ديوان الوائلي

اسم الکتاب : ديوان الوائلي

المؤلف : ديوان شعر الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (قدس سره) عميد المنبر الحسيني
المطبعة : المكتبة الحيدرية

 

 

 

رسالة للحسين (عليه السلام)

 

       نظمت عام 1983م عندما تعذرت زيارة الشاعر للحسين (عليه السلام)

 

دأبـــــــت أزورك فـــــــــي كل عـــــــــام           وألـــــــــثم تربك يـــــــا بـــــــن النبي(1)

ويــــــــابن علـــــــــي ويابن الـــــــــبتول           ويابن ذرا المـــــــجد مـــــــن يثـــــــرب

أترب خـــــــــدي بـــــــــعفر الـــــــــثرى           بحــــــــيث دمـــــــاؤك لم تنـــــــضب(2)

بـــــحيث يلـــــــــعلـــــــــع ثغر أبـــــــــى           بأن يحتــسي الـــــــذل فـــــــي مشرب(3)

وهـــــــام أبى للـــــــــطغاة الـــــــــركوع           وإن فلقــــــوا مـــــــنه بالمـــــــضرب(4)

يخـــــــــبرنا أن دنيــــــــــا الشـــــــــموخ           بغير الأسنــــة لـــــــم تـــــــطلـــــــب(5)

***

فــــأنـــت الـــصـــلابـــة والإعـــــــــتـــدا           د إذا افـــــــتقر الـــــــساحل لأصـــــــلب

وأنـــــــت إذا مــــا اســـتـــبـــد الـــظــلام           شمـــــوس مـــــــدى الدهر لم تغـــــــرب

وأنـــــت الـــــســــداد وأنـــــت الـــــرشاد           وأنــــــت الـــــــنزوع إلى الأصـــــــوب

سمــــو وهـــــم فــــــي مهاوي الحضيض           وعز وهـــــــم عنـــــــد عيش وبـــــي(6)

فــــــيــــالك يـــــا لــــــعــــطـــــاء الدماء           يحــــــيل الفلا لـــــــشرى مـــــــعشب(7)

___________

(1) دأبت: تعودت والدأب: العادة، ألثم: أقبل.

(2) أترب خدي بعفر الثرى: أمرغة في التراب، عفر: تراب، تنضب: تنفد.

(3) يحتسي: يشرب.

(4) هام: رأس، أبى: رفض.

(5) الأسنة: الرماح.

(6) العيش الوبي: الوخيم أو الموبوء.

(7) الشرى: موضع تنسب إليه الأسود.

(101)

 

ومــــــــرت سنيــــــــن ولــــــــم أجـــتلي           ســـماتك في روضـــــــك الأطـــــــيب(1)

بعــــــــيد ضــــــــريحك عــــــــن راحتي           ولســـــــت بعيـــداً عـــــــلى مـــــــطلبي

وحــــــــين نـــأى الطف زرت الشــــــــام           وحـــــــدت لـــــــراويـــــــة مركبـــــــي

إلــــــــى جدثٍ فيه مــــــــنك الثــــــــمال            تحـــــــدر مـــــــن جـــــــذرك الـــمنجب

فـــــأنــــــــت أراك بكــــــــل عــــــــلاك           هـــــنا قد تجســـــــدت فــــــي زينـــــــب

مثــــــــال الــــــــكفاح التــــــــي آزرتـك            على عـــــــبء نهضــــتك المـــــــصعب

وــــــــمن وقــــــــفت تكـــــشف السر عن          جهادك فـــــــي منـــــــطق معـــــــرب(2)

ومــــــــن هــــــــي في السبي لكنهــــــــا            تـــــــمرغ مـــــــن جبــــهة المســـــــتبي

تــــقول له «إسع» مهــــــــما ســــــــعيت           «ونـــاصب» بـــــــمالك من منـــــــصب

وتنــــــــذره مــــــــن غــــــــرور الهوى            مـــــن الفائـــــــزين إلـــــــى الخيـــــــب

ســــــــتفنى ويفــــــــنى دوي النـــــــــفير           ومـــــــا حشد الزيـــــــف من موكـــــــب

ويــــــــهدم صــــــــرح وأي الـــــصروح           بـــنى الظالمـــــــون فلـــــــم يخـــــــرب

وتــــــــبقى ضــــــــرائحنا هــــــــا هنــــا           مزار القلــــــــوب مـــــــدى الأحقـــــــب

مــــــــضمخة بــــــــالولاء الصــــــــــميم           ودمع علــــى الغـــــــير لم يســـــــكب(3)

ويــــــــمطرهــــــــا الله فــــــــي وابـــــل           من اللطـــــــف عـــــــذبٍ لمـــــــستعذب

أجــــــــل تــــــــلك عــــــــاقبة الــــمتقين           وعقبــــــاك فـــــــي بـــــــارق خـــــــلب

***

ريــــــــى (قــــــــاسيون) أقامت عليـــــك           شـــــــواهد بيضـــــــاء لــــــم تكـــــــذب

لو أنــــــــك أبــــــــصرت في لابتــــــيك            ضـــــــرائح للـــــــصبيـة الزغـــــــب(4)

__________

(1) أجتلي: أرى. وهذه الياء للإشباع الوزني، فعلامة جزم الفعل حذف الياء.

(2) المنطق المعرب: الفصيح الذي يفصح عن الأشياء ويوضحها.

(3) مضمخة: ملطخة.

(4) اللابتان: مثنى اللابة: الأرض ذات الحجارة السود البركانية.

(102)

 

تغــــــــسلها أدمــــــــع الزائــــــــريـــــن           وفـــــــي أذرع منـــــــهم تـــــــحتبــي(1)

لأدركــــــــت أن دمــــــــاء الطـــــــفوف           مـــــــعين إلـــــــى الآن لـــــــم ينـــضب

فــــــــيا لدمــــــــاء بــــــــــــأهدافهــــــــا           تضـــــــم البـــــــعيد إلـــــــى الأقـــــرب

***

ويــــــــا كــــــــربلا يـــــــا هدير الجراح           وزهـــــــو الـــــــدم العلـــــــوي الأبــــي

ويــــــــا ســــــــفر مــــــــلحمة الخــالدين           بغيـــــــر البـــــــطولة لـــــــم يكـــــــتب

ويــــــــا شــــــــفةً بنشيــــــــد الدمــــــــا            تغـــــــرد عبـــــــر المـــــــدى الأرحــب

ويــــــــا عبقاً في ثــــــــرى العلــــــــقمي           يشـــــــد الأنـــــــوف إلـــــــى الأطـــيب

ويا صــــــــرح مــــــــجدٍ بـــــناه الحسين           وأبـــــــدع فـــــــي رصـــــــفه المــعجب

يشــــــــيد مــــــــن جــــــــبهةٍ أدمــــــيت           وخـــــــد بعـــــــفر الثـــــــرى مـــــترب

سيــــــــبقى الحســــــــين شــــــعاراً على           أصـــــــيلك والـــــــشفق المـــــــذهـــــب

***

 

___________

(1) تحتبي: تجمع بين ظهرها وساقيها، أو تشتمل.

(103)

 

رسالة ثانية إلى الإمام الحسين (عليه السلام)

 

عــنق عشـــــــت فيه ستـــــــين عامـــــــاً           كنــــت عـــــــقداً يـــــــزينه ووسامـــــــا

كـــــــل يـــــــوم يـــــــستاف مـنك ويستو           حيك ســـــــيفاً وفـــــــارساً وإمـــــــاماً(1)

مـــــــلأ الكـــــــون مـــــــن صــليلك إيقا           عاً وهل فارق الـــــــصليل الـــــــحساما؟

فـــــــإذا مـــــــا استـــــــعاد ذكــراك وقعاً           حـــــــول الكـــــــون كلـــــــه أنغامـــــــا

وجـــــــلا الـــــــطف مــــــن خلالك يوماً           علـــــــويــــاً ينضـــــــر الأيـــــــامـــــــا

طـــــــاب مــــن طيب ما حوى من حسين          سل إذا شئـــــــت عن دماء الخـــــــزامى

كـــــــم بـــــــأغلى العـــــــقود جدت عليه           ثــــم ســـــــددت خـــــــطوه فاستقـــــــاما

أفـــــــترضى- حـــــــاشا- وأنـــــــت تراه           واهن الجـــــــسم يجـــــــرع الآلامـــــــا!

ولـــــــك الـــــــتربة الشفـــــــا وحـــــباك           الله ما شئـــــــت رفــــــعةً ومقامـــــــا(2)!

فـــــــاسأل الله يـــــــا ابن أكـــــــرم رهطٍ           أن ينحي عـــــــنـه الأذى والســـــــقاما(3)

أـــــــنا لا أطلـــــــب الـــــــدوام بــــــدنيا           كيف أرجـــــــو من الفنــــاء الدوامـــــــا!

غيـــــــر أنـــــــي لدي بضـــــــع أمــــان           وأمـــــــاني أن أنـــــــال الـــــــمرامـــــا!

ثـــــــم أمـــــــضي كما مضى الناس قبلي           لكـــــــريـــــــم آلاؤه تتــــــسامـــــــى(4)!

عـــــــند بـــــــابٍ عطـــــــاؤه لا يجــارى          وفنـــــــاء نزيلـــــــه لـــــــن يضـــــــاما

أتـــــــفيا بظـــــــل عـــــــفو سخــــــــــي           يمـــــــسح السيـــــــئات والآثــــــامـــــــا

 

___________

(1) يستاف: يشتم.

(2) حباك: أكرمك.

(3) السقام: المرض.

(4) الاؤه: نعمه تتسامى: تتعالى.

(104)

 

وأعـــــــب النـــــــعمى بجنب حسيـــــــن           وعلي ومـــــــن بهم أتـــــــسامـــــــى(1)!

رب فــــارحم خفري فأنـــــــت عطـــــــاء   كم تصـــــــدى محـــــــقق الأحلامـــــــا!

واســـــــق غـــــــرساً غرسته فلقد عـــــــا          د بقلـــــــب الـــــــهجير يشكو الأواما(2)!

__________

(1) أعب: أشرب.

(2) الهجير: شدة الحر، الأوام: العطش.

(105)

 

في ذكرى الحسين (عليه السلام)(1)

 

لـــــــم لا يـــــــلذ عـــــــلى ألحاني السمر           وأنــــــت لي في نـــــــشيد حالم وتـــــــر

غنـــــــيت باسـمك فاهتز الوجود الـــــــى           دنيــــاً يمتع فيها الســـــــمع والبصـــــــر

إلى فتى ليس مجـــــــد الــــــواهبين سوى           قدر ضـــئيل إلى جـــــــدواه يفتـــــــقر(2)

إلـــــــى الـــــــبطولـة يستضرى بها وهج           وعي الشعوب إذا استشرى بــها الخور(3)

إلى الصلابة من أجـــــــل الحــــــياة ترى           حرب المقادير أو يســـــــــتسلم الـــــــقدر

إلــــــى وريف من الأوفياء رف علـــــــى           الضاحين حيث هجير البغي يســـــــتعر(4)

إلى الحـــــــسين وهــــــل غير الحسين إذا          ما التاث(5) فكر وضاع الورد والصـــــدر

آمـــــــنت أنـــــــك حقـــل ما تمـــــــنع إذ           يستاف عطر وإذ يستـــــــقطف الثـــــــمر

***

يمت يـــــــومك أستجلـــــــي روائـــــــعه           فأشــــبعت ناظري مـــــــوارة صـــــــور

مـــــــا رمت رائعة إلا وجــــــدت بـــــــه           كأن كـــــــل ســـــــمو فــيه منحـــــــصر

هو المـــــــدى ميـــــــز الشــوط البعيد به           أعنة الركب(6) من جــــــدوا ومن قصروا

يـــــــؤذيه أنـــــــا دأبنا أن نطـــــــالعــــه           من عبرة وهو فيما يحـــــــتوي عــــــــبر

لو شئـــــــت قلت، وما زهو الفتوح سـوى           دنيـــــــاك، إنـــــــك ديناً مـــــــلؤها ظفر

__________

(1) نشرتها مجلة الأضواء عام 1959 تحت عنوان «غنيت باسمك فاهتز الوجود» وعلقت قائلة: «لقد كانت هذه القصيدة هي قصيدة الحفل ولكن حالت دونها بعض الموانع التي لا تعترف بها الأضواء فأثبتتها دون التي ألقيت».

(2) الجدوى: الفائدة.

(3) استشرى بها الخور: انتشر فيها الضعف واشتد.

(4) هجير البغي: شدة الظلم.

(5) التاث: اختلط والتبس.

(6) أعنة الركب: جمع عنان وهو ما تقاد به الدابة، وقد يكون رمزاً للقيادة إجمالاً.

(106)

لقـــــــد رأيتـــــــك فـــــــيها ألـــف قادمة            تهوى الشواهـــــــق إذ تستوبأ الحفــــر(1)

ومـــــــارداً زحـــــم الإعصار منكبـــــــه           حتى لواه، وما ألـــــــوت به الغـــــــير(2)

وفـــــــكرة تستشف الغيب، ما وهبـــــــت           إلا لتــــــــخلد، والطغـــــــيان ينتـــــــحر

مـــــــا ضرها وهـــــــي تـرجو كل عاقبة           إذا تعــجل مـــــــن لذاتـــــــه أشـــــــر(3)

قــــد يخـــــــدع الوهم سكراناً فـــــــيجعله           يظن أن الـــــــذي فــــي كأسه الـــــــقمر

أنبئـــــــك أن دمـــــــاً أهرقــت ألويـــــــة           شم إذا مــــا استحر الخـــــــطب تنتشر(4)

ولــــــوعة في رضـــــــيع أثكلوك بـــــــه           وجبهة وسمـــــــوا أو خنصـــــــراً بتروا

قذائف قــد أدالت مـــــــن عروشهـــــــم(5)          ورحت وحدك فـــــي المـــــــيدان تنتصر

فارو الخلود فما كان الخـــــــلود ســـــوى           وثيقة وقعتــــــها باســـــــمك العصـــــــر

***

مـولاي عـــــــاد إلى السمار مجلـــــــسهم           وعاد يبعث فـــــــينا اللـــــــذة الـــــــخدر

وعـــــــاد يزأر في النادي الوديـــــــع فتىً    مفيهق(6) صـــــــوته كالصــــــخر ينحدر

يحـكي البطولات كالصـــــــبيان إن ركبوا           عصيهم حـــــــسبوها الخـــــــيل تبــــتدر

وحــــــوله نفر يروون مـــــــن خـــــــدع           له الهدير ليـــــــروي أنهـــــــم هـــــدروا

وهي الـــــذي كان لا يسطـــــــيع من هلع           أن تســـــــتقر على أعطافــــــــه الأزر(7)

___________

(1) تستوبأ الحفر: يكثر فيها الوباء. والقادمة من جناح الطائر: ريشة من عشر ريشات كبيرة تكون في مقدمته.

(2) الغير: أحداث الدهر وأحواله المتغيرة المتقلبة.

(3) الأشر: البطر المرح المستكبر.

(4) استمر الخطب: اشتدت المصيبة وتأزمت الأمور.

(5) أدالت عروشهم: جعلت أعدائهم ينتصرون عليهم ويحكمونهم.

(6) المفيهق: المتشدق في أقواله وخطبه.

(7) الأزر: جمع مفرده إزار: وهو الكساء الذي يغطي النصف الأسفل من البدن.

(107)

 

أيـــــــام لا نحن فــــــــي سلم فيـــــــمنعنا           ولا بحرب فندري كيـــــــف نـــــعتجر(1)

أغـــــــراب لا نحـن من قيس فتـــــــمنعنا           ولا قريـــش فيحمــــــي رحلنا مـــــــضر

مشـــــــى لنا غرمـــــاء، لو بساعـــــــدهم          لــــــهان، لكنـــــــهم ظل لمن أمـــــــروا

تـــــــقسمونا فإغــــــراء لمن رقصـــــــوا           رقص القرود وضغط للـــذي صـــــــبروا

حتـــــــى تداركـــــــنا كالرعد منطـــــــلقاً           صوت الفتاوى على أفواه مــــــــن زأروا

دوى بـــــــها نفـــــــر من خير قادتـــــــنا           عند الخطوب، فمــــــرحى أيها النـــــــفر

فانـــــــجاب ليل وولت ظلــمة ومـــــــشى           ضوء ورفـــــــرف فتح أبلج(2) نـــــــضر

لكنني، وبـــــــقايا الكـــأس ما برحـــــــت           تغري النــشاوى أرى أن يؤخـــــــذ الحذر

فإن ذبـــــــذبة (الأنـــــواء) ما برحـــــــت          والبــــــوق للنفـــــــخ ما ينفك ينـــــــتظر

وشيـــــــمة النفر المسعـــــور تخـــــــبرنا           بأنــهم يـــــــهلكون الحرث لـــــــو قدروا

فأججـــــــوا الدم عزماً فـــــي ترائـــــــبنا           باســم الحـــــــسين ليوم الـــــــهول يدخر

***

يـــــــا أيـــــــها النـــشء يا نبعاً  مـــــــن            أكبـــــــادنا وربـــــــيعاً نبتـــــــه عـــطر

إنـــــــا نــــــراك الغد المرجـــــــو نطلعه           صـــــــبحاً إذا ما ظلام الخطب يعتـــــكر

لا تـــــــخدعن بأحـــــــلام مـــــــزوقـــــة           كـــــــذوبة ليــس في أخلافـــــــها درر(3)

كعـــــــاجز لـــــــم يــــنل في يقظة وطراً           فيستـــــــجيب لـه في حلمه الوطـــــــر(4)

___________

(1) يمنعنا: يجعلنا منيعين محميين. ونعتجر: نستتر ونبعد أنفسنا عن الخطر.

(2) الأبلج: المشرق البين.

(3) الأخلاف: جمع خلف وهو ضرع الناقة وغيرها أو حلمة الضرع. والدرر: در الضرع من الحليب أو اللبن.

(4) الوطر: الحاجة والبغية.

(108)

 

في كــــــــل يوم تلاقي من ســـــــرابهم(1)           خوادعـــــــاً فـــــــلماذا لـــــــيس تعتـــبر

صـــــــبوك في ألف شكل من قـــــــوالبهم           حتــى كأنـــــــك للتزيـــــــيف مخـــــــتبر

وأشـــــــرعوك ســـــــلاحاً لا تجذ بـــــــه           إلا يداك وجـــــسراً فوقـــــــه عبـــــــروا

كم واعدوك (وحادي العيس(2) طال بـــــه)   حدو وليس لما يحــــــــدو بـــــــه أثـــــر

مـا زلت تطوي الضلوع الخافقات طـــوىً    في حين تنحت من أضــــــلاعك الســـرر

فـــــــرحت تخـــــبط حيناً هاهنـــــــا وهنا           حيناً كـــــــتائهة يعـــــــشو(3) لهـــــا نظر

يــــا نشء عد للحمى الأســــــمى فأرضك           خـــــــصب زهت وسماك الثر ينـــــــهمر

ألســـــــت مــــــن وهب الليل الشروق فما          تنـــــــمى(4) لغير سناه الأنـــــــجم الزهر

فـــــــالروح جامع والأفــــكار جامـــــــعة           والعــــــدل مجـــــــتمع ينمو فـــــــيزدهر

مشى ربيـــــــعك سمـــــــحاً فــــي غوادقه          يفــيض بالبـــــــشر حتى يبـــــــسم الزهر

أيـــــــام أسكــــــرت الدنيا الفتوح لنـــــــا           فـــــــي كل داليـــــــة للمجد مـــــــعتصر

واليوم تهدى إلـــــــى تـــــــشريعنا فــــكر           يــا واهب التمـــــــر لا تحـــــــتاجه هجر

مـــــــتى افتـــــــقرنا وقــــد أغنى موائدنا           محمد واهـــــــتدى مــن وحـــــــينا البشر

***

ســـــــقيت ذكـراك والصهباء(5) قـــــــافية           هذي الوفود فمـــــــا ذنبي إذا ســـــــكروا

وطالعتـــــــهم ومـا أسمى الجلال بهـــــــا           رؤاك فـــي جنبـــــــات الحفل تنتـــــــشر

________

(1) السراب: مايرى في نصف النهار من اشتداد الحر كالماء يلصق بالأرض، ويرمز به للكذب والخداع.

(2) حادي العيس: قائد الإبل.

(3) يعشو لها نظر: يضعف بصرها.

(4) تنمى: تنسب.

(5) الصهباء: الخمر.

(109)

 

هنـــــــا يلألئ (يا للنجـــــــم) منــــــتصباً           من الشمـــــــوخ جبين شـــــــجه الحـــجر

وها هنا يـــــــشجب الظلمـــــــاء منبلجاً(1)          ثغر تشـــــــظى عليه العـــــــود يـــنكـسر

وها هنا قـــــــدم سارت ومـــــــا عثـــرت           في حين عاف السرى(2)بالدرب من عثروا

وها هنــــــا وعليه الـــــــنبل أو ســـــــمة           صدر يحـــــــلي العوالي مـــــــنه مشتجر

وهـــا هنا أشـــــــرعت مخضوبة بـــــــدم           كفاك تلـــــــطم خــــــدا كله صـــــــعر(3)

وهـــــــا هنا وهنــــــــا من جانحيك مشت           روح توثـــــــب كالبركـــــــان ينفـــــــجر

منــــــــها نسجت فلم لا يزدهـــــــي نغمي           (وأنت لي فـــــــي نشـــيد حـــــــالم وتر)

***

 

___________

(1) منبلجاً: مضيئاً ومشرقاً.

(2) السرى: السير ليلاً.

(3) الصعر: داء في العنق لا يستطاع معه الالتفاف، أو ميل العنق.

(110)

 

قتل الحسين يزيداً(1)

 

يوم طلعـــــــت علـــــــى الزمـــــان وليدا           سيــــــظل مـــــــلء فم الزمان نشـــــــيدا

يـــــــممت يـــــــومك كالظـــــــماء بلفحة           الــصحراء تلتـــــــمس الغـــــــدير ورودا

فـــــــرأيت بـــــــين شروقه وغروبـــــــه           صوراً تعز عـلى النعـــــــوت حـــــــدودا

مـــــــثلت خيرها ومـــــــثل شـــــــرهــــا           نفر فكنت ســماً وكـــــــان صعـــــــيداً(2)

وإذا أراق الـــــــيوم زاكيـــــــة الدمـــــــا           فـــــــغدً سترفعها الشعـــــــوب بنـــــــودا

فـــــــرأيـــــــتك العـــــــملاق جيـداً متلعاً            ينعى على الأقزام تهـــــــطع جـــــــيدا(3)

ورأيتـــــــك الفكر الحصيف يــــشق أســـ           ــتار الغيوب ويستـــــــشف بعـــــــيدا(4)

ورأيتـــــــك النـــــــفس الكبيرة لــــم تكن            حتى علــــــى من قـــــــاتلوك حـــــــقودا

فعـــلمت أنـــــــك نائـــــــل ما تبتغـــــــي           حتماً وإن يك شـــــــلوك المـــــــــقدودا(5)

وبأن مـــــــن قتـــــــلوك ودوا عكس مـــا           قـــــد كان لو علموا الـــــــمدى المقصودا

ظـــــــنوا بأن قــــتل الحـــــــسين يزيدهم           لكـــــــنما قتـــــل الحســـــــين يزيـــــــدا

***

 

___________

(1) كانت القصيدة طويلة، وذكر المرحوم في الطبعة السابقة أنه لا يوجد عنده سوى هذه الأبيات منها، وأمل أن يجد الباقي فيما بعد، ويبدو أنه لم يجده. وقد اخترنا لها العنوان: «قتل الحسين يزيداً».

(2) الصعيد: التراب أو وجه الأرض.

(3) تهطع: تنظر في تذلل.

(4) الفكر الحصيف: ذو الرأي الجيد. ويستشف: يستقرئ ويستنتج.

(5) الشلو: العضو. والمقدود: المشقوق.

(111)

 

أبا الشهداء

 

       نظمت في العقد التاسع من القرن العشرين لتلقى في حفل بالباكستان ولكن من حمل الرسالة لم يسلمها.

طلعت على الدنيـــا حســـــــاماً مـــــــهنداً           فعاشـــتك حيناً ثم عاشت على الصدى(1)

ولــــــــست ببان بالـــــــحجارة معـــــــبداً           إذا لم تشـــــــيد بالـــــــجوانح معــــــــبدا

جثا الدهر في أعتـــــــابك الشـــــــم راكعاً           ولا غرو إن الظــــــــهر أثقله النـــــــدى

وضعت لمعـــــناك الحروف فـــــــلم تطق          جــــلاءك فاستجليت معنى مجـــــــردا(2)

قعشت بذهني صـــــــورةً لا أرى لهـــــــا           بمـــــــحدودة الألفـــــــاظ أن تتـــــــقــيدا

تمجـــــد قـــــــوم بالخـــــــلود وإنـــــــني           رأيت بمعنـــــــاك الخـــــــلود مخـــــــلدا

لقد أخـــــذت مـــــــنك الدوائر شـــــــكلها           فـــــليس لمرآها انتـــــــهاء ولا ابـــــــتدا

ويولد مـــــــن ينـــــــفى وأنت تأصـــــــل           فما مـــت يوماً كـــــــي نحدك مولـــــــدا

***

حـــــــسين ورب اســـــــم إذا مــــا لفظته           يـــــــرن بســـــمع الدهر مـــــــهما ترددا

كمثل شعاع الشمس ما اخلولقت لـــــــه(3)           بيـــــــوم معـــــــان كــي يقـــــــال تجددا

أفـــــــاق علـــــــيه الدهــــــر يوماً فراعه           طـــــــراز تعـــــدى سنـــــــخه(4) وتفردا

فـــــــيا واحداً من خمـــسة إن رأيتهـــــــم           رأيـــــــت بـــهم في كـــــــل وجه محمدا

حـــــــديث الكســـا ترنيمة الحق فيهـــــــم           روى الذكــــــر فيـــــــها الإحتفاء وغردا

____________

(1) الصدى: رجع الذكريات.

(2) المعنى المجرد: ما يدرك بالذهن دون الحواس.

(3) ما اخْلَوْلَقَتْ المعاني: ما بَلِيَت.

(4) تعدى سنخه: تجاوز أصله أو طبيعته، وكما يقال: تفوق على نفسه.

(112)

 

ســـــــما فلـك تنمى إليه فـــــــلم يكـــــــن           لينجـــــــبها إلا شـــــــموساً وفرقـــــدا(1)

أيا مطعم الدنـــــــيا بـــــغمرة جـــــــوعها           ترائـــب(2) ما اطبقن إلا على الهـــــــدى

أعـــــــدت بك الأيــــــام زاداً لـــــــفقرها            إذا جـــــــاع دهـــــــر أمه(3) فـــــــتزودا

وألفت بـــــــك الدنيا الكــمال لنقـــــــصها           فأشـــــــبعتها عـزماً وحزماً وســـــــؤددا

وواجهت حـــــــتى قـــــاتليك برحـــــــمة           تفجر بالصـــماء نـــــــبعاً مـــــــصردا(4)

وقلب يعبر الرمـــــــح عطفاً وإن قســـــــا           وأكثر فــيه الطعـــــــن حتى تقـــــــددا(5)

وتـــــــلك سمــــــــات الأنبياء تســـــــامح           وروح يفيض الحب حتى علـــــــى العـدا

***

أيـــــا واهباً أعطى الحيـــــــاة بنـــــــهجه           إذا لزهـــــــا الإعنات نهجاً مســـــــددا(6)

وعلمـــــــنا أن الفـــــــداء فــــريضـــــــة           إذا افـــــــتقر العيش الكريم إلـــــــى الفدا

لمـــــــحت رسوم المجد بـيضاء حـــــــرةً           على كـــــل عضو منك قطـــــــع بالمدى

فأكبـــــــرت فـــــــيك الـدم أسرج شعلةً(7)           بقلب ظـــــــلام الليل حـــــــتى تبـــــــددا

ومجدت جرحاً في جــــــــبينك شامخـــــــاً          يهز الجبـــــــاه الخانعـــــــات(8) لتـصعدا

 

_____________

(1) الفرقد: اسم لنجمين من نجوم الدب الأصغر، ويستعل اللفظ رمزاً للعلو والرفعة.
(2) الترائب: عظام الصدر مما يلي الترقوتين. الواحدة تريبة. ويطلق اللفظ على موضع القلادة من الصدر. والترائب هنا رمز لما يجمعه الصدر من علوم دينية شريفة ونفس زكية.

(3) أم المكان: قصده.

(4) الصماء: الصخور الصماء. النبع المصرد: المتقطع.

(5) تقدد: جف ويبس.

(6) لزها الإعنات: ضيق عليها التشديد وألزمها ما يصعب أداؤه. ويشق تحمله. والنهج المسدد: الطريقة القويمة الصحيحة.

(7) أسرج شعلة: أضيء كالسراج.

(8) الخانعات: الخاضعة برضوخ وتذلل.

(113)

 

ويـــــــا ربــــــوات الطف ألف تحيـــــــه           أيام عاشـــــــوراء تـــــــختال خـــــرداً(1)

ورعيـــــــاً ليـــــــوم كلما طال عـــــــهده           أراه بما أعـــــطى يـــــــعود كما بـــــــدا

***

___________

(1) الخرد: جمع خريدة وهي البكر الخفرة الحيية الطويلة السكوت المستترة من النساء. وتختال: تتمايل في مشيها كبراً.

(114)

 

الدم الثائر

 

أنـــــــواح فـــي الطـــــــف أم تغـــــــريد           ولـــــــظىً ســـــــال أم دم وصـــــــديــد

ودم الـــــــثائـــــــريــــــن وهـــــــو دوي           يرهـــــــب الظـــــــالمين فيـــــــه وعــيد

إن صــــوت الأحزان دمـــــــع ولـــــــكن           للدمـــــــا صـــــــوتها المـــــــرن الحديد

إنـــــــها لا تــــــراق كي يكثر الدمـــــــع            لهـــــــا أو لخصـــــــمها التـــــــنديـــــــد

فـــــــإذا ابتـــــــز بعضها الدمع يبقـــــــى           للعلا والـــــــشـموخ فيـــــــها المزيـــــــد

هو بالحـــــــرب مـــــــــوقف وحســـــــام           وهو للـــــــحزن دمـــــــعــة وقصيـــــــد

حملـــــــتها الدنـــــــــيا دمـــــــوعاً وسيفاً           ولــــــــكل في أفـــــــقه مـــــــا يريـــــــد

يا دمـــــــاً كلمـــــا تشيـــــــب الليـــــــالي           يجتلـــــــيه الزمـــــــان وهـــــــو جديـــد

مـــــــارد يحـــــــــمل الحسين حسامـــــــاً          كلـــــــما مـــــــر بالـــــــوجود يـــــــزيد

وإذا عـــــــرش الخـــــــنوع بــــجيـــــــل           وانحـــــــنى مـــــــنه للمـــــــذلة جــــــيد

دب مـــــــن روحـــــــه إلـــى الوهن عزم           لعـــــــزم فمـــــــن دمـــــــاك الرصــــيد

مشـــــــعل لـــــــم يزل يضيء وإن حاول           اخـــــــمــاده الظـــــــلام الشـــــــديـــــــد

ونــــــزوع حر وكم ســـــــاومت كـــــــي           تحـــــــتوي نـــــــزعة النفــــــوس العبيد

انـــــــها عـــــــزمة النـــــــبوات تمشـــي           ولـــــــو الـــــــدرب فـــــــيه جــهد جهيد

مــن مقاييسها بأن الـــــــورى المـــــــوتى           وان الحـــــــي الوحيـــــــد الشهـــــــيد(1)

ووريـــــــد تخـــــــال تـــــــلك الـمدى ان           قطـــــــعتـــــــه لــــــكنـــــــه مـــــــمدود

أفـــــــق مـــــــن حيــــاته يرفد الدنيـــــــا           فـــــــيا للعـــــــطاء كيـــــــف يجـــــــود

____________

(1) الورى: عامة الناس.

(115)

 

لم تنله الطـــــــــغاة بل نـــــــال منـــــــها           رب فـــــــعل أشـــــــد منـــــــه الـــردود

وجنــــــود البغـــــــي الكثــــــر قلــــــــيل           ودم الـــــــحق وهـــــــو فـــــــرد جنــود

انه نبــــــــض أمة أدهـــــــا الطغــــــــيان           ومـــــــا اهـــــــتز فـــــــيه عـــرق عنود

وهو إذ تـلتـــــــقي الشـــــــعور عـــــــليه           كـــــــعبة تلتقـــــــي علـــــــيها الوفــــود

وهو مـن بـــــــعد كل هـــــــذا كتــــــــاب           حمـــــــل الحـــــــق والضــــــحايا شهود

أوريــــد حمـــــــلت أم هـــــــو تيـــــــار؟           غنـــــــي بــــالـــــــثائـــــــرين ولـــــــود

جرف المرجفين وافتـــــــرع الصعـــــــب          ومـــــــا أوقفـــــــت خــــــطاه السدود(1)

مشرأب فــما وهى النزوع في جنحيـــــــه           بـــــــل يـــــــتبع الصـــــــعود صــــعود

اريحـــــــي مـــــــا جــــاء يأخذ بل يعطي           فمـــــــنه اجـــــــتدى الخـــــــلود الخـلود

ونـــــــبيل فـــــــي نـــــــبعه فــــــــســواء           شـــــــاكر عب صفـــوه أم جـــــــحود(2)

وشـــــــجاع مـــــــا ثـــــــار للـــبـغي لكن          عن ذمـــــــار الدين الحنيف يــــــــذود(3)

فهو اطروحة الســــــماء إلـــــــى الأرض           إذا زاحـــــــم الـــــــقـــــــيام الـقـــــــعود

يـــــــا (أبا الـــــــثائرين) أكبر معـــــــناك           بـــــــأن يـــــــحتويه ثـــــــوب زهــــــيد

فمجـــــــاليك لـــــم تكـــــــن ذات يـــــــوم          رغـــــــبات يـــــــنالها مستـــــــفيـــــــــد

أو طــــــــــبول بـــــــها دوي وإيـــــــقاع           ورصـــــــف المـــــــديح والتمـــــــجيـــد

فــــــدم الثائريـــــــن أقصـــــــى مـــــــناه           ان يحـــــــاذي أهـــــــدافه التجـــــــسيــد

أن كـــــــل الــوجـــــــود دون دم حـــــــر          كيـــــــان مـــــــحقــــــر رعـــــــديـــــــد

فـــــــتألق يا شـــــــعلة تـــــــهزم الظـلماء           حـــــــتى يـــبـــــــين نهـــــــج سديـــــــد

 

_____________

(1) جرف المرجفين: أخذ المشككين في تياره.

(2) عب: شرب.

(3) البغي: الظلم، ذمار الدين: حدوده، يذود: يدافع.

(116)

 

يصنع الخـصب موقـــــــف دونه الدنيـــــا           علـــــــى وســـــــعها سهـــــــوب وبيد(1)

سيدي ان تكـــــن جـــــــراحك شظـــــــت           مـــــــنك جـــــــسماً فالجسم شــلو قديد(2)

هونتها جراح مـــــــا صنـــــــع الســــــبي          ولفـــــــح الــسيـــــــاط والتـــــــقييـــــــد

بـــــــنساء كـــــــرائم ربهــــن الوحـــــــي          والديـــــــن والــــــكتـــــــاب المجـــــــيد

خفـــــــرات دنـــــــيا (مــحمد) غذتهـــــــا          ودنيـــــــا (مـــــــحمد) تســـــــديــــــد(3)

مـــــــن جـــــــذور محلـــــقات وبيـــــــت           هـــــــو عـــــــن كـــــــل ما يشين بعـــيد

فـــــــوراء الخـدور سنخ من الزهـــــــراء          يـــــــروي نشيـــــــجها ويـــــــجيـــــد(4)

هـــــــكذا رفـــــــت الغـــــــصون علــــى           جـــــــذر كـــــــريم فــــــطارف وتليد(5)

أوتـــــــدري مــــــا شان بيض وجـــــــوه           أطبقـــــــت حــــــــولها الخطوب السود؟

أفـــــــعمت روحها الـــــــرزايا فما للوجد           والدمـــــــوع والشجـــــــون حــــــدود(6)

ولوتها السيـــــــاط وهـــــــي رعــــــابيب           فـــــــضجت مـــــــن الــــــسياط زنود(7ِ)

فـــــــي اســـــــار تـــــــروي فواجـعه الر          مـــــــضاء والشــمس والربى والنجود(8)

خلـــــــفها من ربوا بحجر رســـــــول الله           صرعى علــــــــى الرمـــــــاد رقـــــــود

وإلى جنـــــــبها علـــــــيل علـــى الشارف          شـــــــدت بســـــــاعــــديـــــــه قيـــــــود

ورؤس لأهلهـــــــا نصــــــــب عينهـــــــا           لواهـــــــا الهجـــــــير فهـــــــي جلـــــود

_____________

(1) السهوب والبيد: الفلوات والصحارى: ولو أنه «رحمه الله» قال السهول بدلاً من السهوب لكانت أقرب إلى تحقق الشعرية.

(2) الشلو: الجزء من الجسم، القديد: المقطع يقال «قده» قطعه.

(3) الخفرات: الجواري أو النساء الكريمات.

(4) سنخ: نبت.

(5) الطارق: الحديث الجديد، التليد: القديم.

(6) أفعمت: ملأت، الرزايا: المصائب، الشجون: الأحزان.

(7) الرعابيب: الجواري الناعمات وهي جمع مفردها «الرعبوبة».

(8) الرمضاء: الأرض الحامية من شدة الحر، النجود: الأرض المرتفعة.

(117)

 

فمضـــــــت تطبق الجفون ففي بعـــــــض           الـــــــذي حــولها تـــــــذوب الكـــــــبود

وصغار براعـــــــم وجهـــــــهم لــــــــلام           يبــــــــــدو بــــــه المـــــــنى والعيـــــــد

يطـــــــفح البــــــشر بالسمات ويزهـــــــو           بالخـــــــدود الـــبريـــــــق والتوريـــــــد

مســـــــحتهم كــــــف النبـــــــي بـــــــنور          فـــــــمن الــــجد مـــــــا رواه الحـــــــفيد

هصـــــــر اليتــــم عودهـــــــم فألحـــــــو           يســــــأل الأم عـــــــن أبيه الوليـــــــد(1)

ســـــــأل القـــــــيد هــل أولاء صغـــــــار          أم هـــــم في الأغـــــــلال در نضـــــــيد

أيهـــــــا الأمهـــــــات قــد فرغ الـــــــمهد           فمــــــا الهدهـــــــدات والتـــــــرديـــــــد

لـــــــيس عــن هذه الأغاريد للأطـــــــفال           إلا البكـــــــاء والـــــــتســـــــهــيـــــــد(2)

 

____________

(1) هصر: كسر، عودهم: شبابهم وأنفتهم.

(2) التسهيد: الأرق.

(118)

 

حديث الجراح

       ارتجل الدور الأول في طريقه الى الحسين (عليه السلام) من النجف ثم أكملها، وذلك عام 1973م

الـــــــجراحــــات والـــــــدم الـــــــمطلول           أينعت فالزمـــــان مـــــــنها خمـــــــيل(1)

ومضت تنـــــــشئ الفـــــــتوح وبعـــــض           الـــــــدم فيمـــــــا يعـــــــطيه فــتح جليل

والـــــــدم الـــــحر مارد ينـــــــبئ الأحـــ           ـــرار والثـــــــائرين: هـــــــذا الــــسبيل

وحـــــــديث الــــــجراح مـــــــجد وأسمى           سيـــــــر المـــــــجد مـا روته النصول(2)

ثـــــــم عــــــذراً إن تهت يـــــــا دم يا جر          ح فـــــــقد أســـــــكر البيـــــــان الشمول

***

يا أبا الطف يـــــــا نـــــــجيعاً إلـــــى الآن          ن تهـــــــادى علـــــــى شــذاه الرمول(3)

تـــــــوج الأرض بـــــــالفـــــتوح فللرمـــ           ـــل علـــــــى كـــــــل حبـــــــة إكلـــــيل

أرجفـــــــوا(4) أنـــــــك القتيل المدمـــــــى           أومـــــــن ينـــــــشئ الحيـــــــاة قتــــــيل

كـــــــذبوا ليـــــــس يـقتل المبـــــــدأ الحر           ولا يخـــــــدع النـــــــهى التـــضلـــــــيل

كـــــــذبوا لـــــــن يمـــوت رأي لنـــــــور          الشـــــــمس مـــــــن بعض نوره تعليل(5)

كــــــــذبوا كل ومضة من ســـــــيوف الــ           ــحق فـــــــي فـــــــاحم الدجــــــى قنديل

كل عـــــــرق فـــــــروه لهـــــــو بــــوجه           الظلـــــــم والبغـــــــي صــارم مسلول(6)

_____________

(1) المطلول: المهدور. والخميل: الأرض السهلة المنخفضة التي يشبه نبتها خميل القطيفة والتي يجتمع فيها الشجر بكثرة ويلتف بعضه على بعض، مفردها خميلة.

(2) النصول: السيوف مفردها: نصل.

(3) النجيع: الدم، تهادى: تتهادى، شذاه: قوة رائحته الطيبة. والرمول: قصد بها الرمال.

(4) أرجفوا: قالوا كذباً وتضليلاً.

(5) التعليل: بيان العلة وإثباتها بالدليل.

(6) فرى العرق: شقه وقطعه.

(119)

 

ويـــــــموت الرســـــــول جســــــماً ولكن           فـــــــي الرســــــالات لن يموت الرسول

***

يـــــــا أبـــــــا الطــــف ساحة الطف تبقى           وعليـــــــها مشـــــــاهـــــد لا تـــــــزول

فهـــــــنا والنـــــــبي يــــــــرقب شلــــــواً           مزقـــــــته قـــــــنا وداســـــــت خــــيول

يـــــــزدهيـــــــه بـــــــأنـــــه وحســـــــين          قـــــــصة الأمـــــــس والـــغد الموصول

وبـــــــأن الروح الــــذي حـــــــمل السبـــ           ــط(1) تـــــــراث مـــــــن النبــــي أصيل

وهـــــــنا حــــــشد آل حرب وللخـــــــسة           فـــــــي كـــــــل مـــــــا بـــــــه تـــــدليل

يـــــــتهادى كـــأنـــــــه أحـــــــرز النصــ           ــر ولـــــــم يـــــــدر أنـــــــه المخـــذول

وعـــــــليه مـــــــن الـــــــجدود بـــــــقاياً           هــــــي لـــــــوم وحطـــــــة ونـــــــزول

وهـــــــنا حشد هاشـــــــم وهــو جـــــــذر           ينــــــتمي للـــــــشذا وطـــــــبع نبيـــــــل

وستـــــــبقى الدنـــــــيا وللوضــــــر النتــ           ـــن قبيـــــــل وللـــــــسمـــــــو قـــــــبيل

***

يا أبـــا الطـــــــف إن أخذت فـــــــقد أعـــ           طيـــــــت لله والعـــــــطــــاء جزيـــــــل

فالتراب الـــــــجديب ما اخضر لـــــــو لم           يتـــــــصدى له السحـــــاب الهـــــــطول

ومنـــــــال الــــرغـــــــاب دون دمـــــــاء           أمنيـــــــات كذوبــــــــــة ومحـــــــول(2)

وصـــــــدى كـــــــل هـــــــادرٍ وبـــــــليغ           ليـــــــس مثل الـــــجراح حين تقـــــــول

وستبـــــــقى يرويـــــــك الدهـــــــر مجـداً           ألـــــــدم الحـــــــر والحسام الصـــــــقيل

***

يا أبا الطــــــــف واهتـــــــززت لـــــــمرآ          ك وقد أطبقت عليـــــــك الذحــــــــول(3)

 

____________

(1) السبط: ابن الابن والابنة.

(2) منال الرغاب: تحقق الأمنيات أو الآمال. والمحول: جمع مفرده محل: وهو الإجداب والإفلاس.

(3) الذخول: الأحقاد والعدوات والثارات. مفردها: ذخل.

(120)

 

ينتـــــــحي رمـــــــحك الخمـــــيس فيلوى           ويولـــــــي خلــــــــف الرعيل الرعيل(1)

كلـــــــما جـــــــدت الخطـــــــوب تصدى           مـــــــنك عـــــــزم صلب وباع طويل(2)

وبـــــــقايــــــا روح ألحـــــــت عليهـــــــا           نـــــــوب جمـــــــة وهـــــــم ثـــقيـــــــل

وقفت موقـــــفاً غلـــــــى الآن تـــــــروى           عـــــــن صـــــــداه ملاحـــــــم وفـصول

وإلـــــــى أن هـــــــويت يطــــعنك الحقـــ           ــد ويلـــــــهو بشلـــــــوك التـــــــمثيــــل

والـــــــهدير الشـــجاع عندك ما انـــــــفك           وطبع عــــــند السيـــــــوف الصـــــــليل

***

يـــــــا أبـــــــا الـــطف وازدهى بالضحايا           من أديم الطــفوف(3) روض خضـــــــيل

ثـــــــلة مـــــــن صحــــــــابة وشـــــــقيق           ورضيـــــــع مـــــطـــــــوق وشـــــــبول

والـــــــشباب الفيــــنان جف فغاضـــــــت           نبــــــعة حـــــــلوة ووجـــــــه جميـــــــل

وتـــــــأملت فـــــــي وجــوه الضـــــــحايا           وزواكـــــــي الدمـــــــاء منهـــــــا تسـيل

ومشـــــــت فـــي شفاهك الغر نجـــــــوى           نـــم عنـــــــها التسبـــــــيح والتهلـــــــيل

لـــــــك عتبى يا رب إن كـــــــان يرضيــ           ــك فـــــــهذا إلـــــــى رضـــــــاك قــليل

وســـــــجا الليـــــــل(4) والرجـــال ضحاياً          والنســـــــاء الــــــــمخدرات ذهـــــــول

واليـــــــتامـــــــى تشـــــــرد وضـــــــياع           والثكـــــــالى ـــــــمدامع وعـــــــويـــــل

وبـــــــقايـــا مخـــــــيم مـــــــن رمـــــــاد           وقـــــيود يئـــــــن منهـــــــا علـــــــيل(5)

وزنـــــــود قـــــــست علـــــيها سيـــــــاط           وجسوم يضــرى بـــــــها الـــــــتنكيل(6)

 

_____________

(1) الخميس: الجيش الجرار ذو الفرق الخمس: المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة. والرعيل: القطعة المتقدمة من الخيل أو الرجال.

(2) الباع الطويل هنا بمعنى السعة في المكارم.

(3) الطفوف: الشطآن أو جوانب البر.

(4) سجا الليل: سكن ودام.

(5) العليل: المريض.

(6) يضرى: يشتد.

(121)

 

ودم شـــــــاطىء الفــــــــرات ســـــــيبقى           الدهر يرويـــــــه والربـــــــا والنخــــيـل

***

يا أبـــــــا الـــــــطف هـــــــذه خطــــرات           أنـــــــت فـــــــيها الهـــــــدى والدلـــــيل

وأنـــــــا تلكـــــــم الصنـــــــيعة تمـــــــتا            ر فروعـــي من فيضكــــــم والأصول(1)

أنـــــــا رق لكــــم(2) وأنـــــــتم مـــــــآلي           ولأهــــــــليـــــــه كــــــل رق يـــــــؤول

***

______________

(1) تمتاز: تغذى.

(2) الرق: العبد الخادم.

(122)

 

شموع الطف

       نظمت عام 1985 في الكويت ليلة العاشر من المحرم

تـــــسامرني والكـــــــائنات هجـــــــوع(1)           بـــــــدنياك فـــــــي قلب الــظلام شـموع

سهرت عليها اللـــــــيل أستــــــلهم الرؤى           فألهـــــــمني مـــــــما وهبت نـــــــجيع(2)

نجــــــــيع مشى عبر القرون بخـــــــصبه           فـــــــلا دهر إلا من حبـــــــاه ربيــــــــع

تحـــــــول فيـــــــه العـــــــنفوان فللدمـــــا          شـــــــموخ وللسيـــــــف اللئيم خنــوع(3)

وغـــــــرد يـــــــروي للزمـــــــان ملاحماً          به ودج تحـــــــت الشـــــــفار قطــــيع(4)

واتـــــــرع رمـــــــل الــطف وقداً وجذوة           فبالرمـــــــل جمـــــــر مـــن لظاه لذيع(5)

وعـــــــند الرمـــــــال الــسمر من دم ثائر          عبـــــــير إذا هـــــــب الــــــنسيم يضوع

تنـــــــشقه شـــــــم الأنـــــــوف ولــم يكن           لينشـــــــفه أنـــــــف أذل جـــــــديــــع(6)

***

أبـــــــا النـــــــفر الغـــــــر الذين وجوههم          شـــــــموس لهـــــــا عنــد القتام طلوع(7)

همـــــــو من جـــــــذور الأنبياء وشائج(8)           ومن شجـــــــرات الأوصــــــــياء فروع

قرابين فـــي دنيا الشـــــــهادة أحـــــــسنوا           صـــــــنيعاً وما غير الفــــداء صنـــــــيع

تـــــــوحدهم دنـــــــيا الـــــــفداء فيـستوي           بهـــــــا طـــــــاعن فــــــي سنه ورضيع

______________

(1) هجوع: نيام.

(2) نجيع: دم.

(3) العنفوان من كل شيء نشاطه وحدته، والشموخ: العلو والارتفاع والتكبر، والخنوع: الخضوع والذل.

(4) الودج الققطيع: عر ق العنق المقطوع.

(5) أترع: ملئ.

(6) الأنف الجديع: الأنف المقطوع.

(7) القتام: الغبار الأسود أو السواد والعتم.

(8) الوشائج: جمع وشيجة، وهي القرابة المشتبكة المتصلة.

(123)  

 

غرســـــت بهم أرض الطفوف فهاهـــــــم           وقـــــــد برعــــــم الرمل الجديب زروع

فـــــــديتك أفـــــــقاً يــــزرع النجم صاعداً          وفيـــــــه لكل الصـــــــاعدات نــزوع(1)

وللـــــــصيد فـــــــي أـــفق الكواكب مرتع          وفـــــــي ذمنٍ للـــــــزاحفات رتــــوع(2)

مـــــــررت علـــــــى تـــلك القبور بكربلا           وقـــــــد جــــــــادها بالساريات هموع(3)

فـــــــأدهشني أن الـــــــتراب مـــــــلاحــم           يفـــــــرد فـــــــيها فـــــــــارس وقريع(4)

وكـــــــم مـــــــن حـديث بالتراب وصمته           إذا ســـــــألوا عنـــــــه الـــــــتـراب يذيع

وكـــــــم بالقصـــــــور الـــشامخات مقابر           تعيـــــــش بـــــــها للميـــــــتين جــــموع

ورب حيـــــــاة بالقـــــــبور كـــــــريمــــة          يجســـــــدها شـــــــلو هـــــــناك صـريع

***

هلـــــــم نـــــــر هــــــل عاش في هيلمانه           كيـــــــان حـــــــواليه قـــــــنا وجموع(5)

تخـــــــيل أن العـــــــرش بالــــزور يبتنى           وتحـــــــفظه صـــــــمصامــة ودروع(6)

فـــــــأوغل يجـــــــتاح الــنفوس التي أبت           وقـــــــالت غـــــــداة الـعرض لست أبيع

ومـــــــا عـــــــاش إلا حــــلم ليلة مسرعاً           وليــــــلة أحلام الطغـــــــاة هزيـــــــع(7)

ومـــــــا هـــــــي إلا أن تـــهاوت حصونه          وصاح بـــــــهــا صـــــــوت وعاه سميع

يـــــــخبر أن الظـــــــالمين فـــــــقاعــــــة          إذا ما دنـــا منها النســـــــيم تمـــــــوع(8)

أجـــــــل أنهـــــــم لـولا التعصب والهوى           مصـــــــير برغـــــــم الإدعـــــــاء شنيع

_____________

(1) فيه نزوع: اشتياق وتطلع.

(2) الرتوع: التحرك بحرية.

(3) جادها الهموع: هطل عليها المطر السيال.

(4) الملاحم: جمع مفرده ملحمة وهي القصة البطولية أو الأحداث البطولية. والقريع: المقاتل المقارع للأعداء.

(5) هيلمانه: عالمه الذي يفرض عليه سطوته.

(6) بالزور: بالباطل والكذب والقوة. والصمصامة: السيف القاطع.

(7) العزيع من الليل: الثلث أو الربع الأول منه.

(8) تموع: تذوب وتتلاشى.

(124)

 

وشتـــــــان بـــــــين الصرح تبنيه صخرة           وآخـــــــر تـــــــبنيه حشــا وضـــــــلوع

فللمجـــــــد صـــــــرح أنـــــت سر خلوده           تطــــيح(1) الصروح الشم وهـــــــو منيع

ألـــــــح علـــــــيه مـــــــعول عــــرقت به          معـــــــاول يـروي حقدهـــــــن بقيـــــــع

ومـــــــن ظـــــــن أن الـــــفاس يعمل حده          بصـــــــرح بـــــــناه الله فهــــــو رقيع(2)

إذا مـــــــا هـــــــوى تحـت المعاول حائط           فهــــــيهات(3) يهوي بالنفوس ولـــــــوع

***

أبـــــــا المعطيــــات الخالدات على المدى           ولـــــــو أن وقـــــــع التـــضحيات وجيع

سخـــــــوت بـــــــها تســــــترفد الله منزلاً           كريمـــــــاً فأعطـــى والعطاء وسيـــــــع

بـــــــنيت مـــــــحاريب الـــــفداء ولم تزل          تخـــــــر عليـــــــها سجـــــــد وركــــوع

ومـــــــا كنـــــــت ترضـى عن كثير بذلته           فمـــــــا أـــــنت في دنيا الفداء قنـــــــوع

وأشـــــــبعت ســـــــاحات الشهـــــادة إنها           بـــــــها عطـــــــش للمعـــــطيات وجوع

***

وأعـــــــظم مـــــــا يشـجي زغاليل كالقطا          تذعـــــــرن والـــــــقلب الصغير وديع(4)

ركـــــــضن وفـــــــي آمـــاقهن من الأسى          شرود وفـــــي أكبـــــــادهن صـــــــدوع

إذا لـــــــزهن الســـــــوط لـــــــذن بزينب           وقــــد يحتمي عند المروع مـــــــروع(5)

وكـــــــم أحـــــزن الزهراء حشد ثواكل(6)           ودور خـــــــلت مـــــــن أهلـــها وربوع

(ديـــــــار علـــــــي والـــــحسين وجعفر)           تنـــــــاوح(7) فـــــــيها نـــــادب وسجوع

***

___________

(1) تطيح: تتوه أو تهلك أو تسقط.

(2) رقيع: أحمق وضعيف العقل.

(3) هيهات: اسم فعل ماضٍ بمعنى بعد.

(4) يشجي: يحزن.

(5) لزهن السوط: لصق بهن. لذن بها: التجأن إليها. والمروع: المرعوب.

(6) الثواكل: جمع مفرده ثاكل أو ثاكلة وهي من فقدت ولدها.

(7) تناوحا: تبادلا النواح، وهو البكاء بصوت مسموع.

(125)

 

أيـــــــا مـــــــن حباني من خضيل عطائه           فرقت زهيـــــات ربـــــــا ونـــــــجوع(1)

حـــــــملتك فــــــي وعـي ابن عشر وأربع          فــــــأنقني مما حـــــــملت سطـــــــوع(2)

وأتـــــــرعتني(3) هـــــــدياً ووعيـاً وجذوة           لأنك مــــــــن هذا الكمـــــــال جمـــــــيع

ومـــــــا زلـــــــت أسـتجليك في كل ساعة          فيغمـــــرني إذا أجتليـــــــتك خشـــــــوع

ويـــــــشرق فـــــــي عيـــني جبين مجرح           تغطي الدما فــــوديه وهـــــــو نصوع(4)

فأغـــــــذو وعــــــندي من صمودك نشوة           وممـا تشظى(5) بالســـــــيوف دمـــــــوع

ويـــــــا من سقى جـــدبي فأمرع وازدهى           وغــــــرس أكـــــــف المـــــــبدعين بديع

إذا كـــــــل نــــــزعي(6) عن سماك فعاذر           لأني علـــــــى سفـــــــح وأنـــــــت رفيع

فسدد فمي يابـــــــن البتـــــــول وحيـــــدر           ليرويـــــــك عــــزماً مـــــــالواه خضوع

مـــــــددت علـــــــى دنــــياي ظلاً فردني           لظـــــــلك فـــي الأخرى فأنت شـــــــفيع

وضعـــني بيوم الفصل بين رحـــــــالكم(7)          فمن شذ عن تــــــــلك الرحـــــــال يضيع

فمـــــــالي أهـــــــل غيـــــــر آل محـــــمد          ومالـــي لغير الـــــــصادقين رجـــــــوع

وحـــــــسب طمــــــوحي أن أكون إضافةً           لكـم فهو شيء بالفـــــــخار بـــــــروع(8)

وكـــــــل الثـــــــنا والشــــكر أن عطاءكم           تدر علـــــــى دنـــــــياي مـــــنه ضروع

***

 

______________

(1) النجوع: جمع مفرده نجع وهو الموضع الذي يقصد لما فيه من أشياء وأمور ينتفع بها.

(2) أنقني: جعلني أنيقاً أي حسناً وجميلاً ومعجباً.

(3) اترعتني: ملأتني.

(4) الفودان: مثنى الفود، وهو جانب الرأس مما يلي الأذن إلى الأمام أو الشعر الذي ينبت فوقه.

(5) تشظى: تشقق.

(6) كل نزعي: أعيا.

(7) الرحال: متاع المسافر.

(8) بروع: فائق لا مثيل له.

(126)

 

فاجعة الطف

 

هــــــــــل من ســـــــبيل للرقاد الـــــــنائي          ليـــــــداعب الأجفـــــــان بالإغفــــــاء(1)

أم إن ما بــــين المحـــــــاجر والكـــــــرى          ترة(2) فلا يألفـــــــن غــــير جـــــــفاء(3)

أرق إذا هـــــــدأ السمـــــــير تقوم بـــــــي          الأشواق في لــــــجج من البرحـــــــاء(4)

أقسمت إن أرخــى الظـــــــلام ســـــــدوله           أن لا أفـــــــارق كــــــوكب الخرقـــــــاء

فإذا تولى اللـــــــــيل أسلـــــــمني إلـــــــى          وضـــــــح النهار محـــطم الأعضـــــــاء

لا عضو لي إلا وفيـــــــه من الجـــــــوى           أثـــــــر يجـــــــر إليـــه عين الرائـــــــي

فعلى الجبين مـــــــن الوجـــــــوم دجنــــة           وعلـــــــى الشفـــاه بوادر الأعيـــــــاء(5)

قلـــــــــق الوضين أبيت بين جوانحـــــــي           هم تــــحاول مصـــــــعد الـــــــجوزاء(6)

هـــــــمم أبـــــــت إلا العـــــــلو كـــــــأنما          مــدت لتجذبـــــــها أكـــــــف علائـــــــي

وإذا تـــــــوقدت الـــــــعزائم فــــــي الفتى           فالجســـــــم في ســـــــقم وفـــي لأواء(7)

أنـــــــا إن يحـــاربني الزمان مجاهـــــــداً           فلأننـــــــي مـــــــن طالبـــــــي العلــــياء

جـــــــربت مـــــــــنه طرائـــــــقاً وخلائقاً           فعرفـــــــت أن الدهـــــــر من خصـمائي

قــــــالت سعاد وقد تمـــــــلك نـــــــاظري           مترقـــــــرق مـــــــن أدمـــــــع حـــمراء

إني عهـــــــدتك للشـــــــجون مـــــــغالبــاً           فمتى ألفــــت تنفـــــــس الـــــــصعداء(8)

____________

(1) النائي: البعيد.

(2) الترة: الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سلب.

(3) المحاجر: العيون، الكرى: النعاس، ترة: بعد أو قطيعة.

(4) البرحاء: الشدة والمشقة.

(5) الوجوم: السكوت من شدة الغيظ أو الخوف، دجنة: ظلام الأعياء: التعب.

(6) الوضين: حزام الفرس. الجوزراء: برج من السماء.

(7) اللأواء: الشدة والمحنة.

(8) الشجون: الأحزان والهموم، تنفس الصعداء: التنفس بعد مشقة.

(127)

 

فأجـــــــبتها والـــــــموريات تحـــــــشدت           تذكي أوار الحـــــــزن في أحشــــــائي(1)

حـــــــزن ابـــــــن ليلى يـــــستدر مدامعي           وعـــــــظيم همـــــــته يثــــير هنـــــــائي

نـــــــدب تـــــــحدر مــــن سلالة فتـــــــيةٍ          مـــــــلؤوا ربـــــــاع الأرض بــــــالآلاء

بـــــــدر تتـــــــوجه خـــــــلائق أحـــــــمدٍ          بفـــــــصاحةٍ وســـــــماحةٍ ومـــــــضــاء

مـــــــتجلبب مـــــــن حيــدر بشجاعـــــــةٍ          ومن الحـــــــسين موشـــــــح بـــــــإبـــاء

سـل عنه أكناف الطفوف فـــــــكم بـــــــها           تركت صفيـــحته مـــــــن الأشـــــــلاء(2)

وســـــــل الـــــــقواضب والقنـــا عن نثره           والنظم فهي بـــه مـــــــن الخـــــــبراء(3)

مـــــــلك الوغـــــــى بـحسامه فأحالهـــــــا          دهماء أعــــــيت ألســـــــن البـــــــلغاء(4)

حـــــــرست مـــــــقاولها فــــلا متـــــــكلم           وغدت تـــــــشيـــر إلـــــــيه بالإيـــــــماء

ســـــــيان عـــــند ســـــــنانه وحـــــــسامه          يوم الهـــــــياج قــــــريبها والنـــــــائي(5)

بطـــــــل تـــــــخب بـــــه ربيبة سبسب(6)           يهتز صـــــــلواتها(7) مـــــن الخـــــــيلاء

غـــــــراء تســـتبق النواظر إن ســـــــرت          أوحـــــــت لذهنـــــــك لــــــــيلة الإسراء

غــيران(8) يفتك بـــــــالألوف وعـــــــمره           ما جاوز العقـــــــدين فـــــــــي الإحصاء

الســـــــبط يرصـــــــده وفـــــــوق جبــينه          للناظـــــــريـــــــن بــــــوادر الـــــــسراء

وأصـــــــاخ يســـــــمع رجـــــــزه ويجيبه          الميدان عـــــــند الرجــــز بالأصـــــــداء

وإذا بـــــــه يـــــــدعوه أدركنـــــــي فـــقد           دارت عـــــــلي بجـــــــمعها أعـــــــدائي

____________

(1) الموريات: الشدائد التي تقدح ناراً، تذكى: تشعل، أوار: حر أو موقد.

(2) الصفيحة: السيف العريض.

(3) القواضب: السيوف القاطعة، القنا: الرماح.

(4) الوغى: المعركة وقيل: أشد موضع فيها، دهماء: شديدة الظلام والليلة الدهماء عند العرب هي آخر ليلة من الشهر القمري.

(5) سنانه: رمحه، حسامه: سيفه.

(6) سبسب: الأرض البعيدة المستوية.

(7) صلواها: وسط ظهرها.

(8) الغيران: صاحب النخوة.

(128)

 

فانقـــــــض مثل الـــــــصقر شــتام فريسة          وجـــــــلا الصـــفوف وجال في الأرجاء

حتـــــــى إذا دفـــــــع العــــــدى عن شبله           آوى إلـــــــيه بلـــــــوعـــــــةٍ وبكـــــــاء

ألفـــــــاه منعـــــــفر الجبـــــــين تمازجـت          حـــــــمر الدمـــــــاء بـــــوجنةٍ بيضاء(1)

ورأى شفـــــــار المـــــــرهفات تلاعبـــت          بجمـــــــال تلـــــــك القـــــــامة الهيفاء(2)

فجـــــــثا وأقـــــــنع للـــــــسماء بــــــشيبةٍ          مـــــــغمـــــــورةٍ بـــــــمدامع ودمـــــــاء

يـــــــا عـــــــدل قد قتـــــــلوا شبـيه محمدٍ           أنـــــــزل بســـــــاحتهم عـــــــظيم بــلاء

وأحـــــــل رأس وليـــــــده فـــــــي حجره           وانصـــــــاع يـــــــمسح عثـير(3) الغبراء

يـــــــا نبعـــــــةً غذيتـــــــها بـــــدم الحشا           وغرستـــــــها فـــــــي روضــــةٍ غناء(4)

لـــــــم أنـــــــس إذ حملـــــــته فــتية هاشم          لحـــــــرائر يندبن وســـــــط خبـــــــاء(5)

فحـــــــنت علـــــــيه الـــــــثاكلات لواطماً          حـــــــر الوجـــــوه بلوعةٍ وشجـــــــاء(6)

لهـــــــفي لزينـــــــب إذ رأت وفراتـــــــه           مخـــــــضوبةً بـــــــدم عن الحنـــــــاء(7)

عقد الأسى منها اللســـــــان فـــــــأعولــت          لفقيـــــــدها بالدمـــــــعة الخــــرســـــــاء

أبـــــــني كنـــــــت الأنيـــــــس إذا دجــــا           اللـــــــيل البهـــيم وكنت بدر سمائـــــــي

يـــــــا صـــــــرح آمـــــــال ألــــوذ بجنبه           عنــــــــد الخطوب فهد صرح بنائـــــــي

فـــــــإلى اللقـــــــا يــــــوم المعاد فلا أرى          الأيـــــــام تســـــــعد قبـــــــله بلقـــــــــاء

***

______________

(1) منعفر الجبين: ملقى على التراب.

(2) شفار: حدود، المرهفات: السيوف، القامة الهيفاء: الجسد الضامر البطن الذي رقت خاصرتاه.

(3) العثير: التراب والعجاج.

(4) الحشا: الفؤاد، غناء: مخضرة.

(5) يندبن: يبكين.

(6) الثاكلات: جمع، مفرد (الثكلى): التي فقدت عزيزاً فأخذ الحزن منها مأخذاً.

(7) الوفر: ما سال من الشعر على الأذنين، مخضوبة: ملونة.

(129)

 

إلى رحاب الإمام الحسين (عليه السلام)(1)

 

أيــــــها الرمـــــــلة التـــــــي حضـــــــنت          جســــــــم الحسيـــــــن ولفـــــــعته رداءا

بلــــــغي عنـــــــي الـــــــسلام حســـــــيناً          واحملـــــــينـــي استغـــــــاثة ونـــــــداءا

واسكـــــــبيني دمـــــعاً على رملك الأسمر          واجـــــــري مـــــــحــــــــبـــــــةً وولاءا

وامـــــــزجـــــــيني بآهـــــــة نفـــــــــثتها           زينـــــب يـــــــوم قاســـــــت الأرزاءا(2)

وبآهـــــــات نســـــــوة مــــــنذ يوم الطف           لـــــــلآن ألهـــــــبـــــــت كــــربـــــــلاءا

خبـــــــريه بـــــــأنني لم أعـــــــد أقــــوى           على حمـــــــل ذكــــراه لوعة وشجاءا(3)

وينـــــــاغي بــــــوجـــــــده ساجعـــــــات          كم حــــــملن الحنـــــــين والأصـــــــداءا

وأواســـــــي بـــــــه النــــبي وأشـــــــجى           لــــــــعلـــــــي وأســـــــعد الزهـــــــراءا

عـــــــشرات الســـــــنين وهو بـــــــثغري          نـــــــغم عـــــــاش يـــــــــسحر الأجواءا

وبحـــــــث الدنيــــا لتـــــــزرع أغـــــــلى          تضـــــــحيـــــــات وتحـــــــصــد الآلاءا

رغم أن المصائب شيء يفـــــوق الوصف           وقعـــــــاً ويـــــــعجــــــز الإحـــــــصاءا

وســـــــمار الـــــــسراء لا تـــــــتأتـــــــى           دون أن يحتسي الفتـــــى الضـــــــراءا(4)

سيـــــــدي إن لـــــــي إلـــــــيك إنتــــــماءً          ولو أنـــــــي لا أبـــــــلــــغ الإنتـــــــماءا

وطمـــــــوحات الطيـــــــن الحمأ المسنون          هيـــــــــهات تبـــــــلغ الجـــــــوزراءا(5)

فـــــــيـــــــك.. وأمنـــــــي النـــــــفــــــس           أن تســـــــعد المـــــــنـــــى الإدعـــــــاءا

 

______________

(1) نظمها وهو على سرير مشفى في لندن.

(2) نفثتها: نفحتها، الأرزاء: المصائب والصعاب.

(3) شجاء: حزن.

(4) يحتسي: يشرب، الضراء: الصعب من الأمور نقيض «السراء».

(5) الحمأ: الطين الأسود، المسنون: المنتن، وقوله «طموحات الحمأ المسنون» فيه إشارة إلى الإنسان المخلوق من الحمأ، الجوزاء: كواكب في السماء على شكل مجموعة.

(130)

 

فـــــــاعدني إلــــى رحـــــــابك يا مـــــــن          يـــــــحمل الـــــــنبل كلـــــــه والوفــــاءا

واســـــــأل الله بالدماء بـــــــارك الأرض           وأرض بـــــــما تـــــــوخـي الـــــــسماءا

سله دفـــــــع الســــــــقام عني بلـــــــطف           عنه عم الـــــــدنيا ويشـــفي الـــــــداءا(1)

يـــــــداه مـــــــبســـوطتاـــــــن لمثـــــــلي           ينفق الفضل فيهــــما كـــــــيف شـــــــاءا

يا حسيناً يا من شدوت بـــــــه صبـــــــحاً           ونـــــــاديته بـــــــوجـــــــدي مـــــــساءا

لـــــــك مـــــــني رســـــــالة من أنـــــــين          في تضاعيـــــــفه سكـــــبت الرجـــــــاءا

أتقـــــــرى بـــــــهـــا جـــــــداك ملحـــــــا          وأرجــــــــو من الحضور الدعـــــــاءا(2)

وأنادي يا من نفــــضـــــــت الـــــــضحايا          سلــــــم المجـــــــد ســـــــادةً شـــــــهداءا

إن أجـــــــواءنـــــــا ظـــــــلام فعلـــــــمنا           بــــأن نســـــــرج الدمـــــــاء ضـــــــياءا

وتقـــــــبل منــــــــا مواســـــــم قامـــــــت           لتواســـــــي الأئمـــــــة الأصـــفـــــــياءا

وأعـــــــدنـــا للـــــــصاعدات وألهـــــــمنا           بـــــــأن نـــــــحمل الحسيـــــــن لـــــواءا

***

______________

(1) السقام: المرض أو العلة.

(2) أتقرى: أطلب قراك والقرى: الكرم والجود.

(131)

 

تغريد الرمل

 

       هذه القصيدة من بواكير نظمه، وهو من وحي كربلاء

أنـــــــواح فـــــــي الرمـــــــل أم تغــــريد           ولظـــــــى ســـــــال أم دم وصــــــديد(1)

مشـــــــرأب مـــــــا شـــــــاء أن يجتـــدى          الدمـــــــع لـــــــه أو لخـــــــصمه التنديد

فـــــــإذا ابـــــتز بعضـــــــه الدمع(2) يبقى           للـــــــعلا والشـــــــموخ مـــــــنه الــمزيد

فـــــــهو للمجـــــــد نـــــــغمةٌ ورنــــــــين          وهـــو للـــــــوجد دمـــــــعةٌ وقصـــــــيد

حملـــــــته النفـــــــوس دمـــــــعاً وســـيفاً           ولكل فـــــــي أفقـــــــه مـــــــا يريـــــــد

***

يا دمـــــــاً شـــــــابت الليـــــــالي عـــــليه          وهـــــــو للآن فـــــــي الـــــــرمال جديد

يحـــــــمل الطــــــف والحســـــــين حساماً          كلمـــــــا مـــــــر بـــــــالوجود يزيـــــــد

وإذا عـــــــرس الخـــــــنوع بجـــــــيـــــل          وانـــــــحنى مـــــــنه للمــــــذلة جيـــــــد

صـــــــاح بـــــالرمل من صـــــــداه دوي           فإذا الرمــــــل فـــــــارس صنديـــــــد(3)

هكـــــــذا أـــــــنت كــلما افتـــــــقر الجيـــ          ــل لعزم فـــــــمن دمـــــاك الرصيـــــــد

صـرخة لم يضع صـــــــداها وإن حـــــــا           ول تــــضييعها الضجـــــــيج الشديـــــــد

ولهـــــــيب مـــــــا أطـــــــفأتـه بـــــــحار          لا ولا اســـــــتام(4) مـــــــن لظــاه الجليد

وتـــــــزوع حـــــــر وإن حـــــــاولـت أن           تحـــــــتوي نـــــــزعه الــــــنفوس العبيد

إن دنيـــــــا الخنــــــوع للحـــــــر ســـــــم          وهي للخـــــــانعين عيــــــــش رغيـــــــد

 

_____________

(1) الصديد: الدم المختلط بالقيح في الجرح.

(2) ابتز الدمع: استدره.

(3) الصنديد: الشجاع.

(4) استام: ساوم.

(132)

 

يـــــــا وريـــــــداً تــــخال تلك المـــــــدى           أن قــــــــطعتـــــــه لكنـــــــه مـــــــمدود

دافـــــــقاً بـــــــالشمـــــــوخ والـــحـــــــق           والطـــــــهر فـــــــيا للــعطاء كيف يجود

هـــــــو في ما لدى المشـــــــاعر منـــــــه           كـــــــعبة تلـــــــتقي عـــــــليها الـــــوفود

وهــــو مـــــــن بـــــــعد كـــــــل هـــــــذا           كتـــــــاب حمــــــل الحق والدهور شهود

***

يا قتيلـــــــاً مـــــــا جــــــذر(1) السيف منه          غـــــــير جســـــــمٍ وعـــــــزمه مــوجود

الـــــــق رائـــــــع الـــســـــــنـــــــا ودوي           وكيـــــــان ســـــــامي الـــــــذرا وخــلود

ودم لا يضـــــــيع إذ هــــــــو ثـــــــار الله           مهـــــــما تطـــــــول تـــــــلك العــــــهود

يـــــــا لـــــــدنيـــــاك يا أبا الطـــــــف آلا           ء(2) وأمجـــــــاد مـــــــا لهـــــــن حــدود

***

أوريـــــــداً حـــــــملـــــــت أم هو تـــــــيا           ر غنـــــــي بـــــــالثـــــــائرين ولـــــــود

أســـــــكـــــت المرجـــــــفين وافـــــــترع           الصعب(3) وما أوقفت خـــــــطاه الـسدود

مـــــــشرأب فما وهى الـــــــنزع في جنــ           ــحيه بل يتبــع الصـــــــعود صـــــــعود

هـــــــو أطروحة السمـــــــاء إلــــــى الأر          ض إذا زاحـــــــم القـــــــيام القــــــــعود

وهـــــــو المنـــــــبع الســـــــخي ســـــواء          شـــــــاكر عـــــــب صـــــــفوه أم جحود

***

يا أبـــــــا الثائـــرين أكبـــــــرت مـــــــعنا          ك(4) بـــــــأن يحـــــــتويه ثــــــوب زهيد

فمجـــــــاليـــــك لم تـــــــكن ذات يـــــــوم          رغبـــــــات ينـــــــالها مـــــــســتفـــــــيد

أو طـــــــبول بهـــــــا دوي وإيـــــــقــــــا           ع وما اعتــاد رصـــــــفه التمجـــــــيد(5)

 

______________

(1) جذر: قطع.

(2) آلاء: أفضال.

(3) افترع الصعب: ابتدئه.

(4) أكبرت معناك: أجده كبيراً وعظيماً.

(5) ما اعتاد رصفه التمجيد: ما ينمق من كلام في المديح.

(133)

 

أنــت صوت الضمير يهـــــــدر والخصــ            ــب إذا صوحت(1) سهـــــــوب وبـــــــيد

والـــــــدم الــمارد الـــــــذي يصرغ البغــ           ـــي إذا لـــــــج مـــــــســـــــتبد عنيـــــــد

ومـــــــفـــــاد الحيـــــــاة دون دم حـــــــر           كيـــــــان محقـــــــر رعـــــــديـــــــــد(2)

فتـــــــألق يـــــــا شــــعلة تـــــــهزم الظلــ           ــماء حـــــــتى يبيـــــــن فـــــــجر وليــد

***

يـــــــا ثـرى الطف هل وعـــــــيت مآسي           الليـــــــالـــــــي تبـــــــدي بهـــــــا وتعيد

من نســـــــاءٍ كـــــــرائم ربـــهـــــــن الـــ           ــوحـــــــي والديـــــــن والكـــتاب المجيد

خـــــــفرات دنـــــــيا محـــــــمد غـــــذتـــ           ـــها ودنيـــــــا مـــــــحمد تســـــــديــــــد

محــــتد(3) جـــــــذره عـــــــن الـــــــشرك          والخـــــــسة أو كـــــــل ما يشـــــين بعيد

فوراء الخـــــدور ســـــــنخ من الـــــــزهـ           ـــراء يــــــروي نســـــــيجها ويجـــــــيد

هـــــــكذا رفت الغـــــــصون عــــــلى جذ          ر كـــــــــــريم فـــــــطارف وتلـــــــيد(4)

أوتـــــــدري مـــــــا روع الـــــــطف منها          يوم عــــضت(5) بها الخـــــــطوب السود

أطبقت حـــــولها الـــــــرزايا فـــــــما للـــ           ــوجد والـــــــدمع والهـــــــوان حـــــدود

الجـــــــسوم الــــتي بحجر رســـــــول الله           فاشتكت أضلع وضــــــــــجت زنـــــــود

وعلـــــــيل نضـــــــو على قـــــــتب الــنا           قة شـــــــدت بـــــــساعديه القيـــــــود(7)

وســـــــبايا(8) روت فـــواجعـــــــها الرمــ           ضـــــــاء والشمس والربى والنـــــــجود

_____________

(1) صوحت: يبست إلى حد التشقق.

(2) الرعديد: الجبان يرعد عند القتال جبناً.

(3) محتد: الأصل والطبع والنسب.

(4) الطارف والتليد: الجديد والقديم.

(5) عضت به: اشتدت عليه.

(6) الرعابيب: جمع مفرده رعبوب وهي المرأة البيضاء الحلوة الناعمة الممتلئة الجسم.

(7) النضو: مهزول الجسم والمجهد. وقتب الناقة: الرحل الصغير على قدر سنامها.

(8) سبايا: جمع مفرده سبية أي: أسيرة.

(134)

 

وصـــــــغار بـــــــراعم كـــــــل وجــــــهٍ           منهـــــــم البـــــــشر والـــــــمنى والعــيد

يطفـــــــح الطهـــــــر بالســـــمات ويزهو           بالـــــــخدود البـــــــريق والتـــــــوريـــد

مســـــحتهم كـــــــف النـــــــبي بنـــــــور           فـــــــمن الـــــــجد مـــــــا حكــــاه الحفيد

لهف نفســــــي(1)  أمثلهم يـــــــلتوي السو           ط بأكتـــــــافهم ويقـــــــسو الحـــــــديـــد

فعـلى الأوجـــــــه الصغيـــــــرة لاح الـــ            يـــــــتم والـــــــذل والأســــــى والشرود

حـــــــــسب القيد مذ بـــــــه صفدوهـــــــم           أن مـــــــا صـــــــفدوه در نـــــــضـــــيد

يا لوجــــــد الزهراء وهـــــــي تراهـــــــم          ألـــــــحفوا الشمس والفـــراش الصعيد(2)

قتلـــــــوهم وفي شفـــــــاههـــــــم الــــــثد           ي وفـــــــي المـــــــقتلين حـــــــلم سـعيد

أيهـــــــا الأمـــــــهات هـــــــزي مهـــوداً           خـــــــاليات ومـــــــا بهـــــــن ولــــــــيد

لا رضيـــــــع تهدهـــــــدين فهـــــل عنـــ           دك إلا البـــــــكاء والــــــــتنـــــــهيـــــــد

***

هـــــــومي يـــــــا ديـــــــار آل علـــــــي            فلقد أوحـــــــش الـــــــفنا والـــــوصيد(3)

الوجـــــــوه التـــــــي أضــــاءتك بالرمـــ           ضـــــــاء(4) نـــــــامت جـباهها والخدود

ومـــــــحاربيهم خلـــــــت مــــــن مصليــ           ن فـــــــلا ركـــــــع بـــــــها أو ســــجود

وبيوت القـــــرى وأروقـــــــة الـــــــمجــ            د تهـــــــاوى عـــــــمادها والعــــــميد(5)

خاشعات صوامت لـــــــيس فـــــــي الأفــ           نـــــــاء إلا النشـــــــيج والتعـــــــديـــد(6)

***

_____________

(1) لهف نفسي!: يا حسرتي!.

(2) ألحفوا الشمس: اتخذوا الشمس لحافاً أو دثاراً. والفراش الصعيد: أي اتخذوا التراب فراشاً.

(3) هومي: هزي رأسك من النعاس ونامي نوماً خفيفاً. وأوحش الفنا والوصيد: جعلانا نحس بالوحشة والخوف من الخلوة. والوصيد: فناء الدار والبيت.
(4) الرمضاء: الأرض التي حميت من حر الشمس.

(5) بيوت القرى: الأماكن المخصصة لاستضافة الأضياف (المضافات). والعماد: الأعمدة والأسس. العميد: سيد القوم.

(6) الأفناء والأفنية: جمع مفرده فناء: وهو ساحة الدار.

(135)

 

يـــــــا لوجـــــــد النبـــــــي لو مر فيهـــــا           ورآها والشـــــــمل منهـــــــا بديـــــــد(1)

وذووهـــــــا أرامـــــــل ويتـــــــامــــــــى           وجديل عـــــــلى الـــــــثرى وشـــــــريد

فاطـــــــم هـــــــل أتـــــــاك إن حســــــيناً          وهو مــــــن طوقته منـــــــك الـــــــزنود

طـــــــوقته الســـــــيوف حيـــــــن هــوى           للأرض فاحـــــــتز نحـــــــره والوريــــد

وشفـــــــاه عـــــــبت بثـــــديـــــــك واستو          طن فـــــــــيها التســـــــبيح والتمـــــــجيد

يـــــــبست يا لقســـــــوة النـــــــهر ماضر           على غصـــــــن فـــــــاطم لو يــــــــجود

ولـــــــتلك الرمـــــــال تســـــــفي فــــتمتد           على صـــــــفحتيه مـــــــنها بـــــــرود(2)

ولــــذاك الهجـــــــير(3) أحـــــــرق خديـــ           ــه فغـــــــاض الســــنا وجف العـــــــود

كـــــــم تمـــــــنيت أن أبـــــــرد مثـــــــوا           ه بدمعـــــــي لو أن دمعـــــــي بـــــــرود

***

_______________

(1) بديد: متفرق.

(2) تسفى: تحملها الريح. والبرود: جمع مفرده برد: وهو الثوب الذي يمكن أن يلتحف به.

(3) الهجير: نصف النهار في القيظ والحر الشديد خاصة.

(136)

 

مدافع الجبن

 

إن تهـــــــاوى الـــــــضريح والإيـــوان(1)           مـــــــا تهـــــــاوى الشموخ والعنفــــوان

إنـــــــما تـــــــهدم الحـــــــجـارة والمضــ           ــمون يبقى على المـــــــدى ويـــــــصان

وبـــــــديه أن الـــــــحقائـق تـــــــبقـــــــى           وتمـــــــوت الأحـــــــقاد والأضـــغان(2)

أنـــــــت أســـــــمى ــــــمن أن ينالك يوماً           مـــــــدفع حـــــــاقد وكـــــــف جبــــــان

أنـــــــت مــــنذ الطفوف في الأفق صوت           هـــــــادر الوقـــــــع صـــاخب مرنان(3)

***

يابـــن تلك الـــــــبتول والفـــــــارس الأنــ           زع(4) والفـــــــحل يـــوم يضرى الطعان

وابــــــــن مـــــــن للـــــــسماء نور وللأر           ض كتـــــــــاب وللهـــــــدى عنـــــــوان

وابن ذاك الـــــــعقد الفـــــــريد يـــــــتامــا          ه قصـــــــي إن شئـــــــت أو عدنـــــــان

وطــــأوا قمـــــــة الكواكب فالشـــــــعرى           مـــــــحط الأقـــــــدام أو كـــيـــــــوان(5)

أيها الحلــــم مـــــــا غفت أعيـــــــن المجد          علـــــــى مـــــــثلـــــــه ولا الأجـــــــفان

يا رنــــيناً أصـــــــغى له الكـــــــون دوماً           ودويـــــــاً صـــــــحا علـــــــيه الزمـــان

عاش وقــــــــداً في نفـــــــس كـــــــل أبي           ثائر فالتـــــــظت بهـــــــا النـــــــيران(6)

خالداً فــــــــي الزمان فـــــــهو امتـــــــداد           ما خــــــلا من وجـــــــوده فيـــــــه آن(7)

تســـــــرح العيــــــن فــــــي رؤاه ويحسو           الثـــــــغر مـــــــنه وتــطـــــــرب الآذان

______________

(1) الإيوان: قسم مكشوف من المنزل يشرف على صحن الدار، يحيط به ثلاثة حيطان وله سقف محمول من الأمام على عقد.

(2) الأضغان: الأحقاد.

(3) الطفوف: واقعة الطف التي استشهد فيها الحسين (ع) مرنان: صاخب وقت النزال والقتال.

(4) الأنزع: الذي انحسر شعره على جانبي الجبهة.

(5) الشعرى: الكوكب الذي يطلعغ في الجوزاء وطلوعه في شدة الحر، كيوان: نجم.

(6) التظت النيران: اتقدت.

(7) الآن: الوقت أو الزمان.

(137)

 

وتغـــــــذي كـــــــرائم مـــــــنــه دنيـــــــا           نا ففيها مـــــــن رفـــــــده(1) ألـــــــــوان

***

يا خمـــــــيلاً تـــــــرابه الخصـــــب طيب           والنـــــــباتــــات خـــــــيرات حســـــــان

أترى يابن كـــــــل هـــــــذي الـــــــصرو           ح الــــشم يســـــــتام من علاك فـــــــلان

لا أسمـــــيه فهـــــــو أتـــــــفه مـــــــن أن           يلطخ الشعــــــــر باســـــــمه والبيـــــــان

إنه  مـــــــن فضـــــــيلة هـــــــتكــوا البيــ           ــت وعــــاثوا بقدســـــــه واســـــــتهانوا

واســـــــتباحوا قـــــــبر النــــــبي وبالحرة          كـــــــم دنســـــــت كـعاب حصـــــــان(2)

كــم رمـــــــى منجـــــــنيقهم كـــــــعبة الله          فطـــــــاح الحـــــــطيـم والأركـــــــان(3)

هـــــــكذا يـــــــهبطون فــــــي حين يرقى           لك بيـــــــــت ويشـــــــرئب مـــــــكان(4)

أنـــــــت قـــــــدس مــــــطيب وهم الدمـــ           ـــنة والوحل منذ كـــــــنت وكــــــانوا(5)

***

يا أبا الطف ألــف عـــــــذر ومـــــــا أحــ           ــسب للعـــــــذر فـــــــي الــرزية شان(6)

كـــــــان ظنـــــــي بأننـــــــا عــــــدة البلــ           وى وعــون إن عـــــــزت الأعـــــــوان

ولـــــــنا فيـــــــك أن يـــــــكون التــــأسي           قـــــــدوة لـــو يـــــــسومنا الامتـــــــهان

أولسنـــــــا الـــــــدم الأبـــــــي وإن صـــا           ل عـــــــلينـــا بجـــــــيشه السلـــــــطان؟

أو مـــــــا كـــــــان شلـــــــونا يتـــــــحدى          حين يبغي سيف ويضــرى ســـــــنان؟(7)

فلمـــــــاذا يسمـــــــومنا الـــــــذل حـــــتى          إننـــــــا عند خـــــــصمنا أقـــــــــنان؟(8)

____________

(1) الرفد: العطاء والصلة.

(2) كعاب حصان: الجواري المحصنة ذات الشرف والنسب.

(3) الحطيم: جدار حجر الكعبة، وقيل ما بين الركن وزمزم والمقام.

(4) يشرئب: يمد عنقه لينظر.

(5) القدس: الطهر، والدمنة: كل متروك مخلف.

(6) الرزية: المصيبة.

(7) بغى السيف: ظلم، وضري السنان: اشتد الرمح في القتل.

(8) الأقنان: جمع قن وهو العبد المملوك هو وأبواه.

(138)

 

كل مـــــــا نرتــــــجيه من ذلك الـــــــسيــ           ف الذي استـــــــام أهـــــــلنا غـــــــفران

قد هبـــــــطنا حتى اشـــــتكت كبـــــــرياء           الجرح من فرط ما تمـــــادى الـــــــهوان

ليس بـــــــدعاً لـــــــو استرقـــــت وماتت           أمـــــة مـــــــات عنـــــــدها الإيمـــــــان

***

ســـــــيدي يــــا غـــــــذاء روحي ويا نبــ           ــعاً سخـــــــــياً يؤمـــــــه الظـــــــمآن(1)

يا ربـــــــيعاً حمـــــــلته بيـــــن أضـــــــلا          عي فعـــــــندي مـــــــن خـــــصبه أفنان

يا كـــــــتاباً ضـــــــخماً عكـفت عليـــــــه           فبــــروحي مـــــــن قدســـــــه قـــــــرآن

أنت كـــــــون أوصى فحـــــــلق فكـــــــر           بيـــــــن أبعـــــــاده وجـــــــلا لــــسان(2)

سيــدي إننـــــــي وإن شطـــــــت الـــــــدا           ر وغابت عن ناظــــري الأوطـــــــان(3)

ذلـــــــك الـــــــقلب ذائـــــــب بــــــــرمال          الـــــــطف صب بعـــــــفرها هيـــــــمان

ســـــــحرتني فيـــــــك العزيـــــــمة والمو           قـــــــف والـــــــروح صـــلبة والجنان(4)

والـــــــذي عـــــــاش بالمـــــشاعر لا يبــ           ـــعد مهـــــــما تـــــــباعـــــــد الأبــــدان

***

فاستلمـــــــني مشـــــــاعراً ســـــــكنت تر           بـــــــك حـــــــتى ولو جـــــــلا الـــسكان

خلـــــــني فـــــــي مــادك أستلهم(5) الطف           فـــــــإن الـــــــمدى لديـــــــك جــــــــنان

وأشـــــــم العـــــــطر المقـــــــدس فـي تر           بٍ مـــــــذاب برملـــــــه الأقــحـــــــوان

وإلـــــــى أن أراك فـــــــي ســاحة الحشــ           ر بظـــــــل يـــــــمـــــــده الــرحـــــــمن

وأرى حـــــــولك الرعـــــــيل الــــــــــذي           قربـــــــت حتـــــــى ســـــــما به القربان

_____________

(1) يؤمه: يزوره ويقصده.

(2) جلا لسان: أوضح وأبان.

(3) شطت الدار: بعدت.

(4) الجنان: القلب.

(5) أستلهم الطف: أستوحيها.

(139)

 

شد كفي بـــــــحجزة(1) مــــــن بني الزهــ           را فـــــــثم المنـــــــى وثـــــــم الأمــــان

حيث أنـــــــتم ذرائعـــــــي(2) لعـــــــــطاء          الله وهـــــــو المـــــــؤمــــــل المنـــــــان

***

رب هـــــــذا ذوب الفــــــــــؤاد وهـــــــذا           ما اجتلى الوعي واحتـــوى الوجـــــــدان

إنـــــه خـــــــشعة بأعـــــــتاب صـــــــرح          تفــــــــــتديه العـــــــروش والتيـــــــجان

وقـــــــصيد يـــــــمتار آلــــــك فضـــــــلاً           فأنـــا في مـــــــديحـــــــهم حـــــــسان(3)

فتـــــــقبل عقـــــــيدتي بـــــــثرى الطــف           وهـــــــبني رضـــــــاك يا مســـــــــتعان

_____________

(1) الحجزة: يقصد: بجماعة متماسكة.

(2) الذرائع: جمع مفرده ذريعة وهي الوسيلة والسبب للوصول إلى أمرٍ ما.

(3) يمتار: يثير، يقال «مارت الريح التراب»: أثارته.

(140)

 

عقيلة الطالبيين

       نظمت عام 1418هـ وألقيت بالحفل بمرقدها الطاهر

أسفـــر الصبـــــــح يا شـــــــآم فـــــــقولي           لبـــــــقايا الـــــــظلام فــــي الأفق زولي

لنسيج الأصـنام وابـــــــن الزبـــــــعرى(1)          صادحـــــــاً في نشـــــــــيده المنـــــــقول

حبريـــــــــــه أن الخبـــــــايا(2) تجلـــــــت          وتبـــــــدى ما كـــــــان مـن مجـــــــهول

جــــولة الباطل انتـــــــهت واستقـــــــرت           دولة الـــــــحق في مداهــــا الـــــــطويل

أين عـــــــرش القـــــــلوب فـــــــيما بــناه           من عريـــــــش مــــــزور منـــــــحول(3)

***

مـــر حين والـــــــحق بـــــــدر ولكـــــــن           نـــــــظروا نحــوه بـــــــطرف كلـــــــيل

ليس ذنب العيـــــون بـــــــل ذنب ليـــــــل           لم تبـــــــن فيه روضــــة من وحـــــــول

غير أن المـــــــقياس هـــــــب ليـــــــخطو          في مـــــــسار الصحيـــــــح والمـــــعلول

وانتهى للجــــــفاف نبـــــــع افـــــــتراء(4)           وتنـــــــاهى نبـــــــاتـــــــه للـــذبـــــــول

وقلـــــــيل بـــــــاقٍ وعـــــــندي يـــــــقين           ســـــــوف تـــــــمضي حتــى بقايا القليل

***

أيـــــــها الــدهر هل بـــــــوعيك ذكـــــــر           لـــــــعديل الكـــــــتاب رهــط الرسول(5)

شـــــــده الله للــــســـــــماء وثـــــــيقـــــــاً                   ونمـــــــاه بـــــــحبلـــه الموصـــــــول(6)

حمـــــــل النبـــــــع مـــــــن تراث رسول           الله ثـــــــراً في طعــــمه السلســـــــبيل(7)

___________

(1) شاعر قريش في الجاهلة كان شديداً على المسلمين إلى أن فتحت مكة، فهرت إلى نجران، فقال فيه حسان بن ثابت شاعر الرسول (ص) أبياتاً، فلما بلغته عاد إلى مكة فأسلم واعتذر ومدح النبي (ص) وهنا إشارة إلى ما نقله ابن الزبعري من حديث العريش المزور المكذوب.

(2) الخبايا: الأسرار الخفية.

(3) المنحول: المكذوب المنقول قيلاً عن قال.

(4) افتراء: اختلاق وكذب.

(5) الرهط: ما دون العشرة من الرجال، والشاعر هنا يقصد المسلمين من أقربائه عموماً.

(6) نماه: نسبه ووصله.

(7) ثراً: واسعاً وغزيراً. والسلسبيل: الرائق العذب.

(141)

 

كـــــــان مـــــــن فـــــــرط ما تــكلل مجداً          مــــا به حاجـــــــة إلـــــــى إكليـــــــل(1)

فأكـــــــاليل الـــزور تفـــــــنى وتبقـــــــى           عمة الـــــــصدق موضـــــــع التبجـيل(2)

هو حـــــــبر(3) فـــــــي جوف ليل وسيف           فـــــــي جهـــــــاد وســـــــيد في قبـــــيل

وشـــهيد بالأفـــــــق لـــــــون وعـــــــطر           عابـــــــق مـــــــن نجيــــــعه المطلول(4)

أنـــــــه اشتـــــــق من نـــــــسيج عــــــلي           ودم الأب فـــــــي عــــــــروق السليل(5)

***

أســـــــرته ديـــــــون بـــــــدر وأحــــــــد           وأحاطـــــــت زنـــــــوده بالكبـــــــول(6)

وروتـــــــه بـــــــأنـــــه خـــــــارجـــــــي           يا لهـــــــذا الإمعـــــــان بالتضلـــــــيل(7)

أبـــــــنو الوحـــــــي مارقـــــــون وأهـــل           اللات أهـــــــل الـــــــكتاب والتنزيل؟!(8)

أيـــــــها الســـــــادرون هـــــــل بظــــلام           الليل عن أنجم السما مـــــــن بـــــديل؟(9)

إن هـــــــذا الزمـــــــان لا بــــــــد يصحو           ذات يـــــــوم مــــــــن بعد نوم ثقـــــــيل

***

هـــــــوني فالظـــــــلام طــــــارده الصبــ           ح فـــــــولى إلا بـــــــقايــا فلـــــــول(10)

وأقـــــــرئي يـــــــا شآم ملحـــــــمة الحـق          كـــــــتاباً يخـــــــط فـــــــوق الرمـــــول

بـــــــدم ثـــــــائــــرٍ ودمـــــــع بجـــــــنب          الـــــــدم خطـــــــا ملاحـــــماً في فصول

ومـــــــن الدمـــــــع ما يكـــــــون ســلاحاً          يـــــــصنع النـــــــصر كالـحسام الصقيل

إنـــــــها كربـــــــلاء تمـــــــتد للـــشـــــــا          م لتـــــــروي عـــــــدل الســــــما للعقول

حيـــــــث يـــــــهوي للقـــــــاتلين لـــــواء           ويـــــــرف اللـــــــواء للمـــــــقتــــــــول

***

____________

(1) فرط الأمر: مجاوزة الحد فيه، وتكلل المجد: لبسه إكليلاً.

(2) العمة: العمامة. والتبجيل: الاحترام والتقدير والتعظيم والتوقير.

(3) الحبر: العالم الصالح.

(4) النجيع المطلول: الدم المهدور.

(5) اشتق: أخذ. والسليل: الولد أو الابن.

(6) الكبول: جمع مفرده كبل: وهو القيد مهما تكن المادة التي صنع منها.

(7) روته بأنه خارجي: اتهمته بالخارجية. والإمعان في التضليل: الإغراق والمبالغة فيه.

(8) المارقون: جمع مفرده مارق، وهو الخارج عن دينه.

(9) السادرون: التائهون.

(10) بقايا الفلول: بقايا المنهزمين.

(142)

 

يابـــــــنة الـــــــمجد في مـــــــدى آل فهر           وابنـــــــة الــــــوحي في مدى جبرئيل(1)

وابـــــــنة الطـــــــهر فـــــــارق الجاهليــا          ت وأعراقهـــــــا يـــــــجذر أصـــــــــيل

يـــــــا مـــــــزاجاً بـه جـــــــهاد علـــــــي           وهـــــــدى أحـــــــمد وصبـــــــر البتول

وشـــــــموخاً مـــــــا أركعــته الـــــــرزايا          يـــــــوم صبـــــــت مصــــائب كالسيول

وفــــــــماً أبلـــج البـــــــيان(2) ورأســـــــاً           عـــــــلوياً لـــــــم ينـــــــحن للذيــــــــول

لـــــــست أنســـــــى عينــــيك وهي ذهول           بيـــــــن رزء غمـــــــر وصـــــبر جميل

بين أســـــــرى تـــــــقسو الـــــسياط عليها          وزغـــــــاليل روعـــــــت وعليـــــــل(3)

كصــــغار القـــــــطا ذوت من هـــــــجير           ردهـــــــا بعـــــــد نـــــــضرةٍ لذبــــــول

يــــــترشفـــــــن أرؤســـــــاً ووجـــــــوهاً           أمـــــــطرتهـــــــا الـــــــشفاه بالتقبـــــيل

كلـــــــما صحـــــــن صــــــاح فيهن سوط          فـــــــحذقن النشـــــــيج دون عـــــويل(4)

أنـــــــت قلـــــــب تنـــــــاهبته الرزايــــــا          فهـــــــو خفـــــــق وآه جـــــــسم نحــــيل

***

غــــــــير أن الـــــــذي رواك شـــــــموخاً           عزمات(5) رغـــــــم المــــــصاب الجليل

ورزايـــــــــا بـــــــلا مـــــــثيل ولكـــــــن          عـــــندك الـــــــصبر ما له من مثـــــــيل

تقر عين الخصوم بالمنطق الفــــــــصل(6)           فيـــــــأتي الدليـــــــل تلـــــــو الدليـــــــل

ازأري(7) فـــــــالزئـــــــير عنــــــــد إرث           ومـــــزاح الأســـــــود إرث الشـــــــبول

يالهـــــــا مـــــــن مــــــواقف كشفت عنـــ           دك طبـــــــع الحـــــــسام عـند الصليل(8)

***

_____________

(1) إشارة إلى نسبها الأصيل في آل فهر في الجاهلية ونسبها الشريف في الإسلام.

(2) أبلج البيان: واضح التعبير فصيحاً بليغاً.

(3) زغاليل روعت: أطفال أفزعوا.

(4) حذقن النشيج: مهرن وبرعن فيه وأتقنه.

(5) العزمات والعزائم: جمع مفرده عزيمة وهي ما عزمت عليه وأردته بالتأكيد.

(6) قرعتهم بالمنطق: اقنعتهم بالدليل القاطع.

(7) ازاري: تحدثي بصوت مرتفع كزئير الأسود.

(8) الصليل: صوت وقع الحديد بعضه على بعض، وغلب على وقع السيف مطلقاً.

(143)

 

يـــــــا نبي الـــــــهدى يســـــــمعك صوت          يـــــــــوم مرت قـــــــوافل بالحمـــــــول

مـــــــن فــم حـــــــاقد تمـــــــنى لو الأشــ           ياخ عـــــــادوا إليـــــــه بعد الرحيـــــــل

ليـــــــروا كيـــــــف هنــد عادت مع الأبــ           نـــــــاء ثـــأراً لأمـــــــسها المـــــــخذول

تســـــــترد الديـــــــون مـــــــن خفرات(1)           وعـــــــليـــــــل مـــــــقيـــــد مغـــــــلول

ورعـــــــابيــــــــب أثـــــــكلت ويـــــــكل           الوصف عن لوعـــــــة بعين الثـــكول(2)

وعـــــــلى ســـــــرحة نعيـــــــب غـــراب          هـــــــاج مـــــــا كان كامـــناً من غليل(3)

صـــــــور وقـــــــعها بقلـــــــبك مــــــــما           حمـــــــلت مـــــــن أذى كوقع النــصول

عـــــــاش مــــــنها الزمـــــــان يبكي ولما           ينضـــــــب الدمــــع رغم طول همول(4)

وسيـــــــبقى يبكـــــــي لـــــــقتلى وأسرى           وقـــــــبور ملء الربـــــــى والسهـــــول

***

أيـــــــها الرمـــــــل في مشـــــارف جيرو          ن علـــــــيه إجـــــــابـــــة لســـــــؤول(5)

أنـــــــت فـــــــيما وعيت تشــــــــهد بالعد           ل وـــــــماذا بعـــــــد الشــــــهود العدول

قـــــــد سمعـــــــت الإيمان عــــــند رعيل          وســـــــمعت الإلـــــــحاد عنـــــــد رعيل

مـــــــن ثـــــــغور معـــــــبآت بــذكـــــــر          وثـــــــغور تـــــــعبأت بـــــــالشمــول(6)

وتـــــــبينت  كـــــــيف ينـــــــكشف الــزو          ر برغـــــــم الإغـــــــراق بالـــــتأويل(7)

يـــــــوم عاد الـــــــدوي والـــــــترف الفـا           جـــر والعـــــــرش كلـــــــها لأفـــــــول

_____________

(1) خفرات: مستحيات خجولات.
(2) الرعابيب: جمع مفرده رعبوب ورعبوبة وهي المرأة البيضاء الحلوة الناعمة الممتلئة الجسم. وأثكلت: أفقدت عزيزها. ويكل الوصف: يعجز ويضعف.

(3) السرحة: الشجرة العظيمة الطويلة. وهاج الغليل: هيجه وأثاره وأعاده إلى الذاكرة والشعور. والغليل هنا بمعنى الحقد أو الغيظ.

(4) همول الدمع وهمله: ذرفه وسيلانه.

(5) مشارف جيرون: المشارف: جمع مفرده مشرف وهو المكان العالي من الأرض المطل على غيره من الأماكن وجيرون: موضع في دمشق جنوب الباب الغربي للمسجد الأموي وكان له باب مازالت آثاره موجودة حتى زماننا هذا. والسؤول: كثير السؤال.

(6) من ثغور معبآت بذكر الله، وثغور تعبأت بالشمول (الخمر التي تشمل برائحتها الناس).

(7) الإغراق في التأويل: المبالغة في التفسير.

(144)

 

وتـــــــهاوت زعـــــــامة شـــــــيدوهــــــا           بكـــــــذوب الثـــــــنا وقرع الطبــــول(1)

وبنـــــــا الـــــــدم والشهـــــــادة والمـــــو           قف صـــــــرح الخلــــــود عرضاً بطول

***

اســـــــكبي للأثيــــر يـــــــا قـــــــبة الإبــ           ريــز أحلى شـــــــعاعك المطـــــــلول(2)

اسبـــــــحي في بحيـــــــرة الأفــــــق الأز           رق جـــــــولي كنـــــــجمـــة بحقـــــــول

وانشــــري في الســـــــماء تبراً شـــــــفيفاً          ذائباً في عناق هـــــــمس الأصـــــــيل(3)

واخشـــــــعي بالضريـــــــح فــي صلوات           عـــــــامــــرات بالذكـــــــر والتهليـــــــل

بـــــــاركي رملـــة غدت حين ضمـــــــت           بنـــــــت خيـــــــر الأنـــــام خير مقيل(4)

إنـــــــها زينـــــــب العقــــــيلة(5) نـــــــجم          من ســـــــماء وزهرة مـــــــن خمــــــيل

صـــــــاعفي الأجـر في خطا زائريهـــــــا          في مســـير مشـــــــوا به أو مـــــــثول(6)

إنهـــــــم يـــــــنشدون ود ذوي الـــــــقـــر          بــى وعـــــــقد الولا لآل الرســـــــول(7)

وتـــــــقبل يـــــــا رب منـــــــا دمــــــوعاً           عنـــــد أزكـــــــى فرع لخير أصـــــــول

رب هـــذي رحـــــــاب بنـــــــت نبـــــــي          ويـــــــعز الرحـــــــاب قدر النزيـــــل(8)

***

______________

(1) كذوب الثنا: المديح الكاذب.

(2) الأثير: عند علماء الطبيعة مادة لا تقع تحت الوزن تتخلل الأجسام ويكون امتداد الصوت والحرارة بواسطة تموجاتها وتفهمه العامة أنه الهواء من حولنا. والأبريز: الذهب الخالص.

(3) التبر: فتات الذهب والفضة قبل الصياغة. والأصيل: وقت اصفرار الشمس قبل الغياب.

(4) المقيل: موضع القيلولة. وهنا إشارة إلى موضع مقامها (ع).

(5) العقيلة: الزوجة الكريمة أو سيدة قومها.

(6) المثول: الوقوف في حضرتها بتأدب.

(7) ينشدون ودهم: يطلبون محبتهم ورضاهم. والولا: مخففة من الولاء: وهو المحبة والصداقة والقرابة والنصرة.

(8) يعز: يجعله عزيزاً ومكرماً ويرفع من قدره.

(145)

 

السيدة زينب (عليها السلام)

 

زيـــــــنب لا الثـــــــنا ولا التـــــــمجــــيد           يـــــــتأدى إلـــــــيك مـــــــهما يجــــــــيد

أنـــــــت معـــــــنى احـــــــتوى اللفـظ فيه           فـــــــأجأ القـــــــائلين فيـــــــه جــــــــديد

هـــــــكذا أنـــــــت قمـــــــة في مبانـــــيها          مـــــــن المـــــــجد طـــــــارف وتليــد(1)

حـــــــيث حجـــــــر الإســلام ربى وحيث          الأصـــــــل مـــــــن مــنبت الجذور فريد

النـــــــسيج الـــــــذي تكـــــــونت مــــــنه           هـــــــدف فـــــــي تـــــــراثنا منشـــــــود

تـــــــجتليه لجيلـــــــنا مثـــــــلا أعلـــــــى          كـــــــما تنـــــــشد العلـــــــى وتريـــــد(2)

فـــــــابزغي يـــــــا عقـــــيلة الوحي نوراً           فـــــــي سمـــــــانا إن الظـــــــلام شـــديد

إن جـــــــذراً نـــــــماك عـــــــقد ثــــــري          بـــالعقـــــــيلات دره منـــــــضـــــــود(3)

قمـــــــم مـــــــن عـــــــواتــــكٍ ويـــــــليه           نمـــــــط مـــــــن فواطـــــــم معــــدود(4)

شـــــــاخصاتٍ بوجـــــــه أمــــــك والجدة           وفـــــــي وجـــــــهها فـــــــهن شــــــهود

***

اصعـــــــدي يـــــــا بنـــــــة الجهاد فعقبى           وثبـــــــات المجـــــــاهـــدين صـــــــعود

واشـمخـــــــي يـــــــا حفيـــــــدة لنبـــــــي          بورك الجــــــــد شامـــــــخاً والحفـــــــيد

يـــــــا بنـــــــة المرتــــضى علي ومن شا           د مـــــــن الـــــــدين ســـيفه المعـــــــهود

والـــــــذي رغـــــــم شاسـعات الصحارى           أنعـــــــش الكـــــــون ظـــله المـــــــمدود

يـــــــا امـــــــتداد الزهـــــــراء ثم أبيــــها           يـــــــا تــرى هل لعبد هـــــــذا مـــــــزيد

أيـــــــها الـــــــموقف الــــذي قارع البغي           ورد الطـــــــغيـــــان وهـــــــو عنـــــــيد

_____________

(1) الطريف: الحديث أو الجديد، التليد: القديم.

(2) نجتليه: نظهره.

(3) نماك: أعلاك.

(4) عواتك: جمع مفرده (عاتكة): صافية.

(146)

 

إـــــــنما الـــــــطف مـــــــن حسيــن دماء           شـــــــامخات ومــنك قـــــــول ســـــــديد

ستعيشــــــين زينباً يا بنـــــــة الإســـــــلام          مهمـــــــا يـــــبيـــــــن فيـــــــنا يـــــــزيد

وســـــــيمتـــــــد للـــــــطــــــغاة فـــــــناء           وســـــــيمـــــــتد للـــــــهداة خـــــــلــــود

***

يـــــــا لـــــــواء يـــــــومي إلى الناس هيا           ولو أن المـــــــزار عنـــــــكم بـــــــعيـــد

إن ألـــــــح الظـــــــما الملـــــــح عـــــليكم          ههـــــــنا النـــــبع فانهلوا واستزيـــــــدوا

ههنـــــــا صـــــــوت الحـــق ما زال يعلو           منـــــــذ ألـــــــفٍ ومـــــــا لواه الوعيــــد

هــــهنا بنت حيـــــــدر لبـــــــوة تـــــــزأر          تحمـــــــي أشـــبـــــــالهـــــــا وتـــــــذود

ههنا زينب نـــــــسيج هـــــــو الإقـــــــدام           والـــــــصبـــــــر كلـــــــه والـــــــصمود

إنـــــــها كعـــــــبة القلـــــــوب إذا مـــــــا           لوحـــــــت هـــــــرولت إلـــــــيها الوفود

***

فـــــــي وعــاء الزمان تحـــــــشد الأجيال           طـــــــراً شـــــــقيهــــــــا والسعـــــــيد(1)

بعـــــــضها صـــار في التراب رميـــــــماً          لـــــــفه المـــــــوت والبـلى والرقـــــــود

بـــــــينما بعـــــــضها رنــــــين بسمـــــــع          الدهـــــــر بيـــــــدي ذكـــــره ويعـــــــيد

عـــــــرفته الـــــــحياة وثـــبة إصـــــــرار          أبـــــــت أن تـــــــعيث فــــيها العـــــــبيد

إنـــــــها الأمـــــــة التــــــي قـــــــل موتى          بـــــــين أبعـــــــادهــــــا وزاد شـــــــهيد

والـــــــتي جــاهدت بها الأم والأخـــــــت           وبنـــــــت كـــــــريمـــــــة وولـــــيـــــــد

أمـــــــة تحـــــــمل الجـــــــراح وســـــاماً          سبكـــــــته نـــــــار الوغـــــــى لا العقود

أمـــــــة زيـــــــنــب بهـــــــا وحســـــــين           هــــــــذه مقـــــــول وهـــــــذا وريـــــــد

فاشـــــــمخي أيهـــــــا الـــــــعقيلة رمـــزاً          بـــــــجـــــــهادٍ لجـــــــذره مـــشـــــــدود

___________

(1) طُرَاً: جميعاً

(147)

 

يـــــــا بـــــــنة الطاهرين عذراً إذا مـــــــا          قـــــــعدت بي عـــــــقيرتي والقصـــيد(1)

قـــــــد يـــــــزكي الإخـلاص والحب زاداً           ولـــــــو أن الــــزاد المـــــــعد زهيـــــــد

أنا مـــــــولاكم أعـــــــب بنـــــــعماكــــــم           وتــــزهـــــــو بمنـــــــكبي الـــــــبرود(2)

فــــــــــاسألوا الله أن يطـــــــيب دائـــــــي           فلـــــــديـــــــه مقـــــــامـــكم محـــــــمود

وضـــــــعوني بـــظلكم يـــــــوم يـــــــشتد           هجـــــــير ويــــــوم تظـــــــما كـــــــبود

واجـــــــعلونــــــــي تبعـــــــكم فبـــــــأهل          الكهف يــــــنشد كلبهـــــــم والوصـــــــيد

***

___________

(1) عقيرتي: صوتي.

(2) مولاكم: خادمكم، أعب: أشرب، البرود: الثياب مفردها «بردة».

(148)

 

في مدرسة الإمام السجاد (عليه السلام)

 

حري لو استعلى بمـــــــجدك هـــــــاشــــم          فثم جـــــــدود بالحـــــــفيد أعـــــــاظــــم

أمــــــــا في رسول الله من ذاك شـــــــاهد           عـــــــلى الصــــدق في هذي المقالة قائم

ومن جـــــــاز أبعــاد المناقب وانتـــــــهى           إلى قـــــــمم تـــــــنحط عــــنها الغمائم(1)

فلذلك من يدعى لــــــــدى الفخر ســـــــيداً          تنـــــــافس فـــــــيه في القراع المكارم(2)

(وإن وليــــداً بين كـــــــسرى وهـــــــاشم           لأكـــــــرم من نيـــــــطت عليه التمـــائم)

فلله روح فيـــــــك مــــا ضاق رحبـــــــها          وقـــــــلب به حتـــــى لمروان راحـــــــم

أجـــل تلك أخلاق الســـــــماء أتى بـــــــها          مـــــــن الله نهـــــــج للمربين عاصـــــــم

أيا راهبـــــــاً في خــشعة هو والدجـــــــى           لوقـــــــع مناجاة بهــــا الليل حالـــــــم(3)

تـــــــزاوله مـــــــــن خشية الله رعـــــــدة           إذا خـــــــطرت بالـــــــوعي منه العزائم

وتنعشـــــــه مـــــــن رحـــمة الله هبـــــــة           تــــــــمر بهـــــــا للمـــــــتقين نسائـــــــم

فمـــــــن أجل هذا كنت يا مـــــــوئل التقى           تجلـــــــيك زين العـــــــابديــن المعاجم(4)

ومـــــــن ثفـــــــنات فــــــي جبينك لوحت           تســـــــميك بالســـــــجاد تــلك الوسائم(5)

ومـــــــا قـــــــل عن ليل نهارك رتبـــــــة           فأنـــــــت على الحـــــــالين حـــبر وعالم

كابــــــر رزايا أطبـــــــقت مـــــــنذ كربلا          وعــــــاش ببقـــــــيا العمر منها ملازم(6)

مـــــــصارع أحبـــــــاب وتــــرويع نسوة           ونـــــــار بأطـــــــناب وسوط وظــــــالم

 

_____________

(1) المناقب: الأعمال الكريمة.

(2) القراع: النزال.

(3) الدجى: الليل أو الظلام.

(4) موئل: ملجأ أو حصن أو مرجع، تجيلك: تظهرك أو تعظمك.

(5) الثفنات: أعضاء الإنسان التي تقع على الأرض، والشيخ (رحمه الله) يشير إلى جبهة الإمام السجاد (ع) التي كانت ملازمة للأرض؛ لكثرة سجوده لله تعالى.

(149)

 

مشاهد بين الوجـــــد والدمـــــع عشتهـــــا           بقيـــــة عـــــمر لازمـــــته الــــــمآتـــــم

إلـــى أن ذوت روح وفـــــاضت لـــــربها           وفيهـــــا مـــــآســـي كربـــــلاء معالـــــم

ونـــــامت علـــــى رمـــــل الــــبقيع تبلها           سحـــــائب حـــــزن والدموع السواجـــــم

فـــــلا بــارحت رمل البقـــــيع مشاعـــــر          زكــت وقلـــــوب بـــــالولاء حوائـــــم(1)

***

________________

(1) البقيع: موضع في المدينة المنورة ضم قبور الأئمة (ع) زكت: طهرت.

(150)

 

عند باب الحوائج

 

       نظمت بمناسبة تركيب باب من الذهب لضريح الإمام الكاظم (عليه السلام) عام 1970م

لـقدسك يا بـــــــاب الحـــــــوائج بـــــــاب           جئـــــــت حوله للـــــــطالبين رغــــــاب

على جانــــــبيه مـــــــن رؤاك جــــــــلالة          وكـــــل فنـــــــاء للمـــــــهاب مهـــــــاب

ومـــــــن حوله للظـــــــامئين مـــــــــوارد          تروي وباب الأكرميـــــــن عبـــــــاب(1)

إذا رد فـــــــي باب لغيـــــــرك مطــــــلب          ففي باب موســـــى لا يرد طـــــــلاب(2)

يرحب إن ضـــــــاقت رحـــاب لـــــــغيره          فتوســـع منه الوافـــــــدين رحـــــــاب(3)

وإن طــاف فيه الذنب يغـــــــفر عـــــــنده           ويمحى ســـــــؤال حـــــــوله وعــــــتاب

مــــــنابع ريـــــــاً عند باب ابن جعـــــــفر          تفـــــــيض عــــــطاءً للذين أنابـــــــوا(4)

***

لتـــــــهنك عـقبى الصابرين(5) أبت الرضا          وإن طـــــــال حــــــبس واستطال عذاب

وعـــــــربد ســـــــوط في أكــــــــف لئيمة          وجـــــــن بـــــــه للظــــالمين عقـــــــاب

تـــــــمرس منك الضر في كل مفـــــــصل          فما ناء عــــظم واهـــــــن وإهـــــــاب(6)

صبــــــور وعقبى الصبر عند ذوي النهى           جلال(7) وعـــــــند الله مــــــنه ثـــــــواب

فــــــكوخ بـــــــه عشت استطال إلى السما          وقصر به عـــــــاش الرشـيد خـــــــراب

 

_______________

(1) العباب: لفظ يستعمل للتعبير عن عظم الشيء وكثرته. وهو هنا للدلالة على كثرة قاصدي باب الحوائج. يقال: جاؤوا بعبابهم، أي: بأجمعهم.

(2) الطلاب: الطلب.

(3) الوافدين: القادمين.

(4) أنابوا إلى الله تعالى: رجعوا إليه عز وجل، وتابوا.

(5) عقبى الصابرين: عاقبتهم وثوابهم وجزاؤهم.

(6) ماناء: ما أثقل عليه. والإهاب: الجلد ويقصد به المظهر العام مطلقاً.

(7) الجلال: التناهي في عظم القدر.

(151)

 

ومن خربة فيهـــــا أقمـــــــت تـــــــلألأت           تمـــــــوج في أزهـــــى النضارة قباب(1)

ومظلم سجن عشــــت فـــــــي جنـــــــباته          أنيساك مـــــــحراب بـــــــه وكـتـــــــاب

تحول صرحاً قــــــد تـــــــكامل عـــــــنده           لأروع آيـــــــات الـــفنون نصـــــــاب(2)

تخضبه الأضـــــــواء مــن كل موجـــــــة           ففي كـــــــل موج مـــــن سناه خضاب(3)

ســـــــبوح بمـــــــطول الطـــيوب صباحه          كان فنـــــــاه للطـــــــيوب وطـــــــاب(4)

ومتـــــــشح بالـــــــنور عــــند مسائـــــــه           كأن له كـــــــــل الشمـــــــوس ثيـــــــاب

***

أبــــاب ضريح ضم راهـــــــب هاشـــــــم          وغـــــــطى الجـــــــواد الغمر منه تراب

تغطيه من شـــــــيب ابــن جعفر هيـــــــبة          ويزهيه مــــــن غصـــــــن الجواد شباب

شهـــــــيدين مـن سم أصيب به الهـــــــدى          وقـــــلب رســــــول الله منـــــــه مصاب

ستـــــــبقى الـــــــثريا دون أرضــك رفعة           ويفــــــدى لكل من حـــــــصاك شهاب(5)

فــــــــإنك بـــــــيت كـــــــرم الله أهلـــــــه          وخـط ذهاب الرجـــــــس عـــــــنه كتاب

وأخذمـــــــه الأمـــــــلاك فهـــــــي بـــبابه          لـــــها كـــــــل آن جـــــــيئة وذهـــــــاب

ويـــــــا بيـــــــت آل الله آل مـــــــحــــــمد          سقاك مــــــن الغيث(6) الملـــــــث سحاب

تــــــــخذتك زاداً في المعاد وفي الدنـــــــا           غرامـــــــي لا وادي الغضـــــــا ورباب

***

______________

(1) الخربة: المكان الخرب. والنضار: الذهب.

(2) الصرح: القصر العالي أو البناء الضخم، والنصاب: الأصل الذي يرجع إليه بالقياس في كل أمر.

(3) تخضبه الأضواء: تغير لونه. والخضاب: ما يستخدم في تغيير اللون أو عملية تغيير اللون نفسها.

(4) الوطاب: الوعاء أو الغلاف الجامع.

(5) الثريا: مجموعة من النجوم العالية، والشهاب: النجم المضيء اللامع، ويرمز الشاعر به هنا للشباب المضحي.

(5) الغيث الملث: المطر الذي يدوم أياماً.

(152)

 

رسالة الوائلي الى الإمام الرضا (عليه السلام)

 

ســــيدي يا أبا الجـــــــواد ويـــــــا بن الــ           خير موســــى ويا منـــــــاط الرجـــــــاء

يـــــــا مقيماً بقـــــــلب كـــــــل مــــــحب           رغـــم أن الـــــــمدى بعـــــــيد نـــــــائي

يابن أصـــــــلاب من أعـــــــز رجـــــــال          وابـــــــن أرحام من أعـــــــف نســـــــاء

يابــــن بيتٍ بـــــــه هابـــــــط جـــــــبريل           ومـــــــحراب ســـــــيد الأنبـــــــيـــــــاء!

يا إمـــــــاماً مـــــــن الأئمـــــــة فـــي عقدٍ          زهـــــــا فـــــــي فـــــــرائد عصـــــــماء

حملـــــــتني الآمــــــال نحوك وأرجـــــــو          أن تـــــــذاد الـــــــضراء بالـــــــسراء(1)

والـــــــثرى إن ألـــح جـــــــدب عليـــــــه          وجـــــــه الوجـــه ضارعاً للـــــــسماء(2)

سيــــدي إنـــــــني ابـــــــنكم ولو أنـــــــي           لســـــــت أرقـــــى لمستوى الانتمـــــــاء

بيد أن الأبـــــــناء لمـــــــن يـــــــعدمــــوا           العطـــــــف برغــــــم العقوق للآبـــــــاء

مد كفيك يـــــــابن فـــاكـــــــم وامســـــــح           عـــــــنقي بالشـــفاء مـــــــن كـــــــل داء

ولـــــــتكن هـــذه يـــــــد مـــــــن أيـــــــادٍ          غـــــــمرتــــــني بالفـــــــضل والآلاء(3)

سيـــــــدي إنكـــــــم مـــــــزاج تـــــــلاقى           عنـــــــده الأنبـــــــياء بــــالأوصـــــــياء

فـــــتسامـــــــى الإبـــــــداع في نطفـــــــة           أمشاج أهدت للكـــــــون أهل الكســـــــاء

المـــــــــــيامـــــــين والـــــــذي إليـــــــهم           تتـــــــأدى نهـــــــايتـــــــي وابتـــــــدائي

***

______________

(1) تذاد: تدفع.

(2) الجدب: انقطاع المطر، يقال: «جدبت الأرض» يبست.

(3) غمرتني: شملتني.

(153)

 

الإمام الجواد (عليه السلام)

 

خـــــــدث فإنك في الأجـــــــيال نشـــــــاء          وقل فمــــنا إلى ماضـــــــيك إصـــــــغاء

مرت بمـــــــسرحك الأحقـــاب عـــــــابرة          وعندهــــا صور بـــــــيض وســـــــوداء

فعامـــــــرات من الإيـــــــمان يمـــــــلأها           وفــــارغات من الوجــــــدان جـــــــوفاء

وعاطـــــــرات كأن الـــــــورد وشحـــــها           ومتنـــــــات فـــــــأقــــــــذار وأقـــــــداء

ومائـــــــرات من الأخـــــــلاق طابعهـــــا          وفاجـــرات من الاجـــــــرام عـــــــوراء

يا فـــــــدفد الدهر كم جـــــــازتك قافلـــــة           خدا بهـــــــا للـــــــذي تبغيه حـــــــداء(1)

شتـــــــان بيـــــــن منــــاحيها فـــــــواحدة           هزيـــــــلة الـــــــعقل في التفكير عجفــاء

مـــــــستامة ترتعــي أقصـــــــى مطامحها          عـــــــود ودن وماخـــــــور وهيــــــــفاء

أمـــــــا النهار فعــند البـــــــاز يـــــــاربها          دراية فهو عـــــــند الصـــــــيد عـــــــداء

والليل إن جن سل إســـــــحاق قصــــــــته           فـــــــعنده من حديـــــــث الليل أشـــــــياء

ومعـــــــشر حلـــــقت بالروح صافيـــــــة           مما يدنـــــــس قدس النــــفس غـــــــبراء

مــــــا أترعت جامها خـــــــزياً ولا رتعت          في مرتع وخـــــــم عقبــــــاه شوهـــــــاء

يلف منــــــهم ظـــــــلام اللــــــيل كل فتى           تنجاب عن صفحتي خــــــديه ظـــــــلماء

يعاقر الليـــــــل كـــــــأساً مـــــــن مدامعه           وتسكر الفجـر من نجـــــــواه أصـــــــداء

وتعـــــــبق الأرض طيـباً من مســـــــاجده          وترتوي من صـــبيب الدمع حصـــــــباء

مراوحـــــاً بيـــــــن كفيـــــــه وجـــــــبهته          ما مسهن لعـــــظم الشـــــــوق إعيـــــــاء

حتى إذا الصــــــبح أرخـــــــى من غلائله          ومازجت سبــــحات النـــــــور أنـــــــداء

شعت له مــن ســـــــماء الـــــــفكر صافية          بالعلم والحــلم والتـــــــوجيه أضـــــــواء

_____________

(1) الفدفد: الرجل الشديد الوطء على الأرض لطول جسمه أو لثقله أو الأرض الواسعة المستوية التي لا شيء فيها.

(154)

 

هـــــــيا بنـــــــا لربى الزوراء نـــــــسألها          عن ثلتــين همـــــــا موتى وأحيـــــــاء(1)

فقــــد مشـــــــت وبني العباس سامـــــــرة          في ألف ليلة حيث العــــيش ســـــــراء(2)

دار الـــرقيق وقـــــــصر الخـــــــلد حافلةٌ           بمـــــــا يـــــــلذ فـــــــأنغام وصهـــباء(3)

تجـــــــبك أن ديـــــــار الظــلم خـــــــاوية           وأن للمـــــــتقين الـــــــخلد مــــــا شاؤوا

ومل إلـــــــى الكوخ وانظر قبة سمقــــــت          تجاذبتها الثـــــــريا فـــــــهي شمــــــاء(4)

وحـــــــي فيــها جواداً مـــــــن أنامـــــــله           سحابــــــة الفضل والأنعام وكفـــــــاء(5)

يابن البتول وحسبـــــــي من مفاخرهـــــــا          بأنها في مجـــــــال المـجد زهـــــــراء(6)

كم رام منك بنـــــو العباس ما عـــــــجزوا          عنه وفي فشل مـــن خزيهـــــــم باؤوا(7)

جاؤوا (ويحـــــيي) وحشدٍ من مسائـــــــله           فرحت توسعهم شرحــــــاً لما جـــــــاؤوا

حتــــــــى إذا وهـــــــنوا القيت مسألـــــــة          كـــــــل المـــــــفوه عنــها فـــــــهو فأفاء

وعنـــــــد قـطع يمين السارق اختلـــــــفوا           فـــــــكان منك برغـــم القوم إفتـــــــاء(8)

هو الصـــــــواب ووحـــي الله مدركـــــــه           لـــــــدى أبي الصـــلت منها ثم أنبـــــــاء

يا نـــــــفحة الروض في ريـــــــا شــمائله           وطـــــــلعة البدر حـيث البدر وضـــــــاء

وعـــــــبقة مــــــن أريج المجد أنجبهـــــــا          (مـــــــحمد وعـــــــــلي) فهي أشـــــــذاء

وخفـــــــقة النور من إشعـــــــاع (فاطمة)           تحـــــــدرت فـــــــهي إشـــــــعاع ولألاء

___________

(1) الزوراء: من أسماء مدينة بغداد وفي الأصل الزوراء: الأرض المعوجة وقيل: الغليظة. وثلتين: مثنى ثلة: وهي الجماعة.

(2) السراء: رخاء العيش والخير والنعمة يسر بها.

(3) الرقيق: المملوكون من قبل غيرهم (العبيد). والصهباء: الخمر.

(4) سمقت: علت وارتفعت. وشماء: مرتفعة عالية.

(5) الجواد: الكريم الذي يجود بما لديه أو ببعضه، ويشير هنا إلى الإمام الجواد (ع). والسحابة الوكفاء: الممطرة الكثيرة العطاء.

(6) زهراء: مشرقة ومتلألئة.

(7) راموا: أرادوا. وباؤوا بالفشل: فشلوا.

(8) الإفتاء: إظهار الحكم في المسائل المتنوعة.

(155)

 

يــــــا ليت كفاً سقــــــتك الـسم واهتصرت           نامـــــي شبيبيتك الفيــــــنان أشــــــلاء(1)

تــــــحش مــــــنك نياط القلــــــب نـــاقعة           من الســـــموم ويبري جســــــمك الداء(2)

ملقى على السطح لم يحــــــضرك من أحدٍ          تصــــارع الــــــموت لا ظل ولا مــــــاء

حــــــتى قضيـــت برغم المجد منــــــفرداً           لــــــم يــــــكتنفك أحبــــــاءٌ وأبــــــناء(3)

***

______________

(1) اهتصرت: كسرت، نامي شبيبتك: عاليها وأطول مكان فيها الفينان: الطويل الحسن كالغصن الرقيق، والشلاء: المشلولة أو المصابة بالشلل.

(2) تحش: تقطع. ويبري: ينحت ويقطع كما تقطع السكين، يبري: يشفي.

(3) لم يكتنفك: لم يحط بك.

(156)

 

صلاة الحب

       15 شعبان 1418هـ

أمـــــــرغ أشعـــــــاري على عتبـــــــاتكم           فتصعد والمشـــــــدود بـالنجم يـــــــصعد

وأســكبها دمـــــــعاً وشـــــــدواً فتـــــــارة           نواح وأخـــــــرى ساجـعات تغـــــــرد(1)

إذا لامســـــــت أمجـــــــادكم فســــطورها          عقـــــــود جـــــــمان أو لآل تـــنرضد(2)

وإن لامـــــــست آلامـــــكم وجراحـــــــكم          فــــــما هـــــــي إلا زفـــــــرة تتـــــــردد

لـــــــقد حمــــــــــلتكم دمعة وابتسامـــــــة           وعاشـــــــت على محرابكم تتهـــــــجد(3)

وحســـب قريضي لـــــــو حبـــــــاه محمد           ببردتـــــــه أو مـــــــن نماه محـــــــمد(4)

ومن منـــــــن الرحمـــــــان أنـــــي بفيئكم           أعـــــــب من النعماء ما فيه أحســـــــد(5)

انـــــــام على أمن وأصحو على غنـــــــى           فتحـــــــرسني عــــــين وتكرمني يـــــــد

ترضب يومي نبـــــــعكم فـــــــارتوى بــه          وآمـــــــل أن يسقى بحوضكم الغـــــــد(6)

هـــــــبوني مــــا يبقى من القرب والرضا           فكل الـــــــذي بــالأرض يفنى وينفـــــــد

ولا تبعدوني عـــــــن وجــــــوه يعيش في           مخيلتي منـــــــها الـــــــكريم الممـــــــجد

سأرقد في حجر الحسيـــــن لأنـــــــني ابــ           نه وبحـــــــجر الــــــوالد الابن يرقـــــــد

وأســـــــمع أنغـــــــام الجــــراح فإنـــــــها          هـــــــدير يــــــدوي فيه شلو مقـــــــدد(7)

واســــــــتاف طيباً من دم كلما مـــــــضى           عـــــــليه زمــــــان نفـــــــحه يـــــــتجدد

ولا برحـــــــت بابـــــــن الــنبي مشاعري          وأنـــــــت بها رمــــز الفداء المجـــــــسد

ولا زال مـــــــن بيت النبــوة والهـــــــدى           علـــــــى كـــــــل أفـــــــق كوكب يـتوقد

_____________

(1) الساجعات: الحمائم التي تسجع أي تصدر أصواتها بطريقة واحدة.

(2) الجمان: اللؤلؤة.

(3) تتهجد: تصلي ليلاً.

(4) القريض: قول الشعر أو الشعر. نماه محمد: رفعه بالانتساب إليه.

(5) أعب: أشرب.

(6) ترضب النبع: ترشفه وشرب منه.

(7) شلو مقدد: عضو مقطع.

(157)

 

منطق العبرة

 

بحيـــــــث احـــــــتفال الســـــــنا الأزهــر          وحـــــــيث أريـــــــج الثرى الأعـــــــفر

ومـــــــن حيــــث سامرة في التـــــــلاع(1)          جـــــلال ومـــــــنبع وحـــــــي ثـــــــري

تـــــــلـــــــفـــع(2) فـــــــي أفـــــــق أزرق          وتجلـــــــس فـــــــي مــــقعد أخـــــــضر

هنـــــــاك ضـــريح لهـــــــادي الأنـــــــام           وآخـــــــر للـــــــحســــــن العـــــــسكري

ضــريحـــــــان عـــــــندهـــــــا للنبـــــــي          مكــان المعـــــــاني مـــــــن الأســـــــطر

ولا غـــــــرو(3) فـــــــالزهر نـسل الخميل          وســـــــنخ الـــــــثريا مـــــــن المــشتري

***

أخـــــــان الصـــــــعاليك؟ هل ضــــــجت           التـــــــواريخ في ســــــمعك الـــــــموقر؟

وهـــــــل مـــــــرت العبر الحاشـــــــدات           ومـــــــا للمظافر مــــــــــن مخـــــــبر(4)

لتنـــــــبيـــــــك أن ديـــــــار الغـــــــرور           مـــــــن جوسق ثــــــم أو جعفـــــــري(5)

تهـــــــاوت ركامـــــــاً وظل الخـــــــلود            ينـــــــام عـــــــلى رمــــــلك الأســـــــمر

وتهـــــــتف أن بـــــــذور الـــــــطـــــــغاة           طـــــــواهـــــــا التـــــراب ولم تثمـــــــر

وأن بـــــــذور التقـــــــى أنـــــــجبـــــــت           خـــــــمائـــــــل رائـــــــعة الـــمنـــــــظر

***

ويـــــــا أيهـــــــا الدهـــــــر أيــــن الطغاة           وقرع الســـــيوف عـــــــلى مـــــــغفر(6)

 

____________

(1) التلاع: جمع مفرده تلعة وهي الأرض المرتفعة أو المنخفضة (من الأضداد).

(2) تلفع في أفق أزرق: تتلفف به.

(3) لاغرو: لا عجب. وسنخه: أصله.

(4) المخبر: الجوهر (عكس المظهر).

(5) الجوسق: البيت الصغير، والجعفري: قصر للمتوكل العباسي قرب سامراء في العراق نسب إلى جعفر.

(6) المغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.

(158)

 

وســـــــكر المـــــــقاصير فـــــــي لــهوها           وعزف القيـــــان عـــــــلى مزهـــــــر(1)

وبطـــــــش الســـــــياط وفتـــــــك السلاح          وردح المدائـــــــح مـــــــن مفـــــــتــري

تــلاشت فـــــــلا صـــــــخب للخـــــــيول           ولا ســـــــجعات عـــــــلـــــــى منـــــــبر

وظـــــــلت مـــــــحاريب آل الرســـــــول           وحـــــــبر لهـــــــا فـــــــي الدجى ينبري

بــــــأجـــــــوائهن صـــــــدى ضـــــــارع          وفـــــــي التـــــــرب جـــــــبهة مــستغفر

أجـــــــل تـــــــلك عـــــــاقبـة المتـــــــقين           رواها الخـــــلود مـــــــدى الأعـــــــصر

فـــــــيالضـــــــريحين يـــــــجثو الرجـــاء          بـــــــظل سمـــــــاحهـــــــما المـــــــمطر

ويـــــــا لـــــــسميمـــــــين تـــــبكيهـــــــما          عــيون الهـــــــدى بـــــــالدم الأحـــــــمر

غريـــــــبين عاشـــــــا ولـيل الغريـــــــب           دمـــــــوع تـــــــرقرق بالـــــــمحجــر(2)

ومـــــــاتا بعـــــــيدين يــــــا للشـــــــجا(3)          عـــــــن الـــــــدار والأهـــــــل والمعشر

فـــــــيا لضـــــــرائحـــــــ آل النـــــــبــــي          بعـــــــدن عـــــــن الخـــــــيف والمـشعر

تزوعـــــــن أشـــــــتات فـــي حـــــــاضر          مــــن الأرض أو مـــــــهمهٍ مقـــــــفر(4)

***

___________

(1) المزهر: العود، وهو آلة موسيقية يضرب عليها فتصدر أنغاماً مطربة.

(2) المحجر: ما يكون حول العين أو ما يحيط بها.

(3) يا للشجا: يا للأسى والحزن الذي يعترض الحلق فيشعر بالغصة.

(4) الأشتات: جمع مفرده شت، وهو المتفرق من الأمور. والحاضر من الأرض: المكان الذي يسكنه الحضر. والمهمه المقفر: المكان البعيد الخالي من المخلوقات، وقد يكون صحراء واسعة لا ماء فيها أو موضعاً مهلكاً.

(159)

 

رسالة للأمة

 

خذ من الصـــــــالحات مـــــــا تستـــــطيع          ما تبـــــــقى فـــــــي الليــــل إلا هزيع(1)

ذهبـــــــت روعـــــــة الصـــــــباح وســـــــحر اللـــــــيل وارتـــــــد للسكـــــون النزوع(2)

وتـــــــساوى ليلـــــــي مـــــــحاقاً فمـــــــا فيـــــــه مـــــــن النـــــــجم غيبــــة أو طلوع(3)

والأمـــــــاني المخـــــــصبات تحـــــــولـــــــن لصـــــــحراء ليـــــــس فيـــــــها ربيـــــــع

ولـــــــقد كنت أستعـــــــيض بأحــــــلامي           إذا هـــــــز واقعـــــــي مـــــــا يـــــروع

فجـــــــفاني الكـــــــرى فـــــــلا وســـــــن أهـــــــرب فيـــــــه مـــــــن واقع أو هجـوع(4)

***

يـــــــا عـــــــوادي الزمان(5) أكــــبر مني           بعـــــــض هـــــــذا فكـــــيف هذا الجميع

انـــــــا بقـــــــيا ضـــــــعفٍ وأنــت اقتدار          وأنـــــا واحـــــــد وأنـــــــت جـــــــموع

إن عـــــــاراً علــــــى شموخ المواضي(6)           جــــرح عزلاء مـــــــا علـــــــيها دروع

اعصـــــــفي أيـــــــها العـــــــوادي فـــــــما أنـــــــت كـــــــيان يصـــــــده التقــــــــريع(7)

ومتـــــــى صـــــــد حـــــــبة الرمـــــــل أن يكـــــــثر مـــــــن ســـــــورة الأنيــــن لذيع(8)

غيـــــــر أن الشكـــــــوى وإن كـــــــبرياء الـــــــجرح تأبـــــــى يرتـــــــاح فيها الوجيع(9)

 

_____________

(1) الهزيع من الليل: الطائفة منه.

(2) النزوع: الحنين والاشتياق.

(3) المحاق: آخر الشهر القمري حيث لايظهر القمر، وقبل ثلاث ليالٍ من آخره، أو أن يستسر القمر ليلتين فلا يرى غدوة ولا عشية. ورمز الشاعر بعبارته إلى السواد الذي كان يلف حياته متطلعاً إلى أي بارقة أمل.

(4) الوسن: النعاس أو النوم.

(5) عوادي الزمان: نوائبه ومصائبه وعوائقه.

(6) المواضي: جمع مفرده: الماضي، وهو السيف القاطع.

(7) الكيان: الوجود الحي. والتقريع: التعنيف.

(8) سورة الأنين: حدته واشتداده. واللذيع: من لذعته حرارة رمل الصحراء.

(9) الوجيع: المتوجع والمتألم.

(160)

 

أيـــــــها النفـــــــيس بـــــــعض وجـــــــداك فالدنيـــــــا وقـــــــيذ مــن الأذى أو صريع(1)

أمــــنيـــــــات كـــــــذوبـــــــة وفـــــــعال           نـــــــوب كـــــــلها وبــــــــرق خدوع(2)

الذلـــــــيل المـــــــهين يشبـــــــع فـــــــيها          والسـري الأشـــــــم فيهـــــــا يـــــــجوع

خلـــــــق بالذبـــــــاب يرضـــــــع بالجـــــــيفة والنحـــــــل بـــــــالورود رضـــــــــيــع(3)

ومـــــــسار الـــــــورد الـــــــكريم مضيق           ومـــــــسار الورد اللـــــــئيم وســـــــــيع

***

أيها النفس فـــــــي الحـــــــياة عـــــــظات          يجـــــــتلي ســـــــرها البصيـــــر السميع

ولقـــــــد نـــــــزعم ابتكـــــــاراً وفـــــــي الــــــواقـــــــع إنـــــــا لآخريـــــــن تبيـــــــع(4)

كــــــل رهـــــــطٍ لهم إمـــــــام ونـــــــهج           حيـــــــث يقـــــــفو المـــطاع فيه المطيع

وهـــــــ،نا مفـــــــرق الدروب فـــــــدرب           مـــــــهيع(5) فيه للنجـــــــوم ســــــــطوع

بيـــــــن أبـــــــعاده الـــــــنبــــوة نـــــــور          والكتـــــــاب الدلـــــــيل والـــــــتشريـــع

وعـــــــلـــــى لابــــــــتيـــــــه(6) آل رســــــــول الله إن هــــــــدد الظــــــــلام شمــــــــوع

الكرام الأصلاب في الجــــذر والأرحـــــــام فـــــــي الطـــــــهر والجـــــــناب الرفيـــــــع

حـــــــلفاء المحـــــــراب أتراب ســــــيف           صبر في اللقا إذا القــــــوم ريـــــــعوا(7)

هـــــــل أتـــــــى طهـــــــرتم والحـــــــواميم بـــــــها مـــــــن شـــــــذاهم ما يــــــضوع(8)

حســـــــن والحســـــــين سبـــــــطا رســـــــول الله والأصـــــــ،ل منـــــــهما والفـــــــروع

والمطاعين جعـــــــفر الخير والحـــــــمزة          والشـــــــوط شـــــــاهـــد والنجـــــــيع(9)

_____________

(1) وجدك: حزنك أو ما يحزنك. والوقيد: الضرب حتى الموت.

(2) النوب والنائبات جمع مفرده نائبة.

(3) الذباب: من معانيه حد السيف.

(4) تبيه: تابعون.

(5) مهيع: واسع.

(6) لابتيه: مثنى لابة، وهي الأرض ذات الحجارة البركانية السوداء.

(7) ريعوا: روعوا وأفزعوا.

(8) هل أتى والحواميم سور في القرآن الكريم. ويضوع: يفرح عقبه.

(9) المطاعين: جمع مفرده مطعان وهو الكثير الطعن في الحرب. الشوط: الطواف بالكعبة من الحجر الأسود وإليه مرة واحدة.

(161)

 

لبـــــــناء الإســـــــلام ضـــــــرب مواضيعـــــــهم ولله نـــــــــسكـــــــهم والخشـــــــوع(1)

***

وهـــــــنا سكــــةً(2) علـــــــيها رعيـــــــل           لا تســـمى اثمانهـــــــم لـــــــو بـــــــيعوا

اكـــرم القـــــــول أن يـــــــسف إليهـــــــم           فمــــن اللـــــــؤم باللـــــــئام الولـــــــوع

غـــــــير أنـــــــي أقـــــــول للنـــــفر الغر          أمــــــــا آن أن يـعــــــــي المخــــــــدوع

أومـــــــا آن أن يحـــــــرر مـــــــقيـــــــاس ســـــــباه تقـــــــليــــــــده والخـــــــضوع؟!(3)

أيسمى الأــبر من عـــــــاش رجـــــــساً(4)          ويســــمى الـــــــكريم جـــــــذر وضيع؟!

ويسمـــــــى الحـــــــسام عـــــــود طــري           ويـــــــسمى الأشـــــــم أنــــــــف جديع؟!

أيرجـــــــى الهـــــــدى بـــــــدرب أبـــــــي سفـــــــيان والعـــــــاص بــــــئس قول شنيع؟!

أبمـــــــروان أم بيســـــــر بـــــــن أرطـــــــاة تســـــــامى للديـــــــن صـــــــرح مـــــنيع؟َ!

أيـــــــكون المـــــــغيرة الـــــــمثل الأعلـــــــى ومـــــــن في ساقـــــــيه مــــوضـــــــوع؟!

أو عـــــــدل الكـــــــتاب قولهم يــــــقصى           ويـــــــدنى ابـــــــن جـــــندب أو وكيع؟!

إنـــــــها لعـــــــنة الغـــــــباء وروح العـــــــصبــــــــيات والــــــــهوى الــــــــمتبــــــــوع

قـــــــد عـــــــذرت الـــــــخفاش إن آثـــــــر اللـــــــيل فهـــــــذا مزاجـــــــه المــــــــطبوع

بـــــــيد أنـــــــي لا أعـــــــذر الـــــــحر أن يهـــــــطع(5) للأســـــــر رأســـه المرفـــــــوع

***

يــا ربى طـــــــيبة أبالوعي مـــــــن أمســـــــك طـــــــيف حـــــــلو الســـــــمات بـــــــديع

يـــــــوم ضــــــــم النبـــــــي آل علـــــــي           مثـــــــلما ضـــــــمت الفـــــؤاد الضلوع

وأدار الكـــــــسا عــــــليـــــــهم وثغـــــــر          ضـــــــارع بالدعـــــــا وطرف هموع(6)

وأراح السبــــــــطيـــن فــــــــوق جــــــــنـاحيـه وغطــــــــهـما الحـــــــــنـان الوديـــــــــع

_______________
(1) النسك والخشوع: إخلاص النفس لعبادة الله وطاعته.

(2) السكة: الطريق المستوي.

(3) سباه تقليده: أي جعله سبياً أسيراً.

(4) من عاش رجساً: من كانت حياته أعمالاً قبيحة.

(5) يهطع رأسه: يحنيه بذل وانكسار.

(6) طرف هموع: دامع.

(162)

 

رب أولاء أهـــــــل بيتـــــي ورهطـــــــي           وامـــــــتدادي الـــــــذي بــــــه لا أضيع

إنـــــــهم والـــــــكتاب فـــــــي هـــــــذه الأمـــــــة مـــــــن شـــــــرعة الـــــــسما ينــــبوع

***

فـــــــانبذي يـــــــا ربـــــــاع طيـــــــبة لـــــــو تـــــــنبذ مـــــــن يـــــــخفر الذمـام الربوع

معـــــــشراً مـــــــن مـــــــحمدٍ صــــنعتهم          بيـــــــض آلائـــــــه(1) فضــــاع الصنيع

وأضـــــــاعوا الراعـــــــي فـــــــتاه قطيع           وبـــــــدون الـــــــراعي يتـــــــيه القطيع

أجـــــــزاء يـــــــا للـــــــجذور اللئيـــــــما          ت بأوصـــــــال آلـــــه التـــــــوزيـــــــع

فـــــــإذا هـــــــم مشـــــــرد عـــــــن ديار           وديـــــــار خلـــــــت وشـــــــلو صــريع

أرأيـــــــت الـــــــعقوق حـــــــتى قبـــــور          صامتـــــــات مــــا عافها التقطـــــــيع(2)

وتـــــــمادى فأصبـــــــح الحـــــــقد ديـــناً           فـــــــهو شـــــــرع فـــيما رووا مشروع

يـــــــا لوجـــــــد الهـــــــدى قـــــــبور بـــــــني الزهـــــــراء تجـــــــديد عـــــهدها ممنوع

وأســـــــعوها هـــــــدماً وهجـــــــراً ومـــــــا زالـــــــت ويـــــــنبيك بالكـــــــثير البـــــقيع

***

يـــــــا رحـــــــاباً آثـــــــار جــــبريل فيها           وسجـــــــود أطـــــــيافهـــــــا وركــــوع

وخـــــــــشـوع لـمـجــــــــتـبـى ولـسـجـــــــاد وفـقـــــــه للـصـــــــادقيـــــــن بـــــــروع(3)

وصـــــــدى الذكـــــــر والـــــــتلاوة فـــــــي المـــــــحراب مـــــــن عهـــــد فاطم مسموع

وصـــــــبيب(4) مـــــــن رحـــمة الله يهمي          وشـــــــذى الوحــي والجلال المريـــــــع

ستـــــــعيــــــشين والخـــــــلود ويبـــــــقى          لك روض بـــــــوعيـــــــنا مــــــــزروع

وسنـــــــبقى نســـــــتاف(5) تــــــربك طيباً          وتـــــــروي ثـــــــراك مـــــــنا دمــــوع

***

_______________
(1) بيض آلائه: أفضاله.

(2) عافها: تركها.

(3) بروع: كثير البراعة.

(4) صبيب من رحمة الله: ما ينصب من رحمته تعالى.

(5) نستاف: قصد بها نسفه كما يسف الدواء.

(163)

 

السيدة رقية (عليها السلام)

 

في ربـــــــى قاسيـــــــون قبر صـــــــغير           فيه غـــــــــصن من البتول نضـــــــير(1)

تربـــــــة هومـــــــت رقيـــــــــة فيـــــــها           حضن الطهر رملهـــــــا والحفــــــــير(2)

عنـــــــدها مـــــــن محــــــــمدٍ وعلـــــــي          والحـــــــسين الشهــــــيد شيء كثـــــــير

والـــــــسمات الـــــــمطيبــــات تـــــــراث          يتجـــــــلى بـــــــه الـــــــبشير النذيــــــر

يـــــــحمل الـــــعبرة(3) الصريـــــــحة: إن          الحق يبـــــــقى ويـــــــذهب الـــــــتزوير

والـــــــضريح الــــــــذي يـــــــضم نسيجاً          عــــــــلويـــــــاً بالاحـــــــترام جـــــــدير

يطـــــــلب الــورد عاطش الـــــــروح منه           وبـــــــيوت النـــــــبي نبـــــــع نمـــير(4)

***

ويـــــــدرب العـــــــيون صـــــرح تسامى           الـــــــفن فـــــــيه وأبـــدع التعمـــــــير(5)

روضـــــــة تأشـــــب النظـــــــارة(6) فيها           ويجـــــــلي أبـــــــهاءها الـــــــتنويـــــــر

إن أطـــــــلت شــــمس الصباح عليهـــــــا          يتــــبارى بـــــــها الســـــــنا والعبيـــــــر

وصخـــــــور تـــــــماوجــت بالمـــــــرايا           فكـــــــأن الشــعاع فـــــــيها غديـــــــر(7)

ويـــــــخط البـــــــللور والذهـــــــب الإبــ           ريــز(8) مـــــــا عنـــــــه يعجز التصوير

حفـــــــلت بالــــــشموخ مبنـــــــى ومعنى           بالمـــــــزايا جنبـــاً لجـــــــنبٍ تـــــــسير

_______________
(1) نضير: جميل أو حسن ناعم.

(2) الحفير: المكان المحفور.

(3) العبرة: الحكمة والموعظة.

(4) الورد: الارتواء. ونمير: طيب عذب زاكٍ.

(5) يدرب العيون: يلتقيها، تسامى: تعالى.

(6) تأشب: تختلط. والنظارة: عمل الناظر.

(7) غدير: نهر أو جدول ماءٍ.

(8) الإبريز: الخالص.

(164)

 

إيه بنـــــــت الحـسين يومـــــــك يـــــــسر           وأمـــــــام الطـــــــغاة يـــــوم عسيـــــــر

الـــــــمدى فيــــك بالخـــــــلود طـــــــويل           والمـــــــدى عند شانئــــيك(1) قـــــــصير

والرقيم(2) الذي على صـــــرحك الـــــــشا          مـــــــخ فـــــــيه البيــــــان والتفـــــــسير

أن يحيــــــــق الهوان بالآســـــــر البـــــــا          غي ويسمو كمـــــــا يــــشاء الأســـــــير

وتروج القصــــــور والـــــــترف الـــــــفا           جر والوشــــــي لامـــــــعاً والحريـــــــر

والعروش التي علـــــــى البغي قامـــــــت           وجـــــــنـــــــود ومـــنبـــــــر وأمـــــــير

***

أيـــــدانيـــــــك ظالـــــــم بـــــــسريـــــــر           وقـــــــد انحـــــــط للهــــــوان السرير(3)

مـــــــمن اجتـــــــر حـــــــقد بـــــدرٍ وأحدٍ          وتـــــــمادى ســـــــعاره الـــــــشريــر(4)

ولأســـــــنان أمـــــــهم فـــــــي لحـــــــوم           ممن استــــــشهدوا بـــــــأحدٍ صـــــــرير

فــــــذريـــهم إلى الهـــــــوان مصـــــــيراً           وليـــــــدم منـــــــك للــــــخلود مصير(5)

***

يـــــــابنة المتـــــــقيـــــن عاقـــــــبة الأبــ           ــترار عمــــــــا ينالـــــــهم تبـــــــرير(6)

انظـــــــري خربـــــــة أقمــــت بها بالشام          تـــــــرب فـــــــراشـــــــها وحـــــــصير

إنهـــــــا عبـــــــرة علـــــــى شفـــــــة التا          ريخ يشــــتارها السمـــــــيع البصـــــــير

أنـــــــت فيـــــــها رمـــــــز وصرخة حق          عند ســـــــمع الطغـــــــاة مـــــــنها هدير

صاح فيهــــــا صوت المـــــــضير وعدل           في الموازيـــــــن لـــو أفاق الضمـــــــير

سيطال الــــــخراب أروقـــــــة الـــــــظلــ           م ويجـــــــتاح صرحــــــــها التدمـــــــير

_______________
(1) شانئيك: جمع مفرده شانىء: وهو المبغض.

(2) الرقيم: الكلام المكتوب أو المنقوش.

(3) انحط: نزل، الهوان: الذل.

(4) سعاره: قصد بها جنونه.

(5) المصير: المآل في نهاية الأمر.

(6) تبرير: تسويغ.

(165)

 

وســـــــيبـــــدو للـــــــتائهيـــــــن بـــــــأن          الله فـــي فـــــــعل ما يشـــــــاء قـــــــدير

***

أيـــــــها الشـــــــجنة(1) الـــــــتي أذبلتـــها           لـــــــوعة الأســـــــر والــــــفلا والهجير

فهي من زحمة القيود علـــــــى الـــــــصد           ر أنيـــــــن شهـــــــيقهــــــا والزفيـــــــر

طفـــــــلة يكـــــــمن الذهـــول بعـــــــينيها          فـــــــيبدو بــــــدمعهـــــــا التعبـــــــير(2)

حملت قلبهـــــــا الكـــــــسير علــــــى يتـــ          م وقــــلب اليـــــــتيم قلـــــــب كســـــــير

إنهـــــــا بـــــــرعم ومـــــــا اشتد منـــــها           عودها الغـــــــض والفؤاد الغريـــــــر(3)

لـــــــم يــزل مثلـــــــها تـــــــهدهده الدمــ           يـــــة والحـــــــلم والفراش الوثـــــــير(4)

فـــــــإذا بالزمـــــــان يثـــــــقل كتـــــــفيــ           هـــــــا بمـــــــا قــــــــد ينوء منه ثبير(5)

فهـــــــي جـــــــسم يــــدافع السوط بالكف           وعيـــــــن بــــدمعـــــــها تـــــــستجير(6)

***

يـــــــالوجدي وقـــــــد مــررت علـــــــيها          وعلى القبر من أســـــــاها سطـــــــور(7)

فـــــــبدا طيـــــــفها لعـــــــيني نضـــــــواً           من ســــياط حدا بـــــــهن الغـــــــرور(8)

قـــــــد تعـــــــاورنـــــها ودرن عليـــــــها           وهـــــــي مـــــــن وقعــــــها الأليم تدور

وبراها الـــسرى ففي عـــــــودها النـــــــا           حـــــــل وهـــــــن مبــــــرح وضمور(9)

_______________
(1) الشجنة: الحزينة.

(2) يكمن: يتوارى أو يختفي، الذهول: الطائفة من الليل ويقصد الحزن.

(3) الغرير: قليل التجربة.

(4) ثبير: جبل بين مكة ومنى، يرى من منى، وهو على يمين الداخل منها إلى مكة. وينوء منه: يجد صعوبة في حمله لثقله.

(5) تستجير: تطلب الإجازة والحماية.

(7) أساها: حزنها وهمها.

(8) النضو: المهزول الضعيف. وحدا بهن الغرور: قادها وحركها الغرور.

(9) السرى: السير ليلاً. وعودها الناحل: جسمها الضعيف.

(166)

 

تـــــــسأل الأمـــــــهات: أيـــــــن أبـوها؟!           كيف أغضى(1) وهو الشفــــــيق الغيور؟!

كـــــــن يوهمـــــــنها بـــــــأن أبـــــــاهـــا          غائـــــــب حــــــــان عوده(2) والحضور

غـــير أن الغـــــــياب طـــــــال عليـــــــها          والعشـــــــي امتــــــدت بها والـــــــبكور

وألحـــــــت تــــــــريـــــــده ذات يـــــــومٍ           فهو في قــــــــعر ذهنهـــــــا محـــــــفور

فأتـــــــوها بـــــــالرأس وأغفـــــــت كــما           أغـــــــفى عــلى دفء أمه عصـــــــفور

فأتـــــــوها بـــــــالرأس أذبـــــــل خــــديه           هـــــجـــــــير ونـــــــحره منـــــــحور(3)

فهـــــــوت فوقـــــــه وأغــــــفت كـــــــما           أغفى علــى دفء أمـــــــه عصفـــــــور

حضنت رأســـــــه وأسلـــــــمت الـــــــرو          ح وجفـــــــت كمـــــــا تجف الزهـــــور

أيها الزائـــــــرون فـــــــي ود ذي القــــر           بى(4) ســـــعيتم فسعـــــــيكم مشـــــــكور

هـــــــل لمحـــــــتم شمائل الأم(5) في البنــ          ت فللـــــفرع ما روتـــــــه الجـــــــذور؟

مـــــــا هو القـــــــبر، بــــــل شعائر قدس           في محاريبها يـــــــطوف(6) الشـــــــعور

يكتب السعي فـــــــي المـــــــسير إليــــــها          فهـــــــي آثـــــــار فضـــــلها مـــــــأثور

الثموا تربــــــها الطـــــــهور احـــــــتساباً           إن تربـــــــاً ضـــــم الطـــــــهور طهور

وانـــــــظروا كيـــــــف يزدهـي القبر فيها           والتراتيـــــــل والشـــــــذى والنـــــــــور

فلكـــم أوحـــــــشت قـــــــبور بأهليـــــــها           وشعـــــــت بســــــــاكنيـــــــها قـــــــبور

_______________
(1) أغضى: سكت وصبر.

(2) عوده: رجوعه.

(3) الهجير: الحر الشديد.

(4) في ود ذي القربى: حباً لهم.

(5) شمائل الأم: صفاتها وأخلاقها.

(6) يطوف: يسري ويجول.

(167)

 من وحي شهداء عذراء

نظمت بعد زيارة لضريحهم سنة 1983م

لا ينطـــــــق الثغر أو يســـــــترسل القلــم           إذا تكـــــــلم فـــــــي دنـــــــيا الفــداء دم

مـــــــا بـــــــعد أن تـــقطع الأوداج ملحمة          أقـــــــوى يـــــــغرد فـــــيها الفكر والقلم

بديـــــــهة أن دنـــــــيا الـــــــمجد الــــوية           وخـــــــير مـــــــا رف فـــــيها للدما علم

وخـــــــير ما أنـــــــق الدنــــيا وقد كلحت           بــــها الخطوب ورصت فوقها الغمـــــــم

عـــــــزيمة مــــــــن شمــــــوخ الحق تنـــ          ــهد للبـــاغي(1) فيطرد فيها الظلم والظلم

***

عـــــــذراء هــــذي اللحود الهاجعات على          مشـــــــارف الــشام تثوي تحتها الرمم(2)

صحـــــــائف تـــــــكتب التـأريخ في جسدٍ           مـــــن لحمه البيض والمران تلـــــــتهم(3)

قـــــــد أورثـــــــت شــــلوه مجداً وأورثها           عــــاراً ويدرك ســـــــر الفرق من فهموا

أشـــــــلاء تصــــعد فخراً والسيوف هوت           خساسة وكـــــــذاك الســـــــفح والقـــــمم

والـــــــحق يصـمد في أشلاء من صرعوا           عــــــــن مبدإٍ وسيوف البغي تنحـــــــطم

***

تـــــــضوع الـــــــتراب أوداجـــــاً وغاليةً           فمـــــــرج عــــذراء فـــــــي هذين ينقسم

عـــــــرفت سحــنة(4) رهطي في ملامحهم          مـــــن ابن صيفـــــــي والرهط الذين هم

تمـــــــلملت فـــــــسألت اللــــــحد: أهي به          أجسادهم أم هــــــي الصمصامة الخذم(5)

_______________
(1) تنهد للباغي: تتصدى له.

(2) اللحود: جمع مفرده لحد، وهو القبر. والرمم: جمع مفرده رمة، أي: العظام البالية.

(3) البيض: السيوف. والمران: الرماح الصلبة اللدنة مفردها مرانة.

(4) السحنة: الهيئة واللون أو لين البشرة.

(5) الصمصامة: السيف القاطع الذي لا ينثني في ضربته. والخذم: القاطع.

(168)

 

أم غـــــــرد الـــــــدم مـــــــزهواً بــموقفه           وللدمـــــــا فـــــــي مـــــــيادين الفداء فم

والـــــــدم يبـــــــكي إذا زجـــــوا به هدراً           وإن أراقـــــوه في الأهداف يبتســـــــم(1)

***

يـــــــا أيـــــــها الرهط يا سنـــخاً يجل بأن          يكـــــــون مــــما بناه اللحـــــــم والوضم

فـــــــإن كـــــــل كيـــــــان داف تــربته(2)           أبو تـــــــراب فــــــفي أمشاجه القيـــــــم

مـــــــا شـــــــاء مجد وما شاد الفخار ومـا          يبــــــني الضمير وما في ذاك ينتظـــــــم

ومـــــــا الـــتراب على هذي اللحود سوى           خمائـــــــل بالجـــــــني الغـــــــض تتسم

وقـــــــفت أرفعـــــــه قـــــــدراً وأقــــرؤه           مجـــــــداً وأخشـــــع إجلالاً وأحـــــــترم

وقـــــــد ســـــــمعت رنــــيناً للصمود وما           مـــــــثل المــــواقف في إيقاعها نـــــــغم

***

عـــــــذراء أولاء فـــــــرط(3) من أوائلــنا           بأول الدرب للساري بـــــــه رســـــــموا

ســـــــاروا ومــا كان غير الجمر موطئهـم          فكابـــــــدوه وما زلــت لهـــــــم قـــــــدم

واتـــــــرعوه مفـــــــاداةً وتضـــــــحيـــــة          وقـــــــمة بالنــــــفوس البذل والكـــــــرم

تـــــــرنح(4) الـــــسيف مشدوهاً غداة رأى          تلـــــــك النـــحور على حديه تزدحـــــــم

تصـــــــارعاً فــــــالتقى النحر الشجاع مع          السيف الجبان وما غـــير النـــــــهى حكم

وكـــــــان مـــــا اصطرعا فيه وما احتربا           أن يعـــــــبد الله أو أن يعــــبد الصنـــــــم

***

عـــــــذراء راودنـــــــــي زعم برملك عن          رمـــــل الغري فلم أذعن لما زعـــــــموا

فـــــــقد تـــــــكرمني أرض وأكرمهــــــــا           لـــكن وادي الحمى عنـــــــدي هو الحرم

_______________
(1) هدراً: ضياعاً بلا فائدة أو هدف شريف. وأراقوه: صبوه وسكبوه.

(2) داف التربة: خالطها والأمشاج جمع مشيج، وهو كل شيئين أو لونين اختلطا.

(3) فرط: قصد بها جماعة.

(4) ترنح: تمايل.

(169)

 

أرض النـــــــجوم ومـــــــا بـالأفق منتجع           أغــــنى نجوماً ولا زهر ولا ســـــــدم(1)

ومـــــــهد فكـــــــر وإبـــــــداع وملـــحمة           بهـــــــا الـــبطولات بالأخـــــــلاق تلتحم

وادي الغـــــــري ومــــــأوى روح حيدرةٍ           وجـــــــنةٌ حـــــــولها الأرواح تـــــــلتئـم

مـــــــازلت أســـــــرح أفكــــــاري بشعلته          وأبـــــــتدي فــــيه أوردي وأختتـــــــم(2)

عـــــــذراء كنا نـــــــسمي الأمس مـجزرة          بها النفوس لحفظ المـــلك تصـــــــطلم(3)

وجـــــــاهلية اقـــــــوام بـــــــما حـــــملت           قريبــــة العهد لم يذهب بهـــــــا قـــــــدم

أيـــــــام كـــــــنا بـــــــهم شيـئاً يهاب وفي           أبعـــــــادنا حين يحدونا الـــــــفدا زخم(4)

والـــــــيوم لا شـــــــيء يخــشى عندنا فلم           الحـــــــقد اللئــيم لمحـــــــض البغي ينتقم

يرضيـــــــكم أن رداً حســـــــين نجـزر لا          يزيـــــــد عن حوقــــلات كلهـــــــا ألم(5)

حتـــــــى اســـــــتحى أمــــسنا منا وأنكرنا          جـــــــذر نمانا وباخت عندنا حمـــــــم(6)

فـــــــلا تلم إن رحمــــــنا الأمس عن غدنا          الموت أســـــــهل من أوصابــــه السقم(7)

***

يـــــــا حجـــــــر مرـن قاتلونا لا بأذرعهم           لكـــــــن بــــما ملكوا منا وما حكـــــــموا

أجـــــــل فــــــهم دون سيف الحكم نعرفهم          هـــــياكل الجبن غطت منهم الهـــــــدم(8)

_______________
(1) السدم: الضباب الرقيق.

(2) اسرج أفكاري بشعلته: استمد من فكره. والأورد: جمع مفرده ورد: وهو النصيب من القرآن الكريم أو الذكر يقرؤه المسلم.

(3) تصطلم: تستأصل.

(4) الزخم هنا: بمعنى الضحور القوي المؤثر.

(5) نجزر: ننحر كالشياه والإبل. والحوقلات: جمع مفرده حوقلة، وهي تركيب مزجي أصله: لا حول ولا قوة إلا بالله، يستخدم للتأسف على أمر حصل، دون إبداء أي رد فعل عملي على ما حصل.

(6) باخت الحممم: خمدت.

(7) رحمنا بالأمس من غدنا: أشفقنا على أمسنا من اتصاله بغدنا. والأوصاب: جمع مفرده وصب وهو المرض والوجع. والسقم: امتداد مدة المرض.

(8) الهدم: جمع مفرده هدم: أي: الثياب البالية. وغطت منهم: المقصود بها: غطتهم.

(170)

 

مـــــــمن إذا واجهـــــــونا يــــــوم معتركٍ           عـــــــاذوا بـــــــسوءتهم منـا أو انهزموا

ومـــــــن لقـــــــوا إذ ملـــــكنا كل رحمتنا           لكنــــــهم حين نالوا الحكم ما رحمـــــــوا

أمـــــــا لأولاء وعـــــــي كــــــي يذكرهم           أن الحيـاة صـــــــروف مالهـــــــا ذمم(1)

وأنـــــــهم سيـــــــعضوا الكــــــف من ندم          لكنـــــــه يـــــــوم قد لا ينـــــــفع الندم(2)

***

يـــــــا حـــــــجر يا لمحــــات من علي إذا          استجـــليتها لوح الإقـــــــدام والشـــــــمم

هـــــــي الـــــــمحاريب والظــــلماء داجية          وهي الحراب وســاح الـــــــحرب تحتدم

وهـــــــي الـــــــتي شـرع القرآن من خلق          وهــي التي استنت الأخلاق والـــــــعصم

مـــــــا غــاب طيفك عن عيني وأنت على           الهمــــــام شبـــــــلك قلـــــــب كله ضرم

قـــــــدمته للـــــــفدا حـــــــتى تـموت على          اليـــــقين أن الفتى بالعـــــــهد ملـــــــتزم

لا يوحشـــــــنك والـــــــرهط الشـهيد ثرى          بغـــــــربةٍ ومـــــــناخٌ حولكم فـــــــدم(3)

فـــــــإنكم نســـــــمات فـــــــي تـراب أبي           تـــــــراب تنـفح من نـــــــبل وتنتـــــــسم

أنـــــــتم بـــــــحضن علي في جـــــراحكم           وإن تـــــــكن حضــنتكم هـــــــذه الأكم(4)

إنـــــــي أبـــــــل ثراكـــــــم بالدمـوع ولو           قـــــــدرت بلـتكم من روحي الديـــــــم(5)

***

يـــــــا دربنـــــــا يا دمـــــــاءً لا حدود لها           ويــــا حقوقاً مدى التاريخ تهتـــــــضم(6)

_______________
(1) صروف الحياة: نوائبها وحدثانها. جمع مفرده: صرف. والذمم: جمع مفرده ذمة وهي: العهد والأمان والكفالة والحق والحرمة.

(2) سيعضوا: خطأ نحوي وقع به الشاعر، وكان عليه أن يقول: يسعضون. وفي الديوان: أخطاء من هذا النوع ألجأه إليها النظم الوزني يجب الانتباه إليها.

(3) فدم: أحمق.

(4) الأكم: الروابي والتلال.

(5) الديم: جمع مفرده ديمة وهي المطر الذي يدوم في سكون لا رعد فيه ولا برق.

(6) تهتضم: تنتقص وتغتصب.

(171)

 

قل كيفما شــــئت فالأقـــــدام روضهـــــــا           طول الســــرى فهي لا شكوى ولا برم(1)

والحــــرب هــــي سجـــال فـــــي خلائقها          يــــــــدور مخترِم فـــــــــــيها ومخترَم(2)

لابــــد أن تنتهــــي الجـــــلى ويكشف عن           صبح خلوب ويجلى الفاحــــــم الــــعتم(3)

إنـــــــي لألـــــمح زغــــباً تستطــــيل بها           قوادم لـــــــــعريش النجــــــم تقتحـــــم(4)

بقية السيف والإعصــــار يعصـــــــف في           صدورها وسـتـسـتـضـري بـهـا الهمــم(5)

يا أيها الجدب وعــــد ليــــــس يخلــــــــفه           ميــــن تـــرقـــب سيأتي سيلنا العــــرم(6)

***

 

_______________
(1) السرى: السير ليلاً. والبرم: السأم والضجر.

(2) الحرب السجال: التي يكون النصر فيها متداولاً بين الفريقين المتحاربين. والمخترِم المستأصل غيره، والمخترَم: المستأصل. يقال: اخترمت المنية فلاناً، أي: أخذته، فهو مُختَرَم.

(3) الجلى: الأمر الشديد والخطب العظيم. وخلوب: أخاذ ورائع. ويجلى الفاحم العتم: كناية عن زوال المحنة.

(4) الزغب: جمع مفرده أزغب، وهو الطير الصغير ذو الشعر والريش الصغير. والقوادم: جمع مفرده قادمة وهي إحدى ريشات عشر كبار في مقدم جناح الطائر.

(5) تستضري بها الهمم: تشتد عزائمها.

(6) الجدب: المحل وانقطاع المطر ويبس الأرض. والمين: الكذب. والسيل العرم: الذي لا يطاق دفعه.

(172)

 

القسم الاجتماعي

 

1- وافد مصر                          16- إلى رائدين

2- بغداد جف الربيع الطلق                   17- خطرات في العيد

3- مع الفرات                          18- من أطياف العيد

4- رثاء ضرس                        19- الخوف من المجهول

5- لغة السياط                          20- طرد المرارة

6- خواطر في الليل                           21- رسالة إلى سجين

7- دمشق                               22- مأساة لبنان

8- خداع                                23- رسالة للأمس

9- عيد الأم                             24- نبي السلام

10- نماذج من الرباعيات                    25- مصرع كباية أوكلاس

11- سوانح                            26- أيها الأسعد

12- سماسرة الحرب                  27- جنون البقر

13- احتفال الورد                      28- تحية وفد اتحاد الجامعات

14- محاورة مع النيل                 29- أطياف الوطن

15- إلى جمعية منتدى النشر         30- عمان

 

(173)

 

(174)

 

       القيت في الحفل الذي أقامه منتدى الشعر في النجف الأشرف للترحيب بالمؤرخ عبد الفتاح عبد المقصود من قبل رئيس الجمعية الشيخ أحمد الوائلي 1977م.

طلـــــــعت فــــلاح الفكر والمقول(1) الحر          ولـــــــحت فهــلت في مفاتنها مصـــــــر

ومصر كـــفاءات وحشـــــــد مـــــــواهب           بكل مجـــــــال رائـــــع عندها جــــــــذر

ومـــــــصر مـن الفصحى لسان معـــــــبر          ومن غرر الأفكار منبـــــــعثهــا الـــــــثر

ومـــــــهد حـــــــضارات تصـــدى قديمها           إلى حدثـــــــان الدهر(2) فانـــــهزم الدهر

ونضـــــــرها الإســـــــلام فــــــهي لوامع           تمـــــوج في أبعادها النور والنـــــــور(3)

فـــــــأهلاً بـــــــرمز الــضاد فكراً ومقولاً           ومفخـــــــرة الـــــــتاريخ إذ يــذكر الفخر

***

أوافد مصـــــــرٍ(4) للـــــــعراق تحــــــــية           لمصـــــــرٍ ومقصــــــود يـــكرمه القطر

ومـــــــصر وأرض الـــــــرافدين تــــوائم           ومـــــــا تـــــــوءم إلا لتوءمه شـــــــطر

يـــــــشدهما عمـــــــق الحـــــضارة موئلاً           وينمـــــيهما للمجد من يعرب نـــــــجر(5)

ومـــــــن فـــــــوق هذا شـرعة الله وحدت           مســـارهما فاستلحم الشفع والوتـــــــر(6)

وضمـــــــهما درب الكفـــــــاح فـــــأوغلا           إلـــى أن تولى البغي وانتزع النصـــــــر

ومـــــــا كان يرجـــــــى غـــــير ذلك بيننا          فإن عظـــــام الصدر يمسكها الظهـــــــر

كـــــــذا أرضـــــــعتنا الأمهـــــــات أخـوةً          لننزع عن قوسٍ إذا احترب الأمـــــــر(7)

_______________
(1) المقول: اللسان.

(2) حدثان الدهر: حوادثه ونوبه وأحداثه.

(3) النور: الزهر.

(4) وافد مصر: القادم منها أو المرسل منها.

(5) الموئل: الملجأ والمنجى، والنجر أو النجار: الأصل والحسب.

(6) الشفع: الزوج والوتر الفرد.

(7) للنزع عن قوس: أي لنكون متفقين. واحترب الأمر: اشتد.

(175)

أفتـــــــاح هذا مربـــــــع فـــــي ترابـــــــه          لـــــــحيدرة جـــــــسم وفـــــــي أفقه فكر

ثلاث وعشـــــــر من قرون تصرمـــــــت           ومـــــــا زال مــنه فوق هذا الثرى عطر

وأزمــة مرت بكـــــــل صـــــــروفهـــــــا           يشد بهـــــــا زيد ويدفعـــــــها عمـــــــرو

تمر عـــــــليه وهـــــــي ســـــــوداء غيمة           فيمشي إليهـــــــا وهـــــــو منــبلج بدر(1)

ومـــــــن خلــــــــق الشطآن أن صخورها           جلامد(2) مهما استفحل الـمد والجـــــــزر

يعـــــــربد بـــحر ثم ينحـــــــل مـــــــوجه           ويبقى برغم الموج ينتصـــــــب الصـخر

وعـــــــى الدهــــر أنغـــــــاماً فأبعد ناشزاً          وعاشت على أسماعه النغمة البــــــكر(3)

تمـــــــر الـــسما في كل يـــــــوم نيازك(4)          فتفنى وتبقى الشــمس إشعاعها غمـــــــر

أجـــــــل تـــــــلم عقبـــــــى المتقين خوالد          من الذكر لا تفنى ولا ينـــتهي الذكـــــــر

أيا موسع التاريـــــــخ نـــــــقداً وخــــــبرةً          ومبتدعاً في نهـجه لـــــــيس يجـــــــتر(5)

تجـــــــلى له التاريخ بحــــراً فخاضـــــــه           وغاص إلى الأعمـــــــاق فـانكشف القعر

وأبـــــــصر أشـــــــتاتاً تغـــاير نعتـــــــها           وراعته أغوار ومـــــنعطف وعـــــــر(6)

وشـــــــاهد زيـفـــــــاً يستطيل وواقعـــــــاً           يذاد ومقــــياساً إلى الخلـــــــط ينـــــــجر

وأخـــــــبار يـرويها الهوى وصحـــــــائفاً           تحكم فيها الحـــــــب والــبغض والتبر(7)

ومرت به الأقـــــــلام منـــــــهن قـــــــانع           بفضل فتـات الظـــــــالمين ومعـــــــتر(8)

_______________
(1) منبلج: مشرق منبسط الأسارير كالبدر.

(2) جلامد: جمع مفرده جلمود أو جلمد وهو الصخر أو القاسي كالصخر.

(3) الناشز: الشاذ عن القاعدة، والنغمة البكر: الصافية التي لم تشبها شائبة.

(4) تمر السما: أي تجتاز الفضاء. والنيازك: جمع مفرده نيزك، وهو الجرم السماوي الشارد في الفضاء الذي يعبر جو الكرة الأرضية بسرعة، والذي مكن أن يسقط في ترابها.

(5) ليس يجتر: لايعيد ولا يكرر الأشياء أو الأمور.

(6) الأشتات: الأمور أو الأشياء المتفرقة. والأغوار: جمع غور والمقصود بها المهاوي، والمنعطف الوعر: رمز المسار المحفوف بالمخاطر. وهو هنا رمز للتهافت على الحياة المادية والدنيا.

(7) التبر: الذهب، وهو هنا رمز للتهافت على الحياة المادية والدنيا.

(8) المعتر: الغليظ.

(176)

 

فمـــــــيز لـــــــم تـــــغرره لامعة الحصى          ولم يختفي عـــــــن لـمح ناظره الـــــــدر

فـــكان له السفر الكريم بـــــــما حـــــــوى          ورب كـــــــتاب لا كــــريم ولا سفـــــــر

وأقـــــــلام هـــــــذي الناس كالناس نفسها           ففي بعضها رجس(1) وفي بعــضها طهر

***

أفـــــــتاح هذا الكون يفنى بـــــــما بـــــــه           وكل الذي يحويه مـــــــنقطع نـــــــزر(2)

وإنــــــك باقٍ فـــــــي عـــــــلي مـــــــخلد           لأن عـــــــلياً لا يحـــــــد لــــه عمـــــــر

وقد ينـــــــتقى عقـــــــد لنـــــــحر مــؤمل           ويحسن قبل العقد أن ينتـــــــقى الـنحر(3)

ويــــــرضي بغاث الطير صيد مـــــــؤمل           ويرفض هذا في تخــــــايله النـــــــسر(4)

ليهنك هـــــــذا الإختيـــــــار فـــــــإن مـــا           تيممت خصب كل جنـــــــاته خـــــــضر

مجـــــــال نبـــــــوات ومعـــــــدن حــكمة           وصرح بطولات ومرتبـــــــع نـــــــضر

أخــــــو الذكر والمحراب إن جن ليلـــــــه           وصنو القنا والسيف إن طلـــــــع الفــجر

وفارس مضـــــــمار البـــــــيان بـــــنهجه           تلاقى البيان الجزل والفكر والــــــــغر(5)

تـــــــزود مــنه كل عصر كما اشتـــــــهى          وما زال للدنيا بـــــــمزوده ذخـــــــــر(6)

ســتلقاه حياً فـــــــي الـــــــروائع كـــــــلها          وفي كل سفر من روائـــــــعه ســـــــطر

فإن قيـــــــل هـــــــذا قبره قلت: اربعوا(7)           أهذا الكيان الضخـــــــم يجـــــــمعه قــبر

ولـــــــكنه بـــــــاب إلـــــــى معطياتـــــــه          يمد غنـــــــاه مــــن بـــــــساحته فـــــــقر

***

_______________
(1) رجس: قذارة.

(2) نزر: قليل.

(3) النحر: أعلى الصدر.

(4) البغاث: طائر بطيء الطيران لا يصلح لاستخدامه في صيد غيره من الطيور ولا يرغب في صيده لأنه لايؤكل. وتخايل النسر: تكبره وإعجابه بنفسه.

(5) إشارة إلى «نهج البلاغة» رائعة الإمام علي (ع) الخالدة.

(6) المزود: وعاء الزاد.

(7) اربعوا: قفوا أو انتظروا.

(177)

 

بغداد

 

بغـــــــداد جـــــــف الربيع الطلق واحترقا           وصـــــوح(1) الروض لا زهراً ولا عبقاً

كل اخضلال العصـــــــور الخـضر حوله           يبساً هجـــــــير لئـــــــيم الـــــــهب الأفقا

وعـــادات الشمس عمياً والصباح بـــــــها           خابٍ ولمــــــــع السنا لا يبهر الحدقـــــــا

الروض مـــــــا فـــــــيه لا نجـم ولا شجر          والغيث أخـــــــلف لا طــــلاً ولا ودقا(2)

عـــــــاد الخمـيل إلى غاب وصار بـــــــه           من الذئـــــــاب عـــــــوى يبعث الفرقا(3)

وقد نخال بأن الـــــــخصب فـــــــي شـجرٍ          وروضــــةٍ وخـــــــميل رف وائـــــــتلقا

أعـــــــيذ فهـــمك أن الخصب موطنـــــــه           في الردح أن جاز حد الأسر وانطـــلقا(4)

أما النفوس اللـــــــواتي الـــــــذل يطـعمها           خبزاً ويخـــــــطبها ســـــــوط إذا انطــلقا

فـــــــأين مـنها ربيع وهي في سقـــــــر(5)           ما في جهــــــنم روض رف أو بســـــــقا

***

بغداد يا بنـــــــت كـــــــل الـــــرافدين بما           جادا وما أنـــــــقا منـــــــها وما خلــــــقا

بشـــــــي لأترابك الأخبار واروي لهـــــــا          ما نال معناك من جــــــور وما لحقـــــــا

قولي لهـــــــم كيـــف عدت اسماً وليس له           معنى ومجدك كيف اغتــــــيل أو محقا(6)

لا عــــندليب على غصـــــــنٍ وسرب قطاً          يطارح الأفق حتى يطرب الشـــــــفقـــــا

ولا مـــــــواويـــل فـــــــلاح يرنـــــــدحها          ناي له يسكر الـــــــــشاطي إذا شهـــــــقا

وزورق يجـــــــمع الدنـــــــيا عــلى صغر          وعاشق في حنـــاياه ومـــــــن عشـــــــقا

همـــــــس النجوم وسحر الليل والحـــــــلم           المعسول والحـــــــب والنـجوى وما لحقا

راحت وران علـــــــى الأفق اللعوب أسى           إذا انجلى طبق ألقـــــــى لنـــــــا طبـــــقا

_______________
(1) صوح الروض: يبس حتى تشقق.

(2) الطل: المطر الخفيف. والودق: المطر عموماً.

(3) العوى: العواء. والغرق: الخوف والفزع.

(4) الردح: الإقامة. وجاز: تجاوز.

(5) سقر: اسم من أسماء النار أو جهنم.

(6) محق: محي واستؤصل.

(178)

 

يا بنت إســـــــحق(1) فيم العود والنـــــــغم           الرنـــــــان ذاب عـــلى الأوتار واختنقا؟َ!

***

بغـــــــداد أيـــــن طيوف الأمس مترعة(2)           مجداً وتيه فتـــــــوحاتٍ ومـــــــا نـــــسقا

والـــــــسابحات عليها كـــــــل مـــــــدرعٍ           تعدو فتســـــــبق عيـــــــنيه إذا استــــــبقا

أبقت على النجم وسمـــــــاً مـــن حوافرها           يحدث الدهـــــــر عن أخـــــــبار ما سبقا

ولـــــــف فـــــــارسها كلــــتا يديه لهـــــــا          قـــــلادةً وأحاط الـــــــعرف واعتـــــــنقا

ما استاف كالنقع(3) عطراً فـــــــي ملامحه          وليـــــــس يرضيـــــــه إلا مـــنه ما نشقا

مهـــــــند مـــــــن سيــــوف الله عرفـــــــه          تجنب البـــــــغي فيما حز(4) واختــــــرقا

ما نال طفلاً ولا أزجى الـــــــسنان إلـــــى          قاروة أو أطاع الحـــــــقد والحنـــــــقا(5)

زكـــــــاه ألـــــــف خمــــــيسٍ من ملاحمه          بأنه ما اشتكى خوفـــــــاً ولا رهــــــقا(6)

***

بـــــــغداد أيـــــــن ســرايانا يرف لهـــــــا           نجم ويعشب إذ تـــــجتاز رمل نـــــــقا(7)

الـــــــعزم والــــفكر قادا من جحـــــــافلها           معاً فما ابـــتعدا يومـــــــاً ولا افتـــــــرقا

في السلم والــــــحرب عدل من ضوابطها           ليس الجـــــــبان وليس الطائش الخرقا(8)

والـــــسيف من غير أحـــــــلام تـــــــسدده          أظفار وحش بما أدمـــــــى ومــــــا مزقا

ما كل مـــــــن شـال صمصاماً قريع وغى          ولا الفتى كـــل فرد يلـــــــبس الحـــــــلقا

إنـــــــــا طلعنا على الدنـــــــيا بـــــــأربعة          عزم وحزم وســـــــامي عـــــــفة وتــقى

***

_______________
(1) اسحق: هو إسحق الموصلي. المطرب المشهور عبر التاريخ العربي.

(2) مترعة: ممتلئة.

(3) النقع: الغبار الذي يثور في أثناء المعركة.

(4) حز السيف الرقاب: قطعها.

(5) أزجى السنان إلى قارورة: طعن به امرأة. والحنق: شدة الغيظ.

(6) الخميس: الجيش الكثيف. والملاحم جمع ملحمة وهي المعركة التحم بها جيشان بعنف. والرهق: التعب الشديد أو حمل الإنسان ما لا يطيقه.

(7) النقا: الكثيب الرملي.

(8) الخرق: الأحمق أو الكاذب.

(179)

 

بغداد أيـــــــن كـــــــنوز الــــــفكر تمنحها          للفكــــــر نـــــــهجاً وللإبداع منـــــــطلقاً

أيـــــــام نسرج في الدنيا الشموس فـــــــما          تنث غيـر ســـــــمانا النور والألقـــــــا(1)

كل الشـــــــموس بصـــــــيص من كواكبنا          وكل رفـــــــدٍ علـــــــى أبـــوابنا طرقا(2)

بـــــــدار ســــابور كنز من حضـــــــارتنا          وبيت حكمتـــــنا مفـــــــتاح ما انغلـــــــقا

وألف وجه وصـــــــوت عــــــــم فيضهما           على المدى كل من أصغى ومــــــن رمقا

***

بـــــــغداد ســـــــاسك حكـــــــام وغــاشية           من ســــــف في حكمه منهم ومن سمقا(3)

مـــــــمن أرادك للأفكـــــــار منـــــــتجعــاً          ومن أرادك يـــــــا بغـــــــداد مــــــرتزقا

ومـــــــن جـــــــلالك عـــــروساً يستبد بها          ومن نضاك الحسام العضب وامتشقـــا(4)

لكـــــــن شـــــــرهم مـــــــن جاء ينشد في          معناك جارية تـــــــثري به الشــــــــبقا(5)

لا يبـــــــتغي مــــنك إلا حجر عاهـــــــرة          تعطي الروادف والأعكـان مرتفـــــــقا(6)

حتـــى إذا ما ارتوت مـــــــنه غـــــــرائزه          سواك عبداً مهيناً يحـــــــسن الــــــملقا(7)

وراح يخـــــــترع الأمـــــــجاد يــــــغدقها           عليك فيما روى مـــــــنها وما اختلـــــــقا

وحـــــــوله نـــــــفر مســـــــخ تــــــصيده           من كل ساقطـــــة جــــــذراً ومعتنـــــــقا

يأبـــــــون أن يتحــــسى الماء غيرهـــــــم          ويحقدون إذا هـــــــذا الــــــــهوى انتشقا

_______________
(1) تنث: تنشر أو ترشح.

(2) البصيص: اللمعان والبريق. والرفد: العطاء والصلة أو طلبهما.

(3) الغاشية: الداهية تغشى. وسف في حكمه: تدنى وأساء. وسمق: ارتقى وارتفع.

(4) الحسام العضب: القاطع. وامتشق الحسام: استله ليقاتل به.

(5) ينشد: يطلب. والشبق اشتداد الشهوة للأنثى.

(6) الحجر: بكسر الحاء: الحضن. والروداف: جمع مفرده رادفة: وهي العجيزة اي المؤخرة. والأعكان والعكن: مفردها عكنة، وهي ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمناً. والمرتفق: ما ينتفع به.

(7) الغرائز: جمع مفرده غريزة، وهي: الطبيعة أو السجية، أو الدافع الحيوي الأصلي الموجه لنشاط الفرد، والعامل على حفظ بقائه، والمؤدي إلى إقباله على الملائم وإحجامه عن المنافي. والملق: التودد والتلطف للآخر بما ليس في القلب.

(180)

 

بـــــــغداد تـــــاريخك الماضي يـــــــحدثنا          بأن خـــــــــدك جبـــــــار وإن سحـــــــقا

وأنك الصل(1) يخـــــــشى الـوثب مـــــــنه           أراح فوق التــــــراب الخد والتصـــــــقا

ثـــــــوري لغنتٍ فماذا بعــد مغتصـــــــبٍ           أتاك يـــــــهدر فيك البضع والعنقـــــــا(2)

فأنت ظـــــــهر جواد يمتطـــى لوغـــــــى           لا ظهر برذون(3) يرضى من عليـــه رقا

واســتهدفي زيـــــــف أوراقٍ يـــــــزورها          من خلفها فتظـــــــني الكـــــذب قد صدقا

اكـــــبرت وعيك(4) عـــــــن زيف يخادعه          حتى ولـــو كان زيـــــــفاً بارعاً لبقـــــــا

ألم تكـــــــوني مـــــــهاداً للشــــــموس فما          أغرى بــك الليل حـــــــتى أحكم الغسقا؟!

***

بغـــــــداد كـــــــانت همـــوم الناس أمسية           نشوى تخـــــــايل أسمـــــــاراً ومغتبقا(5)

أبـــــــو نواس بـــــــها لـحن يهدهدهـــــــا           ومن دنانير صوتٌ يـــــــسكر الأفقــــــــا

فـــــــي حـــــــيث دجلــة أنغام موقعـــــــة           يترجم الموج أحـــــلاها إذا اصطـــــــفقا

وبـــــــالشواطــــــئ شرب لا يروقهـــــــم           أن ينقضي بقاياً ليلهـــــــم والـزق ما نفقا

وعند إسحاق صـــــــوت لم يـــــــمر بـــه           وبالكؤوس بــــــــقاياً لم تزل مذقـــــــا(6)

تكـــــــشف الصبـــــــح عــنهم بين مرتفقٍ           زنداً وآخـــــــر لم الطـــــين وارتـــــــفقا

وآخـــــــر فـــــــيه بقــــيا للشعور بهـــــــا          يـــــــدندن اللحن فـــــــي فيــــه كما اتفقا

هـــــــذي هـــــــمومهم ســكرى مدللـــــــة          ما قاست الوجـــد حتى تـــــــعرف الأرقا

***

والـــــيوم عادت هموم الناس يحـــــــكمها           ما غير الشــــكل والأهداف والطـــــــرقا

أن تـــــستـــــــرد شـــــــعوب آدميـــــــتها          وأن يرد لها ما ابتـــــــز أو ســـــــرقــــا

ولا يؤلـــــــه حكـــــــم فـــــــاجر عبـــثت           يداه بالشعب حـــــــتى بالدمـــا غرقـــــــا

_______________
(1) الصل: الحية.

(2) العنت: المكابرة والعناد والخطأ والفجور والوقوع في الأمر الشاق. وقد سكن الشاعر النون هنا للضرورة الشعرية. والبضع: القطع.

(3) البرذون: ما كان غير أصيل من الخيل والبغال.

(4) أكبرت وعيك عن زيف: أرى أنه أعظم قدراً من أن يخدعه الزيف.

(5) المغتبق: شرب الغبوق أي عند العشي.

(6) المذق: المخلوط بالماء، كاللبن وغيره.

(181)

 

الخـــــــائفون بـــــــه الأطهــــار من دنسٍ           والآمنــــــون به من خان أو مرقـــــــا(1)

وتســـــــتعيد مـــــــقاييـــــس أصالتـــــــها          فال يـــــــعادل غـــــــريد بمــن نهـــــــقا

ويحـــــــصد الــــــحقل فلاح أذاب بـــــــه           عظامه وســـــقاه الكـــــــدح والعرقـــــــا

ويعرف المدفع الرشـــــــاش مـــــــوقــعه           من العدا لا بصـــــــدر النــــاس لو رشقا

***

يـا من أدار شؤون الناس في شطـــــــط(2)           من المـــــــقاييس لا عدلاً ولا خـــــــلقــا

ومـــــــن رمتـــــــنا بـــــه الأيام إذ هزلت           والأرض إذ أجدبت والدهر إذ بـــــــصقا

مـــــــا عـــندكم موضع للشتم نـــــــشتمكم           منه فأنتـــم مـــــــسوح يا بني الطلـــــــقا

***

بغداد يسألنـــــــي للشـــــــعب ألـــــــف فمٍ           عن ساسة بـــــــهم فيـــــــما مضــى وثقا

سقـــــــوه عــلا ونهلاً(3) من وعودهـــــــم          وأنفقـــــــوا وقـــــــته فــــــــي فرقةٍ ولقا

وحــــــــولوه ذلولاً مـــــــن رواحـــــــلهم           حتـــــــى على كـــــــل ما شاؤوا له مشقا

فكان حظـــــــهم مـــــــا اشـــتار من عسل          وحـــــــظه من جـــــــنى أتعـــــابه الدبقا

يـــــــا ســـــاسة الزيف بر شعبكم بكـــــــم          فلا تكـــــــونوا وقـــــــد عض البلا عققا

الحبل دار وأنـــــــتم فـــــــي متـــارفكم(4)           تربصـــــــون لتبـــــــكـــوه إذا شنـــــــقا

وتجـــــــعلوه تـــــــراثاً تأكلـــــــون بـــــه           ومـــــــنبراً ولـــــــساناً عــارماً ذلقـــــــا

ألـــــــستم أولـــــــياء الـــــــدم علمـــــــكم           قميـــــــص عثمــــان أن تستثمروا الحمقا

يـــــــا قـــــــاعدين بشعـــــــب ثــــــم أنهم          علـــــــى القـــعود أرادوا الأجر والطسقا

أيـــــــن الخـــــــواجات من أمس ومنتخب          مـــــــن الطـــــــلائع والثــــــوار والرفقا

تحــــــلقوا يرقبون الـــــــغيب ينـــــــجدهم          أو بـــــــارق حــــــسبوه مر أو برقـــــــا

***

_______________
(1) مرق: المارق من الدين وغيره: الخارج منه.

(2) الشطط: تجاوز الحدود.

(3) العل: السقي مرة ثانية والنهل: الشرب الأول.

(4) المتارف: جمع مفرده مترف، أي أماكن ترفكم ورفاهيتكم وتنعمكم.

(182)

 

مع الفرات

 

أســــــــــرت ناظـــــــري فلن يـــــــستردا        خطرات علــــى الـــــــفرات الـــــــمفدى

لـــــجلال المـــــــهيب في المـــــــتن نخلاً           والجمال الأنيــق في الجـــــــرف(1) وردا

وحشود الأمـــــــواج تحـــــــضن بعضـــاً           فتـــراها حشـــــــداً يعـــــــانق حشـــــــدا

ورفيف الضـــــــلال من فـــــــارع الصفـ           ــصاف يضفي على الشـــــــــواطئ بردا

وخطوط الشـــــــعاع ما بـــــــين ســــعف           النخل تهـــــــمي فتنســـــــج الشمس بردا

وتمور الأجـــــــواء من وكـــــــفها الســــا          ئل يـــــــجري فيـــــــملأ الأفــــق رأداً(2)

والـــــــنواعير ذكـــــريـــــــات رقـــــــاق          خلدت بالغـــــــــرام ليـــــــلى ودعـــــــدا

والـــــــهيام المشـــــــبوب من قصـــــــب           الفـــــــلاح أو مـــــــن فم الربــاب يؤدى

والوجـــــــود الـــــــمسحور مـــن كل هذا           يتلـــــــظى عشـــــــقاً ويـــــــزفر وجــدا

***

أيها الواهـــــــب الوجـــــــود حـــــــضارا          تٍ بجـــــــيد الزمـــــــان يلمــــــعن عقدا

والـــــــعظيم الـــذي أفـــــــاء وأثـــــــرى           والكـــــــريم الـــــــذي أفـــــــاد وأجــدى

شكرت فضــــلك الأجـــــــادب(3) فاهتزت          لمـــــــا قد وهـــــــبت سهـــــــلاً ونـــجدا

كرم مـــنك نـــــــضر الأرض والـــــــجو           حبـــــــاه مـــــــن النـــــــسيم المــــــندى

فثرانا القـــمح في الـــــــصعيد بســـــــاطاً           ذهبـــــــياً وترفـــــــع النـــــــخل بنــدا(4)

***

رضعتك الكـــــــروم فـــــــي قــــــطر بل           فـــــــإذا أنـــــــت بـــــــالكــــؤوس تبدى

_______________
(1) الجرف: شق الوادي إذا حفر الماء في أسفله.

(2) الرأد: التمايل والانبساط والانتشار بليونة.

(3) الأجادب: صلاب الأرض التي تمسك الماء ولا تمتصه أو الأرض التي لا نبات فيها، وهي جمع الجمع لجدب.

(4) البند: العلم.

(183)

 

وبحـــــــبات التـــين عســـــــلت ثغـــــــراً          وبـــــــوجه التـــــــفاح لألأت خــــــــــدا

وتـــــــراعشــــــــت بالغصـــــــون ظلالاً           وتمـــــــايلت في الشـــــــجيرات قـــــــدا

وأحـــــــلت النــــسيم رخـــــــوا بلـــــــيلاً           بعد أن كان يـــــــابس اللفح صـــــــلدا(1)

وكـــــــسوت الضـــفاف نـــــــجماً وعشباً           وملأت الصــــــحراء شيحاً ورنـــــــدا(2)

وتـــــــعهدت مـــــــن قـــــــديـم بنـــــــشر          الخير فينـــــــا فكـــــــنت للـــــــخير جدا

***

أيهـــــــا الأســـــــمر المعـــسل يا مـــــــن          لأفـــــــاويقه(3) التـــــــحيات تهـــــــــدى

عشت تمـــــــشي بجــنب دجلـــــــتك البيــ          ــضاء عـــــــبر الـــــــسنين نـــداً وندا(4)

تصـــــــنعان الحياة جسمــــــاً وروحـــــــاً          وتمـــــــدانها مـــــــن الخـــــــصب مـــدا

في نسيـــــــج مـــــــن المهـــــــارة والإتــ           ــقان يمـــــــتاز صـــــــورةً ومـــــــؤدى

فـــــــإذا (نيـنوى) سمـــــــت طاولتـــــــها           (أور) تبـــــــني من الحضــــــارة فندا(5)

أو زهـــــت (سومر) بـــــــروضٍ خضيل           صنـــــــعت (بابل) أغـــــــص وأنــــدى

وتلاقى (سرجـــــــون) جنـــــــب (حمورا           بي) إلـــــــى (بانيـــــــبال) يـــبنون مجدا

وعلى سفح (أور) حـــــــــيث (سمـــــــيرا          ميس) في شرفـــــة (الخورنق) هنـــــــدا

هكـــــــذا عاشـــــــت الـــــــفتون بــواديــ           ـــك ســـــــمواً وروعـــــــة لن تـــــــحدا

***

يا ضفـــــــاف الـــفرات كم فيك غـــــــيل           مارد ينشـــــــئ المـــــــواليد أســـــــدا(6)

الـــــــمغاوير الـحمر يومـــــــاً وسيـــــــفاً           والمصاليت السمر وجــــهاً وزنـــــــدا(7)

_______________
(1) الصلد: الصلب.

(2) الرند: عود يتبخر به، أو الآس.

(3) الأفاويق: جمع مفرده فيقة، ويقصد بها: معطياته.

(4) الند: المثل والنظير.

(5) الفند: الجبل العظيم أو القطعة الطولانية منه والقوم مجتمعين ويقصد: إسهاماً حضارياً.

(6) الغيل: الأجمة وموضع الأسد.

(7) المصاليت: جمع مفرده مصلت: وهو السيف إذا جرد من غمده، أو الرمح.

(184)

 

عـــــــرفتهم مـــــــلاحم المـــجد ســـــــيفاً           يـــــــعربياً يأبى مـــــــدى الدهــــر غمدا

يعلكـــــــون الرصــــاص في الحرب قوتاً           ويـــــــعبون مـــــــن دم النـــــــحر وردا

أدركوا بالإســـــــلام هــــدياً فإن صـــــــا           لوا رأيــــت المـــــــيدان بدراً وأحـــــــدا

وإذا استنـــــــسبوا دعـــا البـــــــعض شيبا          ن وبعض بـــــــكراً وبـــــــعض معـــــدا

ومشوا في الوغى من الســـــــيف أمــضى          وبدرب الهدى مـــــــن الــنور أهـــــــدى

***

إيـــــــه حــدث يا مارداً أفعم الأربـــــــعاء          ض فتوحاً لـــــــما تـــــــزل تـــــــتحدى

ذاكـــــــر أنـــــــت كــــوفة الجند في متـــ           ــنك للفــــتح تمـــــــلأ الأرض جـــــــندا

وتعد (الخميس) في الحلـــــــق الــــــماذي           يدعى إلــــــى الجـــــــهاد ويحـــــــدى(1)

وعـــــــلى ضفـــــــتيك أطيـــــــاف عمـلا           ق إذا صــال خـــــــرت الشـــــــم هدا(2)

فـــــــارس فـــــــي يـــــــراعه رسم الفكــ           ـــر وفـــــــي ســـــــيفه الكـــــــفر أردى

صـــــــنع الــــــــفكر خالداً ليس يبـــــــلى           وبنا الـــــــقول لامعـــاً لـــــــيس يصدى

وأعـــــــار الخـــــــلود مدرســـــــة الـــكو          فة فاســـــــتأثرت بما طـــــــاب خلــــــدا

ســـــــوف يبــقى الزمان يابن أبـــــــي طا          لب فـــــــيما منـــــــحته لـــــك عبـــــــدا

***

يـــــا مجالي الفـــــــرات شكراً فـــــــقد أو          حيــــــت لـــــــي ما رددتـــــــه لك حمدا

أنا ســــــــجلت بـــــــعض آلائك الـــــــغر          ولـــــم أســـــــتطع لـــــــفضلك عـــــــدا

ومـــــــن الشـــــــكر والوفـــــــاء بأنـــــي          أتـــــــوخى(3) لبـــــعض فضـــــــلك ردا

فأنا مـــــــنك: مـــــــا استقـــــــيت ومـــــا           غذيـــــــت جـــــــسمي بـــــه وما أتردى

***

                                                           

_______________
(1) الماذي: العسل الأبيض الرقيق.

(2) خرت: وقعت أو سقطت.

(3) توخى رد الفضل: تحراه وتطلبه.

(185)

 

رثاء ضرس

 

لرحـــــــيل بعـــــــضي دمعة في موقي(1)           ولهـــــــاث نبـــــــض بالفـــــــؤاد خفوق

ورحيل بعض المرء يحــــــزن بعضه الــ           ــباقي ويـــــــؤذنه بقـــــــرب لـــــــحوق

يـــــــا لثـــــــتي الثكـلى خلا بك مقعـــــــد           من أبيـــــــض حلـــو السمات رشـــــــيق

صــــــلب الشكيمة من رمـــــــاحك طاعن          متـــــــمرس بــالقـــــــطع والتـــــــمزيق

قد قلت للثـــــــغر المـــــــدمى إذ خـــــــلا           من فــــارع(2) بقـــــــوامه المـــــــشموق

مـــــــهلاً فـــــــأي منــــازلٍ بقيت بهــــــا           سكـانها ونجـــــــت مـــــــن التـــــــفريق

***

سنـــــي لـــــــيحزنني وإن يك مـــــــؤلمي          أن تغتـــــــدي عـــــني وأنت رفـــــــيقي

خمـسون عـــــــاماً أو تزيد ونـــــــحن في           درب الحيـــــــاة معاــــً رفاق طريـــــــق

ذقت الحـــــــياة معـــــــي تـــــعب بحلوها          وبـــــــمرها من ناضــب وغـــــــدوق(3)

وســـــــبرت أصنـــــاف الطعام بغثـــــــها          وســـــــمينها وعرفت كـــــــل فريـــــــق

فـــــــلك الفداء فم يلوك عـــــــلى العمى(4)           لا فـــــــرق في متصلــــــب ورقـــــــيق

التين والخـــــــرنوب عنـــــــد لهـــــــاتــه           شـــــــرع(5) ســـواء دون أي فـــــــروق

***

ســـــــني ويـــــــؤذي الذوق في مقـــياسه           نســــق يعـــــــادي سنـــــــة التنســـــــيق

ومسامـــــــع فـــــــيها ســـــــواء كلــــــــه          إيقــاع عـــــــودٍ أو جعـــــــير نهـــــــيق

ومـــــــدارك والبـــــــله(6) شـــــــر بــــليةٍ          ما امتاز فيـــــها زائـــــــف وحقيـــــــقي

_______________
(1) الموق أو المؤق: طرف العين الذي يلي الأنف، وهو الموضع الذي يجري منه الدمع. وهو مفرد جمعه آماق.

(2) الفارع: الضرس الأكثر علواً في الفم من غيره.

(3) الناضب: الجاف. والغدوق: الريان.

(4) على العمى: كيفما اتفق.

(5) شرع: مقبول ومشروع.

(6) البله: جمع أبله وهو ضعيف العقل العاجز في رايه ومن تغلب عليه الغفلة.

(186)

 

دنيـــــــا العـــــــمى فنـــــــهارهـا في ليلها          مـــــــتداخل وغـــــــروبــها بشـــــــروق

آفـــــــهذه دنـــــــياً يعـــيش الناس فـــــــي           أبعـــــــادهـــا أم مبـــــــرك للنـــــــوق(1)

وأولاء نـاس أم هم الأنعـــــــام(2) فـــــــي           ثوب مـــــــن التــــــجميل والتزويـــــــق

***

ســني رحلـــــــت بـــــــذكريات حلـــــــوة          من عهد ذوق مـــــــترف ومـــــــذوق(3)

أيـــــــام يســـــــكرني الشــــــباب فأحتسي          في كـل مـــــــاء خـــــــمرة بـــــــعروقي

نشــــــوان أعطي النجم بعض تخايـــــــلي          وأعير شمس الصبح بعض شــــــــروقي

ولقد رحـــــــلت فصـــــــار ســيني بعد ذا           شيناً وزيقـــــــي بــــــعد فقدك ذيـــــــقي

وكـــــــبت بــــــي الكلمات حتى أننـــــــي           ما عـــــــدت بالمـــــــتفوه الـــــمنطيق(4)

ولـقد أتوني بالبديـــــــل فـــــــما فـــــــمي           مـــن حـــــــجمه أو ثـــــــقله بمطـــــــيق

قلـــــــق يطـــــــقطق بـــــــاللهاة فـمنطقي           من فعــــــله ضـــــــرب مــن التطقيق(5)

***

نـــــــزع الجـــــــنين مــن امه نزعوك من          فكي ومن جزعي جرضت بريقـــــــي(6)

في حين هنت على الطبـــــــيب مــــــهانةً           كهـــــــوان إيمـــــــانٍ عـــــــلى زنديـــق

طـــــــردتك مـــــــنه الكـــــلبتان وأجلست          بمـــــــكانك الـــــــشرعي غـــير خليق(7)

فـــــــتركت عرشـــك للمزيف فاعتـــــــلى          مـــن دون جذرٍ شـــــــأن كل لـــــــصيق

كـــــــل الـــــــمؤهل للســـــــيادة عنــــــده          أخلاق مومس فــــــي غرور صفـــــــيق

عيـــــــب مغـــــــطى بالهـــــــتاف ودمـية          خملت عــــــلى الردحات والتـــــــصفيق

***

_______________
(1) مبرك النوق: الساحة التي تبرك فيها إناث الجمال.

(2) الأنعام: جمع مفرده: النعم وهو الإبل والغنم والبقر.

(3) المذوق: الذواق.

(4) المنطق: البليغ الكلام المليء بلاغة.

(5) التطقيق: لفظ كثير الاستعمال لدى العامة بمعنى المبالغة في إثارة الغيظ.

(6) جرض بريقه: ابتلعه بالجهد على هم وغم.

(7) غير خليق: ضرساً صناعياً لا يعادل الأصلي في الأهلية.

(187)

 

سنـــــــي سيـــــــدفنك التــراب بعمـــــــقه           فـــــــي أعظـــــــم مــــــدفونة بـــــعميق

ولسوف تســـــــحق بــــــــعد كونك ساحقاً          فمصير ساحـــــــقةٍ إلـــــى مســـــــحوق

وعـــــــدالة فــي أن يعـــــــود مـــــــمزق           من بعد ســـــــطوته إلــــــى مـــــــمزوق

سنن الحياة وفـــي الحيـــــــاة تـــــــجارب           لوضوحـــــــها تعني عـــــن التدقـــــــيق

فاحفظ فما تغني  التـــــــجارب غـــــــافلاً           وضـــــــع الحصيل بـمزود مـــــــخروق

***

سنـــــــي أتـــــــعلم أن ســعيك خاســـــــر          تشقـــــــى وغــــــيرك رابح بالســـــــوق

مـــــا أنت غير رحى(1) تدور لغـــــــيرها           وسواك يأكل صـــــــفو كـــــل دقـــــــيق

وجمـــــــيع رزقـــــــك بالطـــــــعام بــقية           محـــــــشورة في حفـــــــرةٍ وشـــــــقوق

فكـــــــأنك المـــــــثل الصريـــــــح لمعشرٍ          يسعـــــــون لكن ســــــــعيهم لخـــــــفوق

أكـــــــتافهم للراكبـــــــين وكـــــدحهـــــــم          صـــــــهباء(2) في فم متـــــــرف وأنــيق

حــــــيث الكروش المتخمات تعب مـــــــن          عــرق لـــــــكل مـــــــعذب محـــــــروق

العايـــــــش الأيـــــــام صـــــــحراء ومـن           مســـــــحاته يهـــــــتز كـــــــل وريـق(3)

صـــــــنع الحـــــــياة مــعاشر ضاعوا بها           وابتـــــــزها نفـــــــر بـــــــغير حــــقوق

***

ســـــــني ســـــــؤال لو سمحت أذاكـــــــر          طعـــــــم الطعام جديـــــــده وعتـــــــيـق

ومـــــــناطه بحـــــــلالـــــــه وحـــــــرامه          وصـــــــفاته من ســـــــكر وســـــويق(4)

أم أن ذلـــــــك كـــــــله ولـــــــى ومـــــــا           بقـــــــيت سوى أوضـــــــاره بـــــحلوق

فـــــــهل الـــــــطغاة بــه تحس فطـــــــيب          يمـــــــتاز في الأفـــــــواء من مســـروق

أم أنـــــــها قـــــــيم الــــضمير فسابـــــــح          فـــــــي نتنه ومـــــــضمخ بخـــــــلوق(5)

***

_______________
(1) رحى: حجر طاحون.

(2) صهباء: الخمر المعصور من عنب أبيض.

(3) المسحاة: أداة القشر والجرف، جمعها مساح. والوريق: المورق.

(4) مناط الشيء: أصله أو ما يتعلق به. والسويق: طعام يتخذ من دقيق الحنطة أو الشعير.

(5) المضمخ: المدهون والخلوق: نوع من الطيب أعظم أجزائه الزعفران.

(188)

 

ســـــــني علـــــــيك تـــــتلمذت أيامنـــــــا           بالعـــــــض واتبـــــــعتك بالـــــــتطبيــق

فمـــــــضت بــــــــنا أفواهها وينوبهـــــــا           تلتـــــــذ بالمـــــــــمضوغ والملـــــــعوق

وتعرقت حتى العظـــــــام فــــــلم تـــــــعد           بقيا ولا مـزع(1) علـــــــى المعـــــــروق

وتجرأت لتـــــــنال مـــــــن عـــــــزمٍ لــنا           فرأته عنـــــــد مشـــــــارف العــــيوق(2)

صلـــــــب تــمرس بالنوائب في مـــــــدى           عهد طـــــــويل بالعــــــــذاب عريـــــــق

وأشـــــــم يـــــــرتع بالنـــــــجوم ويعــتلي           عن دمـــــــنة موبـــــــوءة وعلـــــــيق(3)

***

يـــا ضاحكاً شاء الرحيـــــــل ودهـــــــرنا           يبكـــــــي ونحـــــــن بشـــــــدة وبضيــق

فجـــــــرت عنـــــــدي للوفـــــــاء جداولاً           لعشيــــر عمر مخـــــــلص وصـــــــديق

وأنـــــــا الــــــوفي فما جفوت أحبتـــــــي           يـــومـــــــاً ولا واجـــــــهتهم بعـــــــقوق

ومن السمات وشـــــــائج ومـــــــن الـــوفا          عـــــــهد يـــــــؤلف أهـــــــله بوثيـــــــق

زان الحـــــــياة عــلى جميع شرورهـــــــا          ود وفـــــــي أو حنـــــــان شــــــفـــــــيق

***

 

_______________
(1) المزع: جمع مفرده مزعة، وهي القطعة أو الجزعة.

(2) العيوق: نجم أحمر مشيء في طرف المجرة الأيمن، يتلو الثريا، ولا يتقدمها، ويطلع قبل الجوزاء.

(3) العليق: ما يقدم للدابة من علف.

(189)

 

لغة السياط

 

أمرتنـــــــي الســـيـــــــاط أن لا أقـــــــولا          ويد الـــــــسوط حين تضرب طولـــــــى

فــــــــإذا قـــــــالت الســـــــياط ســـــــكتنا          رب صـــــــمتٍ أجــــدى وأبلغ قـــــــيلا

وخنـــــــقنا الأصـــــــوات إلا أنــــيـــــــناً           ومتـــــــى أسمـــــــع الجـــــــحيم هــديلا

ران صمت فلم يــعد غـــــــير صـــــــوت           قــــــــال زوراً وأحـــــــسن التطـــــــبيلا

وتعـــــــني للـــــــحاكمين علـــــــى رقـــــ          ص قـــــــرود تـــــــمارس التـــــــمثيــلا

هكـــــــذا قصـــــــة الطغـــــــاة قبـــــــور           تـــــــدفن الفكـــــــر، والعطـــاء الأصيلا

يـــــــذبحون الأحـــــــرار دأبــــاً ويستحــ           ــيون من مـــــــعشر النـــــــعاج رعـــيلا

***

يـــــــا نجـــــوم السماء لست حريـــــــصاً           أن أنـــاجيـــــــك سامـــــــراً وخـــــــليلا

أو أوجـــــــي أن تـــــــسكبــــي لقـــــــداح          بطـــــــراتٍ شعـــــــاعـــك المـــــــطلولا

أو أوشـــــــيــــك زهـــــــرة فـــــــي رداءٍ          أو لجــــــيد الكـــــــعاب عقداً جمـــــــيلاً

إنـــــــما أبـــــــتغيــك أن تطـــــــردي ليــ           ـــلاً كثــــيف الظـــــــلام وغداً ثقـــــــيلاً

وتـــــنيري الدروب عنـــــــد فجـــــــاج(1)          معتـــــمات كي لا نضـــــــل الســـــــبيلا

فإذا النـــــــجم لـــــــم يلـــــــح فـــي سماءٍ           آثـــــر الليـــــــل أن يقـــــــيم طـــــــويلا

يـــــــا رحاباً تمـــــــددت مـــــــن خلــــيج          لـــــــمحيـــــــط روابيـــــــاً وســـــــهولا

هـــــــل بقى فـــــــي خـيالك الخصب عهد          لم يـــــــزل مفخـــــــر الــقرون الأولى؟!

يـــــــوم رفت علــــى رمالك نعمـــــــى(2)                   حـــــــــولت تلـــــــكم الرمال خـــــــميلا

جـــــــمع الـــــــعدل ســـــيداً ومـــــــسوداً           ثـــــــم ســـــــاواه قــائـــــــداً وقبيـــــــلا

مـــــــا الـــــــذي نـهالها فعادت لغـــــــابٍ           يزرع الحــــــقد والطـــــــغاة حـــــــقولا

وعـــــــوي الذئاب عـــــــاد وعـــــــدنــــا           نرهب اللــيل إن في الليـــــــل غـــــــولا

_______________
(1) الفجاج: جمع مفرده فج: الطريق الواسع بين جبلين أو في الجبل.

(2) نغمى: النغماء وما فيه اتساع عيش ولين ورفه وهدوء بال.

(190)

   

عنـــفوان الشـــــــعوب راح فصـــــــارت           بـــــــعدما دجنـــــــت(1) كـــــــياناً هزيلا

شــــغلـــــــته عـــــــن الـــــــتطلــــــع آرا           ب صغـــــــار فعــــاش قزماً ضئـــــــيلا

والنفـــــــوس الصغـــار هيهات أن تصـــ           ــعد لكنـــــــها تـــــــطيـــــق الـــــــنزولا

قـــــــد يـــــــصاغ الإنسان حـــــــدوة بغلٍ          أو يصاغ الإنســـــــان سيـــــــفاً صقــيلا

***

أي ســـــــر فـــــــيما أنتـــــــهينا إلــــــــيه          أنـــــــا والله أجـــــــهل التــــــــعلـــــــيلا

قـــــــتلــــتنا ســـــــيوفنا وقـــــــطعنـــــــا           رحـــــــماً كـــان حـــــــبله موصـــــــولا

لعـــــــنة الله للـــــــسيوف اللــــــواتـــــــي          ذبحـــــــت أهلهــا لتـــــــشفي الغلـــــــيلا

جـــــــمـــــــع الله شمـــــــلنــــا وأراد الـــ           ــغرب تشـــــــتيتـــــــه فهـز الذيـــــــولا

مـــــــن أنـــــــاس ترفـــــــع الـــــذم عنهم          وأبـــــــى أن ينالهـــــــم تــــــــحلـــــــيلا

إبـــــــل ما لهـــــــم من الفـــــــقه والقــــــ           ــرآن شــــــيء ليعـــــــرفوا التـــــــدليلا

شـــــــتموا فأنبـــــــرت لهـــم شتـــــــمات           ومـــن الجهل أن تجـــــــيب الجـــــــهولا

فوقـــــــفنا لبـــــــعضنا البعض نـــــــهدي           الكـفر ثـــــــوباً مفصـــــــلا تفـــــــصيلا

إن هـــــــذا مـــــــن الـــروافض يـــــــرتا           د قبـــــــوراً ويكثـــــــر التـــــــقبـــــــيلا

ثـــــــم هـــــــذا مـــــــشبـــه جســـــــم الله           وقاس الأبعـــــــاد عرضـــــــاً وطــــولا

ورقيـــــــع يـــــرى العـــــــبادة ذكـــــــراً           راقصـــــــاً أو يلـــــــحن الـــــتهـــــــليلا

أيـــــــها المـــــــشبوهون مــــهلاً فإنـــــــا           نعـــــــبد الله جـــــــملــــــة وفـــــــصولا

ربـــــــنا واحـــــــد وقبـــــــلتنـــــــا وتــــ           ر ونقـــــــفو(2) كـــــــتابنا والرســـــــولا

وإذا مـــــــا أبـــــيـــــــتم فـــــــإلـــــــى دا           ئرة الســـــــوء مســـــــلـكاً ومقـــــــيلا(3)

لاتكـــــــونوا لنــــــــا غـــــــداً شفـــــــعاءً          أو تـــــــردوا عنــــــا الكريه الوبيـــــــلا

إننـــــــا كلنـــــــا غــداً في رحـــــــاب الله           نســـــــترحــــم العـــــــطاء الجزيـــــــلا

_______________
(1) دجنت: روضت فصارت أليفة وادعة مسالمة.

(2) تقفو: نتبع.

(3) المقيل: الدخول في القيلولة أو مكانها.

(191)

 

فدعونا نعيــــــــش فـــــــي هـــــــذه الدنــ           ــيا بحسن الجوار الـــــــجوار عمراً قليلا

***

أيـــــــها المـــــــشرعون كـــــــل ســــلاح          لـــــيروحـــــــوا ببعـــــــضهم تقتـــــــيلا

هضـــــــب بيـــــــنهم فإمـــــــا دهــــــاهم           أجنـــــــبي عـــــــادوا كثيباً مهـــــــيلا(1)

صغرت أنفــــــس لهـــــــم فاستـــــــحالوا           إمعــــــــــات(2) يؤلهـــــــون الدخـــــــيلا

وأصيبـــــــت عيـــــــونهم فـــــهي لا تلـــ           مع بالـــــــخلف إصبـــــــعاً مـــــــجهولا

وانبرى الســــــائلون عما أصـــــــاب الـــ           ــقوم لكن من ذا يجـــــــيب الـــــــسؤولا

هل خبــــــت جذوة أطلت علـــــــى الدنـــ           ــيا ضرامـــــــاً وكـــــــبرياء جـلـــــــيلا

أم تـــــــراهم تـــــــهجن الجــذر منـــــــها           فأضـــــــاعت مــــلاحماً وأصـــــــولا(3)

ما لأسيــــافهم مـــــــشت تقـــــــتل الأهـــ           ل ولـــــــكن تحـــــــاف إســـــــرائيـــــلا

إن دعتـــــــهم نـــــار الوغى فلسفوا الجبــ           ـــن وقالـــــــوا وأكــثروا التهويـــــــلا(4)

أيـــــــها الـــــــوادعون مـــــــن أجـل ماذا          قد حشـــــــدتــــــم أســـــــنة وخـــــــيولا

أول القـــــــبلتيـــــــن راحـــــــت ورحــتم           لم تســـــــلوا إلا اللســـــــان الطويـــــــلا

لـــــــو صـــــــدقـــــــتم عزيمــــة لظفرتم           فأخـــــــو العـــــزم يصنع المستحـــــــيلا

اســـــــتحوا لو ملـــــــكتم مـــــــن حــــياءٍ          بعـــــــد (صــــبرا) وبعدها (شاتـــــــيلا)

إن ذاك الـــــــدم المـــــــراق سيـــــــبقـــى          يشـــــــتم الإدعـــــــاء والتــــــدجـــــــيلا

وحـــــــساب الـــــــتاريخ سـوف يدين الــ           ــغدر والاســـــــتسلام جيـــــــلاً فــــجيلا

_______________
(1) الكثيب المهيل: الرمل المجتمع يسيل وينهال.

(2) إمعات: جمع مفرده إمعة، وهو الرجل لا رأي له، يقول لكل ذي اتجاه سياسي أو غير سياسي؛ أنا معك. ويؤلهون الدخيل: يرفعون من قدره ويعظمونه وهو ليس منهم ولا يعمل إلا لمصلحته.

(3) تهجن الجذر منها: خالطته الشوائب التي ليست من جنسه.

(4) فلسفوا الجبن: ادعوا مسوغات لجبنهم، مع أن الفلسفة لا تدعي مسوغات غير منطقية، والتهويل: التفزيع والمبالغة في ذكر ما يخيف.

(192)

 

خواطر في الليل

 

دنـــــــيا الـــــصحاة إليك الصحو فاستملي           إنـــــــي ســــأرحل من حلم إلى حلـــــــم

دفـــــــنت دنـــــــياي في ظلمـــــاء معتمة           فحــاذري أن ترشي الـــــــنور في عتمي

فـــــــالنوم فـــــــي ناعم الأحـلام يرحمني           والصـــــحو يرهقـــــــني في واقع فدم(1)

حتـــــــى ترقــــــــبت ليل الحلم في شغفٍ           وصرت ألقى نهـــــار الصحو في برم(2)

لقـــــــد أنـــــــالتنـــــــي الظلماء ما بخلت           شـــــــمس به فشـــكرت الليل للـــــــكرم

نـــــــأت بــــــــوعي عن الدنيا وما حملت           وما بها مـــن فضول الفعل والكـــــــلم(3)

وخـــــــدرت لــــــي أحاسيسي فما شعرت          بكـــــــل أفـــــــق نشاز غير منـــــــسجم

وفـــــــقد حســـــــك بـــــــالآلام عافــــــية          وإن تكـــــــن غـارقاً في غمرة الألـــــــم

***

يـــــــا أيهـــــــا الليل حســــبي أن تنادمني          فيـــــــك النجوم وأسمو فيك للـــــــسدم(4)

وألـــــــتقي بلبانـــــــاتي(5) علـــــــى أفــقٍ          من الســـــــمو كــــــريم شـــــــاهق القمم

فأســـــــتريح إلى عيـــــــش بــلا غصص           واطمـــــــئن إلى دنـــــــياً بــلا غمـــــــم

وســـــــامر فـــــــي وضــوح من ملامحه           فـــــــما بــدا ضاحكاً في روح منتـــــــقم

ولا تـــــــلفع أبـــــــراد الكـــــــرام عـــلى           جنبيـــــــن لـــفا على مستنقع وخـــــــم(6)

فأستـــــــشف شــــــــموخاً ضاع من زمنٍ           فــــــي قعر منخفض عارٍ عـــــــن الشمم

_______________
(1) فدم: عيي عن الكلام مع ثقل ورخاوة وقلة فهم وفطنة.

(2) برم: ضجر وسأم وملل.

(3) ما بها من فضول الفعل والكلم: ما بالدنيا من كلام وفعل مزيف لا طائل منه.

(4) السدم: جمع مفرده سديم، وهو البقع السحابية المتوهجة أو المغيمة في الفضاء ناشئة عن تكاثف عدد لا يحصى من الأجرام السماوية أو تصادمها، ومنه المجرة، وتأتي السدم بمعنى الضباب الرقيق أيضاً.
(5) اللبانات: جمع لبانة، الحاجات.

(6) وخم: موبوء وقذر ورديء.

(193)

 

وأسكب النجم في كأســــي وأســـــــبح في           نور فمــــــــا زال عشق النور من شيمي

وليس سيان من يـــــــرعى بشـــــــاهقه(1)           مع الكواكـــــــب أو يرعى مــــــــع الغنم

***

يا ليـــــــل لي مــــــن جراحي ألف عازفة          إذا أصـــــــاخ إليـــــــها الليـــــــل لم ينم

وليـــــــس كالنـــــــغم المـــــحزون يعزفه           جرح فتشربه الأســـــــماع فــي نـــــــهم

فـــــــلم أجد أي لـــــــحنٍ متـــــــرفٍ ألـقٍ           إلا وكاـــــــن ابـــــــن جـــرح غير ملتئم

وللمـــــــعازف(2) سمـــــــار على نــــــغم           وللـــــــجراحات ســـــــمار عــــــلى نغم

فالنـــــــاس صنفـــــــهم فــــي عيشهم قدر           فمر فيهـــــــم على بــــــــاكٍ ومبتـــــــسم

***

قلبـــــــي وعـــــــفواً إذا ألحـــحت مشتكياً           فعـــــــند غــــيرك سري غير منكـــــــتم

وإن عـــــــذر شكـــــــاتي أنـــــــها لهـــب          أطفيه بالبث كي أنجــــيك من ضـــــــرم

لقـــــــد خشـــــــيت بــــأن يأتي عليك كما           أتى علـــــى الجسم من قرنٍ إلى قـــــــدم

لأن عـــــــندك أحـــــــزاناً أقـــــــدسهـــــا           وذكريــــــات بها زادي ومؤتـــــــدمي(3)

لم يـــــــبق لـــــــي حـاضر حلو أعيش به           ولا رجـــــــاء غـــــد أنفـــــــي به سأمي

فعدت أحضن ماضٍ فيـــــــك يـــــــؤنسني          كالـــــــبرق يومـض في داجٍ من الظلم(4)

***

قـــــــومي بثثتكم الشكـــــــوى فما وجدت           شـــــــكواي عنـــــــــدكم إلا أخا صمم(5)

ومـــــــا حـــــــملت همومي بل هـــمومكم           وســـــــاءني أنـــــــها هم بـــــــلا همم(6)

_______________
(1) سيان: متماثلان: مفردها: سي: أي مثل ونظير.

(2) المعازف: جمع مفرده معزف: وهو الآلة الموسيقية التي يضرب بها كالعود والقيثارة والطنبور.

(3) المؤتدم: ما يؤتدم به من الغذاء أياً كان.

(4) الظلام الداجي: الشديد الظلام أو الذي بلغ من الإظلام حده الأقصى.

(5) أخو الصمم: يقصد التصامم عن الشكوى وعدم الالتفات لها.

(6) الهمم: جمع مفرده همة، وهي العزم القوي أو ما يهم المرء ليفعله.

(195)

 

يا من تـــروح دمـــــــاهم غير منجـــــــبة           كما يروح ضــــــــياعاً مـــــــاء محتلم(1)

إن الدماء جــــــلال في الجراح وغـــــــى           ولا جلال لهـــــا في جـــــــرح محتجم(2)

أشـــجى وأنتم بـــــــلا شجوٍ ويغـــــــمركم          لهو وأصــــلى من الـــــــبلوى بمحتدم(3)

ما بـــالكم واللـــــــيالي كـــــــلها عبـــــــر          والدهر مـــــــدرسة للـــــــقارئ الفهـــــم

تصليكم النار مــــن ألفٍ وما نـــــــضجت           جلودكم من شواظ الـــــــنار والحــــمم(4)

إلا تـــــــذودون عـنكـــــــم أي عـــــــادية           حتى الذباب على الآنـــــــاف لم يـــرم(5)

مـــــــوتوا فـــــــإما فـــناء تبعـــــــثون به           أو لا فكونوا مع الأموات في الرحــــــــم

***

طوفـــت بالأمس بالتاريـــــــخ منـــــــتقلاً           بالخصب والجدب والأغوار والأطـــم(6)

محاولاً فهـــــــم ما أدى إلـــــــى ظمــــئي           والنهر ملكي ومجرى النبع عند فمـــــــي

ودوحتي وهـــــي بالأعصار قد نبتـــــــت           فكـــــــيف يذبلها رخم مـــن النســـــــم(7)

وطائري وهـــــــو صـقر في أرومـــــــته           يخشى مـــــــولدة من تــــــافه الرحـــــــم

فقادني الســـــــبر أن العـيب ليس مـــــــن           المعنى ولكـــــــن جـــل العيب بالقـــــــلم

وأن للهـــــــرم الـــــــمرجـــــو قاعـــــــدة          نأت بأبـــــــعادها عــن قمة الهـــــــرم(8)

فكــــان قادة مـــــــا شـــــــدوا بأمتـــــــهم           وأمة ما أطــــــاعت حـــــــامل العـــــــلم

لكن حـــــــذار بأن تـــــأتي علـــــــى يدكم          هذي التعاليل فعل العاجـــــــز الـــــــهرم

_______________
(1) ماء المحتلم: منيه ونطفه.

(2) المحتجم: الذي تداوى بالحجامة.

(3) أصلى من البلوى بمحتدم: أعاني من شدة حر نارها.

(4) شواظ النار: لهبها الذي لا دخان فيه.

(5) لم يرم: لم تريدوا طرده.

(6) الأطم: المكان المرتفع كالبيت أو القصر أو الحصن جمعها آطام وأطوم.

(7) رخم النسم: لين النسيم.

(8) قمة الهرم: هي أبعد نقطة من قاعدته، والكلام كناية عن التناقض الشديد بين الأمرين اللذين تحدث عنهما الشاعر.

(195)

 

تحدت الأمم الإرهـــــــاب فانتصـــــــرت           فمـــــــا بـــــــ،كم أن تشيلوا الكف كالأمم

كفوا عن الخطب العـــــــصماء تــــطربكم          فالســـــــيف من بعد ربي خير معتصم(1)

واستفسروا عــــــــن دواءٍ تـــــــطردن به           الداء الــــــدوي فيشفى النضو من سقم(2)

فكل دهماء مـــــــا دامـــــــت علـــــى أحد          وكل حـــــــال على الأيـــــــام لــــــم يدم

***

أواه يـــــــا ذكـــــــريات الأمـــس تغمرني          بالرائعـــــــــات وتجري نشوة بدمـــــــي

هاتي لي البعض من أمس مضى وخـــذي           عمري وما نلــــت من مالٍ ومن نعـــــــم

أيام عيشي على ما فيــه مـــــــن يبـــــــس          بال رخي وشـــــــمل غيـر منقســـــــم(3)

وللشبـــــــاب أضـــــــالـــــيل وأخـــــــيلة           وأمنيـــــــات تـــــــدوس الــــــنجم بالقدم

وصـــــــفوة مـــــــن رفــــاقٍ في خلائقهم           مــن خير من ضمت الدنيا من النـــــــسم

والأرض يحـــــــكمها رهـــــط وإن نزلوا           لا ينـــــــسبون إلـــــــى مـــا جد من نظم

لو ســـــــاوموني حصى من تحت أرجلهم           بأنجم الإشـــــــتراكيين لــــــم أســـــــم(4)

الكـــــــاذبين على الـــــــتاريخ والمثل الـــ           ــغراء والعـــــــلم والأخــلاق والقيـــــــم

والحاملين شعـــار الكادحـــــــين وهـــــــم           محض افتراءٍ علـــــــى العـــــــمال متهم

والمــدعين الـــــــتساوي والـــــــسماء لهم           والأرض والـــــــناس أصناف من الخدم

النـــــــاب والظــــــفر فحواهم فما نبضت           من رحـــــــمة بهم يــــوماً ولا رحـــــــم

عقــــــماً لأرحام دنيا النـــــــاس إن نسلت           أمثـــــــال أولاء من عربٍ ومن عجـــــم

***

_______________
(1) المعتصم: الملجأ أو ما يستقوى به.

(2) الداء الدوي: الشديد المهلك. والنضو: المهزول والمجهد.

(3) بال رخي: ناعم العيش أو واسع الحال، والشمل: الاجتماع.

(4) لم أسم: لم أرغب في الشراء أو معرفة الثمن.

(196)

 

دمشق

 

دمـــــــشق كــــنوز وحـــــــق السمـــــــاء          صـــــــبا بـــــــردى(1) والوجوه الوضاء

وعـــــــين يـــــــغرد فيـــــــها الهـــــــوى           وثـــــــغر يضـــــــج بـــــــه الإشـــــتهاء

وتـــــــلك الـــــــنهود بـــــــتلك الـــــصدو           ر فيـــــــالق هـــــــادرة بالحــــــــــداء(2)

تشـــــــيل لأعلـــــــى ككـــــــفي ســــــقيم           ألــــــــح عـــــــلى ربـــــــه بالدعـــــــاء

ومـــــــوج تـــــــمرد فـــــــي وثـــــــــــبة           وشـــــــد بفســـــــتانـــــــه للـــــــــــوراء

***

دمـــــــشق حســـــــانك هـــــــل ألحــــفت           بـــــــوردٍ؟ وهـــــــل سبـــــحت بالسناء؟

وهـــــــل نـــــــبع الـــــــتبر مـــــن رأسها          وطـــــــارت ســـــــبائكه فــــــي الهواء؟

وهـــــــل سكـــــــب الله إبـــــــداعــــــــه؟          وصـــــــب بدائـــــــعه كـــــــيف شـــاء؟

وقـــــــال لغـــــــيدك عـــــــبي كمــــــــــا           تشـــــــائين مـــــــن فــضل هذا الحباء(3)

فـــــــراحت تحـــــــدث عـــــــن نعــــــمةٍ           وتكشـــــــف مـــــــا عنـــــــدها للعـــراء

ولـــــــما تعـــــــرى الجـــــــمال الأنــــيــ           ق تحســـــــر للصـــــــيف فــصل الشتاء

وأكـــــــثر باللـــــــعن للــــــزمـــــــهريـــ           ر(4) فـــــــفيه يغـــــــطي الحــسان الفراء

ومـــــــد ذوو الـــــــفسق والـــــــــصالحو           ن عـــــــيونا فهـــــــم في التملي سواء(5)

وتيـــــــمت الـــــــكاتبيـــــــــــن الكـــــــرا          م فلـــــــم يكـــــــتبوا ما عــــــــليه جزاء

دمـــــشق حـــــــلفت بـــــــكل الـــــــجنان          ونـــــــعمائها والصـــــــفا والهـــــــنـــاء

_______________
(1) صبا بردى: نسيمه القادم من جهة الشرق.

(2) الفيالق: جمع فيلق وهو الكتيبة العسكرية الكبيرة. والحداء: الغناء الموقع.

(3) الحباء: العطاء والكرم.

(4) الزمهرير: البرد الشديد القاسي.

(5) التملي: إدامة النظر والاستمتاع بالمنظر الجميل.

(197)

 

وخـــــــور تهـــــــادى بـــأرباضـــــــها(1)          وأنـــــــهار خـــــــمرٍ وأنـــــــهار مــــاء

وزهـــــــر وفـــــــــــاكـــــــهةٍ غـــــــصةٍ           وراعـــــــش ظـــــــل وعيش رخـــــــاء

بأنـــــــك مـــــــن كـــــــل هـــذا علـــــــى          رصــــيد وفـــــــير بغـــــــير ادعـــــــاء

فحـــــــورك عيـــــــن وأجســـــــامهـــــــا          مـــــن الزبـــــــد لكـــــــنها فـــــــي رداء

ومشـــــــحونة العـــــــين مـــن خمـــــــرةٍ          ومشـــــــحونة الجـــــسم من كهـــــــرباء

تغـــــــني الأنـــــــوثـــــــة إن حدثـــــــتك           ويأســـــــر ســـــــمعك جـــــــرس الأداء

وعيـــــــنك خضـــــــراء كـــــالكوثـــــــر           الـــــــذي ادخـــــــر الله لــــــلأوليـــــــاء

وتـــــــسقين بالـــــــعذب مـن فيجـــــــة(2)           وبالطـــــــهر مــــــــن بردى والنـــــــقاء

روافـــــــد مـــــــرت بــــــتلك الجـــــــبال          كما مر في قـــلب عـــــــانٍ رجـــــــاء(3)

ســـــــقت كـــــــل أشجـارها فاغتـــــــدت           حـــــــوامـــــــل مــــــثقلة بالجـــــــناء(4)

وجـــــــادت لوديـــــــــانها بالخضـــــــيل           فطـــــــرزت الــــــعشب بالهـــــــندباء(5)

ومـــــــر نسيـــــــمك فـــــــي جــريـــــــه           يـــــــغازل أفـــــــقاً شــفيف الصـــــــفاء

وغـــــــنت عنـــــــادل(6) يـــــــهتاجهــــــا          رفيف الصـــــــباح وســــحر الـــــــمساء

***

دمـــــــشق كـــــــم لك مـــــــن واحــــــــةٍ          على الصـــــــالحية فيـــــــها ظــــــباء(7)

_______________
(1) الأرباض: جمع مفرده ربض: وهو ما يكون حول المدن من أماكن وأرياف.

(2) الفيجة: اسم بلدة بين دمشق والزبداني فيها نبع غزير يسمى باسمها ويسقي مدينة دمشق. وقصد الشاعر ماء النبع.

(3) عانٍ: أسير.

(4) الجناء: الجنى: وهو ما يجنى من الثمر وغيره.

(5) الخضيل: الندي المبتل. والهندباء: من البقول الزراعية التي تعد من فصيلة المركبات اللسينية، وهو نبات ورقه مر الطعم، يطبخ في التوابل.

(6) العنادل: جمع مفرده عندليب: وهو طائر صغير الجسم سريع الحركة حسن الصوت، يتواجد في الحدائق والغابات والأدغال، ويظهر في أيام الربيع.

(7) ظباء: جمع مفرده ظبي. وهو هنا كناية عن الفتيات الدمشقيات الرشيقات كالظباء. والصالحية: هي من أحياء دمشق تكثر فيه المحال التجارية.

(198)

 

مضـــــــمخةٍ مـــــن شـــــــذا قاســـــــيون          وأربـــــــاضه الشـــــــهل والكســـــــتناء

ومـــــــن غوطـــــــة الشـــــــام والليــــلك           المعـــــــرش والكـــــــرم فيــــــما أفاء(1)

بضــــــاضة جسم كهـــــــدب الـــــــحرير          ورقـــــــة روحٍـــــــ كهمس الــــضياء(2)

يخــــــف بهـــــــا حـــــــسها بالجـــــــمال          ويثـــــــقلها العـــــــجب والإزدهـــــاء(3)

فـــــــــتختال مـــــــا بـــــــين هـــــــذا وذا          ويمتـــــــزج الـــــــدل بــــــالكبـــــــرياء

***

دمـــــــشق بـــــــربك كفــــي الـــــــنزوع           فـــــــقد عـــــــدت أســـــــمع منه نداء(4)

وقــــد كـــــــان راح لـــــــعهدٍ طـــــــويل           ولـــــــكنه حيـــــــن وافـــــــاك جـــــــاء

وعـــــــاد يـــــــلح وطبـــــــع الهـــــــوى           لـــــــوح وإن طـــــــال فيـــــــه الثواء(5)

وقــــــولي كفـــــــاك فـــــــإن الـــــــهوى           لمـــــــثلك ما عـــــــاد إلا اجــــــــتداء(6)

فحــــين تـــــــشاهد بعـــــــض النهـــــــود           عــلى صدرها تـــــــجلس القرفصـــــــاء

تقافز مــــــــثل الـــــــقطا(7) المـــــــستثار           وقــــد أذعـــــــروه فـــــــرام النـــــــجاء

ومـــــــا بيـــــــنها خـــــــندق أبيـــــــض،           مـــــــن الـــــــعاج إيـــــــاك والإرتمـــاء

تـــــــنح بعـــــــيداً عـــــــن الغــــــــانيات           فـــــــما لـــــــك والأســــــــر والإفتداء؟!

***

دمشـــــــق رؤى فـــــــي خيال الزمـــــان           تـــــــعرت لتــــغـــــــمره بـــــــالرواء(8)

_______________
(1) أفاء: أرض فيئه أو ظله.

(2) بضاضة الجسم: امتلاؤه ونضرته مع رقة جلده ونعومته مع بعض السمن فيه.

(3) يخف بها: يجعلها خفيفة الحركة. والعجب والازدهاء: الكبر والزهو والتيه.

(4) النزوع: الحنين والاشتياق.

(5) لحوح: كثير اللح أو الإلحاح. والثواء: الإقامة والاستقرار.

(6) الاجتداء: والاستجداء: طلب الجدوى أو الفائدة.

(7) القطا: واحدته قطاة، وأنواعه عديدة، قريبة الشبه بالحمام. والقطاة سريعة الطيران تطير مسافات شاسعة في طلب القوت والماء وتألف الصحارى وتعيش في أسراب كثيرة العدد.

(8) الوراء: المنظر الحسن.

(199)

 

تـــــــغشته سحـــــــراً ورفــــــــت بـــــــه          فتـــــــوناً فأمـــــــعن في الإجتـــــــلاء(1)

صبـــــــــاح تبـــــــرج فـــــــيه الحـــــــلا          وليـــــــل تـــــــأنـــق فـــــــيه الغنـــــــاء

وقـــد خـــــــف بالغـــــــانيات الهـــــــوى           فـــــــجن بأجســـــــامهــــــا الإلتـــــــواء

وغـــــــنى طويس علـــــــى مـــــــزهر(2)          إلـــــــى الآن أصـــــــداؤه فــــي الفضاء

وشـــــــرب تـــــــصرف فيه الشمـــــــول           فتـــــــنثره كنـــــــثيــر الـــــــهبـــــــاء(3)

فـــــــتلك وســـــــائده مــــــــن نحـــــــور           وتـــــــلك مـــــــلاحفه مــــــن كـــــــساء

وتـــــــلك مفـــــــاتــــــن عـــــــريانـــــــة          وللـــــــــذوق أن يـــــــحسن الإنتـــــــقاء

وفـــــــي الأرض بـــــقيا شرب أريـــــــق          وزهــــرٍ تـــــــبعثر حـــــــول الإنـــــــاء

وحبـــــــابة فـــــــي بــــــقايا الشـــــــراب          ينازعها الصب كـــــــشف الغطـــــــاء(4)

ولابـــــــن الـــــــوليد عـــــلى نحـــــــرها          مـــــــلامح ثغــــــر قلـــــــيل الحـــــــياء

غفـــــــت وغـــــــفا حولها السامـــــــرون          فما انتبهوا قــبل وقـــــــت العشـــــــاء(5)

وعـــــــادوا لـــــــيستـــأنفـــــــوا ليـــــــلةً           وعـــــــاد انـــــــتهاء إلــــى الإبتـــــــداء

وذلـــــــفاء(6) عــــــــادت إلى عودهـــــــا           وجـــــــد شـــــــراب وجـــــد الهنـــــــاء

دمـــــــشق وتـــــــاريخـــك المـــــــشرئب          لـــــــه أولـــــــيات بغــــــــير انتـــــــهاء

فـــــــأنت بـــــــتاريــــخ رومـــــــا ذراً(7)           شوامـــــــخ تنـــــــزع نـــــــحو الـــعلاء

وتاريخـــــــك الـــــــعربي الصـــــــميــــم           فـــــــوارس صـــــــدق(8) عنــــــد اللقاء

_______________
(1) أمعن في الاجتلاء: تمادى فيه وأغرق.

(2) طويس: اسم أحد المغنين القدامى في تاريخ الغناء. والمزهر: العود الذي يضرب عليه فيصدر أنغاماً موسيقية.

(3) الشرب: النصيب من الشراب. والشمول الخمر تشمل بريحها الناس. ونثير الهباء: الغبار المنثور.

(4) الصب: العاشق ذو الحب الشديد والاشتياق.

(5) السامرون: الذين يتحدثون مع جلسائهم ليلاً. جمع مفرده: سامر.

(6) ذلفاء: وصف للأنثى الصغيرة المستوية الأطراف.

(7) ذراً: فمم. والمفرد: ذروة.

(8) صدق: صادقون في كفاحهم.

(200)