغسانية.

      5- عبد الرحمان الأصغر- لا بقية له.

      6- عمر الأصغر- لا بقية له.

      7- أم موسى.

      8- أم الحسن الكبرى.

       الزوجة الرابعة: حزمة بنت قيس بن خالد بن وهب.

      9- محمد.

      10- إبراهيم الأصغر.

      11- عبد الله الأصغر.

      12- أم حبيب الكبرى.

      13- أم الحسن الصغرى.

      14- أم زيد الكبرى.

      15- أم سلمة.

      16- أم حبيب الصغرى.

      17- أم سعيد الكبرى توفيت قبل أبيها.

      18- أم زيد.

       الزوجة الخامسة: أم الأسود التغلبية.

      19- عمرو الأصغر.

      20- الأسود.

       الزوجة السادسة: ضمخ بنت الأصبغ بن شعيب بن ربيع الكلبية.

      21- عمرو الاكبر.

      22- طلحة- هلك قبل أبيه ولا بقية له.

(184)

 

      23- زجلة- كانت على قيد الحياة بعد أبيها.

      الزوجة السابعة: ابنة قربة التغلبية.

      24- إبراهيم الأكبر.

      25- حفصة.

      الزوجة (أمة) الثامنة: أم خالد (أم ولد)

      26- خالد.

      27- أم خالد، وقد توفيت قبل أبيها.

      28- أم النعمان.

      الزوجة التاسعة: أم بشير بنت أبي مسعود الانصارية.

      29- أم زيد الصغرى.

      الزوجة العاشرة: امراة من طي.

      30- أم زيد الصغرى- وكانت زوجة المختار بن أبي عبيدة الثقفي.

      الزوجة (أمة) الحادية عشرة: أم ولد.

      31- عائشة.

      32- زينب.

      33- أم عبد الحولاء.

      34- أم صالح(1).

      المشهور أنه مات بالعقيق ودفن في المدينة وقيل إنه توفي في الكوفة(2).

      ولوجود حفيدة لزيد بن عمرو العدوي احتملنا بل رجحنا أن تكون زوجة الإمام الحسين «عليه السلام» على فرض صحة الزواج هي الحفيدة وإنما وقع سقط في الآباء، أو لأن زيداً كانت له شهرة واسعة فكانت تنسب إليه

__________
(1) راجع العشرة المبشرون بالجنة من طبقات ابن سعد: 281- 282.

(2) العشرة المبشرون بالجنة: 285.

(185)

الأحفاد وحينئذ يناسب عمرها عمر الحسين فإذا ما كانت ولادة أبيها سعيد عام 20 قبل الهجرة واحتملنا أن أمها هي الزوجة الثامنة من حيث التسلسل الزمني وكانت عاتكة المولود الرابع لأبيها سعيد فالمعنى أن ولادتها كانت بعد الهجرة بسنين، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنها هي محسن السقط فلا بد أن تكون عند استشهاد الإمام الحسين «عليه السلام» لم تبلغ الخمسين وهو بداية سن اليأس، ومعنى ذلك أنها ولدت في العقد الثاني من الهجرة وذلك في المدينة المنورة، وهذا مجرد احتمال.

      وإذا اضفنا إلى هذا الاحتمال أحد الاحتمالين التاليين أن تكون قصة تعدد الأزواج من الوضع وقلنا بأن زيد بن عمرو لم يكن له ابنة باسم عاتكة بل كان له حفيدة وهي عاتكة بنت سعيد بن زيد، وربما كان بعض الزواج منها صحيحاً كزواج محمد بن أبي بكر مثلاً، أو قلنا بأن هناك عاتكتين الأولى عمة الثانية وتعدد الازواج كان بعضه للعمة والأخرى لابنة أخيها(1) أمكن التوافق بين الأقوال والله العالم بحقائق الأمور.

      وعلى فرض احتمال إن الإمام الحسين «عليه السلام» كانت له زوجة باسم عاتكة وكانت حاضرة كربلاء فإن احتمال أن يكون محسن السقط ابنها.

      واحتمال أنها هي ابنة زيد بن عمرو، وقد تزوجت الإمام الحسين «عليه السلام» إلا أنها ماتت في حياته وارد أيضاً إلا أنه مستبعد مع قبول حديث الأزواج، فعليه أن محسن السقط ليس ابنها، ولكن إذا كانت الحفيدة فاحتمال أن يكون محسن السقط ابنها محتمل بل مرجح.

      وعلى احتمال أنها الحفيدة فإن أم عاتكة هي: جليسة بنت سويد بن صامت، وأم أبيها سعيد هي فاطمة بنت نعجة بن مليح الخزاعية(2).

__________
(1) كان يقول بأن ثلاثة الأولى للعمة والثلاثة الثانية لإبنة الأخ.

(2) الشجرة النبوية: 42.

(186)

 

(58)

عاتكة بنت مسلم الهاشمية

53- 61هـ = 673- 680م

 

       هي: عاتكة بنت مسلم بن عقيل بن أبي طالب.

      أمها رقية الصغرى بنت الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» وأم أمها أم شعيب المخزومية(1).

      ولدت في المدينة سنة 53هـ وتوفيت في كربلاء يوم عاشوراء سنة 61هـ وذلك عندما هجم القوم على مخيم أبي عبد الله الحسين «عليه السلام»بعد مقتله للسلب والنهب فسحقت تحت حوافر الخيل وكان لها من العمر سبع سنوات(2).

      ومن المعروف أن لمسلم بن عقيل ابنة واحدة وهي حميدة(1) وقد مسح الإمام الحسين «عليه السلام» بيده على رأسها لدى ورود خبر مقتل أبيها مسلم ابن عقيل وهو في طريقه إلى كربلاء، فعرفت اليتم، ولكن جاء أيضاً: أن الإمام الحسين «عليه السلام» عندما وصل في مسيره إلى الكوفة إلى منزل سوقة، جلس ناحية عن الناس، وإذا برجل قد قدم من الكوفة، فسأله الحسين «عليه السلام»: ما الخبر.

________
(1) وقد مضت ترجمتها في زوجات الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام»، وترجمة ابنتها رقية الصغرى في بناته «عليه السلام».

(2) وسيلة الدارين: 344 عن مقتل الحسين للشويكي عن كتاب المنن (ج10) للشعراني. معالي السبطين: 2/227 عن مقتل الحسين للشويكي.

(3) راجع هامش مقتل الحسين لبحر العلوم: 214.

(187)

 

      فقال: يا سيدي ما خرجت من الكوفة حتى رأيت مسلم بن عقيل وهانياً مقتولين وبعث رأسيهما إلى يزيد.

      فقال الحسين «عليه السلام»: إنا لله وإنا إليه راجعون.

      وسار الرجل ولم يعلم به أحد من أصحابه، وكانت لمسلم بنت عمرها احدى عشرة سنة مع الحسين «عليه السلام» فلما قام الحسين «عليه السلام» من مجلسه- مع الرحل- جاء إلى الخيمة فعزز البنت وقربها من منزله، فحست البنت بالشر، فإن الحسين «عليه السلام» كان قد مسح على رأسها وناصيتها كما يفعل بالايتام.

      فقالت: يا عم(1)، ما رأيتك قبل هذا اليوم تفعل بي مثل ذلك، أظن أنه قد استشهد والدي.

      فلم يتمالك الحسين «عليه السلام» من البكاء، وقال: يا ابنتي أنا أبوك، وبناتي اخواتك.

      فصاحت ونادت بالويل، فسمع أولاد مسلم بن عقيل ذلك الكلام وتنفسوا الصعداء وبكوا بكاءً شديداً، ورموا بعمائمهم إلى الأرض(2).

      وهنا يطرح السؤال نفسه بعدما علمنا أن عاتكة وحميدة شقيقتان حيث إن أبوهما مسلم وأمهما رقية الصغرى بنت علي «عليه السلام» أهما شخصيتان أم متحدتان رغم أن المصدر لم يحدد الاسم إلا المصادر المتأخرة عن المنتخب ذكرت اسمين إحداهما حميدة، واخرى عاتكة، والمصدران الرئيسيان في ذلك هما المنتخب للطريحي(3) المتوفى سنة 1085هـ،

___________
(1) العم: هو أخو الأب، ولكن لم يرد ذلك بل أريد الاحترام، فقد اعتادوا تسمية الرجل الكبير في مقامه بالعم باعتاره أخا والدهم في الدين وربما قالوا له الخال، وفي الواقع فإن ابنة مسلم كانت ابنة أخت الحسين «عليه السلام» فكان الحسين «عليه السلام» خالاً لها.

(2) أسرار الشهادة: 2/131 عن المنتخب للطريحي: 372.

(3) الطريحي: هو فخر الدين بن محمد بن أحمد المسلمي المولود سنة 979هـ ولد وتوفي في النجف كان من أعلام الإمامية وفقهائها، له من المؤلفات جم كثير، منها: مجمع البحرين، جواهر المطالب، وغريب القرآن.

(188)

 

والآخر المنن للشعراني(1) المتوفى سنة 973هـ أما الأول فلم يحدد اسمها بل قال: «ابنة مسلم بن عقيل» إلا أنه حدد عمرها بالإحدى عشرة سنة وأما الثاني فالمنقول منه أنه حدد اسمها عاتكة وعمرها بسبع سنوات وقبل أن نتحدث عن اتحادهما أو مغايرتها فالسؤال الأهم من حدد إسمها بحميدة؟

      لقد ورد اسمها في كتب النسب بأنها من بنات مسلم وقد تزج عبد الله الأحول بن محمد بن عقيل(2) وهذا مما لا شك فيه، ولكن لكونها هي التي مسح الإمام الحسين «عليه السلام» على رأسها فإن ذلك لم يوثقه وإن إشتهر بين الخطباء، ومن هنا يقول المظفر «وحميدة هذه هي الطفلة التي مسح الحسين «عليه السلام» على رأسها حين أتاه نعي أبيها مسلم وقصتها المشهورة، ولكن هذه الشهرة التي عند الخطباء أما أن تكون لمسلم بنت أخرى تسمى حميدة أيضاً لم يذكرها علماء النسب وهو اللأقرب وغير بعيد توافق الاسماء في نسل أهل البيت «عليه السلام» فأمير المؤمنين «عليه السلام» زينب وزينب ورقية ورقية إلى أمثال ذلك»(3).

      ولم أجد من وثق أن التي مسح الحسين «عليه السلام» على رأسها هي حميدة، ولكن تسالم الخطباء ربما جاء من الشهرة الخطبائية أن مسلماً لم يكن له إلا ابنة واحدة ولكن بعدما عرفنا أن له ابنة أخرى اسمها عاتكة وإن الحسين «عليه السلام» مسح يده على رأسها فالجمع بين القولين يستوجب إما القول باتحادهما أو الغاء إحداهما أو الذهاب إلى تغايرهما وتعددهما، ومع مراجعة كتب الأنساب لم نجد من قيد بأن لمسلم ابنة واحدة وإنما ذكروا اسم واحدة من بناته وهذا لا يدل على الوحدانية بل على أنها المعقبة، ومن هنا فإن احتمال التعدد وارد بل راجح، ولا يوجب أن المسحة وردت في حقهما توجب الاتحاد، لأنه «عليه السلام» إذا كانتا متعددين وحضرتا كربلاء فلا

______________
(1) الشعراني: هو عبد الوهاب بن أحمد بن علي بن أحمد الشافعي المولود سنة 898هـ ولد في قلقشند في مصر وتوفي في القاهرة، كان من الفقهاء الأصوليين ومن المحدثين العرفاء، من آثاره: الجوهر المصون، الدرر المنثورة، ولواقح الأنوار.

(2) راجع عمدة الطالب: 32.

(3) سفير الحسين: 21.

(189)