منتقى الدرر في النبي وآله الغرر 1


دور
ألأب في التربية



دور ألأب في التربية 2


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{1}
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5} اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7}

دور ألأب في التربية 3

دور
ألأب في التربية


الدكتور علي القائمي


دار النبلاء


دور ألأب في التربية 4


الطبعة الثانية
1429 هـ ــ 2008 م


دور ألأب في التربية 5

مقدمة المترجم
بسم ألله الرحمن الرحيم

لا يخفى على أحد ما للتربية من دور مهم ومباشر في بناء ألإنسان وتوجيه أفكاره ومشاعره وتحقيق نموه وتكامله ، وبالتالي ليكون عضوا مفيدا في مجتمعه ، ومواطنا صالحا قادرا على أداء مسؤولياته الفردية وألإجتماعية.
وأول مكان تتم فيه العملية التربوية هي ألأسرة التي تحتضن الطفل وتتبنى جميع مستلزماته المادية كالمأكل والملبس والنوم وألإستراحة أو المعنوية كحاجته للحب والعطف والحنان وغير ذلك.
لذا كان لزاما على الوالدين أن يقوما بأداء حق الطفل وتوفير مستلزماته وألإهتمام بأمره ورعايته في شؤونه ومراقبته في تحركه حتى ينشأ سليما ، وأن يكونا واعيين ومثقفين وكفوءين لأداء هذه الوظيفة لاسيما ألأب الذي يقع على عاتقه الجانب ألأكبر من المسؤولية في بناء شخصية الطفل وفكره وسلوكه ونفسه وذهنه وأن يؤهله لحياته المستقبلية.
فالثقافة الوالدية ضرورية لجميع ألآباء ، وينبغي بهم أن يتسلحوا بها منذ مرحلة التفكير بموضوع الزواج وإنتخاب الزوجة وإنعقاد النطفة.
وإن أي تفريط بهذا ألأمر أو تسامح يؤدي ـ لا سمح ألله ـ إلى إنحلال

دور ألأب في التربية 6

ألأسرة وإنحراف ألأولاد وممارستهم لمختلف الجرائم والجنح وإبتعادهم عن ألأب وسقوطهم في أحضان ألآخرين وتأثرهم بهم مما يكون له عواقب وخيمة على حياتهم الحالية والمستقبلية.
ولكي نفهم الطفل كما يجب لا بد من دمج التربية مع علم النفس حتى يمكن ترجمة ألأهداف التربوية العامة والخاصة إلى أساليب لتقويم السلوك الفردي وألإجتماعي.
وبذا يمكننا أن نربي النشئ على عادات ومهارات وأفكار ومعلومات تنفعه ليكون مواطنا صالحا وقادرا على بناء نفسه ومجتمعه وعالمه.
والكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ إنما هو معالجة تربوية ونفسية لمسؤولية ألأب ودوره في ألأسرة وعلاقته مع أولاده والوظيفة الملقاة على عاتقه وذلك من منظور إسلامي . فنحن ـ كمسلمين ـ علينا أن نفهم دورنا بشكل جيد ونعي ما هو مطلوب منا ، لأن الدين ألإسلامي الحنيف أكد كثيرا على موضوع ألأسرة وتربية ألأولاد وبنائهم ، وثمة أحاديث وروايات عديدة عن النبي (ص) وألأئمة المعصومين عليهم السلام إشارات إلى هذا الجانب المهم ، ورسمت لنا منهجا واضحا في كيفية القيام بالعملية التربوية ومراحلها وجوانبها المختلفة .
كما وتناول العديد من العلماء والمفكرين والكتاب موضوع التربية ألإسلامية ، وأسهبوا في شرحها والتحدث عنها من خلال مؤلفات عديدة تملأ أدراج المكتبات ألإسلامية وقد لا يخلو منها بيت أيضا .
لكن هذا الكتاب ـ وكما قلنا ـ فإنه مزج بين التربية وعلم النفس ، وذلك بسبب ألأهمية القصوى للطبائع والعادات والسمات النفسية عند ألإنسان وتأثيرها المباشر على سلوكه وإنضباطه وخلقه .
وثمة ملاحظة أخيرة عن الكتاب وهي أنه يمتاز بفصوله القصيرة والمبوبة تحت عناوين مختلفة لمواضيع مهمة تمر في حياتنا اليومية مع ذكر بعض المشاكل والصعوبات والحالات التي تواجه ألأطفال والحلول الناجعة لها .

دور ألأب في التربية 7

نأمل أن يساهم هذا المجهود في تنمية الثقافة الوالدية ألإسلامية لدى أسرنا لنتمكن من تربية أجيال المستقبل بالشكل المطلوب ، ولكي تكون تلك ألأجيال قادرة وبجدارة على تحمل مسؤولياتها الخطيرة في دفع عجلة التقدم ألإجتماعي وألإقتصادي والسياسي والثقافي نحو ألأمام ونشر الخير والصلاح والفضيلة في أرجاء المعمورة ، وإنقاذ البشر من ألأخطار والمهالك التي تهددها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عباس رجاء



دور ألأب في التربية 8




دور ألأب في التربية 9

مقدمة المؤلف

إن هذا الكتاب الذي بين أيديكم ما هو في الواقع إلا مجموعة من البحوث والدارسات والمحاضرات التي ألقيتها في إجتماعات مختلفة أو نشر البعض منها على شكل مقالات في الصحف المحلية . وقد طبع هذا الكتاب بعد كتاب آخر لي بعنوان دور ألأم في التربية.
وجاءت فكرة هذا الكتاب عندما كنت أتعرض لإستفسارات عديدة وأسئلة متكررة خاصة من ألأمهات عن دور ألأب ومسؤوليته ووظيفته، وذلك بعد أن نشرت كتابي السابق مما أشعر بضرورة تدوين كتاب بهذا الشأن خاصة وأن للأب دورا خطيرا في العملية التربوية وتأثيرا مباشرا على نمو الطفل وتكامله .
وهكذا فقد بذلت جهدا في جمع البحوث وتنظيمها وتبويبها وإضافة بعض الفصول ألأخرى فكان الكتاب الذي بين أيديكم .
ومما دفعني أيضا لتحقيق هذا ألإنجاز هو ما شاهدته في بعض ألأسر من الممارسات والحالات والتصرفات الغير لائقة وخاصة ألأولاد وأخص منهم ألأحداث والبالغين حديثا ، فكان ذلك دافعا آخر لتأليف هذا الكتاب.
ومع ألأسف أقول أن بعض ألأسر تعيش في وضع مأساوي بسبب فقدان التربية ، فنشاهد مثلا أن ألآباء غافلون عن أدوارهم ومسؤولياتهم ، وأن البعض منهم لا يملك من القدرة شيئا ليؤثر على أولاده وينفذ إلى أعماقهم.
ويقف الكثير من ألآباء حيارى في التعامل مع أحداثهم ولا يدرون ماذا يفعلون . فهل يمارسون سياسة اللاأبالية معهم وعدم ألإكتراث بهم أو

دور ألأب في التربية 10

يستخدمون أسلوب العنف والقوة ! وتكون نتيجة هذا الغموض وعدم الوعي ضياع ألأولاد ولجوءهم أحيانا إلى التحلل وإبتعادهم عن ألأب وإنفصالهم عنه مما يكون له آثار سيئة وعواقب وخيمة.
علينا أن ندرك أن ألأولاد في هذا العصر يرتبطون بشدة بآبائهم بسبب طول الفترة الدراسية . ومن ناحية أخرى فإنهم سرعان ما يبتعدون عن البيت وتأثيراته التربوية بسبب وجود المدرسة وألأصدقاء الذين يمارسون نفوذا كبيرا على الولد . لذا فإن غفلة ألأب وتساهله تهدد موقعه ومكانته وتضطره لمواجهة عقبات عديدة في عملية هداية الطفل وإرشاده.
وقد حاولت في هذا الكتاب أن أتناول مواضيع عدة منها موقع ألأب ومكانته ووظائفه ألأساسية في ألأسرة وحقوق ألأطفال التي ينبغي أداؤها، وأشرت إلى أدواره المتعددة ونوع السلوك الذي يجب أن يمارسه مع ولده . فألأب يبني أفكار أطفاله وشخصياتهم . وتحدثت أيضا عن المراحل المختلفة التي يمر بها الطفل وخصوصيات كل مرحلة والموقف الذي لا بد للأب أن يتخذه.
كما ويحمل ألأطفال إنطباعات عديدة عن آبائهم ويتوقعون منهم أمورا كثيرة . لذاعليهم أن يهتموا بهذه ألإنطباعات والتوقعات ويمارسون دورهم ألإنضباطي وألأخلاقي حسبما تقتضيه المرحلة.
وتحدث أحيانا بعض الحالات المستجدة في ألأسرة كغياب ألأب أو موته أو لجوئه إلى طلاق زوجته وتزوج أخرى وغير ذلك مما يؤكد ضرورة ألإهتمام بألأولاد والحذر في نفس الوقت.
وبشكل عام فقد حاولت أن أشرح هذه المواضيع وأتناول أبعادها المختلفة وألج أغوارها وأقدم الموقف ألإسلامي في هذا الشأن .
وأرجو أن يكون عملي هذا نافعا في إعانة ألآباء ومساعدتهم لتحقيق مسؤولياتهم . وعندي أمل كبير أن يقبل الباري جل وعلا هذا المجهود المتواضع بفضله ومنّه . وأدعوه أيضا أن يوفق جميع ألآباء لتحقيق التربية المطلوبة . إنه سميع مجيب ...

الدكتور علي القائمي



دور ألأب في التربية 11

الباب ألأول

الزواج وألأبوة

ألإنسان كائن مسؤول ، وتأتي هذه المسؤولية بسبب هدفية الخلق ومكانة ألإنسان ومنزلته لإمتلاكه العقل . وحري به أن يدرك مسؤوليته ويعيها ويعمل بها .
تقع على ألإنسان وظائف عديدة منها تشكيل ألأسرة وألإنصياع لمسؤولية ألأبوة وألأمومة التي تبدأ عادة من خلال الزواج الذي لا بد أن يستند على ألأهداف والمعايير الدينية . وسيولد جيل جديد من خلال إستمرار عملية الزواج والتكاثر ليصبح أبا وأما في المستقبل .
يؤكد أٌلإسلام كثيرا على منزلة ألأب ويحترمه ويضعه في المرتبة الثانية بعد الخالق جل وعلا . والسبب في ذلك حتى يكون جاهزا لأداء وظيفته . ويرتبط ألأب بولده من خلال طريقين هما الوراثة والمحيط ، ولابد أن يكون حذرا جدا ، لأهمية هذين ألأمرين والصفات التي ستنتقل بواسطتهما إلى الولد.
يحمل الطفل تصورا خاصا عن والده . فهو ينظر إليه على انه الوجه ألأبرز في ألأسرة الذي يوفر المأكل والملبس وألأمن ويعلم بكل شيء ، ولذا فهو يحترمه كثيرا ويرغب بأن يكون مثله .
ولهذا السبب ينبغي على ألأب أن يحذر كثيرا ويهتم بتصرفاته .
وسوف نسعى في هذا الباب أن نشرح ما ذكرناه أعلاه من خلال خمسة فصول لها عناوينها الخاصة التي ترتبط بشكل عام بموضوع الزواج وألأبوة مع مراعاة ألإيجاز في ذلك .

دور ألأب في التربية 12




دور ألأب في التربية 13

الفصل ألأول
ألإنسان والمسؤولية

مقدمة:

إن الهدفية هي من سمات الخلق الذي يقوم على القانون والنظام ، فكل شيء له نظام معين . وتكشف دراسات الباحثين والمحققين في شرق هذا العالم وغربه وبوضوح أنه لا توجد أية ظاهرة بدون قانون وحساب ، ولم يخلق اي كوكب أو كائن حي دون قاعدة أو نظام
فمثلا تخضع حركة النجوم التي تبعد عنا مسافات تقدر بالسنوات الضوئية لضوابط معينة . ويبدو أنها ملتزمة بعدم ألإنحراف وألإبتعاد عن مسيرها وعن تفاصيل البرنامج المرسوم لها أبدا.
وتكشف هذه الظاهر من خلال إلتزامها بأنظمتها الخاصة والدقيقة ، عن الهدفية والسير نحو التكامل . وندرك نحن أيضا من خلال هذا القانون والنظام الدقيق أننا لم نخلق عبثا ولم نوجد صدفة ، بل إن الذي خلق هذا الوجود هو الذي خلقنا .

دائرة الخلق :

فدائرة الخلق واسعة جدا وليس لها حدود معينة . والدليل على سعتها أن المسافة بين كوكبين لمجرتين مختلفتين تقاس بالسنوات الضوئية . ويقال أن كل ثانية من هذه السنوات تعادل 300 ألف كيلومترا فما أكثر النجوم التي إندثرت وإنفنت منذ سنوات عديدة لكن ضوءها لم يصل إلينا لحد ألآن ؟ ! وما أكثر الظواهر التي خلقت حديثا لكننا لا نعلم بها ولا يمكننا ألإلمام بها ؟ !

دور ألأب في التربية 14

فعالم الوجود هذا لا يقتصر على زقاقنا ومدينتنا وبلدنا ، وبالنتيجة على كرتنا ألأرضية والقمر والنجوم فقط ، بل يقف خلف هذا الوجود عالم واسع جدا لا يمكننا أن تصوره أبدا فكيف بإدراكه ولمسه ؟!
وتختلف الظواهر فيما بينها كثيرا وقد ذكر مثلا 500 ألف نوع من الحشرات تقريبا تعيش على سطح الكرة ألأرضية عدا تلك التي لم يتم التعرف عليها لحد ألآن . وما أكثر النباتات والحيوانات التي لم تدخل كتب وتصانيف العلماء ؟!

ألإنسان والعالم :

يمثل ألإنسان ظاهرة فريدة من بين هذا العدد الواسع من الظواهر . وقد قيل الكثير عن تاريخ خلقه وظهوره على هذه الكرة ألأرضية .
فألإنسان هو ألإنسان لكنه مخلوق على صور عديدة بحيث تصل ألإختلافات في الخلق بين البشر بمستوى ألإختلاف بين ألإنسان والحيوان.
إنظروا إلى ألأقوام العديدة والوجوه المختلفة وألألوان واللغات والصفات والعادات والثقافات وستدركون عندها مدى التنوع وألإختلاف .
قارنوا بين ألإنسان والحيوانات المختلفة لتشاهدوا أوجه الشبه وألإختلاف بينهما . وقد أطلق البعض على ألإنسان تسمية الحيوان الناطق أو الحيوان الضاحك أو الحيوان السياسي لشدة الشبه بين ألإثنين .
ولكن أين ألإنسان وأين الحيوان ؟ إنهما عالمان منفصلان عن بعضهما البعض ولكل منهما خصوصياته في مجال العقل والفكر وألأسلوب والمسؤولية.
فألإنسان هو الذي أوجد كل هذا ألإبداع ، والحيوان لا يمكنه أن يتعدى ما تأمره غريزته أبدا.

قيمة ألإنسان :

للإنسان قيمة كبرى ومنزلة عظيمة . وجاء في القرآن الكريم :

دور ألأب في التربية 15

« وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً» (1) وكرمه الخالق أيضا . ويمكنه أن يترقى ليكون خليفة ألله في ألأرض الذي سجدت له الملائكة.
وفتح الخالق جل وعلا الطريق أمام ألإنسان ليتكامل ، ولم يوفر هذه ألإمكانية لمخلوقاته ألأخرى . يمكنه أن يسمو ويرتفع من أسفل سافلين إلى أعلى عليين . ويرتبط هذا بقابليته ومستوى بنائه ورشده .
حدد الماديون قيمة ألإنسان ووصفوه بأنه ثروة مادية للمجتمع . ولكن ألإلهيين ذكروا إضافة إلى ذلك بأنه يمتلك مقاما معنويا بحيث يكون قادرا على تغيير الفرد والمجتمع . وإهتم ألإسلام كثيرا بألإنسان وقيمته الوجودية ، ولا يمكن المقارنة بينه وبين منزلة السماء والعرش . ولا تعرف هذه القيمة إلى الجنة ، وجاء عن ألإمام الحسين (ع) في وصية له أنه ينبغي على ألإنسان أن لا يبيع نفسه إلا بثمن مقداره الجنة .

العقل وأهميته :

إن قيمة ألإنسان وأهميته تعود إلى عقله ، والعقل وسيلة للتمييز بين الحق والباطل ، والخير والشر . ويهتدي ألإنسان بواسطة نور العقل إلى طريقه .
والعقل جسر للوصول إلى الكمال ، ويعبد ألله جل وعلا به وبهدايته ، وهو الوسيلة لنيل الجنة والسعادة ألأبدية . وجاء في الحديث الشريف عن الرسول ألأكرم (ص) أن الخالق جل وعلا قال للعقل لما خلقه : «بك أعاقب وبك أثيب» .
وهكذا تبرز قيمة ألإنسان ومنزلته ومقامه من خلال عقله . ويقوم العقل بكبح جماح ألأهواء عندما تريد أن تسرق إرادة ألإنسان ، ويحدد العقل أخيرا مصير ألإنسان ليكون من أصحاب الجنة أو النار.

مسؤولية ألإنسان :

ألإنسان كائن عاقل ومسؤول ومكلف بسبب عقله ولا يمكنه التهرب

(1) سورة ألإسراء : آية 70 .
دور ألأب في التربية 16

من ذلك . وسبب هذه المسؤولية هو الفهم ، إذ يمكنه الفصل والقضاء في الحوادث والظروف المختلفة وإدراك ألأمور .
وتنبع مسؤولية ألإنسان من أعماقه ولا يمكنه أن يرفضها ، فهو يدرك في باطنه أنه لا يوجد أي عمل أو سلوك دون حساب ، ولا يمكنه العيش كيفما يشاء أو ينساق خلف ألأحداث والوقائع المختلفة مهما كانت خصوصيتها .
وجاء في القرآن الكريم والكتب السماوية ألأخرى أن ألإنسان لن يترك وشأنه ولن يعامل كما الحيوان وهذا ما ندركه جميعا . وقد وصف ألإنسان بأنه صاحب عهد مع خالقه : «ألم أعهد إليكم يا بني آدم ... »(1) ومسؤول في نفس الوقت «وقفوهم أنهم مسؤولون ...»(2) «إن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسؤولا»(3) ، وتدل ظاهر ألأمور أن هذه المسؤولية ثقيلة للغاية ولا يمكن للإنسان ألإستهانة بها .

ضرورة وعي المسؤولية :

لكن الشيء المهم هم أن نعي هذه المسؤولية وحدودها وأبعادها في حياتنا الفردية وألإجتماعية ، وحري بنا أيضا أن ندرك مسؤوليتنا في يومنا هذا والوظيفة التي ستطغى على الوظائف ألأخرى .
نعم ، إن ما نفهمه من ألإسلام هو أن السعادة تكمن في إدراك ألإنسان في كل زمان لمسؤوليته ووظيفته وأن يعلم بالذي عليه أن يفعله في يومه حتى يتحرك ويتقدم بوعي . فالمسؤوليات والوظائف تتغير مع مرور ألأزمان ، إذ قد تجب الدعوة مثلا أحيانا والجهاد في أحيان أخر ، أو الصراخ والسكوت في فترات أخرى .
كما يجب علينا ونحن نمارس مسؤوليتنا ، أن نعي الجوانب الخاصة بالدين وقيمه والتفاسير المتعددة وغير ذلك حتى يمكننا إتخاذ المواقف

(1) سورة يس : آية 60 .
(2) سورة الصافات : آية 24 .
(3) سورةى ألإسراء : آية 36 .
دور ألأب في التربية 17

المناسبة حيال الوقائع المختلفة . وينبغي إتباع أساليب وطرق مناسبة . وأخيرا إستخدام العقل الذي سيرشدنا في فهمنا ويعيننا على إنجاز وظائفنا بأفضل وجه .

دائرة المسؤولية :

إن دائرة مسؤولية ألإنسان واسعة جدا ، فهي تتسع من جانب بمستوى عروج ألإنسان وسموه وتتحدد من جانب آخر بمقدار إستعداده وإمكانياته ، وتكبر دائرة المسؤولية كلما زادت كفاءة ألإنسان ولياقته ، ويتضاعف التكليف كلما زادت إمكاناته . تمثل قدرتنا وإستطاعتنا من المسائل التربوية المهمة ، إذ ليس بمقدور الجميع العمل كما كان الرسول ألأكرم (ص) . ولا يمكن ألإستهانة بأدوارنا في نفس الوقت أيضا وإحتقار أنفسنا . ولا بد من ألأخذ بنظر ألإعتبار مستوى ألإدراك والفهم والقابلية وألإستعداد في الثواب والعقاب . وأن يكون المبدأ في قبوله أية مسؤولية هو عدم إستصغار أنفسنا وألإستفادة من طاقاتنا وقدراتنا بأقصى ما يمكن .
وتشمل المسؤولية أنفسنا أيضا «قو أنفسكم » «عليكم أنفسكم» وأهلينا «وأهليكم نارا» ثم مجتمعنا وأمتنا البشرية جمعاء «كنتم خير أمة أخرجت للناس » ولا بد من المضي بوعي وفهم في جميع هذه الموارد وألإلتزام والتنفيذ .
ثمة ضمانات عديدة تسهل للإنسان تطبيق هذه المسؤولية وتنفيذها عمليا وأهمها :
1 ـ الضمير ألإنساني الذي يستقر في أعماق ألإنسان ، ويقوم بتأنيب الشخص متى ما إنحرف وتعدى الحدود المرسومة له فيقف كالسد أمامه .
2 ـ قابلية التمييز بين الحق والباطل ويقوم به العقل الذي يتعرف على حسنات ألأمور وسيئاتها فيجعلنا نقف بعيدا عن الخسة والدناءة ونقدر جهود ألآخرين ونشترك معهم في المسؤولية ونستفيد من خدماتهم دون إنتظار للأجر .
3 ـ إعتقاد ألإنسان بالحساب والكتاب والثواب والعقاب وهذا ما تؤمن به أغلب ألأديان .

دور ألأب في التربية 18

4 ـ الشعور فطريا بقيمة أداء المسؤولية وقداستها وينطبق هذا على الجميع وهو بمثابة الدافع الداخلي للإنسان ويجب عليه أن يهتم به .
5 ـ ألإشراف والمراقبة ألإجتماعية التي تفرض على ألإنسان التحرك وبذل الجهد وأداء الوظائف ألإجتماعية كما ألآخرين.
بشكل عام فإن ما ذكرناه يوفر ألأرضية ويحدد مسار أداء المسؤولية وتنفيذها ويفرض على ألإنسان التفكير بصورة سليمة والتخطيط بشكل أحسن.

الثواب والعقاب :

يمثل الثواب والعقاب وألإيمان بهما أهم العوامل التي تدفع ألإنسان نحو العمل والنشاط وأداء مسؤوليته . فالعقل يقضي بعدم التساوي بين العامل بمسؤولية والتارك لها ، إذ سيثاب ألأول ويعاقب الثاني حتما .
ويدرك ألإنسان فطريا أن الخالق الذي خلقه قد وضع له ضوابط وقوانين تحدد تصرفاته حتى لا تكون عبثا ، وثمة أرضية عقلية للثواب والعقاب يؤمن بها العقلاء.
فألإعتقاد والتصديق بهما ، بأنهما يمثلان قوة تنفيذية جيدة لتحديد مسار العمل . كما وإنهما يمثلان أيضا جانبا من نتيجة العمل وتجسده بينما تمثل المكافأة والعقوبة الجانب ألآخر ألآني (الدنيوي) منه . وهذا كله يرتبط بنوع التعامل مع أوامر الباري جل وعلا .

دور ألأب في التربية 19

الفصل الثاني
مسؤولية بناء ألأسرة


الزوجية في الخلق :

يؤكد القرآن الكريم أن جميع الكائنات خلقت أزواجا ، فالحيوانات والنباتات خلقت من ذكر وأنثى رغم أنواعها العديدة . حتى تلك التي لا تبدو للعيان أنها على شكل أزواج.
وكشفت البحوث في مجال الجمادات والجزئيات والذرات عن حقائق بهذا الشأن ، ونحن لسنا بصدد إثباتها أو نفيها ، لكن موضوع الزوجية واضح للعيان خاصة في عالم الحيوانات والنباتات ولا توجد أية صعوبة في إدراك ذلك وإثباته .
إن الهدف من الزوجية هو التكامل ، أي أن عملية الخلق ستبقى ناقصة فيما لو خلقت الكائنات على شكل فرد إذ لا يمكنها طي طريق التكامل .
فالتكامل لا يتحقق إلا في ظل توحيد ألأزواج ، ولا يمكن الوصول إلى تكامل المجتمعات إلا من خلال توحيد الكلمة وهي من إحدى مظاهر الزوجية . ولا يمكن للإنسان والحيوان والنبات مواصلة الحياة إلا في ظل هذا ألأمر .

مسؤولية الزواج :

لا بد أن نعرف أنه لا معنى للفردية في عالم البشرية ، ولا يمكن للإنسان أن يسلك طريق السعادة بمفرده أبدا . فالبشر خلقوا أزواجا ، ويجب على ألإنسان أن يذعن لمسؤوليته في بناء أسرة بعد أن يصل إلى مرحلة

دور ألأب في التربية 20

البلوغ الجسمي والجنسي أو لنقل البلوغ العقلي والجنسي .
وتشير الفطرة إلى هذا ألأمر أيضا ، ولا يمكن توفير ما يحتاجه الجسد أو الروح أو تدبير الحياة اليومية إلا من خلال ألأسرة . فألأنسان مضطر لتشكيل أسرة من أجل أن يحقق أهدافه في الخير والسعادة والكمال.
يمثل كل من الرجل والمرأة مشروعا مكملا للآخر في ظل الزواج ، إذ سيتمكنان من طي طريق السعادة . وسوف يتعاونان معا على رفع عيوبهما وليكونا سكنا لبعضهما البعض ، والملاذ والملجأ عندما تواجههما المشاكل والصعوبات . كما ويكون الزواج سببا لإستمرار النسل وبقاء ألأجيال إضافة إلى دوره في منع العديد من ألإنحرافات.

أعراض العزوبة :

لا يمكننا أن ندرك أهمية بناء ألأسرة ومسؤوليتنا في هذا الجانب إلا متى ما عرفنا المصائب التي تجلبها العزوبية .
فما أكثر ألإنحرافات التي تسببها العزوبة ، وما أكثر ألأمراض الجسمية والروحية التي تظهر بسببها ، وتدل ألإحصاءات أن 70% من ألإنحرافات الجنسية تحدث بين ألأعمار من 18 ـ 25 سنة . ومن الطبيعي أن تنخفض هذه النسبة فيما لو تم الزواج خلال هذه السنوات.
فالعزاب مهيأون للإنحراف وإرتكاب الجرائم ، ويمثلون أهدافا جيدة للمجرمين والمنحرفين الذين يبحثون عادة عن مثل هؤلاء ألأشخاص .
يلجأ المنحرفون عادة إلى الجنس لإحساسهم بآلام العزوبة ومشاقها . وألآن لنر ما هي تأثيرات ألإنحراف الجنسي على المجتمع.
لو طرحنا هذا السؤال : من هم الذين يبحث عنهم العزاب المنحرفون من أجل إشباع غرائزهم ؟ أليس هم النساء والفتيات ؟
لقد أكد ألإسلام كثيرا على الزواج وترك العزوبة ، وقد جاء في الحديث الشريف «رذال موتاكم العزاب» ، وجاء في حديث آخر عن الرسول ألأكرم (ص) قوله : «أكثر أهل النار العزاب» .

الفهرس التالي التالي