ديوان الوائلي

اسم الکتاب : ديوان الوائلي

المؤلف : ديوان شعر الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (قدس سره) عميد المنبر الحسيني
المطبعة : المكتبة الحيدرية

 

 

 

بعيد ضريحك عن راحتـــــــــــــــــــــــي           ولست بعـــــــــيداً عـــــــــلى مطــــــلبي

وحيـــــــن نأى الطـــــــف زرت الشــــام           وحـــــــــدت لراويـــــــــةٍ مركبـــــــــــي

إلـــــــى جـــــــدثٍ فيه منـــــــك الــــمثال           تحـــــــــدر من جـــــــــذرك الــــــمنجب

فـــــــأنت أراك بـــــــكـــــــــل عـــــــلاك           هنـــــــــا قد تجســـــــــدت في زينــــــب

       غير أن (قبة علي) و(وادي السلام) لن يفارقا مخيلته فهما مظهران بارزان من مظاهر نجفه البعيد وطالما استأثرا باهتمام الشاعر ولا ريب في ذلك لأنه عرف عندهما ذاته ونشأ بين متالعهما:

تـــــــحية أيـــــــها الـــــوادي الحبيب إلى           ربي إليها النجوم الزهـــــــــر تنـــــجذب

يـــــــلوح في لابـــــــتيها من أبـــي حسن           وجه ومن قـــــــــسماتٍ منه تحــتضب(1)

غفـــــــت مـــــــلايين آمـــــــال يـــتربتها           السمراء فهي على أبعـــــــــادها كثــب(2)

لو عن ثغور بـــــــها نم الثرى لـــــــغدت           تلك المتالع فيـــــــــها ينــــــبت الشنب(3)

       ويقف على (الفرات) العظيم، فيستثير مشاعره وكوامن افكاره بل يأسر نواظره فلن يصدر عنه إلا عن الخطرات المخضلات:

أســـــــرت ناظـــــــري فـــــــــلن يستردا           خطـــــــــرات على الفـــــــــرات المفدى

الجـــــــلال المهيـــــــب في الــــمتن نخلاً           والجـــــــــمال الأنيق في الجرف(4) وردا

وحـــــــشود الأمــــــــــواج تحضن بعضاً           فـــــــــتراها حشداً يـــــعانق حشـــــــــدا

ورفـــــــيف الظـــــــلال من فارع الصـفـ           ـصاف يضفي على الشواطــــــــــئ بردا

وخطـــــــوط الشعـــــــاع ما بيـــن سعف           النخل تهمي فتنسج الشــــــــــمس بردا(5)

_____________

(1) اللابتان: مثنى اللابة وهي الأرض ذات الحجارة السود البركانية.

(2) كتب: جمع كثيب وهو التل الرملي. ويجمع أيضاً على كثبان وأكثبة.

(3) المتالع: التلعات: ما ارتفع من الأراضي وأشرف أو ما انهبط منها فهي من الأضداد. والشنب: قصد به الشارب ينبت فوق الفم أو العنبر.

(4) الجرف: شق الوادي إذا حضر الماء في أسفله.

(5) البرد: العباءة أو الثوب.

(22)

 

وتمور الأجـــــــواء من وكفـــــــها الـــسا           ئل يجري فيـــــــــملأ الأفـــــــــق رأداً(1)

والـــــــنواعيــــر ذكـــــــريات رقـــــــاق           خلدت بالغـــــــــرام لـــــــــيلى ودعـــــدا

والهيام المـــــــشبوب مـــــــن قصــــــــب           الفلاح أو من فم الربـــــــــاب يـــــــؤدي

والوجـــــــود المســـــــحور مـــن كل هذا           يتـــــــــلظى عشـــــقاً ويزفر وجـــــــــدا

       ومن في مثل عاطفته المشبوبة كيف يطيق بعداً عن وطنه؟ وإذا تحقق هذا فعلاً، فما ستكون ردة الفعل؟. والواقع أنها بدأت خفيفة ثم ازدادت تعقيداً، وستعرف ذلك فيما بعد، والصورة الأولى التي رسمها لأول وهلة صورة قديمة لا روح فيها سبقه كثير من الشعراء إلى تصويرها لأنها من قبيل (الجسم في الوطن والروح في الوطن) غير أنك تحس في مقطوعته التي أرسلها إلى نجله محمد حسين عام 1980 بعد أشهر من غربته حنيناً شجياً من قلب وامق أسره الحب وأمض به النوى، ولعبت به الأشواق أي لعب!

بنـــــــي تقاضـــــــاني الهـوى بعض ماله           فرحت وبي مما تقاضـــــــــى متـاعب(2)

فجســــــــمي بارض الشام والروح عندكم           وقلبي إلى واديـــــــــكم يتواثـــــــــــب(3)

وإنـــــــي وإن تـــــــحنو علي مرابـــــــع           وأهل بأربـــــــــاض الشام أعــــــارب(4)

فـــــــإني كوفـــــــي الـــــــهوى تستميلني           بأرض الفراتين الربا والمنـــــــــــاكب(5)

وال أرتضـــــــى إلا الفـــــــرات ومـــاءه           ونخلاً يناغيه الـــــــــهوي ويـــــناعب(6)

____________

(1) الراد: التمايل والانبساط والانتشار بليونة.

(2) تقاضاني الهوى: طالبني باستحقاقاته علي.

(3) يتواثب: يقفز أو يطفر.

(4) المرابع: جمع مربع وهو الموضع يقيم فيه الناس زمن الربيع. والأرباض: جمع ربض، وهو الناحية، وربض المدينة: ريفها أو ماحولها. وقصد بالأعارب العرب.

(5) الربا: جمع ربوة وهي  المكان المرتفع من الأرض. والمناكب: جمع منكب وهو من الإنسان ما بين  الكتف والعنق.

(6) يناغيه: يغازله ويلاطفه ويكلمه بما يسره ويعجبه. ويناعبه: يخاطبه بصوت كصوت الغراب.

(23)

 

مـــــــطـــــــالع الشـــــمس بالفرات أحبها           وفي دجــــــــلة تسبي عيوني المغارب(1)

ورمـــــــل بـــــــأكنـــــــاف الغري مذهب          تنث علــــــــيه بالعبـيــــــــر السحائب(2)

بـــــــه للـــــــظبـــــــاء النافرات مسارح            وللمرقلات الضابــــــحات مقانــــــــب(3)

ورهـــــــط عـــــــلى أحـــــسابهم وفعالهم           حسان مزاياً تجــــــــتلى ومنــــــــاقب(4)

هـــــــنالك جســـــــمي والفـــــــؤاد وأولي           وآخر ما أصبو لــــــــه والــــــــمآرب(5)

       ثم بدأت بعد حين سحائب الكآبة تملأ عينيه، وأخذت بوادر الأمل تتبدد من الطريق أمامه:

أحباي ما أقسى على الـــبعدِ وبعضـــــــهم           وأعنف وقع الحزنِ مـــــــما أصــــــــور

وبـــــــعض أحبـــــــائي بـــــعيد وبعضهم           يغيب في عفــــــــر التـــراب ويــــــــقبر

وهـــــــيهات أن اســــــلو وللموت والنوى           معاول في قلبي تــــــــحز وتحفــــــــر(6)

ولم يبق عـــــندي غـــــــير رجـــــــع من           يريني طــــــــيوفاً منـــــكم ويعــــــــبر(7)

ولـــــــولاه مـــــــا عــــاشت بقايا لنابضٍ            تلازمه البلوى فـــــيذوي ويعــــــــصر(8)

       ويثقل عليه الحزن فيلتجئ إلى القوافي ويحملها همومه وآهاته:

تغـــــــرب حـــــــزني فاستـــــحال أغانياً           وقد يبـــــــــدع الألــــــــحان حزن تغربا

وعنـــــــدي قوافٍ من همـــــــــوم حملتها           فما بــعض شعري غير هم تــــــــعربا(9)

_________

(1) تسبي: تأسر.

(2) تنث السحائب: تمطر.

(3) المسارح: جمع مسرح، وهو مكان السرحان، الملاعب: والمرقلات: جمع مرقلة وهي الناقة السريعة. والضابحات: جمع ضابحة وهي الناقة صوتت أنفاسها في جوفها عند العدو. والمقانب: جمع مقنب وهو المكان الذي تتجمع فيه للإغارة.

(4) الرهط: عشيرة أو قبيلة أو أقرباء. والمناقب جمع منقبة وهي الخصلة الحميدة.

(5) أصبو إليه: أحن وأتشوق. والمآرب: جمع مأرب: الحاجة والبغية والأمنية.

(6) السلوان: ما يتسلى به المرء بغية النسيان: النوى: البعاد والفراق: تحز: تقطع.

(7) الرجع من الصدى: الذكريات.

(8) النابض: القلب الذي ينبض: ذوى: ذبل.

(9) عندي قواف: أشعار أو قصائد، تعربا: صار واضحاً وظاهراً.

(24)

 

ومـــــــا هز أوتـــــــار الــحشا مثل لاعج           فأبكى كما شــــــاء البكاء وأطــــــــربا(1)

وللحـــــــزن خـــــــمر ليـس يعرف فعلها           سوى من حسا من كاســــــــها وترهبا(2)

تقلـــــــب بيـــــــن الــجمر والخمر خافقي           فيا لــــــــفؤاد بين ذيــــــــن تـقــــــــلبا(3)

وأخلد للأحـــــــزان حتـــــــى عشـــــــقنه           وغازلنــــــــه إلفاً وتــــرباً محبــــــــبا(4)

فعـــــــاش ولـــــــم يـــعرف سوى الحزن           فلو مــــرت الأفــــــــراح فيه تعجــــــــبا

       ويأنس الشاعر أحياناً بغربته، ويرى فيها ترويضاً لجماحه، وتقوية لعزمه على مواجهة صعوبات الحياة عبر كفاحه الطويل الذي اختطه منذ نعومة أظفاره:

وتـــــــؤنسني في غـــــــربةٍ بعض ما بها           تغــــــــول عـزمي واستراض جماحي(5)

فـــــــقد نـــــــازلتني الـــــــنائبات وهــكذا           قــــــــطعت حيــــــــاتي كلها بكــــفاح(6)

تقصدن ضعفي حين لامـــــــن صــــــلابةٍ           ولا مــــــــن مجــــــــن ســابغ وسلاح(7)

وأسلمـــــــنني للوجد شـــــــلواً ممـــــــزقاً           أنيــــــــني أنغـــــــــامي ودمعي راحي(8)

فبعض همومي يستجــــــــير بـــــــبعضها           وبعــــــــض جــــراحي يشتكي لجراحي

       ويأتي العيد، وهو بعيد عن دياره، وأهله، وأحبابه، فيتمثله في الغربة مثقلاً بالأحزان، ويتمنى لو أنه لم يقع، وطبوله لم تقرع، ثم كأنه يستمد هاجساً من رجولته وكفاحه، فيحسب همومه مدعاة لعزته وترويضاً لهمته:

ويـــــــا أيـــــها العـــــــيد في غربـــــــتي           وددت طبــــــــولــــك لــــــــم تقــــــــرع

____________

(1) الحشا: ما يوجد في داخل البطن. واللاعج: الهوى المحرق.

(2) حسا: شرب.

(3) خافقي: قلبي.

(4) أخلد للأحزان: ركن إليها وسكن. والترب: المماثل في السن.

(5) تغول عزمي: أهلكه. واستراض جماحي: روض جموحي وعنادي وذللـه.

(6) النائبات: الشدائد.

(7) المجن: الدرع يلبسه المقاتل أو يمسكه بيده ليذب عنه ضربات الخصوم.

(8) الشلو الممزق: العضو من الجسد وقد تقطع. أنيني أنغامي: أنظم الامي شعراً موزوناً. ودمعي راحي: دوائلي الذي يريحني.

(25)

فـــــما عاد وقعك في خـــــــــــــــــــــاطر           سبــــــــته الهــــــــموم بذي مــــــــوقع(1)

وللـــــــهم فـــــــعل يعـــــــيد الحـــــــــياة           أســــــــى والنــــــــهار إلى أســــــــفع(2)

ســـــــأبقى بحزني أغـــــــني النجـــــــوم           واشــــــــرب خــــــــمري مــــــن أدمعي

وأقتـــــــات طيـــــــف بــــــــــلادي هوى           قــــــــوي الشــــــــكيمة لم يخنــــــــــع(3)

       ويمد راحتيه قبل المسجد الحرام الذي بارك الله من حوله، داعياً الله ضارعاً له بطرف لم ترقأ فيه الدمعة، ولن تهدأ العبرة، أن يحفظ أهله من كل سوء مرده البعد والضنا والفراق الصعب الطويل:

ولـــــــي وطــــــن فيه أذوب وصبيـــــــة           بنيــــــــتهم مــــــــن أدمعي ودمــــــــائي

وكـــــــلهم قد مـــــــس الـــــــضر والأذى    وبــــــــات عــــــــلى قيد مع الســـــجناء

بكـــــــفك، يـــــــا رب، المـــــــفاتيح كلها           وناصــــــــية الأشــــــــرار والـشرفاء(4)

وأنت ولي(5) فاكشف الــضر والأســـــــى           فمــــــــا ضر لــــــــو أكرمتـــني لولائي

ومـــــــا ضــر لو أرسلت منـــــــك إرادةً           لتــــــــنهي احتــــــــكام القيد بالأســــراء

       ويجيل ذاكرته، فتمر بخاطره صورة مشرقة من ذكريات الوطن فسيستبد به الحنين وينازعه الشوق لأن يبذل في سبيله، وأن يضحي بكل ما عنده تعبيراً عن الاخلاص:

بلـــــــدي! يعـــــــيش أخو السلو بنعمــــةٍ           وأنا أعـــيش البــــــــعد فــــــــي لأواء(6)

حمـــــــلت عيـــــــني والنجـــــــوم إلـــيةً           أن يــــــــحرســــــــاك بعتمة الظلمــاء(7)

____________

(1) سبته: من سبي يسبي، أخذت عقله وشغلت تفكيره. والوقع: الأثر في النفس.

(2) يعيد الحياة أسى: يعكر الصفو ويملأ النفس حزناً. والأسفع: الأسود المائل إلى حمرة.

(3) الشكيمة: الطبع أو الأنفة، خنع: خضع.

(4) ناصية الأشرار والشرفاء: أقدارهم.

(5) الولي: الناصر الكافي والمحب والحليف والصديق والقائم بكفاية الخلق: والولي من أسماء الله الحسنى.

(6) اللأواء: ضيق المعيشة والشدة.

(7) الإلية: القسم واليمين.

(26)

 

ولوان أضلاعي تفيك جــــــــــــــعلتــــــها           سوراً يصــــــــونك من أذى وبــــــــــلاء

يا كـــــــل أهـــــــلي والحـــــــنين ســجية           للكل تــــــسكن فطــــــــرة الأجــــــــزاء

ابعث قـــــــــليلاً من شـــــــذاك فإنـــــــني          أستاف عــــــــطر رمالك العــــــــفراء(1)

أنـــــــا بعـــــــض تربــك بنت عنه برهة           وغداً يطول لدى ثراك ثــــــــوائـــــــي(2)

       ويبقى التمني بالعودة غاية شاعرنا الوامق، ذلك أنه يخفف بعض غلوائه، ويجد فيه تعلة للنفس من شدة همومه وبلوائه، فيرتسم الأمل أمامه مؤذناً بغدٍ سخيٍ، وكم في التمني من بهجة للنفس ومتعة للروح إذ به تحيا وعليه تعيش، مع أنه شائك المسلك وقليل منه لا يدرك:

أمنـــــياتي بـــــــأن نعـــــــود لـــــــواديــ           ــه فــــــــودايه مــــــــهد عــــــــلم ونور

فننـــــــقي نفوســـــــنا فـــــــي غديــــــــر           لعلي فهـــــــو النقــــــــي الطــــــــهور(3)

ونــــروي مـــــــشاشـــــــنا من نمــــــــير          لــــــــم يــــــــضارعه ما علمـت نمير(4)

ونشـــــــد الغـــــــداة بالأمـــــــس صــنواً           نديــــــــاً وإن ألــــــــح الهــــــــجيـــر(5)

       أما الشكوى عنده فتجدها في شعره كثيرة رائجة وهو أمر انطبع عليه ذوقه بفعل أمارات الحزن والإنفعال الدائم:

ويـــا ضيعة الإنـــــــسان بين معـــــــاشر           ترى فيه أدنى قيمةً من نـــــوى القسب(6)

       ويبدو لي أن الوائلي عرف الناس معرفة أحزنته كثيراً لجهلم إياه:

______________

(1) شذاك: عطرك وريحك الطيبة، استاف: اشتم.

(2) بنت عنه: ابتعدت عنه. والثواء: الإقامة والاستقرار أي بعد موته.

(3) غدير: نهر.

(4) المشاش: العظم لا مخ فيه. وفي علم الأحياء: هو العظم الإسفنجي الذي يتكون من حواجز عظمية رقيقة تفصلها أحياز النقي الأحمر. والمشاش: النفس أو الطبيعة. يقال: فلان طيب المشاش، النمير: الراقي من الماء أو الحسب وقيل الذاكي الكثير.

(5) الصنو: الغور الذي يجري فيه الماء عادة ما يكون بين جبلين وقيل: المثيل أو الأخ، الهجير: نصف النهار عند اشتداد الحر.

(6) نوى القسب: بذور التمر اليابس الذي يتفتت في الفم.

(27)

                                                      

فليت ضـــــــلالي دام في ميعة الصـــــــبا           ولا مال في الشيب يوماً إلى الــــــهدى(1)

ولا نضـــــــجت مــــــني مدارك أبصرت           لهذي الدنا وجهاً كريــــــهاً مــــــــعقدا(2)

ولا عشت جـــــــيلاً كـــــــل آن له هـوى            تنصر صبحاً ثم عـــــــــصراً تــــــــهودا

تمـــــــرس فـــــــي التمــــثيل حتى تخاله           له كــــــل آن مظــــــــهر قد تجــــــــسدا

ومـــــــن نكد الأيـــــــام أن تحــسب الذي           تحول حرباء حــــــــصيفاً مــــــــسددا(3)

وأن تتـــــــلاشى في الحـــــــياة مــــبادئُ            أخال الدنا والــــــــحق من دونها سدى(4)

       ويبلغ به الضيق ببعض هؤلاء الناس حداً كبيراً يتشاءم معه حتى من الدنيا فيذكر كلاماً لا يخلو من مؤاخذة ولعله قاله في فترة عصيبة؛ بل في ليلة سوداوية الطالع انطوت على مزاج متعكر ونفسية محطمة:

افـــــــهذه دنياً يعيش الـــــــناس فـــــــــي           أبعــــــــادها أم مبــــــــرك للنــــــــوق(5)

وأولاء نـــــــاس أم هم الأنعـــــــام(6)فـــي           ثــــوبٍ من التجمــــــــيل والتــــــــزويق

       ولما كان النجاح بجميع معانيه غاية الوائلي، فإن ما يثيره أن يرى حوله فئة تنزلف الكسيح للوصول إلى هذا النجاح، إلا أن نفسيته الأبية لم ترض تلك الوسائل والدنيات، وبدأ ينقد (مواكب التضليل) من أولئك الذين اتخذوا العلم أقنعة للوصول إلى مآربهم الشخصية مهما كلفهم الأمر من رياء ومداراة:

نجــــــفي أفتـــــــدي خمـــــــيلــك والأغــ           ــصان فيه من زاحــــــفات الرمــــــــول

_____________

(1) ميعة الصبا: اوله.

(2) المدارك: الحواس التي تدرك بها الأمور أي تلحق وتنال.

(3) نكد الأيام: همها، الحصيف: ذو العقل الجيد المستحكم. والمسدد: ذو السواد والاستقامة والرشاد.

(4) أخال: أظن. والأفصح: إخال بكسر الهمزة. وفتح الهمزة لغة. وسدى: باطل.

(5) مبرك: النوق: الساحة التي تبرك فيها إناث الجمال.
(6) الأنعام: جمع مفرده: النعم وهو الإبل والغنم والبقر.

(28)

 

ومن الوشـــــــك راح يـــــــغزوه والسعــ            ــدان يمــــــــتد فيه عرضــــــــاً بطول(1)

قد مشى يـــــــزحم الـــــــورود فباــــــتت           وهــــــــي خجلى ملمــــــــــومةً في ذبول

وأضيـــــــع المــــــقياس فيها فـــــــأمست           وهــــــــي مهد الأصـــــــول دون أصول

واشمخرت فيها أنـــــــاس فـــــــأضحــت           لســــــــت تدري صدورها من ذيـــول(2)

أي طعـــــــم للتـــــــمر إن نفق الـــــــحنـ           ــظــــــــل أم أي ميــــــــزة للنخـــــيل(3)

خدعـــــــوها بــــــــالشكل زوراً كما تخــ           ــدع يومــــــــاً بالــــــــبو أم الفصـــيل(4)

نـــــــحروا طفـــــــلها وجـــــــــاؤوا بجلد           مــــــــلؤوه بالتــــــــبن للتمــــــــثـــــــيل

أمكـــــــم بـــــــرة فـــــــلا تـــــــــرمقوها           بالعــــــــقوق الــــــــلئيم والتنكــــــــيل(5)

رب صـــــــن بـــــلدتي حقائق فضـــــــل           وقــــــــها من مــــــــواكب التــــــــضليل

       ووقع إلينا من أبياته الحكمية طائفة حسنة ظهرت في تضاعيف شعره شعره، تنبئ عن تجربة ومران وكفاح مع الحياة مرير، وتشير بوضوح إلى أنه كان أكثر الأحيان يقصد إليها بروح مرب واعٍ لغرضه التربوي، وإليك بعضها:

ومن خلق الشطآن أن صخورهــــــــــــــا           جلامد(6) مهما استفحل الــــــــمد والجزر

ويرضي بغاث الطير صـــــــيد مؤمــــــل           ويرفض هذا في تخـــــايله النســــــــر(7)

فــــقد يكتفي في تافه الـــــــزاد كاســـــــل           لأن كريم الـــــزاد مــــــــأتاه متعــــــــب

___________

(1) السعدان: نوع من القرود. أو نوع من النباتات.

(2) اشمخرت: تكبرت وتعاظمت.

(3) نفق الحنظل: راجت تجارته ورغبته الناس.

(4) البو: جلد ولد الناقة يحشى بعد أن يذبح ويقرب من أمه لتظنه ولدها قبل أن يذبح فتعطف عليه فيدر لبنها.

(5) البرة: العطوف على أبنائها بلطفها وإحسانها إليهم.

(6) جلامد: جمع مفرده جلمود أو جملد وهو الصخر القاسي كالصخر.

(7) البغاث: طائر بطيء الطيران لا يصلح لاستخدامه في  صيد غيره من الطيور لا يرغب في صيده لأنه لايؤكل. وتخايل النسر: تكبره وإعجابه بنفسه.

(29)

 

وأقلام هـــــــذي الناس كالناس نفســـــــها           ففي بعضها رجس(1) وفي بعـــضها طهر

قد يـــــــخدع الـــــــوهم سكراناً فــــيجعله           يــــــــظن أن الــــــــذي في كأسه القــمر

فالمـــــــجد يحتـــــــقر الجـــــــبان لأنــــه           شرب الصــدى وعلى يديه المنــــــــبع(2)

وتعـــــــجبت كـــــــيف نجـــــــهل حـــتى           الآن مـــــــــــا كل أحــــــــمر تفــــــــاح

وتلك قوامـــــــيس الحيـــــــاة فســـــــابق            له التمر والتالي جــــــــناه جــــــــدوع(3)

خـــــــلق النجوم بدفـــــــئها وشعاعهــــــا           حتى لمـــنتنةٍ الحضــــــــيض تــــــــزود

مهلاً فما مـــــــدح اللبـــــــاب بقشــــــــره           والسيف يبني المــــــــجد هو مــــــــجرد

فبحـــــــيث تجتـــــــمع الورود فراشــــــة           وبحيث لــــيلى يوجــــــــد المجــــــــنون

فلو كان في الأفـــــــق بعـــــــض النــجوم           لما ظــــــــل فــي ليــــــــله القاتــــــــم(4)

اســـــــأل الـــــــعود دون شـــــــــد وقرع           هل شــدا في لــــــــحونه وتــــــــغنى؟(5)

قد عذرت الخفـــــــاض إن آثر الـــــــــيل           فــــــــهذا مزاجــــــــه المــــــــطــــــبوع

فاحفظ فما تغنـــــــي التـــــــجارب غـافلاً           وضع الحصيل بمـــــــزودٍ مخــــــــروق

قد يصـــــــاغ الإنســـــــان حــــــدوة بغل           أو يصاغ الإنسان سيفاً صقــــــــــــــــيلا

وليس سيان مـــــــن يرعى بــــــشاهقه(6)           مع الكواكب أو يرعى مـــــــع الــــــــغنم

إن الدماء جـــــــلال في جـــــــراح وغًى           ولا جلال لها في جــــرح مــــــــحتجم(7)

وسيـــــــعيا التراب أن يدفــن الأنـــــــغام           فالجرس في الــــــــثرى لا يغــــــــيب(8)

وســـــــواء على الكـــــــــــسيح أكـــــــان           الساق ساقـــــــاً مــــــــقيداً أم طــــــــليقا

___________

(1) رجس: قذارة.

(2) الصدى: العطش الشديد.

(3) النواميس: جمع ناموس وهو القانون أو الشرع. والجدوع: كثير الانجداعات أي متقطع الجنى أو الاستفادة.

(4) القاتم: المظلم. هذا المعنى كرره في قصيدة أخرى:

فـــــــإذا الـــــــنجم لــم يلح في سمـــــــاء           آثر اللــــــــيل أن يقــــــــيم طــــــــويــلا

(5) قرع العود: صرب أوتاره.
(6) سيان: متماثلان: مفردها: سي: أي مثل ونظير.

(7) المحتجم: الذي تداوى بالحجامة.
(8) الجرس: الصوت أو خفيه وجرس الحرف: نغمته.

(30)

 

وإذا قـــــــلـت أنت كبش الســـــــرايـــــــا           لــــــــم أرد أن أعــــــــده للــــــــنطـــاح

       أما العاطفة في شعر الوائلي فإن لها أثراً مهماً وأساسياً، أنها جياشة ترفرف أجنحتها بخيلاء فوق القريض الذي يبعثه إلينا في جو يكون غالباً محموماً وأكثر ما يبرز ذلك في شعره الموجه إلى أولاده فقد سكب من روحه نفحات تربعت على عرش لما منسق الهندسة فضفاض الخيال استوحى فيها معاني الطفولة ولذاتها وصورها المطبوعة في خاطر الآباء وجسدها في أشعار مموسقة بوقع يؤنس القلوب ويذكر بالمحبوب:

بني وإن طالـــــــت بجـــــــسمك قــــــامة           أعوذها بـــالله واخــــــــضر شــــــــارب

وبــــــــانت على الأفعال منك رجولـــــــة           وعز إذا ما استبهم الأمــــر ثاقــــــــب(1)

فما زلـــــــت في عيـــــــني طفلاً بــــمهده          ينط كما نط الصــــــــــغار الأرانــــــــب

وفـــــــرخاً أغــــــذيه فإن فتـــــــرت يدي           عن الأكل يلوي وجــهه ويشــــــــاغب(2)

ويوسعنـــــــي شــتماً فـــــــألتذ شــــــــتمه           وألقــــــــم كفــــــــيه فمـــي وهو غاضب

وأمسح خديـــــــه إذا ســـــــال فـيهـــــــما           لعــاب وأوذي عضــــــــوه وأداعــــــــب

وأســـــــرق من ألعابـــــــه لأغيــــــــظــه          وأقــــذف منه بالنــــــــوى وأحــــــــارب

أحـــــــس إذا أنفاســـــــه لفحـــــــت فميذ            نعيماً وترتاح الأمــــاني اللواغــــــــب(3)

وألمح في عينيه كل خصائصــــــــــــــــي           وقد أتمـــــنى فيه ما أنــــــــا راغــــــــب

ستبقى الخميل الخصب في متــــــــــــخيل           وتبقى الحديث الحلو حين يجــــــــاذب(4)

       ومن قصائده الجميلة يطيب لي أن انتخب هذه الأبيات الحلوة المليئة بالحنان والعاطفة من القصائد التي وجهها إلى أطفاله، وهي على ما أظن من أكثر قصائد الديوان صدقاً وحرارة:

    

____________

(1) استبهم الأمر: صار غير مفهوم.

(2) فترت: ضعفت.

(3) اللواغب: جمع لاغبة وهي المتعبة تعباً شديداً.

(4) الخميل: الشجر الكثيف الملتف.

(31)

 

طيوفك الحلوى الوسنى بنـــــــي عــــــلي           في كل درب أراها وهي تـــــــضحك لي

ملأت كـــــــل جهاتي والزمـــــــان فــــلا           وجه ولا زمــــن إلا وفيــــــــه علــــــــي

أراك في كل طفل في الطـــــــريق مــشى           يدحو برجليه ما يلقاه مـــــن زبــــــــل(1)

يظل حين يرى في دربـــــــه جــــــــــملاً           لم يشتروه لي يبكي عــــــلى الــــــــجمل

بني يا خفقة الـــــــنعمى علــــــى كبـــــــدٍ           يدب فيها دبيب الــــــــبرء في الــــعلل(2)

إذا دجـــــــا اللـــــــيل شــدتني إليك رؤى           غراء إن حال بعد الــــــــدار لم تــحل(3)

تجلوك في حضن ماما والــكرى ســـــــنة           تدب منه إلى عينــــــــيك في مهـــــــل(4)

تطويك للـــــــصدر فـــــــي زند وأنـــملها           تشد من شعرك المجدول في خـــــصل(5)

تكاد تشـــــــرب من خديك قبلـــــــــــــتها           كظامئ عب في عــــــــل وفي نـــــهل(6)

تسقيك أحـــــــلى حكايـــــــاها مهـــــدهدة           حتى تنام على مــــــــهدٍ من العـــــــــسل

       وفي مرثياته دمعات صادقات لا يذرفها إلا الوفاء، ومن خلال هذا الدمع تتوثب رؤى واسعة عميقة تلوح كما تلوح الأشياء مغمغمة خلل الدموع، ومن ذلك قوله في رثاء زوجته ورفيقة عمره:

رفيقة عــمري هل لجرحـــــــي بـــــــلسم           رحيلك أدماه وما انقــــــــطع الـــــــــــدم

مددت لـــــــه كـــــــفي فـــــــلما رددتـــها           إذا الكف مما ينزف الجــــــــرح عندم(7)

_____________
(1) يدحو: يبسط ويمهد وقصد يركل. والزُّبُل: بقايا الأشياء، مفردها زُبالة.

(2) النعمى: الدعة ولين العيس، العلل: الأمراض، البرء: الشفاء.

(3) دجا الليل: أظلم واشتدت ظلمته. والرؤى: جمع رؤيا: وهي التصورات وأحلام اليقظة. وتطلق أيضاً على مايراه النائم في نومه من أحلام. والغراء: البيضاء أو الكريمة أو الشريفة. وحال بين الشيئين: حجز.

(4) الكرى: النوم. والسنة: النعاس أو الفتور الذي يسبق النوم أو أول النوم، أو الغفلة، وتدب: تمشي مشياً رويداً وتسري أو تدخل.

(5) المجدول: المضفور من شعر أو غيره.

(6) عب: شرب بلا تنفس ولا مص، والعل: الشرب أكثر من مرة تباعاً. والنهل: الشرب الأول.

(7) العندم: نبات بري تستخرج منه أصبعة صفر للصوف والقطن، وقصد انه وجد كفه مصطبغاً بنزيف جرحه.

(32)

 

أحاول أسلو الحزن أو أطرد الشـــــــجـــا           فيـــــــــكبر حزني بالســــــــلو ويعظم(1)

أنام على صمــــــت الجراح وصـــــــمتها           يعــــــبر عن حر الجــــــــوى ويترجم(2)

وأصحو على ســـكب الدموع ونوحـــــــها   وللدمــــــــع ثغر ربــــــــما يتكــــــــلم(3)

       ومن ذلك قوله في مرثيته لأستاذه المظفر:

لا لــــــن يموت ندي مـــــــنك مـــــــؤتلق           بالنيــــــــرات وللأمــــــــجاد منــــــــعقد

إني وحـــــــقك لا أنـــــــفك تـــــــؤنســني           رؤى ويلطم وعيي واقــــــــع نــــــــكد(4)

تــــــــراك عيني وذهني يحتويك فـــــــإن           مــــددت كفي إلى كفــــــــيك لا أجــــــــد

فكم مســـــــحت عيـــــــونــي عل خادعة           مـن الكرى أخبرت ما ليس يعتمــــــــد(5)

وكـــــــم حضــــــنت ظنوناً أن كاذبـــــــة           نعتــــــــك يدفعها للفـــرية الحــــــــسد(6)

لكـــــن قبراً على رمـــــــحين من بصري           يشدني فــــــــإذا كـــــل المنى بــــــــدد(7)

فــــأرعوي للنهى تجلوك لـــــــي أفـــــــقاً           رحــــــــباً يشع علــــــــى أبعــاده رأد(8)

ومن عطائك فيه ألـــــــف بـــــــاســـــــقة           شوامخ في نداها للــــــــسما نــهــــــــد(9)

لا يأكـــــــل الـــــــترب روحاً منك خالدةً            بل كل ما للـتراب الشلو والجــــــــسد(10)

       ولا شك أن القراء يتساءلون بعد هذا عن موقف الوائلي- وهو الذي كان مرشحاً قوياً ليحمل إلى أمته رسالة الوطنية والحرية والاصلاح- أمام

_______________

(1) السلو: النسيان أو ما يتسلى به المرء بغية النسيان، الشجا: الهم والحزن.
(2) الجوى: الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن.
(3) ثغر: فم.
(4) واقع نكد: واقع حزين.
(5) عل: لعل (حرف مشبه بالفعل). والخادعة من الكرى: الحلم من أحلام اليقظة أو التوهم.
(6) الفرية: الكذبة.
(7) بدد: متفرقة.
(8) أرعوي: اكف وارجع. والنهى: العقل. والمراد: وقت ارتفاع الشمس وانبساط الضوء في ثنايا النهار.
(9) الباسقة: الطويلة أو السحابة البيضاء التي يرتجى غيثها والمعنى الثاني أقرب إلى المعنى العام للبيت الشعري نهد: مرتفعة. جمع ناهدة.
(10) الشلو: العضو المتمزق الذي صار أشلاء.

(33)

 

الحرب الضروس، قد نتلمس له عذراً إذا رأيناه ساكتاً، لأن الضربة كانت أكثر مما نتصور والمحنة التي ابتليت بها الأمة أكبر مما نرى، وهي على مقدار من التعقيد الذي يصعب بسطه في هذه العجالة، لكنه مع ملابساتها وحساسيتها انضم إلى ميدان الرعاية الاجتماعية التي حتمتها طبيعة الحرب ووجه إلى ذلك كل عنايته، وكانت تمر عليه خلال ذلك صور مروعة من الحرب البائسة فيؤجج في ذلك قوافيه، وتهتز لذلك أنغامه.

       وقصيدته (سماسرة الحرب) من بين قصائده الحزينة المعبرة عن الظروف المؤلمة التي كانت تمر به من خلال صور الكآبة التي فرضتها الحرب:

ملأتم رباع الأرض بالنوح والـــنـــــــدب           كفاكم دماءً  يا سماسرة(1) الحـــــــــــرب

لـــــــقد ملها وحش الفلا وتــــــــجشأت(2)           بطون الرمال السمر من كثرة الـــــشرب

فأين عـــــــصـــــــور هــذبت من غرائز           وسارت مع الإنسان من أول الــــــــدرب

وعـــــــدنا لدنيا الغاب في كل ما بـــــــها            وحوشاً نغطي مخلب الوحش بالثـــــــوب

كفاكـــــــم دمـــــــاءً يـــا سماسرة الحرب           دعوها لرد الحق والوطن الـــــــــــمسبي

وللشـــــــرف المــــــجني عليه، فـــــــأمة           بلا شرفٍ تنداس بالنعل كالــــــــتـــــرب

فلـــــــيست دمــــــانا سلعة تشـــــــترونها           وما للدمــــا أثمان عند ذوي اللــــــــب(3)

لـــــــقد بـــــعتم قدس الدمـــــــاء وطهرها           ببخس من الأثمان يا إخوة الذئــــــــب(4)

وألقيتم من أجـــــــل دنيـــــــاً خســــــيسةٍ           وحفنة نفطٍ ألف يوسف في الجــــــــب(5)

كـــــــفاكـــــــم دمـاءً يا سماسرة الرحرب           دعوها لرد الحـــق والوطن المســــــــبي

________________

(1) سماسرة الحرب: تجار الحروب الذي يستفيدون من بيع السلاح للمتحاربين أو من أمور تتعلق بالحروب.

(2) تجشأت: غضبت أو ثارت للقيء أو ملت.

(3) اللب: العقل.

(4) إخوة الذئب كناية عن مكرهم وخداعهم وخيانتهم وفيه اقتبس من «إخوة يوسف» القصة القرآنية المشهورة ظهر واضحاً في البيت الشعري الذي تلاه.

(5) إشارة إلى غدر إخوة يوسف «عليه السلام» به.

(34)

 

ومن أجل مـــــــاذا؟ هل هناك قضـــــــية            تراد ويضرى دونها المــــــــرء للـذب(1)

       ويختم قصيدته بالتذكير بما آلت إليه الحرب من المصائب والرزايا مؤكداً على ضرورة الوئام، داعياً إلى الوفاق والسلام، مستوحياً من صورة الطفولة البريئة التي ذاقت ويلات الحرب المرعبة، مستلهماً من طهرهم، معاني الأمان والطمأنينة والمستقبل الحافل بالامنيات العذاب:

كفـــــــاكم دماءً يا ســـــــماسرة الـــحرب           في السلم ما يغني عن الــــــــمركــــــــب

وفي الـــــــسلم كــــسب من حلال فجربوا           بأن تتركوا من لعبة الدم والغصـــــــب(2)

إذا كـــــــان عمر المـــــــرء رحلة عابــر           ويحوي جناه غيره، فلمن يــــــــجبـــي؟!

ملأتم رباع الأرض من علــــق الدمـــــــا           وأولى بكم أن تغمروها من الخــــصب(3)

زرعتــــم بأشـــــــلاء الشباب حـــــــقولنا           وكان المنى أن تزرعـــوهن بالحــــــــب

سلبتم من الأطـــــــفال ضـــــحك ثغورهم           فأحزنتم من كان طــــــهراً بلا ذنــــــــب

أفيضوا على الأطفال دفـــئاً وهـــــــدهدوا           نفوسهم بالحلو والـــــــــسائغ الــــــــعذب

فلا نغـــــــم في الأرض من دون لـــغوهم           ولم لم يكونوا كانـــــت الأرض في جدب

فيـــــــا رب ألهمـــــــنا الـــــــسلام وأمنـه           ويا رب ذد عنا دهــــاقنة الرعــــــــب(4)

فأنـــــــت شجــــــبت الحرب(5) إلا كريمةً           وأنت جعلت السلم أكــــــرم يا ربــــــــي

       بهذا ترى كيف أن الوائلي سجل مأساة بلاده في أبيات حزينة يلفها الضباب الكثيب.

       وإذا كان هنالك ما يعاب به الوائلي فهو أنه عزوف لا يحب الشهرة، ويأنف أن يسلك إليها السبل التي سلكها غيره من بعض الشعراء، وهو

_____________

(1) يضرى: يثور ويتوحش. والذب: الدفاع ورد العدوان.

(2) لعبة الدم والغصب: التلاعب بدماء الأبرياء واغتصاب الحقوق.

(3) تغمره: تملؤه.

(4) الدهاقنة: جمع مفرده دِهْقان أو دُهْقان وهو التاجر أو زعيم الجماعة.

(5) شجبت الحرب: استنكرته ورفضته.

(35)

أزهد الناس بالشهرة التي تأتي عن طريق التهريج وجمع الأنصار والحواريين، وهو إلى جانب ذلك احرص على الشعر أن يتخذ وسيلة، لأن الشعر غاية لا يبلغها إلا النوابغ الموهوبون:

قالوا بأن الـــــــشعر لـــــــهو مرفـــــــــه            وسبــــــــيل مرتــــــــزق به يتــــــــذرع

وإذا تـــــــسامينا به فـــــــهو الـــــــصدى           للنفس يلبس ما تــــــــريد ويخــــــــلـع(1)

أن تطـــــــرب الأرواح فهو غــــــــناؤها           وإذا شجاها الــــــــحزن فهو الأدمــــــــع

فذروه حـــــــيث يعـــــــي غريـــــداً على           فنن ومــــــــلتاعاً يــــــئن فيوجــــــــع(2)

لا تطـــــــلبوا مـــــــنه فـــــــما هو بالذي           يبني ويــــــهدم أو يضــــــــر وينفــــــــع

أكـــــــبرت دور الشعر عما صـــــــوروا           وعرفت رزء الفكر في من لم يــــــعوا(3)

فالشعـــــــر أجـــــــج ألـــــف نار وانبرى           يلوي أنوف الــــــــظالمين ويـــــــجدع(4)

لو شــــــــاء صاغ النجم عقداً ناصـــــــعاً           يزهـــــو به عــــــــنق أرق وأنصــــــــع

أو شـــــــاء رد اللـــــــيل فـــــــي أسماره           واحـــــات نور تستــــــــشف وتــــــــلمع

أو شـــــــاء قــــاد من الشعوب كتائبـــــــاً           يعنو لها مــن كل أفــــــــق مطــــــــلع(6)

أنـــا لا أريد الشـــــــعر إن جـــــــدت بنا            نوب يخلي مــــا عنــــــــاه ويقــــــــبع(7)

أو أن يـــــــوشي الـــكأس في سمر الهوى           ليضــــاء ليل المــــــــترفين فيســــــــطع

أو أن يـــــــباع فـــــــيشـــــــتري إكلـــيله           تاج من المدح الكــــــــذوب مرصــــــــع

لـــــــكن أريد الـــــــشعر وهـــــــو بدربنا           مجد وســـــيف في الكفــــــــاح وأدرع(8)

_______________

(1) الصدى للنفس: ترجيعها وارتدادها.

(2) ذروه: اتركوه، فنن: غصن، ملتاعاً: مخترقاً.

(3) الرزء: العبء والثقل، من لم يعوا: الجهلة وضيقو الأفق.

(4) يجدع الأنوف: يقطعها.

(5) خضلا ندياً: يتضوع المسك، تنشر  رائحته.

(6) يعنو: يخضع وينصاع.

(7) يقبع: يتقوقع على ذاته.

(8) الأدرع: الدروع، جمع درع وهو ما يلبس في الحرب وقاية للجسم من الإصابات.

(36)

 

       والشعر- عند الوائلي- موقف قبل كل شيء:

جـــــــند الشـــــــعر للـــــــمواقف والشعــ           ــر بــــــال موقــــــــفٍ كلام رتيــــــــب

       ومثلما للشعر دوره الكبير في الحياة فإن للأدب عموماً رسالة يؤديها الأدباء الملتزمون حينما يتطلب الواجب وتدلهم الخطوب وقفتهم حيال الحق فيؤدوا تلك الرسالة بأمان واطمئنان غير ناكصين ولا متوانين:

سل الرسالات هل كـــــــان الأديب سوى            رســـــالة إذ يــــــــجد الأمر ترتقــــــــب

وصيحة تتحدى البـــــــغي أو قــــــــــبس           إذا ادلهمت على أبعـــادنا الخطــــــــب(1)

وفي النـــــــوائب ترجـــــــيع لــــــــوالهةٍ           وفي البطــــولات عزم مارد يثــــــــب(2)

وفـــــــي الـــــــشقائق فيرما يتجلى عــبق           وفي الصحــائف فيما يجــــــــتنى أدب(3)

       وكما أصبح واضحاً فالوائلي من اتباع المدرسة التقليدية في الشعر النجفي، بل من أنصارها والمدافعين عنها؛ لهذا فهو يستهجن الشعر الحر ويعتبره بدعة مؤداها عجز وقصور أصحابه عن النهوض بمستوى لأنفسهم يواكبون به الأدب الرفيع الذي تتطلبه الشاعرية الأصيلة:

وفريق تيمـــــــموا الشـــــــعر فاغـــــــــتا           لوه والشعر فكــــــــرنا الــمكتــــــــوب(4)

مـــــــزقوا هيـــــــكــلاً له فإذا الـــــــشعــ           ــر تفارــــــــيق مزقــــــت وجيــــــــوب

وأذابـــــــوا وقع الـــــــقــرار بمـــــــوسيـ           قاه فامــــــــتص روحــــــه الــــــــتذويب

وأتـــــــاه يســـــــتامه بـــــــــعد نـــــــزع           النسر من معـــــشر البــــــــغاث دبيب(5)

زعمــــــوه حـــــــراً وقـــــــد أنـــــــجبوه           ومحــال أن ينــــــــجب المجبــــــــوب(6)

_________________

(1) ادلهمت الخطب: تكاثفت وكثرت، فكانت كالظلام إذا اشتد سواده.

(2) ترجيع الوالهة: بكاء الأم لفقدها ولدها، فالوالهة: الأم التي يفرق بينها وبين ولدها.

(3) الشقائق: شقائق النعمان. والعبق: الرائحة الزكية.

(4) تيمم الأمر: توخاه وتعمده.

(5) يستامه: يقيمه والبغات: طائر لايرغب فيه لعدم جدواه.

(6) المجبوب: المقطوع من غيره.

(37)

 

إنـــــــها بدعـــــــة الـــــــتبني وهـــــــيها           ت يساوى بمـــا ولــــــــدت الربــــــــيب

إنمـــــــا استـــــــهدفوا النـــــــبوغ لعـــجزٍ          كي يـــــساوى بخامــــــــل مــــــــوهوب

هـــدف صـــــــارخ وإن ســـــــترتـــــــه            ظلمــــــات الإبــــــــهام والتغــــــــييب(1)

وسيقى في الـــــــناس كـــــــل أصـــــــيل           ويــــــــولي لأهــــــــله المــــــــجذوب(2)

       وأعتقد جازماً أن الوائلي لو جرب النظم على المنوال الملتزم الذي نجده عند السياب مثلاً لاجاد فيما أيما إجادة، ولتلخص من عقدة وحدة القافية ليسرح في الخيال بعيداً، راسماً صوره الشعرية المتدفقة بلا روية أو تكلف.

***

______________

(1) التضبيب: التعميات الضبابية.

(2) المجلوب: المستورد.

(38)

 

الإهداء

 

       إلى صغاري الذين ألهموني الحب الكبير . . .

       أهدي هذه المشاعر النابضة بالحب.

                                         أحمد الوائلي

 

(39)

 

(40)

 

القسم الديني

 

1- إلى الكعبة الغراء                                                     19- الدم الثائر

2- دعاء عند الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)       20- حديث الجراح

3- في رحال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)                      21- شموع الطف

4- بين النبوة والإمامة                                                   22- فاجعة الطف

5- غدير علي «عليه السلام»                                           23- إلى رحاب الإمام الحسين «عليه السلام»

6- مع الإمام علي «عليه السلام»                                      24- تغريد الرَّمل

7- في محراب العشق                                                    25- مدافع الجبن

8- مع النفس                                                             26- عقيلة الطالبيين

9- إلى أبي تراب «عليه السلام»                                       27- السيد زينب «عليها السلام»

10- إيحاءات نهج البلاغة                                               28- في مدرسة السجاد «عليه السلام»

11- الزهراء «عليها السلام»                                           29- عند باب الحوائج

12- الإمام الحسن «عليه السلام»                                      30- رسالة الوائلي للإمام الرضا «عليه السلام»

13- مولد الحسين «عليه السلام»                                      31- جواد الأئمة «عليه السلام»

14- رسالة للحسين «عليه السلام»                                    32- صلاة الحب

15- رسالة ثانية للحسين «عليه السلام»                              33- منطق العبرة

16- في ذكرى الحسين «عليه السلام»                                 34- رسالة للأمة

17- قتل الحسين يزيداً                                                   35- السيدة رقية «عليها السلام»

18- أبا الشهداء                                                         36- من وحي شهداء غذراء

 

(41)

 

(42)

 

إلى الكعبة الغراء

 

حمـــــــلت لبـــــــاناتي(1) وكـــــل رجائي           إلى بابك الحانــي عــــــــلى الفــــــــقراء

إلى سائغ من رحـــــــمة ومـــــــــصرد(2)           من النبع غــــــمر دافــــــــق بعــــــــطاء

يفيض لمحض الفيـــــــض(3) من دون منة          ولا خـــوف ذم وانــــــــتظار جــــــــزاء

ملامـــــــح ما غامـــــــت بوجه مـــــؤمل           ولا أعرضت عن ملحــف بدعــــــــاء(4)

ولا رحبـــــــت في مقبـــــــل دون مـــدبر           ولا فرقــت في الأهل والــــــــغربــــــــاء

ولا استترت دون العفـــــــاة(5) بــــحاجب           غلــــيظ ولا فــــــــدم(6) من الــــــــخفراء

يعبـــــــس للمـــــــستـــــــضعفين بوجـهه           ويبسم نــــــــحو الســـــــادة الكبــــــــراء

تساوى لديه القصر والكـــــــوخ واحتــفى           بمــــــــرتفع الأنســـــــاب والهجــــــــناء

وأين يرجى اللطف والـــــــعدل والنــــدى           بــــــــغيــر رحــــــــاب الله للــــــــنزلاء

***

دلفت إلــى الوادي وفي النـــــــفس صورة           تلوح ولــــــــكن لا تبــــــــين لرائـــــــي

فآنســـت فوق الرـــــــمل خطو محـــــــمد           وفــــــــي الأفق أطيافاً وســــــــحر رواء

وسيــــماء وجه ترسم الطهر والـــــــشذى           عــــــــلى كل وجه بالحــــــــمى وفــــناء

غــــداة تـــــــخطاها الـــــــنبي مهـــــــللاً           ليــــــــستاف نفح الوحــــــــي عند حراء

وعاد وعاد الوحي بيـــــــن شفـــــــاهــــه           مقــــــــاطع آيــــــــات وجــــــــرس أداء

______________

(1) اللبانات: جمع لبانة بضم اللام: الحاجة وما يطلبه المرء من رغبة وشهوة.

(2) المصرد: من صرد العطاء: قلله أو أعطاه قليلاً قليلاً.

(3) لمحض الفيض: لمجرده.

(4) الملحف بالدعاء: الداعي ربه بإلحاح.

(5) العفاة: جمع عاف، وهو طالب المعروف.

(6) الفدم من الخفراء: الحارس قليل الفهم والفطنة.

(43)

 

وفيض من النعـــــــمى تنــظره الـــــــسما           وتمنح فــــــــقر الأرض كــــــــل غناء(1)

فهومت(2) الصحراء تســــــمع همســـــــه           وتنــــــــعم من سحر بــــــــه وبــــــــهاء

وتشتار(3) من نـــــــورين وجه محـــــــمد           ووحــــــــي تغـــــــشاه، فأي ثــــــــنائثي

ولما تخطيب الحجــــون(4) وأصبحـــــــت           خــــــــطاي على شوق وقـرب لقــــــــاء

طرحت وآمــــــالي طـــــــوامح جـــــــمة           ثقال فمــــــــا أكدت ببــــاب كــــــــداء(5)

وأغرى سؤالي أن جـــــــودك صـــــــائحٌ           هلموا فعنــــــــدي منــــــــهل لظــــــــماء

وأنك أوجـــــــدت الضـــــــياء لـــــــمظلم           ولولا ظــــــــلام لم تجــــــئ بــــــــضياء

وأنك غوث مـــــــــا تشـــــــوق رفـــــــده           أخــــــــو محنة وارتـد دون جــــــــداء(6)

فإذ حط إبراهيـــــم هاجـــــــر وابنـــــــها           علــــــــى وجل في وحـــشة وعــــــــراء

وسعتهما مــــــــن رحمـــــــة وكرامـــــــة          ونبــــــــعين من مهوى القــــــــلوب وماء

وما كنت ربـــــــاً للنبيـــــــين وحـــــــدهم           فإنــــــــك رب النــــــاس والضــــــــعفاء

فيا رب عنـدي ألف هاجـــــــر وابـــــــنها           وأهــــــــل وشعــــــب غارق بشــــــــقاء

تمطى به فــــرط الـــــــبلاء فمـــــــر بأن           يخلص من ســــــــوء وفرط بــــــــلاء(7)

***

عكفـــت على حزني ألـــــــوذ بجـــــــمره           وأغــــــــرق فــــــــيه إن فيه شـــــــفائي

______________

(1) الغناء: الاستغناء.

(2) هومت: هزت رأسها، وهنا بمعنى أصاخت وانصتت.

(3) تشتار من نورين: تستضيء.

(4) الحجون: اسم موضع بمكة المكرمة.

(5) كداء: جبل بأعلى مكة.

(6) الجداء: الغناء والنفع.

(7) فرط البلاء: شدته.

(44)

 

ومن خبر الأحـــــــزان يعـــرف أنهـــــــا           هي المن(1) والسلوى(2) على نــــــظرائي

فلولا الشجا ما نغم الأيـــــــك(3) صــــادح           ولا امتــاز أهل الــــــــحزن في الشعراء

ولا كانـــــــت الخنساء لحناً مـــــــخــــلداً           ولا فـــجرت في صخــــــــر(4) نبع إخاء

وبعض الظما قد ينـــــــشد الورد بالظمـــا           ورب دواء تــــــــرتجيــــــــه بـــــــــداء

***

وما كنت شادي الــــليل دون صباحـــــــه           وبالصبح رأد(5) في شفيــــــف سنــــــــاء

ولكن عشقت اللـــيل نجـــــــماً وهـــــــدأة           وعمقاً يواري الحــــــزن عن رقــــــــباء

ومنطـــــــلقاً أرقى بـــــه كـــــــل شراهق           وأجعل فيه النجم وضــــــــيق وعــــــــاء

وأرســـــــل أحـــــزاني وضـــــــاءً طليقة           تحررن من قيد وضــــــــيــق وعــــــــاء

تعودن يـــــــشربن الإبـــــــاء مدامـــــــعاً           وما اعتدن غير النجــــــم من قرنــــــــاء

***

على الكعبة الغراء مـــرت جـــــــحافل(6)               ملبيــــــــة فـــــي خــــــــشعة وبكــــــــاء

تعادل في آمالها الـــــــخـوف والرجـــــــا           وزال عــــن العيــــــــنين كل غــــــــشاء

فبانت لها الدنيا غـــــــــروراً وباطـــــــلاً           ونتــــــــناً يغطى ريحــــــــه بغطــــــــاء

وقد نكشف الأسرار للـــــنفس ومضـــــــةً           تمر بــــــــها أو لحــــــــظة لصــــــــفاء

ولما دخلت الـــــــــبيت والمـــــــوج رائح           يرنح خطوي بالطـــــــواف رجــــــــائي

_________________

(1) المن: طل ينزل من السماء على شجر أو حجر ينعقد ويجف جفاف الصمغ وهو حلو يؤكل. وقد انزل الله عز وجل المن على بني إسرائيل في التيه ليقتاتوا به.

(2) السلوى: ما يسلي ويذهب الهم والحزن.

(3) الأيك: الشجر الكثيف اللملتف.

(4) صخر: أخو الشاعرة الخنساء الذي رثته رثاء عظيماً عندما قُتل في إحدى المعارك.

(5) رأد الضحى: وقت ارتفاع الشمس وانبساط الضوء في شباب النهار. والرأد: الفتاة الناعمة.

(6) الجحافل: جمع جحفل وهو الجيش الكثير وفيه خيل، والمقصود جموع الحجاج.

(45)

 

تـــــــحررت من تـــــــلك الحــواجز كلها           ولم يــــــبق مــــــــنها واحد بــــــــإزائي

فـــــــما من زمان أو مـــــــكـــان أو الأنا           ولا كـــل تعــــــــريف لدى الــــــــحكماء

وألفيـــــــت وجهاً وهــــمـــــــت فيه ولجة          سبحـــت بهــــــــا من روعة وســــــــناء

وأمـــــــلت أن يفنى المـــكان ويـــــــنتهي           الزمـان ومــــــــا بالبين من وســــــــطاء

ويرجـــــــع قـــــــطر من بحار لأصــــله           وللوطـــن المنــــــــشود يرجع نائــــــــي

***

سلام رحاب الوحي من بطـــــــن مكـــــة           ومــــــــهبطه في غــــــــدوة ومــــــــساء

على البيت فيما ضـــــــمه من مــــــشاعر           يحــــــــن إليها الشوق في بــــرجــــــــاء

على الطائفين العاكفـين وأصحـــــــرت(1)           مشــــــــاعرهــــــــم لله دون خــــــــفــاء

على هزة من خشـــــــية الله عــــــــــندهم           علــــــــى الصلوات الغر والحــــــــنفــاء

على ضعف أبناء الثمانين أرمــــــــــلوا(2)           بســــــــعيهم من مــــــــروة لصــــــــفاء

رأوا أن وجـــــــه الله أبـــــــقى ذخيـــــرةً           مــــــــن المــــــــال والأولاد والرفـــــقاء

فثابوا يحطون الجـــــــباه بخــــــــــــــشية           عـــلى الحجر(3) أو بالخيف(4) أو بقباء(5)

وبالبيت لمح منك ربـــــــي ولوحـــــــظوا           بأكــــــــثر ذابوا في جوى العــــــــرفــاء

***

ويا رب روحـــــــي أثقـــــــلتها ذنـــــوبها           وأرهقــــــــها حــــــــزن وطـــــول عناء

واوحشـــــــها فقد الاحـــــــبة فانتهـــــــت           الى منــــــــزل قفــــــــر الفــــــناء خواء

_______________

(1) أصحرت المشاعر له: ظهرت دون خفاء.

(2) أرملوا: استنفدوا قواهم في السعي.

(3) الحجر: جانب الكعبة من جهة الغرب وهو ماحواه الحطيم (مكان في المسجد الحرام أو جدار حجر الكعبة).

(4) الخيف: مكان مرتفع في منى.

(5) قباء: موضع عند الكعبة أيضاً.

(46)

 

وأنت عطاء لا حدوج لفيـــــــــــــضــــــه           وقرب مـــــن الداعــــــــين ليس بنــــــاء

وقد لاذ فقري في غــــــــناك وغـــــريتـي           بأنســـــك يا ذا المــــــــجد والنــــــــعماء

وأرسلت توحـــــــــيدي لذاتك مـــــخلصـاً           وورد خفــــــي الصــــــــوت غير مرائي

ومثـــــــــــــــلك لا يعنيه مقـــــلي فلم تكن           تضيق رحـــــاب منــــــــك بالبؤســـــــاء

وما جعلت ما بيـــــننا أي نســـــــــــــــبـة           وما ذرة في الكــــون غــــــــير هبــــــاء

لمن كل هذا العـــــــــــفو إن لم تـــــفز به           مماليك أمثالي مــــــــن العتـــــــــــقـــــاء

***

على تلعات بالمحــــــصب(1) من مـنـــــى           وفي عرفات(2) الله كــــــــان ثوائـــــــــي

شممت الثرى طيباً وعانقت عـــــــفـــــرة           وأضجعت خدي فــــــــوق خيـــــر وطاء

وعاينت وجه الله فـــــي كل تلعــــــــــــــة           وفي كل أفق حــــــــولـــــها وفــــــــضاء

وأدركت للإسلام بالحـــــج حرصــــــــــه           على وحدة للمــــــــسلمـــــين ســـــــــواء

يذوب بها الأعلى بـــــأدنى ويلتـــــــــقــي           بمنظورها الأتــــــبــــــــاع بالرؤســــــاء

فأبقيت وكفاً(3) من دموعي عـــــلى منـــي           ليحسب يـــــوم الحــــــــشر من شفعائـي

ولو كان قلبي يعدل الهـــــدي(4) سقـــــــته           إلى الله هديـــــاً دون كــــــــل فــــــــــداء

فيا رب ضيف في فناك حـــــوائجــــــــي            بمأدبة مــــلأى بــــــــكل غـــــــــــــــذاء

تضلع منها كل بر وفـــــــــــــــــاجـــــــر           وأضــــفت على الجهــــــــال والفــضلاء

______________

(1) تلعات المحصب من منى: مواضع فيها، مفردها تلعة وهي من الأضداد وتعني: إما الأرض المرتفعة المشرفة أو الأرض المنخفضة.

(2) عرفات وعرفة: جبل قرب مكة يقف عليه الحجاج يوم التاسع من ذي الحجة.

(3) الوكف من الدموع: ما يسيل قطرة قطرة.

(4) الهدي: ما يهدى إلى الحرم من الإبل والبقر والغنم لينحر ويذبح هناك ويتصدق بلحومه. الواحدة هدية.

(47)  

وما حرمت حتى الـــــــــكفور بربـــــــــه           وتلك ســــــــجايا السادة الكرمــــــــــــاء

ويا رب نقصـــــــــي عن كمالك عــــاجز           ثناه وإن يسمــــــــى من الفصحــــــــــاء

ومنك إليك الفضـــــــــل والحـــــــــمد كله           فإني وإن أثنــــــــيت منك ثنائـــــــــــــي

***

أيا رب حــــــــــالت دون حجي حوائل(1)           فأرسلت دمعــــــــي  داعياً وندائـــــــــي

وللضر أصــــــــــوات إذا أمت الســـما(2)           يفك لها للــــــــتو باب ســـــــــــــــــــماء

فأنت حضور عـــــــــــند كل توجــــــــــه           وأنت بــــــــقاء بعد كل فنـــــــــــــــــــاء

وما كان حج قد أمــــــــــــرت بفعلـــــــــه           سوى مــــــــظهر الإذعان(3) من صلحاء

وإل فأنت الله لا أيـــــــــــن أو متــــــى(4)           ولا نــــــــعت قدام لــــــــــــــــــه ووراء

وعندك ما يــــــــــــطفي أوار حشاشتي(5)           ويمــــــــسح أحزاني وفرط إســـــــــائي

***

أيا واحداً في كـــــــــــــل نعت وقـــــــدرة           تنزه مــــــــعناه عن الــشركــــــــــــــــاء

وتسبيحة في كـــــــــــــل شيء، وحكمـــة           على الكــــــــون يبدو سـرها بــــــــجلاء

ويا أملاً في كل قــــــــــــــلب معــــــــذب           ويا بســــــــمة في أعيــن التعســـــــــــاء

ألست خلــــــــــــــقت الحب والخير كلـــه           وشــــــــائج(6) للأدنيـــن والبــــــــــــعداء

ولي وطن فــــــــــــــيه أذوب وصبــــــية           بنيتــــــــهم من أدمـــعي ودمـــــــــــــائي

_______________

(1) حوائل: موانع. مفردها حائل أي مانع.

(2) أمت السماء: قصدتها وتوجهت نحوها.

(3) الإذعان: الانقياد والخضوع.

(4) لا أين أو متى: بلا حدود أو زمانية.

(5) أوار حشاشتي: ظمأ روحي.

(6) الوشائج: جمع وشيجة وهي الرابطة أو القرابة المشتبكة المتصلة.

(48)

 

وكلهم قد مـــسه الضـــــــــــــــــر والأذى           وبات علـــى قيــــــــد مـــــــــــع السجناء

بكفك يا رب المفاتــــــــــيح كلــــــــــــــها           وناصـــية الأشرار والشــــــــرفـــــــاء(1)

وأنت ولي(2) فاكشف الضـــــــــر والأسى           فما ضــــر لو اكرمتــــــــني لولائـــــــي

وما ضر لو أرســــــلــــــــــت منك إرادةً           لتــــــــنـــهي احتــــــــكام القيد بالأسراء

***

_______________

(1) ناصية الأشرار والشرفاء: أقدارهم.

(2) الولي: الناصر الكافي والمحب والحليف والصديق والقائم بكفاية الخلق، والولي من أسماء الله الحسنى.

(49)

 

دعاء عند الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)

       نظمت أوائلها في مسجد الرسول الكريم، ثم أكملت 1408هـ

نمنم(1) الصـــــــــــفح والرضا في عقـــود           ثم قــــــــلد إذا منــــنــــت قصــــــــــيدي

ياهدى الـــــــــــروح والمنى يا رسول الله           يا كعــــــــبة الــــــــهوى المــــــــمود(2)

أنت عندي لــــــــــــكن دارك شطـــــت(3)           فتوجــــــــهت للقريـب البــــــــــــــــــعيد

حاملاً في يــــــــــــدي من ولـــــــــه الأر           واح(4) شــــــــعراً ومـن مـــذاب الكـــبود

آملاً ما منحـــــــــــــت كعباً وحـــــــــــسا           ن وها منكــــــــبي فهـــات بــــــرودي(5)

***

طيــــــــــبة يا شذا البساتين طيـــــــــــــباً            يا هديل المــــــــرجع الأغـــــــــــــــرود

يا رؤى جـــــبريل والــــــــــــــنور والأنـ           ـغام في نبرة الكتــــــــاب المجـــــــــيـــد

يا عبير الفتوح يـــــا وهــــــــــــــج الأمــ           ـجاد من عزمة الكــــــــماة الصـــيــــد(6)

يا ليالي القدر الكريــــــــــــــمة قـــــــدراً            وخشوع التسبــــــــيح للمــــــــــــعبـــــود

يا عطاء القرآن يصنع دنــــــــــــــيــا الــ            ـحب في أمة مــــــــن الجلــــــــمـــــود(7)

يا أسارير من محيا أبي الــــــــــــــــزهــ            ــراء عاشت علـى الزمــــــــان الـمديـــد

***

شد عيني على رحــــــــابــــــــــــــك أفق            رمقته الــــــــــسمــــــــاء بعين حـــــسود

______________

(1) نمنم الصفح: أجمعه.

(2) المعمود: الذي أثر فيه العشق.

(3) شطت: أفرطت في البعد.

(4) وله الأرواح: تحيرها من شدة الوجد.

(5) البرود: جمع برد وهو الثوب المخطط أو الموشى الذي يلتحف به.

(6) الكماة الصيد: الأبطال الشجعان المزهوون بأنفسهم.

(7) الجلمود: الصخر.

(50)

تتهادى الغيمات فـــــــــي بعـــــــــده الأز           رق مثل الرئيـس بيـــــــن الجـــــــــنــود

حسبـــــــها أنها تلـــــــــطف بـــــــــالأفــ            ياء مـــــــــن قســـــــوة الـهجير الشـــديد

والـــــــــنخيلات فارعـــــــــات شـــموخاً           في تثــن كالســـــــــمهري(1) المديــــــــد

يشبه الزهو في بنــودك فـــــــــي بـــــــــد           ر وأخد فيـــــــــا لـــــــــزهـــو البنـــــود

***

وقـــست نسمة فـــــــــسف عـــــــــجاج(2)          ـلك تغـــــــزو بفـــــــــكرة لا عـــديــــــد

ضابحات(4) يعلكن باللـــــــجم والـــــــــبيـ           ض(5) وميض وجذوة فـــي الغــــــمود(6)

فـــــــــي رعيل من صحبك(7) الغر لو شا           ء لنــــــال الســـــــــماء فــــــي تصـــعيد

بنشـــــــــيد: الله أكبـــــــــر فــــــــــي أفــ           واههـــم بالـــــــــقدس ذاك الـــــــــنشــيد

***

ونظــــــــــرت الـــــــــثرى فلاحت لعيني           صــــــور الكــدح والعنا المجـــــــــهــود

ومساحي(8) الأنـــــــــصار في الحقل والنا          ضح(9) والصوت من صرير الــكرود(10)

المـــــــــطاعيم(11) حـــــــــيث ما لنـــزيل           يطــــلب الرفد مـــــــن قــرىً(12) وورود

 

______________

(1) السمهري: الرمح الصلب العود المقوم.

(2) سف عجاج: نثر الغبار.

(3) سنابك الخيل: جمع سنبك أي أطراف مقدم حوافر الخيل.

(4) ضابحات: تصدر أنفاسها في أجوافها أصواتاً في أثناء العدو.

(5) البيض: السيوف: مفردها: الأبيض.

(6) الغمود: جمع غمد، وهو غلاف السيف أو قرابه.

(7) رعيل من صحبك: وهو غلاف السيف أو قرابه.

(8) المساحي: جمع مسحاة وهي أداة الفلاح لقشر القمح وجرفه.

(9) الناضح: الذي ينضح الماء من البئر أي يستخرجه.

(10) الكرود: جمع كرد وكرد هو القفا أو الدبرة.

(11) المطاعيم: جمع مطعام وهو كثير الإطعام وكثير الأضياف.

(12) القرى: ما يقدم للضيف.

(51)

 

ينتمي البــــــشر للشـــــــــمائل مـــــــــنهم           كـــانتمـــــــــاء الرحيـــــــــق للعنـــــقود

حلفــــاء النبي أنصـــــــــار ديـــــــــن الله           أهـــل الإيــثار رمـــــــــز الصـــــــــمود

قـــــــــد تنـــــــــادوا لربهــــم وهو ناداهم           فيــا للرعيـــــل نـــــــــادى ونـــــــــودي

صـــــــــور ردت الحيـــــــــاة نــــــــعيماً           وأتت مـــرة فـــــــــهل مــــن مـــــــــعيد

***

يـــــــــا رمـــــــال البيداء هل نسي الرمــ           ــل أم استـــذكرت رمــــــــال البيـــــــــد

يـــــــــوم يــــــــمشي (محمد) فيتيه الرمل           مـــــــــن خـــــــــطوه الوقـــور الوئيد(1)

والصـــــــــحارى روح ألـــــــح عليه الــ            جـــــــــدب، فاشــــــــتاق للغـــد الموعود

للخـــــــــضيل(2) الســــخي يغدق بالخصـ           ـب علـــــــــى قــــــاحل الربـــى والنجود

للكمـــــــــالات للشهـــــــــامة للــــــــــحر           ية للـــــــــحق للطـــــــــريق الســـديـــــد

فانتخـــــــــت(3) عنـــــــــد يثرت وثبــات            تـــــــــعد الدهـــــــــر بالـــغد المنشــــود

وعدتـــــــــه أن ينثنـــــــــي مطـــــــــمئناً           بكـــــــــريم وصـــــــــادق مـــن وعـــود

***

في خـــــــيال الدنيـــــــــا نوابـــــــــغ أفكا           ر تحـــــــــلى الزمـــــــــان منـــها بجــيد

خالـــــــــدات في حيــــــــن بادت حضارا           ت ومـــــــــاتت شرائـــــــــع فـــي مهود

أرجـــــــــف(4) الكـــــــــفر أنهــــا فكر با           دت ولفـــــــــت خوافـــــــــق مـــن بنـود

شـــرعة الله ســـــــــوف تبقى مـــــــــعيناً           ودماً نابـــــــــضاً بـــــــــكـــل وريـــــــد

كلمـــــــــا أجـــــــــدب الــــــزمان تنامت           واســـــــــتفاضـــت حـــــــــقـــولها بجديد

أنـــــــــها حـــــــــاسر بجنب وجـــــــــوه           زوقـــــــــوهـــا ببـــــــــهـــرج(5) وورود

 

_____________

(1) الوئيد: المتمهل المتأني.

(2) الخضيل: الندي المبتل.

(3) انتخت: أصابتها الحماسة والمروءة والنخوة.

(4) أرجف الكفر: ادعى كذباً.

(5) البهرج: الباطل والزائف والرديء.

(52)

 

فانــــــتقاها الكمال والصـــــــــيرفي(1) الـ           ـفهم ما غاب عنه زيـــــــــف النــقــــــود

***

يا ســـــــــرايا محمد أيـــــــــن مـــــــــــنا           حلبات في أمـــــــــسنا المـــــــــفـــقــــود

يـــــــــوم كـــــنا وخيلنا تعـــــــــبر النجــ           ــم وتسمـــــــــو مـــــــــغذة بـــالصعــود

ســـــــــورة الفتـــــــح في صليل مواضيــ           نا(2) لهـــــــــاث الأنـــــــــغام فــي ترديد

والأمـــــــــاني عـــــــــندنا في سؤال اللــ           ــه إنـــــــــجاز وعـــــــــده لا الـــوعيــد

مـــــــــا الذي نـــــــــاب مــــشرئب خدود           فـــــــــإذا نحــــــــــن ضارعات الخــدود

دجنـــــــــونا  فنـــــــحن صوتت ابن آوى           بعـــــــــد أصــــــــداء من زئير الأســود

وتـــــــــولى صـــــــــراعنا عن جــــــهاد           واغـــــــــتدى بـــــــــين قـــــائد ومقـــود

وجـــــــــه الـــــــــقادة اللـــــــظى لصدور          حسبـــــــــتهم درع الخـــــــطوب الســود

تـــــــــاجروا في دمائـــــــــها واستـــباحو           هـــــــــا، وعضــــــــوا زنودها بالحديــد

أـــــــــكلوا يومها وبــــاعوا الــــــــذي يـأ           تي، ولاقـــــــــوا نعـــــــماءها بالجـــحود

رؤساء عــــلى الشـــــــــعوب ســـــــــباع           ونعـــــــــال خــــــــدودهــم لليهـــــــــود

فـــي شـــــــــعار تـــــــــقدمي بلفـــــــــظ           وفعـــــــــال رجــــــــعيــة التجســـــــــيد

أنكـــــــــرتها حتى الوحــــــــوش لما فيــ            ـها من الظــــــلم والـــــــــخنا والجمـــود

***

أيها الزائـــــــــر البـــــــــقيع(3) تـــــــأمل           روعة المـــــوت فـــــــــوق تلك اللحـــود

وتمل الســــــــنا فـــــــــذا من نجـــــــــوم           ســـــــــكنته فــــــلألأت بالـــــــــصعيـــد

الثم الـــــــترب خـــــــــاشعاً وتنـــــــــشق           عـــــــــبق الخـــــــــلد في رمال الشهيــد

ها هنا راقــــــــدون قد صـــــــــنعوا اليقـ           ظة فالمـــــــــجد في ضــــــريح الرقـــود

____________

(1) الصيرفي: حسن التصرف لإدراكه حقائق الأمور.

(2) المواضي: جمع الماضي وهو السيف القاطع.

(3) البقيع: مقبرة في المدينة المنورة اسمها الأصلي: بقيع الغرقد.

(53)

ها هنا للنـــــبي نـــــــــامت فـــــــــروع             عـــــــــرفت فيهم ســمـــــــــات الجــدود

ها هنــــــــا يرقد النـــــــــبي بأهـــــــــليـ            ــه، فهـــــــــم ســــــــنخه(1) بدون قيـــود

ها هنا مــــعقل الإمـــــــــامـــــــــة والديــ           ـن وصـــــــــنو التقى(2) ورهط السجــود

كل فـــــــــعل دون المـــــــــقاييس قــد يفـ           ــضي إلـــــــــى ســــــيء من الـــمردود

سأل الــتعارفون عـــــــــن سر فـــــــــعل           لـــــــــم يكلل بالنـــضج والتـــــــــسديــد

شدتم قبـــــــــر أحـــــــــمد ومنعـــــــــــتم           منـــــــــح أولاده بقبــــــــر مشـــــــــيـــد

أصحـــــــيح أم يمـــــــــنع المثل حكم الــ            ـمثل وهـــــــــو النـــــــــضير بالتحديـــد

فاشمخوا(3) لا يضـــــــــيركم (آل طـــــه)           أن تعرى مصـــــــاحف مـــــــــن جلـــود

يــــــا فراخـــــــــاً (لفاطم) و(عـــــــــلي)           جاء يسعى لبابـــــــــكم مقـــــــــصـــودي

مــــــدداً يا أعـــــــــز من فتـــــــــية الكهـ           ـف أفيـــــــــضوا فكلبــــكم بالوصيـــد(4)

***

يا كساء ببـــــــــيت فاطم ضــــــــــــم الــ           آل فـــــــــي يـــــــــوم مــــوقف معــدود

و(البـــــــــتول الزهرا) تـــــــــعـــد لطفليـ           ـها سخاباً(5) فـــــــــي خيــــطه المشــدود

وبقـــــــــايا النعاس في أعيـــــــــن الأطـ            ـفال نامـــــــــوا عــــــلى سرير الجريـــد

ويدا فـــــــــضة تلـــــــــملم فــــــــي جنــ           ـب الرحى حـــــــــفنة الدقــــــيق البديـــد

وعلي ســـــــــقى  بعـــــــــيلات نخـــــــل          وأتى أهـــــــــله بأجــــــــر زهيــــــــــــد

بيد مـــــــــمسك ببضـــــــــع تمـــــــــيــرا          ت وأخـــــــــرى بحزمـــة للــوقـــــــــود

وتـــــــــعد (الزهراء) مــــــن أدم(6) (الطا          ئف) فرشـــــــــاً وخيشـــة للـــقعـــــــــود

______________

(1) سنخه: أصله.

(2) صنو التقى: نظيره ومثيله.

(3) اشمخوا: ارفعوا أنوفكم تكبراً وتعاظماً.

(4) بالوصيد: فناء الدار والبيت، وعتبة الدار. ورد في الآية/ 81 من سورة الكهف: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد).

(5) السخاب: قلادة من قرنفل ونحوه ليس فيها لؤلؤ ولا جوهر. يقال: «وجدتك وارث السخاب: أي كالصبي لا علم له (المنجد)»

(6) الأدم: مفردها الأديم وهو الجلد.

(54)

 

وتعد الطـــــــــعام في طبق الــــــــخوص           رغيفــاً وبـــــــــرمة مـــــن عـــــــــصيد

اكـــــــــلوا والنبـــــــــي في دعـــــــــوات           ضـــــــــارعــات بخشـــعة وهجـــــــــود

رب أولاء أهـــــــلـــــــــي فطهـــــــــرهم           وهبهـــم رضـــــــــاك يــوم الـــــــــخلود

إيـــه (آل النـــبي) مـــــــــا مـــــــــثل هذا           أي مجـــــــــد مــــــــن طـــارف(1) وتليد

أين (كسرى) وأين (قيـــــــــصر) مـن هـ           ـذا على كل مـــــــــا لـــــهم مـــن رصيد

***

رب جئـــنا إليك مـــــــــنك فـــــــــهذا الــ           كون جزء من فيـــــــــضك المـــــعهـــود

رشحة من عطـــــــــائك الغمر يـــــا رب           فمنك الـــعطاء محـــــــــض الجـــــــــود

يا عطاءً ما شـــــــــابه النقص والـــــــمن           ويا رحمـــة الحـــــــــميد المجـــــــــيــــد

كل شـــــــــيء مـــــــــسترقد منك ذاتـــــاً           فافتقاري إليـــك معنـــــــــى وجـــــــودي

ومحــــــــــال إذ يـــــــــسأل النقص نقصاً           مثـــــــــلـــه أن يـــــــــمده بالمـــــــــزيد

يا نــــدى يبــــــــتدي ويعطي ويعطي الــ            خيـــــــــر حـــــــــتى لكــــافر وجـــحود

بي يــا رب لوعـــــــــة ما لهـــــــــا إلاك           يطفـــــــــي مـــــــــن حـــرها الموقـــود

ويــــــقيني أني كنـــــــــود(2) ولكنــــــــك           أســـــــــمى مـــن مذنـــــــــب وكــــــود

إننـــــي جئت أنـــــــــتحي مـــــــــنك باباً           لا بـــــــــذي شــــــــحة ولا المـــســـدود

رب والـــــــــكون مـــــــــبدأ ومــــــــعاداً           هو من فيـــــــــض مـــــــــبدئ ومعـيـــد

رب فارحم عـــــــــبداً ألح عليـــــه الضر           وارفـــق بناحـــــــــل مثـــــــــل عــــــود

يا جـــــــــلالاً ويا جـــــــــمـــــالاً ويا رباً           تســـــــــامى بالعـــــــــدل والتـــــوحيـــد

كل شـــــــــيء ثغر ينـــــــــاجيــــك بالكو           ن بلـــــــــحن التـــــــــسبيح والتـــحميــد

_____________

(1) الطارف والتليد: الحديث والقديم.

(2) الكنود: الجاحد للنعمة.

(55)

 

أيها الـــــــــهابطــــــون في رغبـــــــــات           نــــــال منــــــها حــــــتى أخـــس القرود

ها هنـــــــــا يطفأ الغـلـــــــــيل فهـــــــــيا           ننـــزل الرحــــــل عــــــند نبع بــــــرود

فالـــــــــجنان المفوفـــات(1) هـــــــــراء(2)          جنــب رمــــــل النقــــــا ووادي قديــــــد

والخزامى والياســـــــــــمين الـــــــــمندى           وهزيــــــج مــــــن صــــــادح غــــــريد

وبلـــــــــيل النسيم في راعــــــــش الأفياء           والــــــدل مــــــن حســــــان غـــــيــــــد

لا يســــاوي الهجير(3) في وهج الصحراء           أو عــــــوســــــجـــاً بــــــسفــــــح زرود

فهنا تــــــــستجم مــــــتعبة الأربعـــــــــاء           واح في عــــــالم الــــــرضـــــا والشهود

والســـــــــعادات لــــــــيس إلا بـــــــــدنيا           الله في أفقـــــه الكــــــريم الســــــعــــــيد

***

______________

(1) المفوف: الرقيق الموشى. والكلام هنا سخرية ممن ينقادون وراء شهواتهم ويتخلون عن الاستقامة والصلاح ولو أنه قال: أنزلوا الرحل لكل التعبير في رأيي أفضل وأنزه له.

(2) الهراء: فاسد القول أو المنطق وسخيفه وغير المستقيم على نظام.

(3) الهجير: وقت نصف النهار في القيظ خاصة أي في شدة الحر.

(56)

 

في رحاب الرسول (صلى الله عليه وآله)

 

       نظمت بالمدينة المنورة عام 1976م

أتيتك بالأشواق أطــــــفو وأرســـــــــب(1)           وكلــــــي آمــــــال وكلــــــك مــــــطلب

ملكت على بــــــعد الديار مـــــــــشاعري           فأنت إلى ذهني مــن الفكــــــر أقــــــرب

إلى أن دنت منـــــــــي الديـــار وأصبحت           قبابك في عيــــــنـي تــــــهل وتــــــغرب

تلاشت حـدودي في حدودك والهـــــــــوى           توحــــد أشــــــتات(2) بــــــه وتــــــذوب

فعــــــــدت وما إلاك عند مشاعـــــــــري           فأنت بــــــها فــــــكر وديــــــن ومــذهب

***

قطــــــــعت إلـــــــــيك البيد شاسعة المدى           إذا ما تقضى سبسب جـــــد سبســــــب(3)

تخــــايل فيها الرمل أن صـــــــــار معبراً           إلــــــيك ودرب للــــحبــــــيب محــــــبب

ولاح علـــــــــــيه رسم أخفاف ناقـــــــــة           غزوت عليها يـــــــوم لله تــــــغضــــــب

وقافلة مـــــــــازال رجع حــدائـــــــــها(4)           يغــرد في بــــــدر وأحــــــد ويــــــطرب

عليها من الصـــــــــحب الكـــــرام عزائم           إلى الآن بالصـــحراء منهــــــا تــــــلهب

يـــــــــقود بـــــــها للفتح فكر معــــــــمق            ويحـــدو بها للنصر ســــــيف مجــــــرب

وما قـــــــــام مجـد تسامت حضـــــــــارة           بغير النهى يفتن(5) والســيف يــــــضرب

***

ولـــــــــما وطـأت المسك من أرض طيبة           وهــــــب عبــــــير من شذى الخلد أطيب

وأقحمـــــــــت طــــرفي لجة النور لوحت           شمائل أشهى مـــن خــــــميل وأعــــــذب

_____________

(1) بالأشواق أطفوا وأرسب: تتقاذفني المشاعر والأحاسيس.

(2) الأشتات: الأمور المتفرقة.

(3) السبسب: القفر والمفازة والأرض المستوية البعيدة.

(4) حداء القافلة: الإنشاد الجماعي من قبل الركب على وقع خطو الإبل.

(5) النهي الذي يفتن: العقل القيادي العملي.

(57)

 

تخيـــــــلت عشراً من قرون وأربـــــــــعاً           ستبعد طرفي عــــــن رؤاك وتـــــــحجب

ولكن رأيــــت الأمس عندي بـــــــــسحره           ثري كمــــــا يـــهوى الجلال ويطلــــــب

كأن الـــــــــــسنين الذاهبات وبـــــــــعدها           مراياً بهــــا تدنــــــو إلــــــي وتــــــقرب

ولملمت طرفي من سنــــــاك ولـــــــــمعه           كذا الشــــــمس تعــشو العين منها وتتعب

وراودت فكري أن يـــــــــعـيك فـــــــــأده           بأنــك أوفــــــى من مــــــداه وأرحــــــب

فآويت للذكرى يمـــــــــس ســـــــــلافهـــا           فمي فــــــإذا ريــــــقي لهــــــا يتـــــحلب

وهومت(1) للأصداء تـــــــــسكر مسمعــي           بأنغامها فالدهـــــر هيمــــــان مــــــطرب

***

سماحاً أبا الزهراء أن جئـــــــــت أجتلــي           سناك واســـتهدي الجــــــلال وأطلــــــب

إذا لم تؤمل فيض نـــــــــورك ظلــــــمتي           فمن أين يرجــــــو جلــوة النور غيهب(2)

وإن لم يلج ذنبي بـــــــــبابك خاشـــــــــعاً           فمن أين يرجـــو رحــــــمة الله مــــــذنب

ومثلك من أعطى ومثــــــلي من اجتدى(3)           فإن السما تنهــــــل والأرض تــــــشـرب

وما عند باب الأنبيـــــــــاء مـــــــــعــــرة           فــــــليس عــلى من أم بابك معتــــــب(4)

أهبت بنقصي فاستـــــــــجار بكامـــــــــل           إلى ذاته ينــــــمى الــــــكمال ويـــــنسب

وأغرى طلابي أن فيـــــــــض معيـــــــنه           مدى الدهر ثر(5) ما يجــــف وينضــــــب

وعفرت خدي في ثرى مـــــــــس عفـــره           لجبريل مــن جــــــنحيه ريش مــــــزغب

وفيه محـــــــــاريــــــــب لآل مـــــــــحمد           بهـــــن ضراعــــــات إلــــــى الله تنصب

وآثـــــــــار أقــــــدام صغار ومهــــــــجع           إلى الحــــــسنين الــــــزاكيين وملـــــعب

______________

(1) هومت: كدت أن أنام متأثراً بالأصداء. والأصداء جمع مفرده صدى: وهو رجع الصوت وارتداده.

(2) الغيهب: الظلام الشديد.

(3) اجتدى: طلب العطاء والفائدة.

(4) المعرة: ما يمكن أن يعير به الإنسان. والمعتب: ما يمكن أن يعاتب عليه.

(5) ثر: واسع العطاء.

(58)

 

وصوت رحى الزهراء تطحن قـــــــــوتها           إلى جلد حيــــــث تـــجــــــلس زينــــــب

رؤى سوف يبقى الدهر يــــــروي جـلالها          وتبقى على رغم البســـــاطة تأشــــــب(1)

***

عـــــــــهدتك والقـــرآن نور وحكمـــــــــة           يــــــشد إليــــــه التأئــــــهين ويــــــجذب

وأنت عـــــــطاء كلما احتاجت الدنــــــــــا          إلى مكــسب منــــــه تــــــولد مكــــــسب

وأنت طـــــــــموح نـــــال كل ممنـــــــــع           ولم يرضه من غارب النجــــــم منـــــكب

وأنت إذا مــــــــا التاث رأي إصـــــــــابة           مســــــددة عــــــن صــائب الرأي تعرب

فما بالنــــــــا لا نجـــــــــتليك بتيـــــــــهنا           وأنــــــت لنــــــا نــــبع وروض مخصب

فقد يكتفي في تـــــــــافه الزاد كاســـــــــل           لأن  كــــــريــــــم الــــــزاد مــأتاه متعب

***

ويؤذي النهى والمنطق الجد أن يــــــــرى           هــــــراء هــــــزيلاً يســــــتطيل ويطنب

تداعى إليه الحالـــــــــمون وغـــــــــرهـم           بــــــريــــــق بــــــه فـيما عرفناه خلب(3)

فخاطب منهم فاشـــــــــلاً ومـــــــــبلــــــداً          وصــــــوره الــــــمظلوم يســـبى وينهب

فثابوا إليه يرمحـــــــــون وعـــنـــــــــدهم           من الحقد ما يبري الرقــــاب ويحــــــطب

ويؤلمك الإنسان يقـــــتـــــــــل تربـــــــــه           ودون الدمــــــاء الحمر ما هـــــو أصوب

وقد تحسبني ظالــــــمـــــــــاً متجـــــــــنياً           تناســــــى الــــــذي يفضـــــي لذا ويسبب

وكلا فما أنســــــى كروشاً تضخـــــــــمت           من السحت يجنى والكســيرة تنــــــهب(4)

 

___________

(1) الجلال: العظمة، وتأشب: تجتمع وتختلط وتتماسك.

(2) مرقل: مسرع أو سريع.

(3) البرق الخلب: الخادع الذي يعد بالفائدة ولا ينجز وعده.

(4) الكروش التي تضخمت من السحت: إشارة إلى آكلي المال الحرام والسحت: الحرام وما خبت من المكاسب كالرشوة ونحوها.

(59)

 

ولا بالذي ينســـــــــى سياطاً لئـــــــــيمــة           تشظي جلود الكادحيــــــن وتـــــلــــــهب

ولكنني أرثي لنـــــــــاس(1) تـــــــــفـر من           جحيم ليــــــحويها جحيــــــم مـــذهــــــب

تعثر في أشـــــــــواطه وهو لم يـــــــــزل           إلى الآن يروي الإدعــــــاء ويصــــــخب

***

فهبنا أبا الزهراء قوتاً فـــــــــلم يــــــــــعد           بمزودنــــــا(2) مــــا يستطاب ويــــــعذب

ورد لنا هذا الأصـــــــــيل لفجـــــــــرنـــا           إلى النبع يهـــــمي النور ثــــــراً ويسكب

وسدد خطانا بالـــــــــطريق فــــــــــدربنا           طويل علـــــــــى أقدامنــــــا متشعــــــب

***

_____________

(1) أرثي الناس: أشفق عليهم.

(2) المزود: وعاء الزاد.

(60)

 

بين النبوة والإمامة

 

بين النــــــــبوة والإمامـــــــــة معــــــــقد            ينمــــــيه حــــــيدرة ويــــنجب أحــــــمد

يزدان بالإرث الـــــــــكريم فعـــــــــزمــة           من حيـــــدر ومن النــــــبوة ســــــؤدد(1)

والرافـــــــــدان خـــــــــلائق ربــــــــيتها           وكرائم أغــــــناك منــــــها المحــــــتد(2)

فإذا ســـــــــما خلق وطابـــــــــت دوحــة           فالمرء بينهـــما الســــــري(3) الأوحــــــد

يا أيها الحسن الزكـــــــــي وأنت مـــــــن           هذي المصــــــادر للــــــروائع مــــــورد

أأبا محـــــــــمد أيها الـــــــــطفل الـــــذي           آواه من حــــــجر النــــــبوة مــــــقعـــــد

وشدت له الزهراء تـــــــــملأ مــــــــــهده           تغمــاً غــــــداة تهــــــزه وتهــــــدهــــــد

عيناه تستجلي ملامـــــــــح أحــــــــــــــمد           وبسمــعه الوحــــــي المبــــــين يــــــردد

ويربه المحـــــــــراب(4) وهـــــــو مطوق           عنــــــق النــــــبي غـــــداة فيه يسجــــــد

وتشد عزمته مـــــــــلاحم لـــــــــــــلوغى           حمر أبوه بـــــها الهزبــــــر(5) الملــــــبد

زهت النجوم عـــــــــلى سـماك وليس في           أفـــــق نمــــــيت إليــــــه إلا فــــــرقد(6)

ما أقبح الـــــــــتاريخ حين يـــــــــلح فــي            كــــــذب علــــــيك وذو المـناقب(7) يحسد

أسماك مزواجـــــــــاً وهذي فـــــــــرية(8)           وروى بأنــــــك خــــــائــــــف متلـــدد(9)

_______________

(1) السؤدد: السيادة والمجد والقدر الرفيع والشرف.

(2) المحتد: الأصل والطبع.

(3) السري: الجدول أن النهر الذي يرويهما.

(4) يريه المحراب: يملك عليه حواسه.

(5) الهزير الملبد: الأسد ذو اللبدة.

(6) نميت إليه: نسبت إليه. والفرقد: اسم لنجمين من نجوم الدب الأصغر، والمقصود بالفرقد هنا: الوحيد الذي لا مثيل له.

(7) ذو المناقب: صاحب الخصال الكريمة.

(8) فرية: كذبة.

(9) متلدد: مخاصم.

(61)

 

ماذا أأنت تخاف والـــــــــجد الـــــــــــذي           ينــــــميك والأب شــــــعلة تــــــتوقــــــد

ولك المواقف والمـــــــــشاهد واحـــــــــــد   يــروي وآخــــــر بالبــــــطولة يشهــــــد

فالنهروان وأرض صفيـــــــــن بهــــــــــا           أصــــــداء ســــــيفك مــــــا تــزال تعربد

وأبوك حيدر والحـــــــــيادر نـــــــــسلهــا           من سنخها(1) وابـــن الحــــــسام مهنــــــد

وعذرت فيك المرجفيـــــــــن لأنــــــــــهم           وتــــــروا وذو الــــــوتر المدمى يحقد(2)

أنحى عيك الناكـــــــــثون بـــــــــغـــدرهم           والقاســـطون المــــــارقون تــــــمردوا(3)

فلدى المدائن شـــــــــاهد من غــــــــدرهم           نكصوا وأنــــــت إلــــــى الملاحم تنهد(4)

طعنوك وانتهـــــــــبوا خباءك والــــــــذي           رضع الخيـــانة لاتــــــعف لــــــه يــــــد

وجرعت أشـــــــــجان ابن هند ولؤمــــــه           كالليــــث إذ يقــــــتاد وهــــــو مقــــــيد

أزجى إليك الســـــــــم وهو ســـــــــلاحـه           ويد الجــــــبان بــــــغيلة تــــــستأســـد(5)

فتقطعت أحشـــــــــاك وانطفأ الـــــــــسنـا           وذوت شفــــــاه بالـــــكــــــتاب تغــــــرد

واستوحش المحـــــــــراب صبراً طالمـــا           ألفــــــاه فــــــي كــــــبد الـــــدجى يتهجد

***

_______________

(1) من سنخها: من أصلها.

(2) المرجفون: مشيعو الأخبار السيئة.

(3) الناكثون: الذين لايفون بعهودهم، والقاسطون: الظالمون، والمارقون: الخارجون عن دينهم.

(4) تنهد إلى الملاحم: تقصد المعارك وتشرع في القتال.

(5) أزجى عليك السم دسه لك، ودفعه وساقه. والغيلة: الاسم من الاغتيال والخديعة، يقال: قتله غيلة: أي خدعه فذهب به إلى موضع فقتله.

(62)

 

غدير علي (عليه السلام)

 

       نظمت في لندن وألقيت باحتفال الغدير، في حسينية المرتضى عام 1987م

ما عاف وحيك محرابي ولا عــــــــــودي           ذكراً بفرضـــــي وشدواً في أغاريــــــدي

سجية(1) فــــي عـــــــــلي أن مـــــــــوقعه           من الشعور حـــضور غيــــــر مفقــــــود

يممته أجتـــــــليه فانتـــــــــهيت إلـــــــــى           طلع من النجم فــي مــــــعناه منضــــــود

يا من إذا شـــذ ذهـــــــــن عنه نبـــــــــهه           ومض فــــبدل من نــــــفي لتــــــأكــــــيد

وصوت الفكر والإبــــــــداع يـــــــــوقظه           ورب ذهــــــن عــــــن الإبـــــداع مسدود

***

أطل والــــكون والأيام مـــــــــجدبـــــــــة           فبــــــرعم الــــــنبت حتى في الجلاميد(2)

فكيف عاطشة الأذهـان تعـــــــــرض عن           مصــــــرد يــــــرفد الأذهان بــــــالجــود

ومبدع مر بالدنـــــــــيا فأنقـــــــــــــــها(3)           مــــــن سحــــــره بكمــــــال غير معهود

عزيمة كالـــــــــحسام العــضب(4) ماضية           وميعــــــة كــــــدلال الــــــخرد الغــيد(5)

وطلعة لم تـــــــــزل للآن نــــاضـــــــــرةً           وجبهــــــة الدهــــــر مــــــلأى بالتجاعيد

ونعمة تاقـــــــــت الدنيا وما وعــــــــــدت           بــــــمثلها رغــــــم آلاف الــــــمواعيــــد

مر الخـــــــــلود عليها فاستـــــــــجار بها           مــــــن الــــــفناء فمــــــنته بتخــــــليد(6)

***

_____________

(1) السجية: الخلق والطبع.

(2) الجلاميد: جمع جلمود وهو الصخر.

(3) أنقها من سحره بكمال: صيرها أنيقة.

(4) الحسام العضب: السيف القاطع.

(5) الخرد: جمع خريدة وهي من النساء: البكر الخفرة الحيية الطويلة السكوت المستترة. والغيد: جمع غيداء المتمايلة المتثنية في لين ونعومة.

(6) منته بالتخليد: جعلته يتمناه أو وعدته به.

(63)

 

مولاي هل تذكر الدـنيا طـــــــــلوعك والـ           أيــــــام غــــــارقــــــة فـــي الحلك السود

والبيت والكعبة الــــــــــــغراء مـــــــــثقلة           بواقـع للــــــهوى والجــــــهل مشــــــدود

حتى أفاض بها النــــــعمى وأكرمـــــــــها           رب الســــــماء وأعــــــلاها بــــــمولــود

فحط أصنامها عنــها وقـــــــــام بهـــــــــا           عــــن التــــــردي بأوحــــــال التــــــقاليد

وعندها قامت الظـــــــلماء عن قمـــــــــر           وبــــــدل الــــــشرك فـــــي الدنيا بتوحيد

وكان والبيد في صـــــــــمت يمزقهـــــــــا           أن جئــــــت أروع لــــــحن مــر في البيد

لحن أطل على الدنـــــــــيا فأطربهــــــــــا           ومــــــا يــــــزال ينــــــاغيـــــــها بترديد

وما يزال رعيل يستـــــــــريح إلــــــــــى            آذانه الصــــــم عــــــن ســــــمع الأناشيد

أباك واحتضن الأصـــــــــنام في هــــوس           من الهــــــوى ورغــــيب جد مزهــــــود

وضعت منذ قتلت الشـــــــــرك في قفــص          ومن أحــــــبك مـــــوضوع على القود(1)

لكن من ولدوا بالـــــــــنار ليس بـــــــــهم           خوف مــــــن الجــــــمر إن أومى بتهديد

***

يؤذي الحقيقة أن يطغى أبــــا حـــــــــسن           زور على واقـــــع بالعــــــين مشــــــهود

وأن يماري فريـــــــق أن مولـــــــــدك الـ           ميمون بالبيت في دحـــــض وتفنــــــيد(2)

في حين أثبت هـــــــــذا في وقـــــــــائعهم           حشــــد المــــــتون وآلاف الأســــــانيد(3)

وليس من عشق الظـــــــلماء مبتعـــــــــداً           عن الــــــشمــوس على وتر بمحــــــمود

***

وكون وضعك ضمن البيـــــت منـــــــــقبة          وقــــــد حــــــبتك الــــــسما فــــيها بتأييد

لكن ذلك أحـــــــــرى أن يـــكـــــــــون به           للبيت فــخر وعــــــقد مــــــنه بالجــــــيد

_____________

(1) على القود: على قائمة المطلوب الانتقام منهم.

(2) يماري: يجادل. والدحض: إبطال أو تكذيب أو دفع الحجة.

(3) وقائعهم: أخبارهم وتواريخهم. وحشد المتون وآلاف الأسانيد: يقصد بها المراجع الموثقة كابراً عن كابر.

(64)

 

فأنت نفس رسول الله وهـــــــــو بـــــــــلا           مــراء اثمــــــن مخلــــــوق وموجــــــود

وما الصخور وإن كانـــــــت مـــــــــقدسة           بجــــــنب كــــــنز مـــن الإبداع مرصود

أخذت دون بني الدنـــــــــيا كرائـــــــــمها           فليس مثلك عــــــن بــــــدع بمــــــحسود

فالطير ما حط إلا فـــــــــوق شاهقـــــــــة           غداة يغــــــرق فــــــي نــــــزع وتصعيد

والعين لا يصطبيها في تقـــــــــلبهـــــــــا            إلا البريــــــق وإلا فتــــــنة الخــــــود(1)

وسوف تبقى بفرط الحب أو صـــــــلف(2)           في الحقد مــــــا بــــــين إطــــلاق وتقييد

فلست في حقد هـــــــــذا غير منــــــــــتبذ           ولست في حـــب هذا غيــــــر معبــــــود

وبين هذين أنمـــــــــاط تســـــــــددهــــــم           عناية الله عن خبــــــط(3) وتــــــعقيـــــــد

***

طفا غديرك عـــذب الورد يـــــــــومئ للـ           ــعطاش أن ينهلوا من خيــــر مــــــورود

لكن من ألف الـــــــــمر الذعــــــاف(4) نبا           به فــــــم عــن لذيذ الطعــــــم يــــــبرود

وبالمراض عــــزوف عن لذائـــــــــف ما           يجنــــــى ورب عــــــزوف غير مقصود

لكنه الدرب قــاد الـــــــــسالكين إلـــــــــى           غاياته بيـــن محــــــظوظ ومــــــجدود(5)

والحــمد لله أن هـــــــــدنا إليك عـــــــــلى           وعي ومنحــــــة توفــــــيق وتســــــديـــد

وما تعـثر شـــــــــيء من ضوابطـــــــــنا           كالخابطــــــين لـــــــدى جمع وتفريــــــد

خالوا التصـــــــاحب تبريراً يخـــــــــولهم           أن يستوي الحكــــــم في عــــاد وفي هود

والشمع والشـــــــــمس أضواء وما استويا           إلا بفهــــم بليــــــد الــــــحس مــــــردود

***

______________

(1) الخود: جمع مفرده خود، وهي الفتاة الشابة الحسنة الخلق.

(2) الصلف: التكبر والتفاخر ومدح المرء نفسه بما ليس فيها.

(3) الخبط: الضرب على غير نظام أو استواء.

(4) الذعاف: السريع. والزعاف بالزاي أيضاً.

(5) المجدود: المحظوظ.

(65)

 

قالـــــــوا ذروا ذكر من راحوا فما رجعوا           يوماً ومــــــا نفــــــع زرع غير محصود

وللـــــــــخلافـــة عهد راح واخـــــــــتلفت           رؤىً فــــــما لخلــــــيــــل أو لنمــــــرود

فغاظني أن يجيء الـخـــــــــبث في صور           بريئة رســــــمت فــــــي ســــوء مقصود

فإنني لست ممن حـــــــــط فــــــي دمن(1)           أو من تــــــحول عن جمــــــع لتــــــبديد

لكنني قد قرأت النـــــــــاس مـــــــــن قـيم           من دونها الكــــــون فـــوضى في المقاليد

فـــــــــي أن يــــــــميز من عاشوا بغفلتهم           ما بيــــــن مــــــن رفد الدنيا ومــــــرفود

وأن يحـــــــــدد للأخـــــــــلاق مـــــوقعها           فــــــي أفق مطرد منهــــــا ومــــــطرود

فالخير يبقى ويبقى الـــــــــشر مـــــــطرد           التعريف ما غــــــيرا يــــــوماً بـــــتحديد

وظلـــــــــت النـــغمات البكر رائعـــــــــة           موصــــــولة مــــــن بــــــدايات لتأييد(2)

وظلـــــــــت الـــــــــنغمة الــنكراء ناشزة           ولو تغــــــنى علــــــى مــــــزمار داوود

***

أبا الحسين أتى عيد الغدير وبالدنيــــــــــا            مــــــصائب لا تــــــحصى بتــــــعديـــــد

فامسح بروحك ما بالروح من غمـــــــم(3)           فأنت في كـل يــــوم عــــــشته عيــــــدي

يهز ذكـــــــــرك وعيـــــــــي إذ يـــمر به           مر الســــــلاف(4) بأحــــــلام العــــــناقيد

إنـــــــي وإن عاشت الدنيا على ألـــــــــق           حران مــــــن لهـــب الأحزان مكــــــدود

أعـــــــــيش مـــــــــنك بجـــــــنات مفوفة           وأستــــــظل بــــــظل منــــــك مــــمدود

ومذ حملتك في وعيـــــــــي وفــــــي قلمي   رجعت منك بـــــزاد غــــــير محــــــدود

وغرد الخضـــــــل الفينـــــــــان في قلمي           فالطرس يهتز من خصب وتوريــــــــد(5)

ومن تيمم روضـــاً مـــــــــشرقاً ألقـــــــــاً           فــــــلا يــــــكون لــــــديه غيــــــر غريد

***

 

_______________

(1) الدمن: جمع مفرده دمنة وهي آثار الدار والناس.

(2) لتأييد: إلى الأبد.

(3) الغمم: جمع مفرده غمة وهي الكربة والحزن.

(4) السلاف: ماسال وتحلب من عصير العنب قبل العصر.

(5) الفينان: ذو الأفنان. والطرس: الصحيفة.

(66)

 

أبـــــا التراب وبعض الترب يحـــــــــكمه           سبــــــخ(1) وتربــــــك حلو أخضر العود

أنا عمـــيد به أشدو هـــــــــواه وهـــــــــل           مر الغرام بــــقلب غــــــير معمــــــود(2)

ذرني علـى صلة فالبـــــــــعد قـــــــــد يلد           السلو عن وطــــــر بالقلــــــب معـــــقود

سفينتي لعبة الأمـــــــــواج فاحـــــــــد بها           أن تستوي بنهايات علـــى الجــــــودي(3)

فأنت لي أينما شــــط(4) المـــــــــدى وطن           أعيشــــــه رغـــــم إبعــــــاد وتشريــــــد

هذا رقيمك(5) خــــــــطته همـــــــــوم فتى           عن كهفك الشامــــــخ الـــــقدسي مصدود

إني بسطت ذراعـــــــي حـــــــــاملاً أملاً            أن أنتهي لوصيــــد غــــــير موصــــــود

_______________

(1) السبخ: الملح الذي يخالط التراب.

(2) المعمود: من هده العشق.

(3) الجودي: الجبل الذي استوت عليه سفينة نوح عليه السلام.

(4) شط: بعد وتمادى في البعد.

(5) الرقيم: الكتاب.

(67)

 

مع الإمام علي (عليه السلام)

       نظمت عام 1984 في دمشق

كلــــما مر في سماك طـــــــــماحـــــــــي           تــــــاه فــــــي زحمــــــة النـجوم جناحي

غمر النـــــــــور كــــل معناك حتـــــــــى           ضاع درب الـــــــخطا على اللمــــــاح(1)

ليس في الكون غير شمــــــــس وفي معــ           ــناك كون من الشموس الضواحــــــي(2)

فـــــــــإذا حــارت الخطا فعذيـــــــــري(3)           أن درب الشموس كــــــل الــــــنواحــــي

لمـــــــــعانيك ألف بـــــــــاب وبـــــــــاب           يا تــــــرى أيــــــن ينــــتهي مفتاحــــــي

قد يزيـــــــــن الخـــــــــــميل بضع ورود           كيف لو كـان كلــــــه مــــــن أقــــــاح(4)

فـــــــــإذا عــــب من رؤاك يـــــــــراعي           فــــــتغنى وغــــــردت ألــــــواحـــــي(5)

فــلأن النفوس مـــــــــن بعـــــــــض راح           تنتشي كيـــــف لو حســــــن كــــــل راح

***

إنـــــــــني والقـــــــــصيد يجـلوك ما جئــ           ــت ليضــــــفي علــــــيك شيــئاً صداعي

هـــــــــل تـزيد الشموس فيما عليـــــــــها           مــن شــــــعاع ذبــــــالة المصبــــــاح(6)

لا ولا جئت للمـــــــــديح فـــــــــما أنــــــ           ت فــــــقير لــــــمــــدحــــــة الــــــمداح

إنـــــــــما يطـــــــــلب الـــــــــمدائح عـار           من وشــــــاح وأنــــــت ألــف وشــــــاح

وقصيـــــــــدي مـــــــــا جــاء يكمل نقصاً    او يغــــــطي علــــــى فعــال قبــــــاح(7)

_________________

(1) اللماح: الذكي الذي يفهم الأمور بلمح البصر أي بسرعة.

(2) الضواحي: البارزة الظاهرة. مفردها مذكراً: الضاحي.

(3) عذيري: عذري (مصغرة).

(4) الأقاح والأقاحي: الأقحوان، وهو نبات عشبي تزييني.

(5) عب يراعي: شرب قلمي وارتوى. والألواح هنا يقصد بها أوراق الكتابة.

(6) ذبالة المصباح: فتيله.

(7) قباح: قبيحة.

(68)

 

فـــــــــمزايك يعــــــرف الدهر فيـــــــــها           أنــهــــــا ذروة الـكــــــمال الــــــمتاح(1)

وســـــــــجاياك مفعــــــــمات بطـــــــــهر           في وضــــوح ما احتــــــاج للإيضــــــاح

وإذا قلـــــــــت أنت كــــبش السرايـــــــــا           لــــــم أرد أعــــــده لـلــــــنـــــــطــــــاح

أو أزكى ادعـــــــــاء أنــــــــك فـــــــــخر           لــــــفريق يــــــريــــــــده للتلاحــــــي(2)

أنـــــــــت للمســــــلمين طراً رصـــــــــيد           يتســــــاوون فيــــــه بــــــالأربــــــاح(3)

إنــــما جئت أنفض التـــــــــرب عن وجــ           ـه أرادوه غــــــائماً وهــــــو صــــــاحي

واجلـــــــــي مـــــــــبادئاً رســـــــــــموها           فشــــــلاً وهــــــي قـــــمة في النجــــــاح

***

عشـــــــــقتك الجـــــــــراح حيــــــاً وميتاً           فرأيـنــــــاك مـثـخــــــنــــــاً بالجــــــراح

بـــــــــين جـــرح الأقلام تصميك(4) زوراً           وجــــــراح الــــــسهام وســــــط الـــساح

حرص الحقد أن يســـــــــمي قبيــــــــــحاً           ما بمــــــعناك مــــــن حــأسان مــــــلاح

فـــــــــإذا ما رقـــــــــقت أو بــــــش وجه           قــــــيل تلعابــــــة(5) كثــــير الــــــمزاح

واســـــتزادوا فقيل لا رأي في الحـــــــــر           ب لــــــه رغــــــم أنــــــه ابـن كفــــــاح

وغريـــــــــب أن يعــــــــــوز الرأي قرماً           عاش بين القـنا وبــــــيض الصــــــفاح(6)

عــــــركته الزحوف وهو ابن عـــــــــشر           وتــــــفـــرى أديــــــمـــه بــالــســــــلاح

وحنانـــــــــاً أبـــــــــا الحسين على الحقــ           ــد فــــــأهل الأحقــــــاد فــــــي أتراح(7)

 

______________

(1) المتاح: المقدور والمهيأ والمسموح به.

(2) التلاحي: المنازعة والمخاصمة.

(3) طرأ جميعاً: ورصيد: ضامن أو ضمان.

(4) تصميك زوراً: ترميك بسهام افترائها لتمحو فضلك وقدرك ومكانتك لدى الناس.

(5) التلعابة: كثير اللعب.

(6) القرم: السيد المعظم. والصفاح: السيوف العريضة. ومفردها: صفيحة.

(7) الأتراح: جمع ترح، وهو الحزن.

(69)

 

أعـــــــــلي يـــــــؤذيه رأي رقـــــــــيع(1)           لابــــــن عــــــاص أو كــــذبة من سجاح

والوجــــوه المشوهـــــــــات بـــــــــديه(2)           لصقها العـــــــــــيب بالوجوه الصبــــــاح

فليزد ما لـــــــــديك مـــــــــن كـــــل مجد           ولـــــــيزد كذبهــــــــــم من الإلحــــــــاح

***

لا ألـــــــــوم الـــــــــزمان إن ضـاق عما           أنت فــيه مــــــن الحــــــجوم الفســــــاح

فـــــــــــمحال أن تلبس الشمس ثوبـــــــــاً           أو تصــــــب البحــــار فــــــي أقــــــداح

وحري لـــــــــو أنكـــــــــرتك نفــــــــوس           حجمها حجــــــم مــــــا لها من بــــــراح

وتـــــــــنادت بـــــــــأن نهــــــــــجك قول           نسبــــــوه ومــــــا به مــــــن صــــــحاح

وبــــــأن الذي رووا لـــــــــك شـــــــــيء           فــــــــوق حجــــــم العقــــــول والأرواح

وبأن الغـــــــــلو، والغـــــــــبن إذ نــــــــا           لك قــــد أركــــــباك مــــــتن الضراح(3)

فـــــــــلا فمـــــــــا أنصفتـــــك والله يدري   صفحــــات التــــــاريــــــخ بالإفصــــــاح

ولـــــــــقد لا حقـــــــــت سفينك بالأنـــــــ           ــواء والمــــــوج عاتيــــــات الريـــــــاح

وألحـــــــــت فراعهـــــــــا أن أعتــــــــى           موجــــــــها لــــــم يــــــضر بالســــــباح

ولـــــــــقد فاتـــــــــهم بـــــــــأن المـــزايا           فلــــــتة(4) لا اســــــتجابــــة لاقــــــتراح

يـــــــــجمح العـــــــــبقري فيــــــــما حباه           الله، والناس دونــــــه فــــــي الــــــجماح

فـــــــــإذا ما أبـــــــــى عليــــك التجلي(5)           منطق العجز في النفــــــوس الشــــــحاح

فـــــــــامتط النـــــــــجم مغـرقاً في صعود           ودع الأرجــــــل الــــــتي فـي كــــــساح

***

 

_____________

(1) الرقيع: الأحمق.

(2) بديه: أمر طبيعي.

(3) الضراح: التنحية والدفع.

(4) فلتة: تكون مفاجئة.

(5) التجلي: البروز والظهور.

(70)

 

أســـــــــرف الدهر في عدائك حتـــــــــى           ليــــــس بيــــــن الإثنيــــــن من إصـلاح

وتـــــــــصدى لأن يـــــــــساويك بـــــالأد           نى ويــــــدني شــــــم الذرا للبــــــطـــاح

أنـــــــــها نكـــــــــبة المــقاييس فيـــــــــنا           أن يقــــــاس الخــــــرنـــوب، بالتفــــــاح

ليس بين الإثنين وحـــــــــدة سنــــــــــــخ           بــــــين لــــــيل معــــتــــــم وصــــــباح

وتجنى عـــــــــلى مـــــــــواليك التكــــــــ           ــفير والــــــظلم والــــدعــــــاوى الوقاح

حز أوداجهـــــــــم(1) وأســـــــــرف حتـى           ملــــــت الــــــذبح شــــــــفرة الذبــــــاح

وأخاف النفوس واصـــــــــطلم(2) الأجـــــ           ـساد وافــــــتن فـــــــي أذى واجــــــتياح

وحداه الطـــــــــغيان أن يمـــــــــنع الأفـــ           ــواه حتـى عــــــن الكــــــلام المبــــــاح

غير أن اللهـــــــــيب مهـــــــــما تلــــظى           محــــــرق للـــــــــجــــــسوم لا الأرواح

قد عرفنا أن المـــــــــبادئ تـــــــــسقــــى           بلظــــــى النــــــار لا بمـــاء قــــــراح(3)

إلصقي يا خـــــــــطاً بـــــــــدرب عــــلي           فــــــسـيـنـهــــــيــك دربــــــه للــــــفلاح

***

أيها الممـــــــــسكون حجـــــــــزة مــــروا           ن هنيــــــئاً بــــــنشـــــــره الفــــــواح(4)

نــــــسب بين كـــــــــل متـــــــــن وشرح           ورواة الــــــمــــــتــــــون والــــــشــراح

نصـــــــــف(5) بيننا لكـــــــــل جـــــــــناه           ويــــــرد الخـتــــــام لــــــلإفـــتــتــــــاح

ربنا لو دعــــــــوت كـــــــــل أنـــــــــاس           بــــــإمــــام لهــــــم فــــــهذا مــــــراحي

يا أليفـــــــــي في مـــــــــوطني وديــاري           وأنيــــــسي بــــغربتــــــي وانتــــــزاحي

 

_____________

(1) الأوداج: جمع مفرده ودج، وهو عرق في العنق ينتفخ عند الغضب وإذا قطعه الذابح يموت المذبوح.

(2) اصطلم الشي: قطعه.

(3) الماء القراح: الصافي الخالص من الشوائب.

(4) الممسكون حجزة مروان: الملتجئون إليه والمستجيرون به.

(5) النصف: الإنصاف.

(71)

 

يا شــــعاعاً أجلوه عـــــــــند غـــــــــدوي           وسكــــــوناً أغــــــشاه عنـــد رواحــــــي

هائم فـــــــــيك غبت عـــــــــن هـــــــــذه           الدنيــــــا بما فـــــي رؤاك مــــــن أشباح

كل هـــــــــمس بخاطـــــــــري يتغنــــــى           بمــــــعانيـــك فــــــي قــــــواف رداح(1)

خذ بكـــــــــفي أبا تـــــــــراب فإنـــــــــي           مغــــــرم في تــــــرابــــــك النــــــفاح(2)

____________

(1) رداح: كثيرة.

(2) النفاح: كثير العطاء.

(72)

 

في محراب العشق

       ألقيت في النبطية في يوم نظمها 13 رجب 1418هـ

 

لا تـــــلمني إن خـــــــــانني التعبيـــــــــر           فمــــــتى يحــــــتوي الكبير الصغــــــير

أنت ملء الدهـــــــور حجماً ومعنـــــــــى           وأنــا بعــــــض ما حــــــوته الدهــــــور

بيد أنـــي ألقـــــــــاك في أفق العـــــــــشــ           ــق كــــــمـا يلــــــتقي الفــــــراش النور

ولكـــــــــل منـــــــــا هنـــــــــالـــــك دور           أنت تهمي الــــــسنا(1) ونــــحن نــــــدور

إن تكـــن تـــــــــأسر المشاعر قـــــــــهراً           ما هــو العــــــدل أن يــــــلام الأسيــــــر

فمتى يؤخـــــــــذ الأســـــــــير اختـــــياراً           ومـــــتى اختار قــــــاهــــــراً مقهــــــور

ركـــــــــضت خلفــــــــــك القلوب وسرنا           خلفــــها وانتهــــــى إلــــــيك المســــــير

***

ســـــــــيدي يـــــــــا أبـا تراب يتيـــــــــه            النبت فــــــيه وتــــــشرئــــــب(2) الجذور

انـــــــــا فيــــــما ينمى إليك وما تـــــــــر           ويه عـــن وجــــــهك الرؤى مسحــــــور

هزني أنني المنـــــــــوم فـــــــــي دنـــــــ            ياك حــتى يفــــــيق مــــــني الشــــــعور

لـــــــــتصلي مشـــــــــاعري عنـــد محرا           ب تصلــــــي على صداه(3) العصــــــور

انا مـــــــــا غبـــت عنك يوماً ولكـــــــــن           لمســـة العــــــشق شــــــأنها التخديــــــر

وبـــمحراب الشوق من عاش يـــــــــدري           أن مــــــن ذاب بــــــالهـــوى معــــــذور

إن قلباً من عشق وجـــــــــهك يخـــــــــلو           هو خـال مــــــن الأصــــــالة بــــــور(4)

***

_____________

(1) تهمي السنا: ترسل الضياء.

(2) تشرئب: ترتفع وتمد أعناقها لتنظر.

(3) صداه: رجعه.

(4) بور: هالك.

(73)

 

ســـــــــيدي كـــــــــما تـــــــــلبد أفــــــــق          وتمــــــادى بــــــعتمه الـــــديجــــــور(1)

وتـــــــــجنت صـــــــــحائف خـــــط منها           قلــــــم الــــــحقد والــــــهوى والـــــزور

مـــــــــر بـــــــــالأفق مـــــن رؤاك جبين           بــــــعض أوصــــــافه السنا والعبيـــــــر

الـــــــــجبين الـــــــــذي أحـــــاطوه شتماً           وإلــــــى الآن بالجيــــــوب الكثــــــيــــر

فـــــــــحباهم بـــــــــرأً وطيـــــباً كما يفــ            ــعل إن زج بــــــاللهــــــيب البــــــخـور

ومـــــــــن الـــــــــشتم للـــــــــكريم جناح           يرتقــــــي فيـــه للــــــعلا ويطــــــيــــــر

فـــــــــتمهل أبـــــــــا تــــــــراب فــــدون           الشتم من حــــــولك الفــــــضائل ســــور

إن أشـــــــــادت بـــــــــك السما وأفاضت           أي ضــــــير لو سبــــــك البــــــعرور(2)

***

يا وليداً كانت لـــــــــــه الكعـــــــــبة الغــ           ــراء مهــــــداً وبيـــتها الــــــمعــــــمور

حضـــــــــنت بــــالوليد سيفاً فكانـــــــــت           جفنه(3) وهــــــو سيــــــفها المشــــــهور

غـــير أن الأصنـــــــــام إذ كسرتهـــــــــا           يــــــده زم حــــــقدها المــــــوتــــــور(4)

فـــــــــأســــــــــرت تذوده عن مـــــــــقام           هو فــــــيه اللبــــــاب وهي القـــشــــــور

لا تـــــــــعاب البـدور إن لم تحطهـــــــــا           هــــــالة بــــــل تــــــضل وهـــــي بدور

إنـــــــــهم أنـــــــــكروك مهداً وقبــــــــرأً           واصطلت بالرصـــــاص حتى القــــــبور

ثم ولى الرصـــــاص والمدفـــــــــع الأهــ           ــوج والطيش والحســــــاب الـقصــــــير

مضغوا بـــــــعده الـــــــــهوان وصاح الــ           ـويل في قـــــلب بيتهــــــم والثــــــبور(5)

________________

(1) الديجور: الظلام.
(2) البعرور: وضيع الشأن.

(3) جفن السيف: غمده.

(4) الأصنام: الناس الذين يشبهون الأصنام. زم حقدها: زاد وارتفع وعلا. والموتور: المتحرق للانتقام.

(5) الثبور: الويل والخسران والهلاك.

(74)

 

وتوقــــــــــع وذو الفقـــــــــار مـــــــــدين           إن يلاقيــــــك كــــــل ليـــل هريــــــر(1)

إنك الشـــــــــمس إن تـــــــــعامت عيـون           عـــــنك أو فــــــار عنــــــدها الــــــتنور

لا تلـــــــــمها فـــــــــإن هـــــــــذا بــــديه           أنــــــها أعيــــــن الضغائــــــن عــــــور

فـــــــــسيبقى كـــــــــل قـــــــــلب نـــــقي           لك بــيــــــت ومــــــوقـع وحــــــضـــور

***

ســـــــــيدي يـــــــــا أبـــا القشاعم لا تعــ            رف إلا عــــــلــــى ســــــماه النــــــسور

إن تــــــرب الأوطان في الذود عنـــــــــه           يرخص المــــــال والـــدم المهــــــدور(2)

وهنا والجـــــــــنوب يؤســـــــــر رهــــط           مــــــنك غـــــــر ناداهــــــم التحريــــــر

فتـــــــــداعوا لـــــــــثورة الـــــــــحق لما           ظلمــــــوا والذليــــل مــــــن لا يثــــــور

عانقـــــــــوها شـــــــــهادة فــــــــي سبيل           الله مــــــا شــــــــاب صفوهرا تكديــــــر

واســـــــــتعاضوا عــــــــن الشباب بعقبى           عنــــــد رب نــــــــعيمــــــها موفــــــور

ودعـــــــــاهم رعيـــــــــل بـــــــدر وأخذ           فتلاقــــــى مرع النــــــفــــــير النفيــــــر

ألـــــــــف مــــــــرحى لبنان هذا هو الفتــ           ــح وهــــــذا سبيــــــله الـــــمنــــــصور

تتـــــــــلاشى الـــــــــدنيا وتـــبقى الرسالا           ت لــــــواء للثــــــائريــــــن يــــشــــــير

***

ربـــــــــوات الجـــــــــنوب يـــا أم جزيــ            ن وقــــــانا ســــــقاك غيـــــث غزيــــــر

ظـــــــــمئ المجـــــــــد فاستجاب نجيع(3)           يا بنفــــــسي ذاك النــــــجيع الــــــطهور

عـــــب منه التفاح في زهـــــــــوة الإقليــ           م واســــتلــــــهمته صــــــيدا وصــــــور

_____________

(1) الهرير: الصوت الذي يصدر عن الكلب عندما يتضايق من شدة البرد.

(2) المهدور: المسفوك.

(3) النجيع: الدم.

(75)

 

أتـــــــــعب البـــــــــغي فــــي مدافع إسرا           ئيــــــل مــــــا أهــــــرقته تلــــك النحور

يالـــــــــعرس الفـــــــــداء يفـــترع المجــ           ـد وإن أثقــــــلت عــــلــــــيه الــــــمهور

***

قـــــل لمن عانق النياشين(1) صيغـــــــــت           دون شــــــوط وعــــــانقتـــــه الــــــحور

واستـــــــعيرت له المناصب والألقـــــــــا           ب مــــن أجــــــل مــــــا أراد المعيــــــر

تتـــــــــقرى(2) أوطـــــــــانه لقــــمة العيــ           ش ويــــــزهو كأنــــــه أردشــــــيـــــــر

قـــــــــد ابـــــــــيحت ديـــــــاره وهو ليث           فـــي الــــــمقاصير فتكــــــه والــــــزئير

صنـــــــــعته يد تجـــــــــيد الرزايــــــا(3)           وبنـــــــاه مــــــن بالمســــــوخ خــــــبير

وـــــــــيك(4) شـــــــعب يفنى ودار تشظى           كــــــل هــــــذا ليــــــحتويـــك ســــــرير

ســـــــــوف تمــــضي خلافة بـــــــــعد أيا          م ويفــــــنى التطــــــبيل والتــــزمــــــير

ثـــــــــم تفـــــــــنى والــكون يفنى وتهوي           شــــــرفــــــات منــــــيعـــة وقصــــــور

وتـــــــــعيش الشـــــــــعوب ســفراً مجيداً           تتــــــلظى حــــــروفـــــــه والســــــطور

***

يـــــــــا نســـــــــيجاً به التـــــــناغم أصل           فــــــهو فــــــينا عــــــن الــــــجنان سفير

هــــــــو لبـــــــــنان في السماح مرج نجم           والــــــثرى مــــــرج طرزته الزهــــــور

الشـــــــــواطي الـــــزرقاء والجبل الأخــ           ـضر والســـهل ســــــندس(5) وحــــــرير

والأساطير الحمر فـــــــــي الــــــقمم الشم           تــــــراث تــــــحضنتــــه الصــــــخـــور

 

_____________

(1) النياشين: الأوسمة.

(2) تتقرى لقمة العيش: تتبعها وتسعى في سبيلها.

(3) الرزايا: جمع مفرده رزية، وهي المصيبة.

(4) ويك: كلمة تعجب بمعنى: عجباً لك أو منك.

(5) السندس: نوع من الحرير أو الديباج الرقيق متموج الألوان.

(76)

 

وخــرير الينبوع عانــــــــهقه الــــــــموال           فـــــالنبــــــع مــــــيجنــــــا ونمــــــير(1)

وحــــــــكايا الهيــــــــام فــي موسم الزيــ           تــــــون والــــــكرم صـــاغها الناطور(2)

هــــــــذه عنــــــــدنا هــــــــوية لـــــــــبنا           ن فــــــماذا البــــــارود والتــــــدميـــر؟!

لــــــــيس عيــــــــسى ولا مـــــــــحمد إلا    قنــــــوات إلــــــى الســــــما وجســــــور

ومــــــــزاج الــــــــسماء لا حقــــــــد فيه           والــنـــبــــــوات جــنــــــة لا ســعــــــير

مــــــــن منــــــــانا لبــــــــنان إنــك دوماً           بــتلـــــــد طـــــــيـــب ورب غــــــفـــور

***

إن لــــــــي فــــــــي تـــــراب لبنان جذرا           أنا فـيه مــــــدى الزمــــــان فــــــخور(3)

قــــــــد نــــــــماني لــــــــه وشـد عروقي           فــــــيه جــــــد حــــــبر(4) وبيت وقـــور

نــــــــسبة قــــــــد عــــــــرفتــــها بدمائي           عنفواناً يــــــجري وحــــــباً يــــــمـور(5)

فــــــــإذا الــــــــحزن مــــسه مس روحي           وأصــــــلي لـــــــيعتــــــريه الســــــرور

ولــــــــه مشــــــــفق وبــــــــيض أمــــان           أشـــتهيــــــها لــــــه وحــــــب غيــــــور

والأمــــــــاني والــــــــهم والـــــــــــدم أم           أرضــــــعتــــــنا فثــــــديها مشــــــكــور

***

سيــــــــدي يا أبــــــــا تــــــــراب ويا من           تربــــــه للــــــخدود فــــــرش وثــــــيــر

هــــــــجعت حــــــــوله الـــــملايين ترجو          وهـــو في مــــــنتهى الرجاء جــــــدير(6)

 

____________

(1) النمير: العذب.

(2) الناظور: حارس الحقل أو البستان.

(3) لأن أمي بنت علي بن محمد حسين بن زين العابدين الجبعي العاملي من علماء لبنان.

(4) الحبر: العالم الصالح.

(5) العنفوان: النشاط والحدة في كل أمر. ويمور: يتحرك ويتدافع.

(6) جدير بالرجاء: أهل له وخليق به.

(77)

 

ســــــــيدي إن بــــــــعدت عنـــك فلن يبــ           ــعد وجــــــه علــــــى القــــــلوب أميــر

فــــــــاحتفر لــــــــي على ترابك شــــبراً           وحــــــوالــــي مشبــــــر وشــــــبيــــــر

لا تــــــــذرني وأنــــــــت أهلـــــــي بعيداً           إننــــــي للنــــــدى الوهــــــوب فــــــقير

هــــــــاانا بــــــــاسط ذراعي بــــباب الــ            ـكهف حيث الوصــــــيد عنـــدك طور(1)

***

_____________

(1) الوصيد: فناء الدار أو مداخله. والطور: الجبل.

(78)

 

مع النفس

في رثاء الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

 

أفيــــــــضي فــــــــبرد الليــل مد حواشيه           وعيــــــي فوادي الكرم راقت دوالـــــــيه

أيكفــــــــيك أن تقــــــــضي الحياة سجينة           لـــدى قفص ضــــــاقت عليك مــــــجاليه

وأنت التي صدر الفضاء وإن نــــــــــــأى           يــــــغص بــــــجزء منك رحب مغانيه(1)

وأنــــــــت التي إن ألــــهبتك عزيمــــــــة           فأقــــــصى الفـــــــضا جيش لديك ودانيه

وأنــــــت التي إن أورقت فــــــــيك شجنة           فإن الدنــــــا روض يعــــــبق آذيــــــه(2)

وأنت التــــــــي إن صــــوحت فيك رغبة           فما الأرض إلا صحصح جــــــف جـاريه

وأنــــــــت التي إن ساورتك هــــــــضيمة           فما الدهر إلا الليث يشــــــحذ ماضــــــيه

***

أفيضي أما تصــــــــيبك في اللــــــيل هزة          وما الليــــــل إلا الشــــــعر يزجيه ساجيه

ومــــــــا الليــــــل إلا سابحات من الرؤى           تطوف عـلى الذهن الــــــكليل فتحييــــــه

وما الليل إلا نغمــــــــة شــــــــاء بعثهــــا           بــــــريد الهــــوى للهائم الصب تشجيه(3)

ومــــــــا الليــــــــل إلا الانطـــلاق فحلقي           على كل أرجــــــاء الفـــــضاء وجوبيه(4)

أمــــــــهزاجة اللـــــــيل الطـــروبة رددي           علــــــى سمــــــع الدهــــــر خير أغانيـه

أريه صــــــــكاك المجد تكتــــــــب بالدما           وما المـــــجد إلا الدم حــــــر مرائيــــــه

لعل لــــــــدى الـــــــدهر العجوز رواسب           من الذكــــــريات البيــــض تبعث ماضيه

غــــــــداة استــــــفزت وثــــــــبة هاشمية           كــــــساها الإبــــــاء المر أســـمى معانيه

 

______________

(1) يغص: يضيف أو يقل، رحب مغانيه: واسعة ربوعه الغنية بالجمال.

(2) شجنة: مرة من الحزن.

(3) تشجيه: تحزنه.

(4) يجوب: يتحول.

(79)

 

أهاب بها الحق الــــــــسليب فجـــــــلجلت           علــــــى صفحـــات الكون ترهب من فيه

***

أطــــــــل علي يحمــــــــل الهــدي مشعلاً           لشــــــعب تــــــ    مادى في الظلال وداجيه

أســــــــف فــــــــأعطى لابن هنــد زمامه           فضل بــــه في مهمــــــه من فيافيــــــه(1)

فــــــــهب علــــــــي والــــــدروب حوالك           معــــــتمة والأفــــــق غابت دراريـــــــه

بــــــــيمناه بتــــــــار ويـــسراه مشعلا الـ           ـهدى وكتـــــــاب الله ينثال من فــــــيه(2)

رأى أن شعــــــــب المســــــــلمين تــــلفه           حوالك مــن ليل الفســــــاد وداجــــــيه(3)

فــــــــفي الشـــعب ارهاق وفي المال إثرة           وفي الحــــــكم ارهــاب وفي الدين ما فيه

ولاة تعب الكــــــــأس مـــن ضرع شعبها           وشعب يعب الدمــــــع من جور واليــه(4)

***

بيوت تبــــــــناها النــــــعيم فأترعــــــــت           مــــــقاصرها لهــــــواً على الغيد تضفيه

تغــــــــابقها في الكأس كـــف خريــــــــدة           تجر موشاة الغـــــلائل مــــــن فــــــيه(5)

تــــــــهدهدها من صادح العود نــــــــغمة           فيسكر بهو القصر من ســــكر أهليــــــله

وأحــــــــلام رب القـــــــصر طافت لذيذة           لتقتل ذاك الليـــــــل أنــــــساً وتطويــــــه

إذا رنحــــــــته الكــــأس كان وســــــــاده           صدور الغواني والـــــــسواعد تحويــــــه

عــلى حين راح الــــــــبؤس ينشب مخلباً            بعاري جسوم البـــــــائسين ويفريــــــه(6)

وبــــــــاتت بيــــــوت تنصب القدر فارغاً           على النار كي تغــري الصــــــبي وتلهيه

 

____________

(1) مهمه: قطعة من الصحراء، الفيا في: الصحاري.

(2) ينثال: يخرج.

(3) الحوالك: السود وقيل: الشديد السواد.

(4) تعب: تشرب، ضرع: ثدي، الجور: الظلم.

(5) الغبق: شرب الخمرة عشاءً، وهو خلاف «الصبوح»: شرب الخمرة صباحاً، الخريدة: الجارية الحسناء البكر التي لم تمس، الغلائل: جمع مفرده «الغليل»: الحرقة أو العطش.

(6) يفريه: يقطعه ويشقه.

(80)

 

تــــــــرفقها الغبرا وســــــــاداً من الضنى           وتلحفها الخــــــضرا غطاءً يحاكــــــيه(1)

فإن أرســــــــل الصــــبح البغيض شعاعه           إليها تردت داكــــــن الثــــــوب باليــــــه

فتكدح حتى يلمس الكــــــــف درهــــــــماً           ليمنحه جــــاب إلى القصــــــر يجبــــــيه

وإلا فــــــــأشلاء الــــــــعراة رواقــــــص           على ســوط جلاد ليرضــــــي مواليــــــه

رأى كــــــــل هــــــــذا فاستــــــفز حفاظه          فأشرع في صفين ســــــمر عواليــــــه(2)

وكـــانت ضروساً ما جنى ما نتاجــــــــها           حليف الهــــــدى ما كان للـــــشعب يبغيه

وقد لــــــــعلب التحكــــــــيم دوراً نتــاجها          خـــــوارج أودت بالــــــهدى ومبــــــاديه

أبــــــــا حســــــــن والليل مــــرخ سدوله           وانــــــت لوجه الله عــــــان تــــــناجيه(3)

يراك الضنا من خوف باريك فــــــــي غد           وقــــــد أمن المـــــغرور من خوف باريه

عــــــــلى شفتــــــــيك الذكر يطفح سلسلاً           فـتنهــــل عــــــلاً من ســــــمو معـــــانيه

وغالتك كف الرجس فانفــــــــجع الهـــدى           وهدت من الدين الحنيـــــــف رواســــــيه

أبا حسن من روحــــــــك الطهر هــب لنا           شعاعاً فركب الشـــــــعب ضــــــل بهاديه

حــــــــنانك حـــرر في هداك نفوسنــــــــا           فأنت أبو الأحــــــرار حــــــين ننــــــاديه

_____________

(1) الغبراء: الأرض التي لا زرع فيها، الضنى: الضعف والهزال.

(2) الحفاظ: الأنفة.

(3) أرخى سدوله: أنزل أستاره، عانٍ: ذليل وأسير.

(81)

 

إلى أبي تراب (عليه السلام)

       نظمت في النجف الأشرف 1977م

غالى، يسار واســــــــتخف يمــــــــيـــــن           بــــــك يــــــا لكنهك(1) لا يــكاد يــــــبين

تجفى وتعبد والضغائــــــــن(2) تغتلـــــــي           والـــــــدهر يقــــــسو تــــــارةً ويلــــــين

وتــــــــظل أنــــــــت كمـــــا عهدتك نغمةً           لــــــلآن لــــــم يــــــرق لها تــــــلحـــين

فــــــــرأيت أن أرويك محض روايــــــــة           للــــــناس لا صــــــور ولا تــــــلويـــــن

فلأنــــــــت أروح إذ تــــــــكون مجــــرداً           ولــــــقد يضــــــر برائــــــع تـــثمــــــين

ولــــــــقد يضـــــــيق الشكل عن مضمونه           ويضـــــيع داخل شكــــــله المــــــضمون

***

إنــــــــي أتيــــــــتك أجتـليك وأبــــــــتغي           ورداً فعــــــندك للعــــــطاش معيــــــن(3)

وأغــــــــض من طرفي أمام شوامــــــــخ           وقــــــع الزمــان وأســــــهن متــــــين(4)

واراك أكبــــــــر مـــن حديث خــــــــلافة           يســــــتامهــــا مــــــروان أو هــــــارون

لك بالنفوس إمامــــــــة فيــــــهون لــــــــو   عصفت بك الشــــــورى أو التــــــعيـــين

فــــــــدع المـــــعاول تزبئر(5) قـــــــساوةً           وضــــــراوةً إن البنــــــاء متــــــيـــــــن

***

أأبا تراب وللــــــــتراب تــــــــفاخـــــــــر           إن كــــــان من أمــــــشاجه(6) لك طـــين

والناس من هذا التــــــــراب وكــــــــلهــم           فــي أصــــــله حــــــما(7) به مســــــنون

 

______________

(1) كنه الشيء: جوهره وحقيقته.

(2) الضغائن: جمع مفرده ضغينة وهي الحقد الشديد.

(3) اجتليك: استوضحك، أتبين حقيقتك. والمعين: الماء الظاهر الجاري.

(4) الشوامخ: جمع مفرده شامخ اي مرتفع القدر. أسهن متين: أي أساسهن قوي.

(5) تزيئر قساوة: تزداد قساوة.

(6) الأمشاج: جمع مفرده مشيج وهو كل شيئين مختلطين.

(7) حمأ: إشارة إلى قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون) الحجر/26/ والحمأ: طين أسود متغير لطول مخالطته الماء، ومسنون: مصبوب، أو مصور صورة إنسان أجوف، او متغير الرائحة.

(82)

 

لــــــــكن مــــــــن هذا التــــــراب حوافر           ومــــــن الــــــــــــتراب حواجب وعيون

فإذا استــــــــطال بك الــــــتراب فعاذر(1)           فــــــلأنت من هــــــــــــــذا التراب جبين

ولئن رجعت إلــــــــى التـــــراب فلم تمت           فالــــــجذر ليس يموت وهــــــــــــو دفين

لكــــــــنه ينمــــــــو ويفتــــــــرع الثــرى           وتــــــرف منه براعم وغـــــــــــــــصون

***

بــالأمس عدت وأنت أكبر ما احــــــــتوى           وعــــــي وأضخم ما تــــــخال ظنـــــون

فســــــــألت ذهنـــــــي عنك هل هو واهم           فـــيــــــمـــا روى أم ذاك يـــقــــــيــــــن

وهل الذي ربى أبــــــــي ورضعــــت من           أمــــــي بكــــــل تــراثهــــــا مأمــــــون

أم أنــــــــه بعد المــــــــدى فتضـــــــخمت   صــــــور وتخــــــدع بالبــعيد عــــــيون

أم أن ذلك حــــــــاجة الــــــــدنيـــــــا إلى           متــــــكامل يهــــــفو له الــــــتكويـــــــن

فطــــــــلبت من ذهــــــــني يميــط ستائراً           لعــــــب الغــــــلو بهـــــا أو التــــــهوين

حتــــــــى انتهــــــــى وعـــي إليك مجرداً           مــــــا قاده المــــــوروث والمــــــخزون

فــــــــإذا المبــــالغ في علاك مقصــــــــر           وإذا المبــــــذر في ثنــــــاك ظنــــــين(2)

وإذا بـــــك العــــــــملاق دون عيــــــــانه           مــــــا قد روى الــــــتاريخ والـــــــتدوين

وإذا الذي لــــك بالنفوس من الــــــــصدى           نــــــزر وإنــــــك بالأشـــــد قمــــــين(3)

***

أأبا الحــــــــسين وتــــــــلك أروع كنيـــة            وكــــــلاكــــــما بالرائعــــــات قمــــــين

لك فــــــي خيال الدهر أي رؤى لــــــــها           يــــــروي الســــــنا ويتــــــرجم النسرين

هن الــــــــسوابق شــــــــزباً وبشــــوطها           مــــــا نــــــال مــــــنها الوهن والـتوهين

والشــــــــوط ممــــــــلكة الأصيــــل وإنما   يــــــؤذي الأصــــائل أن يسود هجيني(4)

 

________________

(1) عاذر: معذور.

(2) ظنين: كثير الظن والأغلب أن الشاعر قصد بها «ضنين» بمعنى: شديد البخل.

(3) الصدى: المقصود به الأثر. وقمين بالأشد: جدير به.

(4) الهجين: هو أصلاً من أبوه عربي وأمه أعجمية، والمقصود هنا غير الأصيل إطلاقاً.

(83)

 

فســــــــما زمــــــــان أنـــــــت في أبعاده           وعــــــلا مكــــــان أنــــــت فيه مــــكين

***

آلاؤك(1) البيـــــــــــضاء طوقت الدنــــــــا   فلهــــــا على ذمـــم الزمــــــان ديــــــون

أفــــــــق مـــــــن الأبكار كل نــــــــجومه           مــــــا فيه حـــــتى بالتصور عــــــون(2)

في الحرب أنت المــــــــستحم مــــن الدما           والســــــلم أنت التــــــين والـــزيتــــــون

والصبح أنت على المنــــــــابر نغمــــــــة           واللــــــيل في الـــــمحراب أنت أنــــــين

تكسو وأنــــــت قــــــــطيفة مرقوعــــــــة           وتمــــــوت حتى يفــــــــزع التــــــنين(4)

خــــــــلق اقــــــــل نــــــــعوته وصفاتـــه           أن الجــــــلال بمثـــــــله مــــــقــــــرون

ما عدت الــــــــحلو(5) في هواك متيمــــــاً           وصــــــفاتك البيضــــــاء حـور عــــــين

فبحــــــــيث تجتــــــــمع الورود فراشــــة           وبحــــــيث ليلى يــــــوجد المــجــــــنون

وإذا ســــــــألت العــــــــاشقين فعندهــــــم           فيــــــمــا رووه مــــــبرر(6) مــــــوزون

قسماً بســــــــحر رؤاك وهــــــــي ألية(7)           مــــــا مثــــــلها فـيما أخــــــال يمــــــين

لــــــــو رمت تحرق عاشقيك لما ارعووا           ولــــــقد فعلت فيــما ارعوى المــــــفتون

وعذرتــــــــهم فلذى محاريب الهــــــــوى           صــــــرعى ودين مــــــغلق ورهــــــون

والعيش دون الـــعشق أو لــــــــذع الهوى           عيــــــش يلــــيق بمــــــثله التأبيــــــن(8)

 

______________

(1) آلاؤك: أفضالك، ونعمك.

(2) العون: بضم العين وسكون الواو جمع مفرده عوان وهي المتوسطة في العمر، ويقال: حروب عون: أي شديدة تم فيها قتال متتابع.

(3) البطين: ذو البطن.

(4) الفحيح: صوت الأفعى الصادر من فمها، والتنين: نوع من الحيات العظيمة، والكلام يتضمن عقد مقارنة بين رمزين للوصول إلى المعنى المطلوب.

(5) ألحو: ألوم.

(6) المرر هنا بمعنى المسوغ أو التعليل بقصد الإقناع أو الإبهام.

(7) ألية: قسم أو يمين.

(8) التأبين: الثناء على المرء بعد موته.

(84)

 

ولــــــقد عشقتك واحتفت بك أضلــــــــعي           جمراً وتــــــاه بجــــــمره الكــــــانون(1)

وفداء جمــــــــرك إن نفســـي عندهــــــــا           تــــــوق إلــــــى لذعــــــاته وســــــكون

***

ورجعـــــــت أعذر شانئيك(2) بفعــــــــلهم           فــــــمتى التقــــــى المذبوح والســــــكين

بدر وأحــــــــد والهــــــــراس وخيــــــبر           والنــــــهــــــروان ومــــــثلها صفــــــين

رأس يــــــــطيح بهــــــــا وينـــــدر كاهل           ويــــــد تجـــذ ويــــــجدع العرنــــــين(3)

هــــــــذا رصيــــــــك بالــنفوس فما ترى           أيحــــــبك الــــــمذبــــوح والمــــــطعون

ومــــــــن البــــــــداهة والـــــــديون ثقيلة           فــــــي أن يقاضــــــى دائـــن ومــــــدين

حقــــــــد إلــــــــى حســــــد وخسة معدن           مــــــطرت علـــــيك وكلهن هتــــــون(4)

رامــــــــوا بهــــــــا أن يـــــدفنوك فهالهم           أن عــــــاد ســـــعيهم هــــو المدفــــــون

وتــــــــوهموا أن يغــــرقوك بشتمهـــــــم           أتخــــــاف مــــــن غرق وأنت ســــــفين

ستظل تحسبك الكواكــــــــب كــــــوكباً(5)           ويــــــهز ســـــمع الدهر منك رنــــــــين

وتــــــــعيش مــــــــن بعد الخــــلود دلالة           فــــــي أن مـــــا تهوى السماء يكــــــون

***

____________

(1) الكانون: مجمر الفحم الذي كان الناس يستدفئون به قبل اختراع المدافئ. وتقول له العامة: (المنقل).

(2) شانئيك: جمع مفرده: شانئك أي مبغضيك.

(3) يندر: يخرج من غيره ويبرز، وتجذ: تقطع، والعرنين: الأنف.

(4) هتون: كثير هتن الحقد، أي ينزل حقده عليك غزيراً كالمطر.

(5) ستظل تحسبك الكواكب كوكباً: لعلوك وارتفاع قدرك.

(85)

 

إيحاءات نهج البلاغة

 

فــــــــي مجــــــــالي نــــهج البلاغة حور           شهــــــد الأفــــــق انــــهــــــن بــــــدور

آخــــــــذات بـــــــاللب مبنى ومعنــــــــى           فالمــــــعاني مضــــــيئـــة والســــــطور

هي دنيا فكر بهــــــــا الأرض تــــــــزهو           بالــــــبراعات والســــــمــاء تمــــــور(1)

صــــــــعدت عندها الروائع فالأنجــــــــم           درب بــــــافــــــقــــــهــا وعــــــبــــــور

ســـــاحرات الرؤى فــــــــليس بــــــــبدع           إن مــــــن يــــــلتقي بــــــها مــــــسحور

وســــــــلاف مــــن خالها دون أن يشرب           يــــــغــــــدو وذهــــــنـــه مخــــــمور(2)

أفــــــــهل للمــــــــلام معنــــى لأنــــــــف          أخــــــذته بمـــــا تنــــــث العــــــطور(3)

وهــــــــل العــــــــاشقون إلا سبــــــــايـــا           وأخــــــو العــــشق مرغــــــم مقـــــهور

قلــــــــت للســــــــائلين والــــــــقلم الـتافه           يــــــفـــــتــــــن فــيــــــه إفــــــك وزور

وضــــــــح الانتــــــــماء بالنهــج فليسكت           زعــــــم يــــــخــــــطـــه مــــــوثــــــور

إــــــــنه ابن الــــــــقرآن والإبن كــــالأب           وإن لــــــج حــــــاقــــــد مــــــأجــــــور

يتــــــــمادى فيــــــــنكر الــــــــبديهيـــات           فــــــحجر بـــــوعيــــــه مــــــحــــــجور

وغـــــباء أن لا يرى الأصل بالفــــــــرع           وبــــــالفــــــراع تسـتــــــبين الجـــــذور

فــــــــوراء الشعــــــــاع لا بد شمــــــــس           وراء الــــــنهــــــج الشــــــذي زهـــــور

غيــــــــر أن الأنغــــــــام يـــــــسأل عنها           صادحــــات الخــــــميل لا اليعفــــــور(4)

قمــــــــم الفــــــــكر فــــــــي كتــاب علي           شاهــــــقات تــــــنحط عــنه الصــــــقور

نــــــــائيـــــات بــــــــها الشــــــــوارد إلا           لــــــجناح عــلى الصــــــعود صبــــــور

وعروس الأفكــــــــار إلا علــــــــى ذهن           حـــصيـــــف جــــــمالهــــــا مســــــتور

____________

(1) تمور: تضطرب أو تجيء وتهذهب مترددة.

(2) سلاف: خمرة.

(3) تنث: تنشر.

(4) اليعفور: الغزال.

(86)

 

فــــــــإذا لــــــــم يــــــــسد الــــذهن إلهام           فــــــلا يجـــــــتلي الخــــــفاء ظهــــــور

هــــــــو قــــــــانون الضـــــــوء من دونه           الأعيــــــن لا يستجـــــيب فيها النــــــور

فــــــــأعني لاجتــــــــلي إن طـــــــــرفي           عــــــنك من شدة الـــــسنا مــــــحسور(1)

إن يــــــــك الــــــــنهج وهـو نحوك درب           فيــــــه مــــــا قــد تــــــقلدته النــــــحور

فــــــــعلى القــــــــطع أنــت مقــــــــلع در          جنبــــــاه المنــــــظوم والمــــــنثـــــــور

فــــــــكر حـــــــر وديــــــــباجة غــــــــر           ونــــــبر مــــــمــوســــــق وأمــــــور(2)

ومــــــعان من خدرهــــــــا ســــــــافرات           ومــــــعــــان تــــــضمــــــهن خــــــدور

إنه النهــــــــج محــــــــض بـاب إلى حقل           بــــــه الــــــخصب والجــــــنى مـــوفور

أنــــــــت فيــــــــما به كــــــــتـاب وسيف           وهـــــزار يشــــــدو وليث هصــــــور(3)

ونــــــــبي البــــــــيان مـــــثل نبي الشرع           تشـــــــفى بــــــما يقــــــول الصــــــدور

يـــا خميل الفصحى وروض المــــــــعاني           وسط صحــــــراء بـالهــــــجير تــــــفور

إن يــــــــك النهــــــــج مـــــا لفظت فماذا           أنت يـــا فلــــــتة روتهــــــا الدهــــــور؟

يــــــــا تســـــــابيح ناسك ما تعاطــــــــى           دنــــس الشــــــرك بيــــــته المــــــعمور

يــــــــا صــــــدى راهب يــــــــهز حشايا           الليل والنـــــجم في الســــــماء يــــــغور

أنــــــــت معـــنى من وســــــــعه كل لفظ           فيه ضيق عـــــن حجــــــمه وقصــــــور

إغتـــــــفر أيها الــــــــوحيد فــــــــللإلحاد           حجــــــم تضيــــــق عــــــنه الكســــــور

ســــيدي يا أبــــــــا تــــــــراب يتــــــــيه            الغرس فـــيه وتشرئــــــب الــــــجذور(4)

أنا فيــــــــما ينمــــــــي إلـــيك وما تحكيه           عن وجــــــهك الــــــرؤى مــــــأســــور

 

_____________

(1) طرفي: عيني السنا: مخفف السناء: الضياء، محسور: ضعيف البصر.

(2) مموسق: فيه موسيقى والنبر: الصوت.

(3) الهزار: طائر حسن التغريد جمعه «هزارات» يشدو: يطرب، الليث الهصور: الأسد إذ يكسر فريسته كسراً.

(4) أبو تراب: كنية عرف بها الإمام علي (عليه السلام) وكانت من أحب الكنى عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  - تشرئب: تمد عنقها.

(87)

 

هــــــــزني انــني المهموم في دنــــــــياك           حتــــــى يفــــــيــق مــــــني الشــــــعور

وتصلــــــــي مــــــــشاعري عند محراب           بـــــه تدمــــــن الصــــــلاة العصــــــور

أنا ما غبت عنــــــــك يومــــــــاً ولـــــكن           أثملــــــتني الــــــرؤى فـــــدت الفتور(1)

ومـــــحراب العشق من عاش يــــــــدري           أن مــــــن ذاب بـــالهــــــوى معــــــذور

إنه ديــــــــدن المحــــــــبين أدنــــــــــــى           ما يلاقـــوه أن يــــــغيب الحــــــضور(2)

قــــــــد ســــــــألت الــــــزمان يوماً لماذا           عنك يـــــلوي بوجــــــهه ويــــــحور؟(3)

يــــــــتحاشى النــــبع المذال ويحــــــــسو           وشــــــلا مــــــا تــــــذوقـــته الثــــــغور

فـــــــكأن العيون ما بــــــــين مــــــــرآها           ومــا بــــــين نــــــبيك الثــــــر ســــــور

فتعرفــــــــت مــــــــنه أنــــــــك سنــــــخ           ليس من سنخــــهم فكــــــان الــــــنفور(4)

إن كــــــــل الــــــــرياح جــــــــنس ولكن           عد منها الصــــــبا ومنـــها الدبــــــور(5)

قــــــــد قـضى الله أن بالأرض فــــــــيرو           زاً وفــــــيها جــــــنـــــادل وصــــــخور

وقضى أن مــــــــعشر الجــــــــعل المنتن           بــــــالطبــــــع عشقــــــه البــــــعرور(6)

وبــــــــأن الفــــــــراش يعشق حســــــــن           الضوء حــــــتى يــــموت وهو يــــــدور

***

 

__________

(1) أثملتني: أسكرتني والثمل: السكر، دب: انتشر، الفتور: الضعف.

(2) الديدن: الدأب والعادة.

(3) يحور: يدور أو يكسد.

(4) سنخ: نبت.

(5) الصبا: ريح الشمال.

(6) الجعل: حيوان صغير جداً وهو ضرب من الخنافس.

(88)

 

الزهراء (عليها السلام)

       نظمت عام 1979 في احد مستشفيات لندن

 

كيــــــف يدنو إلى حــــــــشاي الــــــــداء           وبقــــــلبي الصــــــِّدِّيقة الــــــزَّهــــــراءُ

من أبــــــــوها وبعــــــــلها وبــــــــنوهـــا           صفــــــوة مــــا لمــــــثلهــــــم قرنــــــاء

أفــــــــق يــــــــنتمي إلــــــــى أفـــــق الله           ونــــــاهيــــــك ذلــــــك(1) الإنــتــــــماء

وكيــــــــان بــــــــناه أحــــــــمد خلـــــــقاً           ورعــــــتــــــه خــــــديجـــــة الغــــــراء

وعــــــــلي ضجــــــــيعه يــــــــا لـــروح           صــــــنعتــــــه وباركــــــتــه الســــــماء

***

أي دهــــــــماء جــــــــللت أفــــــق الإســ           لام حــــــتى تــنــــــكر الخــــــلصــــــاء

أطــــــــعموك الــــــــهوان مـــــن بعد عز          وعــــــن الــــحب نابــــــت الــــــبغضاء

أأضيــــــــعت آلاء أحمــــــــد فيـــــــــــهم           وضــــــلال أن تـــجــــــحــــــد الآلاء(2)

أو لــــــــم يعــــــــلموا بــــــأنك الحب الــ           مصطــــــفى حــــين تحفــــــظ الآبــــــاء

أفاجــــــــر الرســـــــــول هذا، وهــــــــذا           لمــــــزيد مــــــن العطــــــاء الــــــجزاء

أيــــــــها المـــــــوسع البتولة هضــــــــماً           ويــــــك مــــــا هـكذا يكون الوفــــــاء(3)

بــــــــلغة(4) خصـــها النــــــــبي لذي القر           بــــى كــــــما صرحت بــــــه الأنبــــــاء

لا تســـــاوي جزءاً لمــــــــا في سبيل الله            أعــــــطـــتـــه أمــــــك الــــــسمــــــحاء

ثم فيها إلــــــــى مــــــــودة ذي الـــــقربى           سبــــــيل يـــمــــــشي بــــــه الأتقيــــــاء

 

______________

(1) ناهيك ذلك الانتماء: كلمة تعجب واستعظام، وتعني أن ذلك الانتماء تستغني به عن الانتماء إلى أي جهة أخرى لعظمته ونجاعته.

(2) الآلاء: النعم. واحدها ألي وإلي.

(3) ويك: كلمة تعجب لحقتها كاف الخطاب، وهي بمعنى: أعجب من تصرفك.

(4) بلغة: ما يتبلغ به من العيش أو الرزق.

(89)

 

لــــــــو بــــــــها أكـرموك سر رسول الله           يــــــا ويــــــح مــــــن إليـــه أســــــاؤوا

أيــــــــذاد الســـبطان عن بــــــــلغة العيــ           ــش ويعــــــطى تــــــراثه(1) البــــــعداء

وتـــــــبيت الزهراء غــــــــرثى(2) ويغذى           مــــــن جنــــــاها مــروان والبغــــــضاء

أتروح الــــــــزهراء تطــــــــلب قــــــوتاً           والذي استــــــرفدوا(3) بهــــــا أغنــــــياء

يــــــا لوجد الهدى، أجل وعلــــــــى الدنـ            ــيا ومــــــا أوعبــــــت علــيه العفــــــاء

***

نهنهــــــــي(4) يــــــا بنة النبي عن الوجــ            ــد فـــــلا برحــــــت ــــــبك البرحــــــاء

وأريحــــــــي عيـــــــــناً وإن أذبــــــــلتها           دمــــــعة عــنــــــد جفــــــنها خرســــــاء

وانــــــــطوي فـــوق أضلع كســــــــروها           فهي من بعــــد كســــــرهم أنضــــــاء(5)

وتــــــناسي ذاك الجنــــــــين الــــــــمدمى           وإن اســــــتوحشــــــت لـــه الأحشــــــاء

وجبيــــــــن محــــــــمد كــــــــان يـــــرتا    ح إليــــــه مــــــبــــــــــــارك وضــــــاء

لطــــــــمته كــــــــف عـــن المجد والنخــ           ــوة فيــــــما عــــــهدتهـــــــــا شــــــلاء

وســــــــوار علـــى ذراعيك من ســــــــو           ط تمــــــطت بــــــضربـــــه اللؤمــــــاء

***

في حشايا الــــــــظلام فـــي مخدع الزهــ           ـــراء آه ولـــــــوعـــــــة وبـــــــكــــــاء

وهـــي فوق الفراش نضو مــــــــن الأســ           ــقام كالغــــصن جـــــــف عنه المـــــــاء

الرزايــــــــا(6) الســــــــوداء لـم تبق منها           غير روح ألــــــوى بـــــــها الإعيـــــــاء

______________

(1) التراث: ما يخلفه المتوفى لورثته.

(2) غرثى: جائعة.

(3) استرفدوا بها: طلبوا رفدها ومعونتها وعطاءها.

(4) نهنهي عن الوجد: كفي عنه. ولا برحت بك البرحاء: لا أتعبتك شدة.

(5) أنضاء: جمع نضو أي مجهدة ضعيفة.

(6) الرزايا: جمع رزية أو رزيئة أي المصائب.

(90)

 

ومسجى من جـــــــــسمها وسمـــــــــته(1)           بالندوب الـــــــسياط كـــــــيف تـــــــشاء

وكســــير من الضــــــــلوع تحـــــــــامت           أن يراه ابـــــــن عمـــــــها فيـــــــساء(2)

فاستجـــــارت بالموت والمـــــــــوت للرو           ح التي أدهــــــا(3) الـــــــعذاب شـــــــفاء

***

وبجفن الـــــــــزهراء طـــــــــيف تبـــدى           فـــــيه وجه الحبـــــــيب والسيمـــــــاء(4)

وذراعـــــــــا خــــــــــديجة وابتـــــــــهال           الأم تشـــتـــــــاق فرخهـــــــا ودعـــــــاء

فتـــــــــمشت بجـــــــــسمها خلـــــــــجات           ومشـــــــى فـــي جفونهـــــــا إغـــــــماء

وبدت فـــــــــي شـــــــــفاهها همهمـــــات           لعلي فـــــــي بعضـــــــها إيصــــــــاء(5)

بيـــــــــتيــمين وابنـــــــــتيـــــــــن وياللــ            أم نبـــــــض بقلـــــــبها  الأبـــــــنـــــــاء

ووصايا نمـــــت عـــــــــن الهضم والعتــ           ــب روتـــــــها مــــــن بعدها أســـــــماء

ثم ماتت ولهـــــــــى فما أقبـــــــح الخضــ           ــراء ممـــــــا جــــــنوه والغبـــــــراء(6)

***

ســـــــجيت في فـــــــــراشها وعلـــــــــي           وبنوه علـــــــى الفـراش انـــــــحنـــــــاء

وتلاقــــت دمـــــــــوعهم فوق صـــــــــدر   كان للمـــــــصطفى عليه ارتـــــــمــــــاء

وعلـــــــــي بمدمـــــــــع يقتــــــــضيه الــ           ـحزن سكـــــــباً وتمنع الكـــــــبريـــــــاء

فاحتــــــوى فاطـــــــــماً إليه ونـــــــــادى           عزيـــــــا بضعــــــة الـــــــنبي(7) العزاء

 

____________

(1) وسمته: تركت فيه أثراً.

(2) يساء: يستاء أو يحزن.

(3) أدها: أثقلها ودهاها.

(4) السيماء والسيما والسيمياء: العلامة.

(5) إيصاء: توصية.

(6) ولهى: حزينة.

(7) البضعة: القطعة.

(91)

 

وتولى تجـــــهيزها مثـــــــــل مـــــــــا أو           صته مــــــن حـــــــين مدت الظـــــــلماء

وعلى القـبر ذاب حـــــــــزناً ونـــــــــدت           دمـــعة مـــــــن عيـــــــونه وكـــــــفاء(1)

ثم نادى: وديعـة يـــــــــا رســـــــــول الله           ردت وعـــــــينـــهـــــــا حـــــــمـــــــراء

***

 

_____________

(1) الوكفاء: من (وكف يكف) بمعنى ( سال يسيل) فالوكفاء: السائلة.

(92)

 

الإمام الحسن عليه السلام

       نظمت عام 1987 بدمشق

بــــــــين النـــــــــبوة والإمامة مـــــــــعقد           ينميـه حيـــــــدرة وينـــــــجب أحمـــــــد

يزدان بـــــــــالإرث الكريــم فعزمـــــــــة           مـــــــن حـــــــيدر ومن النـــبوة سؤدد(1)

والـــــــــرافدان خـــــــــلائق ربيتهـــــــــا           وكـــــــرائم أغـــــــناك منــــها المحتد(2)

فــإذا سما خلق وطابـــــــــت دوحـــــــــة           فالمـــــــرء بينهـــــــما الســـــري الأوحد

يــــــــا أيها الحسن الزكي وأنت مـــــــــن           هـــــــذي المـــــــصادر للــــروائع مورد

أأبا محـــــــــمد أيــــــها الفرخ الـــــــــذي           آواه مـــــــن حجـــــــر النـــــــبوة مــقعد

وشـدت له الزهراء تمـــــــــلأ مـــــــــهده           نغـــــماً غـــــــداة تهـــــــزه وتهدهـــــــد

ورعتـــــــــه بـــــالزاد لكريم عـــــــــناية           لله تـــــــغدق(3) بالكـــــــــريم وترفـــــــد

عيــــناه تستجلي ملامـــــــــح أحـــــــــمد           وبســـــــمعه الوحــــــي المبيـــــــن يردد

ويــربه الـــــــــمحراب وهـــــــــو مطوق           عنـــــــق النبي غــــــــداة فيه يسجـــــــد

وتـــــــــشد عــــزمته ملاحـــــــــم للوغى           حمـــــــر أبـــــــوه بها الهــــــزير الملبد

زهـت النجوم عـــــــــلى سماك وليس في           أفـــــــق نميـــــــت إليــــــه إلا فـــــــرقد

ما أقـــــــــبح التــاريخ حـــــــــين يلح في           كذب علــيك وذو المناقـــــــب يـــــــحسد

أسماك مـــــــــزواجاً وهـــــــــذي فريــــة           وروى بـــــــأنك خـــــــائف متـــــــلدد(4)

مـــــــــاذا؟ أأنت تخاف والـــــــــجد الذي           يـــنميـــــــك والأب شعلـــــــة تتـــــــوقد

 

____________

(1) السؤدد: السيادة والمجد والشرف والقدر الرفيع.

(2) الكرائم: جمع مفرده كريمة، وهي النفيس من كل شيء وخياره، وكريمة الرجل: ابنته.

(3) تغدق: ترسل النعم.

(4) المتلدد: المخاصم الشديد الخصومة.

(93)

 

ولـــــــــك الـمواقف والمـــــــــشاهد واحد           يروي وآخــــــر بالبطـــــــولة يشـــــــهد

فـــــــــبإصبهان ويـــــوم قسطـــــــــنطينة           ماضي شبـــــاك له حـــــــديث مـــــــسند

والنـــــــــهروان وأرض صـــــــــفين بـها           أصداء ســـــيفك ما تـــــــزال تـــــــعربد

وأبــوك حيدر والحـــــــــيادر نسلهـــــــــا           من سنــــخها وابـــــــن الحـــــــسام مهند

وعــــــــــذرت فيك المرجـــــــــفين لأنهم           وتروا وذو الوتــر الـــــــمدمى يحـــــــقد

قالوا تنـازل لابن هنـــــــــد والهـــــــــوى           يعمي عن القول الـــــــصواب ويـــــــبعد

ما أهـــــــــون الدنيا لديـــــــــك وأنت من           وكف السحابة فـــي عطـــــــاء أجـــــــود

والحكـــــــــم لولا أن تقـــــــــيم عدالــــــة           أنكى لديك مــــن الذعـــــــاف وأنكـــــــد

ويــــــهون كرســـــــــي لمن أقدامـــــــــه           ترقى على صـــــــدر النبي وتصـــــــعد

أويبتـــــــــغي مـــــــــنه السيـــــادة من له           شهد النبـــي وقـــــــال إنـــــــك ســـــــيد

قد قادنـــــــــا للصـــــــــدق فيه مـــــــحمد           ومذمم(1) مـــــــن لم يقـــــــده محـــــــمد

يــا من تمر بـــــــــه النجوم وطرفـــــــــه           نحو السمــــاء مـــــــصوب ومـــــــصعد

تتنـــــــــاغم الأســـــــــحار من ترديــــده           إيـــــــاك ربــــي أستعـــــــين وأعبـــــــد

يتلو الكتاب فينـــــــــتشي من وعــــــــــده           ويـــهزه وقـــــــع الوعيـــــــد فـــــــيرعد

روح بآفـــــــاق الســـــــــماء محلـــــــــق           ويد بديــــــن المعوزيـــــــن(2) تســـــــدد

وسماحة وسعـــــــــت بـــــــــنبل جذورها           حـــــــتى لمـــــــروان ومـــــا يتـــــــولد

خــلق النجوم بدفئـــــــــها وشـــــــــعاعها           حتـــــى لمـــــــنتنة الحضـــــــيض تزود

 

______________

(1) المذمم: المذموم أو من المجارين والمحميين في الإسلام.

(2) المعوزين: مفردها المعوز وهو المفتقر سيء الحال.

(94)

 

أنحـــــــــى علــيك الناكثون بغـــــــــدرهم           والقاسطـــــــون المارقـــــــون تمردوا(1)

فلدى المــــــــدائن شاهد من غـــــــــدرهم           نكصـــــــوا وأنت إلى الـــــــملاحم تنـهد

طعنوك وانتهبـــــوا خباءك(2) والـــــــــذي           رضع الخيـــــــانة لاتعـــــــف له يـــــــد

وتعهدوا بك لابن هنـــــــــد مثـــــــــخنا(3)           تعســـــــت معاهدة وضـــــــل تعهـــــــد

أو مــــــثل هؤلاء تنـــــــــهض فيـــــــــهم           والغـــــــدر في تاريخـــــــهم متجســــــد

فرجعت تـمسح من جراحك والأســـــــــى           يجـــــــتث نابتة الشـــــــموخ ويخضــــد

***

وجرعت أشــــــجان ابن هند ولؤمـــــــــة           كالليـــــــث إذ ينـــــــقاد وهـــــــو مـــقيد

أزجى إليك الســــــــــم وهو سلاحـــــــــه           ويـــد الجبـــــــان بغيلـــــــة تستأســـــــد

فـتقطعت أحشاك وانطـــــــــفأ الـــــــــسنا           وذوت شـــــــفاه بالكــتـــــــاب تـــــــغرد

واسـتوحش المحراب حبراً(4) طـــــــــالما           ألـــــــفاه في كبـــــــد الــدجى يتهـــــــجد

***

يا تـــــــــرب طيـــبة يا أريج محـــــــــمد           يــا قـــــــدس عطره البقيع الغرقـــــــد(5)

أفدي صعيدك بالجــــــنان وكـــــــــيف لا           وبنـــــــو عـلي على صعيدك رفـــــــد(6)

حـــــــــسن وزين الــــعابدين وباقـــــــــر           والـــــــصادق البـحر الخضم المزبـــــــد

أولاء هم عدل الكـــــــتاب ومن بهـــــــــم           نهـــــــج الـــنبي وشـــــــرعه يتـــــــجدد

_____________

(1) القاسطون: الظالمون الجائرون الحائدون عن الحرق.

(2) الخباء: البيت المقام على أعمدة وجدرانه من صوف أو وبر أو شعر.

(3) المثخن: الذي أوهنته كثرة الجراح.

(4) الحبر: العالم الصالح.

(5) البقيع الغرقد: البقيع: المكان المتسع الذي فيه شجر أو أصول شجر، والغرقد: شجر شائك في الحجاز، واحدته غرقدة. والبقيع الغرقد: مقبرة في المدينة المنورة دفن فيها الكثير من الصحابة.

(6) الصعيد: التراب. ورفد: جمع مفرده رافد، وهي هنا بمعنى الوافدين.

(95)

 

وهم ذوو قربى النبي فــــــــويل مـــــــــن           قـــــــتلوا بقـــــــتلهم النبي والـــــــحـدوا

وأبوا عليهم أن يــشـــــــــيد مـــــــــرقد(1)           لهـــــــم وشــــــيد للتـــــــوافه مرقـــــــد

مهلاً فما مــــدح اللبـــــــــاب بفـــــــــشره           والسيف يبني المجد وهـــــــو مجـــــــرد

لابد من يــــوم عـــــــــلى أجســـــــــامهم           كمثال أهل الكهــف يبـــــــنى مـــــــسجد

حيـــــــــتك يا روض البـــــــــقيع مشاعر           قبل الجباه علـــــى ترابـــــــك تـــــــسجد

وروث ثــــــــــراك عواطف جـــــــــياشة           وسقت ربـــــــاك مـــــــدامع لا تبـــــــرد

***

______________

(1) المرقد: مكان الرقود أو الدفن.

(96)

 

مولد الحسين (عليه السلام)

 

       ألقيت في حفل مولد الحسين في النجف أيام حكم عبد السلام عارف عام 1064م

سمــــــــا بقصيدي أن ذكـــــــــراك مطلع           وأغلى نشيدي أنــــه منـــــــك مقـــــــطع

إذا جئــــت أستوحيـــــــــك شدت بناظري           حشود طيوف بالسنا الغـــــــمر تـــــــلمع

كأني وشــــــــــعري يـــــــــجتليك كرائماً           ألـــــــم نـــــــجوماً والـــــذي منك أروع

وأشــــتار(1) كرماً ما يـــــــــزال بعطرها           ثـرى الطف من ألف مضى يتـــــــضوع

تــعود بـــــــــي الذكرى لطـــــــــفل بمهده          إليــه شمـــــــوخ من غـــــــد يـــــــتطلع

كـــــــــأن على كفيــه همـــــــــس تمائم(2)           من الجزع أنغــــام الفتـــــــوح توقـــــــع

فـــــــــتسألني عيني أبا لمـــــــــهد صارم           تململ أم طـــــــفل مـــــــن الــدر يرضع

طلعت فــــــــما هز البـــــــــطولات مثلها           سمات ربيـــــع وهي بالأمس بلـــــــقع(3)

وأرضى انتظــار الـــــــــشوط بعد مرارة           من اليــــأس أن لاح الكمي المقـــــــنع(4)

أرى كل من يحــــيا يـــــــــموت ويستوي           على مســـــــرح الدنيا مغيب ومـــــــطلع

وأنت حياة لا تــــــموت عـــــــــلى المدى           توالد في خـــــــلق وتنـشي وتبـــــــدع(5)

أبــــــا الثورة الكبرى صليـــــــــل سيوفها           نشيــد بأبـــــــعاد الخلـــــــود مرجـــــــع

تشـــير وإيماض القواضـــــــــب(6) مشعل           وتحدو بركـــــب الـــــــثائرين فيـــــــتبع

***

______________

(1) أشتار كرماً: أقطف منه او أستمد منه جدواه.

(2) التمائم جمع مفردة تميمة، وهي العوذة أو التعويذة أو الرقية يرقى بها الإنسان لدفع أذى أو فزع أو جنون أو غير ذلك.

(3) بلقع: جرداء مقفرة خالية من كل شيء.

(4) الكمي: الشجاع المقدام الجريء لابس السلاح.

(5) تنشي: مخففة من تنشيئ بمعنى توجد وتحدث وتؤلف الصحائف والكتب.

(6) القواضب: جمع مفرده قاضب، وهو السيف القاطع.

(97)

 

أبا الــــــــطف ما جئنا لنبني بلفظـــــــــنا            لمعناك صــرحاً إن مـــــــعناك أمـــــــنع

مــــــــتى بنت الألفاظ صرحاً وإنـــــــــما           الصروح بمـقدود الجـــــــماجم ترفـــــــع

ألا إن بـــــــــرداً من جــراح لبســـــــــته           بنى لك مجداً من جــــــراحك يصـــــــنع

ومـــــــــوضحة تعلو جبيـــنك منـــــــــبراً          خطيب بما يجـري مـــــــن الدم مصقع(1)

***

لـــــروحك يممنا لتـــــــــحيا نفـــــــــوسنا           بعزمـــــة جبـــــــار تهـــــــز وتدفـــــــع

تأبـت علـــــــــينا الكاس وهـــــــــي ثمالة           وعز علينا الشرب، والكاس متـــــــرع(2)

وهـــــــنا فأتقـــــــــنا الهوان بـــــــــحكمة           وصلت خــــطانا الدرب فهي تميـــــــع(3)

وضـــعناك في الأعناق حـــــــــرزاً وإنما           خلقت لكي تنــــــضى حساماً فتـــــــشرع

وضغناك من دمع وتــــــــلك نـــــــــفوسنا          نصورهـــــــا لا أنــــــــت إنـــــــك أرفع

فإن شئت أن نــــــــحيا فألهم نـــــــــفوسنا           لتنهل مـــن كـــــــاس شربت فتجـــــــرع

ومر مبضـــــعاً شظاك يفري هـــــــــياكلاً          لنا فلكم نجـى من الـــــــموت مبـــــــضع

ولم تـــــــــجز حقداً مثله بل رحـــــــــمته           سجية نبل عـــــــشت فيــــــها وأربعوا(4)

وأيـــــن السمو السمح مـــــــــن نبع هاشم           وأوضار نـــتن من أميـــــــة تنبـــــــع(5)

نخائــــز(6) عاناها أبـــــــــوك لئيمـــــــــة           وكانت ببــــدر وجه جـــــــدك تقـــــــرع

فللترب مـــــــنها والهـــــــــوان بقيـــــــــة          تشتت شمل المسلــــــــــمين وتـــــــصدع

فـــــــــيا باعثيها نعـــــــــرةً جاهـــــــــلية           محـــــــمد واراهـــــــا التراب تورعوا(7)

 

_____________

(1) الخطيب المصقع: البليغ الذي يتفنن في أساليب القول.

(2) الثمالة: هي القلة الباقية في أسفل الكأس، والمترع: المملوء.

(3) صلت خطانا الدرب: ايبسته وكان لها صوت وقع عليه. وتميع: تسيل.

(4) أربعوا في سجية الحقد: أقاموا على عادة الحقد ولم يحيدوا عنها.

(5) الأوضار: جمع مفرده وضر، وهو وسخ الدسم وغيره.

(6) النخائز: جمع مفرده نخيزة، وهي الصفات السيئة.

(7) تورعوا: اتعظوا أو جدوا حرجاً من أفعالكم وكفوا عن آثامكم ومعاصيكم.

(98)

 

عــــــذرتكم لو أن مـــــــــا تنـــــــــبشونه           عظام ولكن جيـفة(1) وهـــــــي أبـــــــشع

ولــو أن مـــــــــا تبغونه مـــــــــن ورائها           خفي لـــــــقلنا عـــــــابث سوق يقــــــــلع

ولـــــــــكنه الكــــرسي مهـــــــــما برعتم           الخـــــداع يغطـــــــي رأسه ثم يطلـــــــع

***

وســـاجعة والمبكيـــــــــات تحوطـــــــــها           حنانيك هل يدري لمـــــــن فوك يسـجع(2)

عذرت الهـديل الغر لو فوق روضـــــــــة           ولكنه في دمــــنة ليـــــــس تمـــــــرع(3)

ســتبدي لك الأيــــــــــام أن مـــــــــضيرة           تلوكينها سـحت مـــــــن السم أنقـــــــع(4)

وأن الـــــــــذي يؤوي طريداً مذمـــــــــماً           (سحابة صــيف عن قليـــــــل تقـــــــشع)

مددنا إليك الكــــــــــف من بـــــــــعد فلتة           وقلنا شتيت(5) من قيـــــــطع سيرجـــــــع

وعـــــــــز علينــا بائن من جـــــــــسومنا           وأنف التفى مـــــــنه وإن هـــــــــو أجدع

ولكــــــن بغياً ما استـــــــــفاد بعـــــــــبرة           سيشقى وحــلف البغي يوماً سيـــــــصرع

***

محـــــــــمد هل يرضي جهادك تـــــــــافه           تستر بالإســـــــلام وهـــــــو مضـــــــيع

يهملج(6) فــــــــي أعقاب كل مـــــــــضلل           فلا النصح يـــــــثنيه ولا هــو يســـــــمع

يــخرف في خـــــــــلط تنافر نســـــــــجه           يؤد ويؤذي الســـــــمـع حين يجعـــــــجع

فـــــــــطوراً إلــى غرب يمت بـــــــــقوله           وطوراً إلى شـــــــــرق يمت ويـــــــنزع

وطوراً يؤاخي مـــــــن نسيـــــــــج خياله           نقائض فاعجـــــــب للنـــــــقائض تجمــع

مفـــــــــاهيـم لـيـنـيـنـة فـي جـــــــــذورها           عليها من اـــسم الله ثـــــــوب وبرقـــــــع

 

____________

(1) الجيفة: جثة الميت إذا أنتنت.
(2) حنانيك: تحنني علينا رحمة بعد رحمة.
(3) الدمنة: الديار الخربة أو آثار الديار.
(4) المضيرة: العام المصنوع من اللبن الحامض واللحم. والسحت: الحرام.
(5) الشتيت: المتفرق.
(6) يهملج: يمشي مشية سريعة.

(99)

 

أبا الشـــــــــهداء الـــــــــواهبــــــين تحية           إلى هبة من غرة الشمـــــــس أنـــــــصع

أنــــــــبئك ما زال الصبوح شموخـــــــــه           يهدهد أعطاف الغـــــــبوق ويمتـــــــع(1)

وإن منـــــــــاراً مـــــــــن دمـــــاء رفعته           ليهدي طريق السالــــــــكين مشعـــــــشع

***

فـــيا واهباً أعطى وأرضى بجانحـــــــــي           خشوع على أعتابك الشــــــــم يركـــــــع

تقبـــــــــله وامنـــــــــحني رضـــاك فإنني          إليكم بني الزهراء مــــا عشت أفـــــــزع

وكـن عدتي في يوم لا ولـــــــــد بـــــــــه           ولا مال مما يجمـــع الـــــــمرء ينفـــــــع

 

____________

(1) الصبوح: ما يؤكل أو يشرب في الصباح، ويقابله الغبوق.

(100)