كربلاء الحضارة والتاريخ 131

منطقة العباسية بطرفيها - التي أنشأها الوالي العثماني مدحت باشا ذات طرق واسعة وفسيحة. وتضم كربلاء مساجد جميلة وفنادق كثيرة وقصورا شاهقة ودورا قوراء، وهذا يدل أن المدينة في تلك الفترة كانت مزدهرة من الناحية العمرانية. ويقول أيضا بأن كربلاء كانت من أمهات مدن ديار العراق في تلك الفترة. ويذكر كذلك بأن الطراز المعماري لأبنية القسم القديم من المدينة يختلف عن القسم الجديد وأزقته ضيقة وكذلك شوارعه(1).
وفي سنة 1918م وصفت مدينة كربلاء بأنها تتكون من جزئين: الجزء الأول يمثل المدينة القديمة والجزء الثاني يمثل الحي الجديد الذي يقع إلى الجنوب والجنوب الغربي. وتحاط المدينة القديمة من ثلاث جهاتها بسور شيد من الطابوق (الآجر) يبلغ ارتفاعه 20 - 30 قدم تقريبا، وموزعا عليه 25 برجا. وللسور خمسة أبواب (مداخل)، أما الجهة الرابعة فمفتوحة باتجاه الحي الجديد.
كما لوحظ أن الشوارع والأزقة في المدينة القديمة ضيقة ومتعرجة أحيانا، والأبنية متراصة وخاصة بين مرقدي الإمام الحسين (ع) وأخيه العباس (ع) ومحيطهما. وتنتشر العديد من الدكاكين (المحلات التجارية) على طول الطريق الذي يربط المرقدين.
أما الحي الجديد، والذي يلاصق المدينة القديمة، فقد شيد على شكل مستطيل وشوارعه مقسمة عمودية وأفقية مفتوحة يتراوح عرضها 20 - 30 قدما، ويضم هذا الحي أبنية حديثة، كسراي الحكومة، ودوائر البلدية ومدرستين جديدتين ومستشفى صغير ذي 80 سريرا، ومراكز للشرطة(2).

(1) عمانوئيل فتح الله عمانوئيل: مجلة لغة العرب، ج5/ ص: 157 - 159، 1329هـ (1911م).
(2) Geographical handbook Series, iraq and the Persian Gulf, Page: 375, september 1944.
كربلاء الحضارة والتاريخ 132


وخلال فترة الانتداب البريطاني، انتشرت في بعض مباني مدينة كربلاء مفردات فنون العمارة العراقية بصورة ملفتة للنظر كزخرفة الخشب (الشناشيل أو المشربيات) والتي يعود تاريخها إلى العصور الاسلامية الأولى، وذلك عندما أستقدمت القوات البريطانية الهنود المهرة والفنيين الذين أبدعوا في صناعة الأعمال الخشبية وزخرفتها(1).



(1) محمد صادق الكرباسي: دائرة المعارف الحسينية، باب مدينة الحسين، تحت الطبع.
كربلاء الحضارة والتاريخ 133

عمارة كربلاء منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1921


بعد قيام الدولة العراقية الحديثة سنة 1921م، ونظرا لموقع مدينة كربلاء الديني والسياحي والجغرافي، بدأ العمران في هذه المدينة يأخذ منحى جديدا كسائر المدن العراقية الكبيرة. فقد انتقلت إليها أساليب جديدة في التصميم والبناء وأنماط وعناصر المفردات المعمارية الغربية، وخاصة في الأبنية التي استحدثت خارج حدود المدينة القديمة. وكانت أقرب المصادر المعمارية هي إنكلترا نظرا لتأثيرها الملموس في تلك الفترة التاريخية من العراق.
بدأ تخطيط المناطق الجديدة من مدينة كربلاء بالابتعاد عن الأزقة الضيقة والطرق الملتوية التي تميز بها الجزء القديم منها وخاصة في المناطق المحيطة بالروضتين، وكان ذلك بحكم ظروف الحروب والغارات التي كانت تتعرض لها المدينة. ولأول مرة استعملت في المباني الجديدة مواد بناء كالاسمنت والحديد وخاصة حديد الشيلمان (I Beam) الذي استعمل بكثرة في تسقيف البيوت والأبنية الأخرى بدلا من أخشاب جذوع النخيل وألواح جذوع الحور (القوغ) وبعض الأخشاب الأخرى، خصوصا في القسم الجديد من المدينة والذي تم تخطيطه في عهد الوالي العثماني مدحت باشا.
وقد أعيد بناء تلك المباني مرة أخرى، نتيجة لتشييدها على أرض سبخة تنز فيها المياه مما أدى إلى انهيارها. وكان سبب ذلك وجود مستنقع

كربلاء الحضارة والتاريخ 134

كبير يحيط بمدينة كربلاء من الناحية الجنوبية والجنوبية الشرقية وعلى طريق كريلاء - الحلة (1).
وقد حافظت البيوت والمباني داخل محيط مدينة كربلاء القديمة على النسيج العمراني والطابع المعماري الخاص بالمدينة، إذ كانت منخفضة وذات طابق واحد إلى طابقين بحيث تلائم طبيعة وبساطة العادات الاجتماعية والوضع الاقتصادي والبيئي. وكذلك لاتتعدى ارتفاعتها ارتفاع السور الخارجي لصحني الروضتين الحسينية والعباسية والتي ظلت على ما هي عليها منذ قرون عدة وذلك حرمة لمكانة المرقدين.
وفي هذه الفترة اشتهرت مدينة كربلاء ببعض العمائر البارزة أشهرها رباط الهنود (الإسماعيلية) المعروفين ب(البهرة)، وكذلك بناية دائرة الماء والكهرباء ودائرة الحكومة ودائرة البرق والبريد وبالإضافة إلى بعض المكتبات ومبنى البلدية الذي كان موقعه في الميدان القديم، وكذلك الأسواق التراثية والعديد من الخانات التي كانت تستقبل التجار والزائرين للسكن فيها(1).
وفي مركز مدينة كربلاء، حيث تكون الروضتان موقع تجمع سكان المدينة ومحور حياتهم، كانت الأسواق تحيط بالروضتين والمباني الدينية الأخرى، وتمتد أمام مداخلها بحيث لا يمكن للزائر إلا أن يمر من خلالها. وتمتاز هذه الأسواق ببساطة بنائها وطابعها المعماري الإسلامي. ومن أهم هذه الأسواق وأشهرها سوق الحسين، وسوق العرب، وسوق المخيم، وسوق العباس، بالإضافة إلى القيساريات التي كانت موزعة ضمن الأسواق(2).

(1) عبد الرزاق الحسني: موجز تاريخ البلدان العراقية، ص: 63 - 64. سلمان هادي طعمة: تراث كربلاء، ص: 96. د. خالد السلطاني: دراسة في عمارة العراق مابين الحرمين، آفاق عربية، عدد 10 / ص: 62 - 85، سنة 1980م.
(1) عبد الرزاق الحسني: العراق قديما وحديثا، ص: 126. تراث كربلاء، مصدر سابق، ص: 102.
(2) د. عماد عبد السلام رؤوف: حضارة العراق، ج10/ ص: 184 - 185. تراث كربلاء، مصدر سابق، ص: 102.
كربلاء الحضارة والتاريخ 135


ومنذ سنة 1354هـ (1935م) وإلى سنة 1367هـ (1948م) بدأت بلدية كربلاء، وعلى مراحل العمل على فتح الشارع المحيط بصحن الروضة الحسينية بحجة تنظيم حركة المرور وسير الزوار. وبسبب التخلف في الرؤية العمرانية والفنية والفكرية من قبل المسؤولين آنذاك، فقدت مدينة كربلاء، نتيجة هذا المشروع أجمل آثارها العمرانية الإسلامية التي كانت جزءا من صحن الروضة الحسينية والتي ظلت شاخصة لقرون عدة، ومن أهمها مئذنة العبد الشهيرة التي كانت تعتبر أحد أجمل الصروح المعمارية في المدينة، وكذلك الصحن الصغير الملحق بها وبعض المعاهد والمدارس الدينية والجوامع(1).
وقد كان بالإمكان تلبية تنظيم متطلبات حركة المرور وتنظيمها وتطويرها وتجنب ما حدث من هدم وتشويه، وذلك باتباع دراسة تخطيطية علمية سليمة بحيث تهدف للحفاظ على الأبنية الدينية والتراثية في المدينة(2).
نشر جاك بيرك - وهو مستشرق فرنسي - سنة 1398هـ (1978م) انطباعاته عن رحلته إلى كربلاء في كتابه «من الفرات إلى الأطلسي» والتي تمت في فترة سابقة لم يحددها، ولكن على ما يبدو أنه زارها في العهد الملكي، حيث يقول: «كربلاء هي مركز لواء عدد نفوسه 217 ألف نسمة، منهم 80% من الحضر، وتضم المنطقة نفسها مدنا شهيرة مثل النجف والكوفة، وتقع على بعد 102كلم إلى الجنوب الغربي من بغداد. فيها أراض زراعية غنية وتليها مباشرة المنطقة الصحراوية. وتمتد قناة الحسينية بمحاذاة نهر الفرات على يسار، وهي إحدى أعمال المهندس الهندي البريطاني

(1) عبد الجواد الكليدار: تاريخ كربلاء وحائر الحسين، ص: 177، 240، 244، 246. محمد حسن المصطفى آل كليدار: مدينة الحسين، ص: 35 - 36.
(2) د. رؤوف محمد علي الأنصاري: مجلة نور، العدد 39/ ص: 6، لندن - أكتوبر 1993م.
كربلاء الحضارة والتاريخ 136

المعروف وايلكوكس الذي أدار فيما بعد الأعمال الهندسية في مشروع أسوان بمصر».
ويتحدث بيرك عن عمران مدينة كربلاء حيث يقول: «إن المدينة تتشابه مع باقي المدن العراقية الأخرى في طريقة البناء، حيث تنتشر البيوت البارزة والشرفات الزجاجية المسندة بقوائم خشبية بسيطة (الشناشيل)، وإلى جانب هذه البيوت التقليدية هناك أيضا الأحياء السكنية المبنية بالاسمنت المسلح، وهي بيوت يسكنها الموظفون والضباط»(1).
وفي سنة 1954م بدأ العمل بتنفيذ بناء «حي الإسكان» من قبل الحكومة والذي خصص لموظفي الدولة ويقع إلى الجنوب الغربي من مركز المدينة على بعد ثلاثة كيلو مترات تقريبا(2).
وفي سنة 1955م استحدث متصرف كربلاء السيد حسن السعد « حي الحسين » الذي يقع إلى الجنوب الغربي من مركز المدينة على بعد 3 كلم على طريق كربلاء. النجف الجديد وملاصقا لحي الإسكان، ويعتبر هذا الحي من أهم الأحياء الحديثة الموجودة حاليا في كربلاء وأوسعها، وقد خطط بطريقة دائرية يتوسطه فندق كربلاء السياحي وتتوزع فيه المناطق الخضراء(3).
وفي الستينات من القرن الماضي استحدثت أحياء جديدة منها: «حي المعلمين» سنة 1960م والذي يقع إلى الغرب من مركز المدينة على بعد 4 كلم تقريبا، و «حي البلدية» سنة 1961م والذي يقع في المنطقة المحصورة بين شارع حي الحسين وشارع المستشفى القديم، وكذلك «حي العباس» سنة

(1) Jacques Berque: De l`Euphrate a Atlas, Paris, Sindbad,1978.
(2) عن ارشيف بلدية كربلاء سنة 1959 م.
(3) عن ارشيف بلدية كربلاء سنة 1959 م.
كربلاء الحضارة والتاريخ 137

1964م والذي يقع على طرق كربلاء - بغداد الجديد ويبعد حوالي 3 كلم عن المركز.
وفي بداية السبعينات ونتيجة لازدياد عدد سكان مدينة كربلاء ونزوح مجاميع سكانية كبيرة من المناطق المحيطة بالمدينة وبعض المدن والقرى الأخرى، أخذت المدينة بالتوسع أفقيا خارج محيطها القديم فاستحدثت أحياء جديدة تقع أغلبها في الجهة الغربية والجهة الجنوبية الغربية من المدينة منها: «حي الحر» و«حي العامل» و«حي النقيب» و«حي الإصلاح الزراعي» و«حي الجمعية سنة 1970م، و«حي رمضان» و«حي الأسرة» و«الملحق» و«حي الصحة» و«حي البنوك» سنة 1975م، و«حي الموظفين» سنة 1976م، و«حي سيف سعد» سنة 1977م، و«حي العروبة» و «حي الثورة» سنة 1978م(1).
وفي سنة 1977م بدأ التخطيط لتنفيذ مشروع شارع المشاة بعرض (40) مترا والذي يربط الروضتين الحسينية والعباسية وانتهى العمل من تنفيذه سنة 1980م. وقد تسبب هذا المشروع في تشويه الطابع المعماري الجميل لمركز مدينة كربلاء بصورة ملفتة للنظر، وجاء مقترنا بعدم الالتفات إلى الأصالة الحضارية للبيئة الإسلامية التي تتميز بها هذه المدينة وكذلك نسيجها العمراني، مما أدى إلى تهديم الكثير من معالم العمارة الإسلامية البارزة فيها، كجزء من سوق الحسين الشهير، وجامع الصافي، ومدرسة بادكوبة الدينية، ومدرسة حسن خان، والبيوت التراثية الجميلة وغيرها. وشيدت على جانبي شارع المشاة مبان غير مننظمة ومن غير دراسة وتخطيط مسبق وبدون تفهم لطابع المدينة العمراني الإسلامي(2).

(1) المعلومات أخذت عن أرشيف بلدية كربلاء وذلك في سنة 1995م. كربلاء في الذاكرة، مصدر سابق، ص: 64 - 65.
(2) د. رؤوف محمد علي الأنصاري: مجلة نور، العدد 39/ ص: 6، لندن - أكتوبر 1993م.
كربلاء الحضارة والتاريخ 138


ونتيجة لازدياد وتدفق مجاميع بشرية جديدة أخرى من القرى والأرياف وبعض المدن العراقية الأخرى بسبب الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980م، بلغ عدد سكان مدينة كربلاء سنة 1985م (184,574) ألف نسمة(1). بعد أن كان عدد سكانها سنة 1971م (102,213) ألف نسمة(2)، أي بلغت نسبة الزيادة خلال 14 سنة 81%. وهذا يقتصر على المدينة وليس على أقضيتها ونواحيها كمحافظة.
ومن جانب آخر، ونتيجة لتوسع بعض شوارع المدينة مثل شارع باب القبلة (أبو الفهد)، وشارع العباس، وكذلك توسيع شارع السدرة، وشارع الجمهورية، وفتح شوارع جديدة داخل المدينة، مثل شارع باب السلطانية، وشارع المحيط، لذلك فقدت الكثير من العوائل مساكنها، ولم تعد مدينة كربلاء بوضعها الموجود قادرة على استيعاب هذا العدد الكبير من السكان وبناء مساكن إضافية جديدة فيها، فأخذت المدينة مرة أخرى تتوسع افقيا خارج محيطها القديم والجديد من الجهة الغربية والجنوبية الغربية بوجه خاص، فاستحدثت أحياء جديدة أخرى وهي: «حي الانتصار» و«حي البهادلية» سنة 1980م، و«حي العسكري» بقسميه في الحر وخلف الطاقة سنتي 1980، 1983م، و«حي الضباط» و«حي الشهداء سنة 1983م، و«حي السلام» سنة 1989م، و«حي الصمود» سنة 1990م، و«حي التحدي» سنة 1992م، وكذلك «حي التعاون» سنة 1992م(3).
وتفتقد معظم الأحياء الجديدة في كربلاء إلى أبسط مقومات الحياة المدنية التي تتميز بها الأحياء السكنية الجديدة في الدول الأخرى، كوجود مراكز تجارية وأسواق شعبية حديثة، والمراكز الحكومية كدوائر البلدية

(1) دائرة المعارف البريطانية، ج6 / ص: 741.
(2) عن نشرة محافظة كربلاء «أضواء كاشفة على محافظة كربلاء»، ص: 25، لسنة 1971م.
(3) عن أرشيف بلدية كربلاء - سنة 1995م. كربلاء في الذاكرة، مصدر سابق، ص: 64 - 65.
كربلاء الحضارة والتاريخ 139

والصحية والمواصلات، وكذلك المراكز الاجتماعية والثقافية وملاعب الأطفال والساحات الرياضية والمناطق الخضراء.
وتتميز مباني هذه الأحياء أيضا بأنها شيدت بأسلوب وطراز معماري يختلف عن البناء القديم السائد في مدينة كربلاء القديمة. فقد اندفع فيه البناؤون إلى النقل والتقليد العمراني الحديث دون الالتفات إلى البيئة العمرانية الأصيلة للمدينة، مما أدى إلى أن تفقد مباني الأحياء الجديدة جزءا من خصائصها العمرانية. ولعل ما قام به النظام البائد بعد انتفاضة أهالي المدينة في آذار 1991م من تهديم لمساحات واسعة لمركز مدينة كربلاء (ما بين الروضتين وما يحيطهما) يمثل ذروة التخريب المعتمد. فأزيلت جميع المعالم العمرانية الإسلامية المميزة، مما أدى إلى فقدان المدينة للكثير من معالم موروثها العمراني الذي كانت تحفل به لقرون عدة، كالمساجد والمعاهد والمدارس الدينية والحسينيات والأسواق والقيساريات والبيوت التراثية الجميلة(1). وتحولت المنطقة الواقعة بين الروضتين إلى ساحة واسعة يبلغ طولها 350 مترا وعرضها 160 مترا(2).
وفي بداية سنة 1997م بدأت بلدية كربلاء بتبليط أرضية الساحة الواسعة (ما بين الروضتين) بالكونكريت وزرعت أجزاء منها أشجار النخيل، وتم منح رخص لبناء فنادق حول هذه الساحة من دون وضع دراسة مسبقة للمركز من الناحية التخطيطية والتصميمية، وعدم اعتماد الطرق الهندسية لتحسين المنطقة. وكذلك تم تشييد مبان تحيط بالمركز لا تتوافق مع فنون عمارة الروضتين والنسيج العمراني للمدينة القديمة.

(1) الأمم المتحدة: المجلس الاقتصادي والاجتماعي - لجنة حقوق الانسان، الدورة 49 / ص: 52، 53، بتاريخ 1993/1/6م.
(2) حسب مخطط مدينة كربلاء لعام 1992م، عن ارشيف بلدية كربلاء.
كربلاء الحضارة والتاريخ 140


إن شق معظم الشوارع الجديدة خلال العقود الماضية بحجة اعادة تطوير المدينة القديمة كان بشكل متعسف وغير مدروس، مما ادى الى تدمير مساحات واسعة وإزالة المباني الدينية والتراثية المهمة، وإلى تهشيم نسيجها العمراني وتجزئئته إلى أجزاء متفرقة تفتقر إلى وحدة الترابط العمراني والاجتماعي المميز لها والذي تبلور عبر قرون عدة. وكذلك الى إضعاف هيبة ومكانة الروضتين وحرمتهما ضمن المحيط العمراني غير المتجانس. وإلغاء كافة الأنشطة الحيوية والتجارية والتي كانت متمثلة بالأسواق والقيساريات والمحلات التجارية، وعدم إيجاد البديل العمراني الاسلامي المميز لهذه المنطقة.
وقد أقيمت خلال السنوات الماضية العديد من الأبنية في محيط الروضتين والساحة الواسعة الواقعة بينهما، يشكل القسم الأكبر منها فنادق صغيرة ومتوسطة الحجم معظمها شيد بشكل مشوه وهجين ولا علاقة له بالتراث والأصالة والطابع المعماري الإسلامي الذي تميزت به المدينة ولقرون عدة.
وانتشرت في محيط مدينة كربلاء، لاسيما في السنوات الاخيرة من حكم النظام المباد وبعد سقوطه أيضا أحياء عشوائية تفتقر الى أبسط خدمات البنى التحتية الضرورية، وقد تجاوز عددها ال (40) حيا.
وفي شهر نيسان (ابريل) 2006م تم تشكيل لجنة هندسية في محافظة كربلاء بالتعاون مع المديرية العامة للتخطيط العمراني في وزارة البلديات والاشغال العامة مهمتها وضع الشروط الخاصة بمشروع تحديث التصميم الأساسي لمدينة كربلاء المقدسة ودعوة المكاتب الاستشارية الهندسية العراقية والدولية المتخصصة في مجال التخطيط العمراني لتقديم عروضها لهذا

كربلاء الحضارة والتاريخ 141

المشروع وفق أسس علمية سليمة، ولكن مع الاسف الشديد أحيل المشروع الى جهة غير مختصة، مما أضاع فرصة كبيرة لاعادة تخطيط المدينة وتطويرها لتكون في مصاف المدن الاسلامية المتميزة في تخطيطها وعمارتها.
وقد عرفت الفترة التي تلت سقوط النظام المباد عام 2003م، بأنها من الفترات التاريخية التي لم تنل هذه المدينة المقدسة والمدن العراقية الاخرى الاهتمام اللازم في مجال الاعمار والتطوير نتيجة استشراء الفساد في مشاريع البنى التحتية، وتهميش وابعاد الكفاءات العلمية والمهنية العراقية المتخصصة بسبب اعتماد نظام المحاصصة الحزبية المقيت في جميع مؤسسات الدولة.
ومن المشاريع التي شابها الفساد خلال هذه الفترة هو مشروع تصميم مركز مدينة كربلاء المقدسة (المنطقة المحصورة بين الروضتين المقدستين وما حولهما).
وقد وجه (المؤلف) المعماري الدكتور رؤوف محمد علي الانصاري - الخبير في العمارة الاسلامية -، رسالة الى رئيس مجلس الوزراء السيد نوري المالكي بخصوص الاجراءات غير القانونية وغير الاصولية التي أتبعت في الاعلان عن إجراء مناقصة تقديم عروض أسعار لمشروعي تصميم مركزي مدينتي كربلاء المقدسة والنجف الاشرف، نشرت في بعض الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية العراقية منها: مجلة الاسبوعية العراقية في عددها المرقم 121 والمؤرخ في 2010/5/16م، جاء فيها:
«تسلمنا دعوة عن طريق البريد الالكتروني بتاريخ 2010/3/29 من المديرية العامة للتخطيط العمراني في وزارة البلديات والاشغال العامة بخصوص المشاركة في مناقصة تقديم عروض اسعار للمشروعين المذكورين أعلاه. ولقناعتنا بأن هذا الاسلوب والطريقة التي أتبعت - وهي الاعتماد على

كربلاء الحضارة والتاريخ 142

قبول أقل الاسعار، وليس على تقديم التصاميم المعمارية التي تليق بمكانة هذه المدن المقدسة ومنزلتها في العالم الاسلامي، بغية إختيار التصميم الانسب والافضل منها -، تتنافى مع السياقات الفنية الدولية المتعارف عليها ... فقد تولد لدينا انطباع بأن هنالك مخططا لإحالة المناقصة الى جهة محددة سلفا، مما دعانا الى عدم المشاركة فيها. وقد تبين بعد ذلك ان الجهة التي أحيلت إليها المناقصة هي ذات الجهة التي رست عليها مشاريع كبيرة في بغداد بالطريقة والاسلوب نفسه. مما يؤكد صحة القرار الذي إتخذناه وهو عدم المشاركة ... خصوصا إذا ما علمنا ان هذه المناقصة هي الثالثة من نوعها لمشروع تصميم مركز مدينة كربلاء المقدسة من قبل الجهات نفسها، ولم تصل الى نتيجة، بسبب عدم أهلية القائمين على هذا النوع من المشاريع، لغياب عامل التخصص، سواء من الناحية المعمارية أو التاريخية العمرانية أو التراثية الاسلوبية والحاجة الى دراسات متخصصة في هذا المجال.
ونظرا لأهمية هذا الموضوع الحيوي، نتطلع الى سيادتكم للنظر بمقترحاتنا الموضوعية التالية بالإيجابية، حفاظا على تراثنا المعماري الاسلامي وبشكل يحفظ سمات المراكز التاريخية المتميزة، للمدن الدينية المقدسة في العراق وهي:
أولا: التفضل بالإيعاز الى الجهات المعنية بوقف كافة الاجراءات غير القانونية وغير الاصولية التي تمت على إثرها إحالة هذه المناقصة الى الجهة التي رست عليها.
ثانيا: تشكيل لجنة استشارية هندسية عليا متخصصة كفوءة ونزيهة، تأخذ على عاتقها مهمة الإعداد والإشراف على هذه المشاريع الحضارية، التي من بينها إقامة المؤتمرات الدولية وإجراء المسابقات العالمية.

كربلاء الحضارة والتاريخ 143


ثالثا: الاستفادة من الخبرات العلمية للمنظمات والمؤسسات العربية والاسلامية والدولية التي تهتم بفنون العمارة الاسلامية، من خلال دعوتهم للمشاركة في المؤتمرات التي ستقام في المدن الدينية المقدسة، كمظمة اليونسكو التابعة للامم المتحدة، ومركز الابحاث للتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية (إرسيكا) باسطنبول التابع لمنظمة التعاون الاسلامي، ومؤسسة الآغا خان للثقافة والعمارة ومقرها في جنيف بسويسرا، وكذلك الهيئات العلمية والاكاديمية العراقية والدولية لإستشارتها في إعادة الوجه الحضاري للمدن الدينية المقدسة في العراق.
ومن المؤسف ان تحذيراتنا لم تجد آذانا صاغية في حينه، نتيجة تخلف معظم القيادات المسؤولة في الدولة، التي تفتقر الى عقلية قديرة وارادة حقيقية تنسجم مع الحاجة الملحة للبلاد والى حركة العمران والتطوير، وفقدت أية قدرة للعطاء والابداع والتكيف مع النظم الجديدة والتطور الحاصل في بلدان العالم، لاسيما الدول المحيطة بالعراق.

كربلاء الحضارة والتاريخ 144


شارع المخيم سنة 1965م
شارع المخيم سنة 1965م

مدينة كربلاء المقدسة سنة 2010م
مدينة كربلاء المقدسة سنة 2010م


كربلاء الحضارة والتاريخ 145

مواد البناء الرئيسية في العمارة التراثية


الحديث عن المواد المستخدمة للبناء في كربلاء والعراق عموما منذ أقدم العصور حتى اليوم يدعونا بالضرورة لدراسة الجوانب التاريخية الخاصة بها، ولاسيما طبيعة هذا المواد ومدى توافرها وتآلفها مع البيئة العراقية، والتواصل الحضاري لتقاليد العمارة والبناء منذ أكثر من خمسة آلاف سنة.
نشأت مدن وادي الرافدين، خصوصا الجنوبية والوسطى منها - حيث تعتبر كربلاء جزءا منها - على أرض رسوبية يؤلف طين السهول قوام مادتها الإنشائية، فلا غرو أن كانت مادة الطين اقدم مواد البناء في تاريخ العراق. واستخدمت كتل الطين المهيئة للعمل - والتي تعرف بالطوف - في مدن الحضارات القديمة - التي نشأت ثم اندثرت في وادي الرافدين - في أقدم المباني والبيوت السكنية التي لاتزال آثار بعضها باقية إلى يومنا هذا مثل مدن أور وبابل والوركاء. واستخدمت أيضا في تشييد المباني في العصور الإسلامية الأولى. ولا يزال استخدامها معروفا في تشييد البيوت الريفية التقليدية في وسط العراق وجنوبه.
وتطور استخدام كتل الطين (الطوف) قديما بوضع كميات من الطين المخمر والمخلوط مع التبن (ما قطع من سنابل نبتتي الحنطة والشعير) في قوالب مضلعة الشكل مختلفة الأبعاد وصولا إلى أشكال منتظمة، للحصول على جدران مستقيمة ذات قوة ومتانة في البناء. وتعرف هذه الكتل الطينية المنتظمة الأبعاد المجففة طبيعيا بواسطة أشعة الشمس ب(اللبن)، ولا يزال

كربلاء الحضارة والتاريخ 146

استخدام اللبن معروفا في العراق على نطاق محدود في البيوت الريفية أيضا، كما أنه يمثل مرحلة متطورة في صناعة الطابوق الطيني قبل إرساله إلى الكور أو الأفران لشيه بالنار وتحويله إلى الآجر.
ولم يتأخر توصل العراقيين لصناعة الطابوق الطيني المفخور (الآجر) كثيرا. فقد وصلتنا أبنية منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد، استخدم فيها الآجر بأحجام مختلفة وإن كان ظل محافظا على شكل المضلع كمل هو في الوقت الحاضر لعلاقة ذلك بدور الآجر في البناء.
وأصبح استخدام الطابوق (الآجر) شائعا في عموم الأبنية العراقية القديمة. ولا يزال استخدامه كبيرا إلى الوقت الحاضر. ويعتبر حاليا العنصر الرئيسي في البناء. ولم تستطع مواد البناء الأساسية الأخرى أن تحل محله، لوفرة مادته الأولية ولسهولة صناعته وكذلك سهولة استخدامه في البناء وقلة تكلفته. ويمتاز أيضا بمقاومة جيدة وقدرة كبيرة على عزل الحرارة والصوت، بالإضافة إلى مرونته وانصياعه حسب رغبة المعمار بحيث يعطي تشكيلات زخرفية معقدة رائعة الجمال، كالحنيات والنتوءات والمقرنصات والزخارف الهندسية والكتابية البديعة.
وهيأ الآجر فرص التوصل لبناء القباب والأقبية والسقوف المعقودة وأقواس المداخل بمساعدة مادة محلية أخرى شائعة هي الجص، التي تساعد في تماسك الآجر بصورة سريعة جدا، وسنأتي على ذكرها فيما بعد. وساعد ذلك في تلافي النقص المعروف في مواد بناء السقوف من ألواح الأخشاب المتينة والمستقيمة. لذلك فإن بناء السقوف المعقودة بطريقة الأقبية هو تواصل معماري قديم النشأة في العراق، وأن أقدم المباني التراثية التي شيدت في

كربلاء الحضارة والتاريخ 147

العراق ولا تزال آثار منها باقية إلى يومنا هذا هي التي بنيت بهذه الطريقة.
ولم يقتصر الآجر بشكله أو حجمه الاعتيادي على أغراض البناء، وإنما صنعت نماذج منه طليت بأصباغ رست عليها أشكال زخرفية بألوان متعددة في ابتكار رائع لأغراض الزخرفة والتزيين فيما يعرف اليوم بصناعة البلاط المزجج (القاشاني) ويطلق عليه محليا بالكاشي الكربلائي.
وتطورت صناعة القاشاني في العراق خصوصا في العصر العباسي بعد أن استورد العباسيون بعض أنواع الخزف الصيني المتطور ذي التعريقات والبقع الملونة الذي كان يصنع في الصين في تلك الفترة. وتوصل الخزافون المسلمون في العصر العباسي أيضا إلى اكتشاف أساليب جديدة في صناعة القاشاني وزخرفته. وكان ذلك إما بطريقة الحز التي تذكرنا بالحفر على المعادن، أو بالضغط على العجينة لتكوين بعض الزخارف البارزة. وكذلك استخدمت طريقة الزخارف تحت الطلاء بلون واحد أو بألوان متعددة.
وصنعت من الآجر أشكال لوحدات زخرفية أو أقسام تؤلف في حالة رصفها هندسيا أشكالا وزخارف هندسية ونباتية رائعة. وكذلك بعض الكتابات وأنواع الخطوط وخصوصا الخط الكوفي الجميل الذي استعمل بكثرة على شكل زخارف لكتابة الآيات القرآنية الكريمة. وبذلك فإن ما نعرفه من استخدامات واسعة لمادة البناء الرئيسية في العراق وهي الطابوق (الآجر) في مجموع الأبنية التراثية وأكثر الأبنية الحديثة التي تقام حاليا، إنما هي استخدامات متطورة عن خبرات في هذه المجالات ترجع إلى العصور القديمة في العراق.

كربلاء الحضارة والتاريخ 148


أما المواد الرابطة بين الآجر، فأكثرها شيوعا الجص - وهو حرق (حجر الجبص غير النقي) الذي فيه نسبة قليلة من الرمل - الذي يصنع محليا، ثم سحقه وتصفيته من الشوائب. وفي حالة إتقان استخدامه يتصلب بسرعة ويؤدي إلى تماسك صفوف الآجر مع بعضها بشكل متين. واستخدم الجص أيضا بعد عزل الشوائب عنه وخلطه مع البورق - وهو حرق حجر الجبص (كبريتات الكالسيوم المائية) بدرجات حرارة واطئة - الذي يزيد الجص بياضا في إكساء واجهات الجدران الداخلية. وتسمى هذه العملية ب(البياض)، إذ أنه يكسب الجدران سطحا مستقيما أبيض اللون ويستغنى عادة عن طلاء الجدران نهائيا بالأصباغ. إضافة إلى شد أجزاء البناء وجعله وحدة متراصة قوية وإعطائه قوة ومتانة أكثر.
واستخدمت قديما النورة - وهو حرق حجر الكلس (كاربونات الكالسيوم) بدرجات حرارة عالية - بعد خلطها مع الرماد لربط مواد البناء في الأسس بسبب مقاومتها العالية للرطوبة.
أما أبنية اللبن، فإن موادها الرابطة أو اللاسقة تكون من الطين نفسه، ولكن بدرجة نقية وخالية من الشوائب. كما استخدم الجص في بعض الأحيان لإكساء الواجهات المشيدة من اللبن بهدف الحصول على جدران فاتحة اللون بيضاء مثلما يزيد الجص من متانة البناء باللبن.
وشاعت في المدن العراقية في السنوات الأخيرة عملية إكساء الجدران الداخلية والخارجية بمادة الاسمنت والرمل الناعم والتي تسمى محليا اللبخ (البلاستر)، وقد تطلى هذه الجدران بالأصباغ في أكثر الأحيان بعد لبخها.
ومن المواد البنائية الأخرى القير (القار الأسود) الذي يكثر وجوده في العراق، ويطفو على سطح الأرض في بعض المناطق مثل هيت والقيارة، فإنه

كربلاء الحضارة والتاريخ 149

يشكل مادة لاصقة للبناء بعد معاملته مع مواد تزيد من كثافته النوعية وتمنع سيولته الشديدة بفعل درجات حرارة الصيف العالية. واستخدم القير في تشييد أبنية مدينتي بابل وأور الأثريتين وذلك بعد خلطه مع التراب والرماد بنسبة ثابتة ليحافظ على سيولته أثناء العمل ويمنعها أثناء درجات الحرارة العالية. كما لوحظ استخدامه قديما في تغليف بعض أحواض المياه ومصاريفها. ولكثرة استخدام القير في منشآت مدينة أور القديمة القريبة أطلالها من مدينة الناصرية في جنوب العراق، أطلق المحليون تسمية (المقير) على أطلال المدينة.
ولكن استخدام القير اقتصر أخيرا، وبحدود المباني التراثية، على تغليف أحواض المياه وبعض مصاريف المجاري، وفرشه على سطوح البيوت والمباني قبل تبليطها لمنع تسرب المياه والرطوبة إلى الطوابق السفلية.
ومن المواد البنائية الأخرى الرئيسية والأخشاب التي كانت أحد العوائق أمام المعمار العراقي القديم بسبب ندرتها وقلة الأنواع الجيدة المتينة والمستقيمة منها. لذلك كان الخشب في مقدمة المواد المستوردة في تاريخ العراق القديم، ولا يزال الطلب على استيراده قائما وذلك للحاجة الماسة إليه في الوقت الحاضر.
أما الخشب المتوافر في العراق، وكان يستعمل بكثرة في الأبنية التراثية، فكان يؤخذ من جذوع النخيل بالدرجة الرئيسية، وهو في نوعيته يعتبر من أردأ أنواع الخشب من حيث من حيث الطول والاستقامة ومقاومة ثقل السقف وتحمل عوارض الزمن. ومع ذلك عرف استخدامه على نطاق واسع في الأبنية القديمة واستمر إلى وقت قريب، ولكنه اقتصر على بيوت الطبقات المتوسطة والفقيرة، وهي البيوت التي لم تعمر طويلا، ويندر أن نجد نماذجها

كربلاء الحضارة والتاريخ 150

بين البيوت التراثية. وأكثر استخدامات خشب جذوع النخيل كعوارض (جسور) في تسقيف الغرف.
أما النوع الثاني من الأخشاب والذي استخدم في البناء فهو ألواح أو جذوع أشجار الحور (القوغ) الذي ينمو بغزارة في المنطقة الشمالية من العراق، وهو أفضل من جذوع النخيل لناحية الصلابة والاستقامة والطول. ولكن قياسا بأنواع من الأخشاب المستوردة، يعتبر أدنى مستوى من حيث النوعية. لذلك نجد أن البيوت التراثية التي تتميز بمتانتها وعمرها الطويل هي تلك التي استخدمت فيها أنواع الألواح الخشبية المستوردة قبل شيوع استخدام العوارض (الجسور) المعدنية (الشيلمان) أي الجسور الحديدية.
يدخل الخشب على نطاق واسع في الاستخدامات البنائية المختلفة. فمنه تصنع الأبواب والشبابيك وتغلف السقوف وبعض الواجهات الداخلية. كما كانت تصنع منه مساند مائلة لرفع الشرفات البارزة من مستوى البناء في الطابق الأول. ونحتت من الخشب أيضا الأعمدة وركبت لها تيجان من قطع خشبية بأشكال زخرفية رائعة تحمل عوارض (جسور) سقوف المساحات المغطاة (الظلة) أو الأواوين الصغيرة. كما عرف استخدام الألواح الخشبية في أبنية غرف الطابق الأول، حيث توضع عموديا لتستند إليها صفوف الطابوق، فتزيد من تماسك الجدار وقوته. فيكون بناء الغرفة من قطع خشبية توضع أفقيا وعموديا بمسافات منتظمة وتملأ الفراغات بينها ببناء الآجر الذي غالبا ما يرصف عموديا. اما أوسع أقسام المبنى استخداما الخشب فهي الشرفات البارزة عن مستوى البناء في الطابق الأول وتعرف ب(الشناشيل). إذ يكون بناء هذه الشرفة من الخشب بدلا من الطابوق والحديد للتغلب على مشاكل الثقل في التوسعة، وكذلك مساعدة الخشب في تحقيق برودة الجو الداخلي للغرفة

كربلاء الحضارة والتاريخ 151

في فصل الصيف. وغالبا ما تتعرض هذه الشرفات إلى تساقط أشعة الشمس عليها لفترة طويلة. والشناشيل المصطفة على طول الطريق توفر أيضا مظلة طويلة يحتمي بها المشاة من شمس الصيف وأمطار الشتاء.
انتشرت الزخرفة في الأعمال الخشبية وأظهر النجارون تفوقا في الدقة والمهارة في أعمال التكسية الخشبية والنوافذ، خصوصا في بعض الألواح والمشبكات التي ظهرت بخصائص متميزة في الواجهات الداخلية للأبنية. وأما الحديد، فمع ندرة استخدامه في الأبنية التراثية والقديمة في العراق، إلا أن القليل الذي عرف منه هو استخدامه كواجهات واقية للشبابيك أو الشرفات، وخاصة تلك التي تشرف على الشوارع والأزقة فتوفر عنصر الحماية للبيت من احتمالات السرقة.
والأشكال الأخرى التي نعرفها من استخدامات الحديد كانت عبارة عن قضبان تتفاوت في سماكتها، وتثقب من مفاصل تتباعد بمسافات محسوبة وذلك عن طريق التسخين والطرق، مما يهيئ سطحا مستويا في القضيب الحديدي الدائري. وتعمل ثقوب في قلب هذه الأجزاء المسطحة ليمر منها عمود آخر وصولا إلى شكل مشبك حديدي مستطيل أو مربع الشكل مقسم إلى مربعات أو مستطيلات صغيرة متساوية المساحة. واستخدم الحديد أيضا كأسيجة في الطابق الأول عند إطلالة ممراته على الساحة الداخلية المكشوفة وتسمى هذه الأسيجة بـ(الدرابزين). ويستخدم الحديد كذلك كمساند روافد الشرفات البارزة من بناء الطابق الأول بدلا من المساند الخشبية في بعض الأحيان. هذا إضافة إلى استخدام أقسام حديدية صغيرة من أجزاء الوحدات الخشبية كمسامير ذات رؤوس دائرية مزخرفة أحيانا.

كربلاء الحضارة والتاريخ 152


مع مطلع القرن حالي أخذت مواد البناء الحديثة تطرق أبواب بالبيوت، وكان في مقدمها الروافد الحديدية أو الجسور الحديدية (الشيلمان) المتميزة بمقطعها على شكل حرف I الإنكليزي، فكانت بديلا مفضلا للجسور الخشبية السابقة.
ويتم توزيع هذه الجسور على سقف الغرفة وبأبعاد متساوية حسب مقاييس الغرفة بحيث لاتتجاوز المسافة بين جسر وآخر المتر الواحد ولا تقل عن 90 سنتمتراً، وتعتمد هذه المسافة على عرض الغرفة وكذلك على مقطع الشليمان. أما المسافات بين الجسور الحديدية فأنها تبنى على شكل عقود بالآجر والجص وهي المواد الافضل للظروف المناخية في العراق, كما حافظ استخدامها على استمرار تقاليد بناء العقادة بالآجر في الأبنية العراقية. ومع استخدام الجسور الحديدية بكثرة، توافرت في الأسواق أنواع من القضبان الحديدية وبأقطار مختلفة، وأخذت مادة الاسمنت تشيع في البناء تدريجيا. وبدأ ظهور الخرسانة المسلحة التي تشكل القضبان الحديدية والاسمنت والحصى والرمل موادها الأساسية بحيث استخدمت في الأسس والسقوف، فحلت في كثير من الأبنية محل الجسور الحديدية وخصوصا في الأبنية العامة ذات القاعات الكبيرة والعمارات ذات الطوابق المتعددة. ومع استخدام الخرسانة المسلحة راح يختفي المعمار الماهر الذي قدم الكثير من روائع فنون العمارة التراثية في كربلاء والعراق عموما والتي لا يزال الكثير منها قائما الى يومنا هذا.

كربلاء الحضارة والتاريخ 153

الفصل الثالث كربلاء ... المباني الدينية

توطنة:
اشتهرت مدينة كربلاء المقدسة - كما مر بناء سابقا - بمعالم حضارية ودينية تميزت بأروع فنون العمارة الإسلامية النابعة من جذورها الراسخة في القدم وأصولها الشرقية. إضافة إلى ما استوحته من الفن الإسلامي الرفيع وأسسه الجمالية، كالمراقد والمساجد والحسينيات والمقامات والمدارس الدينية والتي كان لها دور بارز في الحياة الثقافية والاجتماعية للمدينة.
إن من يمعن النظر في عمارة المراقد المقدسة والمباني الدينية الأخرى التي أزدهرت في كربلاء عبر العصور، يرى فيها سمة إسلامية خالصة تدل بوضوح على مدى الرقي الفني الذي وصلت إليه فنون العمارة الإسلامية في هذه المدينة المقدسة.
ويعتبر جامعا ومرقدا الإمام الحسين وأخيه العباس (الروضتان الحسينية والعباسية) أبرز معالم فنون العمارة الإسلامية البارزة في هذه المدينة المقدسة، حيث التعامل الفني مع حلل الذهب والفضة والتشكيلات الزخرفية الرائعة من الفسيفساء والقطع الصغيرة من المرايا المزججة التي تزين الروضتين وتضفي عليهما مسحة من البهاء والروعة. ولقد استخدمت المقرنصات المعقدة كعنصر هام من عناصر الزخارف المعمارية وخاصة داخل الروضتين وعند المداخل الخارجية لصحنيهما وتحت شرفات المآذن.

كربلاء الحضارة والتاريخ 154


وتميزت عمارة الروضتين المقدستين بخصائص عمرانية مهمة هي فخامتها وارتفاع جدرانهما وأبوابهما واستعمال أغلى المواد البنائية المستوردة فيهما كالرخام والمرمر والأخشاب النادرة.
وتبدو معالم عمارة الحسينية المقدسة مهيبة في احتوائها على على معان روحية رسخت أسس فكر فناني العمارة الاوائل، وشكلت أساسا ونموذجا يقتدى به في العمائر الدينية اللاحقة للعتبات المقدسة التي شيدت في العراق.
ومن الخصائص العمرانية الأخرى التي تميزت بها المباني الدينية في كربلاء - وخصوصا عمارة المراقد المقدسة - هي استعمال مواد البناء المحلية كالطابوق (الآجر) والجص والبلاط المزجج (القاشاني) الملون الذي اشتهرت مدينة كربلاء بصناعته في تزيين القباب والمآذن والجدران والعقود والمداخل وغيرها.
وتمتاز روضتا مدينة كربلاء أيضا بقبابهما ومآذنهما المغطاة بقشرة خفيفة من الذهب والقسم الآخر منها كسي بزخارف من القاشاني الجميل المزين بكتابات من الخط الكوفي على شكل زخارف وكتابة الآيات القرآنية الكريمة.
وفي هذا الفصل سيتركز البحث على عمارة المباني الدينية ويتألف من:
  • الروضة الحسينية.
  • الروضة العباسية.
  • مراقد المعارف في كربلاء.
  • المقامات.
  • مبنى المخيم.

    كربلاء الحضارة والتاريخ 155

  • المساجد.
  • الحسينيات.
  • المدارس والمعاهد العلمية الدينية.
  • قطارة الامام علي (ع).

    كربلاء الحضارة والتاريخ 156

    الروضة الحسينية


    يعتبر جامع ومرقد الامام الحسين (الروضة الحسينية) من ابرز معالم العمارة الاسلامية في مدينة كربلاء المقدسة، ويضم رفات الامام الحسين (ع) سبط الرسول الكريم (ص)، الذي استشهد في واقعة الطف سنة 61 هـ (680م) كما أسلفنا. وتقع الروضة في وسط المدينة القديمة. وتمتاز بفخامتها وطرازها المعماري الاسلامي الفريد. وتعتبر اهم المعالم الدينية في العراق والعالم الاسلامي. وقد مرت عمارة الروضة الحسينية بمراحل عمرانية مختلفة منذ تشييد أول بناء على القبر والى يومنا هذا، وفيما يلي اهم المراحل:
    العمارة الاولى
    إن اول بناء اقيم على قبر الامام الحسين (ع) بعد واقعة الطف كان من قبل المختار بن ابي عبيدة الثقفي سنة 66 هـ(686م)، اي بعد قرابة خمس سنوات على استشهاد الامام الحسين (ع)، فقد شيد عليه في هذه الفترة بناء مسقف ومسجد كان له بابان أحدهما نحو الجنوب والآخر نحو الشرق. والبناء تعلوه قبة من الطابوق (الآجر) تعتبر اول قبة شيدن في الاسلام(1).
    ويذهب بعض المؤرخين الى ان اول قبة بنيت في الاسلام هي قبة مسجد الصخرة في مدينة القدس الشريف التي شيدها عبد الملك بن مروان الاموي سنة 72 هـ (691م)(2). وربما يعود ذلك الى عدم التوسع في المصادر التي اعتمد عليها هؤلاء المؤرخون في استنتاجهم وقلة معرفتهم بتاريخ عمران

    (1) محمد حسن مصطفى الكليدار: مدينة الحسين، ص: 20 د. عبد الجواد الكليدار: تاريخ كربلاء وحائر الحسين، ص: 81. د. رؤوف محمد علي الأنصاري: مجلة النور، العدد 61/ ص: 3، لندن 1417هـ(1996م).
    (2) الشيخ طه الولي: المساجد في الإسلام، ص: 277، ط1، دار العلم للملايين - بيروت، 1409هـ(1988م).
    كربلاء الحضارة والتاريخ 157

    مدينة كربلاء(1)، او اعتبارهم العمران خاصا بالحكم فقط. وبقي بناء المرقد الذي تعلوه القبة الى زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي هدمها في اواخر ايام حياته وكرب موضع القبر وذلك سنة 193 هـ(809م)(2).
    العمارة الثانية
    اما العمارة الثانية فقد اقيمت على قبر الامام الحسين (ع) في عهد الخليفة العباسي المامون سنة 198 هـ (813م) حيث اقيم بناء شامخ على القبر من الطابوق الاجر والجص بقي الى سنة 236هـ (850م)(3).
    وحين تولى الخليفة العباسي المتوكل الحكم قام بهدم مرقد الامام الحسين ثلاث مرات خلال فترة حكمه وذلك في السنوات 236هـ(850م) و237هـ (851م) و(861م)(4).
    العمارة الثالثة
    وأما العمارة الثالثة فهي التي شيدت في عهد الخليفة العباسي المنتصر بالله بن المتوكل سنة 247 هـ(861م)، حيث أقيم بناء على قبر الامام الحسين تعلوه قبة من الآجر والجص، ولكن هذا البناء سقط سنة 273هـ (887م) وبقي المرقد مكشوفا لمدة عشرة سنوات(5).
    العمارة الرابعة
    تجددت عمارة المرقد الرشيف للمرة الرابعة من قبل الحسن بن زيد ملك طبرستان وديلم الملقب ب(الداعي الكبير) واخوه محمد بن زيد الملقب ب(الداعي

    (1) د. رؤوف محمد علي الأنصاري: مجلة النور، العدد 61/ ص: 3، لندن 1417هـ (1996م).
    (2) السيد حسن الصدر: نزهة اهل الحرمين في عمارة المشهدين، ص: 27، ط2، مطبعة أهل البيت - كربلاء 1384هـ (1965م). السيد محسن الأمين: اعيان الشيعة، ج1 /ص: 627.
    (3) د. عبد الجواد الكليدار: تاريخ كربلاء وحائر الحسين، ص: 162. نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين، ص:34.
    (4) ابن جرير الطبري: تاريخ الرسل والملوك، ج9 / ص:185.
    (5) تاريخ كربلاء وحائر الحسين، ص: 164 و168. عبد الرزاق الحسني: العراق قديما وحديثا، ص:129.
    كربلاء الحضارة والتاريخ 158

    الصغير) ويلقبان أيضا بجالبي الحجارة وينتهي نسبهما الى الامام الحسن بن علي بن ابي طالب (ع)، فقد شيدا فوق القبر بناء تعلوه قبة عالية من الطابوق (الآجر) والجص ومن حول البناء سقيفتان اتخذتا كمسجد وأحاطاها بسور، وقد تم الانتهاء من البناء سنة 283هـ (896م)(1).
    العمارة الخامسة
    والعمارة الخامسة للمرقد الشريف هي التي شيدها عضد الدولة البويهي ما بين سنتي 369-371 هـ (980-982م) حيث جدد عمارة المرقد وصارت تعلوه قبة مرتفعة من الطابوق الآجر والجص، وشيد الاروقة من حوله وكان هناك باب في كل جانب من جوانب البناء، وقد زين المرقد من الداخل بخشب الصاج الآحمر، وأحاطه بصحن واسع، يحيطه سور عال وكان يوجد لهذا السور أربعة ابواب واحد منها في كل جانب من جوانبه. وكذلك قام عمران بن شاهين أمير البطائح في جنوب العراق في عهد عضد الدولة ببناء المسجد والرواق والملحق بالحضرة والذي يقع في الجانب الغربي من الحرم الذي سمي باسمه ويعرف اليوم برواق السيد ابراهيم المجاب(2).
    العمارة السادسة
    تجددت عمارة مرقد الامام الحسين (ع) في اوائل القرن الخامس للهجرة للمرة السادسة لان البناء الذي شيده عضد الدولة انهار سنة 407 هـ(1017م) نتيجة سقوط شمعتين كبيرتين فاحترقت قبة المرقد والاروقة وظل المرقد على هذا الحال حتى امر الحسن بن الفضل الرامهرمزي وزير الدولة البويهية بتجديد

    (1) محمد حسن مصطفى الكليدار: مدينة الحسين، ص:24- 25. تاريخ كربلاء وحائر الحسين، ص: 168. نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين، ص: 32.
    (2) جعفر الخياط: موسوعة العتبات المقدسة - قسم كربلاء، ص: 260. دائرة المعارف الإسلامية، ج4 / ص: 637. مدينة الحسين، ص: 25 - 28 شمس الدين محمد الذهبي: دول الإسلام، ج1/ ص: 224، تحقيق فهيم محمد شلتوت ومحمد مصطفى إبراهيم - القاهرة، 1974م. iraq & the persian gulf - Naval intelligence Division, page: 537
    كربلاء الحضارة والتاريخ 159

    عمارة المرقد فشيد من الطابوق الاجر والجص، وشيد ايضا سورا للحائر الحسيني وهذا البناء هو الذي شاهده الرحالة ابن بطوطة وذكره في رحلته الى كربلاء التي كانت سنة 727هـ (1327م)(1).
    العمارة السابعة
    تجددت عمارة الروضة الحسينية للمرة السابعة سنة 767هـ (1366م) بأمر من السلطان أويس بن الشيخ حسن الجلائري، حيث اقيم بناء شامخ على القبر من الطابوق الآجر والجص تعلوه قبة عالية من الاجر ايضا، وتحف بها مئذنتان في مقدمة الحرم، واكمل ولداه السلطان حسين والسلطان احمد سنة 786هـ(1384م) عمارة ابيهما، وهي العمارة القائمة حاليا، كما شيد البهو الامامي للحضرة المعروف ب(إيوان الذهب)(2) وقام امين الدين مرجان، الوالي على بغداد من قبل السلطان أويس، في نفس الفترة اي سنة 767هـ (1366م) بتشييد مئذنة كانت تعرف ب(مئذنة العبد) شيدت من الطابوق الآجر والجص وتقع في الجهة الشرقية من صحن الروضة الحسينية وبنى جانبها مسجدا صغيرا(3).
    وقد طرأت على بناء الروضة الحسينية بعض الاضافات والترميمات والتحسينات في مراحل تاريخية مختلفة وخاصة أيام الصفويين والعثمانيين والقاجاريينز ففي سنة 914هـ (1508م) أهدى الشاه اسماعيل الصفوي صندوقا بديع الصنع من الفضة نصب فوق القبر الشريف، وأمر بتذهيب حواشي الضريح ويعتبر هذا اول عهد بدأ فيه بادخال الذهب على البناء(4).

    (1) ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج9/ ص: 295. تاريخ كربلاء وحائر الحسين، ص: 180. د. صفاء خلوصي: موسوعة العتبات المقدسة لجعفر الخليلي- قسم كربلاء، ص: 199.
    (2) عبد الحسين الكليدار آل طعمة: بغية النبلاء في تاريخ كربلاء، ص: 70-71. مدينة الحسين، ص: 32 - 33. تراث كربلاء، ص: 43.
    (3) محمد باقر مدرس: شهر حسين، ص: 289 - 290. مدينة الحسين، ص: 34.
    (4) عباس العزاوي: تاريخ العراق بين احتلالين، ج3 / ص: 316، ط1، مطبعة التفيض الأهلية - بغداد 1357هـ (1939م).
    كربلاء الحضارة والتاريخ 160


    وفي سنة 984 هـ (1576م) قام الوالي العثماني علي باشا الوندزادة بأمر من السلطان العثماني مراد الثالث بتعمير جامع الحسين وقبته المنورة(1).
    وفي سنة 1032 هـ(1623م) أمر السلطان عباس الكبير الاول بصنع غطاء لضريح الامام الحسين من الفضة، وكسا القبة من الخارج بالبلاط الكاشاني الاخضر، وامر بزخرفتها بقطع من الفسيفساء من الداخل(2).
    وفي سنة 1048 هـ(1638م) أمر السلطان العثماني مراد الرابع بتعمير وتجديد قبة الروضة الحسينية وقد بنيت من الطابوق الاجر والجص وكسيت من الخارج بالجص(2).
    وفي العهد القاجاري تم طلاء قبة الروضة الحسينية بالذهب ثلاث مرات، وكان اول من قام بطلائها هو السلطان آغا محمد خان مؤسسس الدولة القاجارية وذلك سنة 1207 هـ(1793م) اما الطلاء الثاني فقد كان في عهد السلطان فتح علي شاه القاجاري وذلك سنة 1232هـ(1817م) وأمرت زوجته بطلاء المئذنتين بالذهب حتى اسفل الشرفة.
    وفي سنة 1276هـ(1860م) أمر السلطان ناصر الدين شاه القاجاري بتجديد كسوة المرقد وتبديل صفائح الذهب وطلاء القبة بالذهب للمرة الثالة وشيد إيوانه الكبير المعروف اليوم ب(الإيوان الناصري)(4).
    وفي سنة 1281هـ(1864م) قام الوزير القاجاري ميرزا موسى بتجديد الإيوان الذي شيده الشاه سليمان الصفوي في القسم الشمالي من الصحن

    (1) كلشن خلفا، ص: 208.
    (2) مدينة الحسين، مصدر سابق، ص: 38.
    (3) عبد الحميد الخياط: تاريخ الروضة الحسينية، ص: 10، دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع، 1376هـ(1957م).
    (4) السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني: جولة في الأماكن المقدسة، ص: 86. نور الدين الشاهرودي: تاريخ الحركة العملية في كربلاء، ص: 20- 21. شهر حسين، مصدر سابق، 290 و246.

    السابق السابق الفهرس التالي التالي