الزراعة

سدة الهندية

Post on 26 حزيران/يونيو 2016

سدة الهندية

 ان من الاحداث المهمة التي عاشها العراق ومنطقة الفرات الاوسط بالذات في العهد العثماني كان انجاز مشروع سدة الهندية وكان في حينه من المشاريع العملاقة المهمة اقتصاديا وزراعيا لأنها انشئت لإيصال مياه الري والشرب الى نهر الفرات الذي تحول عن مجراه الاصلي الذي كان يمر بمدينة الحلة .

كان مجرى نهر الفرات الرئيسي يسير منذ القدم نحو مدينة بابل القديمة وبعدها يمر بمدينة الحلة التي تقع بجوار بابل جنوبا الا ان عوامل اصطناعية وطبيعية ادت الى تغيير مجرى النهر الى جهة الشرق وما يسمى الآن نهر الهندية في جهة الغرب مارا بمدينة طويريج ثم الكفل ومنها الى مدينة الكوفة وكانت معالم تغير اتجاه سير المياه الى نهر الهندية قد بدأت منذ اوائل القرن الثامن عشر الميلادي مما دعى ولاة الامر في حينه الى اتخاذ بعض التدابير لإيقاف هذا الانحراف في سير مياه نهر الفرات وذلك لتأمين وصول الماء الى فرع الحلة القديم وخلاصة هذه التدابير تقرر انشاء سدة في مكان مفترق صدري الفرعين نهر بابل ونهر الهندية كعلاج دائم وثابت يؤدي الى تأمين وصول الماء بصورة مستمرة الى مدينة الحلة ولا بد هنا من الاشارة الى ان اهم العوامل التي ساعدت على تحويل مجرى نهر الفرات الى الجهة الشرقية ( نهر الهندية ) وهو ما قام به آصف الدولة وزير محمد شاه الهندي في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي لإيصال الماء الى مدينة النجف فشق قناة تاخذ الماء من الضفة اليمنى لنهر الفرات من اعالي مدينة بابل بحدود مائة كيلو متر يجري في اتجاه نهر الكوفة القديم وقد عرف هذا الجدول فيما بعد بنهر الهندية تدريجيا على حساب فرع الحلة الذي كان يالف مجرى الفرات الرئيسي في ذلك الوقت . وفي عام 1830 م اصبح من الضروري اتخاذ التدابير لإيقاف توسع هذا الجدول وتوجيه قسم من مياه الفرات الى الفرع الرئيسي ( الحلة ) الذي بدات مياهه تقل شيئا فشيئا ولكن على الرغم من كل التحوطات التي اتخذت في حينها لم تنفع في توجيه المياه الى مجراه القديم وما ان حلت سنة 1885 م حتى كاد يجف نهر الحلة الأمر الذي ادى الى تحول كل مياه النهر الى جدول أصف الدولة ( نهر الهندية ) ومع تقادم السنوات اخذ نهر الهندية بالتوسع حتى اصبح هو المجرى الرئيسي لنهر الفرات فانقطع الماء عن مجرى بابل القديم نهائيا مما زاد في قلق العشائر المقيمة على نهر الحلة كثيرا وذلك لهلاك مزارعهم وبساتينهم الامر الذ حدى بالوالي مدحت باشا 1869 ـ 1872 م ان يستقدم مهندسين فرنسيين لإصلاح هذه الحالة وقد انتهى هؤلاء المهندسين من عملهم سنة 1890 حيث اقر المهندس الفرنسي ( شوندر فير ) في تلك السنة انشاء سد محكم على صدر فرع الهندية وهو السد المعروف بـ( سد شندر فير ) واستعمل في انشاء هذا السد ما يقارب ستة عشر الف متر مكعب من مخلفات الخرائب في بابل الا ان اهمال اعمال الصيانة في السد ادى الى تصدعه ولم تنفع كل المحاولات اللاحقة بإصلاحه حيث قامت الحكومة العثمانية بإستقدام السير وليام ديلوكس لدراسة مشاريع الري في القطر العراقي فوضع السير وليام تصميما لسد جديد في تقريره المرفوع الى الحكومة العثمانية في سنة 1911 م وقد وضع في الحال موضع التنفيذ وهو نفس المشروع الحالي وقد قامت بإنشاء السدة شركة السيرجون جاكسون المحدودة البريطانية وبإشراف السير وليام ديلوكس وبدا العمل في شهر شباط من عام 1911 م وتم انجاز المشروع خلال سنتين وتسعة اشهر وتم افتتاح المشروع رسميا في اليوم الثاني عشر من شهر كانون الاول من عام 1913 م وقد اقيم احتفال كبير ومهيب خضره والي بغداد وكبار موظفي الدولة وقناصل الدول المعتمدة في بغداد وشيوخ العشائر ووجهاء القوم والاعيان وعمت الافراح وعلت البهجة وتم نحر الذبائح واقيمت الولائم واشتبشر اهالي الحلة خيرا لإستمرار تدفق المياه في المجرى القديم وكأن الدم تدفق من جديد في عروقهم .

ان من دواعي الاسباب لإنشاء هذا السد هو جفاف آلاف الدونمات الزراعية ومساحات شاسعة من البساتين والتي كانت مهددة بالموت والهلاك وما ينتج عن ذلك من خراب زراعي واقتصادي كبير يصيب منطقة الفرات الاوسط اضافة الى ان انشاء هذا السد كان له مردود اقتصادي حيث انشأ الجانب الترفيهي والسياحي في المنطقة لأن انشاءه في منطقة بساتين اضافة الى جانب من البهجة لجمال المنظر .

مستل من مجلة زراعة كربلاء ـ الصادرة عن مديرية زراعة كربلاء المقدسة ـ العدد الثالث / كانون الاول 2007 ص 60 . ( بتصرف )