دور ألأب في التربية 21


حق الزواج :

لقد ذكر الزواج بأنه حق من حقوق الفرد ولا يمكن لأي شخص مهما بلغ أن يمنع هذا الحق وذلك سبب أهميته ودوره في سلامة النفس والجسم ، ويمكن أن يكون هذا الحق جماعيا لأن المجتمع سيعيش بأمن وسلام في ظله ، وتزول عنه مخاطر العزوبة والعزاب وتتحقق عملية المحافظة على كرامة المجتمع وشرفه .
وطالب ألإسلام ـ في ظل هذا الحق ـ الوالدين بتوفير ألأرضية اللازمة لولدهما ـ سواء كان ذكرا أم أنثى ـ للزواج عندما يصل مرحلة البلوغ . وذكرت ألأحاديث ألإسلامية عددا من حقوق ألأولاد على آبائهم منها «ويزوجه إذا بلغ».
ومن الطبيعي أن يؤدي منع هذا الحق إلى ظهور عدد من ألأمراض الجسمية والنفسية وحرمان الشخص من اللذات الدنيوية المشروعة والقضاء على النسل والحرمان من حياة شريفة ، وهذا ما لا يرضى به ألإسلام أبدا .

التأكيد على الزواج :

ثمة روايات وأحاديث إسلامية عديدة تؤكد على الزواج وبناء ألأسرة وقبول المسؤولية . جاء عن الرسول ألأكرم (ص) قوله : «يا معشر الشباب من إستطاع منكم الباءة فليتزوج » .
وهناك أحاديث كثيرة أخرى ترغب الناس بالزواج منها مثلا :
ــ قال أمير المؤمنين (ع) : «تزوجوا فإن رسول ألله (ص) قال من أحب أن يتبع سنتي فإن سنتي التزويج».
ــ قال رسول ألله (ص) : «من تزوج أحرز نصف دينه».
ــ قال الصادق (ع) : «ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب».
كما وأشارت بعض ألأحاديث ألأخرى إلى أن ألإمتناع عن الزواج خوفا من الفقر يمثل نوعا من الشرك : «من ترك التزويج مخافة العيلة فقد ساء

دور ألأب في التربية 21

ظله بألله عز وجل ، إن ألله عز وجل يقول : « إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» (1).
وأوصت ألأحاديث أيضا ذلك الشخص الذي لا يقدر على الزواج بألإستعانة بالصوم لكبح جماح غريزته أو السيطرة عليها.

ضرورة الحذر :

يمثل الزواج نوعا من المسؤولية التي لها أكبر ألأثر في حياة ألإنسان الحالية والمستقبلية.
وثمة محاذير عديدة أشارت إليها ألأحاديث ألإسلامية في باب الزواج منها مثلا :
ــ خطب رسول ألله (ص) يوما في المسلمين فقال : أيها الناس إياكم وخضراء الدمن ، قيل : يا رسول ألله وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء .
ــ وجاء عنه (ص) : «إختاروا لنطفكم فإن العرق دساس».
وهذا دليل على إنتقال الصفات الوراثية وأخلاق الوالدين إلى أولادهما .
ــ عن أبي عبدالله الصادق (ع) : « إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو لمالها وكل إلى ذلك ، وإذا تزوجها لدينها رزقه الله المال والجمال ».
ــ قال إبراهيم الكرخي : قلت لأبي عبدالله الصادق (ع) : إن صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج . فقال لي : أنظر أين تضع نفسك ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرك ..

المعايير في الزواج :

حدد ألإسلام معايير معينة في الزواج وطالب ألإلتزام بها حتما ، منها العقيدة وألإيمان والكفاءة وألأخلاق والعائلة ... وتمثل هذه المعايير ضرورة ملحة من أجل حياة سليمة وشريفة .

(1) سورة النور : آية 32 .
دور ألأب في التربية 23

كما رفض ألإسلام العديد من المعايير السائدة عن ألأمم ألأخرى والتي منها إختيار الزوجة لمالها وثروتها أو موقعها ومنصبها أو جمالها أو من أجل مصلحة معينة أو بسبب ألإكراه أو الترحم والعطف عليها وغير ذلك ، ووصفها بألأخطار التي تهدد حياة ألأسرة في المستقبل .
وذكر ألإسلام أيضا بعض المحرمات على الرجل من أفراد عائلته وأسرته ومنع الزواج منهن وإعتبر ذلك أمرا شرعيا ينبغي على المسلم ألإلتزام به وحذر التزوج من المحارم .
كما حذر ألإسلام من تزويج الزناة وطالب بإختيار ألأصحاء لعملية الزواج وألإبتعاد عن المرضى خاصة أولئك المصابون بألأمراض النفسية والخلقية كالفساد وسوء الخلق . وأن يكون المتقدمون للزواج أسوياء من الناحية الفكرية والروحية.

هدف الزواج :

ينظر ألإسلام إلى الزواج بأنه عمل هادف يريد تحقيق بعض المقاصد كألإستجابة للفطرة والغريزة ، والعمل بسنة الرسول (ص) ، والشعور بالسكن والراحة ، والتكاثر وإستمرار النسل وألأجيال والوصول إلى مرحلة التكامل ، وتحقيق المودة والحب والرحمة وغير ذلك .
إن أهداف الزواج عديدة وكثيرة للغاية رغم تحديد البعض لها في نقاط معينة كالعفة والطهارة مثلا وصون ألإنسان بعيدا عن مختلف ألأمراض . ولا بد أن تؤخذ جميع تلك ألأهداف بنظر ألإعتبار .
وبشكل عام لا بد أن نفرق بين الزواج والتجارة وهذا هو السبب المهم للعديد من المشاكل التي تحصل في الحياة الزوجية .
كما أن الزواج ليس وسيلة للتفاخر والتباهي وإلا فإن عاقبته الذلة والمهانة . وقد أشارت ألأحاديث الشريفة إلى هذا المعنى أيضا .

أهمية ألأسرة :

ينظر ألإسلام بإهتمام بالغ إلى ألأسرة ويعتبرها الحجر ألأساس

دور ألأب في التربية 24

للمجتمع . ولا بد أن يحصل البناء والتكامل ألإجتماعي في ظل هذه ألأسرة التي هي أساس ثبات المجتمع وإستقراره ومسؤولة إلى حد كبير عن سعادته .
وتتآلف القلوب وتتوادد بسبب الزواج وتشكيل ألأسرة ، ويتم القضاء على ألإنزواء وألإنعزال ليحل مكانه البناء وألإبداع.
فألأسرة هي أول مدرسة تربوية وأخلاقية ، والمركز لنشوء العادات وإكتساب المعلومات والتجارب ، والوسط الذي يتم خلاله بناء عقل الطفل ونفسيته . فألأسرة هي المسؤولة عن التوجيهات الصحيحة والخاطئة ، والوالدان هما أول من يقوم بتعليم الطفل وتوجيهه وبناء أفكاره ألأساسية .
كما أن الزواج وتشكيل ألأسرة يعتبر نوعا من العبادة , ووصفه البعض بأنه من المستحبات المؤكدة للأشخاص العاديين وأوجبوه على من يشعر أن عفته في خطر . وورد عن الرسول ألأكرم (ص) قوله :
«ما بني بناء في ألإسلام أحب إلى ألله عز وجل من التزويج» . وفي الحقيقة فإن ألإنسان يقوم من خلال بناء ألأسرة بأهم وظيفة وأخطرها وأكثرها نفعا ألا وهي المساهمة في إيجاد التمدن البشري وتطويره.

ضرورة حماية ألأسرة :

تقع على الوالدين أولا مسؤولية حماية ألأسرة ثم على المجتمع والدولة فيما بعد . ويجب أن توضع القوانين الخاصة بحماية ألأسرة من ألأخطار . وإنه لخطأ كبير أن تفقد ألأسرة مكانتها وموقعها لتسير في طريق ألإنحراف والضلال .
ينبغي على الحكومة ألإسلامية أن تهتم بألأسرة وتوفر لها عوامل ألإستقرار والبناء وألإزدهار . وأن تطلب في هذا الطريق من أصحاب الرأي والفكر توفير كل ما يعزز مكانة ألأسرة وتقضي في نفس الوقت على كل ما يهدد أمنها وإستقرارها .

دور ألأب في التربية 25

الفصل الثالث
منزلة ألأب


مقدمة :

لا يوجد شك أن طلب الولد وإستمرار النسل هو من أهم أهداف الزواج وبناء ألأسرة . وعندما نتمعن في الروايات ألإسلامية نراها تذكر شروطا معينة ، على الزوج والزوجة بأن يطلبا الولد لدى إقامة العلاقة الزوجية بل ذكرت أدعية خاصة لدى ممارسة العلاقة الجنسية .
ويذكر ألإسلام في مجال إختيار الزوجة شروطا معينة منها التزوج من الولود وألإبتعاد عن العقيمة ، فألأصل هو طلب الولد ، ويجوز الطلاق ـ رغم كراهته ـ فيما لو كان أحد الزوجين عقيما .
وتؤكد ألأحاديث التي تقرأ عادة في مراسم الخطبة والزواج على تكثير النسل : «تناكحوا ، وتناسلوا ، وتكاثروا ...» وجاء في القرآن الكريم على لسان زكريا دعاؤه : «رب هب لي من لدنك وليا يرثني ...»(1).
وأخيرا فثمة أحاديث كثيرة نوصي الرجال الصالحين والنساء الصالحات بتوفير المقدمات للحصول على الولد ، حتى أن القرآن الكريم عبر عن موت الرجل الذي لا يملك ذرية بالهلاك.
أشارت دراسات علماء النفس أنه لا توجد غريزة تسمى بألأبوة ، فعلاقة ألأب مع ولده والدفاع عنه لها بعدا ثقافيا ودينيا وأخلاقيا لكنه يبقى هناك شعور لدى الرجل بأنه أصبح أبا .

(1) سورة مريم : آية 5 .
دور ألأب في التربية 26

فألأبوة هي شعور لدى الفرد ، والطفل هو كالغذاء الروحي لوالده . حيث يدرك الشخص الذي أصبح لتوه أبا بأنه أصبح ألآن ذي مكانة خاصة لم يكن يملكها من قبل ولا يملكها العزاب أيضا .
ويتجلى له هذا الشعور أنه أصبح إنسانا كاملا وقادرا على العيش مرفوع الرأس .
فألأبوة تهب ألإنسان شعورا بالقوة بحيث يرى في نفسه الكفاءة الكاملة لنيل إحترام ألآخرين . ولا يصبح الرجل رب أسرته إلا في ظل ألأبوة ، ويرى في نفسه القابلية واللياقة والجرأة والشجاعة للتخطيط للحياة من أجل سعادته شخصيا وأفراد أسرته .

أهمية الولد للأسرة :

من جانب آخر ، فالولد يمثل نعمة للأسرة لقيامه بالتقريب بين ألأب وألأم وزيادة ألإلفة بينهما ورفع منزلة كل طرف لدى ألآخر . كما أنه يهب الدفء والنشاط إلى ألأسرة ويبعد عنها المشاكل وألإختلافات ويقصر ألأيام الطويلة بسب تسلي الوالدين بطفلهما .
ويعزز الولد مكانة ألأسرة ويكون سببا في إستمرار الحياة ، وبواسطته تتقوم ألأسرة ، ويبرز هذا بوضوح عندما يتجاوز عدد ألأولاد الواحد وأُثنين لإستئناس الوالدين بهم .
وتطرأ تغيرات معينة في شكل الحياة ومحتواها بسبب ولادة الطفل الذي سيلفت ألأنظار إليه . فما أكثر الصعوبات الحياتية التي ستختفي بسبب حضور ألأطفال ، وما أكثر المشاكل التي ستحل بسببهم أيضا ، والتجارب والخبرات التي ستكتسب .
جاء عن أحد العظماء قوله : «لقد عرفت الخالق جيدا عندما أصبحت أبا».
يفرض وجود الطفل على الوالدين بذل الجهد ويهبهما ألأمل والدفء والنشاط . فما فائدة سعي الوالدين لو لم يملكا ولدا ؟ لأقتصر جهدهما

دور ألأب في التربية 27

ونشاطهما على أنفسهما فقط مع شعورهما باليأس الدائم . فالطفل الذي هو بمثابة نتاج جهد ألأبوين يعد نوعا من ألأجر والمكافأة لهما .

شروط ألأبوة :

يؤدي الزواج إلى تسكين الغرائز وتنظيم الحياة وتحقيق المودة والرحمة والمحافظة على النسل . وقلنا إنه وردت تأكيدات عديدة على التكاثر وإمتلاك ألأولاد . لكن الموضوع ليس بهذه السهولة والبساطة ، إذ لا بد من الحذر وألإلتفات إلى ثقل المسؤولية في المرحلة القادمة .
إن ممارسة ألأبوة والقيام بالوظائف ألإسلامية في هذا المجال تعتبر عملية معقدة جدا . ومن دواعي الفخر أن يكون ألإنسان واعيا لمسؤوليته بهذا الخصوص . فألأبوة تعني أن يكون ألإنسان أمينا لخالقه ، وعليه أن يكشف عن مهارته وكفاءته في أداءء هذه الوظيفة طبقا لأوامره وتعاليمه جل وعلا .
إن إمتلاك الولد وتربيته لهي مسؤولية ووظيفة مقدسة ، ولها إلتزامات شرعية وثواب وعقاب وتحتاج إلى الجرأة وألإستعداد أيضا فما فائدة أن يكون أحدنا أبا لأولاد ينشأون بعيدا عن المبادئ التربوية وألأصول ألأخلاقية ولا يلتزمون بشيء منها .
لا بد من ألإهتمام بالظروف التي توفر سلامة النشء وتؤثر في بنائه أيضا ، فقد سأل بعض ألأصحاب ألإمام الباقر (ع) عن« الرجل المسلم تعجبه المرأة الحسناء أ يصلح له أن يتزوجها وهي مجنونة؟ .. قال : لا ، ولكن إذا كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس بأن يطأها ولا يطلب ولدها ».

مكانة ألأب :

للأب مكانة مهمة في ألإسلام ، وله مقام شامخ ومنزلة كبيرة . وألأب كلمة عامة ويمكن أن نفهم منها إنها تعني ألإشراف وألإحترام والهيبة والوقار والمرتبة الرفيعة ، وتعني أن له كلمة الفصل وبيده فقط القرار النهائي ، وتنطبق هذه المفاهيم والصفات على قائد ألأمة والشعب أيضا ويمكن تسميته بألأب .
إنها لمنزلة عظيمة أن يكون ألإنسان أمينا لخالقه ، وينبغي عليه أن يربي

دور ألأب في التربية 28

ولده ويوجهه لأنه هبة الخالق ووديعته ، ويا له من مقام عظيم أن يكون ألأب ، رب أسرته فيخضع له أفراد ألأسرة في الرأي ويهيء لهم رزقهم .
كما وله دور مهم أيضا في تحديد مصير المجتمع من خلال تربيته لولده الذي سيكون إما قائدا أو مقودا صالحا .
فالخير والصلاح الذي يصيب المجتمع إنما يكشف عن الجهود الخيرة التي يبذلها ألآباء لتربية أولادهم فتنشأ ألأجيال الصالحة .

ألإسلام وإحترام ألأب :

ذكر ألإسلام منزلة عظيمة وإحتراما خاصا لأولئك ألآباء الذين يؤدون مسؤولياتهم ألإسلامية في مجال تربية أبناء صالحين .
ونظرا لأهمية هذا ألأمر فقد ذكرت ألآيات القرآنية طاعة الوالدين بعد طاعة الخالق . والملاحظات التالية ، إنما هي مستوحاة من ألآيات القرآنية وألأحاديث الشريفة :
ــ لا بد من طاعة ألأب في قراراته ولا يمكن معارضته والعمل بدون موافقته إلا في الموجبات الدينية .
ــ لا يحق للولد إهانة والده أبدا ولا أن يقول له حتى كلمة «أف» .
ــ على الولد أن يخفض لوالديه جناح الرحمة .
ــ على الولد أن يدعو بالخير لوالديه ، ويطلب لهما الرحمة .
ــ لا يحق للولد أن يقوم بالمستحبات كالزيارات والنوافل من الصلوات فيما لو منعه والده المؤمن من ذلك .
ــ للأب حق ألأولوية في تعيين مصير ولده .
ــ لايشم العاق لوالديه رائحة الجنة .
ــ حرمة ألأب كحرمة الخالق جل وعلا فلا يجوز ألإستهانة بكرامته أبدا .

ضرورة ألإستعداد والكفاءة :

لقد وردت هذه المكانة للآباء الذين يبذلون جهودا كبيرة من أجل

دور ألأب في التربية 29

الوصول إلى هذه الدرجة ويوفرون كل ما يحتاجونه في هذا الطريق . فالهدفية في الحياة الشعور بالمسؤولية يوفران للإنسان عادة الكفاءة المطلوبة ويفرضان عليه تهيئة كل ما يحتاجه مسبقا من أجل نجاحه وموفقيته .
فالرسول (ص) عبد ألله أربعين يوما إستعدادا للأبوة وإحتضان إبنته فاطمة الزهراء (ع) وصام اربعين يوما من أجل هذا الهدف وإبتعد خلال هذه المدة عن جميع ألأشياء التي يمكن أن تكون فيها شبهة حتى أنه أفطر في الليلة ألأربعين على فاكهة من الجنة ثم قارب أهله .
ينبغي على ألإنسان أن يمرن نفسه ويعدها لهذه المسؤولية ، ويعزز معنوياته ويبتعد عن كل ما من شأنه أن يوجد البغض والكراهية وعدم التكامل في حياته وحياة أولاده . وأن يفكر بصلاح أطفاله ومجتمعه الذي يعيش بين أرجائه .
إن من لا يتواجد عنده ذلك ألإستعداد فليعصم نفسه عن ألإنحرافات حتى يعيش بسلام بين أفراد مجتمعه ، ولا يحق له أن يكون أبا أبدا ، صحيح إنه قادر على الزواج ولكن ليس ذلك من مصلحته ، أو مصلحة ألأمة أن ينجب ولدا . وتشير ألأحاديث التي تثني على عزوبة أشخاص آخر الزمان إلى هذا المعنى أيضا .

ألأب في أسرته :

لا تعني ألأبوة الكشف عن القوة وإظهار النفوذ والمكانة فحسب ، بل لا بد من ألإهتمام بألأسرة وألأولاد وتدبير مختلف أمورهم . وتتضح مكانة ألأب وشأنه من خلال إشرافه على عائلته وتوفير معاشها وحمايتها من ألأخطار وإلا فلا قيمة لذلك ألأب الذي لا يبالي بهذه ألأمور أبدا ولا يؤدي وظيفته .
فألأب هو سيد ألأسرة ومصدر إفتخارها وسرورها والمشفق عليها وهو كملائكة الرحمة التي تنزل على البيت إذ نراه يبذل جهده وسعيه من أجل بناء ورشد أفراد أسرته وتوجيههم نحو طريق الخير والفضيلة .
يوفر ألأب كل ما تحتاج إليه ألأسرة ويعطف على أطفاله ويحترمهم

دور ألأب في التربية 30

ويستفسر عن أحوالهم فردا فردا ، ويحل مشاكلهم ويبذل جهده من أجل خدمتهم ، ولا ينبغي التأثير عليهم سلبا أو ألإضرار بهم .
إنه مصدر للبهجة والرحمة قبل أن يكون مصدرا للخوف والنقمة ، فلا يظلم أهل بيته أبدا ، حيث يقول الرسول ألأكرم (ص) بهذا الشأن : « خير الرجال من أمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ويحنون عليهم ولا يظلمونهم».

مخاطر الممارسة السيئة :

إن ألأب هو المسؤول عن بناء شخصية أولاده ، فيكون القدوة لهم في العمل . إنه أول وجه سيتعرف عليه الطفل في مهده بعد أمه . ومن ثم سينظر إليه فيما بعد أنه المسؤول عن ألأمن والنظام داخل ألأسرة ، وأنه الرزاق والقوي والملاذ .
لا يقل دور ألأب عن دور ألأم بل قد يفوقه أحيانا . و لوقار ألأب وهيبته وأمره ونهيه دور بناء في الحياة . ويحسب له الطفل ألف حساب ولا بد أن يكون ألأمر كذلك . فهو الذي يوجه أطفاله وينظم حياتهم . وسيتمكن ألأولاد من ألإعتماد على أنفسهم وإتخاذ المواقف المناسبة حيال الحوادث المختلفة فيما لو عمل ألأب بمسؤوليته ونجح فيها . أما لو قصر في ذلك فإن ألإنحراف سيكون مصير هؤلاء ألأولاد .
فما أكثر الذين لجأوا إلى ألإنحراف وألإجرام بسبب عدم إمتلاكهم لآباء صالحين أو أولياء قادرين على بنائهم وتوجيههم ، وما أكثر المجرمين والمنحرفين الذين ملكوا آباء لكنهم لم يمارسوا دورهم ولم يعملوا بمسؤوليتهم وفرطوا بتربية أولادهم .
وتعود ألآثار السيئة لمثل هذه التربية على ألأب أيضا بعد موته . فالولد الصالح كالصدقة الجارية إذ يحافظ على ذكر والده حيا . أما الولد الطالح فيكيل لوالده لعنات أبناء المجتمع . وهذا درس لنا اليوم وتحذير في نفس الوقت لكي ننتخب طريقنا في الحياة .

دور ألأب في التربية 31

الفصل الرابع
علاقة ألأب بولده


تكوّن الجنين :

يتكون الطفل من إتحاد بين ذرات الخلايا الجنسية في نطفة الرجل والمرأة ، ثم يسمى جنينا ويخرج مولودا كاملا إلى الحياة بعد أن يمر بعدد من المراحل في رحم ألأم .
ويمكن مشاهدة صفات وخصائص عديدة في هذا المولود الجديد أخذها من ألأب وألأم . فالوالدان ينقلان العديد من صفاتهما إلى ولدهما عن طريق الدم أو الوراثة والمحيط كالشكل والحجم وتركيب العظام والذكاء وبعض الصفات الطبيعية ألأخرى وحتى ألأمراض وأعراضها المختلفة .
ويمكن وصف الطفل بأنه خليط من صفات وخصائص الوالدين سواء في ألأمور الظاهرية أو الباطنية . ولكن ما هي الصفات التي يكتسبها الطفل من والده أو والدته ؟ فهذا ما يجيب عليه علم الوراثة الذي توصل إلى نتائج جيدة في هذا المجال .

تأثير ألأب على الجنين :

للأب نوعان من التأثير على الجنين ومن ثم على الطفل ، وسوف نشير إليهما بإختصار :

دور ألأب في التربية 32

1 ـ الوراثة

ونقصد بها ما يرثه الطفل من صفات وخصائص ألأب وألأم وأجدادهما عن طريق النطفة . ويؤثر ألأب على حاضر الطفل ومستقبله ، لهذا السبب فإن الآباء مسؤولون عن تلك النتائج .
وقد ذكر ألإسلام عدة وصايا وتعليمات في هذا المجال . فألأب يرسم من خلال صفاته التي سينقلها إلى هذا المولود برنامج حياته ويضع له المخطط الذي يؤهله لإمتلاك سيرة خاصة وصفات معينة في الحياة . لذا يجب على الملوثين والمصابين بألأمراض الخلقية أن يحذروا كثيرا لكي لا ينقلوا هذه الصفات إلى أطفالهم فيخلقوا لهم المشاكل . وقد حرمت الشريعة ألإسلامية بعض الناس من التمتع بحق إمتلاك الطفل ، كالمدمن على الخمر مثلا فلا يحق لزوجته أن تمكنه من نفسها عندما يكون ثملا .

أهمية الوراثة :

للوراثة دور كبير ومهم في حياة الطفل ، ونحن هنا لا نريد التحدث عن كيفية التأثير وكميته بل إنها مؤثرة بشكل مؤكد ولا بد من ألإلتفات إليها . ولها تبعات ثقيلة من الناحية العملية قد تستمر مع ألإنسان طيلة فترة حياته .
ويوجد عامل الوراثة لدى الطفل ميولا خلقية وسلوكية مختلفة لا يمكن تغيير العديد منها إضافة إلى التأثيرات الجسمية والنفسية كالذكاء أو ما يختص ببناء جسم ألإنسان .
إن سلامة ألأب أو مرضه وذكاءه أو غباءه وحتى نموه وسنه ... تؤثر في الطفل . وتخضع هذه التأثيرات لقانون الوراثة الذي يحدد مصير الطفل ومستقبله ودوره في الحياة.
وتعود بعض المشاكل والظواهر الجسمية والعقلية إلى الخلل الموجود في الكروموسومات ، ولا يمكننا أن ننسى دور ألأم في هذا المجال أيضا .
والنتيجة النهائية هي سعادة هذا المخلوق أو شقاؤه طيلة فترة حياته .

دور ألأب في التربية 33


الصفات الوراثية المنتقلة :

أشرنا سابقا إلى بعض الصفات التي يمكنها أن تنتقل عبر عامل الوراثة لكننا سنشير هنا إلى مجموعات هذه الصفات وهي :
ــ الصفات الخاصة بشكل الجسم وهيكليته . وبموجب هذه الصفات نرى أن ألإنسان لا يلد إلا إنسانا والحيوان لا يلد إلا حيوانا.
ــ الصفات الخاصة بالجوانب الطبيعية وفسلجة ألأعضاء مثل عمل القلب والرئة والغدد المختلفة والسن ولون الشعر والعين وغير ذلك .
ــ الصفات المرتبطة بالجوانب العقلية والنفسية كالذكاء والغباء والفهم وألإدراك وألإستيعاب وغيره .
ــ الصفات المرضية خاصة ألأمراض المزمنة كالسكر وبعض ألأمراض الجنسية وغير ذلك .
لذا نرى أن عامل الوراثة يتدخل بشكل كبير في البناء الظاهري والعصبي والطبيعي وحتى في التخلف العقلي وألأمراض النفسية ألأخرى . وترتبط سلامة الطفل وخلقه ونموه العضلي إرتباطا مباشرا بهذا العامل .
كما تنتقل العديد من الصفات ألأخرى كألإدمان على المخدرات والتخلف العقلي وألأمراض العصبية وحتى بعض الصفات العاطفية من ألأب إلى ولده بالإضافة إلى تأثيرات المحيط والوسط الذي يعيش فيه ذلك الطفل .
2 ـ المحيط

وهو عامل آخر مهم لا بد أن نذكره في هذا المجال . ونقصد بالمحيط الظروف التي يعيشها ذلك ألإنسان والوسط الذي يترعرع فيه الطفل . ويشمل المحيط مجموعة من العوامل كالغذاء والطبيعة الجغرافية وألأخلاق وغير ذلك .
وبشكل عام يمكن أن نقسم العوامل المحيطية المؤثرة إلى قسمين : العوامل ألإنسانية والعوامل غير ألإنسانية . ونقصد بالعوامل ألإنسانية ،

دور ألأب في التربية 34

ألأشخاص الذين يمكنهم فرض طبائعهم وأخلاقهم وثقافتهم على ألآخرين ويمكننا أن نشير في هذا المجال إلى ألأب وألأم وألأشقاء وألأقرباء وألأصدقاء والمعلم وأبناء المجتمع والمسؤولون والقادة ، إذ يؤثر كل واحد منهم بدرجة معينة .
أما في مجال العوامل غير ألإنسانية فيمكننا أن نشير إلى الغذاء والدواء والمشروبات والظروف المناخية والحالة الجغرافية وطبيعة العمل والضوضاء والظواهر ألمختلفة والغابات والصحاري والجبال وغير ذلك . وتحيط هذه العوامل بألإنسان بشكل أو بآخر وتجعله يتأثر بها .
والحقيقة فلا يمكننا أن نكتفي بذكر الوراثة فقط ، بل إن ألإنسان هو كائن ينشأ بفعل تأثيرات المحيط والوراثة معا .
وبخصوص ألأب لا بد من القول إن سلوكه وأخلاقه وتعامله وإلتزامه وموقفه إزاء مختلف ألأمور تعد كلها مؤثرة في الطفل بصورة أو بأخرى .
ويعتقد علماء النفس أن سلوك الطفل إنما هو مرآة تعكس سلوك والديه ، وأنه صورة لوالده في مجال السلوك وألإنضباط.

أهمية المحيط :

لا تقل أهمية المحيط عن الوراثة . فالمحيط الجيد يلغي أحيانا تلك التأثيرات السيئة لعامل الوراثة . ويستطيع المحيط السيء أيضا أن يلغي التأثير ألإيجابي لعامل الوراثة أحيانا . ووصل الحد بإبن نوح مثلا أن يفرط بعائلته ووالده كما أشار القرآن الكريم ، وذلك بسبب معاشرته للفاسدين .
وبخصوص المحيط لا بد من القول إن للأب دورا مهما في مجال تحديد سلوك ولده وأخلاقه وشرفه وإنحرافه . فلو كان ألأب نزيها ومؤمنا وشريفا وعابدا فإن هذه الصفات ستنتقل إلى ولده حتما . والعكس صحيح أيضا .
إن الرغبة بالتقليد في الطفل قوية وإنه يميل لتقليد الوالدين لإحتكاكه الكبير بهما خاصة وأن التقاليد العائلية وألأخلاق وألإلتزامات تسوق الطفل بهذا ألإتجاه . فألأب هو البطل بالنسبة لطفله الذي سيقلده حتى في سلوكه

السابق السابق الفهرس التالي التالي