بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أفضل الخلق اجمعين ، سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين .
وبعد . .
السيدة زينب الكبرى : ثاني اعظم سيدة في سيدات أهل البيت المحمدي ، كانت حياتها تزدحم بالفضائل والمكرمات ، وتموج بموجبات العظمة والجلالة ، والقداسة والروحانية ، وتتراكم فيها الطاقات والكفاءات والقابليات ، ومقومات الرقي والتفوق .
من هنا . . فكل صفحة من صفحات حياتها المشرقة جديرة بالدراسة والتحقيق ، فمن ناحية تعتبر القراءة في ملف حياتها نوعاً من أفضل انواع العبادة وسبل التقرب إلى الله سبحانه ، لأنها
إطلاع على حياة سادات أولياء الله تعالى .
ومن ناحية أخرى : التدبر في اللقطات التاريخية التي وصلت إلينا عن حياة هذه السيدة يعطي الانسان دروساً مفيدة تنفعه في كثير من مجالات حياته .
يضاف إلى ذلك : أن التأليف عن حياتها المتلألأة يعتبر محاولة لإعطاء صورة واضحة عن خير قدوة للنساء المؤمنات ، بل خير مقتدى لكل امرأة تبحث عن السعادة في الحياة ، والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض .
وكم هو جيد وجميل أن نقرأ حياة هذه السيدة العظيمة في كتاب خط بقلم واحد من ألمع المتألقين في سماء الخطابة والتأليف ، ورجل شجاع من أبرز المجاهدين ـ في سبيل الله ـ بلسانه وقلمه ، ألا وهو العلامة الكبير ، والخطيب البارع : السيد محمد كاظم القزويني ، رضوان الله عليه .
إن طبيعة كون العلامة القزويني خطيباً حسينياً مميزاً ، ومحاضراً اجتماعياً قديراً ، كانت تجعله يتوصل إلى كثير من النتائج النافعة في مجال دراسة حياة السيدة زينب الكبرى عليها السلام .
ولعل أول مرة انقدحت في ذهنه فكرة التأليف عن حياة السيدة زينب ، هو يوم كان مشغولاً بتأليف كتابه عن حياة سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ، سنة
1396 هـ ، لكن العوائق كانت تحول بينه وبين تطبيق الفكرة وتحقيق تلك الأمنية .
وإلى أن عزم على الكتابة ، وبدأ بالتأليف عن حياة السيدة ، في سنة 1409 هـ .
لقد كان العلامة القزويني يحاول ـ بكل جد ـ جمع مواد تاريخية كافية عن مرحلة ما قبل فاجعة كربلاء في حياة السيدة زينب ، وتسليط الأضواء الكشافة على جوانب تلك المرحلة ، وتناولها بلمسات تحليلية ، فلقد عاشت السيدة ـ قبل الفاجعة العظمى ـ حوالي ستاً وخمسين سنة ، وكانت حياتها مليئة بالحوادث والوقائع والمستجدات ، وكان لها دور مهم في جميع تلك الحوادث ، فقد كانت قوية الشخصية ، وسيدة مواقف ، وصاحبة كلمة ، وزعيمة دور قيادي لنساء أهل البيت . . بل للنساء المؤمنات جمعاء .
لكن . .
لكن ماذا عن حياتها يوم كانت طفلةً في عمر الزهور وفقدت أمها الزهراء ؟ !
وماذا عن حياتها يوم كانت بنتاً في دار أبيها ؟ !
وماذا عن حياتها حين كانت سنداً وظهراً لوالدها وأخويها ؟ !
وماذا من عينات ومعلومات عن حياتها الزوجية ؟ !
وماذا كانت مناهجها في تربية اطفالها وثمرات فؤادها ؟ !
وماذا كان سر نجاحها في إدارة بيتها العائلي ؟ !
وما هي تفاصيل دورها القيادي والإصلاحي في التوجيه النسوي ؟
وماذا عن دروسها ومحاضراتها التي كانت تلقيها على نساء الكوفة مدة أربع سنوات ؟
وكيف استطاعت أن تجمع بين الحجاب والثقافة ، والعفة والتعليم ، والدين والحضارة ، والمنزل والمجتمع ؟ ؟ !
وماذا عن جانب العبادة ، والزهد ، والسخاء ، وحب الخير للآخرين . . في حياتها ؟ ؟ !
وماذا عن العلوم التي وصلت إليها مباشرة . . ودون التعلم من أحد ؟ ! !
وما هي ـ بالضبط ـ مميزاتها الفريدة التي جعلتها ـ بجدارة ـ ثاني اعظم سيدة في نساء أهل البيت . . بل في سيدات تاريخ البشر ؟
وما هي مواصفاتها النفسية النادرة التي أهلتها ان تبقى كوكباً مضيئاً يحلق في سماء المجد والخلود ؟ ويظل إسمها لامعاً ـ إلى جنب إسم أخيها الإمام الحسين ـ رمزاً لخير من نصر الدين ، وصرخ في وجه الظالمين ؟ !
وما هي الصورة الواضحة التي أعطتها السيدة زينب عن المرأة المؤمنة المثالية ؟ !
وماذا . . وماذا . . ؟ ؟
أجل . .
كان العلامة القزويني يبذل قصارى جهده في جمع المواد التاريخية عن حياة هذه السيدة العظيمة ، لكنه ـ مع الأسف ـ أصيب بمرض عضال ، وصار المرض ينخر في جسمه بسرعة ، ويجعل سير التأليف بطيئاً ، حتى أودى به إلى الوفاة ، قبل إكمال بعض فصول هذا الكتاب .
وقد كتب بعض صفحات هذا الكتاب على سرير «مستشفى ابن سينا» في الكويت ، حيث كان راقداً هناك لاجراء بعض الفحوصات الطبية وماحولة إكتشاف علاج لمرضه .
وقد كانت رغبته لإنجاز وإكمال هذا الكتاب شديدة وملحة ، لأسباب متعددة ، منها :
1 ـ انه رأى في المنام رؤيا شجعته على مواصلة هذا التأليف .
2 ـ لإحتمال وفاته بسبب المرض الذي أصابه .
أما الرؤيا ، فإنه ـ في أثناء تأليف الكتاب وبعد فراغه من كتابة فصل (مروان يخطب بنت السيدة زينب ليزيد بن معاوية) ـ رأى في المنام المجتهد الفقيه آية الله السيد حسين القمي ـ المتوفى سنة
1367 هـ قد اقبل إليه واعتنقه معانقة حارة ، وقال له ـ بصيغة الدعاء : «قبل الله يدك» ، أو بصيغة الإخبار ـ : «إن الله تعالى يقبل يدك» !
واستيقظ السيد المؤلف من نومه ، وصار يفكر ـ طويلاً ـ في تفسير رؤياه حيث اعتبرها رؤيا مهمة ، ورغم انه كانت لديه معلومات واسعة وخبرة جيدة في علم تفسير الأحلام إلا أنه استفسر عن تعبير رؤيا من أحد العلماء المتخصصين في تعبير المنام .
فقال له العالم : هل قمت بخدمة لواحدة من أقرباء الامام الحسين (عليه السلام) مثل : زوجته أو أخته ؟
فقال السيد : نعم ، انا مشغول بتأليف كتيب حول السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) .
فقال العالم : إن خدمتك نالت رضى الإمام الحسين (عليه السلام) وتفسير كلمة «إن الله يقبل يدك» هو : أن الله تعالى قد تقبل منك ما كتبته .
* * * *
وحين تأليفه لهذا الكتاب كان يطلب مني أن أصطحب معي ما كتبه إلي داري ، لألقي نظرة فاحصة على الكتاب ، وأبدي بعض الملاحظات أو الإقتراحات .
وبعد وفاته (رحمة الله عليه) رأيت القيام ببعض اللمسات
التكميلية على الكتاب ، مع الانتباه إلى بعض الصلاحيات التي منحها لي في السنوات الأخيرة من حياته .
رأيت القيام بهذا الأمر لسببين :
الأول ـ وهو السبب الرئيسي ـ : القيام بخدمة متواضعة لسيدتي ومولاتي زينب الكبرى عليها السلام .
الثاني : براً مني بوالدي رحمة الله عليه .
* * * *
وأود جلب إنتباه القارئ الكريم إلى عدة نقاط :
الأولى : لقد حاولت ـ قدر الإمكان ـ أن أجعل فاصلاً مميزاً بين الكتاب والإضافات التي هي مني ، فجعلت الإضافات في الهامش ، وكتبت في نهايتها : «المحقق» .
وهذا ما سيشعر به القراء الكرام الذين تعودوا على نكهة قلم السيد الوالد .
النقطة الثانية : إن الفصل الأخير من هذا الكتاب ـ بكامله ـ هو من إضافاتي ، لكني حاولت ـ غالباً ـ ذكر الأشعار التي كنت أعلم إعجاب الوالد بها .
النقطة الثالثة : كان عملي ـ في إعداد الكتاب ـ : عبارة عن مراجعة الكتاب من أوله إلى آخره ، وضبط نصوصه ، وذكر مصادره ، وشرح بعض الكلمات
الغامضة بعد مراجعة كتب اللغة .
النقطة الرابعة : بما أن هناك اختلافاً في أرقام صفحات وأجزاء المصادر ، لتعدد طبعات بعض الكتب ، فقد ذكرنا في نهاية الكتاب قائمة بأسماء المصادر الرئيسية ، لبيان الإسم الكامل للكتاب والمؤلف ، وذكر سنة ومحل طبع الكتاب ، تسهيلاً للقارئ الكريم .
والآن . . إليك لمحة خاطفة وسريعة جداً عن حياة مؤلف هذا الكتاب : العلامة القزويني :
هو السيد محمد كاظم بن المجتهد الفقيه آية الله السيد محمد إبراهيم بن العالم الكبير المرجع الديني في عصره : آية الله العظمى السيد محمد هاشم الموسوي القزويني .
ولد في مدينة كربلاء المقدسة ، سنة 1348 هـ ، وهو ينحدر من أسرة تموج بالفقهاء والعلماء ، والخطباء والشعراء ، ورجال الفكر والأدب والقلم ، وتعتبر أسرته من أشرف الأسر والعشائر التي سكنت أرض كربلاء منذ أكثر من مائتين وخمسين سنة .
وقد شاءت المقدرات الإلهية ان يكون السيد المؤلف وحيد ابويه ، فقد كان الموت قد اغتال ـ قبل ذلك ـ جميع اخوته ش وأخواته ، البالغ عددهم ثلاثة عشر ولداً . . ما بين ولد وبنت ، وكان جميعهم براعم في عمر الصبى والطفولة .
ثم وجهت الحوادث سهامها إليه منذ عمر الطفولة ، ففجع بوفاة والدته الحنونة وعمره عشر سنوات ، فصار الطفل المدلل لوالده ، وبلغ الثانية عشرة من عمره ، فمات والده ، وبعد ذلك تعرض لظروف قاسية عصفت بحياتته من كل جانب ، لكن نسبة «الثقة بالنفس» و«التوكل على الله تعالى» كانت قوية في نفسيته ، فجعلته صامداً أمام تلك الأعاصير !
أكمل دراسته الدينية في الحوزة العلمية في مدينة كربلاء المقدسة ، حتى بلغ درجة عالية من العلم والثقافة ، وتخصص في الخطابة والمنبر فكان من أبرز الخطباء في عصره .
كانت له محاضرات دينية مركزة في ليالي شهر رمضان المبارك ، وكانت مجالسه تمتاز بكونها تربوية وتوجيهية . . وليست تاريخية بحتة ، وامتازت ـ أيضاً ـ بأن غالبية الحضور ـ في محاضراته ـ كانوا من الشباب والطبقة المثقفة الواعية .
وقد ربى العلامة القزويني عدداً كبيراً وجيلاً مميزاً من خطباء المنبر الحسيني ، هم اليوم من أبرز وأشهر خطباء العالم الإسلامي الشيعي في عصرنا الحاضر .
في سنة 1380 هـ أسس مؤسسة دينية باسم (رابطة النشر الإسلامي) كان هدفها تزويد مسلمي العالم بالكتب التي تتحدث عن مذهب أهل البيت ، مجاناً وبلا ثمن ، وكان نشاط هذه المؤسسة مركزاً في البداية على بلاد المغرب العربي ، ثم شمل الجزائر وليبيا وتونس ، وبعض الدول الإفريقية كالسنغال ونيجيريا .
واستطاع السيد القزويني ـ عن طريق هذه المؤسسة ـ أن ينبه كثيراً من المغاربة المغفلين الذين كانوا يتخذون (يوم عاشوراء) يوم عيد وسرور وافراح وأعراس ، على طريقة بني أمية .
فقد كان يوم العاشر من المحرم أكبر عيد شعبي في بلاد المغرب ، وكان يعرف باسم (عيد عاشوراء) فسار السيد القزويني إلى تلك البلاد سنة 1388 هـ ، ونشر مقالة نارية ملتهبة في صحيفة «العلم» المغربية قبل يوم عاشوراء باسبوعين ، ندد فيها المغاربة عن اتخاذ يوم حزن آل الرسول يوم عيد وفرح ، واعتبر ذلك تحدياً سافراً وحرباً ضد النبي الكريم ، وأنذرهم الأخطار الكبيرة الناتجة عن هذا الموقف المخزي تجاه أسرة رسول الله الطيبة الطاهرة المطهرة !
فاستولى الخوف والفزع على المغاربة ، في تلك السنة التي نشرت فيها المقالة ، وهكذا تم إلغاء ذلك اليوم عن كونه عيداً ، وصار كبقية ايام السنة بلا أفراح ولا تهاني .
وهذا موقف مشرق دل على كفاءة السيد القزويني ونجاح
خطته الحكيمة .
وتستطاعت هذه المؤسسة ـ رغم ضعف ميزانيتها ـ أن تنشر أكثر من مليوني كتاب خلال عشرين سنة .
أمات عن الجهاد بالقلم ، فقد بدأ العلامة القزويني بكتابة المقالات وتأليف الكتب في مرحلة مبكرة من شبابه ، وكان من أبرز مؤلفاته : «شرح نهج البلاغة» ، وسلسلة كتب عن حياة أهل البيت المعصومين (صلوات الله عليهم اجمعين) تحت عنوان : «. . . من المهد الى اللحد» فأكمل منها عن حياة ستة من المعصومين ، وأخيراً بدأ بتأليف موسوعة كبيرة وفريدة عن حياة الإمام جعفر الصادق (عليه الصلاة والسلام) في حوالي خمسين مجلداً ، ويعتبر هذا المشروع الضخم من أوسع ما قدمه من عطاء خالد .
ومن النقاط اللامعة في حياة العلامة القزويني : هو أنه قام برحلة تبليغية إلى قارة أستراليا عام 1398 هـ ، لإيصال صوت الإسلام وأهل البيت (عليهم السلام) إلى المسلمين الشيعة هناك ، وقد كانوا يرزحون تحت وطأة الفقر الثقافي والإيماني وغياب الوعي الديني ، ومضاعفات الإغتراب والإبتعاد عن الأوساط الإسلامية . وفي مدينة «سيدني» أسس مسجداً ضخماً المحاضرات باسم (مسجد فاطمة الزهراء عليها السلام) وألقى عشرات المحاضرات الدينية المركزة الهادفة خلال سفرته التي استغرقت أكثر من شهر ، وكان بمنزلة الفاتح العظيم الذي يدخل تلك البلاد النائية ، ويحدث تحولاً مهماً
في نفوس وأرواح أولئك الأفراد ، ويعيد إليهم روح الإيمان والإلتزام بمبادئ الادين الحنيف ، والإعتزاز والإفتخار بالمذهب الحق : «مذهب أهل البيت عليهم السلام» . * * * *
سكن في وطنه (مدينة كربلاء المقدسة) حوالي ستاً وأربعين سنة ، ثم هاجر من العراق إلى الكويت سنة 1394 هـ ، وبقي فيها حوالي ست سنوات ، قام خلالها بنشاط ديني واسع ومكثف ، وتربية جيل مؤمن من الشباب . ثم هاجر من الكويت إلى ايران عام 1400 هـ ، وسكن في مدينة قم المقدسة ، فاستعمر في العطاء عبر المنبر والقلم ، فكان خيرا معلم ومرب وخير ناع لسيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام .
قبل وفاته بسنتين ونصف تقريباً أصيب بمرض يتلف ـ بالتدريج ـ إثنين من أعصاب المخ ، وهما المسؤولان عن الحركة الإرادية لتحريك اللسان للمتكلم والتلفظ ، ولقوة ابتلاع الطعام ، وأخيراً أودى به المرض إلى الوفاة ، بعد معاناة مريرة في الأشهر الأخيرة من حياته .
فارق الحياة وانتقل إلى رحمة الله تعالى ، يوم الخميس 13 / جمادى الثانية / 1415 هـ ، رضوان الله عليه .
وجرى لجنازته تشييع عظيم في مدينة قم المقدسة ، اشترك فيه مختلف طبقات المجتمع ، ومن كافة
الجنسيات .
ترك من بعده : ثلاث بنات وخمسة بنين ، تخصص إثنان منهم في الخطابة والتأليف ، وتفرغ ثلاثة منهم للفقه والإجتهاد .
وختاماً . . لا يفوتني أن أشكر الله تعالى أولاً وقبل كل أحد على أن وفقني لتحقيق وإخراج هذا الكتاب ، ثم أشكر كل من كانت له مسهمة أو تعاون في هذا المجال ، وأخص منهم بالذكر سماحة الخطيب البارع المخلص الشيخ علي أكبر القحطاني ، حيث زودنا بكل ما في مكتبته العامرة من كتب ومؤلفات حول اليسدة زينب الكبرى عليها السلام .
مصطفى بن محمد كاظم القزويني
9 / 12 / 1420 هـ
قم ـ إيران
بقلم المرحوم | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|
|
الإهداء | |
إليك يا سيدنا ومولانا
يا سيد الشهداء وسبط رسول الله
يا أبا عبد الله الحسين .
إليك أهدي هذه الصحائف التي تتحدث عن رضيعتك في المواهب ، وشقيقتك في العظمة ، وزمليتك في الجهاد ، وشريكتك في المصائب : السيدة زينب الكبرى .
عليط وعليها وعلى جدكما وأبيكما وأمكما وأخيكما ـ الإمام الحسن ـ آلاف التحية والثناء والسلام .
فهل تتفضل علي بقبول هذه الخدمة الضئيلة ؟
مدينة قم ـ إيران
سنة 1409 هـ
|
|
|
المقدمة | |
| بسم الله الرحمن الرحيم |
الحمد لله كما هو أهله ، والصلاة والسلام على خير خلقه ، وأشف بريته : محمد وآله الطاهرين ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
وبعد ، يوجد في تاريخ البشر عدد كبير من الرجال وعدد من النساء الذين نبغوا نبوغاً في شتى الفنون والعلوم ، فطار صيتهم في العالم ، وكان نصيبهم من المجتمعات البشرية كل إعجاب وتقدير ، وإكبار وتجليل ، لأنهم امتازوا عن غيرهم بشتى المزايا .
وكل إنسان إمتاز بمزية أو بمزايا فمن الطبيعي أن يفضل على غيره من ناقدي تلك المزايا .
وقد كان أولياء الله في طليعة النابغين ، لتعدد جوانب النبوغ فهيم .
|
والبيت النبوي الطاهر الشريف يضم رجالات وسيدات كانوا العناوين البارزة في صحيفة الإيجاد والتكوين ، وفي طليعة العظماء الذين من المستحيل أن يجود الدهر بأمثالهم .
ونحن نريد أن نتحدث ـ في هذا الكتاب ـ عن حياة سيدة كانت تعيش قبل ثلاثة عشر قرناً ونصف قرن ، وقد امتازت حياتها ـ بجميع جوانبها ـ عن حياة غيرها من سيدات التاريخ .
إنها السيدة زينب الكبرى بنت الإمام علي أمير المؤمنين عليهما السلام .
إنها نادرة من نوادر الكون ، وآية إبداع في خلق الله تعالى ، وملتقى آيات العظمة ، ومفخرة التاريخ .
ونحن إذا استقرأنا أسباب العظمة وموجبات الشرف في تاريخ البشر ـ على اختلاف انواعها وأقسامها ـ نجد كلها أو جلها مجتمعة ومتوفرة في السيدة زينب الكبرى .
فإذا تحدثنا عن السيدة زينب على صعيد قانون الوراثة ، فإننا نجدها مطوقة بهالات من الشرف . . كل الشرف .
شرف لم تسبقها اليه أنثى سوى أمها السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ولم يلحقها لاحق ، ولا يطمع في إدراكه طامع ، فهي البنت الكبرى للإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذلك المولى الذي يعتبر ثاني أعظم رجل في عالم الكون والوجود ،
|
وأمها : السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي سيدة نساء العالمين ، وأفضل وأشرف أنثى في عالم النساء .
فما تقول في هذه الأم التي انجبت وأرضعت بنتاً إمتازت بالنضج المبكر ، وارتضعت المواهب والفضائل من سدر أشرف أمهات العالمين ؟ ! وكبرت ونمت في حجر بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعزيزته وحبيبته ؟ !
فالسيدة زينب حصيلة أبوين ، كانت حياة كل واحد منهما مشرقة بالمزايا والمكرمات ، وكل صفحة منها تفتح للانسان آفاقاً واسعة يطير الفكر في أرجائها ، وتسبح كواكب الفضائل في فضائها .
أجل !
إنها زينب .
وما أدراك من زينب !
| هي زينب بنت النبي المؤتمن | هي زينب أم المصائب والمحن |
|
| هي بنت حيدرة الوصي وفاطم | وهي الشقيقة للحسين وللحسن (1) |
ثم . . أليس النسب الرفيع من أسباب العظمة ؟ !
أو ليس العلم الغزير ـ بما فيه الفصاحة والبلاغة ـ من موجبات الشرف ؟ !
أو ليس الصبر على المكاره والفجائع الدامية والحوادث المذهلة فضيلة ؟ !
أو ليست الشجاعة ومواجهة العدو شرس ، المتجبر الطاغي السفاك تدل على قوة القلب ، وثبات القدم ، والإيمان الصادق ، والعقيدة الراسخة ؟ !
أو ليست صفة الوفاء والعاطفة والشفقة والحياء والعفة ، في طليعة الفضائل ؟ !
فما تقول لو أن هذه الصفات وغيرها من مكارم الأخلاق إجتمعت ـ بصورة وافرة ـ في سيدة ؟ !
الا تعتبر تلك السيدة نادرة الكون ومفخرة التاريخ ؟ !
بعد هذه اللمحة الخاطفة عن بعض جوانب العظمة في
|
(1) ننبه القارئ الكريم إلى أن هذين البيتين هي من نظم السيد المؤلف (رحمة الله عليه) .
المحقق
|
|
كيف يمكن لنا الإحاطة بحياة سيدة قضت معظم حياتها في الخدر ، ووراء الستر ، ولم يطلع على حياتها العائلية إلا أهلها وذووها ؟
والرزية كل الرزية : أن التأريخ قد ظلمها كما ظلمها الناس . التاريخ ظلمها كما ظلم أباها وإخوتها وأسرتها الطاهرة ، ولم يعبأ المؤرخون بترجمة حياتها كما ينبغي ، وكما تتطلبه هذه الشخصية .
ورغم كل ذلك ، رأينا نجمع بعض ما وصل إلينا من معلومات وعينات تاريخية حولها ، ونسلط الأضواء على بعض جوانب حياتها الشريفة ، ونسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لتحقيق هذا الهدف ، إنه ولي التوفيق .
|
الفهرس |
التالي |